إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم لـ«الصباح»: منظومتنا التربوية في حاجة إلى إصلاحات جذرية

-لا إلى مزيد من الإجراءات الجزئية

لم تعد العطلة المدرسية، في السياق التربوي المعاصر، مجرد فترة زمنية فاصلة بين محطتين دراسيتين، ولا فسحة عابرة للراحة والانفصال عن أجواء القسم والواجبات، بل أصبحت موضوعا إشكاليا يثير جدلا واسعا بين الفاعلين التربويين والأسر وصنّاع القرار. فبين من يراها حقا بيداغوجيا ونفسيا لا غنى عنه لضمان التوازن الذهني والانفعالي للمتعلمين، ومن يعتبرها فرصة ضائعة ينبغي استثمارها في المزيد من التحصيل والدروس، تتجاذب العطلة المدرسية رؤى متباينة تعكس اختلاف التصورات حول معنى التعلم وحدوده الزمنية.

وفي خضم هذا الجدل، برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة التدريس خلال أيام العطلة، سواء عبر دروس الدعم، أو الحصص الخصوصية، أو البرامج المكثفة التي تفرض أحيانا بضغط الامتحانات والمنافسة المحمومة على النتائج.

ظاهرة باتت تطرح أسئلة جوهرية حول مدى انسجامها مع المبادئ البيداغوجية الحديثة، وحول تأثيرها الحقيقي على المتعلم وحول ما إن كانت تسهم فعلا في تحسين المردودية التعليمية أم أنها تُحوّل العطلة إلى امتداد مرهق للسنة الدراسية، وتفرغها من أبعادها التربوية.

وتكتسي مسألة التدريس خلال العطلة حساسية خاصة، لأنها تقع عند تقاطع حاجات التلميذ النفسية، وانتظارات الأسرة، ومتطلبات المنهاج التعليمي وضغوط المجتمع، وهو ما يستدعي نقاشا تربويا مسؤولا، يميّز بين الدعم البيداغوجي الضروري لبعض الحالات، وبين الممارسات التي تحوّل العطلة إلى عبء إضافي.

وفي هذا السياق قال رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم، في تصريح لـ«الصباح»: «قبل الخوض في مسألة استغلال التلاميذ والأولياء للعطلة المدرسية، لا بدّ من التوقّف عند اختلال عميق تعاني منه المنظومة التربوية التونسية، وهو اختلال يتعلّق بهندسة السنة الدراسية نفسها، أي بطريقة توزيع الأيام الدراسية والعطل وفترات التقييم، فعلى مستوى الواقع، لا يمكن الحديث عن ‹ثلاثيات› إلاّ مجازا، فالثلاثي الأول هو في حقيقته سداسي، يمتد من سبتمبر إلى نهاية ديسمبر، أي ما يعادل نصف السنة الدراسية تقريبا، ولشدّة طوله وثقله، ارتأت المنظومة، بدل مراجعته جذريا، أن تشطره اصطناعيا، فقامت باستحداث عطلة نصف الثلاثي الأول».

ويضيف محدثنا بأن الأمر أصبح وكأنه عدوى تنظيمية، انتقلت الفكرة إلى الثلاثي الثاني، رغم أنّ طوله الفعلي لا يتجاوز الشهرين، مضيفا «ولولا قصر الثلاثي الثالث لربّما لحقت به العدوى هو الآخر». وفي المقابل، تكشف آلية التقييم عن مفارقة أكثر خطورة: فنصف السنة الدراسية (الثلاثي الأول) ضاربُه 1، في حين أن ضارب الثلاثي الثاني هو 2، ونفس الشّيء بالنسبة إلى الثلاثي الثالث. وبمعنى آخر، فإنّ نصف السنة الدراسية نصيبه من الضّوارب هو الخمس، وأن ثلاثيّة تستغرق عمليا 5 أسابيع ضاربها هو ضعف ثلاثيّة تمتدّ على 4 أشهر، وهو ما لا يستقيم بيداغوجيا ولا حتى منطقيا. متسائلا: عمن يصرّ على الإبقاء على هذا الاختلال الصّارخ؟

عطل مدرسية أم عطب بنيوي في هندسة السنة الدراسية؟

ويضيف سليم قاسم بأن هذه «الهندسة» المختلّة أفرزت سنة دراسية مفكّكة الأوصال، فالتلميذ يخرج من عطلة ليدخل بعد أسابيع قليلة في عطلة أخرى، كما أن الزمن التعليمي متقطّع على نحو يصعب معه بناء نسق تعلّم متدرّج ومستقر، ويزداد الأمر تعقيدا إذا أضفنا فترات التقييم، التي تلتهم عمليا قرابة ثلاثة أسابيع من كل ثلاثي، تتعطّل خلالها الدروس كليا أو جزئيا، لتتحوّل الأقسام إلى فضاءات امتحان أكثر منها فضاءات تعلّم. أمّا الأخطر من كل ذلك، وفق محدثنا، فهو الأثر التربوي العميق لهذا الترتيب، إذ أن ضعف الضارب المسند لنصف السنة الدراسية الأول يغرس لدى أعداد كبيرة من التلاميذ عقلية التواكُل وتأجيل الجهد والرهان على تدارك الوضع في الأسابيع الأخيرة من السنة، بما يكرّس ثقافة العمل في اللحظة الحرجة بدل التعلّم المتراكم والمستدام وذي الأثر.ويؤكد قاسم بأنه لا يمكن فهم تصرّفات التلاميذ ولا خيارات الأولياء، ولا حتى ممارسات بعض المدرّسين، بمعزل عن هذا الإطار العام، وهنا تحديدًا، نصل إلى السؤال الجوهري: كيف يتعامل الفاعلون التربويون مع العطل المدرسية داخل منظومة تعاني أصلًا من ارتباك زمني وبنيوي؟

الدّراسة خلال العطلة المدرسية بين الاحتجاج الصامت وتداعي الثقة

كما أوضح محدثنا بأنّ حرص عدد هامّ من الأولياء، وكذلك نسبة غير قليلة من التلاميذ الواعين، على متابعة الدروس الخصوصية خلال العطلة المدرسية، لا يمكن قراءته بوصفه سلوكا فرديا معزولا أو نزوعا استهلاكيا محضا، بل هو في جوهره شكل من أشكال الاحتجاج الصامت على تردّي أداء المنظومة التربوية، ومؤشّر خطير على تراجع الثقة في قدرتها على أداء وظيفتها الأساسية، فالأولياء، في واقع الأمر، ليسوا في غنى عن أي مليم يُنفق على الدروس الخصوصية، خاصّة في ظلّ ارتفاع كلفة المعيشة وغالبا ما يتمّ هذا الإنفاق على حساب متطلّبات حياتية أساسية أخرى، وهو ما يكشف أنّ الأمر ليس خيارا مريحا أو ترفا، بل هو اضطرار قسريّ وقاس. كما أنّ التلاميذ كان بإمكانهم، من حيث المبدأ، استثمار العطلة في أنشطة ثقافية أو رياضية أو فنية أو ترفيهية، تُسهم في تنمية شخصياتهم وتدعم توازنهم النفسي والاجتماعي، لولا الشعور الضاغط بأنّ الزمن المدرسي لم يعد كافيًا، ولا مضمون التعلمات مطمئنًا. ويضيف بأن هذا الاضطرار يجد جذوره، كما سبق بيانه في سوء حوكمة المنظومة التربوية، بل وفي كثير من الأحيان في غياب حوكمة حقيقية تستند إلى أبسط قواعد المنطق والتفكير الرشيد، فهندسة الزمن المدرسيّ مختلّة، والتقييم غير عادل في توزيع الضوارب وتقطيع السنة الدراسية مفرط وغير عقلانيّ، والدّروس تتعطّل فعليّا خلال فترات طويلة. وإلى جانب هذه الأسباب البنيوية، يبرز سبب أعمق وأخطر وهو تراجع ثقة الأولياء والتلاميذ في قدرة المدرسة العمومية على إكساب المتعلمين الكفايات اللازمة لعصرهم ولمستقبلهم، سواء تعلّق الأمر بالكفايات المعرفية الأساسية، أو بالمهارات الحياتيّة، أو بالقدرة على التفكير النقدي والاستقلالية في التعلّم.

ويفيد سليم قاسم بأنه بالنسبة للمدرسين الذين يقدّمون الدروس الخصوصية، فلا يمكن التعامل معهم بمنطق الإدانة الشاملة أو الخطاب الأخلاقي التبسيطي، فهم، في نهاية المطاف، يلبّون حاجة حقيقية لم يعد بوسع أحد إنكارها، في ظلّ أجور لم تعد تتناسب مع أعباء الحياة ولا مع المكانة المفترضة للمربّي. وإذا كانت بعض مظاهر الجشع والاستغلال قد بدأت تطفو على السطح لدى فئة من المدرّسين، فإنّ العدالة تقتضي أولا تحديد هذه الفئة بدقّة وعدم وضع جميع المدرّسين في خانة واحدة، وثانيا، وهو الأهمّ، معالجة الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى تفشّي ظاهرة الدروس الخصوصية، والتي تتحمّل المنظومة التربوية نفسها، وترهّل حوكمتها، مسؤوليتها الأولى. فالتعامل مع هذه الظاهرة عبر الحلول الزجرية أو التقنوية السطحية لم يؤدّ إلا إلى مزيد من التعقيد، بل وساهم في تكريس النفاق التربوي، حيث يُدان السلوك في الخطاب، ويُعاد إنتاجه في الواقع.

وفي ختام تصريحه يؤكد سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم بأنه يصبح الحديث عن استغلال العطل المدرسية حديثا ناقصا ما لم يُدرج ضمن رؤية إصلاحية شاملة، تقطع مع منطق الترقيع، وتضع في صدارة أولوياتها إنصاف التلاميذ في حقّهم في تعلّم ذي معنى، وإنصاف المدرّسين في شروط عمل لائقة ومحفّزة، وإنصاف الأولياء برفع العبء المادي والنفسي عن كاهلهم، مؤكدا أن ما تحتاجه منظومتنا التربوية اليوم ليس مزيدا من الإجراءات الجزئية، بل إصلاحا جذريا، متبصّرا وشجاعا، يعيد بناء الثقة، ويستند إلى رؤية واضحة، وحوكمة رشيدة، وتوزيع عادل للزمن المدرسي والتقييم، بما يضمن تنشئة متوازنة لأبنائنا.

أميرة الدريدي

رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم لـ«الصباح»:   منظومتنا التربوية في حاجة إلى إصلاحات جذرية

-لا إلى مزيد من الإجراءات الجزئية

لم تعد العطلة المدرسية، في السياق التربوي المعاصر، مجرد فترة زمنية فاصلة بين محطتين دراسيتين، ولا فسحة عابرة للراحة والانفصال عن أجواء القسم والواجبات، بل أصبحت موضوعا إشكاليا يثير جدلا واسعا بين الفاعلين التربويين والأسر وصنّاع القرار. فبين من يراها حقا بيداغوجيا ونفسيا لا غنى عنه لضمان التوازن الذهني والانفعالي للمتعلمين، ومن يعتبرها فرصة ضائعة ينبغي استثمارها في المزيد من التحصيل والدروس، تتجاذب العطلة المدرسية رؤى متباينة تعكس اختلاف التصورات حول معنى التعلم وحدوده الزمنية.

وفي خضم هذا الجدل، برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة التدريس خلال أيام العطلة، سواء عبر دروس الدعم، أو الحصص الخصوصية، أو البرامج المكثفة التي تفرض أحيانا بضغط الامتحانات والمنافسة المحمومة على النتائج.

ظاهرة باتت تطرح أسئلة جوهرية حول مدى انسجامها مع المبادئ البيداغوجية الحديثة، وحول تأثيرها الحقيقي على المتعلم وحول ما إن كانت تسهم فعلا في تحسين المردودية التعليمية أم أنها تُحوّل العطلة إلى امتداد مرهق للسنة الدراسية، وتفرغها من أبعادها التربوية.

وتكتسي مسألة التدريس خلال العطلة حساسية خاصة، لأنها تقع عند تقاطع حاجات التلميذ النفسية، وانتظارات الأسرة، ومتطلبات المنهاج التعليمي وضغوط المجتمع، وهو ما يستدعي نقاشا تربويا مسؤولا، يميّز بين الدعم البيداغوجي الضروري لبعض الحالات، وبين الممارسات التي تحوّل العطلة إلى عبء إضافي.

وفي هذا السياق قال رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم، في تصريح لـ«الصباح»: «قبل الخوض في مسألة استغلال التلاميذ والأولياء للعطلة المدرسية، لا بدّ من التوقّف عند اختلال عميق تعاني منه المنظومة التربوية التونسية، وهو اختلال يتعلّق بهندسة السنة الدراسية نفسها، أي بطريقة توزيع الأيام الدراسية والعطل وفترات التقييم، فعلى مستوى الواقع، لا يمكن الحديث عن ‹ثلاثيات› إلاّ مجازا، فالثلاثي الأول هو في حقيقته سداسي، يمتد من سبتمبر إلى نهاية ديسمبر، أي ما يعادل نصف السنة الدراسية تقريبا، ولشدّة طوله وثقله، ارتأت المنظومة، بدل مراجعته جذريا، أن تشطره اصطناعيا، فقامت باستحداث عطلة نصف الثلاثي الأول».

ويضيف محدثنا بأن الأمر أصبح وكأنه عدوى تنظيمية، انتقلت الفكرة إلى الثلاثي الثاني، رغم أنّ طوله الفعلي لا يتجاوز الشهرين، مضيفا «ولولا قصر الثلاثي الثالث لربّما لحقت به العدوى هو الآخر». وفي المقابل، تكشف آلية التقييم عن مفارقة أكثر خطورة: فنصف السنة الدراسية (الثلاثي الأول) ضاربُه 1، في حين أن ضارب الثلاثي الثاني هو 2، ونفس الشّيء بالنسبة إلى الثلاثي الثالث. وبمعنى آخر، فإنّ نصف السنة الدراسية نصيبه من الضّوارب هو الخمس، وأن ثلاثيّة تستغرق عمليا 5 أسابيع ضاربها هو ضعف ثلاثيّة تمتدّ على 4 أشهر، وهو ما لا يستقيم بيداغوجيا ولا حتى منطقيا. متسائلا: عمن يصرّ على الإبقاء على هذا الاختلال الصّارخ؟

عطل مدرسية أم عطب بنيوي في هندسة السنة الدراسية؟

ويضيف سليم قاسم بأن هذه «الهندسة» المختلّة أفرزت سنة دراسية مفكّكة الأوصال، فالتلميذ يخرج من عطلة ليدخل بعد أسابيع قليلة في عطلة أخرى، كما أن الزمن التعليمي متقطّع على نحو يصعب معه بناء نسق تعلّم متدرّج ومستقر، ويزداد الأمر تعقيدا إذا أضفنا فترات التقييم، التي تلتهم عمليا قرابة ثلاثة أسابيع من كل ثلاثي، تتعطّل خلالها الدروس كليا أو جزئيا، لتتحوّل الأقسام إلى فضاءات امتحان أكثر منها فضاءات تعلّم. أمّا الأخطر من كل ذلك، وفق محدثنا، فهو الأثر التربوي العميق لهذا الترتيب، إذ أن ضعف الضارب المسند لنصف السنة الدراسية الأول يغرس لدى أعداد كبيرة من التلاميذ عقلية التواكُل وتأجيل الجهد والرهان على تدارك الوضع في الأسابيع الأخيرة من السنة، بما يكرّس ثقافة العمل في اللحظة الحرجة بدل التعلّم المتراكم والمستدام وذي الأثر.ويؤكد قاسم بأنه لا يمكن فهم تصرّفات التلاميذ ولا خيارات الأولياء، ولا حتى ممارسات بعض المدرّسين، بمعزل عن هذا الإطار العام، وهنا تحديدًا، نصل إلى السؤال الجوهري: كيف يتعامل الفاعلون التربويون مع العطل المدرسية داخل منظومة تعاني أصلًا من ارتباك زمني وبنيوي؟

الدّراسة خلال العطلة المدرسية بين الاحتجاج الصامت وتداعي الثقة

كما أوضح محدثنا بأنّ حرص عدد هامّ من الأولياء، وكذلك نسبة غير قليلة من التلاميذ الواعين، على متابعة الدروس الخصوصية خلال العطلة المدرسية، لا يمكن قراءته بوصفه سلوكا فرديا معزولا أو نزوعا استهلاكيا محضا، بل هو في جوهره شكل من أشكال الاحتجاج الصامت على تردّي أداء المنظومة التربوية، ومؤشّر خطير على تراجع الثقة في قدرتها على أداء وظيفتها الأساسية، فالأولياء، في واقع الأمر، ليسوا في غنى عن أي مليم يُنفق على الدروس الخصوصية، خاصّة في ظلّ ارتفاع كلفة المعيشة وغالبا ما يتمّ هذا الإنفاق على حساب متطلّبات حياتية أساسية أخرى، وهو ما يكشف أنّ الأمر ليس خيارا مريحا أو ترفا، بل هو اضطرار قسريّ وقاس. كما أنّ التلاميذ كان بإمكانهم، من حيث المبدأ، استثمار العطلة في أنشطة ثقافية أو رياضية أو فنية أو ترفيهية، تُسهم في تنمية شخصياتهم وتدعم توازنهم النفسي والاجتماعي، لولا الشعور الضاغط بأنّ الزمن المدرسي لم يعد كافيًا، ولا مضمون التعلمات مطمئنًا. ويضيف بأن هذا الاضطرار يجد جذوره، كما سبق بيانه في سوء حوكمة المنظومة التربوية، بل وفي كثير من الأحيان في غياب حوكمة حقيقية تستند إلى أبسط قواعد المنطق والتفكير الرشيد، فهندسة الزمن المدرسيّ مختلّة، والتقييم غير عادل في توزيع الضوارب وتقطيع السنة الدراسية مفرط وغير عقلانيّ، والدّروس تتعطّل فعليّا خلال فترات طويلة. وإلى جانب هذه الأسباب البنيوية، يبرز سبب أعمق وأخطر وهو تراجع ثقة الأولياء والتلاميذ في قدرة المدرسة العمومية على إكساب المتعلمين الكفايات اللازمة لعصرهم ولمستقبلهم، سواء تعلّق الأمر بالكفايات المعرفية الأساسية، أو بالمهارات الحياتيّة، أو بالقدرة على التفكير النقدي والاستقلالية في التعلّم.

ويفيد سليم قاسم بأنه بالنسبة للمدرسين الذين يقدّمون الدروس الخصوصية، فلا يمكن التعامل معهم بمنطق الإدانة الشاملة أو الخطاب الأخلاقي التبسيطي، فهم، في نهاية المطاف، يلبّون حاجة حقيقية لم يعد بوسع أحد إنكارها، في ظلّ أجور لم تعد تتناسب مع أعباء الحياة ولا مع المكانة المفترضة للمربّي. وإذا كانت بعض مظاهر الجشع والاستغلال قد بدأت تطفو على السطح لدى فئة من المدرّسين، فإنّ العدالة تقتضي أولا تحديد هذه الفئة بدقّة وعدم وضع جميع المدرّسين في خانة واحدة، وثانيا، وهو الأهمّ، معالجة الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى تفشّي ظاهرة الدروس الخصوصية، والتي تتحمّل المنظومة التربوية نفسها، وترهّل حوكمتها، مسؤوليتها الأولى. فالتعامل مع هذه الظاهرة عبر الحلول الزجرية أو التقنوية السطحية لم يؤدّ إلا إلى مزيد من التعقيد، بل وساهم في تكريس النفاق التربوي، حيث يُدان السلوك في الخطاب، ويُعاد إنتاجه في الواقع.

وفي ختام تصريحه يؤكد سليم قاسم رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم بأنه يصبح الحديث عن استغلال العطل المدرسية حديثا ناقصا ما لم يُدرج ضمن رؤية إصلاحية شاملة، تقطع مع منطق الترقيع، وتضع في صدارة أولوياتها إنصاف التلاميذ في حقّهم في تعلّم ذي معنى، وإنصاف المدرّسين في شروط عمل لائقة ومحفّزة، وإنصاف الأولياء برفع العبء المادي والنفسي عن كاهلهم، مؤكدا أن ما تحتاجه منظومتنا التربوية اليوم ليس مزيدا من الإجراءات الجزئية، بل إصلاحا جذريا، متبصّرا وشجاعا، يعيد بناء الثقة، ويستند إلى رؤية واضحة، وحوكمة رشيدة، وتوزيع عادل للزمن المدرسي والتقييم، بما يضمن تنشئة متوازنة لأبنائنا.

أميرة الدريدي