في خطوة تصعيدية جديدة عقد أمس عدد من النقابات الأمنية اجتماعا عاما لتدارس الوضعية الاجتماعية والمهنية للأمنيين المباشرين منهم والمتقاعدين، كما أعلنت ذلك بعض القيادات الأمنية والصفحات الرسمية لهذه النقابات الأمنية..، ولكن حقيقة هذا الاجتماع وأسبابه ليست فقط الوضعية المهنية لمنظوري هذه النقابات من الأمنيين بل التطورات الأخيرة في علاقة بوضعية النقابات الأمنية نفسها خاصة بعد واقعة الممثل المسرحي لطفي العبدلي ودعوة بعد ذلك رئيس الجمهورية إلى توحيد العمل النقابي الأمني في نقابة واحدة مهمتها الأساسية هو الوضع الاجتماعي والمهني للأمنيين، إلى جانب ما أعلنته وزارة الداخلية عن اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد بعض أعوان الأمن من المنتسبين إلى النقابات الأمنية وتتبعهم تأديبيا وجزائيا، بإحالتهم أمام مجالس الشرف أو المحكمة العسكرية وذلك لارتكابهم لتجاوزات تمس بالسير العادي للعمل وواجب الانضباط والجدية، وفق ما أكدته وزارة الداخلية في بلاغ لها صدر منذ أيام.
والإجراءات التي أعلنت عنها الوزارة مؤخرا هي أبرز سبب لهذا الاجتماع الأمني النقابي الضخم الذي سبقته عملية تحشيد رهيبة خلال كل الأيام وتم وضع حتى حافلات لجلب الأمنيين من الجهات..، وبالتالي فان هذا الاجتماع الذي يتنّزل موضوعيا وواقعيا في اطار سياسية استعراض القوة والتصدّي لمحاولة السلطة اليوم الممثلة في رئيس الجمهورية وفي وزير الداخلية لتنظيم هذا الجسم النقابي الأمني الضخم وذي الرؤوس المتعددة والذي تجاوز المهام الاجتماعية والمهنية المتعارف عليها في العمل النقابي ليلعب أدورا في اتخاذ القرارات الأمنية أو الدعوة إلى الامتناع عن تنفيذ بعض هذه القرارات والتعليمات وصولا حتى الى لعب أدوار شبه سياسية والاصطفاف في معارك أيديولوجية لا على علاقة لها بدور الامن الذي يحمي الدولة بكل منشآتها ومؤسساتها كما يحمي المواطنين ويطبق القانون ويتصدى لأي تجاوزات أو خروقات.
الجسم النقابي الأمني
رغم أن الفضاء الافتراضي يعج بمئات الصفحات التي تنتحل صفة العمل النقابي، إلا أن الجسم النقابي الأمني تكون في الأساس من 12 نقابة أمنية وهي نقابة الإدارة العامة والتدخل ونقابة الإدارة العامة للأمن العمومي والنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي والاتحاد الوطني لنقابات الأمن التونسي ونقابة الادارة العامة للمصالح المشتركة ونقابة الإدارة العامة للمصالح المختصة والنقابة العامة للحرس واتحاد نقابات الحماية المدنية ونقابة الادارة العامة للتكوين والأمانة العامة لقوات الأمن الداخلي ونقابة الأمن الجمهوري التونسي والنقابة العامة للسجون والتي تسند النقابات الأمنية في كل تحركاتها وقراراتها رغم انه عمليا لم تعد إدارة السجون والإصلاح تتبع وزارة الداخلية وأصبحت منذ سنوات تحت إشراف وزارة العدل، ولكن هذه النقابات تتحد تحت قاسم مشترك خطير وهي أنها كلها تهم أسلاكا وأجهزة حاملة للسلاح في الدولة!
في 2011 تم السماح بتكوين هذه النقابات الأمنية بمقتضى المرسوم عدد 42 لسنة 2011 مؤرخ في 25 ماي 2011 الذي حلّ محلّ القانون المتعلق بضبط القانون الأساسي لقوات الأمن الداخلي.. ولكن في الحقيقة هذه النقابات انتصبت واقعيا منذ شهر جانفي 2011 للدفاع عن منظوريها خاصة وان المزاج الشعبي وقتها كان معاديا لوزارة الداخلية التي كان يعتبرها أداة القمع الأشرس زمن نظام بن علي.
وتتكتم أغلب النقابات في الإعلان عن عدد منخرطيها، ولكنها في المقابل فانه ومن خلال هذه النقابات أصبح الأمنيون يتمتعون بحصانة اعتبارية في عملهم عند مثولهم أمام المجالس التأديبية، أو عند إحالتهم على التفقدية العامة، مع توفير محامين في صورة كان الامر يتعلق بقضية جزائية أمام القضاء..، وبشكل أو بآخر ساهم ذلك في إرساء سياسية افلات من العقاب داخل الأجهزة الأمنية وجعل هذه النقابات تتغوّل وتستقوي حتى على قياداتها الأمنية.
رئيس جمعية أمل لمتقاعدي الأمن التونسي لـ"الصباح": الحق النقابي ليس بالحق المطلق وإنما هو حق تقيده القوانين..
جمعية أمل واستشراف لمتقاعدي الأمن التونسي، التي يترأسها الإطار الأمني المتقاعد عبد المجيد البلومي وتضم قيادات أمنية متقاعدة تقلدت مناصب عليا صلب الجهاز الأمني وعايشت مراحل مختلفة وحرجة من تاريخ وزارة الداخلية قبل وبعد الثورة، تضع صلب نظامها الأساسي أهدافا من ضمنها الاهتمام بالشأن الأمني وتقديم رؤى ومقترحات لإصلاحه، استنادا لمخزون خبرة أمنية ووازع وطنية متجذر لدى اعضاء الجمعية من الأمنيين المتقاعدين، كما يقول رئيس الجمعية عبد المجيد البلومي.
وفي علاقة بالأزمة الأخيرة والتي تدور في أغلبها حول مهام النقابات الأمنية ومربع عملها يقول البلومي في هذا التصريح الخاص لجريدة "الصباح": »في البداية لا بد من الإشارة الى أن الحراك النقابي في القطاع الأمني يهمني ويهم الجمعية باعتباره جزءا لا يتجزأ من الشأن الأمني. والشأن الأمني لا يهم الأمنيين فقط كما يخيل للبعض وإنما هو شأن عام بامتياز لارتباطه الوثيق والمستمر بحياة كل الناس، وإذا أردنا أن نتحدث عن واقع النقابات الأمنية فلا بد أن نعود الى لحظة التأسيس في 2011 والتي مثّلت تحديا ومغامرة لعدة أسباب من أهمها الارتباك والتردد القيادي الذي نجم عن افراغ المؤسسة من معظم قادتها باعتماد آلية التقاعد الوجوبي التي شملت قياديين أمنيين متمكنين وأكفاء، وإيداع عدد منهم بالسجون دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة. وتم في المقابل إعادة إدماج بالجملة لأمنيين معزولين دون مراجعة وضعياتهم حالة بحالة لفرز المظلوم من الظالم، وقد سجل التحاق عدد من هؤلاء بالهياكل النقابية الأمنية. بالإضافة إلى انطلاق النشاط النقابي من فراغ، بمعنى دون أية تجربة أو اطلاع جيد على القوانين ذات الصلة بالمجال النقابي وأهمها أحكام مجلة الشغل في بابها المتعلق بالنقابات المهنية، وكذلك النصوص المنظمة لعمل المؤسسة الأمنية بمختلف أسلاكها".
ويضيف رئيس جمعية أمل لمتقاعدي الأمن التونسي: »في المناخ السياسي الذي ساد سنتي 2012 و2013 بدأت النقابة الأصلية تنقسم وتتجزأ إلى تشكيلات مستقلة، وانحرف بعض مسيريها عن الأهداف العامة والأصلية للنقابات، إلا أنه لا يمكن وصفه وقتها إلا بـ " الانحراف الإيجابي". حيث اكتسحت بعض الاطراف النقابية المنابر الإعلامية وتجرأت على كشف المستور بالتنسيق مع المجتمع المدني مثل مخيمات التدريب بالجبال بما مكن من كبح جماح أخطبوط التشدد الذي تغول وكان يهيئ لإرساء نمط مجتمعي مغاير لما عرفته بلادنا منذ الاستقلال من مدنية وحداثة وتفتح. وللتاريخ فقد تحملت بعض الأطراف النقابية وقتها المسؤولية ولعبت دورا لا يستهان به فيما يتعلق بتغيير الخارطة السياسية سنة 2013 رغم ما وفرته حكومة "الترويكا" من أرضية لإسناد امتيازات إدارية ومادية للأمنيين والعسكريين وهم جديرون بذلك«.
وقد ذكّر البلومي في ذات السياق بالدور الذي لعبته نقابة الامن الرئاسي في حماية أرشيف القصر الرئاسي، مستدركا: »إلا أن مثل هذه الادوار المتعلقة بكيان الدولة لا تنسحب على الشأن النقابي في الظروف العادية، الحق النقابي الأمني هو من أهم المكاسب على غرار ما هو موجود بعدة دول. ولذلك نجد أن دستور 2014 وكذلك الدستور الحالي كفلا هذا الحق للأمنيين مع تحجير حق الإضراب أو تعطيل سير العمل بأي شكل من الاشكال مثلما ينص عليه المرسوم الذي أضفى شرعية على النشاط النقابي الأمني. إلا أن الدستور الذي كرس الحق النقابي للأمنيين مثل غيرهم اوجب على النقابات مثل الأحزاب والجمعيات الالتزام والتقيد بالقانون. والمراسيم التي يصدرها رئيس الجمهورية في ظل غياب السلطة التشريعية تحتل نفس مرتبة القوانين وبالتالي لا بد من الالتزام بها".
مؤكدا في ذات السياق أن الحق النقابي ليس بالحق المطلق وإنما هو حق تقيده القوانين. وبما أن رئيس الجمهورية يمسك حاليا السلطة التشريعية فمن حقه إصدار مرسوم لتعديل المرسوم 42 لسنة 2011 وما على مسيري النقابات الأمنية إلا الإذعان له، وفق تعبيره.
كما أكد البلومي أن توحيد النقابات لا يعني أبدا تدجينها لتنسجم مع الإدارة قائلا :"هذا الأمر لا يستقيم ضرورة أن الهيكل الموحد ستفرزه انتخابات القواعد على قدر التمثيلية وليس التعينات وهنا لا شيء يمنعها من ممارسة مهامها كاملة في الدفاع عن منظوريها والتصدي للإدارة.. وما صرح به الرئيس حول دور النقابات يتطابق تماما مع دورها المنصوص عليه بوضوح بالفصل 243 من مجلة الشغل (درس المصالح الاجتماعية والاقتصادية لمنخرطيها والدفاع عنها لا غير) علما وأن الجانب الاجتماعي هو أم معارك النقابات بالإضافة إلى أن أوضاع البلاد تحتاج إلى التهدئة والهدنة والتفرغ إلى العمل لأن التحديات جسيمة وخاصة الأمنية منها«.
منية العرفاوي
تونس – الصباح
في خطوة تصعيدية جديدة عقد أمس عدد من النقابات الأمنية اجتماعا عاما لتدارس الوضعية الاجتماعية والمهنية للأمنيين المباشرين منهم والمتقاعدين، كما أعلنت ذلك بعض القيادات الأمنية والصفحات الرسمية لهذه النقابات الأمنية..، ولكن حقيقة هذا الاجتماع وأسبابه ليست فقط الوضعية المهنية لمنظوري هذه النقابات من الأمنيين بل التطورات الأخيرة في علاقة بوضعية النقابات الأمنية نفسها خاصة بعد واقعة الممثل المسرحي لطفي العبدلي ودعوة بعد ذلك رئيس الجمهورية إلى توحيد العمل النقابي الأمني في نقابة واحدة مهمتها الأساسية هو الوضع الاجتماعي والمهني للأمنيين، إلى جانب ما أعلنته وزارة الداخلية عن اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد بعض أعوان الأمن من المنتسبين إلى النقابات الأمنية وتتبعهم تأديبيا وجزائيا، بإحالتهم أمام مجالس الشرف أو المحكمة العسكرية وذلك لارتكابهم لتجاوزات تمس بالسير العادي للعمل وواجب الانضباط والجدية، وفق ما أكدته وزارة الداخلية في بلاغ لها صدر منذ أيام.
والإجراءات التي أعلنت عنها الوزارة مؤخرا هي أبرز سبب لهذا الاجتماع الأمني النقابي الضخم الذي سبقته عملية تحشيد رهيبة خلال كل الأيام وتم وضع حتى حافلات لجلب الأمنيين من الجهات..، وبالتالي فان هذا الاجتماع الذي يتنّزل موضوعيا وواقعيا في اطار سياسية استعراض القوة والتصدّي لمحاولة السلطة اليوم الممثلة في رئيس الجمهورية وفي وزير الداخلية لتنظيم هذا الجسم النقابي الأمني الضخم وذي الرؤوس المتعددة والذي تجاوز المهام الاجتماعية والمهنية المتعارف عليها في العمل النقابي ليلعب أدورا في اتخاذ القرارات الأمنية أو الدعوة إلى الامتناع عن تنفيذ بعض هذه القرارات والتعليمات وصولا حتى الى لعب أدوار شبه سياسية والاصطفاف في معارك أيديولوجية لا على علاقة لها بدور الامن الذي يحمي الدولة بكل منشآتها ومؤسساتها كما يحمي المواطنين ويطبق القانون ويتصدى لأي تجاوزات أو خروقات.
الجسم النقابي الأمني
رغم أن الفضاء الافتراضي يعج بمئات الصفحات التي تنتحل صفة العمل النقابي، إلا أن الجسم النقابي الأمني تكون في الأساس من 12 نقابة أمنية وهي نقابة الإدارة العامة والتدخل ونقابة الإدارة العامة للأمن العمومي والنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي والاتحاد الوطني لنقابات الأمن التونسي ونقابة الادارة العامة للمصالح المشتركة ونقابة الإدارة العامة للمصالح المختصة والنقابة العامة للحرس واتحاد نقابات الحماية المدنية ونقابة الادارة العامة للتكوين والأمانة العامة لقوات الأمن الداخلي ونقابة الأمن الجمهوري التونسي والنقابة العامة للسجون والتي تسند النقابات الأمنية في كل تحركاتها وقراراتها رغم انه عمليا لم تعد إدارة السجون والإصلاح تتبع وزارة الداخلية وأصبحت منذ سنوات تحت إشراف وزارة العدل، ولكن هذه النقابات تتحد تحت قاسم مشترك خطير وهي أنها كلها تهم أسلاكا وأجهزة حاملة للسلاح في الدولة!
في 2011 تم السماح بتكوين هذه النقابات الأمنية بمقتضى المرسوم عدد 42 لسنة 2011 مؤرخ في 25 ماي 2011 الذي حلّ محلّ القانون المتعلق بضبط القانون الأساسي لقوات الأمن الداخلي.. ولكن في الحقيقة هذه النقابات انتصبت واقعيا منذ شهر جانفي 2011 للدفاع عن منظوريها خاصة وان المزاج الشعبي وقتها كان معاديا لوزارة الداخلية التي كان يعتبرها أداة القمع الأشرس زمن نظام بن علي.
وتتكتم أغلب النقابات في الإعلان عن عدد منخرطيها، ولكنها في المقابل فانه ومن خلال هذه النقابات أصبح الأمنيون يتمتعون بحصانة اعتبارية في عملهم عند مثولهم أمام المجالس التأديبية، أو عند إحالتهم على التفقدية العامة، مع توفير محامين في صورة كان الامر يتعلق بقضية جزائية أمام القضاء..، وبشكل أو بآخر ساهم ذلك في إرساء سياسية افلات من العقاب داخل الأجهزة الأمنية وجعل هذه النقابات تتغوّل وتستقوي حتى على قياداتها الأمنية.
رئيس جمعية أمل لمتقاعدي الأمن التونسي لـ"الصباح": الحق النقابي ليس بالحق المطلق وإنما هو حق تقيده القوانين..
جمعية أمل واستشراف لمتقاعدي الأمن التونسي، التي يترأسها الإطار الأمني المتقاعد عبد المجيد البلومي وتضم قيادات أمنية متقاعدة تقلدت مناصب عليا صلب الجهاز الأمني وعايشت مراحل مختلفة وحرجة من تاريخ وزارة الداخلية قبل وبعد الثورة، تضع صلب نظامها الأساسي أهدافا من ضمنها الاهتمام بالشأن الأمني وتقديم رؤى ومقترحات لإصلاحه، استنادا لمخزون خبرة أمنية ووازع وطنية متجذر لدى اعضاء الجمعية من الأمنيين المتقاعدين، كما يقول رئيس الجمعية عبد المجيد البلومي.
وفي علاقة بالأزمة الأخيرة والتي تدور في أغلبها حول مهام النقابات الأمنية ومربع عملها يقول البلومي في هذا التصريح الخاص لجريدة "الصباح": »في البداية لا بد من الإشارة الى أن الحراك النقابي في القطاع الأمني يهمني ويهم الجمعية باعتباره جزءا لا يتجزأ من الشأن الأمني. والشأن الأمني لا يهم الأمنيين فقط كما يخيل للبعض وإنما هو شأن عام بامتياز لارتباطه الوثيق والمستمر بحياة كل الناس، وإذا أردنا أن نتحدث عن واقع النقابات الأمنية فلا بد أن نعود الى لحظة التأسيس في 2011 والتي مثّلت تحديا ومغامرة لعدة أسباب من أهمها الارتباك والتردد القيادي الذي نجم عن افراغ المؤسسة من معظم قادتها باعتماد آلية التقاعد الوجوبي التي شملت قياديين أمنيين متمكنين وأكفاء، وإيداع عدد منهم بالسجون دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة. وتم في المقابل إعادة إدماج بالجملة لأمنيين معزولين دون مراجعة وضعياتهم حالة بحالة لفرز المظلوم من الظالم، وقد سجل التحاق عدد من هؤلاء بالهياكل النقابية الأمنية. بالإضافة إلى انطلاق النشاط النقابي من فراغ، بمعنى دون أية تجربة أو اطلاع جيد على القوانين ذات الصلة بالمجال النقابي وأهمها أحكام مجلة الشغل في بابها المتعلق بالنقابات المهنية، وكذلك النصوص المنظمة لعمل المؤسسة الأمنية بمختلف أسلاكها".
ويضيف رئيس جمعية أمل لمتقاعدي الأمن التونسي: »في المناخ السياسي الذي ساد سنتي 2012 و2013 بدأت النقابة الأصلية تنقسم وتتجزأ إلى تشكيلات مستقلة، وانحرف بعض مسيريها عن الأهداف العامة والأصلية للنقابات، إلا أنه لا يمكن وصفه وقتها إلا بـ " الانحراف الإيجابي". حيث اكتسحت بعض الاطراف النقابية المنابر الإعلامية وتجرأت على كشف المستور بالتنسيق مع المجتمع المدني مثل مخيمات التدريب بالجبال بما مكن من كبح جماح أخطبوط التشدد الذي تغول وكان يهيئ لإرساء نمط مجتمعي مغاير لما عرفته بلادنا منذ الاستقلال من مدنية وحداثة وتفتح. وللتاريخ فقد تحملت بعض الأطراف النقابية وقتها المسؤولية ولعبت دورا لا يستهان به فيما يتعلق بتغيير الخارطة السياسية سنة 2013 رغم ما وفرته حكومة "الترويكا" من أرضية لإسناد امتيازات إدارية ومادية للأمنيين والعسكريين وهم جديرون بذلك«.
وقد ذكّر البلومي في ذات السياق بالدور الذي لعبته نقابة الامن الرئاسي في حماية أرشيف القصر الرئاسي، مستدركا: »إلا أن مثل هذه الادوار المتعلقة بكيان الدولة لا تنسحب على الشأن النقابي في الظروف العادية، الحق النقابي الأمني هو من أهم المكاسب على غرار ما هو موجود بعدة دول. ولذلك نجد أن دستور 2014 وكذلك الدستور الحالي كفلا هذا الحق للأمنيين مع تحجير حق الإضراب أو تعطيل سير العمل بأي شكل من الاشكال مثلما ينص عليه المرسوم الذي أضفى شرعية على النشاط النقابي الأمني. إلا أن الدستور الذي كرس الحق النقابي للأمنيين مثل غيرهم اوجب على النقابات مثل الأحزاب والجمعيات الالتزام والتقيد بالقانون. والمراسيم التي يصدرها رئيس الجمهورية في ظل غياب السلطة التشريعية تحتل نفس مرتبة القوانين وبالتالي لا بد من الالتزام بها".
مؤكدا في ذات السياق أن الحق النقابي ليس بالحق المطلق وإنما هو حق تقيده القوانين. وبما أن رئيس الجمهورية يمسك حاليا السلطة التشريعية فمن حقه إصدار مرسوم لتعديل المرسوم 42 لسنة 2011 وما على مسيري النقابات الأمنية إلا الإذعان له، وفق تعبيره.
كما أكد البلومي أن توحيد النقابات لا يعني أبدا تدجينها لتنسجم مع الإدارة قائلا :"هذا الأمر لا يستقيم ضرورة أن الهيكل الموحد ستفرزه انتخابات القواعد على قدر التمثيلية وليس التعينات وهنا لا شيء يمنعها من ممارسة مهامها كاملة في الدفاع عن منظوريها والتصدي للإدارة.. وما صرح به الرئيس حول دور النقابات يتطابق تماما مع دورها المنصوص عليه بوضوح بالفصل 243 من مجلة الشغل (درس المصالح الاجتماعية والاقتصادية لمنخرطيها والدفاع عنها لا غير) علما وأن الجانب الاجتماعي هو أم معارك النقابات بالإضافة إلى أن أوضاع البلاد تحتاج إلى التهدئة والهدنة والتفرغ إلى العمل لأن التحديات جسيمة وخاصة الأمنية منها«.