خلال هذا الموسم الدراسي، ساهمت تسوية وضعية الأساتذة النواب المدرجين في قاعدة البيانات التي وضعتها وزارة التربية في سدّ الكثير من الشغورات في الإطار التربوي، والتي عانت منها الوزارة في السنوات الأخيرة، وما زالت إلى اليوم تربك الشأن التربوي في عدد من الاختصاصات. ومن المتوقّع أن تساهم الانتدابات المبرمجة في سنة 2026 ضمن مشروع القانون المالية في الحدّ أكثر من هذه الشغورات، خاصة في المرحلة الثانوية، بعد التوصّل إلى سدّ الشغورات بنسبة كبيرة في المرحلة الابتدائية.
وتم رصد 722.4 مليون دينار في مشروع قانون المالية لتعزيز الانتدابات في وزارة التربية، وذلك بالموافقة على انتداب 18,349 عونا وإطارا. إذ إن الشغورات في الوزارة لا تقتصر على الإطار التربوي فقط، بل تتجاوز ذلك إلى الأعوان والمختصين والإداريين. وتنقسم هذه الانتدابات إلى تسوية وضعية 4,811 معلما نائبا بالمرحلة الابتدائية، و9,026 أستاذا نائبا بالمرحلتين الإعدادية والثانوية، و1,226 من أعوان التأطير والمخابر، إضافة إلى انتداب 2,601 من حاملي الإجازة التطبيقية في التربية والتعليم خريجي سنة 2024، و100 من خريجي دار المعلمين العليا، و270 من حاملي شهادة الدكتوراه، بالإضافة إلى انتداب 26 أخصائيا نفسيا، و25 و150 عاملا، و50 مستكتب إدارة، و50 تقنيا.
وقد أكّد وزير التربية نور الدين النوري خلال الجلسة العامة الأخيرة، بأن العديد من المؤسسات التربوية، الممتدة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، على غرار ولايات مدنين وقابس وصفاقس ونابل والمهدية وتونس، تشكو نقصا فادحا في عدد الأعوان، مقابل وجود فائض في بعض المؤسسات التربوية بالولايات الداخلية. في المقابل، أكّدت النقابة العامة لمتفقدي التعليم الثانوي في بلاغ لها أن وزارة التربية عجزت عن سد النقص الحاصل في الإطار التربوي بمختلف أصنافه، مما أدى إلى بقاء آلاف التلاميذ دون تعلم.
إلا أن أغلب المهتمين بالشأن التربوي يؤكدون أن هذا النقص هو نتيجة طبيعية لغلق باب الانتدابات لسنوات بسبب الأوضاع الاقتصادية، ونقص الكفاءات في بعض المواد، والتأخّر في تسوية وضعية المدرّسين النواب. واليوم، مع عودة فتح باب الانتدابات وتركيز المجلس الأعلى للتربية، سيتمّ تلافي هذا النقص تدريجيا في السنوات القادمة.
الإصلاح التربوي.. الواقع والأهداف
خلال الجلسة البرلمانية الأخيرة، لم يخف وزير التربية حقيقة أن المؤسسات التربوية تشكو عديد النقائص، وأن المجلس الأعلى للتربية يحظى بشرعية دستورية محصّنة، مما يجعله ركيزة أساسية في مسار الإصلاح التربوي الذي يتم الاستعداد له منذ أشهر. وقد أكد الوزير أن المجلس الأعلى للتربية سينطلق قريبا في العمل على ملف الإصلاح التربوي وفق رؤية شمولية تهدف إلى إرساء مشروع إصلاحي يحترم السيادة الوطنية ويواكب التطورات الحديثة، ويشمل هذا المشروع مراجعة المناهج التربوية واعتماد أساليب بيداغوجية عصرية.
وخلال السنتين الماضيتين، عملت وزارة التربية على تحسين تهيئة الفضاءات المدرسية، حيث تم إحداث 17 مؤسسة تربوية جديدة وتهيئة أكثر من 300 مؤسسة خاصة في المناطق الريفية، إلى جانب توفير عدد كبير من الحواسيب لفائدة المؤسسات التربوية، واقتناء أكثر من 85 ألف طاولة مزدوجة، وتجهيز وتوزيع مخابر متنقلة، بالإضافة إلى تعزيز المدارس بالحواسيب والآلات الناسخة وتجهيزات المخابر البيداغوجية، وفق المعطيات الرسمية التي قدّمتها الوزارة.
وفيما يتعلّق بالموارد البشرية، أكدت وزارة التربية سعيها إلى تقليص النقص المسجّل في الأعوان، خاصة في الشريط الساحلي وولايات تونس الكبرى، إلى جانب دعم الكفاءات الفنية، بالإضافة إلى انتداب دكاترة باحثين معطّلين عن العمل لتعزيز قدرات الوزارة في الدراسات والمتابعة والتنفيذ.
وكانت وزارة التربية قد أعلنت مع موفى السنة الدراسية الفارطة أن ملف انتداب المعلمين والأساتذة النواب قد أُغلِق في شهر جويلية الماضي، بإدماج ما تبقى من الدفعة الأولى للمعلمين والأساتذة النواب وعددها 1,069، لتنطلق الوزارة فيما بعد في دراسة الدفعة الثانية التي سيتم إدماجها سنة 2026.
وبالنسبة لأعوان التأطير وأعوان المخابر التابعين لوزارة التربية وعددهم 1,226، فقد بين الوزير أن عملية إدماجهم قد انطلقت وانتهت مع بداية هذا الموسم الدراسي.
ورغم أن تصريحات سابقة لمسؤولين في وزارة التربية تؤكد أن الشغورات السنوية في المؤسسات التربوية تتراوح بين 5 و7 آلاف شغور في صفوف المدرسين في مختلف المراحل التعليمية، إلا أن هذه الأعداد تبقى «أعدادًا متحرّكة» لارتباطها بأسباب الشغورات الحاصلة، كالإحالة على التقاعد، والإلحاق بخطط وظيفية أخرى، والتعاون الدولي.
نقص في الاطار التربوي..
ووفق المختصين البيداغوجيين وجمعية أولياء التلاميذ، فإن النقص في الإطار التربوي يضرب مبدأ تكافؤ الفرص وله آثار مباشرة على التلميذ، تتمثل في عدم تلقي المعارف في بعض المواد، بما يؤدي إلى ضعف التحصيل العلمي والتأثير على مستقبل التلميذ في السنوات المتتالية. وهذا ما سيدفع الأولياء إلى تقديم المزيد من التضحيات لتدارك هذا الخلل، سواء بالتوجه إلى الدروس الخصوصية أو إلى المؤسسات التربوية الخاصة ذات الكلفة العالية لضمان مناخ دراسة ملائم لأبنائهم.
وفي انتظار تركيز المجلس الأعلى للتربية والسعي إلى تخفيف الضغط على الإطار التربوي، بادر في الأشهر الأخيرة مجموعة من النواب إلى تقديم مقترح تشريعي يحدّد الزمن المدرسي في المؤسسات التربوية العمومية بمعدل 5 ساعات يوميا على فترة واحدة متواصلة، صباحية أو مسائية، مع إمكانية إدماج أنشطة ثقافية ورياضية موازية خارج هذا التوقيت.
ولئن ما زال هذا المقترح قيد النقاش البرلماني دون أن يتحوّل إلى مبادرة تشريعية تعرض على الجلسة العامة، إلا أن المختص في علم الاجتماع والتربية، د. منذر عافي، قد أكّد في مقاربة سوسيولوجية لتحولات الزمن المدرسي في تونس، خصّ بها جريدة «الصباح»، أن مشروع القانون المقترح من قبل لجنة التربية بمجلس نواب الشعب، المتمثل في اعتماد نظام الحصّة الواحدة في المؤسسات التربوية العمومية، هو محطة لافتة في مسار التفكير في إصلاح المنظومة التربوية، وليس مجرد أداة لتنظيم الحصص الدراسية، بل هو بنية دلالية وسوسيولوجية معقّدة تُسهم في إعادة إنتاج المعنى وتشكيل التوازن بين المتعلم والمعرفة، وبين المدرسة والمجتمع.
وإن ما يُعرض اليوم على مجلس نواب الشعب لا ينبغي أن يُقرأ فقط كإجراء إداري لتخفيف الضغط الزمني، بل كمدخل لسؤال أعمق وأكثر دقة: ما هي الرؤية التربوية التي نريد أن نبني عليها المدرسة التونسية؟
والرؤية التربوية التي ستنبني عليها المدرسة التونسية في المستقبل هي تلك التي سيحدّد ملامحها برنامج الإصلاح التربوي عند اكتماله والمجلس الأعلى للتربية عند تركيزه.
منية العرفاوي
خلال هذا الموسم الدراسي، ساهمت تسوية وضعية الأساتذة النواب المدرجين في قاعدة البيانات التي وضعتها وزارة التربية في سدّ الكثير من الشغورات في الإطار التربوي، والتي عانت منها الوزارة في السنوات الأخيرة، وما زالت إلى اليوم تربك الشأن التربوي في عدد من الاختصاصات. ومن المتوقّع أن تساهم الانتدابات المبرمجة في سنة 2026 ضمن مشروع القانون المالية في الحدّ أكثر من هذه الشغورات، خاصة في المرحلة الثانوية، بعد التوصّل إلى سدّ الشغورات بنسبة كبيرة في المرحلة الابتدائية.
وتم رصد 722.4 مليون دينار في مشروع قانون المالية لتعزيز الانتدابات في وزارة التربية، وذلك بالموافقة على انتداب 18,349 عونا وإطارا. إذ إن الشغورات في الوزارة لا تقتصر على الإطار التربوي فقط، بل تتجاوز ذلك إلى الأعوان والمختصين والإداريين. وتنقسم هذه الانتدابات إلى تسوية وضعية 4,811 معلما نائبا بالمرحلة الابتدائية، و9,026 أستاذا نائبا بالمرحلتين الإعدادية والثانوية، و1,226 من أعوان التأطير والمخابر، إضافة إلى انتداب 2,601 من حاملي الإجازة التطبيقية في التربية والتعليم خريجي سنة 2024، و100 من خريجي دار المعلمين العليا، و270 من حاملي شهادة الدكتوراه، بالإضافة إلى انتداب 26 أخصائيا نفسيا، و25 و150 عاملا، و50 مستكتب إدارة، و50 تقنيا.
وقد أكّد وزير التربية نور الدين النوري خلال الجلسة العامة الأخيرة، بأن العديد من المؤسسات التربوية، الممتدة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، على غرار ولايات مدنين وقابس وصفاقس ونابل والمهدية وتونس، تشكو نقصا فادحا في عدد الأعوان، مقابل وجود فائض في بعض المؤسسات التربوية بالولايات الداخلية. في المقابل، أكّدت النقابة العامة لمتفقدي التعليم الثانوي في بلاغ لها أن وزارة التربية عجزت عن سد النقص الحاصل في الإطار التربوي بمختلف أصنافه، مما أدى إلى بقاء آلاف التلاميذ دون تعلم.
إلا أن أغلب المهتمين بالشأن التربوي يؤكدون أن هذا النقص هو نتيجة طبيعية لغلق باب الانتدابات لسنوات بسبب الأوضاع الاقتصادية، ونقص الكفاءات في بعض المواد، والتأخّر في تسوية وضعية المدرّسين النواب. واليوم، مع عودة فتح باب الانتدابات وتركيز المجلس الأعلى للتربية، سيتمّ تلافي هذا النقص تدريجيا في السنوات القادمة.
الإصلاح التربوي.. الواقع والأهداف
خلال الجلسة البرلمانية الأخيرة، لم يخف وزير التربية حقيقة أن المؤسسات التربوية تشكو عديد النقائص، وأن المجلس الأعلى للتربية يحظى بشرعية دستورية محصّنة، مما يجعله ركيزة أساسية في مسار الإصلاح التربوي الذي يتم الاستعداد له منذ أشهر. وقد أكد الوزير أن المجلس الأعلى للتربية سينطلق قريبا في العمل على ملف الإصلاح التربوي وفق رؤية شمولية تهدف إلى إرساء مشروع إصلاحي يحترم السيادة الوطنية ويواكب التطورات الحديثة، ويشمل هذا المشروع مراجعة المناهج التربوية واعتماد أساليب بيداغوجية عصرية.
وخلال السنتين الماضيتين، عملت وزارة التربية على تحسين تهيئة الفضاءات المدرسية، حيث تم إحداث 17 مؤسسة تربوية جديدة وتهيئة أكثر من 300 مؤسسة خاصة في المناطق الريفية، إلى جانب توفير عدد كبير من الحواسيب لفائدة المؤسسات التربوية، واقتناء أكثر من 85 ألف طاولة مزدوجة، وتجهيز وتوزيع مخابر متنقلة، بالإضافة إلى تعزيز المدارس بالحواسيب والآلات الناسخة وتجهيزات المخابر البيداغوجية، وفق المعطيات الرسمية التي قدّمتها الوزارة.
وفيما يتعلّق بالموارد البشرية، أكدت وزارة التربية سعيها إلى تقليص النقص المسجّل في الأعوان، خاصة في الشريط الساحلي وولايات تونس الكبرى، إلى جانب دعم الكفاءات الفنية، بالإضافة إلى انتداب دكاترة باحثين معطّلين عن العمل لتعزيز قدرات الوزارة في الدراسات والمتابعة والتنفيذ.
وكانت وزارة التربية قد أعلنت مع موفى السنة الدراسية الفارطة أن ملف انتداب المعلمين والأساتذة النواب قد أُغلِق في شهر جويلية الماضي، بإدماج ما تبقى من الدفعة الأولى للمعلمين والأساتذة النواب وعددها 1,069، لتنطلق الوزارة فيما بعد في دراسة الدفعة الثانية التي سيتم إدماجها سنة 2026.
وبالنسبة لأعوان التأطير وأعوان المخابر التابعين لوزارة التربية وعددهم 1,226، فقد بين الوزير أن عملية إدماجهم قد انطلقت وانتهت مع بداية هذا الموسم الدراسي.
ورغم أن تصريحات سابقة لمسؤولين في وزارة التربية تؤكد أن الشغورات السنوية في المؤسسات التربوية تتراوح بين 5 و7 آلاف شغور في صفوف المدرسين في مختلف المراحل التعليمية، إلا أن هذه الأعداد تبقى «أعدادًا متحرّكة» لارتباطها بأسباب الشغورات الحاصلة، كالإحالة على التقاعد، والإلحاق بخطط وظيفية أخرى، والتعاون الدولي.
نقص في الاطار التربوي..
ووفق المختصين البيداغوجيين وجمعية أولياء التلاميذ، فإن النقص في الإطار التربوي يضرب مبدأ تكافؤ الفرص وله آثار مباشرة على التلميذ، تتمثل في عدم تلقي المعارف في بعض المواد، بما يؤدي إلى ضعف التحصيل العلمي والتأثير على مستقبل التلميذ في السنوات المتتالية. وهذا ما سيدفع الأولياء إلى تقديم المزيد من التضحيات لتدارك هذا الخلل، سواء بالتوجه إلى الدروس الخصوصية أو إلى المؤسسات التربوية الخاصة ذات الكلفة العالية لضمان مناخ دراسة ملائم لأبنائهم.
وفي انتظار تركيز المجلس الأعلى للتربية والسعي إلى تخفيف الضغط على الإطار التربوي، بادر في الأشهر الأخيرة مجموعة من النواب إلى تقديم مقترح تشريعي يحدّد الزمن المدرسي في المؤسسات التربوية العمومية بمعدل 5 ساعات يوميا على فترة واحدة متواصلة، صباحية أو مسائية، مع إمكانية إدماج أنشطة ثقافية ورياضية موازية خارج هذا التوقيت.
ولئن ما زال هذا المقترح قيد النقاش البرلماني دون أن يتحوّل إلى مبادرة تشريعية تعرض على الجلسة العامة، إلا أن المختص في علم الاجتماع والتربية، د. منذر عافي، قد أكّد في مقاربة سوسيولوجية لتحولات الزمن المدرسي في تونس، خصّ بها جريدة «الصباح»، أن مشروع القانون المقترح من قبل لجنة التربية بمجلس نواب الشعب، المتمثل في اعتماد نظام الحصّة الواحدة في المؤسسات التربوية العمومية، هو محطة لافتة في مسار التفكير في إصلاح المنظومة التربوية، وليس مجرد أداة لتنظيم الحصص الدراسية، بل هو بنية دلالية وسوسيولوجية معقّدة تُسهم في إعادة إنتاج المعنى وتشكيل التوازن بين المتعلم والمعرفة، وبين المدرسة والمجتمع.
وإن ما يُعرض اليوم على مجلس نواب الشعب لا ينبغي أن يُقرأ فقط كإجراء إداري لتخفيف الضغط الزمني، بل كمدخل لسؤال أعمق وأكثر دقة: ما هي الرؤية التربوية التي نريد أن نبني عليها المدرسة التونسية؟
والرؤية التربوية التي ستنبني عليها المدرسة التونسية في المستقبل هي تلك التي سيحدّد ملامحها برنامج الإصلاح التربوي عند اكتماله والمجلس الأعلى للتربية عند تركيزه.