إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صباح الجمعة.. رجل بحجم وطن

يكتبها محمد معمري

 

من المفارقات العجيبة أو لعلها أمر طبيعي في السياق العربي أن تتزامن ذكرى وفاة الشاعر محمود درويش مع الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة على أهلنا في فلسطين وهي اعتداءات باتت متكررة أمام صمت عربي حاكم وصمت جماهيري غريب يشي بأن القضية الفلسطينية فقدت الصدارة في أولويات المواطن العربي الذي يعاني التفقير فبات حلمه ما يسد به رمقه أما موجات الغلاء التي يعاني منها من سنوات حولته إلى تضييق هامش تفكيره في المعيش اليومي.

عندما تتحول الاعتداءات على أهلنا في فلسطين بقطع النظر عن مشاربهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية إلى حدث عادي لا يحرك ساكنا لدى الجماهير العربية ما عدا بعض التدوينات والتغريدات التضامنية،فهذه مصيبة كبرى حمدت الله أن شاعرا بحجم محمود درويش لم يعشها فربما كانت ستقتله قهرا،محمود درويش الذي احيينا يوم 9 أوت ذكري وفاته الرابعة عشرة.

فدرويش بما كتب كان رجلا بحجم وطن فقد كتب لفلسطين وكتب عن أهله هناك ومفتاح منزلهم وحنينه إلى خبز أمه ووقف صامدا أمام كل الرياح ولم يغير يوما وطنه بل ظل ماسكا بحلم العودة يوما إلى ديار هُجر منها قسرا وكم تمنى أن يعود إليها فاتحا منتصرا لكن تلك مشيئة الأقدار فقد مات سنة 2008 ولم يتحقق حلمه في العودة إلى وطنه الذي حبّر في عشقه آلاف الأوراق وبنى فيها شعرا آلاف الأبيات.

عرفت محمود درويش مباشرة في جوان 1995 عندما أمتعنا في أمسية شعرية في المسرح البلدي ورافقه عزفا عازف العود العراقي نصير شمة، قرأ يومها من مجموعته لماذا تركت الحصان وحيدا فبكى كلمات وأبكانا دموعا، ليصعد أحدهم فوق كرسي في المسرحي البلدي ويصيح قائلا لدرويش أنت خندق، نعم درويش كان خندق المقاومة الفلسطينية التي آمنت بحلم العودة إلى وطن سلبه إياهم الصهاينة بوعد بلفور المشؤوم وتواطأ من قوى غربية أرادت مجاملة الرأسمال الصهيوني على حساب شعب وأرض عربية.

درويش بكى وطنه كلمات فكان يصيح

هذا هو العرس الذي لا ينتهي

هذا هو العرس الفلسطينيُّ

لا يصل الحبيب إلى الحبيب

إلا شهيدا.. أو شريدا

درويش حمل مأساة وطنه أينما ارتحل فكانت المدن على جمالها وألقها تضيق به، فوجهته فلسطين ولا شيء غير فلسطين، حزين أنت اليوم في قبرك يا محمود، سعيد أنت اليوم في قبرك يا محمود لأنك لو تعلم ما حصل بعدك فستحمد الله أنك غادرت مبكرا ولم تعش ما عشنا.

رحم الله محمود درويش الذي أزهر أيامنا أملا وحبّا وحلما في أن الأفضل قادم لكنه لم يأت إلى حدّ الآن يا محمود، فهل سنظل ننتظر.

أخشى كل ما أخشاه أن يقرأ بعضا من شبابنا من جيل زاد ما كتبت اليوم فيقول رجل مهزوم وخرف يحكي عن شاعر ارتحل، لكن مع ذلك ستبقى يا محمود تلك الشعلة التي كل ما انطفأت جعلنا أصابعنا كبريتا لإيقادها من جديد، ألست أنت القائل:

عيناك نافذتان على حلم لا يجيء

وفى كل حلم، حلم أرمم حلما وأحلم.

سنظل نحلم يا درويش.

 

صباح الجمعة.. رجل بحجم وطن

يكتبها محمد معمري

 

من المفارقات العجيبة أو لعلها أمر طبيعي في السياق العربي أن تتزامن ذكرى وفاة الشاعر محمود درويش مع الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة على أهلنا في فلسطين وهي اعتداءات باتت متكررة أمام صمت عربي حاكم وصمت جماهيري غريب يشي بأن القضية الفلسطينية فقدت الصدارة في أولويات المواطن العربي الذي يعاني التفقير فبات حلمه ما يسد به رمقه أما موجات الغلاء التي يعاني منها من سنوات حولته إلى تضييق هامش تفكيره في المعيش اليومي.

عندما تتحول الاعتداءات على أهلنا في فلسطين بقطع النظر عن مشاربهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية إلى حدث عادي لا يحرك ساكنا لدى الجماهير العربية ما عدا بعض التدوينات والتغريدات التضامنية،فهذه مصيبة كبرى حمدت الله أن شاعرا بحجم محمود درويش لم يعشها فربما كانت ستقتله قهرا،محمود درويش الذي احيينا يوم 9 أوت ذكري وفاته الرابعة عشرة.

فدرويش بما كتب كان رجلا بحجم وطن فقد كتب لفلسطين وكتب عن أهله هناك ومفتاح منزلهم وحنينه إلى خبز أمه ووقف صامدا أمام كل الرياح ولم يغير يوما وطنه بل ظل ماسكا بحلم العودة يوما إلى ديار هُجر منها قسرا وكم تمنى أن يعود إليها فاتحا منتصرا لكن تلك مشيئة الأقدار فقد مات سنة 2008 ولم يتحقق حلمه في العودة إلى وطنه الذي حبّر في عشقه آلاف الأوراق وبنى فيها شعرا آلاف الأبيات.

عرفت محمود درويش مباشرة في جوان 1995 عندما أمتعنا في أمسية شعرية في المسرح البلدي ورافقه عزفا عازف العود العراقي نصير شمة، قرأ يومها من مجموعته لماذا تركت الحصان وحيدا فبكى كلمات وأبكانا دموعا، ليصعد أحدهم فوق كرسي في المسرحي البلدي ويصيح قائلا لدرويش أنت خندق، نعم درويش كان خندق المقاومة الفلسطينية التي آمنت بحلم العودة إلى وطن سلبه إياهم الصهاينة بوعد بلفور المشؤوم وتواطأ من قوى غربية أرادت مجاملة الرأسمال الصهيوني على حساب شعب وأرض عربية.

درويش بكى وطنه كلمات فكان يصيح

هذا هو العرس الذي لا ينتهي

هذا هو العرس الفلسطينيُّ

لا يصل الحبيب إلى الحبيب

إلا شهيدا.. أو شريدا

درويش حمل مأساة وطنه أينما ارتحل فكانت المدن على جمالها وألقها تضيق به، فوجهته فلسطين ولا شيء غير فلسطين، حزين أنت اليوم في قبرك يا محمود، سعيد أنت اليوم في قبرك يا محمود لأنك لو تعلم ما حصل بعدك فستحمد الله أنك غادرت مبكرا ولم تعش ما عشنا.

رحم الله محمود درويش الذي أزهر أيامنا أملا وحبّا وحلما في أن الأفضل قادم لكنه لم يأت إلى حدّ الآن يا محمود، فهل سنظل ننتظر.

أخشى كل ما أخشاه أن يقرأ بعضا من شبابنا من جيل زاد ما كتبت اليوم فيقول رجل مهزوم وخرف يحكي عن شاعر ارتحل، لكن مع ذلك ستبقى يا محمود تلك الشعلة التي كل ما انطفأت جعلنا أصابعنا كبريتا لإيقادها من جديد، ألست أنت القائل:

عيناك نافذتان على حلم لا يجيء

وفى كل حلم، حلم أرمم حلما وأحلم.

سنظل نحلم يا درويش.