إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في ميزانية 2026.. رؤية اجتماعية واقتصادية تعيد التوازن بين الدعم والتشغيل

في خطوة تعكس عمق التوجّه الاجتماعي والاقتصادي الذي اختاره رئيس الجمهورية قيس سعيد، جاءت ميزانية الدولة لسنة 2026 لتؤكد مجددا التزام الدولة التونسية بدعم الفئات الضعيفة والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، مع المضيّ في إصلاحات جوهرية تمسّ سوق الشغل، ومنظومة الدعم، والاقتصاد الوطني ككل.

وتبرز ميزانية هذه السنة بمضامينها الاجتماعية الواضحة، حيث خصصت أكثر من 4 مليارات دينار لدعم المواد الأساسية، إلى جانب انتداب أكثر من 51 ألف موظّف جديد بين تسويات وضعية وانتدابات صافية في قطاعات حيوية، في خطوة وُصفت بأنها من أبرز الميزانيات ذات الطابع الاجتماعي خلال العقد الأخير.

ميزانية اجتماعية بامتياز

تبلغ الاعتمادات المخصصة لدعم المواد الاستهلاكية الأساسية في ميزانية 2026 نحو 4079 مليون دينار، مقابل 3801 مليون دينار في سنة 2025، أي زيادة بـ278 مليون دينار، وهو ما يعكس حرص الحكومة على الاستجابة لمتطلبات الواقع الاجتماعي وضمان استقرار الأسعار رغم ضغوط المالية العمومية والظرف الاقتصادي الدولي المتقلب.

هذا الترفيع الملحوظ في نفقات الدعم لا يمثّل مجرد رقم في جداول الميزانية، بل هو ترجمة مباشرة لتوجهات سياسية واجتماعية عبّر عنها رئيس الجمهورية منذ تسلمه السلطة، إذ لطالما أكد على أن «كرامة المواطن لا تتحقق إلا بضمان حقه في الغذاء والدواء، وبالحفاظ على قدرته الشرائية».

دعم المواد الأساسية بين الاستقرار والإصلاح

وفق تقرير وزارة المالية، ستتواصل الجهود خلال سنة 2026 لتحسين نجاعة منظومة الدعم من خلال ترشيد التوزيع والمراقبة الصارمة للمسالك التجارية، ومكافحة التجاوزات مثل التهريب والمضاربة والاستعمال غير القانوني للمواد المدعمة.

وتنص الوثيقة المالية على مواصلة تفعيل منصات رقمية لتتبّع حركة المواد المدعّمة، على غرار تتبّع مبيعات المطاحن ومراقبة توزيع الزيت المدعّم، بما يعزز الشفافية ويحد من التلاعب.

كما ينص مشروع الميزانية على مواصلة تحسين منظومة المخزونات الاستراتيجية، والاستفادة من تراجع الأسعار العالمية في الحبوب والزيوت للتعاقد المبكر على الحاجيات الوطنية. وتبرز هنا الرؤية الاستباقية للدولة في تعميم ثقافة التخطيط بعيد المدى وتعزيز الأمن الغذائي الوطني.

في مستوى آخر، تولي الحكومة أولوية قصوى لدعم منظومة الحبوب، وخاصة القمح الصلب، من خلال تشجيع الإنتاج المحلي وتحفيز الفلاحين على الاستثمار في الزراعات ذات المردودية العالية والمتأقلمة مع التغيرات المناخية. وهي رؤية تنموية مستدامة تسعى إلى التخفيف من التبعية للأسواق الخارجية وتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي على المدى المتوسط.

انتدابات بـ51 ألف خطة 

من أبرز ملامح ميزانية 2026 كذلك تخصيص 51 ألفاً و878 خطة جديدة، تشمل تسويات وضعيات شغلية هشّة، إلى جانب انتدابات فعلية في عدد من الوزارات ذات الأولوية.

ويأتي هذا التوجه في إطار سياسة شاملة تهدف إلى إصلاح الوظيفة العمومية ومزيد من العدالة في التشغيل، بما يضمن استقرارا اجتماعيا على المدى القصير، وفعالية مؤسسات الدولة على المدى الطويل.

من بين التسويات الكبرى، نجد تسوية وضعية 12 ألفاً و942 عاملاً من أعوان الحضائر، إلى جانب إدماج 1350 من حاملي شهادة الدكتوراه (دفعة 2026)، وتثبيت الأساتذة والمعلمين النواب ضمن الأسلاك القارة. كما سيتم تخصيص 1066 خطة لأساتذة التربية البدنية و2601 خطة لحاملي الإجازة التطبيقية دفعة 2024.

وتوزّعت الانتدابات الفعلية على الوزارات كالآتي:

- وزارة الصحة: حوالي 4000 خطة لتعزيز القطاع الحيوي بعد الجائحة وتحسين الخدمات الصحية.

- وزارة الدفاع: 3728 خطة للمساهمة في دعم الأمن القومي ومكافحة المخاطر الحدودية.

- وزارة الداخلية: 2695 خطة لرفع مستوى المنظومة الأمنية.

- وزارة المالية:1754 خطة لتحسين استخلاص الموارد ومواصلة الإصلاحات الجبائية.

- وزارة العدل والفلاحة: 1196 خطة لكل منهما لدعم سير عمل المرافق القضائية ولتعزيز الإطار الفلاحي والإداري.

وتتجاوز أهمية هذه الانتدابات بعدها العددي لتشكل رافعة اجتماعية واقتصادية حقيقية، إذ تعيد الاعتبار لآلاف العائلات التي طال انتظارها للتسوية، وتفتح المجال أمام دفع النمو من خلال تحسين التشغيلية والإنتاجية في القطاعات الحيوية.

البعد الاجتماعي محور الإصلاح الاقتصادي

يأتي التركيز على البعد الاجتماعي في ميزانية 2026 متناسقا مع رؤية الدولة التونسية الجديدة التي تضع المواطن التونسي في قلب العملية التنموية. فالدعم وتوسيع الانتدابات ليسا مجرد إجراءات ظرفية، بل هما جزء من مقاربة إصلاحية شاملة تهدف إلى دفع النمو وتحقيق التوازن الاجتماعي.

وفي المقابل، يُلاحظ أنّ الميزانيات السابقة، رغم حفاظها على وتيرة دعم المواد الأساسية، لم تشهد زيادة بهذا الحجم في الدعم ولا هذا العدد الكبير من الانتدابات، وهو ما يعكس توجها واضحا نحو إعادة توجيه نفقات الدولة نحو الاقتصاد الحقيقي والبعد الاجتماعي المباشر.

ولعلّ المقارنة البسيطة مع ميزانية 2025 توضح هذا الاختلاف بجلاء، فإلى جانب زيادة نفقات الدعم بنسبة 7 % تقريبا، هناك قفزة نوعية في الانتداب العمومي، خاصة في القطاعات ذات الطابع الحساس مثل الصحة والتعليم.

هذا التوجه يخلق ديناميكية اقتصادية غير مباشرة عبر تحريك الاستهلاك الداخلي، وتوسيع قاعدة الدخل المتوسط، بما يعزّز الدورة الاقتصادية ويخفف من البطالة الهيكلية.

إصلاحات هيكلية وتوجه مستقبلي

لم تقتصر ميزانية 2026 على دعم المواطن مباشرة، بل شملت أيضا إصلاحات هيكلية تهدف إلى ترشيد منظومة الدعم وإعادة هيكلتها لتكون أكثر عدلا واستهدافا.

فمن خلال التحول الرقمي في إدارة الدعم، وتكثيف المراقبة الاقتصادية، تتجه الدولة نحو منظومة ذكية وشفافة في توزيع الموارد، تنسجم مع التوجهات الحديثة في الإدارة العمومية.

كما يبرز في هذه الميزانية اهتمام متزايد بـالبيئة والاستدامة، من خلال تبني مقاربات جديدة لمقاومة الشحّ المائي، والاستثمار في تقنيات حديثة لحفظ المياه، وضمان الأمن المائي على المدى الطويل، وهو بعد تنموي ذو أهمية بالغة بالنظر إلى التحديات المناخية التي تواجهها تونس.

انعكاسات اقتصادية واجتماعية إيجابية

ومن المنتظر أن تترك هذه الميزانية انعكاسات إيجابية متعددة المستويات. فعلى المستوى الاجتماعي، يُتوقع أن تؤدي إلى تحسن ملحوظ في مؤشرات التشغيل والقدرة الشرائية، وهو ما سينعكس بدوره على الاستقرار الاجتماعي، وتعزيز ثقة المواطن بالدولة.

أما اقتصاديا، فستسهم زيادة الدعم وتوسيع الانتدابات في تحريك الدورة الاقتصادية الداخلية، وخلق ديناميكية جديدة في السوق الوطنية، خاصة في القطاعات المرتبطة بالاستهلاك والخدمات.

وتجدر الإشارة إلى أن سياسة الانتدابات الهادفة ليست عودة إلى الحلول التقليدية لمعضلة البطالة، بل هي جزء من رؤية إصلاحية تدريجية تراعي التوازن بين حاجيات الدولة والقدرة على التمويل، وذلك في وقت تعمل فيه الحكومة على تحقيق الانضباط المالي والإصلاح الجبائي، دون المساس بالبعد الاجتماعي.

ميزانية الإصلاح.. والتوازن والتشغيل

وتؤكد ميزانية 2026 أن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي لا ينفصل عن العدالة الاجتماعية، وأنّ كرامة المواطن وحمايته تظلان في صميم المشروع الوطني الذي تعمل الدولة التونسية على ترسيخه اليوم. فهي لا تكتفي بدعم القدرة الشرائية للفئات الضعيفة، بل تعبّر عن رؤية شاملة لبناء اقتصاد منتج ومنفتح على التشغيل والاستثمار، يستمد توازنه من تكافؤ الفرص والابتكار.

فمن خلال ترشيد منظومة الدعم وتوسيع الانتدابات وتسريع إصلاحات الحوكمة والرقابة والفلاحة، تفتح تونس أفقا جديدا نحو اقتصاد متجدد أكثر ديناميكية وعدالة، قادر على خلق مواطن شغل مستدامة، وتحفيز المبادرة الفردية والجماعية. وتمثل هذه المقاربة نقطة تحوّل في السياسات العمومية، إذ تربط بين الاستقرار الاجتماعي وبين دفع النشاط الاقتصادي، ورفع تنافسية المؤسسات الوطنية.

والجدير بالذكر، فإنّ ما يميز هذه الميزانية ليس فقط ما تتضمنه من أرقام، بل ما تعبّر عنه من إرادة سياسية صلبة في الجمع بين الإنصاف الاجتماعي والنهوض الاقتصادي، ضمن مسار إصلاحي متدرّج ومتوازن. فالدولة تؤكد حضورها كفاعـل اجتماعي مسؤول وكـمحرّك للتنمية. وبهذه الإجراءات، تدخل تونس بميزانية 2026 مرحلة جديدة من الإصلاح المتكامل، حيث تتقاطع العدالة الاجتماعية مع الطموح الاقتصادي، لتشقّ البلاد طريقها بثبات نحو تنمية عادلة وآفاق تمهد لنهضة اقتصادية واجتماعية متوازنة في قادم السنوات.

سفيان المهداوي

في ميزانية 2026..   رؤية اجتماعية واقتصادية تعيد التوازن بين الدعم والتشغيل

في خطوة تعكس عمق التوجّه الاجتماعي والاقتصادي الذي اختاره رئيس الجمهورية قيس سعيد، جاءت ميزانية الدولة لسنة 2026 لتؤكد مجددا التزام الدولة التونسية بدعم الفئات الضعيفة والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، مع المضيّ في إصلاحات جوهرية تمسّ سوق الشغل، ومنظومة الدعم، والاقتصاد الوطني ككل.

وتبرز ميزانية هذه السنة بمضامينها الاجتماعية الواضحة، حيث خصصت أكثر من 4 مليارات دينار لدعم المواد الأساسية، إلى جانب انتداب أكثر من 51 ألف موظّف جديد بين تسويات وضعية وانتدابات صافية في قطاعات حيوية، في خطوة وُصفت بأنها من أبرز الميزانيات ذات الطابع الاجتماعي خلال العقد الأخير.

ميزانية اجتماعية بامتياز

تبلغ الاعتمادات المخصصة لدعم المواد الاستهلاكية الأساسية في ميزانية 2026 نحو 4079 مليون دينار، مقابل 3801 مليون دينار في سنة 2025، أي زيادة بـ278 مليون دينار، وهو ما يعكس حرص الحكومة على الاستجابة لمتطلبات الواقع الاجتماعي وضمان استقرار الأسعار رغم ضغوط المالية العمومية والظرف الاقتصادي الدولي المتقلب.

هذا الترفيع الملحوظ في نفقات الدعم لا يمثّل مجرد رقم في جداول الميزانية، بل هو ترجمة مباشرة لتوجهات سياسية واجتماعية عبّر عنها رئيس الجمهورية منذ تسلمه السلطة، إذ لطالما أكد على أن «كرامة المواطن لا تتحقق إلا بضمان حقه في الغذاء والدواء، وبالحفاظ على قدرته الشرائية».

دعم المواد الأساسية بين الاستقرار والإصلاح

وفق تقرير وزارة المالية، ستتواصل الجهود خلال سنة 2026 لتحسين نجاعة منظومة الدعم من خلال ترشيد التوزيع والمراقبة الصارمة للمسالك التجارية، ومكافحة التجاوزات مثل التهريب والمضاربة والاستعمال غير القانوني للمواد المدعمة.

وتنص الوثيقة المالية على مواصلة تفعيل منصات رقمية لتتبّع حركة المواد المدعّمة، على غرار تتبّع مبيعات المطاحن ومراقبة توزيع الزيت المدعّم، بما يعزز الشفافية ويحد من التلاعب.

كما ينص مشروع الميزانية على مواصلة تحسين منظومة المخزونات الاستراتيجية، والاستفادة من تراجع الأسعار العالمية في الحبوب والزيوت للتعاقد المبكر على الحاجيات الوطنية. وتبرز هنا الرؤية الاستباقية للدولة في تعميم ثقافة التخطيط بعيد المدى وتعزيز الأمن الغذائي الوطني.

في مستوى آخر، تولي الحكومة أولوية قصوى لدعم منظومة الحبوب، وخاصة القمح الصلب، من خلال تشجيع الإنتاج المحلي وتحفيز الفلاحين على الاستثمار في الزراعات ذات المردودية العالية والمتأقلمة مع التغيرات المناخية. وهي رؤية تنموية مستدامة تسعى إلى التخفيف من التبعية للأسواق الخارجية وتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي على المدى المتوسط.

انتدابات بـ51 ألف خطة 

من أبرز ملامح ميزانية 2026 كذلك تخصيص 51 ألفاً و878 خطة جديدة، تشمل تسويات وضعيات شغلية هشّة، إلى جانب انتدابات فعلية في عدد من الوزارات ذات الأولوية.

ويأتي هذا التوجه في إطار سياسة شاملة تهدف إلى إصلاح الوظيفة العمومية ومزيد من العدالة في التشغيل، بما يضمن استقرارا اجتماعيا على المدى القصير، وفعالية مؤسسات الدولة على المدى الطويل.

من بين التسويات الكبرى، نجد تسوية وضعية 12 ألفاً و942 عاملاً من أعوان الحضائر، إلى جانب إدماج 1350 من حاملي شهادة الدكتوراه (دفعة 2026)، وتثبيت الأساتذة والمعلمين النواب ضمن الأسلاك القارة. كما سيتم تخصيص 1066 خطة لأساتذة التربية البدنية و2601 خطة لحاملي الإجازة التطبيقية دفعة 2024.

وتوزّعت الانتدابات الفعلية على الوزارات كالآتي:

- وزارة الصحة: حوالي 4000 خطة لتعزيز القطاع الحيوي بعد الجائحة وتحسين الخدمات الصحية.

- وزارة الدفاع: 3728 خطة للمساهمة في دعم الأمن القومي ومكافحة المخاطر الحدودية.

- وزارة الداخلية: 2695 خطة لرفع مستوى المنظومة الأمنية.

- وزارة المالية:1754 خطة لتحسين استخلاص الموارد ومواصلة الإصلاحات الجبائية.

- وزارة العدل والفلاحة: 1196 خطة لكل منهما لدعم سير عمل المرافق القضائية ولتعزيز الإطار الفلاحي والإداري.

وتتجاوز أهمية هذه الانتدابات بعدها العددي لتشكل رافعة اجتماعية واقتصادية حقيقية، إذ تعيد الاعتبار لآلاف العائلات التي طال انتظارها للتسوية، وتفتح المجال أمام دفع النمو من خلال تحسين التشغيلية والإنتاجية في القطاعات الحيوية.

البعد الاجتماعي محور الإصلاح الاقتصادي

يأتي التركيز على البعد الاجتماعي في ميزانية 2026 متناسقا مع رؤية الدولة التونسية الجديدة التي تضع المواطن التونسي في قلب العملية التنموية. فالدعم وتوسيع الانتدابات ليسا مجرد إجراءات ظرفية، بل هما جزء من مقاربة إصلاحية شاملة تهدف إلى دفع النمو وتحقيق التوازن الاجتماعي.

وفي المقابل، يُلاحظ أنّ الميزانيات السابقة، رغم حفاظها على وتيرة دعم المواد الأساسية، لم تشهد زيادة بهذا الحجم في الدعم ولا هذا العدد الكبير من الانتدابات، وهو ما يعكس توجها واضحا نحو إعادة توجيه نفقات الدولة نحو الاقتصاد الحقيقي والبعد الاجتماعي المباشر.

ولعلّ المقارنة البسيطة مع ميزانية 2025 توضح هذا الاختلاف بجلاء، فإلى جانب زيادة نفقات الدعم بنسبة 7 % تقريبا، هناك قفزة نوعية في الانتداب العمومي، خاصة في القطاعات ذات الطابع الحساس مثل الصحة والتعليم.

هذا التوجه يخلق ديناميكية اقتصادية غير مباشرة عبر تحريك الاستهلاك الداخلي، وتوسيع قاعدة الدخل المتوسط، بما يعزّز الدورة الاقتصادية ويخفف من البطالة الهيكلية.

إصلاحات هيكلية وتوجه مستقبلي

لم تقتصر ميزانية 2026 على دعم المواطن مباشرة، بل شملت أيضا إصلاحات هيكلية تهدف إلى ترشيد منظومة الدعم وإعادة هيكلتها لتكون أكثر عدلا واستهدافا.

فمن خلال التحول الرقمي في إدارة الدعم، وتكثيف المراقبة الاقتصادية، تتجه الدولة نحو منظومة ذكية وشفافة في توزيع الموارد، تنسجم مع التوجهات الحديثة في الإدارة العمومية.

كما يبرز في هذه الميزانية اهتمام متزايد بـالبيئة والاستدامة، من خلال تبني مقاربات جديدة لمقاومة الشحّ المائي، والاستثمار في تقنيات حديثة لحفظ المياه، وضمان الأمن المائي على المدى الطويل، وهو بعد تنموي ذو أهمية بالغة بالنظر إلى التحديات المناخية التي تواجهها تونس.

انعكاسات اقتصادية واجتماعية إيجابية

ومن المنتظر أن تترك هذه الميزانية انعكاسات إيجابية متعددة المستويات. فعلى المستوى الاجتماعي، يُتوقع أن تؤدي إلى تحسن ملحوظ في مؤشرات التشغيل والقدرة الشرائية، وهو ما سينعكس بدوره على الاستقرار الاجتماعي، وتعزيز ثقة المواطن بالدولة.

أما اقتصاديا، فستسهم زيادة الدعم وتوسيع الانتدابات في تحريك الدورة الاقتصادية الداخلية، وخلق ديناميكية جديدة في السوق الوطنية، خاصة في القطاعات المرتبطة بالاستهلاك والخدمات.

وتجدر الإشارة إلى أن سياسة الانتدابات الهادفة ليست عودة إلى الحلول التقليدية لمعضلة البطالة، بل هي جزء من رؤية إصلاحية تدريجية تراعي التوازن بين حاجيات الدولة والقدرة على التمويل، وذلك في وقت تعمل فيه الحكومة على تحقيق الانضباط المالي والإصلاح الجبائي، دون المساس بالبعد الاجتماعي.

ميزانية الإصلاح.. والتوازن والتشغيل

وتؤكد ميزانية 2026 أن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي لا ينفصل عن العدالة الاجتماعية، وأنّ كرامة المواطن وحمايته تظلان في صميم المشروع الوطني الذي تعمل الدولة التونسية على ترسيخه اليوم. فهي لا تكتفي بدعم القدرة الشرائية للفئات الضعيفة، بل تعبّر عن رؤية شاملة لبناء اقتصاد منتج ومنفتح على التشغيل والاستثمار، يستمد توازنه من تكافؤ الفرص والابتكار.

فمن خلال ترشيد منظومة الدعم وتوسيع الانتدابات وتسريع إصلاحات الحوكمة والرقابة والفلاحة، تفتح تونس أفقا جديدا نحو اقتصاد متجدد أكثر ديناميكية وعدالة، قادر على خلق مواطن شغل مستدامة، وتحفيز المبادرة الفردية والجماعية. وتمثل هذه المقاربة نقطة تحوّل في السياسات العمومية، إذ تربط بين الاستقرار الاجتماعي وبين دفع النشاط الاقتصادي، ورفع تنافسية المؤسسات الوطنية.

والجدير بالذكر، فإنّ ما يميز هذه الميزانية ليس فقط ما تتضمنه من أرقام، بل ما تعبّر عنه من إرادة سياسية صلبة في الجمع بين الإنصاف الاجتماعي والنهوض الاقتصادي، ضمن مسار إصلاحي متدرّج ومتوازن. فالدولة تؤكد حضورها كفاعـل اجتماعي مسؤول وكـمحرّك للتنمية. وبهذه الإجراءات، تدخل تونس بميزانية 2026 مرحلة جديدة من الإصلاح المتكامل، حيث تتقاطع العدالة الاجتماعية مع الطموح الاقتصادي، لتشقّ البلاد طريقها بثبات نحو تنمية عادلة وآفاق تمهد لنهضة اقتصادية واجتماعية متوازنة في قادم السنوات.

سفيان المهداوي