إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نمو بـ7.1 % في الإيرادات سنة 2026 .. الموارد الذاتية تموّل ثلثي الميزانية و100 مليون دينار لهيكلة المؤسسات العمومية

- نمو منتظر بـ3.3 % للناتج المحلي وتحديد سعر النفط عند 63 دولاراً

- آفاق 2026.. نحو مالية عمومية أكثر صلابة واستقلالية

كشفت أحدث المعطيات الصادرة عن وزارة المالية ضمن وثيقة مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026، أمس، عن تحسن لافت في الموارد الذاتية والمداخيل الجبائية، ما يعكس تطورا إيجابيا في الوضعية المالية العامة وتقدما في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.

وتتوقع وزارة المالية أن تسجل مداخيل ميزانية الدولة لسنة 2025 زيادة بنسبة 4.4 بالمائة مقارنة بنتائج سنة 2024، لتبلغ 49090 مليون دينار، مقابل تقديرات أولية بـ 50028 مليون دينار.

وتُعزى هذه الزيادة أساسا إلى تحسّن المداخيل الجبائية، التي يُنتظر أن ترتفع بنسبة 6.6 بالمائة لتصل إلى 44523 مليون دينار، نتيجة تطور الأداءات المباشرة وغير المباشرة وتحسن مردودية الاستخلاص.

وفي المقابل، ستبلغ المداخيل غير الجبائية نحو 4217 مليون دينار، مقابل 4632 مليون دينار في 2024، بتراجع طفيف قدره 15 مليون دينار. كما يُنتظر أن يتقلّص عجز الميزانية دون الهبات والمصادرة إلى حوالي 9641 مليون دينار، مقابل 10150 مليون دينار مقدّرة في قانون المالية الأصلي لسنة 2025.

ويقدَّر حجم ميزانية الدولة لسنة 2025 بـ 76632 مليون دينار، مقابل 78231 مليون دينار مقدّرة في قانون المالية، على أن يُموَّل هذا الحجم بموارد ذاتية في حدود 49090 مليون دينار، إضافة إلى موارد اقتراض وخزينة صافية تناهز 27,542 مليون دينار.

 قفزة متوقعة في الموارد الذاتية سنة 2026

وفقاً لتقديرات وزارة المالية، يُنتظر أن تعرف مداخيل ميزانية الدولة لسنة 2026 ارتفاعا بنسبة 7.1 بالمائة مقارنة بنتائج سنة 2025، لتبلغ نحو 52560 مليون دينار، أي بزيادة قدرها 3470 مليون دينار. وستتوزّع هذه المداخيل بين مداخيل جبائية في حدود 47773 مليون دينار (تمثل 90.9 بالمائة من إجمالي المداخيل)، ومداخيل غير جبائية بـ 4437 مليون دينار (8.4 بالمائة)، إلى جانب هبات في حدود 350 مليون دينار (0.7 بالمائة).

وتشير الوثيقة إلى أن الموارد الذاتية ستشكل حوالي 66 بالمائة من جملة موارد الدولة سنة 2026، وهو ما يعكس توجها واضحا نحو تعزيز الاعتماد على الموارد الداخلية وتقليص الحاجة إلى الاقتراض. 

الإصلاحات الهيكلية تدعم الاستدامة المالية 

بالموازاة مع هذا التحسن في الإيرادات، تواصل الدولة تنفيذ إصلاحات هيكلية تستهدف تطوير المنظومة المالية والإدارية، بما يضمن استدامة النتائج الإيجابية المسجّلة.

وتشمل هذه الإصلاحات إعادة هيكلة المؤسسات العمومية، حيث تم رصد اعتمادات تُقدّر بنحو 100 مليون دينار لسنة 2026 لتأهيل هذه المؤسسات وتحسين مردوديتها وتقليص الضغط على المالية العمومية. كما تتواصل الجهود الرامية إلى تبسيط الإجراءات الجبائية وتوسيع قاعدة الأداء، من خلال إدماج الرقمنة في التحصيل وتكثيف محاربة التهرب الضريبي.

وتعمل الدولة بالتوازي على تعزيز الحوكمة والرقابة العمومية من أجل ترشيد الإنفاق وتحسين الشفافية المالية، إلى جانب تحسين مناخ الاستثمار وتشجيع المؤسسات الصغرى والمتوسطة عبر حوافز وإجراءات تشريعية وإدارية تُمكّن من توسيع القاعدة الجبائية ورفع نسق النمو الاقتصادي.

فرضيات اقتصادية مستقرة

تدعم التحسن المالي

تستند تقديرات مشروع ميزانية 2026 إلى مجموعة من الفرضيات الواقعية التي تأخذ في الاعتبار السياقين الوطني والدولي، ومن أبرزها تسجيل نسبة نمو للناتج المحلي الإجمالي بنحو 3.3 بالمائة، واستقرار سعر برميل النفط (نوع برنت) عند حدود 63.3 دولاراً، إلى جانب استقرار سعر صرف الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية وتحسّن نسق الواردات بنسبة 4 بالمائة.

وتؤكد وزارة المالية أن هذه المؤشرات تهيئ مناخا ملائما لتحقيق توازن مالي أفضل، وتدعم فرص التحكم في العجز والدين العمومي، مع المحافظة على نسق نمو اقتصادي إيجابي.

آفاق واعدة لعام 2026

 استنادا إلى هذه المؤشرات، تبدو آفاق المالية العمومية في تونس خلال سنة 2026 إيجابية ومشجّعة، إذ يتوقّع أن تواصل الإيرادات ارتفاعها بدعم من تطوّر الأداء الجبائي وتحسن مردودية المؤسسات العمومية والإصلاحات الجارية. كما أن ارتفاع نسبة الموارد الذاتية إلى ثلثي موارد الدولة يعزز مناعة الاقتصاد الوطني ويقلص من الاعتماد على التمويل الخارجي.

إلى جانب ذلك، يُشير التقرير إلى أن المداخيل غير الجبائية لسنة 2025 من المنتظر أن تبلغ نحو 4217 مليون دينار، مقابل 4632 مليون دينار في 2024. ويُقدَّر أن العجز في ميزانية الدولة دون احتساب الهبات والمصادرات سيبلغ 9641 مليون دينار مقابل تقدير أولي بـ 10150 مليون دينار في قانون المالية الأصلي لسنة 2025. ويُقدّر حجم ميزانية الدولة لسنة 2025 بنحو 76632 مليون دينار مقابل تقدير أولي بـ 78231 مليون دينار، ويموّل هذا الجزء بموارد ذاتية تقدر بـ 49090 مليون دينار وبموارد اقتراض وخزينة صافية بنحو 27542 مليون دينار.

كما أن التوقعات لسنة 2026 تقوم على فرضيات منها نمو الناتج المحلّي الإجمالي بالأسعار الثابتة بـ 3.3 %، واستقرار سعر برميل النفط (برنت) عند نحو 63.7 دولار، واستقرار سعر صرف الدينار التونسي أمام العملات الرئيسة، وتحسّن واردات السلع بزيادة نسبتها 4 %.

ما وراء الأرقام

إن هذا الارتفاع في المداخيل الجبائية والموارد الذاتية يعكس عدّة دلالات إيجابية. أولاً، يؤشّر إلى تحسّن في أداء الإدارة الجبائية، سواء من خلال تفعيل التدابير المرتبطة بالأداءات المباشرة أو غير المباشرة. ثانيا، يعكس تزايد قدرة الدولة على تعبئة مواردها الداخلية، وهو ما يقلّل من الاعتماد الحاد على الإقراض أو الهبات الخارجية. ثالثا، إن نسبة الموارد الذاتية التي تبلغ 66 % لعام 2026 تشكّل علامة على تحول نحو مالية عامة أكثر استدامة، حيث تُسهم الإيرادات الداخلية المستديمة في تعزيز استقلالية الدولة ماليّا.

من جهة أخرى، الانخفاض المسجّل في المداخيل غير الجبائية في 2025 يُشير إلى ضرورة معالجة بعض القطاعات غير الجبائية وتنويع مصادر الإيرادات، أو تحسين الأداء فيها لتفادي الانزلاق في الأعوام المقبلة. كذلك، العجز المتوقع بقدر 9641 مليون دينار رغم التقدّم يُذكّر بأن الطريق لا يزال محفوفا بالتحديات، ومن ضمنها ميزانية الإنفاق والتمويل وضبط الدين العام.

الإصلاحات الهيكلية... العمود الفقري للتدعيم

إلى جانب ما سبق، تمضي الدولة بخطى ثابتة في تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية التي تستهدف تطوير الهياكل المالية والإدارية وتعزيز قدرتها على تحقيق نمو مستدام، إذ تُعدّ هذه الإصلاحات العمود الفقري لترسيخ المكاسب الحالية وتوسيعها في السنوات المقبلة. وتشمل هذه الجهود في المقام الأول إصلاح الإدارة الجبائية عبر تبسيط الإجراءات وتقريب الخدمات من المواطنين، واعتماد التقنيات الرقمية في عمليات التحصيل بما يرفع من النجاعة ويحدّ من التهرّب الضريبي، الأمر الذي يساهم في زيادة المردودية وتحسين أداء الجباية المباشرة وغير المباشرة. كما تعمل الدولة على إعادة هيكلة المؤسسات العمومية من خلال رصد اعتمادات تناهز 100 مليون دينار خلال سنة 2026، في إطار خطة شاملة تهدف إلى تعزيز كفاءة هذه المؤسسات وتخفيف الأعباء المالية عنها وتحسين مردودها الاقتصادي والاجتماعي.

وفي السياق نفسه، يجري العمل على تعزيز الرقابة العمومية والحوكمة من أجل تقليص الكلفة المالية للقطاعات غير المنتجة، وضمان مزيد من الشفافية في إدارة المال العام، بما يعزز ثقة المستثمرين والمواطنين في السياسات العمومية. إلى جانب ذلك، تولي الدولة اهتماما كبيرا بـتحسين البيئة الاستثمارية وتنمية قطاع المؤسسات الصغرى والمتوسطة عبر توفير حوافز جبائية وتبسيط الإجراءات الإدارية، وهو ما من شأنه دعم النمو الاقتصادي وتوسيع قاعدة الخاضعين للضرائب، وبالتالي زيادة الموارد الذاتية للدولة. كما تسعى الحكومة إلى تسريع التحول نحو الإدارة الرقمية والاقتصاد الأخضر من خلال دمج التكنولوجيا والابتكار في منظومة الإصلاح الاقتصادي، الأمر الذي يفتح آفاقا جديدة للإيرادات المتوسطة والطويلة المدى، ويزيد من قدرة الاقتصاد الوطني على الاستيعاب والتكيّف مع التحولات العالمية.

إنّ هذه الإصلاحات، على تنوعها وترابطها، باتت تمثل اليوم ركيزة أساسية لضمان استدامة التحسّن المالي وتحويل الانتعاشة الحالية إلى مسار دائم يعزز صلابة الاقتصاد الوطني ويؤسس لمرحلة جديدة من النجاعة والحوكمة الرشيدة.

آفاق 2026.. لماذا نترقّب نتائج جيدة؟

في ضوء الأرقام والتحليلات، تبدو آفاق سنة 2026 واعدة لعدة أسباب، أولا، بزيادة متوقعة في مداخيل الميزانية تصل إلى نحو 52560 مليون دينار (+7.1 %)، فإن الدولة تدخل العام وهي في تحسن تصاعدي، ما يمنح هامشا أكبر لإدارة الإنفاق وتهيئة الظروف الاقتصادية. ثانيا، نسبة الموارد الذاتية المرتفعة (66 %) تمنح الدولة مرونة أكبر، وتُقلّل من هشاشة الاعتماد على التمويل الخارجي أو الاقتراض من الخزينة. ثالثا، الإصلاحات الهيكلية المستمرة — من إعادة هيكلة المؤسسات العمومية إلى تحديث الإدارة الجبائية — تؤسس لقاعدة صلبة يُبنى عليها نمو صلب، وليس مجرد انتعاش قصير المدى. رابعا، الفرضيات الاقتصادية لسنة 2026 (نمو 3.3 % للناتج المحلي الإجمالي، استقرار سعر النفط وسعر الصرف) تعكس بيئة مواتية نسبيا، ما يسهّل المهمة على الحكومة لإدارة نفقاتها بأريحية .

بالإضافة إلى ذلك، تحسّن نسب الدين العام إلى الناتج المحلي — بحسب التقرير الحديث — يُعبّر عن تحرك نحو استقرار مالي أكبر. وبفضل هذه المؤشرات، يمكن التوقع بأن الدولة ستتمكّن من توجيه جزء من الفائض المُركّز إلى الاستثمار وتنمية البُنى التحتية، ما يعزّز النمو ويولّد مردودا إضافيا في الإيرادات مستقبلا.

في المجمل، تمثل الأرقام المقدّمة من وزارة المالية والبرامج  المتضمنة الإصلاحات الهيكلية، دفعة إيجابية نحو إعادة بناء المالية العمومية في تونس. فارتفاع المداخيل الجبائية والموارد الذاتية، مع تحسّن نسبي في المؤشرات الاقتصادية، يضعان الدولة في موقع أقوى لمواجهة التحديات المالية. ومع تخصيص اعتماد بقرابة 100 مليون دينار لإعادة هيكلة المؤسسات العمومية، يظهر جليّا أن الدولة لا تعول فقط على النتائج القصيرة المدى، بل على تعزيز الأسس والهيكليات التي تدعم النمو والاستقرار على المدى المتوسط.

وعليه، وبالنظر إلى المعطيات والظروف المحيطة، فإن آفاق سنة 2026 تبدو بالفعل إيجابية، فمن المتوقع أن تستفيد الدولة من الزخم المسجّل في 2025 لتترجم تعهّداتها الإصلاحية إلى نتائج ملموسة، وأن تُسجّل نمواً أكثر استدامة، وإنشاء قاعدة صلبة لرفاهية اقتصادية متنامية، ليكون عام 2026 علامة فارقة في مسار المالية العمومية والتنمّية الوطنية.

سفيان المهداوي

نمو بـ7.1 % في الإيرادات سنة 2026 ..   الموارد الذاتية تموّل ثلثي الميزانية و100 مليون دينار لهيكلة المؤسسات العمومية

- نمو منتظر بـ3.3 % للناتج المحلي وتحديد سعر النفط عند 63 دولاراً

- آفاق 2026.. نحو مالية عمومية أكثر صلابة واستقلالية

كشفت أحدث المعطيات الصادرة عن وزارة المالية ضمن وثيقة مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026، أمس، عن تحسن لافت في الموارد الذاتية والمداخيل الجبائية، ما يعكس تطورا إيجابيا في الوضعية المالية العامة وتقدما في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.

وتتوقع وزارة المالية أن تسجل مداخيل ميزانية الدولة لسنة 2025 زيادة بنسبة 4.4 بالمائة مقارنة بنتائج سنة 2024، لتبلغ 49090 مليون دينار، مقابل تقديرات أولية بـ 50028 مليون دينار.

وتُعزى هذه الزيادة أساسا إلى تحسّن المداخيل الجبائية، التي يُنتظر أن ترتفع بنسبة 6.6 بالمائة لتصل إلى 44523 مليون دينار، نتيجة تطور الأداءات المباشرة وغير المباشرة وتحسن مردودية الاستخلاص.

وفي المقابل، ستبلغ المداخيل غير الجبائية نحو 4217 مليون دينار، مقابل 4632 مليون دينار في 2024، بتراجع طفيف قدره 15 مليون دينار. كما يُنتظر أن يتقلّص عجز الميزانية دون الهبات والمصادرة إلى حوالي 9641 مليون دينار، مقابل 10150 مليون دينار مقدّرة في قانون المالية الأصلي لسنة 2025.

ويقدَّر حجم ميزانية الدولة لسنة 2025 بـ 76632 مليون دينار، مقابل 78231 مليون دينار مقدّرة في قانون المالية، على أن يُموَّل هذا الحجم بموارد ذاتية في حدود 49090 مليون دينار، إضافة إلى موارد اقتراض وخزينة صافية تناهز 27,542 مليون دينار.

 قفزة متوقعة في الموارد الذاتية سنة 2026

وفقاً لتقديرات وزارة المالية، يُنتظر أن تعرف مداخيل ميزانية الدولة لسنة 2026 ارتفاعا بنسبة 7.1 بالمائة مقارنة بنتائج سنة 2025، لتبلغ نحو 52560 مليون دينار، أي بزيادة قدرها 3470 مليون دينار. وستتوزّع هذه المداخيل بين مداخيل جبائية في حدود 47773 مليون دينار (تمثل 90.9 بالمائة من إجمالي المداخيل)، ومداخيل غير جبائية بـ 4437 مليون دينار (8.4 بالمائة)، إلى جانب هبات في حدود 350 مليون دينار (0.7 بالمائة).

وتشير الوثيقة إلى أن الموارد الذاتية ستشكل حوالي 66 بالمائة من جملة موارد الدولة سنة 2026، وهو ما يعكس توجها واضحا نحو تعزيز الاعتماد على الموارد الداخلية وتقليص الحاجة إلى الاقتراض. 

الإصلاحات الهيكلية تدعم الاستدامة المالية 

بالموازاة مع هذا التحسن في الإيرادات، تواصل الدولة تنفيذ إصلاحات هيكلية تستهدف تطوير المنظومة المالية والإدارية، بما يضمن استدامة النتائج الإيجابية المسجّلة.

وتشمل هذه الإصلاحات إعادة هيكلة المؤسسات العمومية، حيث تم رصد اعتمادات تُقدّر بنحو 100 مليون دينار لسنة 2026 لتأهيل هذه المؤسسات وتحسين مردوديتها وتقليص الضغط على المالية العمومية. كما تتواصل الجهود الرامية إلى تبسيط الإجراءات الجبائية وتوسيع قاعدة الأداء، من خلال إدماج الرقمنة في التحصيل وتكثيف محاربة التهرب الضريبي.

وتعمل الدولة بالتوازي على تعزيز الحوكمة والرقابة العمومية من أجل ترشيد الإنفاق وتحسين الشفافية المالية، إلى جانب تحسين مناخ الاستثمار وتشجيع المؤسسات الصغرى والمتوسطة عبر حوافز وإجراءات تشريعية وإدارية تُمكّن من توسيع القاعدة الجبائية ورفع نسق النمو الاقتصادي.

فرضيات اقتصادية مستقرة

تدعم التحسن المالي

تستند تقديرات مشروع ميزانية 2026 إلى مجموعة من الفرضيات الواقعية التي تأخذ في الاعتبار السياقين الوطني والدولي، ومن أبرزها تسجيل نسبة نمو للناتج المحلي الإجمالي بنحو 3.3 بالمائة، واستقرار سعر برميل النفط (نوع برنت) عند حدود 63.3 دولاراً، إلى جانب استقرار سعر صرف الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية وتحسّن نسق الواردات بنسبة 4 بالمائة.

وتؤكد وزارة المالية أن هذه المؤشرات تهيئ مناخا ملائما لتحقيق توازن مالي أفضل، وتدعم فرص التحكم في العجز والدين العمومي، مع المحافظة على نسق نمو اقتصادي إيجابي.

آفاق واعدة لعام 2026

 استنادا إلى هذه المؤشرات، تبدو آفاق المالية العمومية في تونس خلال سنة 2026 إيجابية ومشجّعة، إذ يتوقّع أن تواصل الإيرادات ارتفاعها بدعم من تطوّر الأداء الجبائي وتحسن مردودية المؤسسات العمومية والإصلاحات الجارية. كما أن ارتفاع نسبة الموارد الذاتية إلى ثلثي موارد الدولة يعزز مناعة الاقتصاد الوطني ويقلص من الاعتماد على التمويل الخارجي.

إلى جانب ذلك، يُشير التقرير إلى أن المداخيل غير الجبائية لسنة 2025 من المنتظر أن تبلغ نحو 4217 مليون دينار، مقابل 4632 مليون دينار في 2024. ويُقدَّر أن العجز في ميزانية الدولة دون احتساب الهبات والمصادرات سيبلغ 9641 مليون دينار مقابل تقدير أولي بـ 10150 مليون دينار في قانون المالية الأصلي لسنة 2025. ويُقدّر حجم ميزانية الدولة لسنة 2025 بنحو 76632 مليون دينار مقابل تقدير أولي بـ 78231 مليون دينار، ويموّل هذا الجزء بموارد ذاتية تقدر بـ 49090 مليون دينار وبموارد اقتراض وخزينة صافية بنحو 27542 مليون دينار.

كما أن التوقعات لسنة 2026 تقوم على فرضيات منها نمو الناتج المحلّي الإجمالي بالأسعار الثابتة بـ 3.3 %، واستقرار سعر برميل النفط (برنت) عند نحو 63.7 دولار، واستقرار سعر صرف الدينار التونسي أمام العملات الرئيسة، وتحسّن واردات السلع بزيادة نسبتها 4 %.

ما وراء الأرقام

إن هذا الارتفاع في المداخيل الجبائية والموارد الذاتية يعكس عدّة دلالات إيجابية. أولاً، يؤشّر إلى تحسّن في أداء الإدارة الجبائية، سواء من خلال تفعيل التدابير المرتبطة بالأداءات المباشرة أو غير المباشرة. ثانيا، يعكس تزايد قدرة الدولة على تعبئة مواردها الداخلية، وهو ما يقلّل من الاعتماد الحاد على الإقراض أو الهبات الخارجية. ثالثا، إن نسبة الموارد الذاتية التي تبلغ 66 % لعام 2026 تشكّل علامة على تحول نحو مالية عامة أكثر استدامة، حيث تُسهم الإيرادات الداخلية المستديمة في تعزيز استقلالية الدولة ماليّا.

من جهة أخرى، الانخفاض المسجّل في المداخيل غير الجبائية في 2025 يُشير إلى ضرورة معالجة بعض القطاعات غير الجبائية وتنويع مصادر الإيرادات، أو تحسين الأداء فيها لتفادي الانزلاق في الأعوام المقبلة. كذلك، العجز المتوقع بقدر 9641 مليون دينار رغم التقدّم يُذكّر بأن الطريق لا يزال محفوفا بالتحديات، ومن ضمنها ميزانية الإنفاق والتمويل وضبط الدين العام.

الإصلاحات الهيكلية... العمود الفقري للتدعيم

إلى جانب ما سبق، تمضي الدولة بخطى ثابتة في تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية التي تستهدف تطوير الهياكل المالية والإدارية وتعزيز قدرتها على تحقيق نمو مستدام، إذ تُعدّ هذه الإصلاحات العمود الفقري لترسيخ المكاسب الحالية وتوسيعها في السنوات المقبلة. وتشمل هذه الجهود في المقام الأول إصلاح الإدارة الجبائية عبر تبسيط الإجراءات وتقريب الخدمات من المواطنين، واعتماد التقنيات الرقمية في عمليات التحصيل بما يرفع من النجاعة ويحدّ من التهرّب الضريبي، الأمر الذي يساهم في زيادة المردودية وتحسين أداء الجباية المباشرة وغير المباشرة. كما تعمل الدولة على إعادة هيكلة المؤسسات العمومية من خلال رصد اعتمادات تناهز 100 مليون دينار خلال سنة 2026، في إطار خطة شاملة تهدف إلى تعزيز كفاءة هذه المؤسسات وتخفيف الأعباء المالية عنها وتحسين مردودها الاقتصادي والاجتماعي.

وفي السياق نفسه، يجري العمل على تعزيز الرقابة العمومية والحوكمة من أجل تقليص الكلفة المالية للقطاعات غير المنتجة، وضمان مزيد من الشفافية في إدارة المال العام، بما يعزز ثقة المستثمرين والمواطنين في السياسات العمومية. إلى جانب ذلك، تولي الدولة اهتماما كبيرا بـتحسين البيئة الاستثمارية وتنمية قطاع المؤسسات الصغرى والمتوسطة عبر توفير حوافز جبائية وتبسيط الإجراءات الإدارية، وهو ما من شأنه دعم النمو الاقتصادي وتوسيع قاعدة الخاضعين للضرائب، وبالتالي زيادة الموارد الذاتية للدولة. كما تسعى الحكومة إلى تسريع التحول نحو الإدارة الرقمية والاقتصاد الأخضر من خلال دمج التكنولوجيا والابتكار في منظومة الإصلاح الاقتصادي، الأمر الذي يفتح آفاقا جديدة للإيرادات المتوسطة والطويلة المدى، ويزيد من قدرة الاقتصاد الوطني على الاستيعاب والتكيّف مع التحولات العالمية.

إنّ هذه الإصلاحات، على تنوعها وترابطها، باتت تمثل اليوم ركيزة أساسية لضمان استدامة التحسّن المالي وتحويل الانتعاشة الحالية إلى مسار دائم يعزز صلابة الاقتصاد الوطني ويؤسس لمرحلة جديدة من النجاعة والحوكمة الرشيدة.

آفاق 2026.. لماذا نترقّب نتائج جيدة؟

في ضوء الأرقام والتحليلات، تبدو آفاق سنة 2026 واعدة لعدة أسباب، أولا، بزيادة متوقعة في مداخيل الميزانية تصل إلى نحو 52560 مليون دينار (+7.1 %)، فإن الدولة تدخل العام وهي في تحسن تصاعدي، ما يمنح هامشا أكبر لإدارة الإنفاق وتهيئة الظروف الاقتصادية. ثانيا، نسبة الموارد الذاتية المرتفعة (66 %) تمنح الدولة مرونة أكبر، وتُقلّل من هشاشة الاعتماد على التمويل الخارجي أو الاقتراض من الخزينة. ثالثا، الإصلاحات الهيكلية المستمرة — من إعادة هيكلة المؤسسات العمومية إلى تحديث الإدارة الجبائية — تؤسس لقاعدة صلبة يُبنى عليها نمو صلب، وليس مجرد انتعاش قصير المدى. رابعا، الفرضيات الاقتصادية لسنة 2026 (نمو 3.3 % للناتج المحلي الإجمالي، استقرار سعر النفط وسعر الصرف) تعكس بيئة مواتية نسبيا، ما يسهّل المهمة على الحكومة لإدارة نفقاتها بأريحية .

بالإضافة إلى ذلك، تحسّن نسب الدين العام إلى الناتج المحلي — بحسب التقرير الحديث — يُعبّر عن تحرك نحو استقرار مالي أكبر. وبفضل هذه المؤشرات، يمكن التوقع بأن الدولة ستتمكّن من توجيه جزء من الفائض المُركّز إلى الاستثمار وتنمية البُنى التحتية، ما يعزّز النمو ويولّد مردودا إضافيا في الإيرادات مستقبلا.

في المجمل، تمثل الأرقام المقدّمة من وزارة المالية والبرامج  المتضمنة الإصلاحات الهيكلية، دفعة إيجابية نحو إعادة بناء المالية العمومية في تونس. فارتفاع المداخيل الجبائية والموارد الذاتية، مع تحسّن نسبي في المؤشرات الاقتصادية، يضعان الدولة في موقع أقوى لمواجهة التحديات المالية. ومع تخصيص اعتماد بقرابة 100 مليون دينار لإعادة هيكلة المؤسسات العمومية، يظهر جليّا أن الدولة لا تعول فقط على النتائج القصيرة المدى، بل على تعزيز الأسس والهيكليات التي تدعم النمو والاستقرار على المدى المتوسط.

وعليه، وبالنظر إلى المعطيات والظروف المحيطة، فإن آفاق سنة 2026 تبدو بالفعل إيجابية، فمن المتوقع أن تستفيد الدولة من الزخم المسجّل في 2025 لتترجم تعهّداتها الإصلاحية إلى نتائج ملموسة، وأن تُسجّل نمواً أكثر استدامة، وإنشاء قاعدة صلبة لرفاهية اقتصادية متنامية، ليكون عام 2026 علامة فارقة في مسار المالية العمومية والتنمّية الوطنية.

سفيان المهداوي