إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

باحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل لـ«الصباح»: الجمع بين الإصلاح والتفكيك وإعادة البناء الحل الأمثل لأزمة المجمع الكيميائي بقابس

- إصلاح المجمع الكيميائي بقابس يحتاج الى ما بين 500 و700 مليون دولار

- التفكيك وإعادة البناء يتطلب تمويلات بحوالي 2 مليار دولار

- إحداث مجمع جديد سيقلص التلوث بنسبة 90 % مع معالجة كاملة لمخلفات الفوسفوجيبس

احتجاجات في قابس ومطالب بإيجاد حل عاجل للغازات المنبعثة من المجمع الكيميائي، إثر تتالي حالات الاختناق في صفوف التلاميذ نتيجة الأزمة البيئية والصناعية العميقة الناتجة عن تراكم المشاكل التقنية والتلوث الذي يسببه المجمع الكيميائي التابع للمجموعة الكيميائية التونسية (GCT). ومن أبرز المطالب التي رفعها المحتجون إيقاف المجمع عن النشاط إلى حين القضاء على أسباب الانبعاثات المتسببة في أضرار صحية وبيئية جسيمة.

«الصباح»، ومن خلال هذا المقال، استطلعت رأي الأستاذ بجامعة «السوربون» والباحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل وسام الأسود، بشأن الحلول الممكنة لإنهاء هذا الكابوس الذي يؤرق أهالي قابس وتكلفته على المجموعة الوطنية.

حيث شرح الباحث في الشؤون الجيواستراتيجية الوضع في قابس قائلا: «إن المجمع الكيميائي يُعد مصدرا رئيسيا للصادرات التونسية، إلا أن ما يتسبب فيه من تسرب لغاز الأمونياك وتراكم الفوسفوجيبس في البحر، وتلوث التربة والمياه، يؤدي إلى ارتفاع معدلات الأمراض التنفسية والسرطانية بين السكان».

واعتبر مصدرنا أن إسداء رئيس الجمهورية تعليماته بتوجيه فريق مشترك من وزارتي الصناعة والمناجم والطاقة ووزارة البيئة إلى معمل الحامض الفسفوري بالمجمع الكيميائي بقابس لإصلاح ما يجب إصلاحه في أسرع وقت، ومتابعته للوضع بصفة مستمرة، والوقوف على عديد الإخلالات سواء في عمليات الصيانة والتشغيل التي أدت إلى تسربات الغاز أو في مستوى عدم إجراء الاختبارات المطلوبة على المعدات في المواعيد المحددة، وتشديده على الإسراع بوضع خطة استراتيجية لوضع حد نهائي لهذه الكوارث البيئية، يُعد خطوة مهمة جدًا.

وشرح وسام الأسود لـ«الصباح» أن الحكومة التونسية أمام خيارين رئيسيين لمواجهة هذه الأزمة، مع مراعاة التوازن بين الاستدامة البيئية والحفاظ على الاقتصاد الوطني، الذي يعتمد بدرجة كبيرة على صناعة الفسفاط.

وأوضح أن الخيار الأول يتمثل في الإصلاح والتحديث الشامل من خلال إصلاح الوحدات الإنتاجية الحالية ورفع كفاءتها، مع تحديث أنظمة السلامة والبيئة وإعادة تشغيل الوحدات المتوقفة.

وقدّر مصدرنا تكلفة هذه العملية بما بين 500 و700 مليون دولار، مؤكدا أن هذا الخيار من شأنه تحسين الوضع نسبيا، خاصة من خلال تركيب أنظمة تصفية لإعادة استعمال المياه وتقليل النفايات. وهو ما خُطط له، وفق الأسود، في مشروع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مع شركة فسفاط قفصة، مبينًا أن تكلفة المشروع تُقدر بـ110 ملايين يورو للفترة 2025-2026، وفق تقرير EBRD لسنة 2025.

وبيّن أن هذا الخيار من شأنه أن يحل الأزمة في قابس نسبيا، كما سيجنب فقدان حوالي 27 ألف شخص في قفصة وقابس لوظائفهم.

وفي ما يتعلق بالخيار الثاني، فيتمثل حسب مصدرنا في التفكيك وإعادة البناء الكامل للمجمع الكيميائي بقابس، وفق معايير دولية متقدمة تكنولوجيا وبيئيا.

وقدّر الباحث في الشؤون الجيواستراتيجية تكلفة المشروع بما بين 1.5 و2 مليار دولار، معتبرا أن الدخول في شراكات استراتيجية مع دول آسيوية مثل الصين، الرائدة في إنتاج الفسفاط، واليابان وكوريا الجنوبية المتخصصتين في التقنيات النظيفة، يمثل أحد أهم الخيارات الاستراتيجية لإحداث مجمع جديد بمواصفات تكنولوجية وتقنية متطورة.

واعتبر أن هذا المشروع قادر على حل أزمة التلوث في قابس من جذورها، عبر معالجة الفوسفوجيبس وخفض الانبعاثات بتكنولوجيا الجيل الثالث، مشيرا إلى أن تجسيد المشروع على أرض الواقع يتطلب تمويلا دوليا، على غرار التمويلات التي يمكن الحصول عليها من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.

وأردف الباحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل مبينا أن المشروع سيتيح إنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية، مما سيعزز عائدات تونس من التصدير.

الجمع بين الخيارين… حل أمثل

واعتبر وسام الأسود، أستاذ وباحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل، لـ«الصباح» أن الحل الأمثل هو الجمع بين الخيارين، حتى لا تتكبد تونس خسائر بسبب توقف عمل المجمع وخسارة آلاف العمال لوظائفهم.

وأكد في هذا الصدد أهمية الانطلاق الفوري في الإصلاح لتقليص المخاطر البيئية وحماية مواطن الشغل، بالتوازي مع إعداد رؤية انتقالية نحو بناء مجمع جديد نظيف ومتطور. وشدد على أن الجمع بين ما هو عاجل، وهو الإصلاح، وما هو استراتيجي على المدى البعيد، وهو إعادة البناء، هو السبيل الواقعي لتحقيق العدالة البيئية والنجاعة الاقتصادية معًا.

وأكد الباحث أن من أهم الخطوات لإنهاء أزمة التلوث في كل من قابس وقفصة، تجميع كل وحدات المجمع الكيميائي التونسي في مجمع صناعي واحد حديث خارج المناطق السكنية، لضمان السلامة والفعالية، على أن يتم التنفيذ بخطة انتقالية دقيقة وتمويل أخضر يضمن حماية المنطقة من التلوث واستدامة النشاط الصناعي.

وفي شرحه لكل خيار بحساب الأرقام، بيّن أن الإصلاح والتحديث أقل كلفة، إذ يُقدّر بنحو 0.6 مليار دولار، لكنه يحقق فوائد محدودة نسبيا تبلغ 60 نقطة على مقياس الفوائد المجمعة، مع زيادة إنتاجية بين 10 و15 % وتقليص التلوث بنسبة تتراوح بين 20 و30 % دون معالجة جذرية.

وفي المقابل، بيّن أن خيار التفكيك وإعادة البناء يتطلب استثمارًا أكبر بنحو 1.75 مليار دولار، إلا أنه يحقق نتائج باهرة تبلغ 90 نقطة على مقياس الفوائد، مع زيادة في الإنتاجية بين 40 و60 %، وبعائدات سنوية تُقدّر بـ2.7 مليار دولار، بالإضافة إلى تقليص التلوث بنسبة تصل إلى
90 % مع معالجة كاملة لمخلفات الفوسفوجيبس.

وختم وسام الأسود، الباحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل، مؤكدا أن الخيار الثاني، وهو خيار التفكيك وإعادة الإحداث، ورغم ارتفاع كلفته، يُعد الخيار الأكثر جدوى واستدامة على المدى الطويل بفضل تفوقه البيئي والاقتصادي الواضح، إلا أن الجمع بين الخيارين يبقى ضروريا من أجل تقليص الانبعاثات الضارة من جهة، والحفاظ على مواطن الشغل والعائدات المالية للمجمع من جهة أخرى، مع الانطلاق في إعداد استراتيجيات انتقالية مدروسة لإعادة البناء، بما يحقق تحولاً جذريًا يتماشى مع خطة الحكومة 2025-2030 التي تهدف إلى زيادة الإنتاج إلى 14 مليون طن بحلول سنة 2030.

حنان قيراط

باحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل لـ«الصباح»:   الجمع بين الإصلاح والتفكيك وإعادة البناء الحل الأمثل لأزمة المجمع الكيميائي بقابس

- إصلاح المجمع الكيميائي بقابس يحتاج الى ما بين 500 و700 مليون دولار

- التفكيك وإعادة البناء يتطلب تمويلات بحوالي 2 مليار دولار

- إحداث مجمع جديد سيقلص التلوث بنسبة 90 % مع معالجة كاملة لمخلفات الفوسفوجيبس

احتجاجات في قابس ومطالب بإيجاد حل عاجل للغازات المنبعثة من المجمع الكيميائي، إثر تتالي حالات الاختناق في صفوف التلاميذ نتيجة الأزمة البيئية والصناعية العميقة الناتجة عن تراكم المشاكل التقنية والتلوث الذي يسببه المجمع الكيميائي التابع للمجموعة الكيميائية التونسية (GCT). ومن أبرز المطالب التي رفعها المحتجون إيقاف المجمع عن النشاط إلى حين القضاء على أسباب الانبعاثات المتسببة في أضرار صحية وبيئية جسيمة.

«الصباح»، ومن خلال هذا المقال، استطلعت رأي الأستاذ بجامعة «السوربون» والباحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل وسام الأسود، بشأن الحلول الممكنة لإنهاء هذا الكابوس الذي يؤرق أهالي قابس وتكلفته على المجموعة الوطنية.

حيث شرح الباحث في الشؤون الجيواستراتيجية الوضع في قابس قائلا: «إن المجمع الكيميائي يُعد مصدرا رئيسيا للصادرات التونسية، إلا أن ما يتسبب فيه من تسرب لغاز الأمونياك وتراكم الفوسفوجيبس في البحر، وتلوث التربة والمياه، يؤدي إلى ارتفاع معدلات الأمراض التنفسية والسرطانية بين السكان».

واعتبر مصدرنا أن إسداء رئيس الجمهورية تعليماته بتوجيه فريق مشترك من وزارتي الصناعة والمناجم والطاقة ووزارة البيئة إلى معمل الحامض الفسفوري بالمجمع الكيميائي بقابس لإصلاح ما يجب إصلاحه في أسرع وقت، ومتابعته للوضع بصفة مستمرة، والوقوف على عديد الإخلالات سواء في عمليات الصيانة والتشغيل التي أدت إلى تسربات الغاز أو في مستوى عدم إجراء الاختبارات المطلوبة على المعدات في المواعيد المحددة، وتشديده على الإسراع بوضع خطة استراتيجية لوضع حد نهائي لهذه الكوارث البيئية، يُعد خطوة مهمة جدًا.

وشرح وسام الأسود لـ«الصباح» أن الحكومة التونسية أمام خيارين رئيسيين لمواجهة هذه الأزمة، مع مراعاة التوازن بين الاستدامة البيئية والحفاظ على الاقتصاد الوطني، الذي يعتمد بدرجة كبيرة على صناعة الفسفاط.

وأوضح أن الخيار الأول يتمثل في الإصلاح والتحديث الشامل من خلال إصلاح الوحدات الإنتاجية الحالية ورفع كفاءتها، مع تحديث أنظمة السلامة والبيئة وإعادة تشغيل الوحدات المتوقفة.

وقدّر مصدرنا تكلفة هذه العملية بما بين 500 و700 مليون دولار، مؤكدا أن هذا الخيار من شأنه تحسين الوضع نسبيا، خاصة من خلال تركيب أنظمة تصفية لإعادة استعمال المياه وتقليل النفايات. وهو ما خُطط له، وفق الأسود، في مشروع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مع شركة فسفاط قفصة، مبينًا أن تكلفة المشروع تُقدر بـ110 ملايين يورو للفترة 2025-2026، وفق تقرير EBRD لسنة 2025.

وبيّن أن هذا الخيار من شأنه أن يحل الأزمة في قابس نسبيا، كما سيجنب فقدان حوالي 27 ألف شخص في قفصة وقابس لوظائفهم.

وفي ما يتعلق بالخيار الثاني، فيتمثل حسب مصدرنا في التفكيك وإعادة البناء الكامل للمجمع الكيميائي بقابس، وفق معايير دولية متقدمة تكنولوجيا وبيئيا.

وقدّر الباحث في الشؤون الجيواستراتيجية تكلفة المشروع بما بين 1.5 و2 مليار دولار، معتبرا أن الدخول في شراكات استراتيجية مع دول آسيوية مثل الصين، الرائدة في إنتاج الفسفاط، واليابان وكوريا الجنوبية المتخصصتين في التقنيات النظيفة، يمثل أحد أهم الخيارات الاستراتيجية لإحداث مجمع جديد بمواصفات تكنولوجية وتقنية متطورة.

واعتبر أن هذا المشروع قادر على حل أزمة التلوث في قابس من جذورها، عبر معالجة الفوسفوجيبس وخفض الانبعاثات بتكنولوجيا الجيل الثالث، مشيرا إلى أن تجسيد المشروع على أرض الواقع يتطلب تمويلا دوليا، على غرار التمويلات التي يمكن الحصول عليها من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.

وأردف الباحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل مبينا أن المشروع سيتيح إنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية، مما سيعزز عائدات تونس من التصدير.

الجمع بين الخيارين… حل أمثل

واعتبر وسام الأسود، أستاذ وباحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل، لـ«الصباح» أن الحل الأمثل هو الجمع بين الخيارين، حتى لا تتكبد تونس خسائر بسبب توقف عمل المجمع وخسارة آلاف العمال لوظائفهم.

وأكد في هذا الصدد أهمية الانطلاق الفوري في الإصلاح لتقليص المخاطر البيئية وحماية مواطن الشغل، بالتوازي مع إعداد رؤية انتقالية نحو بناء مجمع جديد نظيف ومتطور. وشدد على أن الجمع بين ما هو عاجل، وهو الإصلاح، وما هو استراتيجي على المدى البعيد، وهو إعادة البناء، هو السبيل الواقعي لتحقيق العدالة البيئية والنجاعة الاقتصادية معًا.

وأكد الباحث أن من أهم الخطوات لإنهاء أزمة التلوث في كل من قابس وقفصة، تجميع كل وحدات المجمع الكيميائي التونسي في مجمع صناعي واحد حديث خارج المناطق السكنية، لضمان السلامة والفعالية، على أن يتم التنفيذ بخطة انتقالية دقيقة وتمويل أخضر يضمن حماية المنطقة من التلوث واستدامة النشاط الصناعي.

وفي شرحه لكل خيار بحساب الأرقام، بيّن أن الإصلاح والتحديث أقل كلفة، إذ يُقدّر بنحو 0.6 مليار دولار، لكنه يحقق فوائد محدودة نسبيا تبلغ 60 نقطة على مقياس الفوائد المجمعة، مع زيادة إنتاجية بين 10 و15 % وتقليص التلوث بنسبة تتراوح بين 20 و30 % دون معالجة جذرية.

وفي المقابل، بيّن أن خيار التفكيك وإعادة البناء يتطلب استثمارًا أكبر بنحو 1.75 مليار دولار، إلا أنه يحقق نتائج باهرة تبلغ 90 نقطة على مقياس الفوائد، مع زيادة في الإنتاجية بين 40 و60 %، وبعائدات سنوية تُقدّر بـ2.7 مليار دولار، بالإضافة إلى تقليص التلوث بنسبة تصل إلى
90 % مع معالجة كاملة لمخلفات الفوسفوجيبس.

وختم وسام الأسود، الباحث في الشؤون الجيواستراتيجية واللوجيستيك الشامل، مؤكدا أن الخيار الثاني، وهو خيار التفكيك وإعادة الإحداث، ورغم ارتفاع كلفته، يُعد الخيار الأكثر جدوى واستدامة على المدى الطويل بفضل تفوقه البيئي والاقتصادي الواضح، إلا أن الجمع بين الخيارين يبقى ضروريا من أجل تقليص الانبعاثات الضارة من جهة، والحفاظ على مواطن الشغل والعائدات المالية للمجمع من جهة أخرى، مع الانطلاق في إعداد استراتيجيات انتقالية مدروسة لإعادة البناء، بما يحقق تحولاً جذريًا يتماشى مع خطة الحكومة 2025-2030 التي تهدف إلى زيادة الإنتاج إلى 14 مليون طن بحلول سنة 2030.

حنان قيراط