إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مع استئناف الغرفتين النيابيتين أشغالهما.. الرقابة ودفع المشاريع في قلب مسار الإصلاح الوطني

رئيس لجنة التشريع العام بالبرلمان لـ«الصباح»: أكثر من 140 مقترحا على طاولة مجلس نواب الشعب

مع انطلاق الدورة النيابية الجديدة، يستعيد البرلمان بغرفتيه - مجلس النواب ومجلس الجهات الأقاليم - حيويّته ونبضه التشريعي في ظرف وطني دقيق، تتقاطع فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية مع الإرادة السياسية للمضي قدمًا في مسار الإصلاح، بما يقتضي مواصلة الثورة التشريعية وتفعيل جملة من النصوص والقوانين التي تجسّد توجهات رئيس الجمهورية قيس سعيّد في بناء دولة عادلة تنصف مواطنيها وتضع العدالة الاجتماعية في صدارة الأولويات الوطنية.

في هذا الخصوص، تتجدد الآمال خلال الدورة النيابية الجديدة لمواصلة نسق الثورة التشريعية من خلال صياغة مشاريع الإصلاح ورسم ملامح العدالة الاجتماعية، التي جعلها رئيس الدولة قيس سعيد محور مشروعه الوطني.

وهي آمال مشروعة بالنظر إلى أن الدورة النيابية الماضية شهدت زخما تشريعيا غير مسبوق، حيث صادق مجلس النواب على جملة من مشاريع القوانين ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي، لعل أبرزها: القطع مع المناولة وكافة أشكال التشغيل الهش، والنهوض بواقع العاملات الفلاحيات، وغيرها من المبادرات ومشاريع القوانين التي تهدف إلى تعزيز مناخ الشفافية في المعاملات العمومية ومقاومة الفساد في الإدارة.

وهي مشاريع لم تكن في جوهرها مجرد نصوص قانونية جامدة، بل مثّلت خطوات عملية لتقليص الفوارق بين الفئات والجهات، ووضع الأسس القانونية لدولة اجتماعية عادلة واقتصاد أكثر عدلا وتكافؤا. فيما كانت لمجلس الأقاليم والجهات أيضا صولات وجولات في مسار تكريس العدالة الاجتماعية.

ثورة تشريعية

واليوم، ومع استئناف دورة نيابية جديدة، تتجه الأنظار إلى مواصلة الثورة التشريعية، لا بنفس الوتيرة والزخم المعتاد فحسب، بل بنسق أكثر سرعة ونجاعة، انسجاما مع مقتضيات المرحلة التي تتطلب حسما في الملفات الاجتماعية والاقتصادية دون تأجيل أو تردد.

فالغاية من القوانين ليست في ذاتها، بل في كونها وسيلة لتجسيد الإصلاحات على أرض الواقع، ومن ثَمّ تحقيق الأهداف الكبرى التي رسمها رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، والمتمثلة في إرساء دولة عادلة تضع المواطن في صميم سياساتها العمومية.

وفي هذا الاتجاه، يرى كثيرون أن الدورة النيابية الراهنة،  لا تحتمل البطء في المسار التشريعي، خاصة وأن البلاد تمر بمرحلة مفصلية تتطلب تجديد الآليات القانونية والتشريعية بما يتلاءم مع المشروع الوطني للدولة، الذي يقوم على الإنصاف والمساءلة والعدل.

ومن هنا، تبرز أهمية أن يواصل النواب عملهم بروح المبادرة والالتزام، بما يجعلهم أداة لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة من العدالة والنزاهة والفاعلية.

فمواصلة النواب عملهم في هذه الدورة الجديدة يأتي في انسجام تام مع التوجّهات الوطنية الكبرى التي حدّدها رئيس الجمهورية ورسم ملامحها، وهي توجهات تقوم على إحداث ثورة تشريعية تجعل المواطن في صميم السياسات العامة ومحور كل إصلاح.

فرئيس الدولة أكد أن التغيير الفعلي لا يتحقق بالشعارات، بل ينبع من القوانين التي تعيد ترتيب أولويات الدولة حول العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

ومن هذا المنطلق، يتحمّل نواب الشعب اليوم مسؤولية تحويل هذه الرؤية إلى واقع تشريعي ملموس يُكرّس مبدأ المساواة، ويضمن التوزيع العادل للثروات والفرص بين جميع الفئات والجهات.

وهو ما يؤشر إلى أن هذه الدورة النيابية الجديدة مدعوة، وأكثر من أي وقت مضى، لأن تكون الرافعة الأساسية للإصلاح، وأن يجسّد النواب من خلالها روح الثورة التشريعية التي تهدف إلى بناء دولة عادلة وفاعلة تضع المواطن في قلب الأولويات الوطنية.

من جانب آخر، لا يقلّ المجلس الوطني للجهات والأقاليم أهمية في هذه المرحلة الدقيقة، باعتباره ركيزة النظام السياسي الجديد، وأحد الأعمدة الأساسية لمسار الحكم المحلي.

فبعد أن استأنف هو الآخر نشاطه يوم أمس، تتجه الأنظار إلى دوره في دفع عجلة التنمية في الجهات، خصوصًا تلك التي كانت، على مرّ عقود، عنوانا للتهميش وغياب المشاريع الكبرى.

وبالتالي، فإن مجلس الأقاليم والجهات مدعوّ الى أن يكون صوت الجهات، وأن يجسّد على أرض الواقع فلسفة الحكم المحلي التي تقوم على تقريب القرار من المواطن وتكريس العدالة بين مختلف مناطق البلاد.

وهنا، يشير كثيرون إلى أن المطلوب منه في هذه المرحلة أن يتحوّل إلى قوّة اقتراح ومبادرة، تتابع المشاريع التنموية وتدفع نحو تفعيلها، خاصة تلك التي ظلّت لسنوات حبيسة البيروقراطية الإدارية أو ضعف التنسيق بين الهياكل المركزية والجهوية. كما أنه، واستنادا إلى ما يمثّله من تنوّع جغرافي واجتماعي وبيئي، فإنه مطالب بأن يكون رافعة للتنمية ووسيلة ضغط إيجابية لتسريع نسق إنجاز المشاريع وضمان توزيع عادل للموارد، خاصة وأن نجاحه في أداء هذا الدور سيكون مؤشرا فعليا على مدى تقدّم مسار اللامركزية وتكريس العدالة الجهوية، التي تُعدّ إحدى ركائز مشروع الدولة، والتي يشدّد رئيس الجمهورية قيس سعيد في مختلف لقاءاته الرسمية، على أهمية تكريسها.

لا بد من ثورة إدارية

في هذا السياق، فإن «الثورة التشريعية» التي شدّد رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، وفي أكثر من لقاء رسمي، على أهمية إرسائها تجسيما وتكريسا لمبادئ العدالة الاجتماعية، لن تجد صداها إلا في ثورة إدارية موازية، باعتبار أن النصوص والتشريعات وحدها لا تكفي، ما لم تكن مرفوقة بإدارة عصرية وناجعة قادرة على تطبيقها بمرونة وشفافية.

فالإدارة التونسية، رغم ما تزخر به من كفاءات، لا تزال بحاجة إلى مراجعة عميقة في أساليب العمل ومقاييس التصرّف والحوكمة، حتى تتناغم مع روح المرحلة الجديدة، التي تقوم على خدمة المواطن لا إثقال كاهله بالإجراءات والعراقيل.

فترسانة القوانين، مهما تطوّرت، لا يمكن أن تغيّر واقع البلاد إذا ظلت رهينة البيروقراطية المقيتة. ولهذا، فإنّ التناغم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية هو الذي سيضمن للبلاد والعباد تحقيق الإقلاع المنشود في أكثر من مجال، كما من شأنه أن يُحوّل النصوص إلى واقع ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية.

وهنا، وجب التنويه إلى أنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد لطالما شدد على أن الإصلاح الإداري يُمثّل الركيزة الثانية لمسار الإصلاح الوطني، مذكّرًا في أكثر من مناسبة بأنّ أي ثورة تشريعية تظلّ ناقصة ما لم ترافقها ثورة حقيقية داخل الإدارة.

فالإدارة من وجهة نظره ليست مجرّد هيكل لتسيير الشأن العام، بل هي المرآة التي تعكس تقدّم الدولة وعدالتها في تفاصيل حياة المواطن اليومية.

وفي هذا الصدد، جدير بالذكر أنّ العدالة الاجتماعية، التي يؤكد رئيس الجمهورية على ترسيخها، لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل رقابة فاعلة تضمن حسن تنفيذ القوانين وتطبيق الإصلاحات على أرض الواقع.

فالعدالة ليست مجرد نصوص أو شعارات، بل هي نتاج منظومة رقابية قوية تتابع أداء المؤسسات وتمنع الانحراف عن الأهداف الوطنية. ومن هذا المنطلق، يصبح الدور الرقابي للمجلسين عنصرا جوهريا في إنجاح الثورة التشريعية والإدارية على حد سواء.

وتفاعلا مع الطرح السالف الذكر، يشير رئيس لجنة التشريع العام بالبرلمان، ياسر القراري، في تصريح لـ«الصباح»، إلى أن هنالك جملة من مشاريع القوانين على طاولة المجلس، تُقدّر بأكثر من 140 مقترحا، موضحا أن المواصلة في مسار الثورة التشريعية تقتضي رسم الأولويات، من ذلك تحديد أبرز مشاريع القوانين التي تتماشى واستحقاقات المرحلة، على غرار المشاريع ذات البعد الاجتماعي، والمشاريع التي تلامس الحياة اليومية للمواطن، كملف التشغيل، الذي يُعد من أوكد الأولويات، إضافة إلى مشاريع القوانين المتعلّقة بالذين طالت بطالتهم.

وفي هذا الخضم، فإن المطلوب في المرحلة القادمة،  هو مزيد من الانسجام بين مؤسسات الدولة، ومزيد من الجرأة في اتخاذ القرار، ومزيد من الالتزام بروح المسؤولية الوطنية.

فالقوانين التي تُسنّ اليوم، والإجراءات التي تُتخذ، ستُحدّد ملامح تونس الغد: تونس أكثر عدلا، وأكثر توازنا، وأكثر التصاقا بتطلعات شعبها، مثلما يتطلع إلى ذلك رئيس الجمهورية ويعمل على تكريسه.

وبالعودة إلى استئناف نشاط الغرفتين النيابيتين، جدير بالذكر أنهما تمثلان بداية لمرحلة جديدة من الفعل الوطني التشريعي، مرحلة تقتضي من الجميع - نوّابًا، وإداريين، ومسؤولين جهويين - مزيدا من الانسجام والعمل بروح المبادرة، لتجسيد رؤية الدولة في أعلى هرمها في التنمية الشاملة والمواطنة الفاعلة.

ولعلّ ما ينتظره التونسيون من البرلمان في دورته الجديدة، هو أن يكون قلب الدولة النابض بالإصلاح، وأن يظل وفيًا لجوهر رسالته: ألا وهي تحويل مشاريع القوانين إلى واقع وإنجازات يشعر بها المواطن في حياته اليومية.

منال حرزي

مع استئناف الغرفتين النيابيتين أشغالهما..   الرقابة ودفع المشاريع في قلب مسار الإصلاح الوطني

رئيس لجنة التشريع العام بالبرلمان لـ«الصباح»: أكثر من 140 مقترحا على طاولة مجلس نواب الشعب

مع انطلاق الدورة النيابية الجديدة، يستعيد البرلمان بغرفتيه - مجلس النواب ومجلس الجهات الأقاليم - حيويّته ونبضه التشريعي في ظرف وطني دقيق، تتقاطع فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية مع الإرادة السياسية للمضي قدمًا في مسار الإصلاح، بما يقتضي مواصلة الثورة التشريعية وتفعيل جملة من النصوص والقوانين التي تجسّد توجهات رئيس الجمهورية قيس سعيّد في بناء دولة عادلة تنصف مواطنيها وتضع العدالة الاجتماعية في صدارة الأولويات الوطنية.

في هذا الخصوص، تتجدد الآمال خلال الدورة النيابية الجديدة لمواصلة نسق الثورة التشريعية من خلال صياغة مشاريع الإصلاح ورسم ملامح العدالة الاجتماعية، التي جعلها رئيس الدولة قيس سعيد محور مشروعه الوطني.

وهي آمال مشروعة بالنظر إلى أن الدورة النيابية الماضية شهدت زخما تشريعيا غير مسبوق، حيث صادق مجلس النواب على جملة من مشاريع القوانين ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي، لعل أبرزها: القطع مع المناولة وكافة أشكال التشغيل الهش، والنهوض بواقع العاملات الفلاحيات، وغيرها من المبادرات ومشاريع القوانين التي تهدف إلى تعزيز مناخ الشفافية في المعاملات العمومية ومقاومة الفساد في الإدارة.

وهي مشاريع لم تكن في جوهرها مجرد نصوص قانونية جامدة، بل مثّلت خطوات عملية لتقليص الفوارق بين الفئات والجهات، ووضع الأسس القانونية لدولة اجتماعية عادلة واقتصاد أكثر عدلا وتكافؤا. فيما كانت لمجلس الأقاليم والجهات أيضا صولات وجولات في مسار تكريس العدالة الاجتماعية.

ثورة تشريعية

واليوم، ومع استئناف دورة نيابية جديدة، تتجه الأنظار إلى مواصلة الثورة التشريعية، لا بنفس الوتيرة والزخم المعتاد فحسب، بل بنسق أكثر سرعة ونجاعة، انسجاما مع مقتضيات المرحلة التي تتطلب حسما في الملفات الاجتماعية والاقتصادية دون تأجيل أو تردد.

فالغاية من القوانين ليست في ذاتها، بل في كونها وسيلة لتجسيد الإصلاحات على أرض الواقع، ومن ثَمّ تحقيق الأهداف الكبرى التي رسمها رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، والمتمثلة في إرساء دولة عادلة تضع المواطن في صميم سياساتها العمومية.

وفي هذا الاتجاه، يرى كثيرون أن الدورة النيابية الراهنة،  لا تحتمل البطء في المسار التشريعي، خاصة وأن البلاد تمر بمرحلة مفصلية تتطلب تجديد الآليات القانونية والتشريعية بما يتلاءم مع المشروع الوطني للدولة، الذي يقوم على الإنصاف والمساءلة والعدل.

ومن هنا، تبرز أهمية أن يواصل النواب عملهم بروح المبادرة والالتزام، بما يجعلهم أداة لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة من العدالة والنزاهة والفاعلية.

فمواصلة النواب عملهم في هذه الدورة الجديدة يأتي في انسجام تام مع التوجّهات الوطنية الكبرى التي حدّدها رئيس الجمهورية ورسم ملامحها، وهي توجهات تقوم على إحداث ثورة تشريعية تجعل المواطن في صميم السياسات العامة ومحور كل إصلاح.

فرئيس الدولة أكد أن التغيير الفعلي لا يتحقق بالشعارات، بل ينبع من القوانين التي تعيد ترتيب أولويات الدولة حول العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

ومن هذا المنطلق، يتحمّل نواب الشعب اليوم مسؤولية تحويل هذه الرؤية إلى واقع تشريعي ملموس يُكرّس مبدأ المساواة، ويضمن التوزيع العادل للثروات والفرص بين جميع الفئات والجهات.

وهو ما يؤشر إلى أن هذه الدورة النيابية الجديدة مدعوة، وأكثر من أي وقت مضى، لأن تكون الرافعة الأساسية للإصلاح، وأن يجسّد النواب من خلالها روح الثورة التشريعية التي تهدف إلى بناء دولة عادلة وفاعلة تضع المواطن في قلب الأولويات الوطنية.

من جانب آخر، لا يقلّ المجلس الوطني للجهات والأقاليم أهمية في هذه المرحلة الدقيقة، باعتباره ركيزة النظام السياسي الجديد، وأحد الأعمدة الأساسية لمسار الحكم المحلي.

فبعد أن استأنف هو الآخر نشاطه يوم أمس، تتجه الأنظار إلى دوره في دفع عجلة التنمية في الجهات، خصوصًا تلك التي كانت، على مرّ عقود، عنوانا للتهميش وغياب المشاريع الكبرى.

وبالتالي، فإن مجلس الأقاليم والجهات مدعوّ الى أن يكون صوت الجهات، وأن يجسّد على أرض الواقع فلسفة الحكم المحلي التي تقوم على تقريب القرار من المواطن وتكريس العدالة بين مختلف مناطق البلاد.

وهنا، يشير كثيرون إلى أن المطلوب منه في هذه المرحلة أن يتحوّل إلى قوّة اقتراح ومبادرة، تتابع المشاريع التنموية وتدفع نحو تفعيلها، خاصة تلك التي ظلّت لسنوات حبيسة البيروقراطية الإدارية أو ضعف التنسيق بين الهياكل المركزية والجهوية. كما أنه، واستنادا إلى ما يمثّله من تنوّع جغرافي واجتماعي وبيئي، فإنه مطالب بأن يكون رافعة للتنمية ووسيلة ضغط إيجابية لتسريع نسق إنجاز المشاريع وضمان توزيع عادل للموارد، خاصة وأن نجاحه في أداء هذا الدور سيكون مؤشرا فعليا على مدى تقدّم مسار اللامركزية وتكريس العدالة الجهوية، التي تُعدّ إحدى ركائز مشروع الدولة، والتي يشدّد رئيس الجمهورية قيس سعيد في مختلف لقاءاته الرسمية، على أهمية تكريسها.

لا بد من ثورة إدارية

في هذا السياق، فإن «الثورة التشريعية» التي شدّد رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، وفي أكثر من لقاء رسمي، على أهمية إرسائها تجسيما وتكريسا لمبادئ العدالة الاجتماعية، لن تجد صداها إلا في ثورة إدارية موازية، باعتبار أن النصوص والتشريعات وحدها لا تكفي، ما لم تكن مرفوقة بإدارة عصرية وناجعة قادرة على تطبيقها بمرونة وشفافية.

فالإدارة التونسية، رغم ما تزخر به من كفاءات، لا تزال بحاجة إلى مراجعة عميقة في أساليب العمل ومقاييس التصرّف والحوكمة، حتى تتناغم مع روح المرحلة الجديدة، التي تقوم على خدمة المواطن لا إثقال كاهله بالإجراءات والعراقيل.

فترسانة القوانين، مهما تطوّرت، لا يمكن أن تغيّر واقع البلاد إذا ظلت رهينة البيروقراطية المقيتة. ولهذا، فإنّ التناغم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية هو الذي سيضمن للبلاد والعباد تحقيق الإقلاع المنشود في أكثر من مجال، كما من شأنه أن يُحوّل النصوص إلى واقع ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية.

وهنا، وجب التنويه إلى أنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد لطالما شدد على أن الإصلاح الإداري يُمثّل الركيزة الثانية لمسار الإصلاح الوطني، مذكّرًا في أكثر من مناسبة بأنّ أي ثورة تشريعية تظلّ ناقصة ما لم ترافقها ثورة حقيقية داخل الإدارة.

فالإدارة من وجهة نظره ليست مجرّد هيكل لتسيير الشأن العام، بل هي المرآة التي تعكس تقدّم الدولة وعدالتها في تفاصيل حياة المواطن اليومية.

وفي هذا الصدد، جدير بالذكر أنّ العدالة الاجتماعية، التي يؤكد رئيس الجمهورية على ترسيخها، لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل رقابة فاعلة تضمن حسن تنفيذ القوانين وتطبيق الإصلاحات على أرض الواقع.

فالعدالة ليست مجرد نصوص أو شعارات، بل هي نتاج منظومة رقابية قوية تتابع أداء المؤسسات وتمنع الانحراف عن الأهداف الوطنية. ومن هذا المنطلق، يصبح الدور الرقابي للمجلسين عنصرا جوهريا في إنجاح الثورة التشريعية والإدارية على حد سواء.

وتفاعلا مع الطرح السالف الذكر، يشير رئيس لجنة التشريع العام بالبرلمان، ياسر القراري، في تصريح لـ«الصباح»، إلى أن هنالك جملة من مشاريع القوانين على طاولة المجلس، تُقدّر بأكثر من 140 مقترحا، موضحا أن المواصلة في مسار الثورة التشريعية تقتضي رسم الأولويات، من ذلك تحديد أبرز مشاريع القوانين التي تتماشى واستحقاقات المرحلة، على غرار المشاريع ذات البعد الاجتماعي، والمشاريع التي تلامس الحياة اليومية للمواطن، كملف التشغيل، الذي يُعد من أوكد الأولويات، إضافة إلى مشاريع القوانين المتعلّقة بالذين طالت بطالتهم.

وفي هذا الخضم، فإن المطلوب في المرحلة القادمة،  هو مزيد من الانسجام بين مؤسسات الدولة، ومزيد من الجرأة في اتخاذ القرار، ومزيد من الالتزام بروح المسؤولية الوطنية.

فالقوانين التي تُسنّ اليوم، والإجراءات التي تُتخذ، ستُحدّد ملامح تونس الغد: تونس أكثر عدلا، وأكثر توازنا، وأكثر التصاقا بتطلعات شعبها، مثلما يتطلع إلى ذلك رئيس الجمهورية ويعمل على تكريسه.

وبالعودة إلى استئناف نشاط الغرفتين النيابيتين، جدير بالذكر أنهما تمثلان بداية لمرحلة جديدة من الفعل الوطني التشريعي، مرحلة تقتضي من الجميع - نوّابًا، وإداريين، ومسؤولين جهويين - مزيدا من الانسجام والعمل بروح المبادرة، لتجسيد رؤية الدولة في أعلى هرمها في التنمية الشاملة والمواطنة الفاعلة.

ولعلّ ما ينتظره التونسيون من البرلمان في دورته الجديدة، هو أن يكون قلب الدولة النابض بالإصلاح، وأن يظل وفيًا لجوهر رسالته: ألا وهي تحويل مشاريع القوانين إلى واقع وإنجازات يشعر بها المواطن في حياته اليومية.

منال حرزي