- أكثر من 10 حقول غاز لشركات أجنبية ومجمعات عالمية عملاقة متمركزة في تونس برا وبحرا
- مدير عام المحروقات لـ"الصباح": مغادرة "شال" تونس مؤشر سلبي
- مختص وخبير في العقود والجباية البترولية لـ"الصباح": تعديل نسبة الضريبة..الغاز الصخري والطاقات المتجددة.. أبرز الحلول لاستقطاب الشركات الأجنبية
تونس-الصباح
أثار قرار مغادرة الشركة الأجنبية "شال" الناشطة في مجال الغاز بلادنا وإعلانها انتهاء نشاطها في حقل ميسكار منذ يوم 8 جوان المنقضي، جدلا واسعا بين الأوساط التونسية حول أسباب هذا القرار وتداعياته المنتظرة، ومدى قدرة الدولة على تسيير هذا الحقل الذي أصبح على ملك الشركة التونسية للأنشطة البترولية من الجانب المادي والتقني وحتى البشري، كما بعث قرار المغادرة العديد من التساؤلات حول عدد الشركات الأجنبية وعدد حقول الغاز التي تنشط فيها ومعدلات إنتاجها وجنسياتها ومواطن الشغل التي توفرها والعائدات التي تحققها سنويا ونصيب الدولة منها..
وللوقوف عند ابرز هذه الأسئلة المتداولة بين التونسيين، توجهت "الصباح" الى الإدارة العامة للمحروقات صلب وزارة الصناعة والمناجم والطاقة، حيث أوضح المسؤول في هذه الإدارة رشيد بن دالي في البداية سبب مغادرة كبرى الشركات الأجنبية الناشطة في مجال الغاز الطبيعي "شال" مؤخرا، والذي يتمثل بالأساس في خيار الشركة التخلي عن حقل ميسكار بمجرد انتهاء نشاط الرخصة المتفق بشأنها بينها وبين الدولة التونسية والتي تمتد على 30 سنة انتهت قانونيا منذ يوم 8 جوان 2022.
وأضاف بن دالي في تصريحه لـ"الصباح" أن الشركة أعلمت الدولة منذ سنة لاتخاذها هذا الخيار وعدم نيتها التمديد في آجال الرخصة ولا حتى تجديدها، مشيرا الى أن توجه "شال" هو خيار جديد اختارته المجموعة العالمية والتحول في طبيعة نشاطها من الطاقات الأحفورية الى الطاقات المتجددة بما يعني أنها صرحت بأن حقل ميسكار لم يعد من أولويات نشاطها عالميا ليصبح بالتالي حقل ميسكار من بين الحقول التي تخلت عنها نهائيا.
"الإيتاب" ومدى قدرتها على تسيير حقول الغاز
وبالتالي ومباشرة بعد خروج "شال" قانونيا وابتداء من 9 جوان 2022 فقد أصبحت الشركة التونسية للأنشطة البترولية هي المالك الرسمي لحقل ميسكار بنسبة مائة بالمائة، وبين المسؤول بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة أن الدولة أوجدت البديل منذ سنة تقريبا بمجرد إعلام الشركة بالمغادرة لبلادنا..
وأوضح بن دالي أن البديل يتمثل في شركة " APO " التي تعتبر فرعا عن الشركة التونسية للأنشطة البترولية "الايتاب" التي ستكون المشغل الرسمي لحقل ميسكار وهي عبارة عن شركة كانت بالتناصف بين "الايتاب" وشركة "شال" تحتوي على فنيين وكفاءات عالية ولها خبرات كبيرة في مجال الغاز الطبيعي استكشافا وتطويرا وإنتاجا، حسب تعبير محدثنا.
كما بين في ذات السياق أن هذه الشركة البديل هي عبارة عن شركة مقاولات في الإنتاج وليست شركة ربحية، تقوم بإنتاج الغاز الطبيعي على حساب أصحاب الرخصة وبعد إعلان شركة "شال" نيتها المغادرة وتخليها على نصيبها، وفرت الدولة كل الأطر التشريعية والفنية حتى تكون هذه الشركة الجديدة مؤهلة لتسيير الحقل.
وحول قرار المغادرة وتداعياته مستقبلا، أكد بن دالي ان خروج واحدة من كبرى الشركات الأجنبية الناشطة في قطاع الطاقة من تونس مثل شركة "شال " العملاقة يعد مؤشرا سلبيا سيحرمنا من استثمارات هامة في القطاع خاصة التي تتعلق بالاستكشاف والتي فيها قدرة كبيرة فنيا وماديا وفيها مخاطر عالية، فضلا عن الخبرات العالمية التي توفرها الشركة في الاستكشافات البحرية، مشيرا الى ان حقول الغاز في تونس على غرار حقل ميسكار وصدربعل تعتبر من الحقول التي في طور الإنتاج وفي طور النضوب بما يؤكد أنها لن توفر لنا إنتاجا مهما ولا عائدات كبيرة، حسب تعبيره.
عائدات هامة توفرها الشركات الأجنبية في القطاع للدولة
وبشان العائدات المالية التي توفرها الشركات الأجنبية الناشطة في مجال الغاز والبترول عموما وفي مجال الطاقة، فقد أوضح المسؤول بالوزارة أنها تصل الى نسبة 75 بالمائة من الأرباح المحققة في مجال الغاز الطبيعي والى ما يناهز الـ85 بالمائة من الأرباح في مجال البترول تدخل ميزانية الدولة سنويا حسب ما تضمنته مجلة المحروقات..
أما في ما يخص تبعات قرار المغادرة على بقية الاستثمارات المتمركزة في تونس في مجال الغاز، فقد أكد بن دالي أن نفس الشركة "شال" تنوي خلال السنتين القادمتين التخلي على حقل "صدربعل" كذلك ضمن نفس التوجه الذي اختارته المجموعة العالمية رغم أن مدة صلوحية رخصة هذا الحقل تتواصل الى غاية 2037.
وأوضح بن دالي في تصريحه لـ"الصباح" أن مخزون حقل صدربعل من الغاز الطبيعي في طور النضوب، وهو ما يؤكد ان الشركة لا تنوي تطويره وعبرت عن مغادرتها الحقل وعدم المواصلة في التطوير والاستكشاف، مشيرا الى أن هذا المسار سيكون متبوعا قانونيا بإجراءات لصالح الدولة التونسية حسب الاتفاقية بما يعرف بإجراءات هجر الحقل تعد بأكثر من 100 مليار بالنظر الى قيمة المنصات والأنابيب البحرية المكلفة التي سيتم هجرها والتخلي عنها وهي قيمة التعهدات والالتزامات التي من المفروض على الشركة المغادرة الالتزام بها كحصتها ونصيبها في تكاليف هجر الحقل قبل خروجها من تونس.
وبين بن دالي أن التحول الذي نجحت فيه الدولة من "شال" الى "الإيتاب" في حقل ميسكار منذ سنة تقريبا سيشمل حقل صدربعل قريبا خاصة أن هذا الحقل تنشط فيه الإيتاب كشريك بالتناصف مع شركة "شال"، مؤكدا على أهمية استكمال الدراسة التي تعكف الشركة التونسية للأنشطة البترولية حاليا على انجازها والخاصة بحقل صدربعل الذي ينتج لأكثر من 12 سنة لتطويره باعتباره قد بلغ مرحلة النضوب.
وبالرغم من توجه الشركات العملاقة العالمية نحو الطاقات المتجددة، إلا أن الطاقات الأحفورية مازالت تكتسي أهمية بالغة لدى العديد من الدول، وقد أكد في هذا السياق المدير العام للمحروقات أن تونس تعتمد على 65 بالمائة من الإنتاج المحلي من الطاقات الأحفورية و35 بالمائة المتبقية متأتية من الطاقات المتجددة بحلول سنة 2050.
المطلوب.. تعديل مجلة المحروقات والتخفيض في الضريبة
وهو ما يؤكد حاجة بلادنا الى الاستثمار في الطاقات الاحفورية، مما يتطلب الكثير من المجهودات لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المتأتية أساسا من الشركات العملاقة في القطاع، وهذا ما أكده بن دالي من خلال دور الدولة في تكثيف مجهوداتها في التسويق لهذه الطاقات والترويج للأراضي التونسية التي تتوفر فيها هذه الثروات الباطنية حتى تأتي إلينا هذه الشركات وتستثمر وتنتج الغاز والمواد الطاقية الأخرى.. حسب تعبيره.
كما اعتبر بن دالي أن على الدولة التعديل في نسبة الاداءات المفروضة على الشركات الأجنبية حتى لا تغادر البلاد وتواصل استثماراتها، مشيرا الى أهمية التوجه الى الطاقات المتجددة والحفاظ على الطاقات الاحفورية والتسويق لاستقطاب استثمارات جديدة عن طريق الشركة التونسية للأنشطة البترولية.
وفي ما يتعلق بالايتاب، اعتبر بن دالي أنها قادرة على تسيير حقول الغاز في الفترة القادمة في حال تخطي الوضع الظرفي الذي تعيشه في الآونة الأخيرة بسبب توسع العجز وتفاقم الديون غير المستخلصة من دائنيها بسبب ضغوطات المالية العمومية ووضع المنشات العمومية عموما.
وفي نفس الاتجاه، ذهب المختص والخبير في ميدان العقود والجباية البترولية، جمال القصبي الى ضرورة تمتيع الشركة التونسية للأنشطة البترولية من مستحقاتها حتى تكون قادرة على تسيير حقلي ميسكار وصدربعل لأهمية النشاط الذي تتطلبه هذه الحقول خاصة انها في طور النضوب.
تمتيع الإيتاب من مستحقاتها لتكون قادرة على تسيير حقلي ميسكار وصدربعل.
وتعيش الشركة التونسية للأنشطة البترولية وضعية مالية صعبة في الآونة الأخيرة لتصل خسائرها ال ما يناهز الـ1800 مليون دينار باحتساب ديونها المتخلدة بذمة المؤسسات العمومية عل غرار الستاغ والستير، حيث بلغت ديونها تجاه الشركة التونسية للكهرباء والغاز لوحدها حوالي 774 مليون دينار وفي حدود 1034 مليون دينار تجاه الشركة التونسية لصناعات التكرير وذلك إلى غاية موفى جويلية 2021 .
هذا الوضع أدى بالشركة الى عجزها عن خلاص دائنيها ودفع مستحقات الدولة بما قيمته 373 مليون دينار بعنوان إتاوات ومداخيل تسويق المحروقات، ليبلغ بالتالي مستوى العجز المالي لدى الشركة في حدود الـ830 مليون دينار.
وأضاف الخبير في تصريحه لـ "الصباح" ان حقل ميسكار الذي خرجت من نشاطه "شال" ينشط برخصة 30 سنة بمعدل إنتاج في ما بين 10 و 11 بالمائة من الاستهلاك الوطني من الغاز الطبيعي الذي يتم تسويقه مباشرة وفقط لحريفه الوحيد الشركة التونسية للكهرباء والغاز ونفس الشيء مع حقل صدربعل، مبينا ان تونس اليوم تشمل ما يفوق الـ10 حقول تنشط في الغاز الطبيعي بين هامة وهامشية.
أكثر من 10 حقول غاز في تونس
وابرز الخبير أن هذه الحقول تتمثل في حقول برية على غرار حقل نوارة بالجنوب التونسي بجهة تطاوين وفي نفس الجهة حقلان آخران؛ حقل شلبية وحقل ادم وفي البحر وحقل صدربعل وحقل ميسكار وحقل الشرقي في قرقنة وعدد يتراوح بين 3 و4 حقول أخرى تعتبر صغيرة.
ومن جانبه، اكد القصبي ان "الايتاب" استبقت مرحلة المغادرة الفعلية لشركة "شال "عن طريق إنشاء شركة مختلطة تسير وتشغل في حقل صدربعل من قبل لتسند لها اليوم مهمة تسيير حقل ميسكار بعد مغادرة "شال"، معتبرا ان الفريق الذي يسير الشركة قادر عل مواصلة نشاط الحقل شريطة ان توفر الدولة من جهتها تحفيزات وتسهيلات إجرائية خاصة في ما يتعلق بنظام طلبات العروض العمومية.
وحول تداعيات مغادرة الشركات الأجنبية عموما لبلادنا، اكد القصبي انها تعتبر خسارة كبيرة لان هذه الشركات تخلق الثورة في البلاد ولها مراكز بحث وتطوير متقدمة عالميا تقوم بتطبيقها في الحقول التي تنشط فيها وتجد الحلول بسهولة لكل الإشكاليات التي تعترضها، مشيرا الى نية شركة "ايني" المغادرة هي الأخرى في إطار خيارها التخلي عن الحقول الهامشية عل غرار الحقول التي تنشط فيها في تونس بنسبة تقل عن 1 بالمائة من إنتاجها الجملي في العالم والتوجه نحو الحقول الأكثر ربحية ..
الدولة في مواجهة المغادرة وهجر الآبار لكبرى الشركات
وأكد الخبير في مجال الطاقة في هذا الإطار انه من الضروري اليوم في ظل التوجه الجديد للشركات العملاقة الناشطة في مجال الغاز والبترول ان تحسن الدولة عن طريق "الايتاب" توظيف إمكانياتها في الترويج والتسويق لاستقطاب الشركات حتى الصغيرة منها القادرة على مشاركة الدولة في تسيير استثماراتها ..
كما أضاف القصبي انه من المهم ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي وتعديل قانون المحروقات بالمقارنة مع البلدان الشبيهة بتونس والتي تتوفر فيها حقول صغيرة وتعديل نسبة الجباية والضرائب عن طريق التخفيض فيها والتوجه الى الغاز الصخري بالرجوع الى التجارب الناجحة مع اعتماد التقنيات الحديثة للمحافظة على البيئة والمياه دون نسيان التركيز على الطاقات المتجددة ...
ويرى محدثنا ان القرار الاستراتيجي الذي اتخذته مجموعة "شال" العالمية من هذه الحقول التي تعتبرها صغيرة يسمح للشركات الصغيرة من اخذ مكانها الى جانب "الايتاب" وهذا ما يجب ان تسعى اليه الدولة حتى تتمكن من تسيير هذه الحقول بأقل التكاليف والمخاطر .......
وكان قرار مغادرة شركة "شال" قد أثار جدلا واسعا بين التونسيين في اليومين الأخيرين، اختلفت فيه الآراء بين اعتباره قرارا انبثق عن السلطة التنفيذية في اتجاه تأميم الثروات الطبيعية واستبعاد الشركات الأجنبية عن الساحة الوطنية استنادا الى الفصل 13 من الدستور الذي ينص بان "الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، تمارس الدولة السيادة عليها باسمه."
وبين شق ثان على علم بتفاصيل الاتفاقية وان القرار لم ياتي من الجانب التونسي بل ان الشركة التونسية للأنشطة البترولية تحصلت على امتياز استغلال المحروقات في حقل ميسكار مائة بالمائة، وفقًا لقرار وزارة الصناعة والطاقة والمناجم في الرائد الرسمي رقم 90 لعام 2022 بعد انتهاء صلوحية رخصة الاستغلال.
وبالنظر الى هذه التفاصيل التي أفصحت عنها الحكومة السابقة منذ سنتين تقريبا عندما تقدمت شركة “شال” بصفة رسميّة لوزارة الصناعة والطاقة والمناجم لإعلامها بقرار مغادرة تونس مع حلول شهر جوان 2022 وهو نفس تاريخ انتهاء رخصة استغلال حقل ميسكار، وقد عمدت الشركة التي تنشط في تونس منذ قرابة 90 سنة للاستعانة ببنك الاستثمار روتشيلد آند كو لبيع أصولها التونسية، التي تشمل حقلين بحريين للغاز ومنشأة إنتاج برية.
ولتجنب عدوى هجر كبرى الشركات العالمية الناشطة في مجال الطاقة لبلادنا، على الدولة اليوم ان تولي الأهمية المطلقة لتامين الاستقرار السياسي والاجتماعي والتفكير جديا في إيجاد آليات وحلول ترويجية وتحفيزات جديدة لاستقطاب استثمارات خارجية في القطاع مع المحافظة قدر الإمكان على استقرار الشركات الأجنبية المتمركزة في البلاد والناشطة في قطاع حيوي يتطلب الكثير من الإمكانيات التقنية والمادية التي تستعصى على دولة تعاني صعوبات مالية كبيرة..
وفاء بن محمد
- أكثر من 10 حقول غاز لشركات أجنبية ومجمعات عالمية عملاقة متمركزة في تونس برا وبحرا
- مدير عام المحروقات لـ"الصباح": مغادرة "شال" تونس مؤشر سلبي
- مختص وخبير في العقود والجباية البترولية لـ"الصباح": تعديل نسبة الضريبة..الغاز الصخري والطاقات المتجددة.. أبرز الحلول لاستقطاب الشركات الأجنبية
تونس-الصباح
أثار قرار مغادرة الشركة الأجنبية "شال" الناشطة في مجال الغاز بلادنا وإعلانها انتهاء نشاطها في حقل ميسكار منذ يوم 8 جوان المنقضي، جدلا واسعا بين الأوساط التونسية حول أسباب هذا القرار وتداعياته المنتظرة، ومدى قدرة الدولة على تسيير هذا الحقل الذي أصبح على ملك الشركة التونسية للأنشطة البترولية من الجانب المادي والتقني وحتى البشري، كما بعث قرار المغادرة العديد من التساؤلات حول عدد الشركات الأجنبية وعدد حقول الغاز التي تنشط فيها ومعدلات إنتاجها وجنسياتها ومواطن الشغل التي توفرها والعائدات التي تحققها سنويا ونصيب الدولة منها..
وللوقوف عند ابرز هذه الأسئلة المتداولة بين التونسيين، توجهت "الصباح" الى الإدارة العامة للمحروقات صلب وزارة الصناعة والمناجم والطاقة، حيث أوضح المسؤول في هذه الإدارة رشيد بن دالي في البداية سبب مغادرة كبرى الشركات الأجنبية الناشطة في مجال الغاز الطبيعي "شال" مؤخرا، والذي يتمثل بالأساس في خيار الشركة التخلي عن حقل ميسكار بمجرد انتهاء نشاط الرخصة المتفق بشأنها بينها وبين الدولة التونسية والتي تمتد على 30 سنة انتهت قانونيا منذ يوم 8 جوان 2022.
وأضاف بن دالي في تصريحه لـ"الصباح" أن الشركة أعلمت الدولة منذ سنة لاتخاذها هذا الخيار وعدم نيتها التمديد في آجال الرخصة ولا حتى تجديدها، مشيرا الى أن توجه "شال" هو خيار جديد اختارته المجموعة العالمية والتحول في طبيعة نشاطها من الطاقات الأحفورية الى الطاقات المتجددة بما يعني أنها صرحت بأن حقل ميسكار لم يعد من أولويات نشاطها عالميا ليصبح بالتالي حقل ميسكار من بين الحقول التي تخلت عنها نهائيا.
"الإيتاب" ومدى قدرتها على تسيير حقول الغاز
وبالتالي ومباشرة بعد خروج "شال" قانونيا وابتداء من 9 جوان 2022 فقد أصبحت الشركة التونسية للأنشطة البترولية هي المالك الرسمي لحقل ميسكار بنسبة مائة بالمائة، وبين المسؤول بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة أن الدولة أوجدت البديل منذ سنة تقريبا بمجرد إعلام الشركة بالمغادرة لبلادنا..
وأوضح بن دالي أن البديل يتمثل في شركة " APO " التي تعتبر فرعا عن الشركة التونسية للأنشطة البترولية "الايتاب" التي ستكون المشغل الرسمي لحقل ميسكار وهي عبارة عن شركة كانت بالتناصف بين "الايتاب" وشركة "شال" تحتوي على فنيين وكفاءات عالية ولها خبرات كبيرة في مجال الغاز الطبيعي استكشافا وتطويرا وإنتاجا، حسب تعبير محدثنا.
كما بين في ذات السياق أن هذه الشركة البديل هي عبارة عن شركة مقاولات في الإنتاج وليست شركة ربحية، تقوم بإنتاج الغاز الطبيعي على حساب أصحاب الرخصة وبعد إعلان شركة "شال" نيتها المغادرة وتخليها على نصيبها، وفرت الدولة كل الأطر التشريعية والفنية حتى تكون هذه الشركة الجديدة مؤهلة لتسيير الحقل.
وحول قرار المغادرة وتداعياته مستقبلا، أكد بن دالي ان خروج واحدة من كبرى الشركات الأجنبية الناشطة في قطاع الطاقة من تونس مثل شركة "شال " العملاقة يعد مؤشرا سلبيا سيحرمنا من استثمارات هامة في القطاع خاصة التي تتعلق بالاستكشاف والتي فيها قدرة كبيرة فنيا وماديا وفيها مخاطر عالية، فضلا عن الخبرات العالمية التي توفرها الشركة في الاستكشافات البحرية، مشيرا الى ان حقول الغاز في تونس على غرار حقل ميسكار وصدربعل تعتبر من الحقول التي في طور الإنتاج وفي طور النضوب بما يؤكد أنها لن توفر لنا إنتاجا مهما ولا عائدات كبيرة، حسب تعبيره.
عائدات هامة توفرها الشركات الأجنبية في القطاع للدولة
وبشان العائدات المالية التي توفرها الشركات الأجنبية الناشطة في مجال الغاز والبترول عموما وفي مجال الطاقة، فقد أوضح المسؤول بالوزارة أنها تصل الى نسبة 75 بالمائة من الأرباح المحققة في مجال الغاز الطبيعي والى ما يناهز الـ85 بالمائة من الأرباح في مجال البترول تدخل ميزانية الدولة سنويا حسب ما تضمنته مجلة المحروقات..
أما في ما يخص تبعات قرار المغادرة على بقية الاستثمارات المتمركزة في تونس في مجال الغاز، فقد أكد بن دالي أن نفس الشركة "شال" تنوي خلال السنتين القادمتين التخلي على حقل "صدربعل" كذلك ضمن نفس التوجه الذي اختارته المجموعة العالمية رغم أن مدة صلوحية رخصة هذا الحقل تتواصل الى غاية 2037.
وأوضح بن دالي في تصريحه لـ"الصباح" أن مخزون حقل صدربعل من الغاز الطبيعي في طور النضوب، وهو ما يؤكد ان الشركة لا تنوي تطويره وعبرت عن مغادرتها الحقل وعدم المواصلة في التطوير والاستكشاف، مشيرا الى أن هذا المسار سيكون متبوعا قانونيا بإجراءات لصالح الدولة التونسية حسب الاتفاقية بما يعرف بإجراءات هجر الحقل تعد بأكثر من 100 مليار بالنظر الى قيمة المنصات والأنابيب البحرية المكلفة التي سيتم هجرها والتخلي عنها وهي قيمة التعهدات والالتزامات التي من المفروض على الشركة المغادرة الالتزام بها كحصتها ونصيبها في تكاليف هجر الحقل قبل خروجها من تونس.
وبين بن دالي أن التحول الذي نجحت فيه الدولة من "شال" الى "الإيتاب" في حقل ميسكار منذ سنة تقريبا سيشمل حقل صدربعل قريبا خاصة أن هذا الحقل تنشط فيه الإيتاب كشريك بالتناصف مع شركة "شال"، مؤكدا على أهمية استكمال الدراسة التي تعكف الشركة التونسية للأنشطة البترولية حاليا على انجازها والخاصة بحقل صدربعل الذي ينتج لأكثر من 12 سنة لتطويره باعتباره قد بلغ مرحلة النضوب.
وبالرغم من توجه الشركات العملاقة العالمية نحو الطاقات المتجددة، إلا أن الطاقات الأحفورية مازالت تكتسي أهمية بالغة لدى العديد من الدول، وقد أكد في هذا السياق المدير العام للمحروقات أن تونس تعتمد على 65 بالمائة من الإنتاج المحلي من الطاقات الأحفورية و35 بالمائة المتبقية متأتية من الطاقات المتجددة بحلول سنة 2050.
المطلوب.. تعديل مجلة المحروقات والتخفيض في الضريبة
وهو ما يؤكد حاجة بلادنا الى الاستثمار في الطاقات الاحفورية، مما يتطلب الكثير من المجهودات لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المتأتية أساسا من الشركات العملاقة في القطاع، وهذا ما أكده بن دالي من خلال دور الدولة في تكثيف مجهوداتها في التسويق لهذه الطاقات والترويج للأراضي التونسية التي تتوفر فيها هذه الثروات الباطنية حتى تأتي إلينا هذه الشركات وتستثمر وتنتج الغاز والمواد الطاقية الأخرى.. حسب تعبيره.
كما اعتبر بن دالي أن على الدولة التعديل في نسبة الاداءات المفروضة على الشركات الأجنبية حتى لا تغادر البلاد وتواصل استثماراتها، مشيرا الى أهمية التوجه الى الطاقات المتجددة والحفاظ على الطاقات الاحفورية والتسويق لاستقطاب استثمارات جديدة عن طريق الشركة التونسية للأنشطة البترولية.
وفي ما يتعلق بالايتاب، اعتبر بن دالي أنها قادرة على تسيير حقول الغاز في الفترة القادمة في حال تخطي الوضع الظرفي الذي تعيشه في الآونة الأخيرة بسبب توسع العجز وتفاقم الديون غير المستخلصة من دائنيها بسبب ضغوطات المالية العمومية ووضع المنشات العمومية عموما.
وفي نفس الاتجاه، ذهب المختص والخبير في ميدان العقود والجباية البترولية، جمال القصبي الى ضرورة تمتيع الشركة التونسية للأنشطة البترولية من مستحقاتها حتى تكون قادرة على تسيير حقلي ميسكار وصدربعل لأهمية النشاط الذي تتطلبه هذه الحقول خاصة انها في طور النضوب.
تمتيع الإيتاب من مستحقاتها لتكون قادرة على تسيير حقلي ميسكار وصدربعل.
وتعيش الشركة التونسية للأنشطة البترولية وضعية مالية صعبة في الآونة الأخيرة لتصل خسائرها ال ما يناهز الـ1800 مليون دينار باحتساب ديونها المتخلدة بذمة المؤسسات العمومية عل غرار الستاغ والستير، حيث بلغت ديونها تجاه الشركة التونسية للكهرباء والغاز لوحدها حوالي 774 مليون دينار وفي حدود 1034 مليون دينار تجاه الشركة التونسية لصناعات التكرير وذلك إلى غاية موفى جويلية 2021 .
هذا الوضع أدى بالشركة الى عجزها عن خلاص دائنيها ودفع مستحقات الدولة بما قيمته 373 مليون دينار بعنوان إتاوات ومداخيل تسويق المحروقات، ليبلغ بالتالي مستوى العجز المالي لدى الشركة في حدود الـ830 مليون دينار.
وأضاف الخبير في تصريحه لـ "الصباح" ان حقل ميسكار الذي خرجت من نشاطه "شال" ينشط برخصة 30 سنة بمعدل إنتاج في ما بين 10 و 11 بالمائة من الاستهلاك الوطني من الغاز الطبيعي الذي يتم تسويقه مباشرة وفقط لحريفه الوحيد الشركة التونسية للكهرباء والغاز ونفس الشيء مع حقل صدربعل، مبينا ان تونس اليوم تشمل ما يفوق الـ10 حقول تنشط في الغاز الطبيعي بين هامة وهامشية.
أكثر من 10 حقول غاز في تونس
وابرز الخبير أن هذه الحقول تتمثل في حقول برية على غرار حقل نوارة بالجنوب التونسي بجهة تطاوين وفي نفس الجهة حقلان آخران؛ حقل شلبية وحقل ادم وفي البحر وحقل صدربعل وحقل ميسكار وحقل الشرقي في قرقنة وعدد يتراوح بين 3 و4 حقول أخرى تعتبر صغيرة.
ومن جانبه، اكد القصبي ان "الايتاب" استبقت مرحلة المغادرة الفعلية لشركة "شال "عن طريق إنشاء شركة مختلطة تسير وتشغل في حقل صدربعل من قبل لتسند لها اليوم مهمة تسيير حقل ميسكار بعد مغادرة "شال"، معتبرا ان الفريق الذي يسير الشركة قادر عل مواصلة نشاط الحقل شريطة ان توفر الدولة من جهتها تحفيزات وتسهيلات إجرائية خاصة في ما يتعلق بنظام طلبات العروض العمومية.
وحول تداعيات مغادرة الشركات الأجنبية عموما لبلادنا، اكد القصبي انها تعتبر خسارة كبيرة لان هذه الشركات تخلق الثورة في البلاد ولها مراكز بحث وتطوير متقدمة عالميا تقوم بتطبيقها في الحقول التي تنشط فيها وتجد الحلول بسهولة لكل الإشكاليات التي تعترضها، مشيرا الى نية شركة "ايني" المغادرة هي الأخرى في إطار خيارها التخلي عن الحقول الهامشية عل غرار الحقول التي تنشط فيها في تونس بنسبة تقل عن 1 بالمائة من إنتاجها الجملي في العالم والتوجه نحو الحقول الأكثر ربحية ..
الدولة في مواجهة المغادرة وهجر الآبار لكبرى الشركات
وأكد الخبير في مجال الطاقة في هذا الإطار انه من الضروري اليوم في ظل التوجه الجديد للشركات العملاقة الناشطة في مجال الغاز والبترول ان تحسن الدولة عن طريق "الايتاب" توظيف إمكانياتها في الترويج والتسويق لاستقطاب الشركات حتى الصغيرة منها القادرة على مشاركة الدولة في تسيير استثماراتها ..
كما أضاف القصبي انه من المهم ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي وتعديل قانون المحروقات بالمقارنة مع البلدان الشبيهة بتونس والتي تتوفر فيها حقول صغيرة وتعديل نسبة الجباية والضرائب عن طريق التخفيض فيها والتوجه الى الغاز الصخري بالرجوع الى التجارب الناجحة مع اعتماد التقنيات الحديثة للمحافظة على البيئة والمياه دون نسيان التركيز على الطاقات المتجددة ...
ويرى محدثنا ان القرار الاستراتيجي الذي اتخذته مجموعة "شال" العالمية من هذه الحقول التي تعتبرها صغيرة يسمح للشركات الصغيرة من اخذ مكانها الى جانب "الايتاب" وهذا ما يجب ان تسعى اليه الدولة حتى تتمكن من تسيير هذه الحقول بأقل التكاليف والمخاطر .......
وكان قرار مغادرة شركة "شال" قد أثار جدلا واسعا بين التونسيين في اليومين الأخيرين، اختلفت فيه الآراء بين اعتباره قرارا انبثق عن السلطة التنفيذية في اتجاه تأميم الثروات الطبيعية واستبعاد الشركات الأجنبية عن الساحة الوطنية استنادا الى الفصل 13 من الدستور الذي ينص بان "الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، تمارس الدولة السيادة عليها باسمه."
وبين شق ثان على علم بتفاصيل الاتفاقية وان القرار لم ياتي من الجانب التونسي بل ان الشركة التونسية للأنشطة البترولية تحصلت على امتياز استغلال المحروقات في حقل ميسكار مائة بالمائة، وفقًا لقرار وزارة الصناعة والطاقة والمناجم في الرائد الرسمي رقم 90 لعام 2022 بعد انتهاء صلوحية رخصة الاستغلال.
وبالنظر الى هذه التفاصيل التي أفصحت عنها الحكومة السابقة منذ سنتين تقريبا عندما تقدمت شركة “شال” بصفة رسميّة لوزارة الصناعة والطاقة والمناجم لإعلامها بقرار مغادرة تونس مع حلول شهر جوان 2022 وهو نفس تاريخ انتهاء رخصة استغلال حقل ميسكار، وقد عمدت الشركة التي تنشط في تونس منذ قرابة 90 سنة للاستعانة ببنك الاستثمار روتشيلد آند كو لبيع أصولها التونسية، التي تشمل حقلين بحريين للغاز ومنشأة إنتاج برية.
ولتجنب عدوى هجر كبرى الشركات العالمية الناشطة في مجال الطاقة لبلادنا، على الدولة اليوم ان تولي الأهمية المطلقة لتامين الاستقرار السياسي والاجتماعي والتفكير جديا في إيجاد آليات وحلول ترويجية وتحفيزات جديدة لاستقطاب استثمارات خارجية في القطاع مع المحافظة قدر الإمكان على استقرار الشركات الأجنبية المتمركزة في البلاد والناشطة في قطاع حيوي يتطلب الكثير من الإمكانيات التقنية والمادية التي تستعصى على دولة تعاني صعوبات مالية كبيرة..