سجّلت تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج ارتفاعا ملحوظا لتبلغ حوالي 6992.4 مليون دينار إلى غاية 20 أكتوبر 2025، مقابل 6768.5 مليون دينار خلال الفترة نفسها من السنة الماضية، وفق أحدث معطيات صادرة عن البنك المركزي التونسي.
هذا الارتفاع الذي يناهز 224 مليون دينار يعكس ثقة الجالية التونسية في وطنها وحرصها على مواصلة الإسهام في دعم الاقتصاد الوطني رغم التحديات العالمية الراهنة وتقلّبات الأسواق المالية.
تحويلات تدعم الأسر وتنعش الاقتصاد
لا تقتصر أهمية هذه التحويلات على بعدها الاجتماعي المتمثل في دعم آلاف العائلات التونسية التي تعتمد عليها لتغطية نفقاتها المعيشية أو تحسين ظروفها الحياتية، بل تتجاوز ذلك لتصبح محركا اقتصاديا رئيسيا. فهي تساهم في تحفيز الاستهلاك الداخلي، وتنشيط الدورة الاقتصادية في عدة قطاعات مثل البناء والعقار والتجارة والخدمات، كما توفر متنفسًا للأسر في مواجهة غلاء المعيشة وتدهور المقدرة الشرائية.
وتؤكد الإحصاءات أن تحويلات الجالية التونسية تعد من أكثر الموارد المالية استقرارا وانتظاما مقارنة ببقية مصادر العملة الأجنبية، كعائدات السياحة أو صادرات الفسفاط أو الاستثمار الأجنبي المباشر، التي تتأثر عادة بالأوضاع الإقليمية والدولية.
لذلك، تمثل هذه التحويلات اليوم ركيزة مالية صلبة تسند ميزانية الدولة وتساهم في تحقيق التوازنات الكبرى.
رافد أساسي لتوفير العملة الصعبة
تتجلى الأهمية الاستراتيجية لهذه التحويلات أيضا في دورها الحيوي في توفير العملة الصعبة ودعم ميزان الدفوعات، إذ تعدّ من أبرز المصادر التي تمكّن البلاد من تمويل الواردات وتخفيف الضغط على احتياطي النقد الأجنبي.
ووفقا لبيانات البنك المركزي، فإن عدد أيام التوريد بلغ 104 أيام في أكتوبر الجاري، وهو مؤشر يعكس استقرارا نسبيا في مستوى الاحتياطي من العملة الأجنبية، بفضل تواصل تدفق تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج. هذا الدور أصبح أكثر أهمية في ظل تراجع بعض القطاعات التقليدية المصدّرة للعملة، ما يجعل الجالية التونسية في الخارج عنصر توازن مالي واستقرار اقتصادي. فبفضل هذه الموارد، تتمكن تونس من الإيفاء بالتزاماتها تجاه شركائها الدوليين وتمويل احتياجاتها الأساسية من الطاقة والمواد الأولية والغذائية.
تحويلات تتجاوز الجانب المالي إلى بعد وطني وإنساني
وراء الأرقام والمؤشرات، تكمن قصة ارتباط متين بين المهاجر التونسي ووطنه. فكل تحويل مالي يرسله المغترب هو في جوهره رسالة حب وانتماء، تعبّر عن رغبة في الإسهام في تنمية بلاده ومساندة ذويه. وقد أثبتت التجربة أن الجالية التونسية، رغم البعد الجغرافي، تبقى متجذرة في وجدانها الوطني، وتحرص على مدّ يد العون وقت الأزمات الاقتصادية أو الاجتماعية. وفي السنوات الأخيرة، برزت مساهمات المغتربين أيضا في تمويل مشاريع استثمارية صغيرة ومتوسطة، سواء عبر مبادرات فردية أو من خلال برامج تشاركية تشجع على الاستثمار في الجهات الداخلية.
سياسات داعمة وامتيازات خاصة للجالية بالخارج
إدراكا من الدولة لأهمية هذه الفئة في الاقتصاد الوطني، تكثفت الجهود، مؤخرا، لدعم التونسيين المقيمين بالخارج وتيسير تعاملهم مع مؤسسات الدولة. فقد تمّ خلال السنوات الأخيرة إقرار جملة من الامتيازات والإجراءات التحفيزية الرامية إلى تشجيعهم على تحويل أموالهم واستثمارها في تونس، ومن أبرزها تسهيل فتح الحسابات البنكية بالعملة الصعبة وتمكين الجالية من تحويل الأموال بسرعة وبكلفة منخفضة، ومنح امتيازات جمركية وضريبية عند العودة النهائية أو عند إدخال تجهيزات ومعدات مهنية للمشاريع الخاصة، إلى جانب تخصيص مسالك إدارية مبسطة في المطارات والموانئ وتسهيل الإجراءات القنصلية والإدارية، فضلا عن إطلاق برامج استثمارية موجهة للمقيمين بالخارج، خاصةً في مجالات التكنولوجيا والخدمات والصناعات الغذائية، إضافة إلى تحسين الخدمات القنصلية والرقمية لتمكينهم من إنجاز معاملاتهم عن بُعد دون عناء التنقل.
والى جانب ذلك، هناك تعاون بين البنك المركزي والبنوك التجارية لتطوير منتجات مالية مخصصة للجالية، مثل القروض الموجهة للسكن أو المشاريع الصغرى بشروط ميسرة.
هذه السياسات ساهمت في تعزيز ثقة الجالية التونسية في المؤسسات الوطنية، وشجعت العديد من الكفاءات التونسية المقيمة بالخارج على التفكير في العودة الجزئية أو الدائمة للمساهمة في تنمية بلادها.
دعم التونسيين بالخارج.. استثمار في الثقة
وتسعى السلطات التونسية اليوم إلى تحويل علاقة الجالية بالدولة من مجرد تحويلات مالية إلى شراكة اقتصادية وتنموية متكاملة. فالمغترب التونسي لم يعد فقط مصدرا للعملة الصعبة، بل شريكا محتملا في نقل الخبرة والمعرفة والتكنولوجيا.
وفي هذا الإطار، تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية ومؤسسات مثل الديوان الوطني للتونسيين بالخارج على توطيد جسور التواصل مع الجالية وتعزيز انخراطها في الاقتصاد الوطني عبر مبادرات مبتكرة، مثل برامج «استثمر في جهتك» أو «مشروعك في تونس».
تحويلات مستدامة وآفاق واعدة
في ظل استمرار التحديات الاقتصادية العالمية، يبدو أن تحويلات التونسيين بالخارج ستظل من بين الموارد الأكثر أمانا واستقرارا بالنسبة لتونس. ومع تطور الوسائل الرقمية وتسهيل التحويلات البنكية عبر المنصات الإلكترونية، يُتوقع أن تتجاوز هذه التحويلات قريبا عتبة السبعة مليارات دينار سنويًا، لتتحول إلى مصدر تمويل هيكلي طويل المدى.
ويرى خبراء الاقتصاد أن استثمار هذه الموارد في قطاعات إنتاجية وتنموية — بدل اقتصارها على الاستهلاك — سيكون له أثر مضاعف على النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
كما أن مواصلة الدولة في تحسين مناخ الأعمال، وتبسيط الإجراءات ستدفع نحو استقطاب مزيد من رؤوس الأموال من أبناء الجالية المنتشرة في أوروبا والخليج وأمريكا الشمالية.
آفاق مشرقة لتحويلات الجالية التونسية
وتؤكد المعطيات الأخيرة أن تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج، التي اقتربت من حاجز السبعة مليارات دينار، أصبحت أحد الأعمدة المالية الأكثر استقرارا في الاقتصاد الوطني. فإلى جانب دورها الاجتماعي في مساعدة آلاف العائلات، تمثل هذه التحويلات موردا أساسيا للعملة الصعبة يسهم في تعزيز ميزان الدفوعات والحفاظ على توازنات المالية العمومية. ومع تنامي الاهتمام الرسمي بتشجيع استثمار هذه الأموال في قطاعات إنتاجية وتنموية، تبرز مؤشرات إيجابية على إمكانية تحويل هذا المورد إلى محرك فعلي للنمو وخلق فرص الشغل. وتشير التوقعات إلى أن استدامة هذا النسق التصاعدي، مقرونة بإصلاحات هيكلية وتحفيزات موجهة للجالية، قد تجعل من تحويلات التونسيين بالخارج عنصرا استراتيجيا دائما في دعم استقرار الاقتصاد، وتعزيز سيادته المالية خلال السنوات القادمة.
سفيان المهداوي
سجّلت تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج ارتفاعا ملحوظا لتبلغ حوالي 6992.4 مليون دينار إلى غاية 20 أكتوبر 2025، مقابل 6768.5 مليون دينار خلال الفترة نفسها من السنة الماضية، وفق أحدث معطيات صادرة عن البنك المركزي التونسي.
هذا الارتفاع الذي يناهز 224 مليون دينار يعكس ثقة الجالية التونسية في وطنها وحرصها على مواصلة الإسهام في دعم الاقتصاد الوطني رغم التحديات العالمية الراهنة وتقلّبات الأسواق المالية.
تحويلات تدعم الأسر وتنعش الاقتصاد
لا تقتصر أهمية هذه التحويلات على بعدها الاجتماعي المتمثل في دعم آلاف العائلات التونسية التي تعتمد عليها لتغطية نفقاتها المعيشية أو تحسين ظروفها الحياتية، بل تتجاوز ذلك لتصبح محركا اقتصاديا رئيسيا. فهي تساهم في تحفيز الاستهلاك الداخلي، وتنشيط الدورة الاقتصادية في عدة قطاعات مثل البناء والعقار والتجارة والخدمات، كما توفر متنفسًا للأسر في مواجهة غلاء المعيشة وتدهور المقدرة الشرائية.
وتؤكد الإحصاءات أن تحويلات الجالية التونسية تعد من أكثر الموارد المالية استقرارا وانتظاما مقارنة ببقية مصادر العملة الأجنبية، كعائدات السياحة أو صادرات الفسفاط أو الاستثمار الأجنبي المباشر، التي تتأثر عادة بالأوضاع الإقليمية والدولية.
لذلك، تمثل هذه التحويلات اليوم ركيزة مالية صلبة تسند ميزانية الدولة وتساهم في تحقيق التوازنات الكبرى.
رافد أساسي لتوفير العملة الصعبة
تتجلى الأهمية الاستراتيجية لهذه التحويلات أيضا في دورها الحيوي في توفير العملة الصعبة ودعم ميزان الدفوعات، إذ تعدّ من أبرز المصادر التي تمكّن البلاد من تمويل الواردات وتخفيف الضغط على احتياطي النقد الأجنبي.
ووفقا لبيانات البنك المركزي، فإن عدد أيام التوريد بلغ 104 أيام في أكتوبر الجاري، وهو مؤشر يعكس استقرارا نسبيا في مستوى الاحتياطي من العملة الأجنبية، بفضل تواصل تدفق تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج. هذا الدور أصبح أكثر أهمية في ظل تراجع بعض القطاعات التقليدية المصدّرة للعملة، ما يجعل الجالية التونسية في الخارج عنصر توازن مالي واستقرار اقتصادي. فبفضل هذه الموارد، تتمكن تونس من الإيفاء بالتزاماتها تجاه شركائها الدوليين وتمويل احتياجاتها الأساسية من الطاقة والمواد الأولية والغذائية.
تحويلات تتجاوز الجانب المالي إلى بعد وطني وإنساني
وراء الأرقام والمؤشرات، تكمن قصة ارتباط متين بين المهاجر التونسي ووطنه. فكل تحويل مالي يرسله المغترب هو في جوهره رسالة حب وانتماء، تعبّر عن رغبة في الإسهام في تنمية بلاده ومساندة ذويه. وقد أثبتت التجربة أن الجالية التونسية، رغم البعد الجغرافي، تبقى متجذرة في وجدانها الوطني، وتحرص على مدّ يد العون وقت الأزمات الاقتصادية أو الاجتماعية. وفي السنوات الأخيرة، برزت مساهمات المغتربين أيضا في تمويل مشاريع استثمارية صغيرة ومتوسطة، سواء عبر مبادرات فردية أو من خلال برامج تشاركية تشجع على الاستثمار في الجهات الداخلية.
سياسات داعمة وامتيازات خاصة للجالية بالخارج
إدراكا من الدولة لأهمية هذه الفئة في الاقتصاد الوطني، تكثفت الجهود، مؤخرا، لدعم التونسيين المقيمين بالخارج وتيسير تعاملهم مع مؤسسات الدولة. فقد تمّ خلال السنوات الأخيرة إقرار جملة من الامتيازات والإجراءات التحفيزية الرامية إلى تشجيعهم على تحويل أموالهم واستثمارها في تونس، ومن أبرزها تسهيل فتح الحسابات البنكية بالعملة الصعبة وتمكين الجالية من تحويل الأموال بسرعة وبكلفة منخفضة، ومنح امتيازات جمركية وضريبية عند العودة النهائية أو عند إدخال تجهيزات ومعدات مهنية للمشاريع الخاصة، إلى جانب تخصيص مسالك إدارية مبسطة في المطارات والموانئ وتسهيل الإجراءات القنصلية والإدارية، فضلا عن إطلاق برامج استثمارية موجهة للمقيمين بالخارج، خاصةً في مجالات التكنولوجيا والخدمات والصناعات الغذائية، إضافة إلى تحسين الخدمات القنصلية والرقمية لتمكينهم من إنجاز معاملاتهم عن بُعد دون عناء التنقل.
والى جانب ذلك، هناك تعاون بين البنك المركزي والبنوك التجارية لتطوير منتجات مالية مخصصة للجالية، مثل القروض الموجهة للسكن أو المشاريع الصغرى بشروط ميسرة.
هذه السياسات ساهمت في تعزيز ثقة الجالية التونسية في المؤسسات الوطنية، وشجعت العديد من الكفاءات التونسية المقيمة بالخارج على التفكير في العودة الجزئية أو الدائمة للمساهمة في تنمية بلادها.
دعم التونسيين بالخارج.. استثمار في الثقة
وتسعى السلطات التونسية اليوم إلى تحويل علاقة الجالية بالدولة من مجرد تحويلات مالية إلى شراكة اقتصادية وتنموية متكاملة. فالمغترب التونسي لم يعد فقط مصدرا للعملة الصعبة، بل شريكا محتملا في نقل الخبرة والمعرفة والتكنولوجيا.
وفي هذا الإطار، تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية ومؤسسات مثل الديوان الوطني للتونسيين بالخارج على توطيد جسور التواصل مع الجالية وتعزيز انخراطها في الاقتصاد الوطني عبر مبادرات مبتكرة، مثل برامج «استثمر في جهتك» أو «مشروعك في تونس».
تحويلات مستدامة وآفاق واعدة
في ظل استمرار التحديات الاقتصادية العالمية، يبدو أن تحويلات التونسيين بالخارج ستظل من بين الموارد الأكثر أمانا واستقرارا بالنسبة لتونس. ومع تطور الوسائل الرقمية وتسهيل التحويلات البنكية عبر المنصات الإلكترونية، يُتوقع أن تتجاوز هذه التحويلات قريبا عتبة السبعة مليارات دينار سنويًا، لتتحول إلى مصدر تمويل هيكلي طويل المدى.
ويرى خبراء الاقتصاد أن استثمار هذه الموارد في قطاعات إنتاجية وتنموية — بدل اقتصارها على الاستهلاك — سيكون له أثر مضاعف على النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
كما أن مواصلة الدولة في تحسين مناخ الأعمال، وتبسيط الإجراءات ستدفع نحو استقطاب مزيد من رؤوس الأموال من أبناء الجالية المنتشرة في أوروبا والخليج وأمريكا الشمالية.
آفاق مشرقة لتحويلات الجالية التونسية
وتؤكد المعطيات الأخيرة أن تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج، التي اقتربت من حاجز السبعة مليارات دينار، أصبحت أحد الأعمدة المالية الأكثر استقرارا في الاقتصاد الوطني. فإلى جانب دورها الاجتماعي في مساعدة آلاف العائلات، تمثل هذه التحويلات موردا أساسيا للعملة الصعبة يسهم في تعزيز ميزان الدفوعات والحفاظ على توازنات المالية العمومية. ومع تنامي الاهتمام الرسمي بتشجيع استثمار هذه الأموال في قطاعات إنتاجية وتنموية، تبرز مؤشرات إيجابية على إمكانية تحويل هذا المورد إلى محرك فعلي للنمو وخلق فرص الشغل. وتشير التوقعات إلى أن استدامة هذا النسق التصاعدي، مقرونة بإصلاحات هيكلية وتحفيزات موجهة للجالية، قد تجعل من تحويلات التونسيين بالخارج عنصرا استراتيجيا دائما في دعم استقرار الاقتصاد، وتعزيز سيادته المالية خلال السنوات القادمة.