إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تذرّع بها سعيد في هجومه على تقرير لجنة البندقية.. السيادة الوطنية أعمق من مجّرد مواقف متشنجة!

تونس- الصباح

بأسلوب غاضب ولا يخلو من التشنّج، هاجم الرئيس قيس سعيد، التقرير الاستشاري، للجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون، والمعروفة باسم لجنة البندقية، وذلك في لقاء جمعه بوزير الخارجية، عثمان الجرندي، أول أمس، حيث استغل هذا اللقاء ليؤكد رئيس الجمهورية أن "الدستور يضعه التونسيون ولا يوضع في البندقية" في إشارة الى تقرير اللجنة والتي لا يوجد مقرّها في البندقية بإيطاليا، بل أخذت اسم المدينة الإيطالية باعتبار أن هذه المدينة شهدت أولى اجتماعات تأسيسها، وقد أضاف رئيس الجمهورية وبوضوح شديد : "إن لزم الأمر تنتهي عضويتنا في لجنة البندقية.. لا نقبل أي تدخل في شؤوننا الداخلية ولا بالمس بالسيادة التونسية، تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة".

ولم يكتف سعيد بالتهديد بإنهاء العضوية بل توجه بالحديث الى أعضاء اللجنة ليقول: "إن كانوا في تونس هم أشخاص غير مرغوب فيهم" وقد أضاف سعيد: "لسنا في حاجة لا لمصاحبتهم ولا لمساعدتهم.. وإن كانوا سيتدخلون في خيارات شعبنا فليلزموا بلدانهم.. ومن هو من هذه اللجنة فليغادر حالا.."

وبدت أغلب ردود الفعل متفاجئة من ردّ فعل رئيس الجمهورية على تقرير اللجنة الصادر في 27 ماي المنقضي، حيث اعتبر اغلب المتابعين أن رأي الرئيس مبالغ فيه وان رأي الجنة هو مجرّد رأي استشاري يمكن ان لا تأخذ به كما سبق ان فعل الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في علاقة بقانون المصالحة بعد أن طلبت هيئة الحقيقة والكرامة رأيها في القانون المذكور ..

وإذا كان رئيس الجمهورية قد تذرّع في ردّه الحاد على تقرير لجنة البندقية بالسيادة الوطنية فهل يعتبر فعلا تقرير هذه اللجنة مسّا من هذه السيادة وتونس هي التي طلبت ان تكون عضوا فيها في 2010 وبالتالي قبلت أن تخضع قوانينها الى الرأي الاستشاري لهذه اللجنة التي تستعين بها دول كثيرة وهي ستواصل، وفي كل الحالات، عملها وتقييم النصوص القانونية التي ستصدرها تونس، رغم موقف رئيس الجمهورية منها !

تقرير لجنة البندقية

في 27 ماي الماضي، أصدرت اللجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون أو كما تُسمى بلجنة البندقية تقريرا مطولا حول الإطار الدستوري والتشريعي للاستفتاء على الدستور والانتخابات التشريعيّة المنتظرة في ديسمبر الماضي وكذلك أبدت رأيها في المرسوم عدد 22 المتعلّق بتنقيح قانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.. وقد جاء هذا التقرير ردّا على طلب مستعجل من بعثة الاتحاد الأوروبي حول مدى تطابق خيارات وقرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد مع دستور 2014. وذلك في إطار مهام هذه اللجنة الاستشارية القانونية والتي تتبع مجلس أوروبا منذ تأسيسها سنة 1990 ، والتي اقتصرت في البداية على عضوية دول أوروبية لتتوسع بعد ذلك الى خارج الفضاء الأوروبي من خلال آلية طلب العضوية وهو ما فعلته تونس في 2010 والتي تم قبول عضويتها وبالتالي بات من الطبيعي أن يُطلب الرأي الاستشاري لهذه اللجنة في علاقة بالنصوص التشريعية التي تصدر في تونس. خاصة وأن لجنة البندقية تهدف إلى تقديم المشورة القانونية للدول الأعضاء وعلى وجه الخصوص مساعدة الدول في جعل هياكلها القانونية والمؤسساتية تتماشى مع المعايير الأوروبية والخبرة الدولية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.

وعادة ما يتم استئناس بتقارير هذه اللجنة من طرف دول الاتحاد الأوروبي حول مدى احترام الدول للدساتير وللديمقراطية ورغم أنها تبقى تقارير استشارية إلا أنها قد تساهم في تشكيل قرارات سياسية إيجابية أو سلبية ..وكما أشرنا سابقا يمكن للدول الأعضاء في هذه اللجنة الاستشارية أن لا تمتثل لتوصياتها دون أن يتسبب ذلك في مشاكل على مستوى العلاقات الدولية وحدث ان لم تكترث تونس لتقارير هذه اللجنة في دستور 2014 وفي علاقة برأيها الاستشاري حول مبادرة قانون المصالحة الذي اقترحه الباجي قايد السبسي واعترضت عليه هيئة الحقيقة والكرامة.

وفي تقرير ماي الماضي أبدت لجنة البندقية تحفظات من مدى توافق المراسيم الرئاسية والقوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية من تاريخ 26 جويلية الماضي، مع المعايير الدولية ومع الدستور التونسي وأشارت صراحة الى وجوب إلغاء المرسوم رقم 22 المعدل والمتمم للقانون الأساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات.. حيث سلطت لجنة البندقية، الضوء على العديد من العقبات "لقد توصلت إلى استنتاج مفاده أن هذا المرسوم  رقم 22  لا يتوافق مع الدستور ولا مع المرسوم الرئاسي رقم 117 ولا مع المعايير الدولية. لذلك فان اللجنة ترى أنه ينبغي إلغاء المرسوم هذا المرسوم الخاص بهيئة الانتخابات" .

كما أوصت لجنة البندقية بضرورة التمديد في المواعيد النهائية لإعداد التعديلات الدستورية وتشكيل لجنة تمثل جميع القوى السياسية وكل المجتمع التونسي لإعداد واعتماد النص الذي سيُعرض على الاستفتاء كما أكدت اللجنة أنه من الضروري النص صراحة على أنه في حالة رفض مشروع الدستور الجديد، يظل دستور 2014 ساري المفعول حتى تعديله المحتمل من قبل مجلس نواب الشعب المنتخب .

 حماية السيادة الوطنية

إذا كان رئيس الجمهورية في رده اللاذع على لجنة البندقية قد تذرّع بدفاعه عن السيادة الوطنية، فان الدفاع عن هذه السيادة لن تخدمه أبدا المواقف المتشنجة والعدوانية.. وتقرير لجنة البندقية كان يمكن لرئيس الجمهورية ألا يلتزم به أو أن يتفاعل معه بشكل أكثر مرونة ودون تصعيد أو أن يدلي بخطاب اقل تشنجا يذكر من خلاله بثوابت السيادة الوطنية دون تصعيد في المواقف من قبل طرد البعثة والتي هي غير موجودة في تونس بالأساس او من خلال التلويح بتعليق عضوية تونس في هذه اللجنة ..

وهذه المبالغة في رد الفعل من طرف الرئيس كان بالإمكان تفهمها لو كانت البلاد في وضع اقتصادي أفضل. لكننا في وضع مترد نحتاج بسببه الى دعم مالي من الشركاء الدوليين وخاصة الاتحاد الأوروبي الذي ليس من مصلحة تونس اليوم دفع العلاقة معه الى ذروة التوتر أكثر ، فهذه اللجان مثل لجنة البندقية حتى ولو كان دورها استشاريا وغير مؤثر في السياسات ولكنه مؤثر في القرارات السياسية للدول الأوروبية التي عبّرت سابقا عن تخوفها من أي انحراف سياسي أو ديمقراطي قد تتردى إليه تونس.. ولكن رئيس الجمهورية من خلال موقفه الأخير من لجنة البندقية لم يخدم إلا خصومه الذين استطاعوا من خلال ذلك الموقف دعم موقفهم كجبهة معارضة لتوجهات مسار 25 جويلية .

منية العرفاوي

تذرّع بها سعيد في هجومه على تقرير لجنة البندقية.. السيادة الوطنية أعمق من مجّرد مواقف متشنجة!

تونس- الصباح

بأسلوب غاضب ولا يخلو من التشنّج، هاجم الرئيس قيس سعيد، التقرير الاستشاري، للجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون، والمعروفة باسم لجنة البندقية، وذلك في لقاء جمعه بوزير الخارجية، عثمان الجرندي، أول أمس، حيث استغل هذا اللقاء ليؤكد رئيس الجمهورية أن "الدستور يضعه التونسيون ولا يوضع في البندقية" في إشارة الى تقرير اللجنة والتي لا يوجد مقرّها في البندقية بإيطاليا، بل أخذت اسم المدينة الإيطالية باعتبار أن هذه المدينة شهدت أولى اجتماعات تأسيسها، وقد أضاف رئيس الجمهورية وبوضوح شديد : "إن لزم الأمر تنتهي عضويتنا في لجنة البندقية.. لا نقبل أي تدخل في شؤوننا الداخلية ولا بالمس بالسيادة التونسية، تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة".

ولم يكتف سعيد بالتهديد بإنهاء العضوية بل توجه بالحديث الى أعضاء اللجنة ليقول: "إن كانوا في تونس هم أشخاص غير مرغوب فيهم" وقد أضاف سعيد: "لسنا في حاجة لا لمصاحبتهم ولا لمساعدتهم.. وإن كانوا سيتدخلون في خيارات شعبنا فليلزموا بلدانهم.. ومن هو من هذه اللجنة فليغادر حالا.."

وبدت أغلب ردود الفعل متفاجئة من ردّ فعل رئيس الجمهورية على تقرير اللجنة الصادر في 27 ماي المنقضي، حيث اعتبر اغلب المتابعين أن رأي الرئيس مبالغ فيه وان رأي الجنة هو مجرّد رأي استشاري يمكن ان لا تأخذ به كما سبق ان فعل الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في علاقة بقانون المصالحة بعد أن طلبت هيئة الحقيقة والكرامة رأيها في القانون المذكور ..

وإذا كان رئيس الجمهورية قد تذرّع في ردّه الحاد على تقرير لجنة البندقية بالسيادة الوطنية فهل يعتبر فعلا تقرير هذه اللجنة مسّا من هذه السيادة وتونس هي التي طلبت ان تكون عضوا فيها في 2010 وبالتالي قبلت أن تخضع قوانينها الى الرأي الاستشاري لهذه اللجنة التي تستعين بها دول كثيرة وهي ستواصل، وفي كل الحالات، عملها وتقييم النصوص القانونية التي ستصدرها تونس، رغم موقف رئيس الجمهورية منها !

تقرير لجنة البندقية

في 27 ماي الماضي، أصدرت اللجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون أو كما تُسمى بلجنة البندقية تقريرا مطولا حول الإطار الدستوري والتشريعي للاستفتاء على الدستور والانتخابات التشريعيّة المنتظرة في ديسمبر الماضي وكذلك أبدت رأيها في المرسوم عدد 22 المتعلّق بتنقيح قانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.. وقد جاء هذا التقرير ردّا على طلب مستعجل من بعثة الاتحاد الأوروبي حول مدى تطابق خيارات وقرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد مع دستور 2014. وذلك في إطار مهام هذه اللجنة الاستشارية القانونية والتي تتبع مجلس أوروبا منذ تأسيسها سنة 1990 ، والتي اقتصرت في البداية على عضوية دول أوروبية لتتوسع بعد ذلك الى خارج الفضاء الأوروبي من خلال آلية طلب العضوية وهو ما فعلته تونس في 2010 والتي تم قبول عضويتها وبالتالي بات من الطبيعي أن يُطلب الرأي الاستشاري لهذه اللجنة في علاقة بالنصوص التشريعية التي تصدر في تونس. خاصة وأن لجنة البندقية تهدف إلى تقديم المشورة القانونية للدول الأعضاء وعلى وجه الخصوص مساعدة الدول في جعل هياكلها القانونية والمؤسساتية تتماشى مع المعايير الأوروبية والخبرة الدولية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.

وعادة ما يتم استئناس بتقارير هذه اللجنة من طرف دول الاتحاد الأوروبي حول مدى احترام الدول للدساتير وللديمقراطية ورغم أنها تبقى تقارير استشارية إلا أنها قد تساهم في تشكيل قرارات سياسية إيجابية أو سلبية ..وكما أشرنا سابقا يمكن للدول الأعضاء في هذه اللجنة الاستشارية أن لا تمتثل لتوصياتها دون أن يتسبب ذلك في مشاكل على مستوى العلاقات الدولية وحدث ان لم تكترث تونس لتقارير هذه اللجنة في دستور 2014 وفي علاقة برأيها الاستشاري حول مبادرة قانون المصالحة الذي اقترحه الباجي قايد السبسي واعترضت عليه هيئة الحقيقة والكرامة.

وفي تقرير ماي الماضي أبدت لجنة البندقية تحفظات من مدى توافق المراسيم الرئاسية والقوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية من تاريخ 26 جويلية الماضي، مع المعايير الدولية ومع الدستور التونسي وأشارت صراحة الى وجوب إلغاء المرسوم رقم 22 المعدل والمتمم للقانون الأساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات.. حيث سلطت لجنة البندقية، الضوء على العديد من العقبات "لقد توصلت إلى استنتاج مفاده أن هذا المرسوم  رقم 22  لا يتوافق مع الدستور ولا مع المرسوم الرئاسي رقم 117 ولا مع المعايير الدولية. لذلك فان اللجنة ترى أنه ينبغي إلغاء المرسوم هذا المرسوم الخاص بهيئة الانتخابات" .

كما أوصت لجنة البندقية بضرورة التمديد في المواعيد النهائية لإعداد التعديلات الدستورية وتشكيل لجنة تمثل جميع القوى السياسية وكل المجتمع التونسي لإعداد واعتماد النص الذي سيُعرض على الاستفتاء كما أكدت اللجنة أنه من الضروري النص صراحة على أنه في حالة رفض مشروع الدستور الجديد، يظل دستور 2014 ساري المفعول حتى تعديله المحتمل من قبل مجلس نواب الشعب المنتخب .

 حماية السيادة الوطنية

إذا كان رئيس الجمهورية في رده اللاذع على لجنة البندقية قد تذرّع بدفاعه عن السيادة الوطنية، فان الدفاع عن هذه السيادة لن تخدمه أبدا المواقف المتشنجة والعدوانية.. وتقرير لجنة البندقية كان يمكن لرئيس الجمهورية ألا يلتزم به أو أن يتفاعل معه بشكل أكثر مرونة ودون تصعيد أو أن يدلي بخطاب اقل تشنجا يذكر من خلاله بثوابت السيادة الوطنية دون تصعيد في المواقف من قبل طرد البعثة والتي هي غير موجودة في تونس بالأساس او من خلال التلويح بتعليق عضوية تونس في هذه اللجنة ..

وهذه المبالغة في رد الفعل من طرف الرئيس كان بالإمكان تفهمها لو كانت البلاد في وضع اقتصادي أفضل. لكننا في وضع مترد نحتاج بسببه الى دعم مالي من الشركاء الدوليين وخاصة الاتحاد الأوروبي الذي ليس من مصلحة تونس اليوم دفع العلاقة معه الى ذروة التوتر أكثر ، فهذه اللجان مثل لجنة البندقية حتى ولو كان دورها استشاريا وغير مؤثر في السياسات ولكنه مؤثر في القرارات السياسية للدول الأوروبية التي عبّرت سابقا عن تخوفها من أي انحراف سياسي أو ديمقراطي قد تتردى إليه تونس.. ولكن رئيس الجمهورية من خلال موقفه الأخير من لجنة البندقية لم يخدم إلا خصومه الذين استطاعوا من خلال ذلك الموقف دعم موقفهم كجبهة معارضة لتوجهات مسار 25 جويلية .

منية العرفاوي