إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في جلسة برلمانية حول ميزانية وزارة المالية.. مطالبة بالتقليص من الضغط الجبائي وإدماج الاقتصاد الموازي

تواصلت طيلة أمس بقصر باردو الجلسة العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم للنظر في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 وحظيت مهمة المالية بنقاش مطول. وتتمثل المحاور الإستراتجية لهذه المهمة حسب ما ورد في تقرير لجنتي المالية والميزانية بالغرفتين النيابيتين، في تدعيم صلابة التوازنات المالية، وتدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، وتدعيم السياسة الميزانياتية، وتوفير ظروف استرجاع نسق النمو، وتدعيم حوكمة المنظومات المعلوماتية وتعزيز التحول الرقمي، إضافة إلى مقاومة التهرب الجبائي والتهريب والفساد وإدماج الاقتصاد الموازي.

مقرر لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب النائب محمد بن حسين قال إن ميزانية وزارة المالية قدرت بمبلغ 1477 مليون دينار سنة 2026 مقابل 1390 مليارا سنة 2025 مسجلة بذلك زيادة نسبتها 6 بالمائة. وتمثل نفقات التأجير 80 بالمائة من مجموع نفقات المهمة لسنة 2026. وأضاف بن حسين أن نفقات الاستثمار تمثل 10 بالمائة من مجموع نفقات المهمة وقدرت نسبة تطورها بـ45 بالمائة تعهدا و20 بالمائة دفعا ويعود تطور اعتمادات الدفع أساسا إلى الأخذ بعين الاعتبار النسبة الفعلية لتقدم انجاز المشاريع المتواصلة ونسبة الانجاز المتوقعة للمشاريع الجديدة. وسيتم خلال سنة 2026 انتداب مباشر لـ 1771 خطة.

وخلال مناقشة ميزانية وزارة المالية بحضور الوزيرة  مشكاة سلامة، أجمع أعضاء الغرفتين النيابيتين على جملة من المطالب أهمها إدماج السوق الموازي ومكافحة اقتصاد الريع ومقاومة التهريب والتصدي للفساد وإصلاح المؤسسات العمومية وتعميم فرض استخدام الفوترة الالكترونية ومساندة الشركات الصغرى والمتوسطة والحسم في ملف الأملاك المصادرة والتسريع في إحالة مشروع مجلة الصرف إلى البرلمان.

وخير العديد من النواب الشروع قبل الأوان في التداول حول أحكام مشروع قانون المالية لسنة 2026 الذي ستتم مناقشته في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري إثر استكمال النظر في مختلف المهمات والمهمات الخاصة بمشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 وانتهزوا حضور وزيرة المالية لمطالبتها بالخصوص بإدراج ملفات عمال الحضائر من الفئة العمرية 45ـ 50 سنة وأعوان الاعتمادات المفوضة  ضمن إجراءات تسوية وضعيات التشغيل الهش وبتخفيف العبء الجبائي على جرايات المتقاعدين وبتمكين العائلات التونسية من توريد سيارات.

عضو المجلس الوطني للجهات والأقاليم سالم الماكني دعا إلى حماية المؤسسات العمومية وإعادة إحياء دورها المحوري في دفع عجلة التنمية الوطنية الشاملة ومنع تعرضها لأي شكل من أشكال التهميش والتفويت. وتحدث في مداخلته مطولا عن شركة السكر بباجة فهي حسب قوله تحتل مكانة محورية نظرا لقيمتها الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية ويتطلب الوضع التدخل العاجل لدعمها وحمايتها فهي نقطة ارتكاز إستراتيجية تمثل الواجهة الاقتصادية لولاية باجة وتضطلع بدور ريادي في اقتصاد الجهة. وأشار النائب إلى صمود أعوان الشركة الذين قاوموا كل الصعوبات وحافظوا على استدامة دورة الإنتاج وأكد جاهزية المصنع للإنتاج ولم يخف انشغاله بسبب غياب التمويل اللازم مما جعل بعض الوحدات خارج الخدمة وأضاف أن ما يناهز 37 ألف طن من السكر الخام المخزنة بباجة وبنزرت جاهزة للتكرير الفوري وهناك حاجة للتمويل قدرها 17 مليون دينار لضمان عودة الإنتاج وإضافة إلى دعوته إلى توفير هذا التمويل طالب الماكني بالقيام ببرنامج إصلاح هيكلي للشركة المذكورة ووضع رؤية واضحة حول مستقبل المصنع وتفعيل الرقابة لضمان حسن التصرف ودعا إلى التدخل العاجل لضمان استقرار المؤسسة والمحافظة على السلم الاجتماعي بالجهة. وثمن التوجه الحكومي لدعم المؤسسات العمومية عبر إقرار إجراءات صلب مشروع قانون المالية وأشار إلى أن الفصل الوارد في هذا المشروع المتعلق بدعم الشركة التونسية للسكر يمثل خطوة هامة لكن هناك حاجة لتوفير تمويلات في حدود 17 مليون دينار.

الأولويات التشريعية

وأشارت عضو مجلس نواب الشعب مريم الشريف إلى أن تكريس الدولة الاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة يستوجب  العمل على تحسين وتيسير مناخ الاستثمار والتعجيل في مراجعة مجلة الاستثمار وقانون الصرف بما يتماشى مع التغيرات الاقتصادية كما يجب خلق بيئة قانونية تشجع على جذب الاستثمار المحلي والدولي وخلق الثروة. واقترحت تكوين فريق عمل من ممثلي الوزارة والبرلمان للنظر في الأولويات التشريعية وتنقيح العديد من القوانين لتحقيق الثورة التشريعية لتحسين مناخ الأعمال. وأضافت أنه يجب العمل على مكافحة التهرب الجبائي والاقتصاد الموازي لتحقيق الدولة الاجتماعية ويجب الاعتماد على الثروات الوطنية. وعبرت الشريف عن ارتياحها لصابة القمح وزيت الزيتون والتمور والتفاح والقوارص ودعت إلى تثمين هذه المنتوجات الفلاحية.

حسابات بالعملة

أما النائب بمجلس نواب الشعب محمود العامري فتطرق إلى ما تحقق من نتائج ايجابية من حيث التزام الدولة بواجباتها المالية خاصة إيفائها بتعهداتها وتسديد الديون الداخلية والخارجية رغم دقة الظرف الاقتصادي الراهن. وبين أن هذا النجاح يعكس وضوح الرؤية في تنفيذ سياسة الدولة القائمة على مبدأ التعويل على الذات، وعلى انتهاج مسار إصلاحي عميق يمس جوهر المنظومة الاقتصادية والمالية. وأكد على أهمية المضي في الإصلاحات الهيكلية والمحافظة على ديمومة المؤسسات العمومية باعتبارها ركيزة من ركائز السيادة الاقتصادية، ودعا إلى ضرورة العمل على خلق موارد حقيقية ومستدامة تعزز مناعة الاقتصاد الوطني وتساهم في إدماجه ضمن محيطه الإقليمي والعالمي. وأشار العامري إلى أهمية المضي قدما في رقمنة المعاملات المالية وتحديث آليات التصرف بما يواكب تطورات العصر ويعزز القدرة التنافسية للمؤسسات. وأكد على مزيد تشجيع بعث المشاريع الصغرى من قبل الفئات  ضعيفة ومحدودة الدخل وذلك عبر تعزيز آليات تمويل هذه المشاريع بما يساهم في إدماجهم وتمكينهم المالي والاقتصادي والاجتماعي. ولاحظ النائب أنه انسجاما مع مقاربة الإصلاح الشامل التي تنتهجها الدولة فهو يؤكد أن أي إصلاح اقتصادي لن يكتمل دون إصلاح تشريعي مواز يواكب متطلبات المرحلة ويهيئ الإطار القانوني الداعم للتحول الاقتصادي المنشود. وأضاف أنه من هذا المنطق فهو يجدد الدعوة إلى التسريع في مراجعة مجلة الصرف التي أصبحت بحكم تقادمها غير منسجمة مع واقع الأنشطة الاقتصادية الحديثة خاصة تلك المبنية على اقتصاد المعرفة والرقمنة، كما بين أنه من الضروري العمل اليوم على تمكين الشباب التونسي خاصة من الناشطين في قطاع الخدمات الحرة والرقمية من فتح حسابات بالعملة الصعبة ومنحهم المرونة اللازمة في التصرف في مواردهم لتغطية نفقاتهم في الخارج بما يشجعهم على مواصلة نشاطهم في كنف القانون ويحفزهم على البقاء فاعلين داخل الدورة الاقتصادية الوطنية بدلا عن الاضطرار للبحث عن فضاءات بديلة خارجها. وطالب النائب بتعزيز جهود الديوانة ومزيد تحسين ظروف عمل هذا السلك الحيوي الذي يشكل حسب قوله الخط الأول لحماية الاقتصاد الوطني وأكد في هذا السياق على ضرورة منح اهتمام خاص بوضعية أعوان هذا السلك خاصة في المعابر الحدودية براس الجدير والذهيبة نظرا لدور المعبرين في تعبئة موارد الدولة وتنشيط الحركة الاقتصادية. ومن المطالب الأخرى التي تقدم بها النائب مزيد تبسيط المعاملات  التجارية من خلال رقمنة الخدمات الديوانية خاصة الموجهة منها للتونسيين بالخارج وتفعيل تطبيق المحضر الالكتروني وحصر طلبات الصلح عبر بوابة الصلح الالكتروني. أما في علاقة بالتصرف في المحجوزات الديوانية فيرى النائب أنه من الضروري اليوم إيجاد حلول قانونية واضحة للتصرف في هذه المحجوزات خاصة في ظل وجود صعوبات في تخزينها. ولاحظ أن وضعية المستودعات البلدية لا تختلف كثيرا عن وضعية مستودعات الديوانة ومخازنها مما يقتضي العمل على التفويت في بعض المحجوزات خاصة تلك التي طالت مدة حجزها مع إعداد نص قانوني ينظم هذا الإجراء. وطالب بإحداث قباضة مالية بمعتمدية سيدي الهاني من ولاية سوسة إحداث قباضة بلدية أو مكتب أداءات ببلدية القلعة الصغرى.

شركة عجين الحلفاء

حاتم لباوي عضو مجلس نواب الشعب بين أن شركات الاستثمار الجهوي كانت داعمة للاستثمار وساهمت في فتح العديد من المصانع لكنها اليوم تعاني من صعوبات مالية ومنها شركة التنمية الاقتصادية بالقصرين التي كان من المفروض إعادة هيكلتها لأنه يوجد مخطط أعمال جاهز منذ سنة 2024 لكن يبدو أن البنوك ترفض المضي قدما في هذا المخطط. ونبه النائب وزيرة المالية إلى أن موظفي هذه الشركة لم يقبضوا رواتبهم منذ 19 شهرا وهم يعيشون وضعية اجتماعية صعبة للغاية، وطالب بإيجاد حل جذري لهذه الشركة فإما أن تقع إعادة هيكلتها أو أن يقع غلقها وتوزيع موظفيها على إدارات عمومية. ولاحظ النائب أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 نص في الفصول 41 و 42 و43 تباعا على تخفيضات من المعاليم الديوانية لفائدة شركة فسفاط قفصة والديوان التونسي للتجارة والشركة التونسية للسكر لكنه استثنى شركة عجين الحلفاء التي زارها رئيس الجمهورية قيس سعيد. وطالب بإضافة فصل جديد لمشروع قانون المالية في اتجاه تمتيع هذه الشركة بتخفيضات جبائية. وأثار النائب في مداخلته معضلة احتكار الزيت المدعم وفقدانه والتلاعب به وحرمان المستهلكين منه.

إنصاف المهمشين

عضو مجلس نواب الشعب زياد الماهر أشار إلى أن مشروع قانون المالية لسنة 2026  يكتسي طابعا اجتماعا واضحا وأنه اتجه عكس إملاءات صندوق النقد الدولي بخصوص الانتداب. وبين أنه من المعلوم أن الإجراءات الاجتماعية هي إجراءات مكلفة لكنها ضرورية من أجل إنصاف المهمشين والعمال والطبقة الوسطى، كما انه من الطبيعي جدا أن  تتم مواجهة القرارات النابعة من السيادة الوطنية وقرارات رفض الإملاءات من قبل من لا يريدون بتونس خيرا، وهذه حقيقة  يجب أن يعيها الجميع، كما لم يقع صلب هذا المشروع اتخاذ قرار لإعادة النظر في التراخيص وكراسات الشروط ملاحظا أن هناك قطاعات بعينها يتم احتكارها من قبل فئات بعينها. ونبه النائب من تداعيات تقلص الطبقة الوسطى والمطلوب حسب رأيه المحافظة عليها لأنها تحتوي على الموظفين وعلى صغار الحرفيين والتجار والصناعيين لكنها رغم أهميتها لم يقع تمتيعها بإجراءات حمائية.

وبخصوص ميزانية وزارة المالية لسنة 2026 يرى النائب أنها لا تعكس أهمية مهام هذه الوزارة وبين أنه لا يجوز التقشف في اقتناء التجهيزات ووسائل العمل، ودعا إلى مواصلة العمل على تنفيذ برنامج الرقمنة واقترح في هذا الصدد رقمنة إجراءات المعرف الجبائي أسوة بتجربة المبادرة الذاتي التي حققت نجاحا كما بين أنه من الضروري تحيين تعريفة الصلح الجبائي وتقريب خدمات التكوين المستمر من الإداريين في الأقاليم خاصة في الوسط والجنوب.

أسئلة حارقة

وقدم عضو مجلس نواب الشعب نوري الجريدي قراءة نقدية في مشروع ميزانية الدولة ولسنة 2026، وبين أن الحكومة أرسلته للبرلمان دون شرح أسباب وفي غياب لتقييم مردودية الامتيازات المالية والجبائية والأراضي الممنوحة بالدينار الرمزي للمستثمرين.

ويرى الجريدي أنه في صورة عدم  تغيير العملة لاحتواء الاقتصاد الموازي وفي صورة عدم إلغاء نظام الرخص وهيكلة الموانئ وإعادة النظر في الديون المشبوهة وفي حال عدم التسريع في تمرير مشاريع مجلات الصرف والاستثمار والمحروقات والديوانة والمياه وغيرها وعدم الانطلاق في إنشاء البنك البريدي وعدم تشجيع التونسيين بالخارج على الاستثمار فسيظل فعل الحكومة فعل إطفاء، وعبر النائب عن خشيته من تعطل آليات الإطفاء لديها لاتساع رقعة الحريق وحينها لن تفيدها الأرقام.

إفراط في الجباية

وتحدث عضو مجلس نواب الشعب بدر الدين القمودي عن السياسة الجبائية المعتمدة لأن الأرقام ذات العلاقة بالاعتماد المفرط على الجباية أصبحت مفزعة. ولاحظ أن منوال السياسة الجبائية ظل جامدا منذ التسعينات إلى اليوم إلى أن وصل إلى وضعية مقلقة للاقتصاد الوطني ولديمومة مداخيل الدولة حيث ارتفعت نسبة الموارد الجبائية من مداخيل الدولة بشكل خطير من 87 فاصل 3 بالمائة سنة 2024 إلى 89 فاصل 6 بالمائة سنة 2024 ولتقفز إلى 90 فاصل 4 بالمائة سنة 2025  ولتستقر في حدود 90 فاصل 9 بالمائة في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026. وتساءل النائب أين مداخيل الأملاك المصادرة والأراضي الدولية والغارامات التعويضية البترولية والمنجمية وغيرها من الغرامات وأين مداخيل الدولة من المحروقات من المنابات المسلمة للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية بأسعار تفاضلية وأين مداخيل الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص؟ وأضاف أن استمرار نفس النهج من الجمود يكرس مزيدا من غياب العدالة الجبائية وسوء التصرف في الموارد غير الجبائية الناتج عن تقاعس في تحصيلها وفسر أنه بهذا النهج تمت الإساءة لشعار التعويل على الذات كما أن الاقتصاد الموازي الذي يشمل من يحققون مداخيل كبيرة ويمارسون أنشطة دون معرف جبائي قفز  ولا توجد مؤشرات للحد منه ولمراقبة التهرب الجبائي. وتساءل عن مدى تطور مردود المراقبة الجبائية خلال العام الجاري بالإدارة العامة للأداءات وخاصة بإدارة المؤسسات الكبرى وإدارة المؤسسات المتوسطة ووحدة المراقبة الوطنية للأبحاث الجبائية ونبه إلى وجود تداخل مخالف للقانون بين مهام فرقة الأبحاث ومكافحة التهرب الجبائي ومهام المراكز الجهوية لمراقبة الأداءات.

واستفسر كيف يمكن تفسير عملية تكليف مستشار جبائي لدى الشركات البترولية بتكوين فريق جديد من مراقبي الجباية مع العلم أن هذه الشركات هي محل متابعة من قبل الإدارة العامة للأداءات وكأنه  لا يوجد مكونون غير المستشارين لدى شركات البترول. وخلص النائب إلى أن النتيجة كانت مفزعة إذ تراجعت المداخيل الجبائية المحققة من قبل المراقبة  وأضاف القمودي أن تونس مصنفة من الدول الأولى في الجباية وهذا غير معقول إذ كيف أن ميزانية الدولة قائمة بنسبة تفوق تسعين بالمائة على الجباية وبين أن هذا الوضع خطير وسأل الوزيرة إلى أين نمضي وطالبها بتقديم جدول مفصل بأسماء المستثمرين التونسيين والأجانب الذين عبروا عن نوايا الاستثمار لأنه من بين التوقعات التي قام عليها مشروع الميزانية توفير 30 مليار دينار في الاستثمار الخاص، وبعد أن أمطر وزارة المالية نقدا أشار النائب بدر الدين القمودي إلى أنه بهذا الخطاب يريد بناء تونس المستقبل وليس العودة إلى الوراء.

العدالة الجبائية

وبينت عضو مجلس نواب الشعب بثينة الغانمي أن السياسة المالية للدولة تحدد وفق توجهاتها وخيارتها، وذكرت أن هذه الخيارات تتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق النمو الاقتصادي، إلا أن مشروع قانون المالية لسنة 2026، يبدو متعاليا عن الواقع مفصولا عنه. وذكرت أن العدالة الجبائية تقتضي مساهمة كل شرائح المجتمع دون استثناء وبقدر مكاسبها فحسب رأيها لا يعقل أن يتحمل الأجراء والحرفيين وصغار التجار وغيرهم الجزء الأكبر من الضريبة في حين يقع صرف النظر عن شرائح أخرى كثيرة. ودعت إلى التوجه أكثر نحو حوكمة الخدمات وإعادة هيكلة المنظومات التشريعية وإصلاحها وفي مقدمتها مجلة الصرف كما ترى النائبة أنه من المفروض مراجعة السياسات العمومية والقطاعية. ولاحظت أنه رغم المنشور الصادر عن وزارة المالية في علاقة بالضريبة على الاستهلاك على عين المكان إلا أن طريقة الخلاص في حاجة إلى المراجعة بسبب عدم مسك الجهاز الرقابي بزمام الأمور. وقالت الغانمي إن الموارد الجبائية جزء لا يتجزأ من تحقيق النمو الاقتصادي للبلاد ومن توفير موارد للدولة لكنها من قبيل المسكنات والحلول الوقتية وهو ما يقتضي بحث حلول أخرى لا ترتكز على الضغط الجبائي والترفيع في نسبه. وذكرت أنه لا بد من اعتماد مبدأ التداول الدوري على المسؤوليات وتساءلت عن مآل ملف المصادرة وعن سبب عدم تنظيم عملية التوريد في الحدود البرية أو في ميناء رادس بالقيام بإجراءات مبسطة تدخل إطار التوريد في المنظومة القانونية وتحمي التجار خاصة الصغار منهم. وترى الغانمي أن تكريس العدالة الاجتماعية يتطلب إرساء نظام جبائي عادل وأضافت أنه لا مناص من مراجعة الأسعار أو تجميدها والتقليص من تكاليف الخدمات البنكية والتخفيض تدريجيا من الأداء على جرايات المتقاعدين ودعت إلى التخطيط لبعث مؤسسات وطنية كبرى تدعم مداخيل الميزانية ودراسة الملفات الحارقة المتعلقة بعمال الحضائر من فئة 45 ـ 50 سنة والمرشدين التطبيقيين والإعتمادات المفوضة مع إدراج هذه المسائل صلب ميزانية 2026. وتطرقت النائبة بدورها إلى وضعية الشركات العمومية التي فقدت بريقها  ومنها الشركة التونسية للسكر بباجة وبينت أن مشروع قانون المالية تضمن فصلا لدعم شركة السكر بالتخلي عن مستحقات الدولة المتخلدة بذمتها والمتمثلة في فوائض التأخير والخطايا الجبائية وتساءلت هل أن هذا الإجراء كاف لضمان تعافي الشركة وما مصير هذه الشركة دعت الى التسريع في إنشاء المنطقة السياحية بباجة.

سعيدة بوهلال

في جلسة برلمانية حول ميزانية وزارة المالية..   مطالبة بالتقليص من الضغط الجبائي وإدماج الاقتصاد الموازي

تواصلت طيلة أمس بقصر باردو الجلسة العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم للنظر في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 وحظيت مهمة المالية بنقاش مطول. وتتمثل المحاور الإستراتجية لهذه المهمة حسب ما ورد في تقرير لجنتي المالية والميزانية بالغرفتين النيابيتين، في تدعيم صلابة التوازنات المالية، وتدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، وتدعيم السياسة الميزانياتية، وتوفير ظروف استرجاع نسق النمو، وتدعيم حوكمة المنظومات المعلوماتية وتعزيز التحول الرقمي، إضافة إلى مقاومة التهرب الجبائي والتهريب والفساد وإدماج الاقتصاد الموازي.

مقرر لجنة المالية والميزانية بمجلس نواب الشعب النائب محمد بن حسين قال إن ميزانية وزارة المالية قدرت بمبلغ 1477 مليون دينار سنة 2026 مقابل 1390 مليارا سنة 2025 مسجلة بذلك زيادة نسبتها 6 بالمائة. وتمثل نفقات التأجير 80 بالمائة من مجموع نفقات المهمة لسنة 2026. وأضاف بن حسين أن نفقات الاستثمار تمثل 10 بالمائة من مجموع نفقات المهمة وقدرت نسبة تطورها بـ45 بالمائة تعهدا و20 بالمائة دفعا ويعود تطور اعتمادات الدفع أساسا إلى الأخذ بعين الاعتبار النسبة الفعلية لتقدم انجاز المشاريع المتواصلة ونسبة الانجاز المتوقعة للمشاريع الجديدة. وسيتم خلال سنة 2026 انتداب مباشر لـ 1771 خطة.

وخلال مناقشة ميزانية وزارة المالية بحضور الوزيرة  مشكاة سلامة، أجمع أعضاء الغرفتين النيابيتين على جملة من المطالب أهمها إدماج السوق الموازي ومكافحة اقتصاد الريع ومقاومة التهريب والتصدي للفساد وإصلاح المؤسسات العمومية وتعميم فرض استخدام الفوترة الالكترونية ومساندة الشركات الصغرى والمتوسطة والحسم في ملف الأملاك المصادرة والتسريع في إحالة مشروع مجلة الصرف إلى البرلمان.

وخير العديد من النواب الشروع قبل الأوان في التداول حول أحكام مشروع قانون المالية لسنة 2026 الذي ستتم مناقشته في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري إثر استكمال النظر في مختلف المهمات والمهمات الخاصة بمشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 وانتهزوا حضور وزيرة المالية لمطالبتها بالخصوص بإدراج ملفات عمال الحضائر من الفئة العمرية 45ـ 50 سنة وأعوان الاعتمادات المفوضة  ضمن إجراءات تسوية وضعيات التشغيل الهش وبتخفيف العبء الجبائي على جرايات المتقاعدين وبتمكين العائلات التونسية من توريد سيارات.

عضو المجلس الوطني للجهات والأقاليم سالم الماكني دعا إلى حماية المؤسسات العمومية وإعادة إحياء دورها المحوري في دفع عجلة التنمية الوطنية الشاملة ومنع تعرضها لأي شكل من أشكال التهميش والتفويت. وتحدث في مداخلته مطولا عن شركة السكر بباجة فهي حسب قوله تحتل مكانة محورية نظرا لقيمتها الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية ويتطلب الوضع التدخل العاجل لدعمها وحمايتها فهي نقطة ارتكاز إستراتيجية تمثل الواجهة الاقتصادية لولاية باجة وتضطلع بدور ريادي في اقتصاد الجهة. وأشار النائب إلى صمود أعوان الشركة الذين قاوموا كل الصعوبات وحافظوا على استدامة دورة الإنتاج وأكد جاهزية المصنع للإنتاج ولم يخف انشغاله بسبب غياب التمويل اللازم مما جعل بعض الوحدات خارج الخدمة وأضاف أن ما يناهز 37 ألف طن من السكر الخام المخزنة بباجة وبنزرت جاهزة للتكرير الفوري وهناك حاجة للتمويل قدرها 17 مليون دينار لضمان عودة الإنتاج وإضافة إلى دعوته إلى توفير هذا التمويل طالب الماكني بالقيام ببرنامج إصلاح هيكلي للشركة المذكورة ووضع رؤية واضحة حول مستقبل المصنع وتفعيل الرقابة لضمان حسن التصرف ودعا إلى التدخل العاجل لضمان استقرار المؤسسة والمحافظة على السلم الاجتماعي بالجهة. وثمن التوجه الحكومي لدعم المؤسسات العمومية عبر إقرار إجراءات صلب مشروع قانون المالية وأشار إلى أن الفصل الوارد في هذا المشروع المتعلق بدعم الشركة التونسية للسكر يمثل خطوة هامة لكن هناك حاجة لتوفير تمويلات في حدود 17 مليون دينار.

الأولويات التشريعية

وأشارت عضو مجلس نواب الشعب مريم الشريف إلى أن تكريس الدولة الاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة يستوجب  العمل على تحسين وتيسير مناخ الاستثمار والتعجيل في مراجعة مجلة الاستثمار وقانون الصرف بما يتماشى مع التغيرات الاقتصادية كما يجب خلق بيئة قانونية تشجع على جذب الاستثمار المحلي والدولي وخلق الثروة. واقترحت تكوين فريق عمل من ممثلي الوزارة والبرلمان للنظر في الأولويات التشريعية وتنقيح العديد من القوانين لتحقيق الثورة التشريعية لتحسين مناخ الأعمال. وأضافت أنه يجب العمل على مكافحة التهرب الجبائي والاقتصاد الموازي لتحقيق الدولة الاجتماعية ويجب الاعتماد على الثروات الوطنية. وعبرت الشريف عن ارتياحها لصابة القمح وزيت الزيتون والتمور والتفاح والقوارص ودعت إلى تثمين هذه المنتوجات الفلاحية.

حسابات بالعملة

أما النائب بمجلس نواب الشعب محمود العامري فتطرق إلى ما تحقق من نتائج ايجابية من حيث التزام الدولة بواجباتها المالية خاصة إيفائها بتعهداتها وتسديد الديون الداخلية والخارجية رغم دقة الظرف الاقتصادي الراهن. وبين أن هذا النجاح يعكس وضوح الرؤية في تنفيذ سياسة الدولة القائمة على مبدأ التعويل على الذات، وعلى انتهاج مسار إصلاحي عميق يمس جوهر المنظومة الاقتصادية والمالية. وأكد على أهمية المضي في الإصلاحات الهيكلية والمحافظة على ديمومة المؤسسات العمومية باعتبارها ركيزة من ركائز السيادة الاقتصادية، ودعا إلى ضرورة العمل على خلق موارد حقيقية ومستدامة تعزز مناعة الاقتصاد الوطني وتساهم في إدماجه ضمن محيطه الإقليمي والعالمي. وأشار العامري إلى أهمية المضي قدما في رقمنة المعاملات المالية وتحديث آليات التصرف بما يواكب تطورات العصر ويعزز القدرة التنافسية للمؤسسات. وأكد على مزيد تشجيع بعث المشاريع الصغرى من قبل الفئات  ضعيفة ومحدودة الدخل وذلك عبر تعزيز آليات تمويل هذه المشاريع بما يساهم في إدماجهم وتمكينهم المالي والاقتصادي والاجتماعي. ولاحظ النائب أنه انسجاما مع مقاربة الإصلاح الشامل التي تنتهجها الدولة فهو يؤكد أن أي إصلاح اقتصادي لن يكتمل دون إصلاح تشريعي مواز يواكب متطلبات المرحلة ويهيئ الإطار القانوني الداعم للتحول الاقتصادي المنشود. وأضاف أنه من هذا المنطق فهو يجدد الدعوة إلى التسريع في مراجعة مجلة الصرف التي أصبحت بحكم تقادمها غير منسجمة مع واقع الأنشطة الاقتصادية الحديثة خاصة تلك المبنية على اقتصاد المعرفة والرقمنة، كما بين أنه من الضروري العمل اليوم على تمكين الشباب التونسي خاصة من الناشطين في قطاع الخدمات الحرة والرقمية من فتح حسابات بالعملة الصعبة ومنحهم المرونة اللازمة في التصرف في مواردهم لتغطية نفقاتهم في الخارج بما يشجعهم على مواصلة نشاطهم في كنف القانون ويحفزهم على البقاء فاعلين داخل الدورة الاقتصادية الوطنية بدلا عن الاضطرار للبحث عن فضاءات بديلة خارجها. وطالب النائب بتعزيز جهود الديوانة ومزيد تحسين ظروف عمل هذا السلك الحيوي الذي يشكل حسب قوله الخط الأول لحماية الاقتصاد الوطني وأكد في هذا السياق على ضرورة منح اهتمام خاص بوضعية أعوان هذا السلك خاصة في المعابر الحدودية براس الجدير والذهيبة نظرا لدور المعبرين في تعبئة موارد الدولة وتنشيط الحركة الاقتصادية. ومن المطالب الأخرى التي تقدم بها النائب مزيد تبسيط المعاملات  التجارية من خلال رقمنة الخدمات الديوانية خاصة الموجهة منها للتونسيين بالخارج وتفعيل تطبيق المحضر الالكتروني وحصر طلبات الصلح عبر بوابة الصلح الالكتروني. أما في علاقة بالتصرف في المحجوزات الديوانية فيرى النائب أنه من الضروري اليوم إيجاد حلول قانونية واضحة للتصرف في هذه المحجوزات خاصة في ظل وجود صعوبات في تخزينها. ولاحظ أن وضعية المستودعات البلدية لا تختلف كثيرا عن وضعية مستودعات الديوانة ومخازنها مما يقتضي العمل على التفويت في بعض المحجوزات خاصة تلك التي طالت مدة حجزها مع إعداد نص قانوني ينظم هذا الإجراء. وطالب بإحداث قباضة مالية بمعتمدية سيدي الهاني من ولاية سوسة إحداث قباضة بلدية أو مكتب أداءات ببلدية القلعة الصغرى.

شركة عجين الحلفاء

حاتم لباوي عضو مجلس نواب الشعب بين أن شركات الاستثمار الجهوي كانت داعمة للاستثمار وساهمت في فتح العديد من المصانع لكنها اليوم تعاني من صعوبات مالية ومنها شركة التنمية الاقتصادية بالقصرين التي كان من المفروض إعادة هيكلتها لأنه يوجد مخطط أعمال جاهز منذ سنة 2024 لكن يبدو أن البنوك ترفض المضي قدما في هذا المخطط. ونبه النائب وزيرة المالية إلى أن موظفي هذه الشركة لم يقبضوا رواتبهم منذ 19 شهرا وهم يعيشون وضعية اجتماعية صعبة للغاية، وطالب بإيجاد حل جذري لهذه الشركة فإما أن تقع إعادة هيكلتها أو أن يقع غلقها وتوزيع موظفيها على إدارات عمومية. ولاحظ النائب أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 نص في الفصول 41 و 42 و43 تباعا على تخفيضات من المعاليم الديوانية لفائدة شركة فسفاط قفصة والديوان التونسي للتجارة والشركة التونسية للسكر لكنه استثنى شركة عجين الحلفاء التي زارها رئيس الجمهورية قيس سعيد. وطالب بإضافة فصل جديد لمشروع قانون المالية في اتجاه تمتيع هذه الشركة بتخفيضات جبائية. وأثار النائب في مداخلته معضلة احتكار الزيت المدعم وفقدانه والتلاعب به وحرمان المستهلكين منه.

إنصاف المهمشين

عضو مجلس نواب الشعب زياد الماهر أشار إلى أن مشروع قانون المالية لسنة 2026  يكتسي طابعا اجتماعا واضحا وأنه اتجه عكس إملاءات صندوق النقد الدولي بخصوص الانتداب. وبين أنه من المعلوم أن الإجراءات الاجتماعية هي إجراءات مكلفة لكنها ضرورية من أجل إنصاف المهمشين والعمال والطبقة الوسطى، كما انه من الطبيعي جدا أن  تتم مواجهة القرارات النابعة من السيادة الوطنية وقرارات رفض الإملاءات من قبل من لا يريدون بتونس خيرا، وهذه حقيقة  يجب أن يعيها الجميع، كما لم يقع صلب هذا المشروع اتخاذ قرار لإعادة النظر في التراخيص وكراسات الشروط ملاحظا أن هناك قطاعات بعينها يتم احتكارها من قبل فئات بعينها. ونبه النائب من تداعيات تقلص الطبقة الوسطى والمطلوب حسب رأيه المحافظة عليها لأنها تحتوي على الموظفين وعلى صغار الحرفيين والتجار والصناعيين لكنها رغم أهميتها لم يقع تمتيعها بإجراءات حمائية.

وبخصوص ميزانية وزارة المالية لسنة 2026 يرى النائب أنها لا تعكس أهمية مهام هذه الوزارة وبين أنه لا يجوز التقشف في اقتناء التجهيزات ووسائل العمل، ودعا إلى مواصلة العمل على تنفيذ برنامج الرقمنة واقترح في هذا الصدد رقمنة إجراءات المعرف الجبائي أسوة بتجربة المبادرة الذاتي التي حققت نجاحا كما بين أنه من الضروري تحيين تعريفة الصلح الجبائي وتقريب خدمات التكوين المستمر من الإداريين في الأقاليم خاصة في الوسط والجنوب.

أسئلة حارقة

وقدم عضو مجلس نواب الشعب نوري الجريدي قراءة نقدية في مشروع ميزانية الدولة ولسنة 2026، وبين أن الحكومة أرسلته للبرلمان دون شرح أسباب وفي غياب لتقييم مردودية الامتيازات المالية والجبائية والأراضي الممنوحة بالدينار الرمزي للمستثمرين.

ويرى الجريدي أنه في صورة عدم  تغيير العملة لاحتواء الاقتصاد الموازي وفي صورة عدم إلغاء نظام الرخص وهيكلة الموانئ وإعادة النظر في الديون المشبوهة وفي حال عدم التسريع في تمرير مشاريع مجلات الصرف والاستثمار والمحروقات والديوانة والمياه وغيرها وعدم الانطلاق في إنشاء البنك البريدي وعدم تشجيع التونسيين بالخارج على الاستثمار فسيظل فعل الحكومة فعل إطفاء، وعبر النائب عن خشيته من تعطل آليات الإطفاء لديها لاتساع رقعة الحريق وحينها لن تفيدها الأرقام.

إفراط في الجباية

وتحدث عضو مجلس نواب الشعب بدر الدين القمودي عن السياسة الجبائية المعتمدة لأن الأرقام ذات العلاقة بالاعتماد المفرط على الجباية أصبحت مفزعة. ولاحظ أن منوال السياسة الجبائية ظل جامدا منذ التسعينات إلى اليوم إلى أن وصل إلى وضعية مقلقة للاقتصاد الوطني ولديمومة مداخيل الدولة حيث ارتفعت نسبة الموارد الجبائية من مداخيل الدولة بشكل خطير من 87 فاصل 3 بالمائة سنة 2024 إلى 89 فاصل 6 بالمائة سنة 2024 ولتقفز إلى 90 فاصل 4 بالمائة سنة 2025  ولتستقر في حدود 90 فاصل 9 بالمائة في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026. وتساءل النائب أين مداخيل الأملاك المصادرة والأراضي الدولية والغارامات التعويضية البترولية والمنجمية وغيرها من الغرامات وأين مداخيل الدولة من المحروقات من المنابات المسلمة للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية بأسعار تفاضلية وأين مداخيل الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص؟ وأضاف أن استمرار نفس النهج من الجمود يكرس مزيدا من غياب العدالة الجبائية وسوء التصرف في الموارد غير الجبائية الناتج عن تقاعس في تحصيلها وفسر أنه بهذا النهج تمت الإساءة لشعار التعويل على الذات كما أن الاقتصاد الموازي الذي يشمل من يحققون مداخيل كبيرة ويمارسون أنشطة دون معرف جبائي قفز  ولا توجد مؤشرات للحد منه ولمراقبة التهرب الجبائي. وتساءل عن مدى تطور مردود المراقبة الجبائية خلال العام الجاري بالإدارة العامة للأداءات وخاصة بإدارة المؤسسات الكبرى وإدارة المؤسسات المتوسطة ووحدة المراقبة الوطنية للأبحاث الجبائية ونبه إلى وجود تداخل مخالف للقانون بين مهام فرقة الأبحاث ومكافحة التهرب الجبائي ومهام المراكز الجهوية لمراقبة الأداءات.

واستفسر كيف يمكن تفسير عملية تكليف مستشار جبائي لدى الشركات البترولية بتكوين فريق جديد من مراقبي الجباية مع العلم أن هذه الشركات هي محل متابعة من قبل الإدارة العامة للأداءات وكأنه  لا يوجد مكونون غير المستشارين لدى شركات البترول. وخلص النائب إلى أن النتيجة كانت مفزعة إذ تراجعت المداخيل الجبائية المحققة من قبل المراقبة  وأضاف القمودي أن تونس مصنفة من الدول الأولى في الجباية وهذا غير معقول إذ كيف أن ميزانية الدولة قائمة بنسبة تفوق تسعين بالمائة على الجباية وبين أن هذا الوضع خطير وسأل الوزيرة إلى أين نمضي وطالبها بتقديم جدول مفصل بأسماء المستثمرين التونسيين والأجانب الذين عبروا عن نوايا الاستثمار لأنه من بين التوقعات التي قام عليها مشروع الميزانية توفير 30 مليار دينار في الاستثمار الخاص، وبعد أن أمطر وزارة المالية نقدا أشار النائب بدر الدين القمودي إلى أنه بهذا الخطاب يريد بناء تونس المستقبل وليس العودة إلى الوراء.

العدالة الجبائية

وبينت عضو مجلس نواب الشعب بثينة الغانمي أن السياسة المالية للدولة تحدد وفق توجهاتها وخيارتها، وذكرت أن هذه الخيارات تتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق النمو الاقتصادي، إلا أن مشروع قانون المالية لسنة 2026، يبدو متعاليا عن الواقع مفصولا عنه. وذكرت أن العدالة الجبائية تقتضي مساهمة كل شرائح المجتمع دون استثناء وبقدر مكاسبها فحسب رأيها لا يعقل أن يتحمل الأجراء والحرفيين وصغار التجار وغيرهم الجزء الأكبر من الضريبة في حين يقع صرف النظر عن شرائح أخرى كثيرة. ودعت إلى التوجه أكثر نحو حوكمة الخدمات وإعادة هيكلة المنظومات التشريعية وإصلاحها وفي مقدمتها مجلة الصرف كما ترى النائبة أنه من المفروض مراجعة السياسات العمومية والقطاعية. ولاحظت أنه رغم المنشور الصادر عن وزارة المالية في علاقة بالضريبة على الاستهلاك على عين المكان إلا أن طريقة الخلاص في حاجة إلى المراجعة بسبب عدم مسك الجهاز الرقابي بزمام الأمور. وقالت الغانمي إن الموارد الجبائية جزء لا يتجزأ من تحقيق النمو الاقتصادي للبلاد ومن توفير موارد للدولة لكنها من قبيل المسكنات والحلول الوقتية وهو ما يقتضي بحث حلول أخرى لا ترتكز على الضغط الجبائي والترفيع في نسبه. وذكرت أنه لا بد من اعتماد مبدأ التداول الدوري على المسؤوليات وتساءلت عن مآل ملف المصادرة وعن سبب عدم تنظيم عملية التوريد في الحدود البرية أو في ميناء رادس بالقيام بإجراءات مبسطة تدخل إطار التوريد في المنظومة القانونية وتحمي التجار خاصة الصغار منهم. وترى الغانمي أن تكريس العدالة الاجتماعية يتطلب إرساء نظام جبائي عادل وأضافت أنه لا مناص من مراجعة الأسعار أو تجميدها والتقليص من تكاليف الخدمات البنكية والتخفيض تدريجيا من الأداء على جرايات المتقاعدين ودعت إلى التخطيط لبعث مؤسسات وطنية كبرى تدعم مداخيل الميزانية ودراسة الملفات الحارقة المتعلقة بعمال الحضائر من فئة 45 ـ 50 سنة والمرشدين التطبيقيين والإعتمادات المفوضة مع إدراج هذه المسائل صلب ميزانية 2026. وتطرقت النائبة بدورها إلى وضعية الشركات العمومية التي فقدت بريقها  ومنها الشركة التونسية للسكر بباجة وبينت أن مشروع قانون المالية تضمن فصلا لدعم شركة السكر بالتخلي عن مستحقات الدولة المتخلدة بذمتها والمتمثلة في فوائض التأخير والخطايا الجبائية وتساءلت هل أن هذا الإجراء كاف لضمان تعافي الشركة وما مصير هذه الشركة دعت الى التسريع في إنشاء المنطقة السياحية بباجة.

سعيدة بوهلال