رغم التحديات الاقتصادية العالمية وتقلبات الأسواق، تتجه أنظار الفاعلين في القطاع السياحي نحو تونس التي تستعد لمرحلة جديدة من الانتعاش بنهاية سنة 2025 وبداية 2026.
فوفق تقرير المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، يواصل القطاع تسجيل مؤشرات إيجابية تتجاوز كل التوقعات السابقة، ما يعزز آمال تحول السياحة إلى رافعة حقيقية لدعم الاقتصاد الوطني، خاصة مع مؤشرات موسم الشتاء الواعد الذي يتشكل ليكون الأكثر نشاطا منذ سنوات.
مؤشرات إيجابية تؤسس للتفاؤل
وكشف التقرير الأخير للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات والذي تحصلت «الصباح» على نسخة منه، أن القطاع السياحي التونسي واصل أداءه الإيجابي خلال صيف 2025، حيث بلغ عدد الوافدين إلى حدود شهر جويلية حوالي 5.3 ملايين سائح، مسجلا ارتفاعا بنسبة 9.8 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، حين بلغ العدد 4.8 ملايين. كما شهدت العائدات السياحية زيادة ملحوظة لتصل إلى 5.4 مليارات دينار حتى نهاية شهر أوت، أي بارتفاع قدره 8 بالمائة عن السنة الماضية.
وبحسب التقديرات الأولية، يُتوقع أن يصل إجمالي عدد الوافدين إلى قرابة 11 مليون سائح مع نهاية 2025، وأن ترتفع العائدات إلى 7.8 مليارات دينار، على أن تواصل المنحى التصاعدي في 2026 لتلامس 8.1 مليارات دينار، وهو ما يجعل السياحة أحد أهم روافد الاقتصاد الوطني ومصدرا رئيسيا للعملة الصعبة.
القطاع في مسار تصاعدي رغم المنافسة الإقليمية
أرقام النمو في تونس تكتسب أهمية إضافية بالنظر إلى المشهد السياحي الإقليمي والعالمي. فبحسب بيانات المنظمة العالمية للسياحة، بلغ عدد السياح العالمي سنة 2024 حوالي 1.4 مليار، وهو أعلى مستوى منذ 2019. وقد انعكس هذا التعافي على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث ارتفع عدد الوافدين إلى أكثر من 132 مليون سائح.
في هذا السياق، استقبل المغرب نحو 17.4 مليون سائح، فيما جذبت مصر حوالي 15.7 مليونا، بينما نجحت تونس في تجاوز حاجز 10.2 ملايين زائر لأول مرة منذ 2019، وهو ما يؤكد استعادة القطاع لعافيته تدريجيا، وقدرته على المنافسة رغم محدودية الإمكانيات مقارنة بجيرانه.
موسم شتوي غير مسبوق في الأفق
تتجه الأنظار الآن نحو موسم الشتاء 2025-2026 الذي تشير المعطيات إلى أنه سيكون أحد أقوى المواسم السياحية في السنوات الأخيرة. ووفق ما كشفه رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار في تصريحات حديثة لـ»الصباح»، فإن نسبة الحجوزات الشتوية ارتفعت بنحو 8 بالمائة مقارنة بالموسم الماضي، وأن عدد السياح المتوقع قد يتراوح بين 1.4 و1.6 مليون زائر خلال الفترة الممتدة من ديسمبر 2025 إلى مارس 2026.
وتشمل هذه الزيادة، وفق المعهد العربي، حجوزات مبكرة من الأسواق التقليدية الأوروبية، خاصة فرنسا وألمانيا وإيطاليا، إلى جانب عودة تدريجية للأسواق الجزائرية والليبية، واهتمام متزايد من أسواق جديدة في أوروبا الشرقية والخليج وآسيا. كما شهدت مناطق الجنوب والوسط، مثل توزر ودوز وجربة، انتعاشا في الحجوزات الخاصة بالسياحة الصحراوية والبيئية والعلاجية، ما يعكس تحولا نوعيا في طبيعة الطلب السياحي.
ارتفاع الاستثمارات وتنوّع العروض
أفاد مسؤولو وحدات فندقية في مناطق الساحل وجربة وسوسة لـ«الصباح»، أن نسبة الإشغال خلال النصف الثاني من سنة 2025 بلغت حوالي 70 بالمائة في بعض الفترات، وهو معدل مرتفع مقارنة بالسنوات الماضية، مع تزايد الطلب على العروض الشاملة والإقامات الطويلة.
ووفق بيانات تحليلية لمنصات الحجز العالمية، سجلت تونس في نهاية صيف 2025 زيادة في عمليات البحث والحجز بنسبة تفوق 12 بالمائة، خاصة نحو الوجهات غير الساحلية، ما يشير إلى تحول في السلوك السياحي نحو التجارب الثقافية والبيئية بدل الاكتفاء بالسياحة الشاطئية.
وفي السياق ذاته، أظهرت تقارير دولية أن الفنادق التونسية متوسطة التصنيف (3 نجوم) تشهد طلبا متزايدا في موسم الشتاء، مدفوعة بانخفاض الأسعار النسبي وتطور البنية التحتية للنقل الجوي نحو المناطق الداخلية. وقد ساهمت شركات الطيران منخفضة التكلفة في تعزيز الوصول إلى مطارات جربة وتوزر والمنستير، مما أعطى دفعة إضافية للحجوزات الشتوية.
السياحة الشتوية كرافعة اقتصادية جديدة
تُعد السياحة الشتوية إحدى الأوراق الرابحة لتونس في المرحلة المقبلة، إذ تسعى السلطات إلى تحويل الموسم البارد من فترة ركود إلى رافد رئيسي للدخل. ويؤكد خبراء المعهد العربي لرؤساء المؤسسات أن توسيع الموسم السياحي على مدار السنة يتيح توزيع النشاط الاقتصادي ويقلص الفوارق الجهوية، خاصة في المناطق الداخلية التي تمتلك إمكانات طبيعية وثقافية هائلة. ويشير التقرير إلى أن تنويع المنتوج السياحي — من السياحة الصحراوية إلى العلاجية والثقافية — يمكن أن يرفع معدل الإقامة إلى أكثر من 6 ليالٍ للفرد الواحد في بعض الجهات، مقابل متوسط لا يتجاوز 4 ليالٍ في الصيف. كما ينتظر أن تساهم الأنشطة المرافقة كالمهرجانات الشتوية وأسواق الصناعات التقليدية في خلق آلاف مواطن الشغل الموسمية، وتنشيط الحركية التجارية.
أسواق جديدة ووجهات صاعدة
وبالموازاة مع السوق الأوروبية التقليدية، تعمل تونس على التوسع نحو أسواق واعدة. وتشير وزارة السياحة إلى مفاوضات متقدمة لفتح خطوط جوية مباشرة مع بولندا والتشيك والمجر بحلول صيف 2026، إضافة إلى تعزيز الرحلات مع دول الخليج خصوصا قطر والسعودية والإمارات. كما بدأت وكالات أسفار من الهند والصين بإدراج تونس ضمن برامجها الشتوية للعام المقبل، وهو ما قد يشكل نقلة نوعية في تنويع مصادر الوافدين.
اللافت أن السياحة التونسية تواصل تعافيها رغم الصعوبات الاقتصادية، إذ مثّلت السوق الجزائرية نحو 30 بالمائة من إجمالي الوافدين في النصف الأول من 2025، ويتوقع أن تساهم بقرابة 3 ملايين سائح بنهاية العام. أما السياحة الليبية، فقد شهدت عودة تدريجية منذ النصف الثاني من 2024 بفضل تسهيلات العبور وتوسيع شبكة الفنادق الحدودية.
انعكاسات اقتصادية مباشرة
أظهرت البيانات المالية للبنك المركزي التونسي أن العائدات السياحية حتى 10 أكتوبر 2025 تجاوزت 6.5 مليار دينار، وهو رقم قياسي ساهم في تقليص عجز الحساب الجاري وتحسين احتياطي العملة الأجنبية. وتشير تقديرات أولية إلى أن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي قد تصل إلى 1.5 بالمائة إضافية بنهاية 2025، بفضل تحسن التدفقات المالية من الأسواق الأوروبية والعربية.
كما أن توسع النشاط الشتوي يعني استمرارية التشغيل في القطاع الفندقي والنقل، مما يقلل من التسريحات الموسمية المعتادة ويضمن مداخيل قارة للعاملين في السياحة والخدمات المرتبطة بها. ويعتبر المعهد العربي أن استقرار المداخيل عبر الفصول يمثل أحد مفاتيح تحسين التوازنات الماكرو-اقتصادية لتونس في المدى المتوسط.
تحديات قائمة وآفاق مفتوحة
رغم هذا النسق الإيجابي، ما تزال عدة تحديات ماثلة أمام القطاع، أبرزها المنافسة القوية من وجهات متوسطية مثل تركيا والمغرب ومصر التي تقدم عروضا بأسعار منخفضة وحملات ترويجية ضخمة. كما تواجه تونس بعض الصعوبات في النقل الجوي مع محدودية الرحلات المباشرة من الأسواق البعيدة، فضلا عن الحاجة إلى تحسين الخدمات الفندقية والرقمنة في منظومة الحجز والدفع.
غير أن التقارير الميدانية تشير إلى تحسن ملحوظ في جودة الخدمات والتجهيزات، خصوصا بعد انخراط عدد من المستثمرين المحليين في برامج التحديث التي أطلقتها وزارة السياحة بالتعاون مع البنك التونسي للتضامن والمؤسسات الخاصة. كما أُطلقت مبادرات رقمية لتوحيد أنظمة الحجز الإلكترونية في القطاع، وهو ما يسهل التتبع الإحصائي ويزيد من شفافية الأداء.
توصيات المعهد العربي لرؤساء المؤسسات
يؤكد المعهد في ختام تقريره على ضرورة استغلال الظرف الإقليمي والعالمي الراهن لتكريس مكانة تونس كوجهة سياحية متكاملة على مدار العام، داعيا إلى الإسراع في الإصلاحات القانونية التي تدعم الاستثمار في السياحة وتقلّص البيروقراطية. كما يشدد على أهمية التحول الرقمي لتطوير التسويق الإلكتروني واستهداف الأسواق الجديدة بأساليب عصرية.
ويوصي المعهد بضرورة تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتمويل مشاريع البنية التحتية والفنادق، وبتوسيع برامج التكوين في المهن السياحية لتأهيل اليد العاملة المحلية. كما دعا إلى اعتماد سياسة واضحة لترشيد الدعم وتوجيهه نحو الأنشطة المنتجة، بما يسهم في تدعيم مخزون العملة الصعبة وتقليص العجز التجاري، فضلا عن خلق مواطن شغل مستدامة وتعزيز النمو في الجهات الداخلية.
وبين أرقام جيدة وتوقعات متفائلة، تبدو تونس على موعد مع تحول نوعي في قطاعها السياحي خلال السنتين المقبلتين. فإذا نجحت في تثبيت نسق الأداء الحالي واستثمار الموسم الشتوي القادم، فإن سنة 2026 قد تكون بداية مرحلة جديدة تُكرّس البلاد كوجهة سياحية متوسطية رائدة تجمع بين دفء الشواطئ وسحر الصحراء وتنوع التجارب على مدار العام.
السياحة التونسية، اليوم، لا تراهن فقط على موسم صيفي ناجح، بل على سنة كاملة من الحيوية الاقتصادية المتجددة، تقودها رؤية جديدة تتطلع إلى المستقبل بثقة وتفاؤل.
سفيان المهداوي
رغم التحديات الاقتصادية العالمية وتقلبات الأسواق، تتجه أنظار الفاعلين في القطاع السياحي نحو تونس التي تستعد لمرحلة جديدة من الانتعاش بنهاية سنة 2025 وبداية 2026.
فوفق تقرير المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، يواصل القطاع تسجيل مؤشرات إيجابية تتجاوز كل التوقعات السابقة، ما يعزز آمال تحول السياحة إلى رافعة حقيقية لدعم الاقتصاد الوطني، خاصة مع مؤشرات موسم الشتاء الواعد الذي يتشكل ليكون الأكثر نشاطا منذ سنوات.
مؤشرات إيجابية تؤسس للتفاؤل
وكشف التقرير الأخير للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات والذي تحصلت «الصباح» على نسخة منه، أن القطاع السياحي التونسي واصل أداءه الإيجابي خلال صيف 2025، حيث بلغ عدد الوافدين إلى حدود شهر جويلية حوالي 5.3 ملايين سائح، مسجلا ارتفاعا بنسبة 9.8 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، حين بلغ العدد 4.8 ملايين. كما شهدت العائدات السياحية زيادة ملحوظة لتصل إلى 5.4 مليارات دينار حتى نهاية شهر أوت، أي بارتفاع قدره 8 بالمائة عن السنة الماضية.
وبحسب التقديرات الأولية، يُتوقع أن يصل إجمالي عدد الوافدين إلى قرابة 11 مليون سائح مع نهاية 2025، وأن ترتفع العائدات إلى 7.8 مليارات دينار، على أن تواصل المنحى التصاعدي في 2026 لتلامس 8.1 مليارات دينار، وهو ما يجعل السياحة أحد أهم روافد الاقتصاد الوطني ومصدرا رئيسيا للعملة الصعبة.
القطاع في مسار تصاعدي رغم المنافسة الإقليمية
أرقام النمو في تونس تكتسب أهمية إضافية بالنظر إلى المشهد السياحي الإقليمي والعالمي. فبحسب بيانات المنظمة العالمية للسياحة، بلغ عدد السياح العالمي سنة 2024 حوالي 1.4 مليار، وهو أعلى مستوى منذ 2019. وقد انعكس هذا التعافي على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث ارتفع عدد الوافدين إلى أكثر من 132 مليون سائح.
في هذا السياق، استقبل المغرب نحو 17.4 مليون سائح، فيما جذبت مصر حوالي 15.7 مليونا، بينما نجحت تونس في تجاوز حاجز 10.2 ملايين زائر لأول مرة منذ 2019، وهو ما يؤكد استعادة القطاع لعافيته تدريجيا، وقدرته على المنافسة رغم محدودية الإمكانيات مقارنة بجيرانه.
موسم شتوي غير مسبوق في الأفق
تتجه الأنظار الآن نحو موسم الشتاء 2025-2026 الذي تشير المعطيات إلى أنه سيكون أحد أقوى المواسم السياحية في السنوات الأخيرة. ووفق ما كشفه رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار في تصريحات حديثة لـ»الصباح»، فإن نسبة الحجوزات الشتوية ارتفعت بنحو 8 بالمائة مقارنة بالموسم الماضي، وأن عدد السياح المتوقع قد يتراوح بين 1.4 و1.6 مليون زائر خلال الفترة الممتدة من ديسمبر 2025 إلى مارس 2026.
وتشمل هذه الزيادة، وفق المعهد العربي، حجوزات مبكرة من الأسواق التقليدية الأوروبية، خاصة فرنسا وألمانيا وإيطاليا، إلى جانب عودة تدريجية للأسواق الجزائرية والليبية، واهتمام متزايد من أسواق جديدة في أوروبا الشرقية والخليج وآسيا. كما شهدت مناطق الجنوب والوسط، مثل توزر ودوز وجربة، انتعاشا في الحجوزات الخاصة بالسياحة الصحراوية والبيئية والعلاجية، ما يعكس تحولا نوعيا في طبيعة الطلب السياحي.
ارتفاع الاستثمارات وتنوّع العروض
أفاد مسؤولو وحدات فندقية في مناطق الساحل وجربة وسوسة لـ«الصباح»، أن نسبة الإشغال خلال النصف الثاني من سنة 2025 بلغت حوالي 70 بالمائة في بعض الفترات، وهو معدل مرتفع مقارنة بالسنوات الماضية، مع تزايد الطلب على العروض الشاملة والإقامات الطويلة.
ووفق بيانات تحليلية لمنصات الحجز العالمية، سجلت تونس في نهاية صيف 2025 زيادة في عمليات البحث والحجز بنسبة تفوق 12 بالمائة، خاصة نحو الوجهات غير الساحلية، ما يشير إلى تحول في السلوك السياحي نحو التجارب الثقافية والبيئية بدل الاكتفاء بالسياحة الشاطئية.
وفي السياق ذاته، أظهرت تقارير دولية أن الفنادق التونسية متوسطة التصنيف (3 نجوم) تشهد طلبا متزايدا في موسم الشتاء، مدفوعة بانخفاض الأسعار النسبي وتطور البنية التحتية للنقل الجوي نحو المناطق الداخلية. وقد ساهمت شركات الطيران منخفضة التكلفة في تعزيز الوصول إلى مطارات جربة وتوزر والمنستير، مما أعطى دفعة إضافية للحجوزات الشتوية.
السياحة الشتوية كرافعة اقتصادية جديدة
تُعد السياحة الشتوية إحدى الأوراق الرابحة لتونس في المرحلة المقبلة، إذ تسعى السلطات إلى تحويل الموسم البارد من فترة ركود إلى رافد رئيسي للدخل. ويؤكد خبراء المعهد العربي لرؤساء المؤسسات أن توسيع الموسم السياحي على مدار السنة يتيح توزيع النشاط الاقتصادي ويقلص الفوارق الجهوية، خاصة في المناطق الداخلية التي تمتلك إمكانات طبيعية وثقافية هائلة. ويشير التقرير إلى أن تنويع المنتوج السياحي — من السياحة الصحراوية إلى العلاجية والثقافية — يمكن أن يرفع معدل الإقامة إلى أكثر من 6 ليالٍ للفرد الواحد في بعض الجهات، مقابل متوسط لا يتجاوز 4 ليالٍ في الصيف. كما ينتظر أن تساهم الأنشطة المرافقة كالمهرجانات الشتوية وأسواق الصناعات التقليدية في خلق آلاف مواطن الشغل الموسمية، وتنشيط الحركية التجارية.
أسواق جديدة ووجهات صاعدة
وبالموازاة مع السوق الأوروبية التقليدية، تعمل تونس على التوسع نحو أسواق واعدة. وتشير وزارة السياحة إلى مفاوضات متقدمة لفتح خطوط جوية مباشرة مع بولندا والتشيك والمجر بحلول صيف 2026، إضافة إلى تعزيز الرحلات مع دول الخليج خصوصا قطر والسعودية والإمارات. كما بدأت وكالات أسفار من الهند والصين بإدراج تونس ضمن برامجها الشتوية للعام المقبل، وهو ما قد يشكل نقلة نوعية في تنويع مصادر الوافدين.
اللافت أن السياحة التونسية تواصل تعافيها رغم الصعوبات الاقتصادية، إذ مثّلت السوق الجزائرية نحو 30 بالمائة من إجمالي الوافدين في النصف الأول من 2025، ويتوقع أن تساهم بقرابة 3 ملايين سائح بنهاية العام. أما السياحة الليبية، فقد شهدت عودة تدريجية منذ النصف الثاني من 2024 بفضل تسهيلات العبور وتوسيع شبكة الفنادق الحدودية.
انعكاسات اقتصادية مباشرة
أظهرت البيانات المالية للبنك المركزي التونسي أن العائدات السياحية حتى 10 أكتوبر 2025 تجاوزت 6.5 مليار دينار، وهو رقم قياسي ساهم في تقليص عجز الحساب الجاري وتحسين احتياطي العملة الأجنبية. وتشير تقديرات أولية إلى أن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي قد تصل إلى 1.5 بالمائة إضافية بنهاية 2025، بفضل تحسن التدفقات المالية من الأسواق الأوروبية والعربية.
كما أن توسع النشاط الشتوي يعني استمرارية التشغيل في القطاع الفندقي والنقل، مما يقلل من التسريحات الموسمية المعتادة ويضمن مداخيل قارة للعاملين في السياحة والخدمات المرتبطة بها. ويعتبر المعهد العربي أن استقرار المداخيل عبر الفصول يمثل أحد مفاتيح تحسين التوازنات الماكرو-اقتصادية لتونس في المدى المتوسط.
تحديات قائمة وآفاق مفتوحة
رغم هذا النسق الإيجابي، ما تزال عدة تحديات ماثلة أمام القطاع، أبرزها المنافسة القوية من وجهات متوسطية مثل تركيا والمغرب ومصر التي تقدم عروضا بأسعار منخفضة وحملات ترويجية ضخمة. كما تواجه تونس بعض الصعوبات في النقل الجوي مع محدودية الرحلات المباشرة من الأسواق البعيدة، فضلا عن الحاجة إلى تحسين الخدمات الفندقية والرقمنة في منظومة الحجز والدفع.
غير أن التقارير الميدانية تشير إلى تحسن ملحوظ في جودة الخدمات والتجهيزات، خصوصا بعد انخراط عدد من المستثمرين المحليين في برامج التحديث التي أطلقتها وزارة السياحة بالتعاون مع البنك التونسي للتضامن والمؤسسات الخاصة. كما أُطلقت مبادرات رقمية لتوحيد أنظمة الحجز الإلكترونية في القطاع، وهو ما يسهل التتبع الإحصائي ويزيد من شفافية الأداء.
توصيات المعهد العربي لرؤساء المؤسسات
يؤكد المعهد في ختام تقريره على ضرورة استغلال الظرف الإقليمي والعالمي الراهن لتكريس مكانة تونس كوجهة سياحية متكاملة على مدار العام، داعيا إلى الإسراع في الإصلاحات القانونية التي تدعم الاستثمار في السياحة وتقلّص البيروقراطية. كما يشدد على أهمية التحول الرقمي لتطوير التسويق الإلكتروني واستهداف الأسواق الجديدة بأساليب عصرية.
ويوصي المعهد بضرورة تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتمويل مشاريع البنية التحتية والفنادق، وبتوسيع برامج التكوين في المهن السياحية لتأهيل اليد العاملة المحلية. كما دعا إلى اعتماد سياسة واضحة لترشيد الدعم وتوجيهه نحو الأنشطة المنتجة، بما يسهم في تدعيم مخزون العملة الصعبة وتقليص العجز التجاري، فضلا عن خلق مواطن شغل مستدامة وتعزيز النمو في الجهات الداخلية.
وبين أرقام جيدة وتوقعات متفائلة، تبدو تونس على موعد مع تحول نوعي في قطاعها السياحي خلال السنتين المقبلتين. فإذا نجحت في تثبيت نسق الأداء الحالي واستثمار الموسم الشتوي القادم، فإن سنة 2026 قد تكون بداية مرحلة جديدة تُكرّس البلاد كوجهة سياحية متوسطية رائدة تجمع بين دفء الشواطئ وسحر الصحراء وتنوع التجارب على مدار العام.
السياحة التونسية، اليوم، لا تراهن فقط على موسم صيفي ناجح، بل على سنة كاملة من الحيوية الاقتصادية المتجددة، تقودها رؤية جديدة تتطلع إلى المستقبل بثقة وتفاؤل.