تشهد العلاقات الاقتصادية بين تونس والاتحاد الأوروبي خلال سنة 2025 ديناميكية متجددة، تعكسها الأرقام الإيجابية التي سجّلتها المبادلات التجارية بين الجانبين. فقد واصلت الصادرات التونسية إلى الفضاء الأوروبي نسقها التصاعدي، لتبلغ خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري 70,5 % من إجمالي الصادرات الوطنية، أي ما يعادل 29165.9 مليون دينار، مقابل 28914.8 مليون دينار خلال الفترة نفسها من سنة 2024.
يحمل دلالات اقتصادية عميقة ترتبط بقدرة تونس على تثبيت مكانتها في السوق الأوروبية وتعزيز حضور منتجاتها في الخارج، في ظل منافسة عالمية متزايدة وتحديات بيئية واقتصادية متشابكة.
ارتفاع المبادلات التجارية مع دول كبرى
وتمثل السوق الأوروبية الشريك التجاري الأول لتونس منذ عقود، وتستحوذ على أكثر من ثلثي صادراتها، ما يجعل أي تطور إيجابي في هذا الإطار مؤشرا على حيوية الاقتصاد الوطني. وتشير البيانات الحديثة إلى تسجيل نمو لافت في الصادرات نحو عدد من الدول الأوروبية الكبرى، حيث ارتفعت الصادرات نحو ألمانيا بنسبة 11,9 %، ونحو فرنسا بنسبة 8,9 %، كما شهدت الصادرات إلى اليونان قفزة نوعية بنسبة 59,7 %، ما يعكس تنوع الأسواق وتوسع قاعدة الشركاء الاقتصاديين داخل الاتحاد.
في المقابل، عرفت الصادرات نحو بعض البلدان الأخرى تراجعا، على غرار إيطاليا بنسبة -9,2 % وإسبانيا بنسبة -25,3 %، وهو ما يرجعه خبراء الاقتصاد إلى تغيرات ظرفية في الطلب الأوروبي وتذبذب أسعار الطاقة والمواد الأولية، فضلا عن تأثر سلاسل التوريد في بعض القطاعات الصناعية.
دعم النشاط الاقتصادي الوطني
ويمثل هذا الارتفاع في الصادرات رافعة أساسية للنشاط الاقتصادي التونسي، إذ يسهم في تعزيز النمو وتحسين ميزان الدفوعات، كما ينعكس إيجابا على القطاعات المنتجة، ولاسيما الصناعات الميكانيكية والكهربائية والنسيج والمنتجات الفلاحية.
ويرى محللون أن استمرار هذا النسق من شأنه أن ينعش سوق الشغل عبر خلق مواطن عمل جديدة، خصوصا في المناطق الصناعية الكبرى التي تستقطب استثمارات أوروبية في قطاعات موجهة أساسا للتصدير. كما يعكس هذا التوجه الثقة المتبادلة بين الفاعلين الاقتصاديين التونسيين ونظرائهم الأوروبيين، ويؤكد قدرة تونس على المحافظة على جودة منتجاتها ومعاييرها الفنية التي تتماشى مع المواصفات الأوروبية الصارمة.
ولم يعد التصدير مجرّد عملية تجارية تقليدية، بل أصبح أداة فعالة لترويج صورة تونس الاقتصادية والثقافية في الخارج. فكل منتج تونسي يصل إلى الأسواق الأوروبية هو بمثابة سفير يحمل معه هوية البلد وإبداع صانعيه.
وقد ركزت الحكومة التونسية، في السنوات الأخيرة، على تعزيز الحضور التونسي في المعارض والصالونات الاقتصادية الأوروبية، بهدف التعريف بالمنتوج الوطني ودعم العلامة «صُنع في تونس». كما تم تطوير استراتيجيات ترويجية رقمية لفتح أسواق جديدة داخل أوروبا الشرقية والبلدان الاسكندينافية، التي أبدت اهتماما متزايدا بالمنتجات الفلاحية والبيولوجية التونسية، مثل زيت الزيتون والتمور ومنتجات الصناعات التقليدية.
تعزيز تنافسية الشركات التونسية
وتمثل العلاقة بين تونس والاتحاد الأوروبي نموذجا متميزا للشراكة الاقتصادية المتقدمة في جنوب المتوسط. فالاتحاد ليس فقط شريكا تجاريا بل أيضًا داعما استراتيجيا لمسار التحول الاقتصادي والإصلاح الصناعي في تونس.
وساهمت برامج التعاون الثنائي في فتح آفاق جديدة لتطوير سلاسل القيمة المشتركة، خصوصا في قطاعات الصناعات الميكانيكية والإلكترونية ومكونات السيارات والطائرات. كما يجري العمل على تحديث الإطار القانوني للشراكة من خلال اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمّق (ALECA)، التي تهدف إلى توسيع نطاق التعاون التجاري ليشمل مجالات الخدمات والطاقة والاقتصاد الأخضر.
ومن المنتظر أن تسهم هذه الخطوات في تعزيز تنافسية المؤسسات التونسية، وتمكينها من الاندماج الفعلي في السوق الأوروبية الموحدة، مما سيفتح المجال أمام تدفقات استثمارية جديدة ويوفر فرصًا للنمو المشترك.
استراتيجية جديدة لدفع الصادرات
وفي ظلّ التحولات البيئية العالمية وتشديد الاتحاد الأوروبي لمعاييره المتعلقة بالبصمة الكربونية، تعمل تونس على ملاءمة سياستها الإنتاجية مع المتطلبات الجديدة للأسواق الأوروبية. فقد أطلقت الحكومة برامج لتقليص انبعاثات الكربون في القطاعات الصناعية والفلاحية، وتحديث خطوط الإنتاج لتصبح أكثر كفاءة بيئية. كما يجري تنفيذ خطة وطنية لاعتماد الطاقة المتجددة في المصانع المصدّرة، وخاصة تلك المتخصصة في الصناعات التحويلية، بهدف خفض الكلفة الطاقية وتحسين التنافسية الخارجية، وفق ما كشفه مسؤولون من وزارة الصناعة والمناجم والطاقة لـ«الصباح».
وفي هذا السياق، بادرت تونس بإطلاق مشروع «الاقتصاد الدائري للصناعات التصديرية»، الذي يهدف إلى تحويل النفايات الصناعية إلى موارد جديدة، وهو ما من شأنه أن يعزز موقع المنتجات التونسية في السوق الأوروبية التي تتجه أكثر فأكثر نحو معايير الاستدامة والاقتصاد الأخضر.
نحو مضاعفة الصادرات
وتسعى تونس إلى مضاعفة صادراتها نحو الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الخمس المقبلة، من خلال تنويع المنتجات وتعزيز الابتكار الصناعي، فضلا عن دعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة حتى تندمج في سلاسل القيمة الأوروبية.
وقد أعلنت وزارة التجارة عن خطة متكاملة تشمل تحسين الخدمات اللوجستية وتبسيط الإجراءات الجمركية وتطوير البنية التحتية للموانئ، لاسيما ميناء رادس وصفاقس وبنزرت، لتقليص آجال التصدير وجعل العمليات التجارية أكثر نجاعة.
كما تم إطلاق برامج تمويل مشترك مع الاتحاد الأوروبي لتشجيع المؤسسات التونسية على التحول نحو التصنيع الذكي والرقمنة الصناعية، وهو ما من شأنه أن يرفع من جودة المنتجات ويزيد من قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية.
آفاق واعدة للتعاون التجاري والصناعي
وتفتح المؤشرات الإيجابية المسجلة في المبادلات التجارية بين تونس والاتحاد الأوروبي آفاقا رحبة لتعميق التعاون الاقتصادي وتوسيعه نحو مجالات جديدة. فإلى جانب القطاعات التقليدية كالصناعات الميكانيكية والنسيجية والفلاحية، برزت فرص واعدة في مجالات الطاقة المتجددة، التحول الرقمي، الاقتصاد الأخضر، والصناعات التكنولوجية المتقدمة. ويعمل الجانبان على تطوير شراكات متقدمة في ميدان الانتقال الطاقي، حيث تمثل تونس بوابة إستراتيجية لتزويد أوروبا بالطاقة النظيفة القادمة من الجنوب المتوسطي، خاصة من خلال مشاريع الربط الكهربائي وتبادل الخبرات في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر.
كما يشمل التعاون المرتقب مجالات البحث العلمي، والتكوين المهني، وتطوير سلاسل القيمة المشتركة، بما يتيح خلق فرص عمل جديدة ورفع كفاءة الكفاءات التونسية لتواكب متطلبات الأسواق الأوروبية. وتُراهن تونس على تعزيز موقعها كمركز صناعي ولوجستي إقليمي يربط أوروبا بإفريقيا، بفضل موقعها الجغرافي المتميز وبنيتها التحتية المتطورة، في ظل إرادة مشتركة لتطوير التعاون التجاري والصناعي على أسس الاستدامة، الابتكار، والتكامل الاقتصادي، بما يجعل من الشراكة بين الجانبين نموذجا متقدّما للتعاون المتوسطي القائم على الربح المشترك والتطور المتوازن.
سفيان المهداوي
تشهد العلاقات الاقتصادية بين تونس والاتحاد الأوروبي خلال سنة 2025 ديناميكية متجددة، تعكسها الأرقام الإيجابية التي سجّلتها المبادلات التجارية بين الجانبين. فقد واصلت الصادرات التونسية إلى الفضاء الأوروبي نسقها التصاعدي، لتبلغ خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري 70,5 % من إجمالي الصادرات الوطنية، أي ما يعادل 29165.9 مليون دينار، مقابل 28914.8 مليون دينار خلال الفترة نفسها من سنة 2024.
يحمل دلالات اقتصادية عميقة ترتبط بقدرة تونس على تثبيت مكانتها في السوق الأوروبية وتعزيز حضور منتجاتها في الخارج، في ظل منافسة عالمية متزايدة وتحديات بيئية واقتصادية متشابكة.
ارتفاع المبادلات التجارية مع دول كبرى
وتمثل السوق الأوروبية الشريك التجاري الأول لتونس منذ عقود، وتستحوذ على أكثر من ثلثي صادراتها، ما يجعل أي تطور إيجابي في هذا الإطار مؤشرا على حيوية الاقتصاد الوطني. وتشير البيانات الحديثة إلى تسجيل نمو لافت في الصادرات نحو عدد من الدول الأوروبية الكبرى، حيث ارتفعت الصادرات نحو ألمانيا بنسبة 11,9 %، ونحو فرنسا بنسبة 8,9 %، كما شهدت الصادرات إلى اليونان قفزة نوعية بنسبة 59,7 %، ما يعكس تنوع الأسواق وتوسع قاعدة الشركاء الاقتصاديين داخل الاتحاد.
في المقابل، عرفت الصادرات نحو بعض البلدان الأخرى تراجعا، على غرار إيطاليا بنسبة -9,2 % وإسبانيا بنسبة -25,3 %، وهو ما يرجعه خبراء الاقتصاد إلى تغيرات ظرفية في الطلب الأوروبي وتذبذب أسعار الطاقة والمواد الأولية، فضلا عن تأثر سلاسل التوريد في بعض القطاعات الصناعية.
دعم النشاط الاقتصادي الوطني
ويمثل هذا الارتفاع في الصادرات رافعة أساسية للنشاط الاقتصادي التونسي، إذ يسهم في تعزيز النمو وتحسين ميزان الدفوعات، كما ينعكس إيجابا على القطاعات المنتجة، ولاسيما الصناعات الميكانيكية والكهربائية والنسيج والمنتجات الفلاحية.
ويرى محللون أن استمرار هذا النسق من شأنه أن ينعش سوق الشغل عبر خلق مواطن عمل جديدة، خصوصا في المناطق الصناعية الكبرى التي تستقطب استثمارات أوروبية في قطاعات موجهة أساسا للتصدير. كما يعكس هذا التوجه الثقة المتبادلة بين الفاعلين الاقتصاديين التونسيين ونظرائهم الأوروبيين، ويؤكد قدرة تونس على المحافظة على جودة منتجاتها ومعاييرها الفنية التي تتماشى مع المواصفات الأوروبية الصارمة.
ولم يعد التصدير مجرّد عملية تجارية تقليدية، بل أصبح أداة فعالة لترويج صورة تونس الاقتصادية والثقافية في الخارج. فكل منتج تونسي يصل إلى الأسواق الأوروبية هو بمثابة سفير يحمل معه هوية البلد وإبداع صانعيه.
وقد ركزت الحكومة التونسية، في السنوات الأخيرة، على تعزيز الحضور التونسي في المعارض والصالونات الاقتصادية الأوروبية، بهدف التعريف بالمنتوج الوطني ودعم العلامة «صُنع في تونس». كما تم تطوير استراتيجيات ترويجية رقمية لفتح أسواق جديدة داخل أوروبا الشرقية والبلدان الاسكندينافية، التي أبدت اهتماما متزايدا بالمنتجات الفلاحية والبيولوجية التونسية، مثل زيت الزيتون والتمور ومنتجات الصناعات التقليدية.
تعزيز تنافسية الشركات التونسية
وتمثل العلاقة بين تونس والاتحاد الأوروبي نموذجا متميزا للشراكة الاقتصادية المتقدمة في جنوب المتوسط. فالاتحاد ليس فقط شريكا تجاريا بل أيضًا داعما استراتيجيا لمسار التحول الاقتصادي والإصلاح الصناعي في تونس.
وساهمت برامج التعاون الثنائي في فتح آفاق جديدة لتطوير سلاسل القيمة المشتركة، خصوصا في قطاعات الصناعات الميكانيكية والإلكترونية ومكونات السيارات والطائرات. كما يجري العمل على تحديث الإطار القانوني للشراكة من خلال اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمّق (ALECA)، التي تهدف إلى توسيع نطاق التعاون التجاري ليشمل مجالات الخدمات والطاقة والاقتصاد الأخضر.
ومن المنتظر أن تسهم هذه الخطوات في تعزيز تنافسية المؤسسات التونسية، وتمكينها من الاندماج الفعلي في السوق الأوروبية الموحدة، مما سيفتح المجال أمام تدفقات استثمارية جديدة ويوفر فرصًا للنمو المشترك.
استراتيجية جديدة لدفع الصادرات
وفي ظلّ التحولات البيئية العالمية وتشديد الاتحاد الأوروبي لمعاييره المتعلقة بالبصمة الكربونية، تعمل تونس على ملاءمة سياستها الإنتاجية مع المتطلبات الجديدة للأسواق الأوروبية. فقد أطلقت الحكومة برامج لتقليص انبعاثات الكربون في القطاعات الصناعية والفلاحية، وتحديث خطوط الإنتاج لتصبح أكثر كفاءة بيئية. كما يجري تنفيذ خطة وطنية لاعتماد الطاقة المتجددة في المصانع المصدّرة، وخاصة تلك المتخصصة في الصناعات التحويلية، بهدف خفض الكلفة الطاقية وتحسين التنافسية الخارجية، وفق ما كشفه مسؤولون من وزارة الصناعة والمناجم والطاقة لـ«الصباح».
وفي هذا السياق، بادرت تونس بإطلاق مشروع «الاقتصاد الدائري للصناعات التصديرية»، الذي يهدف إلى تحويل النفايات الصناعية إلى موارد جديدة، وهو ما من شأنه أن يعزز موقع المنتجات التونسية في السوق الأوروبية التي تتجه أكثر فأكثر نحو معايير الاستدامة والاقتصاد الأخضر.
نحو مضاعفة الصادرات
وتسعى تونس إلى مضاعفة صادراتها نحو الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الخمس المقبلة، من خلال تنويع المنتجات وتعزيز الابتكار الصناعي، فضلا عن دعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة حتى تندمج في سلاسل القيمة الأوروبية.
وقد أعلنت وزارة التجارة عن خطة متكاملة تشمل تحسين الخدمات اللوجستية وتبسيط الإجراءات الجمركية وتطوير البنية التحتية للموانئ، لاسيما ميناء رادس وصفاقس وبنزرت، لتقليص آجال التصدير وجعل العمليات التجارية أكثر نجاعة.
كما تم إطلاق برامج تمويل مشترك مع الاتحاد الأوروبي لتشجيع المؤسسات التونسية على التحول نحو التصنيع الذكي والرقمنة الصناعية، وهو ما من شأنه أن يرفع من جودة المنتجات ويزيد من قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية.
آفاق واعدة للتعاون التجاري والصناعي
وتفتح المؤشرات الإيجابية المسجلة في المبادلات التجارية بين تونس والاتحاد الأوروبي آفاقا رحبة لتعميق التعاون الاقتصادي وتوسيعه نحو مجالات جديدة. فإلى جانب القطاعات التقليدية كالصناعات الميكانيكية والنسيجية والفلاحية، برزت فرص واعدة في مجالات الطاقة المتجددة، التحول الرقمي، الاقتصاد الأخضر، والصناعات التكنولوجية المتقدمة. ويعمل الجانبان على تطوير شراكات متقدمة في ميدان الانتقال الطاقي، حيث تمثل تونس بوابة إستراتيجية لتزويد أوروبا بالطاقة النظيفة القادمة من الجنوب المتوسطي، خاصة من خلال مشاريع الربط الكهربائي وتبادل الخبرات في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر.
كما يشمل التعاون المرتقب مجالات البحث العلمي، والتكوين المهني، وتطوير سلاسل القيمة المشتركة، بما يتيح خلق فرص عمل جديدة ورفع كفاءة الكفاءات التونسية لتواكب متطلبات الأسواق الأوروبية. وتُراهن تونس على تعزيز موقعها كمركز صناعي ولوجستي إقليمي يربط أوروبا بإفريقيا، بفضل موقعها الجغرافي المتميز وبنيتها التحتية المتطورة، في ظل إرادة مشتركة لتطوير التعاون التجاري والصناعي على أسس الاستدامة، الابتكار، والتكامل الاقتصادي، بما يجعل من الشراكة بين الجانبين نموذجا متقدّما للتعاون المتوسطي القائم على الربح المشترك والتطور المتوازن.