ركود غير مسبوق تعيشه سوق البركة الكائنة بالمدينة العتيقة بالعاصمة هذه الأيام رغم انتعاشة السياحة وانطلاق موسم الأعراس وبداية توافد التونسيين بالخارج، فمن يزور السوق يلاحظ أن هناك محلات أغلقت أبوابها، وأخرى خلت تماما من الزوار، وفي المقابل يعترضه في طريقه عدد كبير من "القشارة" ويسألونه إن كان جاء ليشتري الذهب أو لكي يبيعه، هذا الركود فسره عدد من التجار بضعف المقدرة الشرائية للمواطن، وبينوا أنهم يعانون من تداعيات أزمة كورونا وتداعيات الأزمة الاقتصادية والسياسية ومن مشاكل كثيرة وهي مشاكل معروفة لدى الجهات المسؤولية لكن صرخاتهم لم يسمع لها صدى.. وذهب محمد السقا الناطق الرسمي للمجمع المهني للمصوغ إلى أبعد من ذلك، وبين أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد ألقت بظلالها على قطاعهم، وأثرت عليه سلبيا.
وأضاف في تصريح لـ"الصباح" أنه إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا على تجارة المصوغ، فإن تراجع سعر الدينار أدى إلى تفاقم الأزمة، فمقابل انخفاض سعر الدينار، ارتفع سعر الذهب الخام بصفة ملحوظة، وهو سعر غير مستقر، الأمر الذي يجعل أسعار قطع المصوغ ترتفع من أسبوع إلى آخر.
ولاحظ السقا أن الأزمة الاقتصادية أدت بالضرورة إلى تراجع المقدرة الشرائية للتونسيين، ونتيجة لذلك أصبح المواطن عاجزا حتى على توفير الأساسيات من غذاء ودواء، فما بالك باقتناء الذهب، وبين أن أغلب الحرفاء هم من المقبلين على حفل خطوبة أو زواج وحتى هؤلاء فإنهم عندما يزورون محلات بيع المصوغ تجدهم يبحثون عن كل ما خف وزنه وقل سعره، وهناك منهم من يقضي ساعات طويلة وهو يتجول بين المحلات، ليقتصر في النهاية على اقتناء قطعة وحيدة أو قطعتين، وأشار محدثنا إلى أن ما يقيم الدليل على وجود أزمة خانقة هو أن هناك من الحرفاء من يلتمس من صاحب المحل أن يسمح له بكراء "صياغة" بمقابل مادي وبعد انتهاء حفل الزواج يعيدها إلى المحل، وهو طلب غريب لا يمكن الاستجابة إليه.
وذكر السقا أن عدم استقرار سعر الذهب يجعل المواطن في ريبة من أمره لأنه بالإمكان أن يشاهد هذا الأسبوع قطعة سعرها 2500 دينار وعندما يعود بعد أسبوعين لاقتنائها يجد سعر نفس القطعة قد قفز إلى 2800 دينار وذلك لأن سعر الذهب يتأثر بسعر صرف الدينار، ويتراوح سعر الذهب في الوقت الراهن حسب قوله بين 170 و200 دينار للغرام الواحد. ولاحظ أن عدم استقرار الأسعار من شأنه أن يتسبب في خلق مناخ من عدم الثقة بين التجار والحرفاء.
وباستفساره عن كيفية تثبت الحريف من معدن قطعة المصوغ التي يشتريها ومن وزنها، أشار السقا إلى وجود مشكلة كبيرة يعيشها سوق البركة هذه الأيام نظرا لغلق مقر أمانة السوق، وفسر أنه في السابق كان بإمكان الحريف أن يتوجه مباشرة بعد شراء قطعة مصوغ إلى أمين سوق البركة، وهناك يستطيع أن يتثبت من الوزن ومن النوعية والطابع وإذا تبين وجود مشكلة فإن الأمين يتدخل لحلها، لكن منذ قرابة الأسبوعين تم غلق المقر الذي كان يحتضن أمانة سوق البركة وهو معلم تاريخي كان في القدم مخصصا لبيع العبيد وقد تم غلقه بتعلة أنه من أملاك الدولة التي وجب استرجاعها، ولكن هذا من شأنه أن يحرم الحريف من إمكانية التثبت على عين المكان من المصوغ الذي يشتريه من السوق.
غزو البلاكيور
ونظرا لعدم استقرار سعر الذهب وارتفاعه فإن جل المقبلين على الزواج أصبحوا على حد قول أحمد السقا يقتنون الحلي المصنوع من الفضة أو من البلاكيور، وذكر أن البلاكيور غزا الأسواق، وأضاف أن هناك ظاهرة أخرى وهي استعارة المقبلين على الزواج "صياغة" من أحد الأصدقاء أو الأقارب خلال حفلة الزواج وإرجاعها لأصحابها لاحقا.
وأشار السقا إلى أنه نتيجة لتراجع المقدرة الشرائية للتونسيين فإن عدد الحرفاء الذين يأتون لسوق البركة لبيع الذهب أكثر بكثير من عدد الذين يقصدونه للشراء وهذه الوضعية لا تناسب التجار فهم يريدون عودة الشراءات لأنه لا جدوى من اقتناء الذهب إن كان لا يوجد رواجا..
تداعيات كورنا
لم يخف محمد السقا استياءه من مخلفات جائحة كورونا على قطاع تجارة المصوغ، وبين أن التجار لم يحصلوا على تعويضات كالتي تحصلت عليها الكثير من القطاعات المتضررة، وذكر أن هناك حرفيين صغار أودعوا مطالب بغاية الحصول على المساعدة المالية التي منحتها الدولة للمتضررين والمقدرة بمائتي دينار ولكنهم لم يحصلوا على شيء، وبين أنه قبل جائحة كورونا كانت المحلات الكائنة في سوق البركة بالعاصمة تفتح منذ الصباح الباكر ولا تغلق أبوابها إلا في وقت متأخر من المساء، لكن اليوم وبسبب الأزمة هناك الكثير من المحلات أغلقت أبوابها وهناك محلات لا تفتح إلا لساعات قليلة نظرا لحالة الركود الموجودة في السوق.
وأضاف الناطق الرسمي للمجمع المهني للمصوغ الراجع بالنظر إلى كنفيديرالية المؤسسات المواطنة التونسية كوناكت، أنه قد يبدوا لزوار المدينة العتيقة أن عودة السياح أنعشت الصناعات التقليدية وتجارة المصوغ ولكن الحقيقة غير ذلك تماما، لأن السياح الذين يأتون في رحلات بحرية، ولئن كان عددهم كبيرا فإنهم يكتفون بمشاهدة واجهات المحلات والتقاط صور تذكارية بجانبها فقط. ولاحظ السقا أن السياح الذين يأتون إلى تونس في السنوات الأخيرة هم بدورهم محدودو الدخل، وليس هذا فقط بل أنهم يتعاملون بحذر مبالغ فيه مع التجار، وهو ما يدل على وجود أزمة ثقة في المنتوج وفي طريقة البيع، وهذه الظاهرة خطيرة ولا بد على وزارة السياسة من بحث أسبابها ومعالجتها والعمل على إرجاع ثقة الحريف الأجنبي في المنتوجات التونسية بصفة عامة ومنتوجات الصناعات التقليدية بصفة خاصة، وذكر أن عمق الأزمة هو غزو البضائع الصينية لمحلات الصناعات التقليدية، وفسر أنه منذ أن تغيرت نوعية السياح، لم تنتفع محلات بيع الصناعات التقليدية بصفة عامة محلات بيع المصوغ بصفة خاصة من السياحة في شيء.. فالسائح في السابق كان يشتري المصوغ ويشتري الزربية ولكنه اليوم يقتصر على شراء "دربوكة".
وعن استفسار حول مدى تأثير الوسطاء أو ما يعرف في سوق البركة بـ"القشارة" على محلات تجارة المصوغ بين أن التجار كثيرا ما طالبوا بتنظيم عمل القشارة لكن السلط المعنية لم تستجب لهذا الطلب.
هوس بالذهب
لئن أشار محمد السقا إلى وجود ركود كبير في تجارة المصوغ فإنه تحدث عن فئة من الحرفاء مولعة جدا بشراء الذهب وقال إن هناك حرفاء يؤمنون بقيمة الذهب ويتعاملون معه على أساس أنه رصيد مادي محفوظ وقيمته ثابتة يمكنهم الاستفادة منها وقت الشدائد والأزمات، وهم يعتبرون شراء الذهب ادخارا أفضل من الادخار في البنوك، وقال إن هناك نساء مهووسات بشراء الذهب وتخبئته وهناك منهن من أخبرنه أن سعادتهن الكبرى تكمن في شراء المصوغ فقط.
وعن سؤال حول سبل الحيطة من عمليات تمويل الإرهاب وتبييض الأموال عبر شراء الذهب وبيعه، أجاب السقا أن لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي التونسي أدرجت الذهب ضمن القطاعات المطالبة بالتحري في عمليات البيع والشراء، وهناك مقدار معين لعملية بيع أو شراء إذا تم تجاوزه يتعين على صاحب المحل أن يبلغ عن الحريف، وهي عملية يفرضها القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال. وذكر أنه إثر صدور القانون تم تنظيم دورة تكوينية لتجار المصوغ حول هذه التفاصيل. وذكر أن كل تاجر لديه سجل يدون فيه عمليات البيع والشراء حتى وإن كانت مبالغها زهيدة وهذه السجلات تخضع لمراقبة السلط. وبين أنهم مطالبون بالحيطة أكثر فأكثر عندما يتعلق الأمر بشراء قطع مصوغ لأنهم يخشون من أن تكون تلك القطع مسروقة، ولتلافي المشاكل، فإنهم لا يقتنون الذهب إلا من حرفائهم المعتادين الذين يثقون في نظافة أيديهم.
مراجعة القانون
وتحدث محمد السقا عن معضلة كبيرة يعاني منها قطاع المصوغ مردها القانون المنظم له، وبين في هذا السياق أنه رغم التحركات الاحتجاجية المتعددة التي نفذها أبناء القطاع، ورغم اللقاءات التي تمت مع وزير السياحة والصناعات التقليدية في الحكومات المتعاقبة فإنه لم يقع حل أي إشكال قانوني، ولعل أهمه ما تعلق بالذهب غير الحامل للطابع القانوني، وفسر أن مطلبهم يتمثل في إدخال الذهب غير الحامل للطابع في الدورة الاقتصادية وذلك لتلافي تهريبه، وذكر أن حل مشكل التهريب لا يتم إلا بمراجعة القانون في اتجاه إدخال الذهب غير الحامل للطابع في الدورة الاقتصادية لأن هناك عائلات اقتنت ذهبا غير مطبوع ولا تجد طريقة لبيعه لتجار المصوغ، وللحيولة دون بيعه في السوق الموازية ومن ثمة تهريبه خارج البلاد، لا بد من تثمين هذا المنتوج والمحافظة على مخزون الذهب الموجود في تونس. وذكر أن القانون عدد 17 لسنة 2005 فيه العديد من النقائص والثغرات وهو في حاجة إلى التعديل لأنه لم يعد مواكبا للعصر ولأنه أضر بالقطاع. وأشار الناطق الرسمي للمجمع المهني للمصوغ إلى وجود توافق حول تشخيص النقائص الموجودة في هذا القانون، وكل الحكومات المتعاقبة مقتنعة بوجود نقائص، وكل الحكومات وعدت بتغيير القانون، لكنها لم تف بوعودها. وحتى بعد تجميد البرلمان وحله فإن الوضع لم يتغير رغم أن الفرصة أصبحت سانحة جدا لتمريره بسهولة بمرسوم وبعيدا عن التجاذبات التي كانت موجودة تحت قبة البرلمان.
وردا على سؤال حول الحلول الممكنة لمعالجة الأزمة التي يمر بها قطاع تجارة المصوغ أجاب محمد السقا أنه لا بد من الاهتمام بقطاع الذهب لأنه قاطرة للنهوض بالاقتصاد الوطني ولأنه باستطاعته أن يساهم في تحسين نسبة النمو بنقطتين كاملتين، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عندما تتغير نظرة الدولة للقطاع، فهي حاليا تعتبر الذهب مثل بقية الصناعات التقليدية لا أكثر. وخلص إلى أنه لا بد من تطوير قطاع الذهب والتعجيل في إصلاحه تشريعيا والخروج به من دائرة التجاذبات إلى قاعدة المصلحة الوطنية. وبين أنهم بذلوا مجهودات كبيرة في إعداد مشروع قانون جديد وقاموا بعرضه على الحكومات المتعاقبة لكن للأسف لا توجد إرادة سياسية لتغييره. وعبر السقا عن أمله في أن تستجيب الحكومة الحالية لمطلبهم وأن تقوم بمراجعة القانون المكبل للقطاع.
ولئن تحدث السقا عن وجود ركود كبير في سوق البركة فإن هناك أحد العاملين بمتجر مصوغ كائن في نفس السوق أكد لنا أن تجارة المصوغ منتعشة على الدوام وأنها لم تتراجع حتى خلال جائحة كورونا، وقال إن المشكلة الوحيدة هي الذهب غير المطبوع وفسر أنه عوضا عن إدخال هذا المخزون في السوق مقابل نسبة أداء معينة يدفعها التاجر للدولة بما يساعدها على تحسين مواردها الجبائية يقع التفريط فيه للمهربين.
سعيدة بوهلال
تونس-الصباح
ركود غير مسبوق تعيشه سوق البركة الكائنة بالمدينة العتيقة بالعاصمة هذه الأيام رغم انتعاشة السياحة وانطلاق موسم الأعراس وبداية توافد التونسيين بالخارج، فمن يزور السوق يلاحظ أن هناك محلات أغلقت أبوابها، وأخرى خلت تماما من الزوار، وفي المقابل يعترضه في طريقه عدد كبير من "القشارة" ويسألونه إن كان جاء ليشتري الذهب أو لكي يبيعه، هذا الركود فسره عدد من التجار بضعف المقدرة الشرائية للمواطن، وبينوا أنهم يعانون من تداعيات أزمة كورونا وتداعيات الأزمة الاقتصادية والسياسية ومن مشاكل كثيرة وهي مشاكل معروفة لدى الجهات المسؤولية لكن صرخاتهم لم يسمع لها صدى.. وذهب محمد السقا الناطق الرسمي للمجمع المهني للمصوغ إلى أبعد من ذلك، وبين أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد ألقت بظلالها على قطاعهم، وأثرت عليه سلبيا.
وأضاف في تصريح لـ"الصباح" أنه إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا على تجارة المصوغ، فإن تراجع سعر الدينار أدى إلى تفاقم الأزمة، فمقابل انخفاض سعر الدينار، ارتفع سعر الذهب الخام بصفة ملحوظة، وهو سعر غير مستقر، الأمر الذي يجعل أسعار قطع المصوغ ترتفع من أسبوع إلى آخر.
ولاحظ السقا أن الأزمة الاقتصادية أدت بالضرورة إلى تراجع المقدرة الشرائية للتونسيين، ونتيجة لذلك أصبح المواطن عاجزا حتى على توفير الأساسيات من غذاء ودواء، فما بالك باقتناء الذهب، وبين أن أغلب الحرفاء هم من المقبلين على حفل خطوبة أو زواج وحتى هؤلاء فإنهم عندما يزورون محلات بيع المصوغ تجدهم يبحثون عن كل ما خف وزنه وقل سعره، وهناك منهم من يقضي ساعات طويلة وهو يتجول بين المحلات، ليقتصر في النهاية على اقتناء قطعة وحيدة أو قطعتين، وأشار محدثنا إلى أن ما يقيم الدليل على وجود أزمة خانقة هو أن هناك من الحرفاء من يلتمس من صاحب المحل أن يسمح له بكراء "صياغة" بمقابل مادي وبعد انتهاء حفل الزواج يعيدها إلى المحل، وهو طلب غريب لا يمكن الاستجابة إليه.
وذكر السقا أن عدم استقرار سعر الذهب يجعل المواطن في ريبة من أمره لأنه بالإمكان أن يشاهد هذا الأسبوع قطعة سعرها 2500 دينار وعندما يعود بعد أسبوعين لاقتنائها يجد سعر نفس القطعة قد قفز إلى 2800 دينار وذلك لأن سعر الذهب يتأثر بسعر صرف الدينار، ويتراوح سعر الذهب في الوقت الراهن حسب قوله بين 170 و200 دينار للغرام الواحد. ولاحظ أن عدم استقرار الأسعار من شأنه أن يتسبب في خلق مناخ من عدم الثقة بين التجار والحرفاء.
وباستفساره عن كيفية تثبت الحريف من معدن قطعة المصوغ التي يشتريها ومن وزنها، أشار السقا إلى وجود مشكلة كبيرة يعيشها سوق البركة هذه الأيام نظرا لغلق مقر أمانة السوق، وفسر أنه في السابق كان بإمكان الحريف أن يتوجه مباشرة بعد شراء قطعة مصوغ إلى أمين سوق البركة، وهناك يستطيع أن يتثبت من الوزن ومن النوعية والطابع وإذا تبين وجود مشكلة فإن الأمين يتدخل لحلها، لكن منذ قرابة الأسبوعين تم غلق المقر الذي كان يحتضن أمانة سوق البركة وهو معلم تاريخي كان في القدم مخصصا لبيع العبيد وقد تم غلقه بتعلة أنه من أملاك الدولة التي وجب استرجاعها، ولكن هذا من شأنه أن يحرم الحريف من إمكانية التثبت على عين المكان من المصوغ الذي يشتريه من السوق.
غزو البلاكيور
ونظرا لعدم استقرار سعر الذهب وارتفاعه فإن جل المقبلين على الزواج أصبحوا على حد قول أحمد السقا يقتنون الحلي المصنوع من الفضة أو من البلاكيور، وذكر أن البلاكيور غزا الأسواق، وأضاف أن هناك ظاهرة أخرى وهي استعارة المقبلين على الزواج "صياغة" من أحد الأصدقاء أو الأقارب خلال حفلة الزواج وإرجاعها لأصحابها لاحقا.
وأشار السقا إلى أنه نتيجة لتراجع المقدرة الشرائية للتونسيين فإن عدد الحرفاء الذين يأتون لسوق البركة لبيع الذهب أكثر بكثير من عدد الذين يقصدونه للشراء وهذه الوضعية لا تناسب التجار فهم يريدون عودة الشراءات لأنه لا جدوى من اقتناء الذهب إن كان لا يوجد رواجا..
تداعيات كورنا
لم يخف محمد السقا استياءه من مخلفات جائحة كورونا على قطاع تجارة المصوغ، وبين أن التجار لم يحصلوا على تعويضات كالتي تحصلت عليها الكثير من القطاعات المتضررة، وذكر أن هناك حرفيين صغار أودعوا مطالب بغاية الحصول على المساعدة المالية التي منحتها الدولة للمتضررين والمقدرة بمائتي دينار ولكنهم لم يحصلوا على شيء، وبين أنه قبل جائحة كورونا كانت المحلات الكائنة في سوق البركة بالعاصمة تفتح منذ الصباح الباكر ولا تغلق أبوابها إلا في وقت متأخر من المساء، لكن اليوم وبسبب الأزمة هناك الكثير من المحلات أغلقت أبوابها وهناك محلات لا تفتح إلا لساعات قليلة نظرا لحالة الركود الموجودة في السوق.
وأضاف الناطق الرسمي للمجمع المهني للمصوغ الراجع بالنظر إلى كنفيديرالية المؤسسات المواطنة التونسية كوناكت، أنه قد يبدوا لزوار المدينة العتيقة أن عودة السياح أنعشت الصناعات التقليدية وتجارة المصوغ ولكن الحقيقة غير ذلك تماما، لأن السياح الذين يأتون في رحلات بحرية، ولئن كان عددهم كبيرا فإنهم يكتفون بمشاهدة واجهات المحلات والتقاط صور تذكارية بجانبها فقط. ولاحظ السقا أن السياح الذين يأتون إلى تونس في السنوات الأخيرة هم بدورهم محدودو الدخل، وليس هذا فقط بل أنهم يتعاملون بحذر مبالغ فيه مع التجار، وهو ما يدل على وجود أزمة ثقة في المنتوج وفي طريقة البيع، وهذه الظاهرة خطيرة ولا بد على وزارة السياسة من بحث أسبابها ومعالجتها والعمل على إرجاع ثقة الحريف الأجنبي في المنتوجات التونسية بصفة عامة ومنتوجات الصناعات التقليدية بصفة خاصة، وذكر أن عمق الأزمة هو غزو البضائع الصينية لمحلات الصناعات التقليدية، وفسر أنه منذ أن تغيرت نوعية السياح، لم تنتفع محلات بيع الصناعات التقليدية بصفة عامة محلات بيع المصوغ بصفة خاصة من السياحة في شيء.. فالسائح في السابق كان يشتري المصوغ ويشتري الزربية ولكنه اليوم يقتصر على شراء "دربوكة".
وعن استفسار حول مدى تأثير الوسطاء أو ما يعرف في سوق البركة بـ"القشارة" على محلات تجارة المصوغ بين أن التجار كثيرا ما طالبوا بتنظيم عمل القشارة لكن السلط المعنية لم تستجب لهذا الطلب.
هوس بالذهب
لئن أشار محمد السقا إلى وجود ركود كبير في تجارة المصوغ فإنه تحدث عن فئة من الحرفاء مولعة جدا بشراء الذهب وقال إن هناك حرفاء يؤمنون بقيمة الذهب ويتعاملون معه على أساس أنه رصيد مادي محفوظ وقيمته ثابتة يمكنهم الاستفادة منها وقت الشدائد والأزمات، وهم يعتبرون شراء الذهب ادخارا أفضل من الادخار في البنوك، وقال إن هناك نساء مهووسات بشراء الذهب وتخبئته وهناك منهن من أخبرنه أن سعادتهن الكبرى تكمن في شراء المصوغ فقط.
وعن سؤال حول سبل الحيطة من عمليات تمويل الإرهاب وتبييض الأموال عبر شراء الذهب وبيعه، أجاب السقا أن لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي التونسي أدرجت الذهب ضمن القطاعات المطالبة بالتحري في عمليات البيع والشراء، وهناك مقدار معين لعملية بيع أو شراء إذا تم تجاوزه يتعين على صاحب المحل أن يبلغ عن الحريف، وهي عملية يفرضها القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال. وذكر أنه إثر صدور القانون تم تنظيم دورة تكوينية لتجار المصوغ حول هذه التفاصيل. وذكر أن كل تاجر لديه سجل يدون فيه عمليات البيع والشراء حتى وإن كانت مبالغها زهيدة وهذه السجلات تخضع لمراقبة السلط. وبين أنهم مطالبون بالحيطة أكثر فأكثر عندما يتعلق الأمر بشراء قطع مصوغ لأنهم يخشون من أن تكون تلك القطع مسروقة، ولتلافي المشاكل، فإنهم لا يقتنون الذهب إلا من حرفائهم المعتادين الذين يثقون في نظافة أيديهم.
مراجعة القانون
وتحدث محمد السقا عن معضلة كبيرة يعاني منها قطاع المصوغ مردها القانون المنظم له، وبين في هذا السياق أنه رغم التحركات الاحتجاجية المتعددة التي نفذها أبناء القطاع، ورغم اللقاءات التي تمت مع وزير السياحة والصناعات التقليدية في الحكومات المتعاقبة فإنه لم يقع حل أي إشكال قانوني، ولعل أهمه ما تعلق بالذهب غير الحامل للطابع القانوني، وفسر أن مطلبهم يتمثل في إدخال الذهب غير الحامل للطابع في الدورة الاقتصادية وذلك لتلافي تهريبه، وذكر أن حل مشكل التهريب لا يتم إلا بمراجعة القانون في اتجاه إدخال الذهب غير الحامل للطابع في الدورة الاقتصادية لأن هناك عائلات اقتنت ذهبا غير مطبوع ولا تجد طريقة لبيعه لتجار المصوغ، وللحيولة دون بيعه في السوق الموازية ومن ثمة تهريبه خارج البلاد، لا بد من تثمين هذا المنتوج والمحافظة على مخزون الذهب الموجود في تونس. وذكر أن القانون عدد 17 لسنة 2005 فيه العديد من النقائص والثغرات وهو في حاجة إلى التعديل لأنه لم يعد مواكبا للعصر ولأنه أضر بالقطاع. وأشار الناطق الرسمي للمجمع المهني للمصوغ إلى وجود توافق حول تشخيص النقائص الموجودة في هذا القانون، وكل الحكومات المتعاقبة مقتنعة بوجود نقائص، وكل الحكومات وعدت بتغيير القانون، لكنها لم تف بوعودها. وحتى بعد تجميد البرلمان وحله فإن الوضع لم يتغير رغم أن الفرصة أصبحت سانحة جدا لتمريره بسهولة بمرسوم وبعيدا عن التجاذبات التي كانت موجودة تحت قبة البرلمان.
وردا على سؤال حول الحلول الممكنة لمعالجة الأزمة التي يمر بها قطاع تجارة المصوغ أجاب محمد السقا أنه لا بد من الاهتمام بقطاع الذهب لأنه قاطرة للنهوض بالاقتصاد الوطني ولأنه باستطاعته أن يساهم في تحسين نسبة النمو بنقطتين كاملتين، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عندما تتغير نظرة الدولة للقطاع، فهي حاليا تعتبر الذهب مثل بقية الصناعات التقليدية لا أكثر. وخلص إلى أنه لا بد من تطوير قطاع الذهب والتعجيل في إصلاحه تشريعيا والخروج به من دائرة التجاذبات إلى قاعدة المصلحة الوطنية. وبين أنهم بذلوا مجهودات كبيرة في إعداد مشروع قانون جديد وقاموا بعرضه على الحكومات المتعاقبة لكن للأسف لا توجد إرادة سياسية لتغييره. وعبر السقا عن أمله في أن تستجيب الحكومة الحالية لمطلبهم وأن تقوم بمراجعة القانون المكبل للقطاع.
ولئن تحدث السقا عن وجود ركود كبير في سوق البركة فإن هناك أحد العاملين بمتجر مصوغ كائن في نفس السوق أكد لنا أن تجارة المصوغ منتعشة على الدوام وأنها لم تتراجع حتى خلال جائحة كورونا، وقال إن المشكلة الوحيدة هي الذهب غير المطبوع وفسر أنه عوضا عن إدخال هذا المخزون في السوق مقابل نسبة أداء معينة يدفعها التاجر للدولة بما يساعدها على تحسين مواردها الجبائية يقع التفريط فيه للمهربين.