إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد التعديلات في إجراءات التكفل بالنظارات الطبية.. المهنيون يتذمرون وصندوق التأمين على المرض يوضح

- مضاعفة قيمة التكفل أربع مرات زادت من أسعار النظّارات وحدّت من النشاط

أعلن الصندوق الوطني للتأمين على المرض (الكنام) منذ منتصف سنة 2024، عن جملة من الإجراءات الجديدة تتعلق بالتكفل بالنظارات الطبية، من أبرزها رفع سقف التعويض من 50 إلى 200 دينار، وتوحيد صيغ التعويض بين منظومتي وصولات الشراء واسترجاع المصاريف، وسحب العمل بإجراء «الوصل» على الجميع مع إلغاء العمل ببطاقة استرجاع المصاريف المعهودة التي يعدها الطبيب ليكون «الوصل» المسلم بصفة مسبقة للاقتناء الوسيلة الوحيدة التي تمكن الحرفاء من اقتناء النظارات مباشرة وتسدد لاحقا من قبل الصندوق.

وكان الهدف المعلن من هذه التعديلات، وفق «الكنام»، هو تحسين نجاعة منظومة التعويض والحد من التجاوزات وضمان شفافية المعاملات، إلا أن التطبيق الميداني كشف عن تعقيدات كبيرة وصعوبات مالية واجهت المهنيين، وأثارت انتقاداتهم حتى أن بعضهم امتنع عن التعامل بهذه الإجراءات الجديدة وهو ما حدّ من رقم معاملاتهم وتسبب لبعضهم في غلق محلاتهم.

بين الوثائق والانتظار الطويل

في أحد محلات البصريات وسط مدينة أريانة، تروي «سلوى»، العاملة في أحد محلات بيع النظارات صعوبات تطبيق الإجراءات الجديدة والمسار الإداري المعقد الذي يواجهه أهل المهنة وقالت: «الحريف يقدم أولا شهادة طبية تحدد الإصلاح المطلوب للنظر ويختار النظارة والبلور، ويقدم كذلك نسخة من بطاقة التعريف الوطنية ونسخة من بطاقة العلاج، وأحيانا بطاقة الإعاقة إن وجدت»، مضيفة أن «استمارة طلب التكفل التي نحصل عليها من موقع الصندوق، وبالرغم من استكمال كل هذه الوثائق، يبقى الملف عالقا لأشهر».

وواصلت قولها: «ملف كامل يمكن رفضه لمجرد خطأ بسيط في حرف من اسم المريض أو لقبه وفي حالة الرفض لا يمكن استبدال الوثائق وبالتالي تكون الخسارة للمهني الذي لا يحصل على أمواله التي انتظرها لأشهر».

اقتطاعات غامضة وتأخر في الخلاص

كذلك، من أكثر النقاط إثارة للجدل في نفس المسألة، ما يتمثل في اقتطاع مبلغ من الـ 200 دينار دون تفسير رسمي واضح بمعنى أن الصندوق يوافق على منح الحريف 200 دينار والبائع يحتسب للحريف ثمن النظارات بما فيها الـ 200 دينار لكن الصندوق عند خلاص المهني لا يسلمه إلا مبلغ 160 دينارا فقط.

حول هذا الإشكال يقول «حمزة» وهو مهني في إحدى جهات ولاية أريانة: «نعمل لأشهر بانتظار الخلاص، ثم نفاجأ بخصم جزء من مستحقاتنا يصل إلى 40 دينارا دون مبرر».

وأضاف القول: «يشتكي المهنيون من تأخر الخلاص لأكثر من ستة أشهر، وهو ما يربك عملنا ويهدد قدرتنا على مواصلة النشاط وحتى الترفيع في سقف التعويض، لأن هذا الإجراء ساعد المواطن وأضر بأهل القطاع، و«الكنام» سحب إجراء الوصل الذي كان يسمح بصرف التعويض مباشرة عبر النظام العمومي، وأصبحنا نقدم الخدمة دون مقابل فوري مع تأخير كبير في صرف المستحقات وهو ما يهدد المهنة بسبب أزمة سيولة حقيقية، خصوصا للمهنيين الجدد أو الصغار الذين لا يملكون رأس مال كاف».

انعكاسات على المواطن

في المقابل، أكد مصدر مسؤول من «الكنام» لـ«الصباح» أن «الرقمنة جاءت لتقليص الأخطاء وتسهيل المتابعة ومنع التحيل»، لكن المهنيين يعتبرون أن الرقمنة لم يتم إرفاقها بتبسيط فعلي، بل أضافت أعباء تقنية جديدة، في غياب تكوين كاف ودعم ميداني»، حسب تعبيره.

هذه التداعيات لم تِؤثر على المهنيين فحسب، بل تمتد إلى المواطن البسيط الذي سيكون مجبرا على تحمل تكلفة إضافية باعتبار أن «النظاراتي» يرفض اليوم تقديم تخفيضات أو تسهيلات في الدفع، لأنه هو نفسه يبقى في انتظار أمواله من «الكنام» طيلة أشهر.

وبسبب تأخر الخلاص وتعقيد المسار الإداري، لم يعد البائع قادرا على تقديم تخفيضات والحد من نسبة أرباحه أو حتى التقسيط، ما جعل أسعار النظارات ترتفع فعليا في السوق رغم الترفيع النظري في قيمة التعويض.

إجراءات ضرورية لتنظيم القطاع

وحول هذه الإشكاليات، أكد نفس المصدر من «الكنام» لـ«الصباح» - وهو مسؤول من الصندوق الوطني للتأمين على المرض أن التعديلات الأخيرة تهدف أساسا إلى ضبط مسار التعويض والحد من التجاوزات التي كانت تسجل سابقا، مشيرا إلى أن «الترفيع في قيمة التكفل خطوة مهمة لتحسين الخدمات المقدمة للمضمونين الاجتماعيين»، حسب قوله.

وأوضح المسؤول أن المنصة الرقمية الجديدة تمكن من مراقبة الملفات والتثبت من المعطيات بشكل آني، بما يضمن الشفافية ويقلل من الأخطاء الإدارية.

كما شدد نفس المسؤول على أن «الكنام» يعمل حاليا على تحسين آجال الخلاص ومعالجة الإشكاليات التقنية بالتعاون مع المهنيين، في إطار مقاربة تشاركية تهدف إلى تطوير المنظومة تدريجيا. مؤكدا أن «الكنام» لا يقتطع سوى مبلغ 10 دنانير لا غير من الـ 200 دينار و«أن مهلة الانتظار للخلاص على عكس ما قاله المهنيين لا تتجاوز الشهر حاليا بعد تجاوز بعض الإشكاليات التقنية وهو أجل جد معقول لا يقلق أهل القطاع»، حسب تصريحه.

وفاء بن محمد

بعد التعديلات في إجراءات التكفل بالنظارات الطبية..     المهنيون يتذمرون وصندوق التأمين على المرض يوضح

- مضاعفة قيمة التكفل أربع مرات زادت من أسعار النظّارات وحدّت من النشاط

أعلن الصندوق الوطني للتأمين على المرض (الكنام) منذ منتصف سنة 2024، عن جملة من الإجراءات الجديدة تتعلق بالتكفل بالنظارات الطبية، من أبرزها رفع سقف التعويض من 50 إلى 200 دينار، وتوحيد صيغ التعويض بين منظومتي وصولات الشراء واسترجاع المصاريف، وسحب العمل بإجراء «الوصل» على الجميع مع إلغاء العمل ببطاقة استرجاع المصاريف المعهودة التي يعدها الطبيب ليكون «الوصل» المسلم بصفة مسبقة للاقتناء الوسيلة الوحيدة التي تمكن الحرفاء من اقتناء النظارات مباشرة وتسدد لاحقا من قبل الصندوق.

وكان الهدف المعلن من هذه التعديلات، وفق «الكنام»، هو تحسين نجاعة منظومة التعويض والحد من التجاوزات وضمان شفافية المعاملات، إلا أن التطبيق الميداني كشف عن تعقيدات كبيرة وصعوبات مالية واجهت المهنيين، وأثارت انتقاداتهم حتى أن بعضهم امتنع عن التعامل بهذه الإجراءات الجديدة وهو ما حدّ من رقم معاملاتهم وتسبب لبعضهم في غلق محلاتهم.

بين الوثائق والانتظار الطويل

في أحد محلات البصريات وسط مدينة أريانة، تروي «سلوى»، العاملة في أحد محلات بيع النظارات صعوبات تطبيق الإجراءات الجديدة والمسار الإداري المعقد الذي يواجهه أهل المهنة وقالت: «الحريف يقدم أولا شهادة طبية تحدد الإصلاح المطلوب للنظر ويختار النظارة والبلور، ويقدم كذلك نسخة من بطاقة التعريف الوطنية ونسخة من بطاقة العلاج، وأحيانا بطاقة الإعاقة إن وجدت»، مضيفة أن «استمارة طلب التكفل التي نحصل عليها من موقع الصندوق، وبالرغم من استكمال كل هذه الوثائق، يبقى الملف عالقا لأشهر».

وواصلت قولها: «ملف كامل يمكن رفضه لمجرد خطأ بسيط في حرف من اسم المريض أو لقبه وفي حالة الرفض لا يمكن استبدال الوثائق وبالتالي تكون الخسارة للمهني الذي لا يحصل على أمواله التي انتظرها لأشهر».

اقتطاعات غامضة وتأخر في الخلاص

كذلك، من أكثر النقاط إثارة للجدل في نفس المسألة، ما يتمثل في اقتطاع مبلغ من الـ 200 دينار دون تفسير رسمي واضح بمعنى أن الصندوق يوافق على منح الحريف 200 دينار والبائع يحتسب للحريف ثمن النظارات بما فيها الـ 200 دينار لكن الصندوق عند خلاص المهني لا يسلمه إلا مبلغ 160 دينارا فقط.

حول هذا الإشكال يقول «حمزة» وهو مهني في إحدى جهات ولاية أريانة: «نعمل لأشهر بانتظار الخلاص، ثم نفاجأ بخصم جزء من مستحقاتنا يصل إلى 40 دينارا دون مبرر».

وأضاف القول: «يشتكي المهنيون من تأخر الخلاص لأكثر من ستة أشهر، وهو ما يربك عملنا ويهدد قدرتنا على مواصلة النشاط وحتى الترفيع في سقف التعويض، لأن هذا الإجراء ساعد المواطن وأضر بأهل القطاع، و«الكنام» سحب إجراء الوصل الذي كان يسمح بصرف التعويض مباشرة عبر النظام العمومي، وأصبحنا نقدم الخدمة دون مقابل فوري مع تأخير كبير في صرف المستحقات وهو ما يهدد المهنة بسبب أزمة سيولة حقيقية، خصوصا للمهنيين الجدد أو الصغار الذين لا يملكون رأس مال كاف».

انعكاسات على المواطن

في المقابل، أكد مصدر مسؤول من «الكنام» لـ«الصباح» أن «الرقمنة جاءت لتقليص الأخطاء وتسهيل المتابعة ومنع التحيل»، لكن المهنيين يعتبرون أن الرقمنة لم يتم إرفاقها بتبسيط فعلي، بل أضافت أعباء تقنية جديدة، في غياب تكوين كاف ودعم ميداني»، حسب تعبيره.

هذه التداعيات لم تِؤثر على المهنيين فحسب، بل تمتد إلى المواطن البسيط الذي سيكون مجبرا على تحمل تكلفة إضافية باعتبار أن «النظاراتي» يرفض اليوم تقديم تخفيضات أو تسهيلات في الدفع، لأنه هو نفسه يبقى في انتظار أمواله من «الكنام» طيلة أشهر.

وبسبب تأخر الخلاص وتعقيد المسار الإداري، لم يعد البائع قادرا على تقديم تخفيضات والحد من نسبة أرباحه أو حتى التقسيط، ما جعل أسعار النظارات ترتفع فعليا في السوق رغم الترفيع النظري في قيمة التعويض.

إجراءات ضرورية لتنظيم القطاع

وحول هذه الإشكاليات، أكد نفس المصدر من «الكنام» لـ«الصباح» - وهو مسؤول من الصندوق الوطني للتأمين على المرض أن التعديلات الأخيرة تهدف أساسا إلى ضبط مسار التعويض والحد من التجاوزات التي كانت تسجل سابقا، مشيرا إلى أن «الترفيع في قيمة التكفل خطوة مهمة لتحسين الخدمات المقدمة للمضمونين الاجتماعيين»، حسب قوله.

وأوضح المسؤول أن المنصة الرقمية الجديدة تمكن من مراقبة الملفات والتثبت من المعطيات بشكل آني، بما يضمن الشفافية ويقلل من الأخطاء الإدارية.

كما شدد نفس المسؤول على أن «الكنام» يعمل حاليا على تحسين آجال الخلاص ومعالجة الإشكاليات التقنية بالتعاون مع المهنيين، في إطار مقاربة تشاركية تهدف إلى تطوير المنظومة تدريجيا. مؤكدا أن «الكنام» لا يقتطع سوى مبلغ 10 دنانير لا غير من الـ 200 دينار و«أن مهلة الانتظار للخلاص على عكس ما قاله المهنيين لا تتجاوز الشهر حاليا بعد تجاوز بعض الإشكاليات التقنية وهو أجل جد معقول لا يقلق أهل القطاع»، حسب تصريحه.

وفاء بن محمد