إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رئيس الجمعية التونسية لطبّ المسنين وعلوم الشيخوخة إيهاب الغرياني لـ«الصباح»: الخرف والأمراض المرتبطة به ستكون الأكثر انتشارا لدى كبار السنّ في السنوات القادمة

في مجتمع يعيش تحوّلات ديموغرافية عميقة ويتجه نحو التهرّم، بات وضع المسنين يفرض احتياجات اجتماعية واقتصادية، والأهم احتياجات صحية وطبية وعناية شاملة تقتضي وجود إجراءات عملية كان من بينها إعلان وزارة الصحة عن بعث اختصاص «طب الشيخوخة» كاختصاص قائم بذاته في الطب بتونس.

وكان وزير الصحة مصطفى الفرجاني قد أعلن عن إدراج طب الشيخوخة ضمن التخصصات الطبية بكليات الطب، إلى جانب تنقيح الفصل 341 المتعلق بقائمة التخصصات، ووضع برنامج تكوين مدّته 5 سنوات للأطباء الشبان، وإحداث هيئة وطنية تشرف على هذا الاختصاص. وهذا القرار الذي وجد ترحيبا من الأطباء والفاعلين في القطاع الصحي والمرضى، باعتباره سيساعد على التكفل بكبار السنّ، فرضه الواقع والإحصائيات حيث تبلغ نسبة كبار السن وفق نتائج التعداد العام للسكان والسكنى الأخير 16.9 % مع توقعات أن تصل هذه النسبة إلى 18 % مع حلول سنة 2030.

وبالتوجه نحو إحداث اختصاص طب الشيخوخة، تكون تونس قد سبقت بلدانا عربية أخرى في دعم هذا الاختصاص الطبي الذي ظهر منذ بداية القرن العشرين على يد الطبيب النمساوي «إيغناتز ناشر»، عندما بدأ الاهتمام يتزايد بالأمراض المرتبطة بالتقدم في السنّ بعد عقود من الإهمال. وفي أربعينات القرن الماضي، ساهمت الطبيبة البريطانية «مارجوري وارن» في تطوير أساليب التكفل بكبار السنّ في المستشفيات. أما في تونس والعالم العربي، فلم يبدأ الحديث حوله كاختصاص يجب أن يكون مستقلا بذاته إلا في السنوات الأخيرة، رغم زيادة الأمل في الحياة وارتفاع عدد كبار السنّ في المنطقة المغاربية والعربية وحاجتهم الملحة إلى عناية خاصة.

الدكتور، المختص في طب الشيخوخة ورئيس الجمعية التونسية لطب المسنين وعلوم الشيخوخة، الذي تم انتخابه مؤخرًا، إيهاب الغرياني أكد في تصريح لـ»الصباح» أن اختصاص طب الشيخوخة ضرورة ملحة فرضها التهرم السكاني، كما تحدث عن أكثر الأمراض انتشارًا لدى المسنين والوضع الصحي لكبار السنّ في السنوات القادمة.

التهرّم السكاني وطبّ الشيخوخة

طب الشيخوخة لا يقتصر فقط على العلاج الفيزيائي أو متابعة الأمراض التي تصيب كبار السنّ، ولكن هذا الاختصاص بطابعه الشامل والمتداخل بين عدة مجالات طبية واجتماعية ونفسية، فهو لا يقتصر على معالجة الأمراض فقط، بل يهتم كذلك بتأثير التقدم في العمر على القدرات الوظيفية والحالة النفسية والاجتماعية للمسنّ، حيث إن التقدم في السنّ ترافقه تغيّرات ذهنية ونفسية وفيزيولوجية تتراجع معها قدرة الجسم على التكيف مع المحيط والتعامل معه، وتراجع القدرة على الاعتماد على الذات في تلبية الحاجيات اليومية. وهنا تكمن أهمية تكوين أطباء في هذا الاختصاص بغاية تحسين التكفل بالمسنين صحيا واجتماعيا كذلك.

وفي هذا السياق، يقول الدكتور إيهاب الغرياني حول اختصاص طب الشيخوخة: «هو ضرورة فرضها التهرّم الديمغرافي، حيث إن اليوم نسبة من هم فوق 60 عاما في حدود 17 % من المجتمع، ووفق الإحصائيات، فإنه في سنة 2052 ستسجل تونس أعلى نسبة في عدد السكان، بعدها يبدأ الانحدار نحو تهرّم السكان. واليوم، مع ارتفاع أمل الحياة والتغيرات الفيزيولوجية والتقدم في العمر، هناك خصائص طبية وعلاجية يجب أخذها بعين الاعتبار، وإعداد أطباء مختصين وماهرين ولديهم الاختصاص والتكوين أصبح ضرورة».

ويضيف الغرياني أن هناك مجتمعات سبقت تونس في بعث اختصاص طب الشيخوخة وفي الإحاطة بكبار السنّ من الناحية الطبية، وهذه الإحاطة توفّر جهدا طبيا وماليا بالنسبة للدولة.

حول الأمراض الأكثر انتشارا في تونس ولها علاقة بالشيخوخة، يقول الدكتور إيهاب الغرياني: «بالإضافة إلى الأمراض الانتكاسية والأمراض التي لها علاقة بضغط الدم والسكري، سيكون هناك في السنوات القادمة انتشار كبير لمرض الخرف والأمراض القريبة منه مثل الزهايمر، وذلك وفق توقعات واستشرافات ودراسات أعدتها منظمة الصحة العالمية، وأكدت أن من أكثر البلدان التي ستشهد انتشارا لهذه الأمراض ستكون البلدان المغاربية في شمال إفريقيا وبلدان الشرق الأوسط، هذا طبعا إلى جانب الأمراض المألوفة مثل أمراض المفاصل والجلطات الدماغية. ونحن من موقعنا كجمعية علمية سنحاول دائما المساعدة في وضع خطط عمل ودعم اختصاص طب الشيخوخة».

وكانت تونس قد احتضنت في أواخر سبتمبر الماضي المنتدى المتوسطي التاسع عشر لطب الشيخوخة بمدينة سوسة، بتنظيم من كلية الطب بسوسة والمستشفى الجامعي بسهلول، من أجل تسليط الأضواء على طب الشيخوخة في تونس وفي البحر المتوسط في ظل ظاهرة التهرّم السكاني وما يتطلبه ذلك من توفير إحاطة نفسية واجتماعية وطبية لكبار السن في دول البحر المتوسط ومن ضمنها تونس.

جملة من المحاور

وناقش المنتدى جملة من المحاور العلمية والتقنية والطبية في علاقة بطب الشيخوخة في خطوة لمزيد الاطلاع على أحدث التجارب المبتكرة وطرق الوقاية والعلاج من أمراض الشيخوخة. ومن بين المحاور التي طرحت للنقاش في المنتدى تناول مسألة الطب البديل لكبار السن وهشاشة الأشخاص المتقدمين في العمر، إلى جانب دراسة إمكانية إدخال الذكاء الاصطناعي في طب الشيخوخة.

وبما أن الشيخوخة مرحلة حتمية في العمر، فإن هناك دائما توصيات ونصائح طبية تساعد على شيخوخة مريحة إلى حدّ ما وخالية من الأمراض التي قد تؤثر على نمط الحياة وتصيب المريض بالعجز التام. ومن تلك التوصيات ضرورة إتباع نظام غذائي صحي، وتجنّب التدخين والكحول، وممارسة الرياضة، إلى جانب ممارسة النشاطات الذهنية التي تبقي الذهن متحفزا وتقلل من خطورة بعض الأمراض مثل الخرف.

ومع وضع إطار طبي للتعامل مع كبار السنّ في تونس والإحاطة بهم صحيا من خلال اختصاص طب الشيخوخة، فإن الأمر يتطلب إعداد إستراتيجية وطنية شاملة للعناية بهم اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا، باعتبار أن تكاليف أمراض الشيخوخة مرتفعة، كما أنه لا بدّ من توفر كفاءات شبه طبية للإحاطة بالمسنين، خاصة أن هذه الإحاطة اليوم، وبالنظر إلى ارتفاع كلفتها، يحرم منها عدد كبير من المسنين الذين يعيشون وضعيات اجتماعية صعبة، وبعضهم تم حتى التخلي عنه من طرف عائلاتهم. مع تعطّل خطة بعث «مندوب حماية كبار السنّ» التي أعلنت عنها وزارة المرأة في وقت سابق، إلا أنه إلى اليوم لم يتم إقرار هذه الخطة التي يمكن أن تساعد كثيرا في الإحاطة بكبار السنّ.

منية العرفاوي

رئيس الجمعية التونسية لطبّ المسنين وعلوم الشيخوخة إيهاب الغرياني لـ«الصباح»:  الخرف والأمراض المرتبطة به ستكون الأكثر انتشارا لدى كبار السنّ في السنوات القادمة

في مجتمع يعيش تحوّلات ديموغرافية عميقة ويتجه نحو التهرّم، بات وضع المسنين يفرض احتياجات اجتماعية واقتصادية، والأهم احتياجات صحية وطبية وعناية شاملة تقتضي وجود إجراءات عملية كان من بينها إعلان وزارة الصحة عن بعث اختصاص «طب الشيخوخة» كاختصاص قائم بذاته في الطب بتونس.

وكان وزير الصحة مصطفى الفرجاني قد أعلن عن إدراج طب الشيخوخة ضمن التخصصات الطبية بكليات الطب، إلى جانب تنقيح الفصل 341 المتعلق بقائمة التخصصات، ووضع برنامج تكوين مدّته 5 سنوات للأطباء الشبان، وإحداث هيئة وطنية تشرف على هذا الاختصاص. وهذا القرار الذي وجد ترحيبا من الأطباء والفاعلين في القطاع الصحي والمرضى، باعتباره سيساعد على التكفل بكبار السنّ، فرضه الواقع والإحصائيات حيث تبلغ نسبة كبار السن وفق نتائج التعداد العام للسكان والسكنى الأخير 16.9 % مع توقعات أن تصل هذه النسبة إلى 18 % مع حلول سنة 2030.

وبالتوجه نحو إحداث اختصاص طب الشيخوخة، تكون تونس قد سبقت بلدانا عربية أخرى في دعم هذا الاختصاص الطبي الذي ظهر منذ بداية القرن العشرين على يد الطبيب النمساوي «إيغناتز ناشر»، عندما بدأ الاهتمام يتزايد بالأمراض المرتبطة بالتقدم في السنّ بعد عقود من الإهمال. وفي أربعينات القرن الماضي، ساهمت الطبيبة البريطانية «مارجوري وارن» في تطوير أساليب التكفل بكبار السنّ في المستشفيات. أما في تونس والعالم العربي، فلم يبدأ الحديث حوله كاختصاص يجب أن يكون مستقلا بذاته إلا في السنوات الأخيرة، رغم زيادة الأمل في الحياة وارتفاع عدد كبار السنّ في المنطقة المغاربية والعربية وحاجتهم الملحة إلى عناية خاصة.

الدكتور، المختص في طب الشيخوخة ورئيس الجمعية التونسية لطب المسنين وعلوم الشيخوخة، الذي تم انتخابه مؤخرًا، إيهاب الغرياني أكد في تصريح لـ»الصباح» أن اختصاص طب الشيخوخة ضرورة ملحة فرضها التهرم السكاني، كما تحدث عن أكثر الأمراض انتشارًا لدى المسنين والوضع الصحي لكبار السنّ في السنوات القادمة.

التهرّم السكاني وطبّ الشيخوخة

طب الشيخوخة لا يقتصر فقط على العلاج الفيزيائي أو متابعة الأمراض التي تصيب كبار السنّ، ولكن هذا الاختصاص بطابعه الشامل والمتداخل بين عدة مجالات طبية واجتماعية ونفسية، فهو لا يقتصر على معالجة الأمراض فقط، بل يهتم كذلك بتأثير التقدم في العمر على القدرات الوظيفية والحالة النفسية والاجتماعية للمسنّ، حيث إن التقدم في السنّ ترافقه تغيّرات ذهنية ونفسية وفيزيولوجية تتراجع معها قدرة الجسم على التكيف مع المحيط والتعامل معه، وتراجع القدرة على الاعتماد على الذات في تلبية الحاجيات اليومية. وهنا تكمن أهمية تكوين أطباء في هذا الاختصاص بغاية تحسين التكفل بالمسنين صحيا واجتماعيا كذلك.

وفي هذا السياق، يقول الدكتور إيهاب الغرياني حول اختصاص طب الشيخوخة: «هو ضرورة فرضها التهرّم الديمغرافي، حيث إن اليوم نسبة من هم فوق 60 عاما في حدود 17 % من المجتمع، ووفق الإحصائيات، فإنه في سنة 2052 ستسجل تونس أعلى نسبة في عدد السكان، بعدها يبدأ الانحدار نحو تهرّم السكان. واليوم، مع ارتفاع أمل الحياة والتغيرات الفيزيولوجية والتقدم في العمر، هناك خصائص طبية وعلاجية يجب أخذها بعين الاعتبار، وإعداد أطباء مختصين وماهرين ولديهم الاختصاص والتكوين أصبح ضرورة».

ويضيف الغرياني أن هناك مجتمعات سبقت تونس في بعث اختصاص طب الشيخوخة وفي الإحاطة بكبار السنّ من الناحية الطبية، وهذه الإحاطة توفّر جهدا طبيا وماليا بالنسبة للدولة.

حول الأمراض الأكثر انتشارا في تونس ولها علاقة بالشيخوخة، يقول الدكتور إيهاب الغرياني: «بالإضافة إلى الأمراض الانتكاسية والأمراض التي لها علاقة بضغط الدم والسكري، سيكون هناك في السنوات القادمة انتشار كبير لمرض الخرف والأمراض القريبة منه مثل الزهايمر، وذلك وفق توقعات واستشرافات ودراسات أعدتها منظمة الصحة العالمية، وأكدت أن من أكثر البلدان التي ستشهد انتشارا لهذه الأمراض ستكون البلدان المغاربية في شمال إفريقيا وبلدان الشرق الأوسط، هذا طبعا إلى جانب الأمراض المألوفة مثل أمراض المفاصل والجلطات الدماغية. ونحن من موقعنا كجمعية علمية سنحاول دائما المساعدة في وضع خطط عمل ودعم اختصاص طب الشيخوخة».

وكانت تونس قد احتضنت في أواخر سبتمبر الماضي المنتدى المتوسطي التاسع عشر لطب الشيخوخة بمدينة سوسة، بتنظيم من كلية الطب بسوسة والمستشفى الجامعي بسهلول، من أجل تسليط الأضواء على طب الشيخوخة في تونس وفي البحر المتوسط في ظل ظاهرة التهرّم السكاني وما يتطلبه ذلك من توفير إحاطة نفسية واجتماعية وطبية لكبار السن في دول البحر المتوسط ومن ضمنها تونس.

جملة من المحاور

وناقش المنتدى جملة من المحاور العلمية والتقنية والطبية في علاقة بطب الشيخوخة في خطوة لمزيد الاطلاع على أحدث التجارب المبتكرة وطرق الوقاية والعلاج من أمراض الشيخوخة. ومن بين المحاور التي طرحت للنقاش في المنتدى تناول مسألة الطب البديل لكبار السن وهشاشة الأشخاص المتقدمين في العمر، إلى جانب دراسة إمكانية إدخال الذكاء الاصطناعي في طب الشيخوخة.

وبما أن الشيخوخة مرحلة حتمية في العمر، فإن هناك دائما توصيات ونصائح طبية تساعد على شيخوخة مريحة إلى حدّ ما وخالية من الأمراض التي قد تؤثر على نمط الحياة وتصيب المريض بالعجز التام. ومن تلك التوصيات ضرورة إتباع نظام غذائي صحي، وتجنّب التدخين والكحول، وممارسة الرياضة، إلى جانب ممارسة النشاطات الذهنية التي تبقي الذهن متحفزا وتقلل من خطورة بعض الأمراض مثل الخرف.

ومع وضع إطار طبي للتعامل مع كبار السنّ في تونس والإحاطة بهم صحيا من خلال اختصاص طب الشيخوخة، فإن الأمر يتطلب إعداد إستراتيجية وطنية شاملة للعناية بهم اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا، باعتبار أن تكاليف أمراض الشيخوخة مرتفعة، كما أنه لا بدّ من توفر كفاءات شبه طبية للإحاطة بالمسنين، خاصة أن هذه الإحاطة اليوم، وبالنظر إلى ارتفاع كلفتها، يحرم منها عدد كبير من المسنين الذين يعيشون وضعيات اجتماعية صعبة، وبعضهم تم حتى التخلي عنه من طرف عائلاتهم. مع تعطّل خطة بعث «مندوب حماية كبار السنّ» التي أعلنت عنها وزارة المرأة في وقت سابق، إلا أنه إلى اليوم لم يتم إقرار هذه الخطة التي يمكن أن تساعد كثيرا في الإحاطة بكبار السنّ.

منية العرفاوي