- كاتب الدولة المكلف بالطاقة وائل شوشان: «مشاريع كبرى ترفع إنتاج الطاقات المتجددة إلى 50 % في أفق 2035»
-أنيس الجزيري لـ«الصباح»: تونس بوابة الربط الطاقي بين إفريقيا وأوروبا ومثال في التغطية الكهربائية
شهد مقر مجلس الأعمال التونسي الإفريقي، أمس، تقديم العرض الأولي لتقرير الدراسة الجديدة بعنوان «الممرات الطاقية في إفريقيا: مفتاح التحول البيئي والتكامل الإقليمي»، في تظاهرة حضرها كاتب الدولة المكلف بالطاقة وائل شوشان وعدد من سفراء الدول الإفريقية وممثلين عن مؤسسات طاقية إقليمية.
وكشفت الدراسة عن رؤية جديدة تجعل من إفريقيا مركزًا محوريا في خريطة الطاقة العالمية، ومن تونس بوابة عبور نحو إفريقيا وأوروبا على حد سواء.
مشاريع متجددة وأهداف طموحة
في كلمته، أعلن كاتب الدولة للطاقة وائل شوشان عن دخول ثلاث محطات للطاقة الفوتوضوئية حيز التشغيل، وهي محطة القيروان (100 ميغاواط)، وتوزر (50 ميغاواط)، وسيدي بوزيد (50 ميغاواط). وأكد أن هذه المشاريع سترفع من حصة الطاقات المتجددة في الإنتاج الوطني إلى 10 % مع نهاية العام، وصولًا إلى 35 % في أفق 2030 و50 % في أفق 2035.
وأضاف شوشان أن تونس نجحت في تقليص كثافة استهلاك الكهرباء في اقتصادها بنسبة 14 ٪ بين عامي 2010 و2024، معتبرا ذلك مؤشرا إيجابيا على نجاعة الإصلاحات في المجال الطاقي. وأكد أن التحول الطاقي أصبح ركيزة أساسية في دفع الاقتصاد الوطني، وأن تحقيق الأهداف المستقبلية يستوجب تعاونا إفريقيا واسعًا لضمان أمن الطاقة في القارة.
وشدد على أن العمل الفردي لكل دولة لم يعد كافيًا، داعيا إلى تبني مقاربة جماعية إفريقية تجعل من الطاقة عنصرا موحدا للتنمية والتكامل الاقتصادي.
القارة السمراء بين وفرة الموارد ونقص الاستغلال
من جانبه كشف رئيس مجلس الأعمال التونسي- الإفريقي أنيس الجزيري، في تصريح لـ«الصباح»، أن الدراسة رصدت فجوة كبيرة في التغطية الكهربائية بين شمال وجنوب القارة، حيث لا تتجاوز نسبة التزويد بالكهرباء في بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء 30 %، مقابل 99 % في تونس.
وأشار الجزيري إلى أن هذه المفارقة تمثل تحديًا تنمويًا حقيقيًا، إذ لا يمكن لأي صناعة أو اقتصاد أن ينهض دون طاقة. وأوضح أن الهدف من دراسة الممرات الطاقية هو تحقيق الأمن الطاقي الإفريقي وتعزيز الاستثمارات في البنية التحتية، معتبرًا أن تونس مؤهلة لتكون بوابة الطاقة بين إفريقيا وأوروبا، بفضل موقعها الجغرافي ومشاريعها الاستراتيجية مثل مشروع «الميد» الإيطالي الذي تفوق كلفته 850 مليون يورو.
وأكد الجزيري أن نجاح هذه الرؤية يتطلب إرادة سياسية موحدة وتنسيقا مؤسساتيًا بين الدول الإفريقية، حتى تتمكن من استغلال مواردها الهائلة وتحويلها إلى فرص اقتصادية حقيقية.
استراتيجية إفريقية جديدة في عالم الطاقة
وأوضح منذر خنفير، نائب رئيس مجلس الأعمال التونسي الإفريقي والمشرف على إعداد الدراسة، في تصريح لـ»الصباح» أن هذا العمل البحثي استغرق سنتين من التقييم والتحليل، ليقدّم قراءة معمّقة حول أهمية الممرات الطاقية في القارة السمراء، وكيف يمكن استغلال ثرواتها الطاقية في دفع الاستثمار والتنمية وتعزيز العلاقات الإقليمية.
وبيّن خنفير أن الهدف من الدراسة هو رسم استراتيجية جديدة لاستخدام الطاقة كمحرّك للتنمية، عبر تحويل الموارد الإفريقية إلى مصدر قوة للتكامل القاري، وجعل إفريقيا شريكًا طاقيًا لأوروبا بفضل مشاريع البنية التحتية المشتركة، التي تهدف إلى تزويد القارة بالطاقة النظيفة والمتجددة. وأضاف أن تجاوز العقبات التقنية والسياسية في هذا المجال سيسهم في تحقيق اندماج طاقي حقيقي يمهّد لتكامل اقتصادي واسع.
قيادة التحول الطاقي
من جانبه، قدم الدكتور سهيل العليمي، أستاذ هندسة الطاقة بالمدرسة الوطنية للمهندسين بالمنستير، عرضًا تقنيًا تناول فيه الواقع الطاقي في الدول الإفريقية، مشيرًا إلى أن الدراسة شملت مختلف البلدان الإفريقية من حيث كثافة الاستهلاك، ونسبة الطاقات المتجددة، وقدرة المؤسسات على إنتاج الكهرباء، ومستوى التزوّد بالطاقة. ولفت العليمي في تصريح لـ«الصباح»، إلى أن تونس تتميز بكثافة استهلاك طاقي منخفضة مقارنة بدول القارة، وهو ما يجعلها في موقع مؤهل لقيادة التحول نحو الطاقات المتجددة، خاصة أن مساهمتها الحالية من هذه الطاقات لا تتجاوز 5 %. كما أشار إلى أن تونس مرتبطة كهربائيًا بالجزائر وليبيا، وتعمل على تنفيذ مشروع الربط الكهربائي مع إيطاليا المعروف بـ«الميد»، ما يجعلها مرشحة لتكون ممرًا طاقيًا بين إفريقيا وأوروبا.
نداء من أجل اندماج طاقي إفريقي شامل
وفي كلمة مسجّلة، دعا الوزير السابق نضال الورفلي إلى العمل الجاد على تعزيز الربط الطاقي بين الدول الإفريقية، مشيرًا إلى أن الاندماج الطاقي هو السبيل الأمثل لتحقيق التنمية المستدامة. وأوضح أن نتائج الدراسة أثبتت أن التكامل بين الشبكات الطاقية في القارة يمكن أن يحدث نقلة نوعية في الاقتصاد الإفريقي، ويجعل إفريقيا فاعلا رئيسيًا في نظام الطاقة العالمي الجديد.
إفريقيا... فجر جديد في الجغرافيا الطاقية العالمية
وخلصت الدراسة إلى أن إفريقيا تمتلك إمكانات هائلة تجعلها مركز ثقل في التحول الطاقي العالمي، بفضل مواردها الطبيعية المتنوعة من الشمس والرياح والمياه والمعادن النادرة. لكنها في الوقت ذاته تواجه مفارقة مؤلمة. وترى الدراسة أن تجاوز هذه المفارقة ممكن من خلال الاستثمار في الطاقات النظيفة وتعزيز الشراكات الإقليمية، ما يجعل من إفريقيا ليس فقط مستودعًا للموارد، بل فاعلا استراتيجياً في رسم خريطة الطاقة المستقبلية. وتُظهر هذه الدراسة مقتطفات من عرضٍ حول مكانة إفريقيا في المشهد الجيوسياسي للطاقة العالمية، ودورها في مرحلة التحول الطاقي نحو الحياد الكربوني. وتم تقديم عرض متكامل يبرز الإمكانات الهائلة التي تمتلكها القارة من جهة، والتحديات البنيوية التي تواجهها من جهة أخرى، في ما يُعرف بـ «المفارقة الإفريقية».
وأوضح العرض أن إفريقيا تُعتبر قوة جيوسياسية ناشئة في مجال الانتقال الطاقي العالمي. فبفضل ثرواتها المتنوعة من مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس، والرياح، والطاقة المائية، إلى جانب احتياطاتها من الغاز والمعادن الإستراتيجية، تشكل القارة لاعبا محوريًا في تحقيق الحياد الكربوني العالمي. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، يعاد رسم خريطة التحالفات الطاقية، لتصبح إفريقيا مركز جذب جديدًا للشراكات والاستثمارات في قطاع الطاقة.
كما تناول العرض مسألة كثافة أو شدة استهلاك الطاقة (Intensité énergétique) في القارة سنة 2023، مشيرًا إلى تباين كبير بين الدول. فالدول ذات الشدة الأعلى هي جمهورية الكونغو الديمقراطية، تليها موزمبيق وزامبيا، وهي بلدان تعتمد بشكل كبير على الصناعات الاستخراجية كثيفة الطاقة. بالمقابل، تُسجَّل أدنى المستويات في جزر الموريس، مصر ونيجيريا، حيث تكون الكفاءة الطاقية أعلى نسبيًا والاقتصاد أكثر تنوعًا. هذا التباين يعكس اختلاف البنى الاقتصادية ومدى تطور السياسات الطاقية في كل دولة.
أما الجزء الثالث من العرض، فيبرز المفارقة الإفريقية الكبرى، فالقارة التي تضم نحو 20 ٪ من سكان العالم، لا تستهلك سوى 3.5 ٪ من الطاقة الأولية العالمية، ولا تساهم إلا بـ 4 ٪ من الانبعاثات الكربونية. ومع ذلك، يعاني حوالي 600 مليون إفريقي من انعدام الوصول إلى الكهرباء، ما يحدّ من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويبرز الخلل البنيوي بين وفرة الموارد وضعف الاستغلال.
في الختام، أظهرت الدراسة أن مستقبل إفريقيا الطاقي يعتمد على قدرتها في تحويل هذا التناقض إلى فرصة، من خلال استثمار إمكاناتها الطبيعية في الطاقات النظيفة وتعزيز التعاون الإقليمي. فالقارة ليست مجرد مستودع للموارد، بل يمكن أن تصبح فاعلا رئيسيا في صياغة نظام طاقي عالمي أكثر عدلاً واستدامة.
تونس في موقع القيادة
في ضوء ما قدمته الدراسة من معطيات، يتضح أن تونس تمتلك فرصة تاريخية لتكون محور الربط بين إفريقيا وأوروبا، وقاطرة للانتقال الطاقي في المنطقة. فبفضل مشاريعها في الطاقات المتجددة وشبكات الربط الإقليمي، واستقرارها السياسي النسبي، يمكن لتونس أن تلعب دورا قياديًا في توحيد الجهود الإفريقية نحو تنمية مستدامة قائمة على أمن الطاقة والعدالة البيئية. ولعل ما كشفه تقرير «الممرات الطاقية في إفريقيا» ليس مجرد أرقام أو توصيات، بل خارطة طريق لمستقبل القارة السمراء، التي تقف اليوم على أعتاب فجر جديد، حيث تتحول من مستهلك هامشي للطاقة إلى قوة جيوسياسية محورية في العالم الطاقي الحديث.
سفيان المهداوي
- كاتب الدولة المكلف بالطاقة وائل شوشان: «مشاريع كبرى ترفع إنتاج الطاقات المتجددة إلى 50 % في أفق 2035»
-أنيس الجزيري لـ«الصباح»: تونس بوابة الربط الطاقي بين إفريقيا وأوروبا ومثال في التغطية الكهربائية
شهد مقر مجلس الأعمال التونسي الإفريقي، أمس، تقديم العرض الأولي لتقرير الدراسة الجديدة بعنوان «الممرات الطاقية في إفريقيا: مفتاح التحول البيئي والتكامل الإقليمي»، في تظاهرة حضرها كاتب الدولة المكلف بالطاقة وائل شوشان وعدد من سفراء الدول الإفريقية وممثلين عن مؤسسات طاقية إقليمية.
وكشفت الدراسة عن رؤية جديدة تجعل من إفريقيا مركزًا محوريا في خريطة الطاقة العالمية، ومن تونس بوابة عبور نحو إفريقيا وأوروبا على حد سواء.
مشاريع متجددة وأهداف طموحة
في كلمته، أعلن كاتب الدولة للطاقة وائل شوشان عن دخول ثلاث محطات للطاقة الفوتوضوئية حيز التشغيل، وهي محطة القيروان (100 ميغاواط)، وتوزر (50 ميغاواط)، وسيدي بوزيد (50 ميغاواط). وأكد أن هذه المشاريع سترفع من حصة الطاقات المتجددة في الإنتاج الوطني إلى 10 % مع نهاية العام، وصولًا إلى 35 % في أفق 2030 و50 % في أفق 2035.
وأضاف شوشان أن تونس نجحت في تقليص كثافة استهلاك الكهرباء في اقتصادها بنسبة 14 ٪ بين عامي 2010 و2024، معتبرا ذلك مؤشرا إيجابيا على نجاعة الإصلاحات في المجال الطاقي. وأكد أن التحول الطاقي أصبح ركيزة أساسية في دفع الاقتصاد الوطني، وأن تحقيق الأهداف المستقبلية يستوجب تعاونا إفريقيا واسعًا لضمان أمن الطاقة في القارة.
وشدد على أن العمل الفردي لكل دولة لم يعد كافيًا، داعيا إلى تبني مقاربة جماعية إفريقية تجعل من الطاقة عنصرا موحدا للتنمية والتكامل الاقتصادي.
القارة السمراء بين وفرة الموارد ونقص الاستغلال
من جانبه كشف رئيس مجلس الأعمال التونسي- الإفريقي أنيس الجزيري، في تصريح لـ«الصباح»، أن الدراسة رصدت فجوة كبيرة في التغطية الكهربائية بين شمال وجنوب القارة، حيث لا تتجاوز نسبة التزويد بالكهرباء في بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء 30 %، مقابل 99 % في تونس.
وأشار الجزيري إلى أن هذه المفارقة تمثل تحديًا تنمويًا حقيقيًا، إذ لا يمكن لأي صناعة أو اقتصاد أن ينهض دون طاقة. وأوضح أن الهدف من دراسة الممرات الطاقية هو تحقيق الأمن الطاقي الإفريقي وتعزيز الاستثمارات في البنية التحتية، معتبرًا أن تونس مؤهلة لتكون بوابة الطاقة بين إفريقيا وأوروبا، بفضل موقعها الجغرافي ومشاريعها الاستراتيجية مثل مشروع «الميد» الإيطالي الذي تفوق كلفته 850 مليون يورو.
وأكد الجزيري أن نجاح هذه الرؤية يتطلب إرادة سياسية موحدة وتنسيقا مؤسساتيًا بين الدول الإفريقية، حتى تتمكن من استغلال مواردها الهائلة وتحويلها إلى فرص اقتصادية حقيقية.
استراتيجية إفريقية جديدة في عالم الطاقة
وأوضح منذر خنفير، نائب رئيس مجلس الأعمال التونسي الإفريقي والمشرف على إعداد الدراسة، في تصريح لـ»الصباح» أن هذا العمل البحثي استغرق سنتين من التقييم والتحليل، ليقدّم قراءة معمّقة حول أهمية الممرات الطاقية في القارة السمراء، وكيف يمكن استغلال ثرواتها الطاقية في دفع الاستثمار والتنمية وتعزيز العلاقات الإقليمية.
وبيّن خنفير أن الهدف من الدراسة هو رسم استراتيجية جديدة لاستخدام الطاقة كمحرّك للتنمية، عبر تحويل الموارد الإفريقية إلى مصدر قوة للتكامل القاري، وجعل إفريقيا شريكًا طاقيًا لأوروبا بفضل مشاريع البنية التحتية المشتركة، التي تهدف إلى تزويد القارة بالطاقة النظيفة والمتجددة. وأضاف أن تجاوز العقبات التقنية والسياسية في هذا المجال سيسهم في تحقيق اندماج طاقي حقيقي يمهّد لتكامل اقتصادي واسع.
قيادة التحول الطاقي
من جانبه، قدم الدكتور سهيل العليمي، أستاذ هندسة الطاقة بالمدرسة الوطنية للمهندسين بالمنستير، عرضًا تقنيًا تناول فيه الواقع الطاقي في الدول الإفريقية، مشيرًا إلى أن الدراسة شملت مختلف البلدان الإفريقية من حيث كثافة الاستهلاك، ونسبة الطاقات المتجددة، وقدرة المؤسسات على إنتاج الكهرباء، ومستوى التزوّد بالطاقة. ولفت العليمي في تصريح لـ«الصباح»، إلى أن تونس تتميز بكثافة استهلاك طاقي منخفضة مقارنة بدول القارة، وهو ما يجعلها في موقع مؤهل لقيادة التحول نحو الطاقات المتجددة، خاصة أن مساهمتها الحالية من هذه الطاقات لا تتجاوز 5 %. كما أشار إلى أن تونس مرتبطة كهربائيًا بالجزائر وليبيا، وتعمل على تنفيذ مشروع الربط الكهربائي مع إيطاليا المعروف بـ«الميد»، ما يجعلها مرشحة لتكون ممرًا طاقيًا بين إفريقيا وأوروبا.
نداء من أجل اندماج طاقي إفريقي شامل
وفي كلمة مسجّلة، دعا الوزير السابق نضال الورفلي إلى العمل الجاد على تعزيز الربط الطاقي بين الدول الإفريقية، مشيرًا إلى أن الاندماج الطاقي هو السبيل الأمثل لتحقيق التنمية المستدامة. وأوضح أن نتائج الدراسة أثبتت أن التكامل بين الشبكات الطاقية في القارة يمكن أن يحدث نقلة نوعية في الاقتصاد الإفريقي، ويجعل إفريقيا فاعلا رئيسيًا في نظام الطاقة العالمي الجديد.
إفريقيا... فجر جديد في الجغرافيا الطاقية العالمية
وخلصت الدراسة إلى أن إفريقيا تمتلك إمكانات هائلة تجعلها مركز ثقل في التحول الطاقي العالمي، بفضل مواردها الطبيعية المتنوعة من الشمس والرياح والمياه والمعادن النادرة. لكنها في الوقت ذاته تواجه مفارقة مؤلمة. وترى الدراسة أن تجاوز هذه المفارقة ممكن من خلال الاستثمار في الطاقات النظيفة وتعزيز الشراكات الإقليمية، ما يجعل من إفريقيا ليس فقط مستودعًا للموارد، بل فاعلا استراتيجياً في رسم خريطة الطاقة المستقبلية. وتُظهر هذه الدراسة مقتطفات من عرضٍ حول مكانة إفريقيا في المشهد الجيوسياسي للطاقة العالمية، ودورها في مرحلة التحول الطاقي نحو الحياد الكربوني. وتم تقديم عرض متكامل يبرز الإمكانات الهائلة التي تمتلكها القارة من جهة، والتحديات البنيوية التي تواجهها من جهة أخرى، في ما يُعرف بـ «المفارقة الإفريقية».
وأوضح العرض أن إفريقيا تُعتبر قوة جيوسياسية ناشئة في مجال الانتقال الطاقي العالمي. فبفضل ثرواتها المتنوعة من مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس، والرياح، والطاقة المائية، إلى جانب احتياطاتها من الغاز والمعادن الإستراتيجية، تشكل القارة لاعبا محوريًا في تحقيق الحياد الكربوني العالمي. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، يعاد رسم خريطة التحالفات الطاقية، لتصبح إفريقيا مركز جذب جديدًا للشراكات والاستثمارات في قطاع الطاقة.
كما تناول العرض مسألة كثافة أو شدة استهلاك الطاقة (Intensité énergétique) في القارة سنة 2023، مشيرًا إلى تباين كبير بين الدول. فالدول ذات الشدة الأعلى هي جمهورية الكونغو الديمقراطية، تليها موزمبيق وزامبيا، وهي بلدان تعتمد بشكل كبير على الصناعات الاستخراجية كثيفة الطاقة. بالمقابل، تُسجَّل أدنى المستويات في جزر الموريس، مصر ونيجيريا، حيث تكون الكفاءة الطاقية أعلى نسبيًا والاقتصاد أكثر تنوعًا. هذا التباين يعكس اختلاف البنى الاقتصادية ومدى تطور السياسات الطاقية في كل دولة.
أما الجزء الثالث من العرض، فيبرز المفارقة الإفريقية الكبرى، فالقارة التي تضم نحو 20 ٪ من سكان العالم، لا تستهلك سوى 3.5 ٪ من الطاقة الأولية العالمية، ولا تساهم إلا بـ 4 ٪ من الانبعاثات الكربونية. ومع ذلك، يعاني حوالي 600 مليون إفريقي من انعدام الوصول إلى الكهرباء، ما يحدّ من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويبرز الخلل البنيوي بين وفرة الموارد وضعف الاستغلال.
في الختام، أظهرت الدراسة أن مستقبل إفريقيا الطاقي يعتمد على قدرتها في تحويل هذا التناقض إلى فرصة، من خلال استثمار إمكاناتها الطبيعية في الطاقات النظيفة وتعزيز التعاون الإقليمي. فالقارة ليست مجرد مستودع للموارد، بل يمكن أن تصبح فاعلا رئيسيا في صياغة نظام طاقي عالمي أكثر عدلاً واستدامة.
تونس في موقع القيادة
في ضوء ما قدمته الدراسة من معطيات، يتضح أن تونس تمتلك فرصة تاريخية لتكون محور الربط بين إفريقيا وأوروبا، وقاطرة للانتقال الطاقي في المنطقة. فبفضل مشاريعها في الطاقات المتجددة وشبكات الربط الإقليمي، واستقرارها السياسي النسبي، يمكن لتونس أن تلعب دورا قياديًا في توحيد الجهود الإفريقية نحو تنمية مستدامة قائمة على أمن الطاقة والعدالة البيئية. ولعل ما كشفه تقرير «الممرات الطاقية في إفريقيا» ليس مجرد أرقام أو توصيات، بل خارطة طريق لمستقبل القارة السمراء، التي تقف اليوم على أعتاب فجر جديد، حيث تتحول من مستهلك هامشي للطاقة إلى قوة جيوسياسية محورية في العالم الطاقي الحديث.