تتجه تونس، وفقًا لما جاء في مشروع قانون المالية لسنة 2026، إلى العودة مجددًا إلى أسواق المال الدولية للاقتراض بالعملة الصعبة، في خطوة تعكس رغبة السلطات في تنويع مصادر التمويل الخارجي وتعزيز احتياطات البلاد من النقد الأجنبي. وتأتي هذه العودة بعد فترة من الغياب عن الأسواق الدولية، وفي ظرف اقتصادي يتسم بضغط مالي كبير وسعي حثيث للحفاظ على التوازنات العامة للمالية العمومية. ويُنظر إلى هذا التوجه على أنه مؤشر على تحسن الثقة في الاقتصاد الوطني، بعد نجاح تونس خلال سنة 2025 في الوفاء بكافة التزاماتها الخارجية وسداد ديونها في آجالها، بل وقبل مواعيد الاستحقاق في بعض الحالات.
تشير المعطيات الواردة في مشروع قانون المالية لسنة 2026 إلى أن احتياجات التمويل الإجمالية للدولة قد حُددت في حدود 25 مليار دينار، وهي من أعلى النسب المسجلة في السنوات الأخيرة. وتتنوع مصادر هذه التمويلات بين 19 مليار دينار من السوق الداخلية و6 مليارات دينار من المؤسسات المالية الخارجية، إلى جانب لجوء استثنائي إلى البنك المركزي بقيمة 11 مليار دينار لتغطية الفجوة التمويلية. كما تتضمن الميزانية 2,25 مليار دينار لتمويل المشاريع العمومية و200 مليون دينار قروض منتظرة.
العودة إلى الأسواق الدولية.. اختبار ثقة؟
العودة المنتظرة إلى الأسواق الدولية ليست مجرد خيار تمويلي، بل هي رهان اقتصادي وسياسي كبير. فبعد سنوات من الاعتماد شبه الكلي على التمويل المحلي والدعم من بعض المؤسسات الإقليمية، ترى الحكومة أن الوقت قد حان لاستعادة ثقة المستثمرين الدوليين وإعادة إدماج تونس في المنظومة المالية العالمية.
لكن هذه العودة لا تخلو من المخاطر، فهي اختبار حقيقي لمصداقية تونس المالية بعد سنوات من التراجع في التصنيفات الائتمانية. فالشروط التي ستُمنح لتونس في السوق العالمية ستعكس مدى ثقة المستثمرين في قدرتها على السداد واستقرارها المالي والسياسي. وبالتالي، فإن نجاح عملية الاقتراض الخارجي سيكون مؤشرًا مباشرًا على مدى قدرة البلاد على استعادة ثقة الممولين والمؤسسات المالية الدولية.
سداد الديون الخارجية في 2025.. قاعدة صلبة لبناء الثقة
الظرف الذي يسبق العودة إلى الأسواق العالمية يتميز بحدث مهم، وهو التزام تونس الكامل بسداد ديونها الخارجية خلال سنة 2025 دون أي تأخير أو إعادة جدولة. فقد تمكنت الدولة من تسديد كافة استحقاقاتها تجاه الدائنين في الآجال المحددة، بما في ذلك أقساط السندات الخارجية والقروض الثنائية والمتعددة الأطراف. وتشير المعطيات الرسمية إلى أن قيمة الديون التي سددتها تونس خلال العام المنقضي تجاوزت 18 مليار دينار، أي ما يعادل أكثر من 5 مليارات دولار أمريكي، دون تسجيل أي إخلال بالالتزامات، وهو إنجاز استثنائي بالنظر إلى الضغوط المالية التي تمر بها البلاد.
هذا الأداء المالي أعاد الثقة في الاقتصاد التونسي، إذ بدأت مؤشرات الدين العمومي تسلك منحى تنازليًا نسبيًا؛ فقد تراجعت نسبة الدين العمومي من 84,6 % من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2023 إلى حوالي 79,8 % في نهاية 2024، في حين استقر الدين الخارجي في حدود 41 مليار دولار، أي ما يعادل 90 % من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم أن هذه الأرقام ما تزال مرتفعة، فإنها تُظهر بداية تحسن في قدرة الدولة على التحكم في مديونيتها وعلى تقليص العجز تدريجيًا.
الحاجة إلى العملة الصعبة ودورها في دعم الاستقرار المالي
يُعد تأمين موارد بالعملة الصعبة من أبرز أهداف العودة إلى الأسواق المالية الدولية. فالاقتصاد التونسي يعتمد بدرجة كبيرة على الواردات لتغطية حاجاته من الطاقة والمواد الأساسية، ما يفرض ضغطًا متواصلًا على احتياطي النقد الأجنبي. وتشكل القروض الخارجية وسيلة لدعم هذا الاحتياطي، والحفاظ على استقرار الدينار في مواجهة العملات الأجنبية.
إلى جانب ذلك، فإن التمويلات بالعملات الأجنبية تُسهم في تسديد جزء من الديون الخارجية السابقة دون استنزاف موارد السوق المحلية، كما تسمح بتمويل مشاريع كبرى مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة والمناطق الصناعية. ويمثل هذا النوع من التمويل، وفق خبراء الاقتصاد لـ«الصباح»، أحد محركات النمو الاقتصادي إذا ما استُخدم في مشاريع إنتاجية تدر مداخيل بالعملة الصعبة، لا سيما في قطاعات السياحة والتصدير والخدمات اللوجستية.
التحديات المالية.. بين ضرورة الاقتراض وحذر الانزلاق
رغم أهمية العودة إلى الأسواق الدولية، فإنها لا تخلو من تحديات جوهرية. فالأسواق المالية العالمية أصبحت أكثر حذرًا تجاه الاقتصادات النامية، خاصة تلك التي تواجه صعوبات مالية وهيكلية. ومن ثم، قد تجد تونس نفسها مطالبة بدفع نسب فائدة مرتفعة نسبيًا، ما يزيد من كلفة الاقتراض على المدى المتوسط.
وفي المقابل، تظل الإصلاحات الاقتصادية والحوكمة المالية عناصر أساسية لإنجاح العودة إلى الأسواق الخارجية. فالممولون الدوليون يراقبون بدقة قدرة الدولة على تنفيذ إصلاحات هيكلية تشمل مراجعة الدعم، وتحسين مردودية المؤسسات العمومية، وتوسيع القاعدة الجبائية، وترشيد النفقات العمومية. نجاح هذه الإصلاحات سيسهل الحصول على تمويلات بشروط أفضل، ويعيد الثقة تدريجيًا في الاقتصاد الوطني.
فرصة جديدة لإعادة بناء الثقة الدولية
لا شك أن سنة 2026 ستكون محطة حاسمة في مسار المالية العمومية التونسية. فنجاح البلاد في تنفيذ هذا المخطط التمويلي سيعني عمليًا أنها استعادت موقعها في الأسواق العالمية كمقترض موثوق به، من خلال الشفافية في إدارة الدين، والوضوح في السياسات المالية، واستقرار المناخ السياسي والاقتصادي.
وتمثل العودة إلى الأسواق الخارجية فرصة لتونس ليس فقط لتعبئة موارد مالية، بل أيضًا لإعادة ترميم صورتها الاقتصادية التي تضررت خلال السنوات الأخيرة بسبب الضبابية السياسية وتدهور المؤشرات «الماكرو اقتصادية». ومن خلال هذه الخطوة، لا يستبعد الخبراء أن تُثبت تونس للمستثمرين أن مرحلة الاضطراب قد تجاوزتها، وأنها تتجه نحو مسار إصلاح مستدام يقوم على الانضباط المالي والمسؤولية في إدارة الدين العام.
2026 سنة مفصلية بين التحدي والأمل
إن توجه تونس نحو الاقتراض من الأسواق الدولية في سنة 2026 لا يمثل مجرد عملية مالية ظرفية، بل هو تجسيد لمرحلة جديدة في إدارة الدين والسياسة المالية. فبعد سنوات من الصعوبات، استطاعت الدولة أن تعيد جزءًا من ثقة المؤسسات المالية عبر سداد التزاماتها كاملة، وهي اليوم تستعد لاختبار جديد في قدرتها على تعبئة التمويل الخارجي بشروط معقولة.
العودة إلى الأسواق الدولية تمثل من جهة فرصة حقيقية للحصول على العملة الصعبة، ودعم احتياطات البنك المركزي، ومن جهة أخرى تحديًا كبيرًا يفرض على الدولة الحفاظ على الانضباط المالي، وتنفيذ إصلاحات جوهرية تضمن استدامة الدين واستقرار الاقتصاد، بما يضمن عودة نسق النمو للاقتصاد الوطني وتحقيق مؤشرات إيجابية خلال الفترة القليلة القادمة.
سفيان المهداوي
تتجه تونس، وفقًا لما جاء في مشروع قانون المالية لسنة 2026، إلى العودة مجددًا إلى أسواق المال الدولية للاقتراض بالعملة الصعبة، في خطوة تعكس رغبة السلطات في تنويع مصادر التمويل الخارجي وتعزيز احتياطات البلاد من النقد الأجنبي. وتأتي هذه العودة بعد فترة من الغياب عن الأسواق الدولية، وفي ظرف اقتصادي يتسم بضغط مالي كبير وسعي حثيث للحفاظ على التوازنات العامة للمالية العمومية. ويُنظر إلى هذا التوجه على أنه مؤشر على تحسن الثقة في الاقتصاد الوطني، بعد نجاح تونس خلال سنة 2025 في الوفاء بكافة التزاماتها الخارجية وسداد ديونها في آجالها، بل وقبل مواعيد الاستحقاق في بعض الحالات.
تشير المعطيات الواردة في مشروع قانون المالية لسنة 2026 إلى أن احتياجات التمويل الإجمالية للدولة قد حُددت في حدود 25 مليار دينار، وهي من أعلى النسب المسجلة في السنوات الأخيرة. وتتنوع مصادر هذه التمويلات بين 19 مليار دينار من السوق الداخلية و6 مليارات دينار من المؤسسات المالية الخارجية، إلى جانب لجوء استثنائي إلى البنك المركزي بقيمة 11 مليار دينار لتغطية الفجوة التمويلية. كما تتضمن الميزانية 2,25 مليار دينار لتمويل المشاريع العمومية و200 مليون دينار قروض منتظرة.
العودة إلى الأسواق الدولية.. اختبار ثقة؟
العودة المنتظرة إلى الأسواق الدولية ليست مجرد خيار تمويلي، بل هي رهان اقتصادي وسياسي كبير. فبعد سنوات من الاعتماد شبه الكلي على التمويل المحلي والدعم من بعض المؤسسات الإقليمية، ترى الحكومة أن الوقت قد حان لاستعادة ثقة المستثمرين الدوليين وإعادة إدماج تونس في المنظومة المالية العالمية.
لكن هذه العودة لا تخلو من المخاطر، فهي اختبار حقيقي لمصداقية تونس المالية بعد سنوات من التراجع في التصنيفات الائتمانية. فالشروط التي ستُمنح لتونس في السوق العالمية ستعكس مدى ثقة المستثمرين في قدرتها على السداد واستقرارها المالي والسياسي. وبالتالي، فإن نجاح عملية الاقتراض الخارجي سيكون مؤشرًا مباشرًا على مدى قدرة البلاد على استعادة ثقة الممولين والمؤسسات المالية الدولية.
سداد الديون الخارجية في 2025.. قاعدة صلبة لبناء الثقة
الظرف الذي يسبق العودة إلى الأسواق العالمية يتميز بحدث مهم، وهو التزام تونس الكامل بسداد ديونها الخارجية خلال سنة 2025 دون أي تأخير أو إعادة جدولة. فقد تمكنت الدولة من تسديد كافة استحقاقاتها تجاه الدائنين في الآجال المحددة، بما في ذلك أقساط السندات الخارجية والقروض الثنائية والمتعددة الأطراف. وتشير المعطيات الرسمية إلى أن قيمة الديون التي سددتها تونس خلال العام المنقضي تجاوزت 18 مليار دينار، أي ما يعادل أكثر من 5 مليارات دولار أمريكي، دون تسجيل أي إخلال بالالتزامات، وهو إنجاز استثنائي بالنظر إلى الضغوط المالية التي تمر بها البلاد.
هذا الأداء المالي أعاد الثقة في الاقتصاد التونسي، إذ بدأت مؤشرات الدين العمومي تسلك منحى تنازليًا نسبيًا؛ فقد تراجعت نسبة الدين العمومي من 84,6 % من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2023 إلى حوالي 79,8 % في نهاية 2024، في حين استقر الدين الخارجي في حدود 41 مليار دولار، أي ما يعادل 90 % من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم أن هذه الأرقام ما تزال مرتفعة، فإنها تُظهر بداية تحسن في قدرة الدولة على التحكم في مديونيتها وعلى تقليص العجز تدريجيًا.
الحاجة إلى العملة الصعبة ودورها في دعم الاستقرار المالي
يُعد تأمين موارد بالعملة الصعبة من أبرز أهداف العودة إلى الأسواق المالية الدولية. فالاقتصاد التونسي يعتمد بدرجة كبيرة على الواردات لتغطية حاجاته من الطاقة والمواد الأساسية، ما يفرض ضغطًا متواصلًا على احتياطي النقد الأجنبي. وتشكل القروض الخارجية وسيلة لدعم هذا الاحتياطي، والحفاظ على استقرار الدينار في مواجهة العملات الأجنبية.
إلى جانب ذلك، فإن التمويلات بالعملات الأجنبية تُسهم في تسديد جزء من الديون الخارجية السابقة دون استنزاف موارد السوق المحلية، كما تسمح بتمويل مشاريع كبرى مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة والمناطق الصناعية. ويمثل هذا النوع من التمويل، وفق خبراء الاقتصاد لـ«الصباح»، أحد محركات النمو الاقتصادي إذا ما استُخدم في مشاريع إنتاجية تدر مداخيل بالعملة الصعبة، لا سيما في قطاعات السياحة والتصدير والخدمات اللوجستية.
التحديات المالية.. بين ضرورة الاقتراض وحذر الانزلاق
رغم أهمية العودة إلى الأسواق الدولية، فإنها لا تخلو من تحديات جوهرية. فالأسواق المالية العالمية أصبحت أكثر حذرًا تجاه الاقتصادات النامية، خاصة تلك التي تواجه صعوبات مالية وهيكلية. ومن ثم، قد تجد تونس نفسها مطالبة بدفع نسب فائدة مرتفعة نسبيًا، ما يزيد من كلفة الاقتراض على المدى المتوسط.
وفي المقابل، تظل الإصلاحات الاقتصادية والحوكمة المالية عناصر أساسية لإنجاح العودة إلى الأسواق الخارجية. فالممولون الدوليون يراقبون بدقة قدرة الدولة على تنفيذ إصلاحات هيكلية تشمل مراجعة الدعم، وتحسين مردودية المؤسسات العمومية، وتوسيع القاعدة الجبائية، وترشيد النفقات العمومية. نجاح هذه الإصلاحات سيسهل الحصول على تمويلات بشروط أفضل، ويعيد الثقة تدريجيًا في الاقتصاد الوطني.
فرصة جديدة لإعادة بناء الثقة الدولية
لا شك أن سنة 2026 ستكون محطة حاسمة في مسار المالية العمومية التونسية. فنجاح البلاد في تنفيذ هذا المخطط التمويلي سيعني عمليًا أنها استعادت موقعها في الأسواق العالمية كمقترض موثوق به، من خلال الشفافية في إدارة الدين، والوضوح في السياسات المالية، واستقرار المناخ السياسي والاقتصادي.
وتمثل العودة إلى الأسواق الخارجية فرصة لتونس ليس فقط لتعبئة موارد مالية، بل أيضًا لإعادة ترميم صورتها الاقتصادية التي تضررت خلال السنوات الأخيرة بسبب الضبابية السياسية وتدهور المؤشرات «الماكرو اقتصادية». ومن خلال هذه الخطوة، لا يستبعد الخبراء أن تُثبت تونس للمستثمرين أن مرحلة الاضطراب قد تجاوزتها، وأنها تتجه نحو مسار إصلاح مستدام يقوم على الانضباط المالي والمسؤولية في إدارة الدين العام.
2026 سنة مفصلية بين التحدي والأمل
إن توجه تونس نحو الاقتراض من الأسواق الدولية في سنة 2026 لا يمثل مجرد عملية مالية ظرفية، بل هو تجسيد لمرحلة جديدة في إدارة الدين والسياسة المالية. فبعد سنوات من الصعوبات، استطاعت الدولة أن تعيد جزءًا من ثقة المؤسسات المالية عبر سداد التزاماتها كاملة، وهي اليوم تستعد لاختبار جديد في قدرتها على تعبئة التمويل الخارجي بشروط معقولة.
العودة إلى الأسواق الدولية تمثل من جهة فرصة حقيقية للحصول على العملة الصعبة، ودعم احتياطات البنك المركزي، ومن جهة أخرى تحديًا كبيرًا يفرض على الدولة الحفاظ على الانضباط المالي، وتنفيذ إصلاحات جوهرية تضمن استدامة الدين واستقرار الاقتصاد، بما يضمن عودة نسق النمو للاقتصاد الوطني وتحقيق مؤشرات إيجابية خلال الفترة القليلة القادمة.