إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

«اجتاحت» السوق الموازية.. العجلات المطاطية المهربة تتسبب في حوادث مرورية وخسائر اقتصادية

-مسؤولة من المرصد الوطني للسلامة المرورية لـ«الصباح»: محلات كراء عجلات مطاطية في محيط مراكز الفحص الفني من بين أخطر التجاوزات المرصودة

مازالت العجلات المطاطية المهربة تجتاح طرقاتنا، في ظل تنامي السوق الموازية في هذا القطاع الحيوي، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية جسيمة ومخاطر يومية على مستعملي الطريق. وتُعتبر هذه الظاهرة اليوم من أخطر الأزمات التي تضعها الدولة تحت المجهر.

تظل تقديرات الإنتاج المحلي من العجلات المطاطية في تونس محدودة نسبيا مقارنة بالطلب المتزايد، في وقت يشهد فيه توسع السوق الموازية عبر التهريب، حيث تشير آخر الأرقام إلى أن ما بين 60 و70 % من الإطارات المتداولة في السوق تأتي عبر قنوات غير رسمية، مما يترتب عليه خسائر مالية تُقدّر بمئات الملايين من الدنانير سنويا، سواء على مستوى الخسائر الديوانية أو الخسائر الاقتصادية والاجتماعية.

من جهتها، أعدّت الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات دراسة في هذا المجال، كشفت فيها أن أكثر من 46.90 % من أصحاب العربات في تونس، سواء من الخواص أو الشركات، يشترون العجلات المطاطية الأصلية ولكن عبر التجارة الموازية، فيما يلجأ حوالي 38.50 % إلى الاختيار العشوائي للعجلات، ويتجه 54.90 % من المستجوبين إلى شراء العجلات المهربة نظرًا لسعرها المنخفض. في المقابل، يفضل 45.80 % من المستهلكين شراء عجلات منتهية الصلاحية.

الجهود الرسمية في التصدي للتجاوزات

في الوقت الذي تعمل فيه هياكل الدولة المعنية، مثل الحرس الوطني، الديوانة، والمرصد الوطني للسلامة المرورية، على التصدي لجميع أشكال المخاطرة والتجاوزات المتعلقة بشراء وتوزيع وتسويق هذه العجلات المهربة، يبقى سلوك مستعملي الطريق من أبرز الأسباب المؤدية إلى الحوادث المرورية.

سلوك مستعملي الطريق أبرز الأسباب

أجرى المرصد الوطني للسلامة المرورية مؤخرا دراسة حول حوادث الطرقات، حيث كشفت الأرقام عن نتائج صادمة بشأن الأسباب والعوامل المؤدية لهذه الحوادث. وفي هذا السياق، اتصلت «الصباح» برئيسة مصلحة الاتصال، سامية مسعود، التي أكدت أن نتائج الحملات التي نفذها المرصد شملت سلوكيات وظواهر خطيرة لدى المواطنين أثناء الفحص الفني.

وكشفت المسؤولة بالمرصد عن وجود محلات لكراء العجلات المطاطية في محيط مراكز الفحص الفني، تمكن السائقين من الحصول على عجلات جديدة على وجه الكراء للاستخدام المؤقت أثناء الفحص الفني، إضافة إلى  مبلغ مالي (ضمان) استرجاعه بعد الحصول على شهادة الموافقة من مركز الفحص. وقد وصفت المسؤولة هذا السلوك بالغريب، مشيرة إلى أنه من أخطر التجاوزات التي تم رصدها خلال الحملات الأخيرة، داعية إلى مزيد من اليقظة والرقابة من قبل الوكالة الفنية للنقل البري، التي أكدت بدورها تواصلها المستمر مع المرصد.

وأضافت المسؤولة أن الدراسة الأخيرة كشفت عن وقوع 26 حادثا خلال العام بسبب انفجار العجلات، أسفرت عن مقتل 9 أشخاص وإصابة 60 آخرين. وأكدت أن هذا النوع من الحوادث يبرز أهمية الالتزام بمعايير السلامة، مثل مدة صلاحية العجلات وملاءمتها للطقس.

مخاطر اقتصادية واجتماعية

من جانبه، أفاد الخبير في السلامة المرورية مراد الجويني في تصريح لـ«الصباح» أن وسائل الردع الحالية، التي تؤمنها اللجان المرورية من شرطة وحرس وديوانة خاصة في الجهات الاقتصادية، تبقى غير كافية. وأكد على ضرورة تكثيف الرقابة بفرض حملات فحص مضاد للعربات والشاحنات التي تسير في طرقاتنا.

وأشار الجويني إلى أن تراجع القدرة الشرائية يعد من أبرز الأسباب التي تدفع نسبة هامة من التونسيين إلى اقتناء العجلات المطاطية من مسالك غير قانونية، مشيرا إلى أن الفارق الكبير في السعر بين الإطارات في السوق الموازية ونفسها في السوق المنظمة يُعتبر عاملا رئيسيا في ذلك. وأكد على أن سلامة السائقين ومستعملي الطريق يجب أن تكون في المقام الأول، مما يستدعي مزيدا من التوعية للمواطنين وإيجاد حوافز لتسهيل اقتناء العجلات من السوق المنظمة.

تداعيات التهريب على الاقتصاد الوطني

تتجاوز تأثيرات التهريب حدود الخسائر الديوانية، التي قدرت بحوالي 320 مليون دينار، لتطال الصناعة المحلية، حيث يؤدي التهريب إلى تراجع الإنتاج المحلي في قطاع العجلات المطاطية وإفلاس بعض المزودين المحليين، ما يترتب عليه تسريح العمال وزيادة التوتر الاجتماعي.

وغالبا ما ينظر أصحاب السيارات وأصحاب الشركات إلى المسألة من ناحية السعر، حيث تُباع الإطارات المهربة بنصف ثمن الإطارات الجديدة، دون النظر إلى العواقب الوخيمة الناتجة عن انفجار تلك الإطارات أو تآكلها بعد أشهر قليلة.

بين الردع والتوعية

رغم أن الدوائر الديوانية والحرس الوطني تعلن من حين الى آخر عن حجز مئات الإطارات المهربة، وتشارك وزارات الصناعة والتجارة في جهود تنظيم السوق، فإن انتشار القنوات غير الرسمية وسهولة الحصول على الإطارات المهربة من أي مكان تجعل مكافحة هذه الظاهرة أمرا معقدا.

ويبدو أن الحل يتطلب مقاربة شاملة تجمع بين ضبط العرض ومعالجة الطلب، مثل تخفيض تكلفة الإطارات القانونية عبر حوافز مالية، أو إطلاق برامج وطنية لتغيير الإطارات القديمة بأخرى مطابقة للمواصفات من خلال عروض وقتية مشجعة.

من الضروري أيضا تفعيل وزارة النقل للأمر عدد 148 لسنة 2000 المتعلق بشروط الحصول على شهادة الفحص الفني، الذي يشمل 88 نقطة، منها النقطة 58 الخاصة بالعجلات. ومن المؤكد أن تعزيز التفتيش في الموانئ ومحاور العبور وتحديث آليات الكشف عن الحاويات المخفية سيساهم في محاربة الظاهرة. كما يجب تحفيز الصناعة المحلية عبر دعم الشركة التونسية الوحيدة المتخصصة في صناعة العجلات لتطوير خطوط إنتاجها وتخفيض التكلفة، وتعزيز التعاون الإقليمي مع البلدان المجاورة لمكافحة الشبكات العابرة للحدود.

وفاء بن محمد

«اجتاحت» السوق الموازية..   العجلات المطاطية المهربة تتسبب في حوادث مرورية وخسائر اقتصادية

-مسؤولة من المرصد الوطني للسلامة المرورية لـ«الصباح»: محلات كراء عجلات مطاطية في محيط مراكز الفحص الفني من بين أخطر التجاوزات المرصودة

مازالت العجلات المطاطية المهربة تجتاح طرقاتنا، في ظل تنامي السوق الموازية في هذا القطاع الحيوي، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية جسيمة ومخاطر يومية على مستعملي الطريق. وتُعتبر هذه الظاهرة اليوم من أخطر الأزمات التي تضعها الدولة تحت المجهر.

تظل تقديرات الإنتاج المحلي من العجلات المطاطية في تونس محدودة نسبيا مقارنة بالطلب المتزايد، في وقت يشهد فيه توسع السوق الموازية عبر التهريب، حيث تشير آخر الأرقام إلى أن ما بين 60 و70 % من الإطارات المتداولة في السوق تأتي عبر قنوات غير رسمية، مما يترتب عليه خسائر مالية تُقدّر بمئات الملايين من الدنانير سنويا، سواء على مستوى الخسائر الديوانية أو الخسائر الاقتصادية والاجتماعية.

من جهتها، أعدّت الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات دراسة في هذا المجال، كشفت فيها أن أكثر من 46.90 % من أصحاب العربات في تونس، سواء من الخواص أو الشركات، يشترون العجلات المطاطية الأصلية ولكن عبر التجارة الموازية، فيما يلجأ حوالي 38.50 % إلى الاختيار العشوائي للعجلات، ويتجه 54.90 % من المستجوبين إلى شراء العجلات المهربة نظرًا لسعرها المنخفض. في المقابل، يفضل 45.80 % من المستهلكين شراء عجلات منتهية الصلاحية.

الجهود الرسمية في التصدي للتجاوزات

في الوقت الذي تعمل فيه هياكل الدولة المعنية، مثل الحرس الوطني، الديوانة، والمرصد الوطني للسلامة المرورية، على التصدي لجميع أشكال المخاطرة والتجاوزات المتعلقة بشراء وتوزيع وتسويق هذه العجلات المهربة، يبقى سلوك مستعملي الطريق من أبرز الأسباب المؤدية إلى الحوادث المرورية.

سلوك مستعملي الطريق أبرز الأسباب

أجرى المرصد الوطني للسلامة المرورية مؤخرا دراسة حول حوادث الطرقات، حيث كشفت الأرقام عن نتائج صادمة بشأن الأسباب والعوامل المؤدية لهذه الحوادث. وفي هذا السياق، اتصلت «الصباح» برئيسة مصلحة الاتصال، سامية مسعود، التي أكدت أن نتائج الحملات التي نفذها المرصد شملت سلوكيات وظواهر خطيرة لدى المواطنين أثناء الفحص الفني.

وكشفت المسؤولة بالمرصد عن وجود محلات لكراء العجلات المطاطية في محيط مراكز الفحص الفني، تمكن السائقين من الحصول على عجلات جديدة على وجه الكراء للاستخدام المؤقت أثناء الفحص الفني، إضافة إلى  مبلغ مالي (ضمان) استرجاعه بعد الحصول على شهادة الموافقة من مركز الفحص. وقد وصفت المسؤولة هذا السلوك بالغريب، مشيرة إلى أنه من أخطر التجاوزات التي تم رصدها خلال الحملات الأخيرة، داعية إلى مزيد من اليقظة والرقابة من قبل الوكالة الفنية للنقل البري، التي أكدت بدورها تواصلها المستمر مع المرصد.

وأضافت المسؤولة أن الدراسة الأخيرة كشفت عن وقوع 26 حادثا خلال العام بسبب انفجار العجلات، أسفرت عن مقتل 9 أشخاص وإصابة 60 آخرين. وأكدت أن هذا النوع من الحوادث يبرز أهمية الالتزام بمعايير السلامة، مثل مدة صلاحية العجلات وملاءمتها للطقس.

مخاطر اقتصادية واجتماعية

من جانبه، أفاد الخبير في السلامة المرورية مراد الجويني في تصريح لـ«الصباح» أن وسائل الردع الحالية، التي تؤمنها اللجان المرورية من شرطة وحرس وديوانة خاصة في الجهات الاقتصادية، تبقى غير كافية. وأكد على ضرورة تكثيف الرقابة بفرض حملات فحص مضاد للعربات والشاحنات التي تسير في طرقاتنا.

وأشار الجويني إلى أن تراجع القدرة الشرائية يعد من أبرز الأسباب التي تدفع نسبة هامة من التونسيين إلى اقتناء العجلات المطاطية من مسالك غير قانونية، مشيرا إلى أن الفارق الكبير في السعر بين الإطارات في السوق الموازية ونفسها في السوق المنظمة يُعتبر عاملا رئيسيا في ذلك. وأكد على أن سلامة السائقين ومستعملي الطريق يجب أن تكون في المقام الأول، مما يستدعي مزيدا من التوعية للمواطنين وإيجاد حوافز لتسهيل اقتناء العجلات من السوق المنظمة.

تداعيات التهريب على الاقتصاد الوطني

تتجاوز تأثيرات التهريب حدود الخسائر الديوانية، التي قدرت بحوالي 320 مليون دينار، لتطال الصناعة المحلية، حيث يؤدي التهريب إلى تراجع الإنتاج المحلي في قطاع العجلات المطاطية وإفلاس بعض المزودين المحليين، ما يترتب عليه تسريح العمال وزيادة التوتر الاجتماعي.

وغالبا ما ينظر أصحاب السيارات وأصحاب الشركات إلى المسألة من ناحية السعر، حيث تُباع الإطارات المهربة بنصف ثمن الإطارات الجديدة، دون النظر إلى العواقب الوخيمة الناتجة عن انفجار تلك الإطارات أو تآكلها بعد أشهر قليلة.

بين الردع والتوعية

رغم أن الدوائر الديوانية والحرس الوطني تعلن من حين الى آخر عن حجز مئات الإطارات المهربة، وتشارك وزارات الصناعة والتجارة في جهود تنظيم السوق، فإن انتشار القنوات غير الرسمية وسهولة الحصول على الإطارات المهربة من أي مكان تجعل مكافحة هذه الظاهرة أمرا معقدا.

ويبدو أن الحل يتطلب مقاربة شاملة تجمع بين ضبط العرض ومعالجة الطلب، مثل تخفيض تكلفة الإطارات القانونية عبر حوافز مالية، أو إطلاق برامج وطنية لتغيير الإطارات القديمة بأخرى مطابقة للمواصفات من خلال عروض وقتية مشجعة.

من الضروري أيضا تفعيل وزارة النقل للأمر عدد 148 لسنة 2000 المتعلق بشروط الحصول على شهادة الفحص الفني، الذي يشمل 88 نقطة، منها النقطة 58 الخاصة بالعجلات. ومن المؤكد أن تعزيز التفتيش في الموانئ ومحاور العبور وتحديث آليات الكشف عن الحاويات المخفية سيساهم في محاربة الظاهرة. كما يجب تحفيز الصناعة المحلية عبر دعم الشركة التونسية الوحيدة المتخصصة في صناعة العجلات لتطوير خطوط إنتاجها وتخفيض التكلفة، وتعزيز التعاون الإقليمي مع البلدان المجاورة لمكافحة الشبكات العابرة للحدود.

وفاء بن محمد