إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مع‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادي‭ ‬بـ2‭.‬6‭ % ‬يعزز‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المستقبل تونس‭ ‬تسدد‭ ‬ديونها‭ ‬الخارجية‭ ‬لسنة‭ ‬2025‭ ‬ بنجاح‭ ‬

* ‬إنجاز‭ ‬مالي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬يعيد‭ ‬رسم‭ ‬ملامح‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي

‭* ‬2025‭.. ‬عام‭ ‬الانتصار‭ ‬المالي‭ ‬والسيادة‭ ‬الاقتصادية

‭* ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬يفتح‭ ‬آفاق‭ ‬الاستثمار‭ ‬والتنمية

‭* ‬زيت‭ ‬الزيتون‭ ‬والسياحة‭ ‬والتحويلات‭ ‬الخارجية‭.. ‬ثلاثي‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬2025

 

في‭ ‬خطوة‭ ‬وُصفت‭ ‬بالتاريخية،‭ ‬أعلنت‭ ‬السلطات‭ ‬التونسية،‭ ‬أمس،‭ ‬نجاحها‭ ‬في‭ ‬سداد‭ ‬كامل‭ ‬ديونها‭ ‬الخارجية‭ ‬المستوجبة‭ ‬لسنة‭ ‬2025‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬بثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬بنسبة‭ ‬إنجاز‭ ‬بلغت‭ ‬125‭ % ‬مقارنة‭ ‬بالمبلغ‭ ‬المبرمج‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬والمقدر‭ ‬بـ8469‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭.‬

هذا‭ ‬النجاح‭ ‬المالي،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬إقليمي‭ ‬ودولي‭ ‬مطبوع‭ ‬بالضبابية‭ ‬وقيود‭ ‬التمويل‭ ‬الخارجي،‭ ‬اعتُبر‭ ‬مؤشرا‭ ‬قويا‭ ‬على‭ ‬عودة‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬على‭ ‬التعافي‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬دون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬التمويلات‭ ‬الخارجية‭ ‬أو‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭.‬

ويأتي‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬المالي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬إيجابي،‭ ‬تزامنا‭ ‬مع‭ ‬تقرير‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬الصادر‭ ‬حديثاً‭ ‬حول‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬الذي‭ ‬توقع‭ ‬أن‭ ‬تسجل‭ ‬تونس‭ ‬نسبة‭ ‬نمو‭ ‬تبلغ‭ ‬2‭.‬6‭ % ‬خلال‭ ‬سنة‭ ‬2025،‭ ‬مقابل‭ ‬1‭.‬9‭ % ‬في‭ ‬توقعات‭ ‬سابقة،‭ ‬مدفوعة‭ ‬بانتعاش‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬قطاعي‭ ‬زيت‭ ‬الزيتون‭ ‬والحبوب،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تحسن‭ ‬عائدات‭ ‬السياحة‭ ‬وتحويلات‭ ‬التونسيين‭ ‬بالخارج‭.‬

التحكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬العمومي‭... ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬مديونية‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬انضباط‭ ‬مالي

ويُعدّ‭ ‬سداد‭ ‬تونس‭ ‬الكامل‭ ‬لالتزاماتها‭ ‬الخارجية‭ ‬للعام‭ ‬2025‭ ‬تحولا‭ ‬نوعيا‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬المديونية‭. ‬فحسب‭ ‬أحدث‭ ‬التقارير‭ ‬الرسمية،‭ ‬تراجعت‭ ‬حصة‭ ‬الديون‭ ‬الخارجية‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الدين‭ ‬العمومي‭ ‬من‭ ‬70‭ % ‬سنة‭ ‬2019‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬50‭ % ‬سنة‭ ‬2025،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬تحسنا‭ ‬ملموسا‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الدين‭ ‬وفي‭ ‬قدرة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬نفسها‭ ‬داخليا‭.‬

كما‭ ‬توقّع‭ ‬البنك‭ ‬الأوروبي‭ ‬لإعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬والتنمية‭ ‬أن‭ ‬ينخفض‭ ‬قائم‭ ‬الدين‭ ‬العمومي‭ ‬لتونس‭ ‬إلى‭ ‬80.5‭ % ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الجاري،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يترجم‭ ‬جهود‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬المالية‭ ‬العمومية،‭ ‬وإعادة‭ ‬التوازن‭ ‬إلى‭ ‬الحسابات‭ ‬الوطنية‭.‬

وتشير‭ ‬بيانات‭ ‬وزارة‭ ‬المالية‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬البلاد‭ ‬سددت‭ ‬18.2‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬بعنوان‭ ‬أصل‭ ‬الدين‭ ‬العمومي‭ ‬خلال‭ ‬2025،‭ ‬منها‭ ‬8.5‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬ديون‭ ‬خارجية،‭ ‬مقابل‭ ‬9‭.‬7‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬ديون‭ ‬داخلية‭.‬

أما‭ ‬أقساط‭ ‬فوائد‭ ‬الدين‭ ‬العمومي‭ ‬فقد‭ ‬بلغت‭ ‬6‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دينار،‭ ‬منها‭ ‬1‭.‬9‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬كفوائد‭ ‬للدين‭ ‬الخارجي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬تقليصا‭ ‬تدريجيا‭ ‬للعبء‭ ‬المالي‭ ‬على‭ ‬الخزينة‭ ‬العامة‭.‬

ويرى‭ ‬خبراء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬لـ«الصباح‮»‬،‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬الأداء‭ ‬المالي‭ ‬يُعدّ‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬فعالية‭ ‬السياسة‭ ‬النقدية‭ ‬والمالية‭ ‬التي‭ ‬انتهجتها‭ ‬الحكومة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬عبر‭ ‬تقليص‭ ‬الاقتراض‭ ‬الخارجي‭ ‬وتعبئة‭ ‬الموارد‭ ‬الذاتية،‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬تحسن‭ ‬مداخيل‭ ‬القطاعات‭ ‬المنتجة‭ ‬بالعملة‭ ‬الصعبة،‭ ‬وأيضا‭ ‬إلى‭ ‬توجهات‭ ‬هرم‭ ‬السلطة‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬مع‭ ‬الخارج‭ ‬والتعويل‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬لدفع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭. ‬

قطاعات‭ ‬واعدة‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬النمو‭

ويشير‭ ‬تقرير‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬التونسي‭ ‬لسنة‭ ‬2025‭ ‬سيكون‭ ‬مدفوعا‭ ‬أساسا‭ ‬بالقطاع‭ ‬الفلاحي،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬وتصدير‭ ‬زيت‭ ‬الزيتون‭ ‬والحبوب‭.‬

فقد‭ ‬تمكنت‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬الموسمين‭ ‬الأخيرين‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬إنتاج‭ ‬قياسي‭ ‬من‭ ‬زيت‭ ‬الزيتون،‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬ضمن‭ ‬أكبر‭ ‬المصدرين‭ ‬عالميا،‭ ‬إذ‭ ‬تجاوزت‭ ‬العائدات‭ ‬الملياري‭ ‬دينار‭ ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬ويتوقع‭ ‬أن‭ ‬تسجل‭ ‬رقما‭ ‬قياسيا‭ ‬جديدا‭ ‬في‭ ‬2025‭.‬

كما‭ ‬ساهم‭ ‬تحسّن‭ ‬الظروف‭ ‬المناخية‭ ‬وتوسيع‭ ‬المساحات‭ ‬المزروعة‭ ‬بالحبوب‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الإنتاج‭ ‬المحلي‭ ‬وتخفيض‭ ‬كلفة‭ ‬التوريد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬إيجابا‭ ‬على‭ ‬الميزان‭ ‬التجاري‭ ‬للبلاد‭. ‬ويمثل‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬اليوم‭ ‬رئة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي،‭ ‬ومصدر‭ ‬عملة‭ ‬صعبة‭ ‬ثابت،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬كونه‭ ‬قطاعا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬حيويا‭ ‬يدعم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ % ‬من‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬الوطنية‭.‬

السياحة‭... ‬انتعاشة‭ ‬قوية‭ ‬تدعم‭ ‬احتياطي‭ ‬العملة

وبعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التراجع‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19،‭ ‬شهد‭ ‬القطاع‭ ‬السياحي‭ ‬التونسي‭ ‬انتعاشة‭ ‬لافتة‭ ‬خلال‭ ‬2025،‭ ‬مستفيدا‭ ‬من‭ ‬تحسن‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬وتنوع‭ ‬المنتوج‭ ‬السياحي‭.‬

وقد‭ ‬سجلت‭ ‬الإيرادات‭ ‬السياحية‭ ‬ارتفاعا‭ ‬ملحوظا،‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬احتياطي‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬العملة‭ ‬الصعبة،‭ ‬وتخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬ميزان‭ ‬الدفوعات‭.‬

وتشير‭ ‬تقديرات‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الزيادة‭ ‬المعتدلة‭ ‬في‭ ‬العائدات‭ ‬السياحية‭ ‬ستعوض‭ ‬جزئيا‭ ‬العجز‭ ‬التجاري،‭ ‬مما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬العجز‭ ‬الجاري‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬2‭.‬7‭ % ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام‭ ‬خلال‭ ‬2025‭.‬

تحويلات‭ ‬التونسيين‭ ‬بالخارج‭.. ‬ دعم‭ ‬مستدام‭ ‬للاقتصاد

وتواصل‭ ‬تحويلات‭ ‬التونسيين‭ ‬المقيمين‭ ‬بالخارج‭ ‬أداءها‭ ‬القوي،‭ ‬إذ‭ ‬بلغت‭ ‬مستويات‭ ‬قياسية‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الجاري،‭ ‬لتصبح‭ ‬ثاني‭ ‬مصدر‭ ‬للعملة‭ ‬الصعبة‭ ‬بعد‭ ‬السياحة‭. ‬وتُعدّ‭ ‬هذه‭ ‬التحويلات‭ ‬شبكة‭ ‬أمان‭ ‬مالية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأسر‭ ‬وللاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬إذ‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تنشيط‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الداخلي‭ ‬وتدعم‭ ‬احتياطي‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬الأجنبي،‭ ‬ما‭ ‬مكّن‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬تغطية‭ ‬وارداتها‭ ‬لأشهر‭ ‬متتالية‭ ‬دون‭ ‬صعوبات‭ ‬تمويلية‭.‬

انعكاسات‭ ‬إيجابية‭ ‬على‭ ‬التونسيين‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الوطني

وتمثل‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬الإيجابية‭ ‬مجتمعة‭ ‬نقطة‭ ‬تحوّل‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬التونسي،‭ ‬إذ‭ ‬تعكس‭ ‬بداية‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬قوامها‭ ‬الاستقرار‭ ‬المالي‭ ‬والسيادة‭ ‬الاقتصادية‭. ‬فنجاح‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬الخارجية،‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬تحقيق‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادي‭ ‬متوازن،‭ ‬يعيد‭ ‬الثقة‭ ‬للمستثمرين،‭ ‬ويُحسن‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬للبلاد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيسمح‭ ‬مستقبلا‭ ‬بجذب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة،‭ ‬رغم‭ ‬توقع‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬استقرارها‭ ‬في‭ ‬الأمد‭ ‬القريب‭.‬

أما‭ ‬داخليا،‭ ‬فإن‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬وتقليص‭ ‬الاقتراض‭ ‬الخارجي‭ ‬يعني‭ ‬تخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬المالية‭ ‬العمومية،‭ ‬وتوجيه‭ ‬الموارد‭ ‬نحو‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬والتشغيل‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬ينعكس‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬للمواطنين‭ ‬وتحسين‭ ‬الخدمات‭ ‬العمومية‭.‬

ويعتبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬تشكل‭ ‬فرصة‭ ‬نادرة‭ ‬لترسيخ‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمواطن،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التقشف‭ ‬والضغوط‭ ‬المالية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬تمكنت‭ ‬بفضل‭ ‬سياسة‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬من‭ ‬رسم‭ ‬مسارها‭ ‬التنموي‭ ‬بخطى‭ ‬ثابتة‭ ‬رغم‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬لتحقيق‭ ‬نقلة‭ ‬اقتصادية‭ ‬نوعية‭ ‬تسترجع‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬مكانتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭. ‬

آفاق‭ ‬واعدة‭ ‬وإصلاحات‭ ‬تكرّس‭ ‬المسار‭ ‬الصاعد

وبعد‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬اللافت،‭ ‬بات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬أمام‭ ‬فرصٌ‭ ‬واعدة‭ ‬لتعزيز‭ ‬مكاسبه‭ ‬وتثبيت‭ ‬مسار‭ ‬النمو‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬إصلاحات‭ ‬هيكلية‭ ‬مدروسة‭.‬

فالإجراءات‭ ‬المنتظرة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الإنفاق‭ ‬العمومي‭ ‬،وتعصير‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬المنافسة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تمثل‭ ‬اليوم‭ ‬ركائز‭ ‬ضرورية‭ ‬لتسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬النمو،‭ ‬وجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬استدامة‭ ‬وشمولا‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬مواصلة‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور،‭ ‬وترشيد‭ ‬نفقات‭ ‬الدعم‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مجرّد‭ ‬تحديات،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬خطوات‭ ‬عملية‭ ‬لضمان‭ ‬توازن‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬وتحسين‭ ‬جودة‭ ‬الإنفاق‭ ‬نحو‭ ‬التنمية‭ ‬والاستثمار‭ ‬المنتج‭.‬

وفي‭ ‬الأثناء،‭ ‬يتهيأ‭ ‬القطاع‭ ‬المالي‭ ‬والمصرفي‭ ‬لمرحلة‭ ‬تحديث‭ ‬جديدة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تسهيل‭ ‬تمويل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصغرى‭ ‬والمتوسطة‭ ‬وتشجيع‭ ‬روح‭ ‬المبادرة‭ ‬الخاصة،‭ ‬بما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الثروة‭ ‬ومواطن‭ ‬الشغل‭ ‬وتحفيز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭ ‬والمنافسة‭.‬

بهذه‭ ‬المقاربة‭ ‬الإصلاحية‭ ‬الإيجابية،‭ ‬تستعد‭ ‬تونس‭ ‬لمرحلة‭ ‬نمو‭ ‬متجدد‭ ‬ومستدام،‭ ‬تُبنى‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬صلبة‭ ‬من‭ ‬الانضباط‭ ‬المالي‭ ‬والتحديث‭ ‬الهيكلي‭ ‬والانفتاح‭ ‬الواعي‭ ‬على‭ ‬محيطها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭. ‬

نحو‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬السيادة‭ ‬الاقتصادية

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬سنة‭ ‬2025‭ ‬ستسجل‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لتونس‭ ‬كعام‭ ‬الاستقلال‭ ‬المالي‭ ‬الحقيقي‭. ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬أغلقت‭ ‬البلاد‭ ‬ملف‭ ‬ديونها‭ ‬الخارجية‭ ‬قبل‭ ‬أوانه‭ ‬دون‭ ‬دعم‭ ‬خارجي،‭ ‬وأثبتت‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬نمو‭ ‬متوازن،‭ ‬فإنها‭ ‬تدخل‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬السيادة‭ ‬الاقتصادية‭.‬

هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬يشدد‭ ‬جزء‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬على‭ ‬استثمارها‭ ‬عبر‭ ‬إصلاحات‭ ‬جادة‭ ‬ومواصلة‭ ‬نهج‭ ‬الانضباط‭ ‬المالي،‭ ‬بما‭ ‬يعيد‭ ‬الأمل‭ ‬لفئات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المجتمع،‭ ‬ويؤكد‭ ‬أن‭ ‬تجاوز‭ ‬الأزمات‭ ‬ممكن‭ ‬بإرادة‭ ‬وطنية‭ ‬صلبة‭ ‬وسياسات‭ ‬واقعية‭.‬

من‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمة‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬الثقة

ولم‭ ‬يعد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬اليوم‭ ‬مجرد‭ ‬ملف‭ ‬أرقام‭ ‬وديون،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬قصة‭ ‬نجاح‭ ‬تدريجية‭ ‬تُكتب‭ ‬فصولها‭ ‬بجهد‭ ‬وتخطيط‭.‬

فمن‭ ‬بلد‭ ‬كان‭ ‬يواجه‭ ‬خطر‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬السداد‭ ‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬يعلن‭ ‬سداد‭ ‬كامل‭ ‬ديونه‭ ‬الخارجية‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬السنة‭ ‬بثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬وبهذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬تحقق‭ ‬تونس‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭ ‬تعكس‭ ‬قدرة‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬متى‭ ‬توفرت‭ ‬الإرادة‭ ‬وحسن‭ ‬الإدارة‭.‬

وبينما‭ ‬تتوقع‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬استمرار‭ ‬المخاطر‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬الأمد‭ ‬المتوسط،‭ ‬فإن‭ ‬المؤشرات‭ ‬الحالية‭ ‬تُظهر‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬بدأ‭ ‬يستعيد‭ ‬عافيته‭ ‬بثبات،‭ ‬مدعوما‭ ‬بقطاعات‭ ‬واعدة‭ ‬وبانضباط‭ ‬مالي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬حمل‭ ‬رسالة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬بذاتها،‭ ‬وعلى‭ ‬تحويل‭ ‬التحديات‭ ‬إلى‭ ‬فرص،‭ ‬والمصاعب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬قصص‭ ‬نجاح‭ ‬تلهم‭ ‬المنطقة‭ ‬بأسرها‭.‬

ومع‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬المتراكم،‭ ‬تتهيأ‭ ‬تونس‭ ‬لتلعب‭ ‬دورا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمي‭ ‬كمركز‭ ‬استقرار‭ ‬مالي‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭.‬

فسياساتها‭ ‬المتوازنة،‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬المديونية،‭ ‬واستقلالها‭ ‬النسبي‭ ‬عن‭ ‬المؤسسات‭ ‬المانحة،‭ ‬تؤهلها‭ ‬لتكون‭ ‬نموذجا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ومقصدا‭ ‬آمنا‭ ‬للاستثمارات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬الباحثة‭ ‬عن‭ ‬بيئة‭ ‬مالية‭ ‬مستقرة‭ ‬ومناخ‭ ‬اقتصادي‭ ‬واعد‭.‬

سفيان‭ ‬المهداوي

مع‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادي‭ ‬بـ2‭.‬6‭ % ‬يعزز‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المستقبل تونس‭ ‬تسدد‭ ‬ديونها‭ ‬الخارجية‭ ‬لسنة‭ ‬2025‭ ‬ بنجاح‭ ‬

* ‬إنجاز‭ ‬مالي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬يعيد‭ ‬رسم‭ ‬ملامح‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي

‭* ‬2025‭.. ‬عام‭ ‬الانتصار‭ ‬المالي‭ ‬والسيادة‭ ‬الاقتصادية

‭* ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬يفتح‭ ‬آفاق‭ ‬الاستثمار‭ ‬والتنمية

‭* ‬زيت‭ ‬الزيتون‭ ‬والسياحة‭ ‬والتحويلات‭ ‬الخارجية‭.. ‬ثلاثي‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬2025

 

في‭ ‬خطوة‭ ‬وُصفت‭ ‬بالتاريخية،‭ ‬أعلنت‭ ‬السلطات‭ ‬التونسية،‭ ‬أمس،‭ ‬نجاحها‭ ‬في‭ ‬سداد‭ ‬كامل‭ ‬ديونها‭ ‬الخارجية‭ ‬المستوجبة‭ ‬لسنة‭ ‬2025‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬بثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬بنسبة‭ ‬إنجاز‭ ‬بلغت‭ ‬125‭ % ‬مقارنة‭ ‬بالمبلغ‭ ‬المبرمج‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬والمقدر‭ ‬بـ8469‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭.‬

هذا‭ ‬النجاح‭ ‬المالي،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬إقليمي‭ ‬ودولي‭ ‬مطبوع‭ ‬بالضبابية‭ ‬وقيود‭ ‬التمويل‭ ‬الخارجي،‭ ‬اعتُبر‭ ‬مؤشرا‭ ‬قويا‭ ‬على‭ ‬عودة‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬على‭ ‬التعافي‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬دون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬التمويلات‭ ‬الخارجية‭ ‬أو‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭.‬

ويأتي‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬المالي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬إيجابي،‭ ‬تزامنا‭ ‬مع‭ ‬تقرير‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬الصادر‭ ‬حديثاً‭ ‬حول‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬الذي‭ ‬توقع‭ ‬أن‭ ‬تسجل‭ ‬تونس‭ ‬نسبة‭ ‬نمو‭ ‬تبلغ‭ ‬2‭.‬6‭ % ‬خلال‭ ‬سنة‭ ‬2025،‭ ‬مقابل‭ ‬1‭.‬9‭ % ‬في‭ ‬توقعات‭ ‬سابقة،‭ ‬مدفوعة‭ ‬بانتعاش‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬قطاعي‭ ‬زيت‭ ‬الزيتون‭ ‬والحبوب،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تحسن‭ ‬عائدات‭ ‬السياحة‭ ‬وتحويلات‭ ‬التونسيين‭ ‬بالخارج‭.‬

التحكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬العمومي‭... ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬مديونية‭ ‬إلى‭ ‬نموذج‭ ‬انضباط‭ ‬مالي

ويُعدّ‭ ‬سداد‭ ‬تونس‭ ‬الكامل‭ ‬لالتزاماتها‭ ‬الخارجية‭ ‬للعام‭ ‬2025‭ ‬تحولا‭ ‬نوعيا‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬المديونية‭. ‬فحسب‭ ‬أحدث‭ ‬التقارير‭ ‬الرسمية،‭ ‬تراجعت‭ ‬حصة‭ ‬الديون‭ ‬الخارجية‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الدين‭ ‬العمومي‭ ‬من‭ ‬70‭ % ‬سنة‭ ‬2019‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬50‭ % ‬سنة‭ ‬2025،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬تحسنا‭ ‬ملموسا‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الدين‭ ‬وفي‭ ‬قدرة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬نفسها‭ ‬داخليا‭.‬

كما‭ ‬توقّع‭ ‬البنك‭ ‬الأوروبي‭ ‬لإعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬والتنمية‭ ‬أن‭ ‬ينخفض‭ ‬قائم‭ ‬الدين‭ ‬العمومي‭ ‬لتونس‭ ‬إلى‭ ‬80.5‭ % ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الجاري،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يترجم‭ ‬جهود‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬المالية‭ ‬العمومية،‭ ‬وإعادة‭ ‬التوازن‭ ‬إلى‭ ‬الحسابات‭ ‬الوطنية‭.‬

وتشير‭ ‬بيانات‭ ‬وزارة‭ ‬المالية‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬البلاد‭ ‬سددت‭ ‬18.2‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬بعنوان‭ ‬أصل‭ ‬الدين‭ ‬العمومي‭ ‬خلال‭ ‬2025،‭ ‬منها‭ ‬8.5‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬ديون‭ ‬خارجية،‭ ‬مقابل‭ ‬9‭.‬7‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬ديون‭ ‬داخلية‭.‬

أما‭ ‬أقساط‭ ‬فوائد‭ ‬الدين‭ ‬العمومي‭ ‬فقد‭ ‬بلغت‭ ‬6‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دينار،‭ ‬منها‭ ‬1‭.‬9‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬كفوائد‭ ‬للدين‭ ‬الخارجي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬تقليصا‭ ‬تدريجيا‭ ‬للعبء‭ ‬المالي‭ ‬على‭ ‬الخزينة‭ ‬العامة‭.‬

ويرى‭ ‬خبراء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬لـ«الصباح‮»‬،‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬الأداء‭ ‬المالي‭ ‬يُعدّ‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬فعالية‭ ‬السياسة‭ ‬النقدية‭ ‬والمالية‭ ‬التي‭ ‬انتهجتها‭ ‬الحكومة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬عبر‭ ‬تقليص‭ ‬الاقتراض‭ ‬الخارجي‭ ‬وتعبئة‭ ‬الموارد‭ ‬الذاتية،‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬تحسن‭ ‬مداخيل‭ ‬القطاعات‭ ‬المنتجة‭ ‬بالعملة‭ ‬الصعبة،‭ ‬وأيضا‭ ‬إلى‭ ‬توجهات‭ ‬هرم‭ ‬السلطة‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬التبعية‭ ‬مع‭ ‬الخارج‭ ‬والتعويل‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬لدفع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭. ‬

قطاعات‭ ‬واعدة‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬النمو‭

ويشير‭ ‬تقرير‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬التونسي‭ ‬لسنة‭ ‬2025‭ ‬سيكون‭ ‬مدفوعا‭ ‬أساسا‭ ‬بالقطاع‭ ‬الفلاحي،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬وتصدير‭ ‬زيت‭ ‬الزيتون‭ ‬والحبوب‭.‬

فقد‭ ‬تمكنت‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬الموسمين‭ ‬الأخيرين‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬إنتاج‭ ‬قياسي‭ ‬من‭ ‬زيت‭ ‬الزيتون،‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬ضمن‭ ‬أكبر‭ ‬المصدرين‭ ‬عالميا،‭ ‬إذ‭ ‬تجاوزت‭ ‬العائدات‭ ‬الملياري‭ ‬دينار‭ ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬ويتوقع‭ ‬أن‭ ‬تسجل‭ ‬رقما‭ ‬قياسيا‭ ‬جديدا‭ ‬في‭ ‬2025‭.‬

كما‭ ‬ساهم‭ ‬تحسّن‭ ‬الظروف‭ ‬المناخية‭ ‬وتوسيع‭ ‬المساحات‭ ‬المزروعة‭ ‬بالحبوب‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الإنتاج‭ ‬المحلي‭ ‬وتخفيض‭ ‬كلفة‭ ‬التوريد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬إيجابا‭ ‬على‭ ‬الميزان‭ ‬التجاري‭ ‬للبلاد‭. ‬ويمثل‭ ‬القطاع‭ ‬الفلاحي‭ ‬اليوم‭ ‬رئة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي،‭ ‬ومصدر‭ ‬عملة‭ ‬صعبة‭ ‬ثابت،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬كونه‭ ‬قطاعا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬حيويا‭ ‬يدعم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ % ‬من‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬الوطنية‭.‬

السياحة‭... ‬انتعاشة‭ ‬قوية‭ ‬تدعم‭ ‬احتياطي‭ ‬العملة

وبعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التراجع‭ ‬بسبب‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19،‭ ‬شهد‭ ‬القطاع‭ ‬السياحي‭ ‬التونسي‭ ‬انتعاشة‭ ‬لافتة‭ ‬خلال‭ ‬2025،‭ ‬مستفيدا‭ ‬من‭ ‬تحسن‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬وتنوع‭ ‬المنتوج‭ ‬السياحي‭.‬

وقد‭ ‬سجلت‭ ‬الإيرادات‭ ‬السياحية‭ ‬ارتفاعا‭ ‬ملحوظا،‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬احتياطي‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬العملة‭ ‬الصعبة،‭ ‬وتخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬ميزان‭ ‬الدفوعات‭.‬

وتشير‭ ‬تقديرات‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الزيادة‭ ‬المعتدلة‭ ‬في‭ ‬العائدات‭ ‬السياحية‭ ‬ستعوض‭ ‬جزئيا‭ ‬العجز‭ ‬التجاري،‭ ‬مما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬العجز‭ ‬الجاري‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬2‭.‬7‭ % ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام‭ ‬خلال‭ ‬2025‭.‬

تحويلات‭ ‬التونسيين‭ ‬بالخارج‭.. ‬ دعم‭ ‬مستدام‭ ‬للاقتصاد

وتواصل‭ ‬تحويلات‭ ‬التونسيين‭ ‬المقيمين‭ ‬بالخارج‭ ‬أداءها‭ ‬القوي،‭ ‬إذ‭ ‬بلغت‭ ‬مستويات‭ ‬قياسية‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الجاري،‭ ‬لتصبح‭ ‬ثاني‭ ‬مصدر‭ ‬للعملة‭ ‬الصعبة‭ ‬بعد‭ ‬السياحة‭. ‬وتُعدّ‭ ‬هذه‭ ‬التحويلات‭ ‬شبكة‭ ‬أمان‭ ‬مالية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأسر‭ ‬وللاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬إذ‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تنشيط‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الداخلي‭ ‬وتدعم‭ ‬احتياطي‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬الأجنبي،‭ ‬ما‭ ‬مكّن‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬تغطية‭ ‬وارداتها‭ ‬لأشهر‭ ‬متتالية‭ ‬دون‭ ‬صعوبات‭ ‬تمويلية‭.‬

انعكاسات‭ ‬إيجابية‭ ‬على‭ ‬التونسيين‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الوطني

وتمثل‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬الإيجابية‭ ‬مجتمعة‭ ‬نقطة‭ ‬تحوّل‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬التونسي،‭ ‬إذ‭ ‬تعكس‭ ‬بداية‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬قوامها‭ ‬الاستقرار‭ ‬المالي‭ ‬والسيادة‭ ‬الاقتصادية‭. ‬فنجاح‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬الخارجية،‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬تحقيق‭ ‬نمو‭ ‬اقتصادي‭ ‬متوازن،‭ ‬يعيد‭ ‬الثقة‭ ‬للمستثمرين،‭ ‬ويُحسن‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬للبلاد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيسمح‭ ‬مستقبلا‭ ‬بجذب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة،‭ ‬رغم‭ ‬توقع‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬استقرارها‭ ‬في‭ ‬الأمد‭ ‬القريب‭.‬

أما‭ ‬داخليا،‭ ‬فإن‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬وتقليص‭ ‬الاقتراض‭ ‬الخارجي‭ ‬يعني‭ ‬تخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬المالية‭ ‬العمومية،‭ ‬وتوجيه‭ ‬الموارد‭ ‬نحو‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬والتشغيل‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬ينعكس‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬للمواطنين‭ ‬وتحسين‭ ‬الخدمات‭ ‬العمومية‭.‬

ويعتبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬تشكل‭ ‬فرصة‭ ‬نادرة‭ ‬لترسيخ‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمواطن،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التقشف‭ ‬والضغوط‭ ‬المالية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬تمكنت‭ ‬بفضل‭ ‬سياسة‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬من‭ ‬رسم‭ ‬مسارها‭ ‬التنموي‭ ‬بخطى‭ ‬ثابتة‭ ‬رغم‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬لتحقيق‭ ‬نقلة‭ ‬اقتصادية‭ ‬نوعية‭ ‬تسترجع‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬مكانتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭. ‬

آفاق‭ ‬واعدة‭ ‬وإصلاحات‭ ‬تكرّس‭ ‬المسار‭ ‬الصاعد

وبعد‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬اللافت،‭ ‬بات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬أمام‭ ‬فرصٌ‭ ‬واعدة‭ ‬لتعزيز‭ ‬مكاسبه‭ ‬وتثبيت‭ ‬مسار‭ ‬النمو‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬إصلاحات‭ ‬هيكلية‭ ‬مدروسة‭.‬

فالإجراءات‭ ‬المنتظرة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الإنفاق‭ ‬العمومي‭ ‬،وتعصير‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬المنافسة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تمثل‭ ‬اليوم‭ ‬ركائز‭ ‬ضرورية‭ ‬لتسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬النمو،‭ ‬وجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬استدامة‭ ‬وشمولا‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬مواصلة‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور،‭ ‬وترشيد‭ ‬نفقات‭ ‬الدعم‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مجرّد‭ ‬تحديات،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬خطوات‭ ‬عملية‭ ‬لضمان‭ ‬توازن‭ ‬المالية‭ ‬العمومية‭ ‬وتحسين‭ ‬جودة‭ ‬الإنفاق‭ ‬نحو‭ ‬التنمية‭ ‬والاستثمار‭ ‬المنتج‭.‬

وفي‭ ‬الأثناء،‭ ‬يتهيأ‭ ‬القطاع‭ ‬المالي‭ ‬والمصرفي‭ ‬لمرحلة‭ ‬تحديث‭ ‬جديدة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تسهيل‭ ‬تمويل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصغرى‭ ‬والمتوسطة‭ ‬وتشجيع‭ ‬روح‭ ‬المبادرة‭ ‬الخاصة،‭ ‬بما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الثروة‭ ‬ومواطن‭ ‬الشغل‭ ‬وتحفيز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭ ‬والمنافسة‭.‬

بهذه‭ ‬المقاربة‭ ‬الإصلاحية‭ ‬الإيجابية،‭ ‬تستعد‭ ‬تونس‭ ‬لمرحلة‭ ‬نمو‭ ‬متجدد‭ ‬ومستدام،‭ ‬تُبنى‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬صلبة‭ ‬من‭ ‬الانضباط‭ ‬المالي‭ ‬والتحديث‭ ‬الهيكلي‭ ‬والانفتاح‭ ‬الواعي‭ ‬على‭ ‬محيطها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭. ‬

نحو‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬السيادة‭ ‬الاقتصادية

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬سنة‭ ‬2025‭ ‬ستسجل‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لتونس‭ ‬كعام‭ ‬الاستقلال‭ ‬المالي‭ ‬الحقيقي‭. ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬أغلقت‭ ‬البلاد‭ ‬ملف‭ ‬ديونها‭ ‬الخارجية‭ ‬قبل‭ ‬أوانه‭ ‬دون‭ ‬دعم‭ ‬خارجي،‭ ‬وأثبتت‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬نمو‭ ‬متوازن،‭ ‬فإنها‭ ‬تدخل‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬السيادة‭ ‬الاقتصادية‭.‬

هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬يشدد‭ ‬جزء‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬على‭ ‬استثمارها‭ ‬عبر‭ ‬إصلاحات‭ ‬جادة‭ ‬ومواصلة‭ ‬نهج‭ ‬الانضباط‭ ‬المالي،‭ ‬بما‭ ‬يعيد‭ ‬الأمل‭ ‬لفئات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المجتمع،‭ ‬ويؤكد‭ ‬أن‭ ‬تجاوز‭ ‬الأزمات‭ ‬ممكن‭ ‬بإرادة‭ ‬وطنية‭ ‬صلبة‭ ‬وسياسات‭ ‬واقعية‭.‬

من‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمة‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬الثقة

ولم‭ ‬يعد‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬اليوم‭ ‬مجرد‭ ‬ملف‭ ‬أرقام‭ ‬وديون،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬قصة‭ ‬نجاح‭ ‬تدريجية‭ ‬تُكتب‭ ‬فصولها‭ ‬بجهد‭ ‬وتخطيط‭.‬

فمن‭ ‬بلد‭ ‬كان‭ ‬يواجه‭ ‬خطر‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬السداد‭ ‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬يعلن‭ ‬سداد‭ ‬كامل‭ ‬ديونه‭ ‬الخارجية‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬السنة‭ ‬بثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬وبهذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬تحقق‭ ‬تونس‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭ ‬تعكس‭ ‬قدرة‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬متى‭ ‬توفرت‭ ‬الإرادة‭ ‬وحسن‭ ‬الإدارة‭.‬

وبينما‭ ‬تتوقع‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬استمرار‭ ‬المخاطر‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬الأمد‭ ‬المتوسط،‭ ‬فإن‭ ‬المؤشرات‭ ‬الحالية‭ ‬تُظهر‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التونسي‭ ‬بدأ‭ ‬يستعيد‭ ‬عافيته‭ ‬بثبات،‭ ‬مدعوما‭ ‬بقطاعات‭ ‬واعدة‭ ‬وبانضباط‭ ‬مالي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬حمل‭ ‬رسالة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬بذاتها،‭ ‬وعلى‭ ‬تحويل‭ ‬التحديات‭ ‬إلى‭ ‬فرص،‭ ‬والمصاعب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬قصص‭ ‬نجاح‭ ‬تلهم‭ ‬المنطقة‭ ‬بأسرها‭.‬

ومع‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬المتراكم،‭ ‬تتهيأ‭ ‬تونس‭ ‬لتلعب‭ ‬دورا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الإقليمي‭ ‬كمركز‭ ‬استقرار‭ ‬مالي‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭.‬

فسياساتها‭ ‬المتوازنة،‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬المديونية،‭ ‬واستقلالها‭ ‬النسبي‭ ‬عن‭ ‬المؤسسات‭ ‬المانحة،‭ ‬تؤهلها‭ ‬لتكون‭ ‬نموذجا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ومقصدا‭ ‬آمنا‭ ‬للاستثمارات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬الباحثة‭ ‬عن‭ ‬بيئة‭ ‬مالية‭ ‬مستقرة‭ ‬ومناخ‭ ‬اقتصادي‭ ‬واعد‭.‬

سفيان‭ ‬المهداوي