إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد الانطلاق في إعداد الخطة الوطنية لدمج أطفال طيف التوحد.. 200 ألف طفل مصاب في تونس ونقص في مراكز الرعاية العمومية

- الكاتبة العامة لجمعية «مسار المتوحّد» إيمان شرف الدين لـ«الصباح»: نحتاج إلى مختصين في التعامل مع طيف التوحّد وإلى تصنيف واضح في بطاقة الإعاقة

أعلنت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ، أسماء الجابري، أول أمس الثلاثاء، عن الانطلاق في إعداد خطة وطنية لدمج الأطفال واليافعين من ذوي اضطراب طيف التوحّد. وتهدف هذه الخطة إلى تطوير السياسات العمومية وتدعيم التشخيص المبكّر والتربية والتعليم والتأهيل والإدماج الاجتماعي والاقتصادي لأطفال طيف التوحّد، وذلك وفق بلاغ للوزارة. وأكّدت الوزيرة خلال كلمتها الافتتاحية لأشغال ورشة الانطلاق في إعداد هذه الخطة على ضرورة تبني رؤية موحّدة تركز على احتياجات الفرد من ذوي اضطراب طيف التوحّد وأسرته في جميع مراحل حياته من مرحلة الكشف المبكّر إلى الإدماج الاجتماعي والمهني. وبالمناسبة، قدّمت الإدارة العامة للطفولة عرضا حول برنامج دمج أطفال ذوي اضطراب التوحّد في رياض الأطفال، الذي تنخرط فيه حاليا حوالي 500 روضة عمومية وخاصة دامجة.

وفي السنوات الأخيرة، ومع التزايد الكبير في عدد الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحّد، زادت الحاجة إلى ضرورة تركيز سياسات عمومية تشمل أكثر من قطاع لتلبية احتياجات هؤلاء الأطفال الذين ظلّوا لسنوات يواجهون صعوبات في التعلّم والإدماج، مع ارتفاع مشطّ يثقل كاهل الأسر في رعايتهم والعمل على إدماجهم في المجتمع من خلال مراكز رعاية في أغلبها مراكز خاصة بكلفة مرتفعة.

ولا يحتاج الطفل المتوحّد إلى دمج مدرسي أو اندماج اجتماعي فقط، بل يحتاج أيضا إلى فهم احتياجاته وتقدير مواهبه أحيانا والعمل على تمكينه اقتصاديا وتوسيع نطاق الاهتمام إلى الأرياف والمدن حيث يتواجد عدد مهم من أطفال طيف التوحّد، وفق ما أكّدت لنا في هذا التصريح لـ«الصباح»، إيمان شرف الدين، الكاتبة العامة لجمعية «مسار المتوحّد».

إهمال وتهميش

رغم أن اضطراب طيف التوحّد لدى الأطفال في تونس ليس من الأمراض النادرة بل هو موجود منذ عقود، إلا أن أول مركز عمومي تم افتتاحه لرعاية الأطفال المصابين بطيف التوحّد كان في 2018 بسيدي حسين السيجومي، وكان الأوّل من نوعه والوحيد إلى الآن. ورغم أن رئاسة الحكومة، وقتها، أكّدت أن إحداث هذا المركز يندرج في إطار التوجه للرعاية والعناية بهذه الفئة ذات الاحتياجات الخصوصية ومساعدة أولياء الأطفال المصابين بالتوحّد من محدودي الدخل على توفير الرعاية اللازمة لأبنائهم، خاصة في ظل ارتفاع نفقات الخدمات المسداة لهذه الفئة.

وبداية هذا الاهتمام «الرسمي» بأطفال طيف التوحّد لم يتطور بشكل سريع لاحقا، واليوم تسعى الحكومة إلى تدارك ذلك من خلال إقرار خطة وطنية للعناية بهؤلاء الأطفال وتسهيل إدماجهم في المجتمع ومساعدة الأسر على ذلك، خاصة بالنظر إلى الارتفاع اللافت لعدد هؤلاء الأطفال. حيث قدّرت وزارة الصحة عدد الأطفال المصابين بطيف التوحد في تونس بـ200 ألف طفل، وفق ما جاء في بلاغ أصدرته الوزارة بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للتوعية ضد طيف التوحد الموافق لـ2 أفريل من كل سنة. إذ يهدف هذا اليوم إلى تعزيز فهم اضطراب طيف التوحّد في جميع بلدان العالم ودعم الأطفال من ذوي طيف التوحّد، حيث تشير مختلف الدراسات المختصّة إلى أن الوعي المبكر بطيف التوحّد هو الخطوة الأولى نحو حياة أفضل. وقد دعت وزارة الصحة إلى المبادرة بالسعي إلى تغيير الوضع الحالي عبر التشخيص المبكر والدمج المدرسي والدعم والإحاطة العائلية بالأطفال الذين يعانون من اضطراب طيف التوحّد.

وتعرّف منظمة الصحة العالمية اضطراب التوحّد أو طيف التوحد على أنه مجموعة من الاعتلالات المتنوعة المرتبطة بنمو الدماغ، والتي تتصف ببعض الصعوبات في التفاعل الاجتماعي والتواصل، ولها سمات أخرى تتمثل في أنماط لا نموذجية من الأنشطة والسلوكيات، مثل صعوبة الانتقال من نشاط إلى آخر، والاستغراق في التفاصيل، وردود الفعل غير الاعتيادية على الأحاسيس. وغالبا ما يعاني المصابون بالتوحد من اعتلالات مصاحبة تشمل الصرع والاكتئاب والقلق واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، بالإضافة إلى سلوكيات مستعصية مثل صعوبة النوم وإلحاق الأذى بالنفس. إلا أن تلك الأعراض تختلف من طفل إلى آخر وتختلف حدّتها، متى تم التشخيص المبكّر والإحاطة المبكّرة بالطفل. إذ تتباين قدرات الأشخاص المصابين بالتوحد واحتياجاتهم، ويمكن أن تتطور مع مرور الوقت. وقد يتمكن بعض المصابين بالتوحد من التمتع بحياة مستقلة، غير أن بعضهم الآخر يعاني من إعاقات وخيمة ويحتاج إلى الرعاية والدعم مدى الحياة، ويؤثر التوحد على التعليم وفرص العمل، وفق توصيات منظمة الصحة العالمية التي تشير أحدث إحصائياتها إلى إصابة طفل واحد من كل 100 طفل باضطراب طيف التوحد في العالم، وأن معدل الانتشار المبلغ عنه يختلف اختلافا شديدا بين الدراسات التي تشير إلى معدّلات أعلى بكثير.

جمعيات توفّر الرعاية والدعم

وأمام الانتشار الكبير لهذا الاضطراب الذي يصيب الأطفال، برزت عدّة جمعيات ناشطة في مجال دعم الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحّد، ومنها جمعية «مسار المتوحّد»، حيث تؤكد الكاتبة العامة للجمعية إيمان شرف الدين في تصريح خصّت به «الصباح» أن مبادرة وزارة المرأة لإعداد خطة وطنية تهتم بأطفال طيف التوحّد، جيّدة، ولكنها تقتصر فقط على الدمج المدرسي وعلى الشريحة العمرية للأطفال بين سنتين وثلاث سنوات، والمعنيين برياض الأطفال وبالمدارس. وتضيف: «ما لاحظته بالإضافة إلى ذلك هو التركيز أيضا على التقصّي المبكّر وعلى الأجيال الجديدة من أطفال طيف التوحّد، ولكن لا يُجرى الحديث عن مساهمات وزارة الشؤون الاجتماعية في تقديم إعانات لهؤلاء الأطفال أو تسهيلات للعائلات المعوزة. كما أن هناك فئات عمرية من ذوي طيف التوحّد، ونحن كجمعية نشرف على مركز خاص لرعاية أطفال التوحّد لدينا فئات عمرية من 4 إلى 31 سنة، وكل مجموعة منهم وكل واحد منهم له احتياجاته وطريقة التعامل معه».

وتعمل جمعية «مسار المتوحّد» على تمكين الأطفال والشباب من ذوي طيف التوحّد من الاندماج الاقتصادي والتعويل على الذات، وذلك من خلال تأمين تكوين مهني في بعض الاختصاصات، بالإضافة إلى عدة مسارات أخرى تصبّ في مسار المتوحّد مثل الأنشطة الثقافية والبدنية والفكرية والرياضية. وتقول إيمان شرف الدين: «هناك ورشات تكوين داخل المركز في اختصاص طبخ وحلويات، ونحن مراعاة منّا لخصوصيات الطفل المصاب بطيف التوحّد الذي يفرض أن يبقى دائما في البيئة التي تعوّد بها ومع من يحبهم من إطارات ومرافقين، فإننا نطلب من وزارة التكوين المهني أن تخصّص لنا مختصا في الطبخ يتولى تكوين هؤلاء الشباب داخل المركز. وأنا متأكدة، انطلاقا من المهارات التي لمسناها، أن هناك بين أربعة وخمسة شباب من ذوي اضطراب طيف التوحّد يمكنهم النجاح، ويمكنهم نيل شهادة في التكوين مصادق عليها من الوزارة، بما يتيح تمكينهم اقتصاديا لاحقا وضمان تعويلهم على أنفسهم».

كما أشارت إيمان شرف الدين أيضا إلى وجود موهوبين من أطفال طيف التوحّد في المسرح والسينما والرسم، وهو ما يستدعي لفتة من وزارة الثقافة. وختمت حديثها بقولها: «الطفل المتوحّد يحتاج إلى مرافقين وإطارات تهتم به في جميع المجالات، تكون قد تلّقت تكوينا تكميليا في التعامل مع اضطراب التوحّد. فلا يكفي أن تكون مختصا نفسيا حتى تكون ملما باحتياجات من يعانون من طيف التوحّد. وبالتالي اليوم نحتاج إلى مختصين في التعامل مع طيف التوحّد كما نحتاج إلى تصنيف واضح في بطاقة الإعاقة، التي يجب ألا تكون بطاقة إعاقة ذهنية بل تحمل صفة متوحّد».

ومن الجمعيات الناشطة أيضا في المجال نجد جمعية «ياسين للتوحّد والاحتياجات الخصوصية»، التي تؤكد كل مرة ومن خلال نشاطاتها أن غياب إحصائيات دقيقة ورسمية في تونس حول المصابين باضطرابات التوحّد من الأطفال والشباب والكهول وكبار السن، يحيل على افتقارها إلى إستراتيجية وطنية للإحاطة والتكفل بحاملي طيف التوحّد. كما يحيل إلى غياب برامج على أرض الواقع تنهض وتدعم الأشخاص الذين يعانون من اضطراب التوحّد. حيث تقتضي الإحاطة بهذه الفئة التوعية بهذا الاضطراب، مرورا بالتشخيص والدمج في مرحلة ما قبل المدرسية وصولا إلى الدمج المدرسي.

وما هو مؤكّد أن الإحصائية التقريبية التي نشرتها وزارة الصحة في أفريل الماضي حول عدد الأطفال المصابين بطيف التوحّد، مهّدت إلى ضرورة الإعلان عن الانطلاق في العمل على خطة وطنية لدعم هذه الفئة، خاصة وأن خدمات رعاية صحية موجهة للأطفال حاملي طيف التوحّد العمومية، تكاد تكون مفقودة في أغلب مناطق الجمهورية، مما يضطر الولي إلى التوجه نحو القطاع الخاص وتحمل تكاليف مشطّة منها تقويم النطق والعلاج الوظيفي والعلاج الحركي والعلاج النفسي، وهي من الخدمات الصحية الضرورية جدًا لتنمية مهارات طفل التوحّد وتطويره وتعليمه سلوكيات صحية.

كما أن الدمج المدرسي يعتبر من أهم أو أبرز الخطوات في إخراج أطفال طيف التوحّد من عزلتهم القسرية وتسهيل إدماجهم في المجتمع. وتكمن أهمية الدمج المدرسي في أنه يساهم في تعليم الأطفال السلوكيات الحسنة والصحية. حاليا، يتم إيداع الأطفال من ذوي التوحّد في المراكز المختصة أو في المدارس الدامجة حسب درجة الإصابة، إما خفيفة أو متوسطة أو عميقة. واليوم، الاشتغال على هذا الدمج في إطار خطة وطنية يقتضي مراجعة حتى البرامج البيداغوجية الحالية، التي يفتقر الإطار التربوي فيها إلى التكوين والمهارات الضرورية لضمان إدماجهم في الوسط المدرسي وفي الحياة العامة عبر أنشطة مناسبة لاحتياجات أطفال اضطراب طيف التوحّد.

منية العرفاوي

بعد الانطلاق في إعداد الخطة الوطنية لدمج أطفال طيف التوحد..   200 ألف طفل مصاب في تونس ونقص في مراكز الرعاية العمومية

- الكاتبة العامة لجمعية «مسار المتوحّد» إيمان شرف الدين لـ«الصباح»: نحتاج إلى مختصين في التعامل مع طيف التوحّد وإلى تصنيف واضح في بطاقة الإعاقة

أعلنت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ، أسماء الجابري، أول أمس الثلاثاء، عن الانطلاق في إعداد خطة وطنية لدمج الأطفال واليافعين من ذوي اضطراب طيف التوحّد. وتهدف هذه الخطة إلى تطوير السياسات العمومية وتدعيم التشخيص المبكّر والتربية والتعليم والتأهيل والإدماج الاجتماعي والاقتصادي لأطفال طيف التوحّد، وذلك وفق بلاغ للوزارة. وأكّدت الوزيرة خلال كلمتها الافتتاحية لأشغال ورشة الانطلاق في إعداد هذه الخطة على ضرورة تبني رؤية موحّدة تركز على احتياجات الفرد من ذوي اضطراب طيف التوحّد وأسرته في جميع مراحل حياته من مرحلة الكشف المبكّر إلى الإدماج الاجتماعي والمهني. وبالمناسبة، قدّمت الإدارة العامة للطفولة عرضا حول برنامج دمج أطفال ذوي اضطراب التوحّد في رياض الأطفال، الذي تنخرط فيه حاليا حوالي 500 روضة عمومية وخاصة دامجة.

وفي السنوات الأخيرة، ومع التزايد الكبير في عدد الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحّد، زادت الحاجة إلى ضرورة تركيز سياسات عمومية تشمل أكثر من قطاع لتلبية احتياجات هؤلاء الأطفال الذين ظلّوا لسنوات يواجهون صعوبات في التعلّم والإدماج، مع ارتفاع مشطّ يثقل كاهل الأسر في رعايتهم والعمل على إدماجهم في المجتمع من خلال مراكز رعاية في أغلبها مراكز خاصة بكلفة مرتفعة.

ولا يحتاج الطفل المتوحّد إلى دمج مدرسي أو اندماج اجتماعي فقط، بل يحتاج أيضا إلى فهم احتياجاته وتقدير مواهبه أحيانا والعمل على تمكينه اقتصاديا وتوسيع نطاق الاهتمام إلى الأرياف والمدن حيث يتواجد عدد مهم من أطفال طيف التوحّد، وفق ما أكّدت لنا في هذا التصريح لـ«الصباح»، إيمان شرف الدين، الكاتبة العامة لجمعية «مسار المتوحّد».

إهمال وتهميش

رغم أن اضطراب طيف التوحّد لدى الأطفال في تونس ليس من الأمراض النادرة بل هو موجود منذ عقود، إلا أن أول مركز عمومي تم افتتاحه لرعاية الأطفال المصابين بطيف التوحّد كان في 2018 بسيدي حسين السيجومي، وكان الأوّل من نوعه والوحيد إلى الآن. ورغم أن رئاسة الحكومة، وقتها، أكّدت أن إحداث هذا المركز يندرج في إطار التوجه للرعاية والعناية بهذه الفئة ذات الاحتياجات الخصوصية ومساعدة أولياء الأطفال المصابين بالتوحّد من محدودي الدخل على توفير الرعاية اللازمة لأبنائهم، خاصة في ظل ارتفاع نفقات الخدمات المسداة لهذه الفئة.

وبداية هذا الاهتمام «الرسمي» بأطفال طيف التوحّد لم يتطور بشكل سريع لاحقا، واليوم تسعى الحكومة إلى تدارك ذلك من خلال إقرار خطة وطنية للعناية بهؤلاء الأطفال وتسهيل إدماجهم في المجتمع ومساعدة الأسر على ذلك، خاصة بالنظر إلى الارتفاع اللافت لعدد هؤلاء الأطفال. حيث قدّرت وزارة الصحة عدد الأطفال المصابين بطيف التوحد في تونس بـ200 ألف طفل، وفق ما جاء في بلاغ أصدرته الوزارة بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للتوعية ضد طيف التوحد الموافق لـ2 أفريل من كل سنة. إذ يهدف هذا اليوم إلى تعزيز فهم اضطراب طيف التوحّد في جميع بلدان العالم ودعم الأطفال من ذوي طيف التوحّد، حيث تشير مختلف الدراسات المختصّة إلى أن الوعي المبكر بطيف التوحّد هو الخطوة الأولى نحو حياة أفضل. وقد دعت وزارة الصحة إلى المبادرة بالسعي إلى تغيير الوضع الحالي عبر التشخيص المبكر والدمج المدرسي والدعم والإحاطة العائلية بالأطفال الذين يعانون من اضطراب طيف التوحّد.

وتعرّف منظمة الصحة العالمية اضطراب التوحّد أو طيف التوحد على أنه مجموعة من الاعتلالات المتنوعة المرتبطة بنمو الدماغ، والتي تتصف ببعض الصعوبات في التفاعل الاجتماعي والتواصل، ولها سمات أخرى تتمثل في أنماط لا نموذجية من الأنشطة والسلوكيات، مثل صعوبة الانتقال من نشاط إلى آخر، والاستغراق في التفاصيل، وردود الفعل غير الاعتيادية على الأحاسيس. وغالبا ما يعاني المصابون بالتوحد من اعتلالات مصاحبة تشمل الصرع والاكتئاب والقلق واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، بالإضافة إلى سلوكيات مستعصية مثل صعوبة النوم وإلحاق الأذى بالنفس. إلا أن تلك الأعراض تختلف من طفل إلى آخر وتختلف حدّتها، متى تم التشخيص المبكّر والإحاطة المبكّرة بالطفل. إذ تتباين قدرات الأشخاص المصابين بالتوحد واحتياجاتهم، ويمكن أن تتطور مع مرور الوقت. وقد يتمكن بعض المصابين بالتوحد من التمتع بحياة مستقلة، غير أن بعضهم الآخر يعاني من إعاقات وخيمة ويحتاج إلى الرعاية والدعم مدى الحياة، ويؤثر التوحد على التعليم وفرص العمل، وفق توصيات منظمة الصحة العالمية التي تشير أحدث إحصائياتها إلى إصابة طفل واحد من كل 100 طفل باضطراب طيف التوحد في العالم، وأن معدل الانتشار المبلغ عنه يختلف اختلافا شديدا بين الدراسات التي تشير إلى معدّلات أعلى بكثير.

جمعيات توفّر الرعاية والدعم

وأمام الانتشار الكبير لهذا الاضطراب الذي يصيب الأطفال، برزت عدّة جمعيات ناشطة في مجال دعم الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحّد، ومنها جمعية «مسار المتوحّد»، حيث تؤكد الكاتبة العامة للجمعية إيمان شرف الدين في تصريح خصّت به «الصباح» أن مبادرة وزارة المرأة لإعداد خطة وطنية تهتم بأطفال طيف التوحّد، جيّدة، ولكنها تقتصر فقط على الدمج المدرسي وعلى الشريحة العمرية للأطفال بين سنتين وثلاث سنوات، والمعنيين برياض الأطفال وبالمدارس. وتضيف: «ما لاحظته بالإضافة إلى ذلك هو التركيز أيضا على التقصّي المبكّر وعلى الأجيال الجديدة من أطفال طيف التوحّد، ولكن لا يُجرى الحديث عن مساهمات وزارة الشؤون الاجتماعية في تقديم إعانات لهؤلاء الأطفال أو تسهيلات للعائلات المعوزة. كما أن هناك فئات عمرية من ذوي طيف التوحّد، ونحن كجمعية نشرف على مركز خاص لرعاية أطفال التوحّد لدينا فئات عمرية من 4 إلى 31 سنة، وكل مجموعة منهم وكل واحد منهم له احتياجاته وطريقة التعامل معه».

وتعمل جمعية «مسار المتوحّد» على تمكين الأطفال والشباب من ذوي طيف التوحّد من الاندماج الاقتصادي والتعويل على الذات، وذلك من خلال تأمين تكوين مهني في بعض الاختصاصات، بالإضافة إلى عدة مسارات أخرى تصبّ في مسار المتوحّد مثل الأنشطة الثقافية والبدنية والفكرية والرياضية. وتقول إيمان شرف الدين: «هناك ورشات تكوين داخل المركز في اختصاص طبخ وحلويات، ونحن مراعاة منّا لخصوصيات الطفل المصاب بطيف التوحّد الذي يفرض أن يبقى دائما في البيئة التي تعوّد بها ومع من يحبهم من إطارات ومرافقين، فإننا نطلب من وزارة التكوين المهني أن تخصّص لنا مختصا في الطبخ يتولى تكوين هؤلاء الشباب داخل المركز. وأنا متأكدة، انطلاقا من المهارات التي لمسناها، أن هناك بين أربعة وخمسة شباب من ذوي اضطراب طيف التوحّد يمكنهم النجاح، ويمكنهم نيل شهادة في التكوين مصادق عليها من الوزارة، بما يتيح تمكينهم اقتصاديا لاحقا وضمان تعويلهم على أنفسهم».

كما أشارت إيمان شرف الدين أيضا إلى وجود موهوبين من أطفال طيف التوحّد في المسرح والسينما والرسم، وهو ما يستدعي لفتة من وزارة الثقافة. وختمت حديثها بقولها: «الطفل المتوحّد يحتاج إلى مرافقين وإطارات تهتم به في جميع المجالات، تكون قد تلّقت تكوينا تكميليا في التعامل مع اضطراب التوحّد. فلا يكفي أن تكون مختصا نفسيا حتى تكون ملما باحتياجات من يعانون من طيف التوحّد. وبالتالي اليوم نحتاج إلى مختصين في التعامل مع طيف التوحّد كما نحتاج إلى تصنيف واضح في بطاقة الإعاقة، التي يجب ألا تكون بطاقة إعاقة ذهنية بل تحمل صفة متوحّد».

ومن الجمعيات الناشطة أيضا في المجال نجد جمعية «ياسين للتوحّد والاحتياجات الخصوصية»، التي تؤكد كل مرة ومن خلال نشاطاتها أن غياب إحصائيات دقيقة ورسمية في تونس حول المصابين باضطرابات التوحّد من الأطفال والشباب والكهول وكبار السن، يحيل على افتقارها إلى إستراتيجية وطنية للإحاطة والتكفل بحاملي طيف التوحّد. كما يحيل إلى غياب برامج على أرض الواقع تنهض وتدعم الأشخاص الذين يعانون من اضطراب التوحّد. حيث تقتضي الإحاطة بهذه الفئة التوعية بهذا الاضطراب، مرورا بالتشخيص والدمج في مرحلة ما قبل المدرسية وصولا إلى الدمج المدرسي.

وما هو مؤكّد أن الإحصائية التقريبية التي نشرتها وزارة الصحة في أفريل الماضي حول عدد الأطفال المصابين بطيف التوحّد، مهّدت إلى ضرورة الإعلان عن الانطلاق في العمل على خطة وطنية لدعم هذه الفئة، خاصة وأن خدمات رعاية صحية موجهة للأطفال حاملي طيف التوحّد العمومية، تكاد تكون مفقودة في أغلب مناطق الجمهورية، مما يضطر الولي إلى التوجه نحو القطاع الخاص وتحمل تكاليف مشطّة منها تقويم النطق والعلاج الوظيفي والعلاج الحركي والعلاج النفسي، وهي من الخدمات الصحية الضرورية جدًا لتنمية مهارات طفل التوحّد وتطويره وتعليمه سلوكيات صحية.

كما أن الدمج المدرسي يعتبر من أهم أو أبرز الخطوات في إخراج أطفال طيف التوحّد من عزلتهم القسرية وتسهيل إدماجهم في المجتمع. وتكمن أهمية الدمج المدرسي في أنه يساهم في تعليم الأطفال السلوكيات الحسنة والصحية. حاليا، يتم إيداع الأطفال من ذوي التوحّد في المراكز المختصة أو في المدارس الدامجة حسب درجة الإصابة، إما خفيفة أو متوسطة أو عميقة. واليوم، الاشتغال على هذا الدمج في إطار خطة وطنية يقتضي مراجعة حتى البرامج البيداغوجية الحالية، التي يفتقر الإطار التربوي فيها إلى التكوين والمهارات الضرورية لضمان إدماجهم في الوسط المدرسي وفي الحياة العامة عبر أنشطة مناسبة لاحتياجات أطفال اضطراب طيف التوحّد.

منية العرفاوي