- النائب يوسف طرشون: تنكيل كبير بعمال المناولة.. وعلى الدولة فرض تطبيق القانون على الجميع
بحضور ممثلين عن رئاسة الحكومة ووزارات المالية، التشغيل والتكوين المهني، الشؤون الاجتماعية، التعليم العالي والبحث العلمي، وبالتزامن مع وقفة احتجاجية لعدد من المعطّلين عن العمل أمام قصر باردو، نظّمت الأكاديمية البرلمانية، أمس، بمجلس نواب الشعب، يوما دراسيا حول المبادرة التشريعية المتعلقة بالأحكام الاستثنائية لانتداب خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم في القطاع العام والوظيفة العمومية.
وخلال النقاش، طالب النواب بالتسريع في عرض هذه المبادرة على الجلسة العامة للتصويت عليها في أقرب الآجال، ودعوا الحكومة إلى تخصيص موارد كافية ضمن ميزانية سنة 2026 لإنفاذ هذا القانون وإنصاف هذه الفئة من المعطلين عن العمل، التي عانت طويلاً من التهميش والظلم والفقر والحرمان.
وأشار النواب إلى وجود إمكانيات عديدة لانتداب أصحاب الشهادات العليا والدكاترة ممن طالت بطالتهم، في مختلف الوزارات والإدارات المركزية والجهوية، وفي الجماعات المحلية، مؤكدين أن هذه الانتدابات من شأنها أن تحسّن نسبة التأطير، وبالتالي تساهم في تجويد الخدمات الإدارية.
ولاحظ بعض النواب أنه تم في السابق، في إطار أجندة سياسية، تمرير القانون عدد 38 لسنة 2020 المؤرخ في 13 أوت 2020، المتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي، لكن هذا القانون لم يكن قابلا للتفعيل.
وقد استغل عدد من النواب فرصة حضور ممثلين عن رئاسة الحكومة لتوجيه دعوة ملحة للحكومة، للعمل بكل الجهود الممكنة على تفعيل القوانين المصادق عليها من قبل المجلس النيابي، وخاصة ما يتعلق منها بإرساء دعائم الدولة الاجتماعية، وفي مقدمتها القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة.
وفي هذا السياق، انتقد النائب يوسف طرشون تعنت العديد من مديري المؤسسات والمنشآت العمومية في تطبيق هذا القانون، الذي وصفه بـ»الثوري»، مندّدًا بممارسات الشركات البترولية وشركات المناولة.
وبيّن أنه عوضًا عن تسوية وضعيات العمّال، تم التنكيل بهم وحرمانهم من أجورهم، إلى درجة عجز الكثير منهم عن توفير مستلزمات العودة المدرسية لأبنائهم.
وأضاف طرشون: «طال الزمن أو قصر، سنتابع تنفيذ هذا القانون، ونفضح التجاوزات التي تقوم بها شركات مناولة ‹باندية›، خصوصا تلك المتعاملة مع السفارات والمنظمات الدولية»، مشددًا على أن ما يهمه في المقام الأول هو كرامة ابن بلده الذي يتعرض للإذلال، وليس السفارة أو المنظمة.
وحمّل طرشون الدولة التونسية مسؤولياتها كاملة في فرض تطبيق التشريعات الوطنية على الجميع، واقترح على رئيس مجلس نواب الشعب الإذن بتشكيل لجنة برلمانية تتولى متابعة تنفيذ القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة.
دعم لقافلة كسر الحصار
كما تحدث كل النواب بحماس كبير عن قافلة الصمود لكسر الحصار عن غزة، معربين عن فخرهم واعتزازهم بالتونسيين المشاركين فيها، ومنهم النائب محمد علي، رئيس لجنة الحقوق والحريات.
وندّدوا بشدة بغطرسة الكيان الصهيوني وممارساته الوحشية، معتبرين أن التطبيع مع هذا الكيان خيانة عظمى، ودعا بعضهم إلى الضغط على المنظمات الدولية للعمل على إرجاع الأسرى.
تفاعل بين السلطتين
وفي حديثه عن المبادرة التشريعية المذكورة، أشار رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة إلى رغبته في حصول تفاعل بين الوظيفتين التشريعية والتنفيذية بمناسبة عرض مشاريع القوانين والمبادرات التشريعية على اللجان.
وبيّن أن مشروع القانون، عندما يصادق عليه مجلس نواب الشعب ويصدر بالرائد الرسمي، يصبح قانونا نافذا، وبالتالي يجب على المشرّع خلال الجلسة العامة أن يكون على دراية تامة بكل المعطيات حتى يتخذ القرار الصائب.
وأشار بودربالة إلى أن الصلاحيات التشريعية للمجلس تتمثل في النظر في القوانين المقدّمة من جهتين: الجهة الأولى: السلطة التنفيذية، من خلال اقتراح مشاريع القوانين، الجهة الثانية: نواب الشعب، من خلال تقديم المبادرات التشريعية، على أن تكون موقعة من قبل عشرة نواب على الأقل.
ويتولى مكتب المجلس إحالة مقترح القانون أو مشروع القانون إلى اللجنة المختصة التي تتمتع بصلاحية النقاش والتعديل والتصويت، ثم ترفع اللجنة تقريرها إلى المكتب، الذي يقرّر إدراجه في الجلسة العامة.
وذكر أن المكتب قرر تنظيم هذا اليوم الدراسي حتى يتمكّن النواب من الاطلاع على تقرير اللجنة قبل الجلسة العامة.
صيغة معدّلة
وقدّم صابر الجلاصي، رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية، حوصلة لتقرير اللجنة حول مقترح القانون، مشيرًا إلى أن المقترح ورد على اللجنة بتاريخ 3 أوت 2023، وأن اللجنة عقدت 9 جلسات عمل، خُصّصت الأولى منها، المنعقدة في 24 أكتوبر 2023، للاستماع إلى جهة المبادرة.
وأشار إلى أن اللجنة صادقت على المقترح في صيغته المعدلة يوم 18 جويلية 2025، وتتضمّن هذه الصيغة 8 فصول.
وينص الفصل الأول على معالجة وضعية خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم، من خلال الانتداب الاستثنائي في مختلف القطاعات العمومية والوظيفة العمومية، تحت إشراف وزارة التشغيل والتكوين المهني.
أما الفصل الثاني، فيقضي بإحداث منصة رقمية يتم من خلالها تنزيل معطيات المترشحين، وترتيبهم ترتيبا تفاضليا، حسب المعايير التالية:
1. سنّ المترشح، مع إعطاء الأولوية لمن تجاوز 40 سنة؛
2. سنة التخرج، مع أولوية لمن تجاوزت عشر سنوات؛
3. فرد واحد من كل عائلة، دون اعتبار شرط السن؛
4. الوضعية الاجتماعية.
أما الفصل الثالث، فقد حدّد شروط الترشح، والتي تتمثل في:
-التسجيل بمكاتب التشغيل؛
-عدم الانتفاع بإجراءات تسوية الوضعيات المهنية؛
-عدم الانخراط بصفة مسترسلة في منظومة التقاعد والحيطة الاجتماعية؛
- عدم التمتع بمعرّف جبائي خلال السنة السابقة للتسجيل بالمنصة؛
-عدم الحصول على قرض يتجاوز 40 ألف دينار من المؤسسات المالية والبنكية عند التسجيل بالمنصة.
وقال رئيس اللجنة صابر الجلاصي إن الفصل الرابع من المبادرة التشريعية في صيغتها المعدلة، ينصّ على أن انتداب خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم يتمّ عبر دراسة الملفات، ويخضع المنتدبون إثر ذلك إلى مرحلة تأهيل حسب الخطة أو الوظيفة بالمؤسسة المعنية.
كما نصّ الفصل الموالي، حسب قوله، على أن يتم سدّ الشغورات لتشغيل خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم في القطاع العام والوظيفة العمومية من ضمن المسجلين على المنصة، والذين تتوفر فيهم الشروط، مع مراعاة التوازن في التوزيع بين الاختصاصات.
وبيّن الجلاصي أنه، وفقا لأحكام الفصل السادس، يتم الانتداب على دفعات لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات من تاريخ صدور هذا القانون، أما الفصل السابع فينص على أن يتم تحيين معطيات المسجلين على المنصة مرة واحدة كل سنة.
وذكر أن الفصل الأخير ينص على دخول هذا القانون حيّز التنفيذ مباشرة بعد صدوره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
وأشار صابر الجلاصي، رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية، إلى أن دستور 25 جويلية كرّس الدور الاجتماعي للدولة، مبيّنًا أن هذه المبادرة التشريعية تتنزّل في هذا الإطار، معتبرًا أنه لا توجد أي عائلة تونسية تخلو من معطّلين عن العمل.
العدالة الاجتماعية
وبيّن النائب عن كتلة «لينتصر الشعب»، النوري الجريدي، ممثل جهة المبادرة التشريعية، أن مقترح القانون المتعلق بأحكام استثنائية لانتداب خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم، يندرج في صميم تصوراتهم للدولة التي ترفع شعار العدالة الاجتماعية، ويُعد جزءًا من فلسفة «المصعد الاجتماعي».
وتحدث الجريدي بحرقة عن معاناة هذه الفئة، مؤكدًا أن المعطّلين عن العمل ضحّوا من أجل طلب العلم والمعرفة، وتكبّدوا مشاقًّا شديدة لا يستطيع غيرهم تحمّلها، معتبرًا أنهم منذ سنوات يعيشون في «محرقة»، إذ مورست عليهم أقسى أشكال القمع، وعندما توجهوا إلى المندوبيات الجهوية، أوصدت الأبواب في وجوههم.
وشدّد على أن المطلوب اليوم من الحكومة، التي تؤمن بالدولة الاجتماعية، أن تعمل على إيجاد حلول فعلية لهؤلاء، مذكّرًا بأن من بينهم من تخرّج منذ أكثر من 25 سنة ولم يحصل على أي فرصة للعمل.
وطالب الجريدي الدولة بإنصافهم عبر حل عملي يُعيد لهم كرامتهم التي أُهدرت طيلة السنوات الماضية، مشيرًا إلى أنهم راسلوا الحكومة وطالبوها بإجراء دراسات وتوفير إحصائيات دقيقة حول الفئة المشمولة بمقترح القانون، مؤكدًا أن من حقهم الحصول على شغل يحفظ كرامتهم، ومن حقهم أيضًا نيل نصيب من ميزانية الدولة لسنة 2026 لتمكينهم من الانتداب.
وبالإضافة إلى النوري الجريدي، يُذكر أن هذه المبادرة التشريعية، التي تم إيداعها بمجلس نواب الشعب منذ 28 جويلية 2023، تحمل إمضاءات النواب: علي زغدود، عمار العيدودي، لطفي السعداوي، محمد ضو، عادل بوسالمي، محمد الهادي العلاني، رؤوف الفقيري، أيمن البوغديري، المختار عبد المولى، محمد ماجدي، محمد الشعباني، شفيق زعفوري، عبد السلام الدحماني، ونجيب عكرمي.
تعويض المتقاعدين
وبعد الاستماع إلى ممثل جهة المبادرة التشريعية، عبّر عدد كبير من النواب المشاركين في اليوم الدراسي عن آرائهم في مقترح القانون المتعلق بأحكام استثنائية لانتداب خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم، بصيغته المعدلة من قبل لجنة التخطيط الاستراتيجي، مؤكدين ضرورة إحالته إلى الجلسة العامة لمناقشته والتصويت عليه من أجل إنصاف المعطلين عن العمل.
النائب عبد الرزاق عويدات أشار إلى أن أصحاب الشهادات العليا تعرّضوا إلى الظلم مرتين: الأولى سنة 2011 عندما مُنحت الأولوية للمتقدمين في السن، ثم أُغلق باب الانتدابات لاحقًا. وأضاف أن موجة التقاعد بدأت منذ سنة 2018، لكن لم يقع تعويض المتقاعدين رغم النقص الفادح في الموارد البشرية، خاصة في المؤسسات التربوية، مطالبًا بتعويضهم بالمعطلين عن العمل، ومن ضمنهم الدكاترة الذين يمثلون طاقات مهدورة.
من جهته، اعتبر النائب عادل ضياف أن المبادرة التشريعية تمثل مبادرة إنصاف، تهدف إلى الحد من البطالة المرتفعة، التي يعود سببها إلى فشل النظام التعليمي ومنظومة التوجيه الجامعي الفاقدة للرؤية. وأشار إلى أن العديد من الشعب العلمية بدليل التوجيه لا علاقة لها بسوق الشغل.
وقال إنه لا توجد استراتيجية واضحة لامتصاص بطالة خريجي التعليم العالي، وخاصة حاملي شهادات الدكتوراه، مشددًا على أنه لا يمكن السماح باستمرار الظلم الواقع عليهم. كما نوّه بأهمية مبادرة رئيس الجمهورية لتشغيل الدكاترة، مطالبًا بالإسراع في تنفيذها، وعدم التمديد لمن بلغوا سن التقاعد، داعيًا إياهم إلى «ترك المشعل لغيرهم».
وأكد على ضرورة إخضاع لجان الانتداب في التعليم العالي والبحث العلمي إلى رقابة صارمة، نظرًا لوجود إخلالات عدّة.
بدوره، لاحظ النائب منير الكموني أن باب الانتداب أُغلق منذ سنة 2017، وقبل ذلك حدثت طفرة من الانتدابات العشوائية التي تسببت في اختلال التوازن بين الجهات والقطاعات، ما أدى إلى العديد من المشاكل، خاصة في قطاع التربية.
وأوضح أن الإجراءات المُتخذة لفائدة المعلمين والأساتذة النواب لم تحل مشكل النواب غير المدرجين في القوائم، معتبرًا أنه من الضروري مراجعة استراتيجية الدولة في مجال التشغيل.
وتساءل عن مصير المتخرجين الجدد، ومن هم خارج قاعدة البيانات، مبيّنًا أن مشكل التقاعد تفاقم بسبب الإملاءات الخارجية بإيقاف الانتدابات، داعيًا إلى فسح المجال للمغادرة الطوعية للتقاعد لفتح المجال أمام العاطلين عن العمل.
ورأى الكموني أن الحل يكمن في تنظيم حوار وطني شامل، وإجراء دراسة دقيقة تفضي إلى خطة واضحة وعملية للتشغيل.
ضمانات تطبيق القانون
من جانبها، تساءلت النائبة أسماء الدرويش عن الضمانات العملية التي يمكن أن تلتزم بها الحكومة لتفعيل مقترح القانون المتعلق بأحكام استثنائية لانتداب خريجي التعليم العالي، أو عن البدائل الممكنة التي يمكن أن تُقدّمها لتشغيل هذه الفئة من المعطلين، محذّرة من وجود جرس إنذار يتطلب إعادة التفكير في سياسات التكوين والتشغيل.
أما النائبة مهى عامر، فأشارت إلى أن مبدأ تكافؤ الفرص في الانتداب لم يُحترم بعد الثورة، إذ تم فتح مناظرات في التعليم العالي دون القيام بانتدابات، ووصفت ذلك بـ»التحيّل».
ورأت أن وزارة التشغيل والتكوين المهني لا تلعب أي دور فعّال في التشغيل، داعية إلى إعادة هيكلتها ووضع استراتيجية واضحة للتشغيل في تونس.
وانتقدت بشدّة فشل وزارة التربية في التشغيل، وألقت عليها اللوم بسبب تغيير معايير انتداب من قاموا بنيابات، معتبرة أن ما حصل يمثل شبهة فساد.
واعتبرت عامر أن مقترح القانون يهدف إلى دعم التوجه الاجتماعي للدولة، مشيرة إلى أن هناك من درس لسنوات طويلة، ومع ذلك لا يملك حتى بطاقة علاج.
وأكدت أنه بعد المصادقة على هذا القانون، يجب تطبيقه، معربة عن استنكارها لعدم استجابة الوزارات المعنية بالدعوات التي وجهتها لجنة التخطيط لحضور الجلسات المخصصة للنظر في هذه المبادرة.
منحة بطالة
ذهب النائب المنصف معلول إلى أبعد من ذلك، وطالب بإقرار منحة بطالة لفائدة المعطلين عن العمل، مبيّنا أن المتخرجين من الجامعات، ممن طالت بطالتهم لأكثر من عشرين سنة، يتواصلون يوميا مع النواب، لأنهم لم يُشغَّلوا لا في القطاع العام ولا في القطاع الخاص. وأضاف أن المناظرات التي فُتحت منذ سنوات لم تنصفهم، لأن الانتدابات كانت، حسب قوله، «بالمحسوبية والأكتاف».
وأشار إلى أن التشغيل ما يزال في تونس يتم بالرشوة، وهو أمر خطير، مشدّدا على أن جميع من في الدولة يتحملون مسؤولية المعطلين عن العمل، الذين تم تهميشهم لسنوات عديدة. كما لفت إلى وجود شغورات عديدة في المؤسسات أثرت على نوعية الخدمات الإدارية، مطالبا بفتح مناظرات في الوظيفة العمومية والقطاع العام والبلديات.
واعتبر أنه من غير المقبول أن ينتظر المواطن ساعة أو ساعتين للحصول على مضمون ولادة، بسبب النقص في عدد أعوان البلديات. وأثار أيضا ملف الشهادات المزورة، وطالب باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد من تم انتدابهم في الوظيفة العمومية بشهادات مزيفة.
واقترح النائب تغيير اسم وزارة التشغيل إلى وزارة البطالة، داعيا إلى فتح مناظرات انتداب عادلة وشفافة، مع إخضاعها للرقابة.
من جهتها، أشارت النائبة منال بديدة إلى طول فترة مناقشة مقترح القانون المتعلق بأحكام استثنائية لانتداب خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم، داعية مكتب مجلس نواب الشعب إلى إحالته على جلسة عامة في أقرب الآجال، وتحديدًا قبل الانطلاق في مناقشة مشروع ميزانية الدولة، لأنه يتعلق بشباب أفنوا أعمارهم في الدراسة، وبعائلات لم تستثمر سوى في تعليم أبنائها.
وتحدثت عن معاناة المعطلين عن العمل، مبيّنة أن من بينهم من بلغ 45 سنة ولم يشتغل أو يتزوج بعد. وأضافت أن أعلى هرم في السلطة، وهو رئيس الجمهورية، يحمل هموم هذه الفئة، حيث تطرق في لقائه الأخير مع وزير الشؤون الاجتماعية إلى وضعية من طالت بطالتهم.
وأكدت بديدة أنها لا ترغب في إخضاع الانتدابات المرتقبة بمقتضى هذا القانون للتناظر، مطالبة الوزارات التي فتحت مناظرات بأن تأخذ بعين الاعتبار المعطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا. كما دعت ممثلي الحكومة إلى مد النواب بإحصائيات دقيقة حول عدد المعطلين من خريجي الجامعات.
سيادة الشعوب
يرى النائب نجيب العكرمي أنه «لا سيادة للشعوب إذا لم تعمل»، لأن الشغل هو الضامن لحرية الأفراد. وأوضح أن الشعوب التي تعيش البطالة، هي شعوب تعيش الذل وقابلة لأن تُشترى، مضيفًا: «أريد للشعب التونسي أن يكون حرًّا في بلد ذي سيادة».
وأكد أن الدستور ينص على أن الشغل حق، وعلى الدولة أن تضمن هذا الحق. وذكر أنه عندما تقدّم رفقة مجموعة من النواب بالمبادرة التشريعية المذكورة، فذلك لأن أصحاب الشهادات العليا عانوا من التسويف والمماطلة، وتم منذ سنة 2011 التلاعب بملف التشغيل، حيث تم تشغيل المنتفعين بالعفو التشريعي العام، وإغراق الإدارة التونسية بأعوان لا تتوفر فيهم الكفاءة اللازمة، وهو ما انعكس سلبًا على مردودية العمل، بدليل وجود أكثر من 1300 مشروع معطّل.
وأضاف أن من حق عمّال الحضائر والمناولة العمل، لكن لا يمكن تكليفهم بالإشراف على مناصب بالإدارة، لأن هذه الأخيرة، في نظره، يجب أن تُدار من قبل كفاءات. وأعرب عن أسفه لوجود أعوان تم انتدابهم بشهادات مزورة، وهم مكلفون بمهام ثقيلة، في حين أنهم غير قادرين حتى على استخدام الحاسوب.
وأشار العكرمي إلى أن تعليمات صندوق النقد الدولي، وقرارات فاشلة من يوسف الشاهد، تسببت في غلق باب الانتدابات منذ سنة 2017، مما أدى إلى أزمة اجتماعية.
وذكّر بأن من خرجوا يوم 25 جويلية، كما من خرجوا يوم 17 ديسمبر 2010، كانوا يطالبون بالتشغيل، مما يستوجب البحث عن حل جذري لبطالة أصحاب الشهادات العليا.
ووفق النائبة عواطف الشنيتي، يوجد أكثر من 600 ألف عاطل عن العمل، وأكثر من 6 آلاف دكتور عاطل عن العمل،
وأكدت أن النواب منفتحون على مقترحات الحكومة، مبيّنة أنها تنتمي إلى لجنة الشؤون الاجتماعية، التي سبق لها أن مررت قانون منع المناولة، واصفة إياه بـ»القانون الثوري»، إلا أن هناك من يرفض تطبيقه.
وأشارت إلى أنها، بصفتها نائبة عن الشعب، تتصل بالوزارة لإبلاغها بمشاكل عدم تنفيذ القانون، لكنها لا تتلقى أي رد. ودعت إلى تكوين لجنة برلمانية لمتابعة تنفيذ القوانين الصادرة عن مجلس النواب، وطالبت بعرض المبادرة التشريعية على الجلسة العامة والتصويت عليها، مؤكدة أن جميع العائلات تنتظر صدور هذا القانون الهادف إلى تشغيل أصحاب الشهادات العليا ممن طالت بطالتهم.
النائب محمد شعباني اعتبر أن الوضع الراهن يجبره على الحديث عن أحكام استثنائية لتشغيل النخبة، التي كان يفترض أن تفتخر بها تونس وتبجلها، لكنها أصبحت تقبع على قارعة الطريق.
وأشار إلى أن بعض أصحاب الشهادات العليا قادوا مسيرات ثورة الحرية والكرامة، ولا يزالون إلى اليوم عاطلين عن العمل، وهناك من يعتصمون أمام البرلمان للمطالبة بالشغل.
ودعا الحكومة إلى تنظيم اجتماع عاجل لوضع استراتيجية وطنية لمعالجة البطالة، مضيفًا أن مقترح القانون يهدف إلى إنقاذ من طالت بطالتهم، حتى يتمكنوا من توفير أسباب العيش فيما تبقى من حياتهم.
ولفت إلى وجود نقص واضح في عدد الأعوان بالإدارات والمستوصفات، مقابل تزايد البطالة عامًا بعد عام، ملاحظًا تهرّم الإدارة التونسية، ومشددًا على أن المرحلة الحالية تتطلب توظيف كفاءات مقتدرة في الإدارة.
الأولوية لملف البطالة
وتفاعلا مع مداخلات النواب، قال شهر الدين غزالة، المدير العام بمصالح مستشار القانون والتشريع للحكومة، إن من حق نواب الشعب، طبقا للدستور، تقديم مقترحات قوانين، سواء كانت ذات طابع اقتصادي أو اجتماعي، على غرار هذا المقترح، الذي يهدف إلى المساهمة في حل مشكل بطالة خريجي التعليم العالي.
وثمّن دور النواب في معاضدة جهود السلطة التنفيذية لإيجاد حلول لمشكل البطالة، مؤكدًا أن من أهم أولويات الدولة اليوم ملف البطالة.
وأشار إلى أنه، في هذا الإطار، سبق أن تم سن قانون لتنقيح مجلة الشغل بهدف تنظيم العقود وإلغاء المناولة، كما صدر أمر حكومي لفائدة الأساتذة والمعلمين النواب.
وخلص ممثل رئاسة الحكومة إلى أن الوظيفتين التشريعية والتنفيذية تعملان معًا لإيجاد حلول لمشاكل البلاد، متعهدًا بتقديم إجابات دقيقة عن أسئلة النواب، ومدّهم رسميا بالإحصائيات والمعطيات التي طلبوها.
ويُذكر أنه، إضافة إلى شهر الدين غزالة، حضر أشغال اليوم الدراسي عن رئاسة الحكومة كل من: رؤوف بن سالم، مدير بالهيئة العامة للوظيفة العمومية، إيمان الرفرافي، مديرة عامة بوحدة متابعة تنظيم المؤسسات والمنشآت العمومية، ألفة حمدي، مديرة بوحدة متابعة تنظيم المؤسسات والمنشآت العمومية.
وعن وزارة المالية: أحلام براهم، مديرة الإدارة العامة للتأجير وعن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي: ألفة قاسم، مديرة عامة للخلية المركزية للحوكمة، حبيبة الطالبي، مديرة عامة للشؤون القانونية والنزاعات وسلوى اللافي، مديرة الموارد البشرية.
وعن وزارة الشؤون الاجتماعية: عروسية السعيدي، المديرة العامة للشؤون القانونية والنزاعات، مروان بن تيتة، متفقد مركزي للشغل
وعن وزارة التشغيل والتكوين المهني: ليليا مخلوف، مديرة عامة بإدارة النهوض بالتشغيل، حمودة قابسي، كاهية مدير بإدارة النهوض بالتشغيل، هشام بوسعيد، مدير البرامج بالوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل.
وقد اقتصرت مشاركتهم على الاستماع إلى مداخلات النواب.
سعيدة بوهلال
- النائب يوسف طرشون: تنكيل كبير بعمال المناولة.. وعلى الدولة فرض تطبيق القانون على الجميع
بحضور ممثلين عن رئاسة الحكومة ووزارات المالية، التشغيل والتكوين المهني، الشؤون الاجتماعية، التعليم العالي والبحث العلمي، وبالتزامن مع وقفة احتجاجية لعدد من المعطّلين عن العمل أمام قصر باردو، نظّمت الأكاديمية البرلمانية، أمس، بمجلس نواب الشعب، يوما دراسيا حول المبادرة التشريعية المتعلقة بالأحكام الاستثنائية لانتداب خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم في القطاع العام والوظيفة العمومية.
وخلال النقاش، طالب النواب بالتسريع في عرض هذه المبادرة على الجلسة العامة للتصويت عليها في أقرب الآجال، ودعوا الحكومة إلى تخصيص موارد كافية ضمن ميزانية سنة 2026 لإنفاذ هذا القانون وإنصاف هذه الفئة من المعطلين عن العمل، التي عانت طويلاً من التهميش والظلم والفقر والحرمان.
وأشار النواب إلى وجود إمكانيات عديدة لانتداب أصحاب الشهادات العليا والدكاترة ممن طالت بطالتهم، في مختلف الوزارات والإدارات المركزية والجهوية، وفي الجماعات المحلية، مؤكدين أن هذه الانتدابات من شأنها أن تحسّن نسبة التأطير، وبالتالي تساهم في تجويد الخدمات الإدارية.
ولاحظ بعض النواب أنه تم في السابق، في إطار أجندة سياسية، تمرير القانون عدد 38 لسنة 2020 المؤرخ في 13 أوت 2020، المتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي، لكن هذا القانون لم يكن قابلا للتفعيل.
وقد استغل عدد من النواب فرصة حضور ممثلين عن رئاسة الحكومة لتوجيه دعوة ملحة للحكومة، للعمل بكل الجهود الممكنة على تفعيل القوانين المصادق عليها من قبل المجلس النيابي، وخاصة ما يتعلق منها بإرساء دعائم الدولة الاجتماعية، وفي مقدمتها القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة.
وفي هذا السياق، انتقد النائب يوسف طرشون تعنت العديد من مديري المؤسسات والمنشآت العمومية في تطبيق هذا القانون، الذي وصفه بـ»الثوري»، مندّدًا بممارسات الشركات البترولية وشركات المناولة.
وبيّن أنه عوضًا عن تسوية وضعيات العمّال، تم التنكيل بهم وحرمانهم من أجورهم، إلى درجة عجز الكثير منهم عن توفير مستلزمات العودة المدرسية لأبنائهم.
وأضاف طرشون: «طال الزمن أو قصر، سنتابع تنفيذ هذا القانون، ونفضح التجاوزات التي تقوم بها شركات مناولة ‹باندية›، خصوصا تلك المتعاملة مع السفارات والمنظمات الدولية»، مشددًا على أن ما يهمه في المقام الأول هو كرامة ابن بلده الذي يتعرض للإذلال، وليس السفارة أو المنظمة.
وحمّل طرشون الدولة التونسية مسؤولياتها كاملة في فرض تطبيق التشريعات الوطنية على الجميع، واقترح على رئيس مجلس نواب الشعب الإذن بتشكيل لجنة برلمانية تتولى متابعة تنفيذ القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة.
دعم لقافلة كسر الحصار
كما تحدث كل النواب بحماس كبير عن قافلة الصمود لكسر الحصار عن غزة، معربين عن فخرهم واعتزازهم بالتونسيين المشاركين فيها، ومنهم النائب محمد علي، رئيس لجنة الحقوق والحريات.
وندّدوا بشدة بغطرسة الكيان الصهيوني وممارساته الوحشية، معتبرين أن التطبيع مع هذا الكيان خيانة عظمى، ودعا بعضهم إلى الضغط على المنظمات الدولية للعمل على إرجاع الأسرى.
تفاعل بين السلطتين
وفي حديثه عن المبادرة التشريعية المذكورة، أشار رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة إلى رغبته في حصول تفاعل بين الوظيفتين التشريعية والتنفيذية بمناسبة عرض مشاريع القوانين والمبادرات التشريعية على اللجان.
وبيّن أن مشروع القانون، عندما يصادق عليه مجلس نواب الشعب ويصدر بالرائد الرسمي، يصبح قانونا نافذا، وبالتالي يجب على المشرّع خلال الجلسة العامة أن يكون على دراية تامة بكل المعطيات حتى يتخذ القرار الصائب.
وأشار بودربالة إلى أن الصلاحيات التشريعية للمجلس تتمثل في النظر في القوانين المقدّمة من جهتين: الجهة الأولى: السلطة التنفيذية، من خلال اقتراح مشاريع القوانين، الجهة الثانية: نواب الشعب، من خلال تقديم المبادرات التشريعية، على أن تكون موقعة من قبل عشرة نواب على الأقل.
ويتولى مكتب المجلس إحالة مقترح القانون أو مشروع القانون إلى اللجنة المختصة التي تتمتع بصلاحية النقاش والتعديل والتصويت، ثم ترفع اللجنة تقريرها إلى المكتب، الذي يقرّر إدراجه في الجلسة العامة.
وذكر أن المكتب قرر تنظيم هذا اليوم الدراسي حتى يتمكّن النواب من الاطلاع على تقرير اللجنة قبل الجلسة العامة.
صيغة معدّلة
وقدّم صابر الجلاصي، رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية، حوصلة لتقرير اللجنة حول مقترح القانون، مشيرًا إلى أن المقترح ورد على اللجنة بتاريخ 3 أوت 2023، وأن اللجنة عقدت 9 جلسات عمل، خُصّصت الأولى منها، المنعقدة في 24 أكتوبر 2023، للاستماع إلى جهة المبادرة.
وأشار إلى أن اللجنة صادقت على المقترح في صيغته المعدلة يوم 18 جويلية 2025، وتتضمّن هذه الصيغة 8 فصول.
وينص الفصل الأول على معالجة وضعية خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم، من خلال الانتداب الاستثنائي في مختلف القطاعات العمومية والوظيفة العمومية، تحت إشراف وزارة التشغيل والتكوين المهني.
أما الفصل الثاني، فيقضي بإحداث منصة رقمية يتم من خلالها تنزيل معطيات المترشحين، وترتيبهم ترتيبا تفاضليا، حسب المعايير التالية:
1. سنّ المترشح، مع إعطاء الأولوية لمن تجاوز 40 سنة؛
2. سنة التخرج، مع أولوية لمن تجاوزت عشر سنوات؛
3. فرد واحد من كل عائلة، دون اعتبار شرط السن؛
4. الوضعية الاجتماعية.
أما الفصل الثالث، فقد حدّد شروط الترشح، والتي تتمثل في:
-التسجيل بمكاتب التشغيل؛
-عدم الانتفاع بإجراءات تسوية الوضعيات المهنية؛
-عدم الانخراط بصفة مسترسلة في منظومة التقاعد والحيطة الاجتماعية؛
- عدم التمتع بمعرّف جبائي خلال السنة السابقة للتسجيل بالمنصة؛
-عدم الحصول على قرض يتجاوز 40 ألف دينار من المؤسسات المالية والبنكية عند التسجيل بالمنصة.
وقال رئيس اللجنة صابر الجلاصي إن الفصل الرابع من المبادرة التشريعية في صيغتها المعدلة، ينصّ على أن انتداب خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم يتمّ عبر دراسة الملفات، ويخضع المنتدبون إثر ذلك إلى مرحلة تأهيل حسب الخطة أو الوظيفة بالمؤسسة المعنية.
كما نصّ الفصل الموالي، حسب قوله، على أن يتم سدّ الشغورات لتشغيل خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم في القطاع العام والوظيفة العمومية من ضمن المسجلين على المنصة، والذين تتوفر فيهم الشروط، مع مراعاة التوازن في التوزيع بين الاختصاصات.
وبيّن الجلاصي أنه، وفقا لأحكام الفصل السادس، يتم الانتداب على دفعات لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات من تاريخ صدور هذا القانون، أما الفصل السابع فينص على أن يتم تحيين معطيات المسجلين على المنصة مرة واحدة كل سنة.
وذكر أن الفصل الأخير ينص على دخول هذا القانون حيّز التنفيذ مباشرة بعد صدوره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
وأشار صابر الجلاصي، رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستدامة والنقل والبنية التحتية والتهيئة العمرانية، إلى أن دستور 25 جويلية كرّس الدور الاجتماعي للدولة، مبيّنًا أن هذه المبادرة التشريعية تتنزّل في هذا الإطار، معتبرًا أنه لا توجد أي عائلة تونسية تخلو من معطّلين عن العمل.
العدالة الاجتماعية
وبيّن النائب عن كتلة «لينتصر الشعب»، النوري الجريدي، ممثل جهة المبادرة التشريعية، أن مقترح القانون المتعلق بأحكام استثنائية لانتداب خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم، يندرج في صميم تصوراتهم للدولة التي ترفع شعار العدالة الاجتماعية، ويُعد جزءًا من فلسفة «المصعد الاجتماعي».
وتحدث الجريدي بحرقة عن معاناة هذه الفئة، مؤكدًا أن المعطّلين عن العمل ضحّوا من أجل طلب العلم والمعرفة، وتكبّدوا مشاقًّا شديدة لا يستطيع غيرهم تحمّلها، معتبرًا أنهم منذ سنوات يعيشون في «محرقة»، إذ مورست عليهم أقسى أشكال القمع، وعندما توجهوا إلى المندوبيات الجهوية، أوصدت الأبواب في وجوههم.
وشدّد على أن المطلوب اليوم من الحكومة، التي تؤمن بالدولة الاجتماعية، أن تعمل على إيجاد حلول فعلية لهؤلاء، مذكّرًا بأن من بينهم من تخرّج منذ أكثر من 25 سنة ولم يحصل على أي فرصة للعمل.
وطالب الجريدي الدولة بإنصافهم عبر حل عملي يُعيد لهم كرامتهم التي أُهدرت طيلة السنوات الماضية، مشيرًا إلى أنهم راسلوا الحكومة وطالبوها بإجراء دراسات وتوفير إحصائيات دقيقة حول الفئة المشمولة بمقترح القانون، مؤكدًا أن من حقهم الحصول على شغل يحفظ كرامتهم، ومن حقهم أيضًا نيل نصيب من ميزانية الدولة لسنة 2026 لتمكينهم من الانتداب.
وبالإضافة إلى النوري الجريدي، يُذكر أن هذه المبادرة التشريعية، التي تم إيداعها بمجلس نواب الشعب منذ 28 جويلية 2023، تحمل إمضاءات النواب: علي زغدود، عمار العيدودي، لطفي السعداوي، محمد ضو، عادل بوسالمي، محمد الهادي العلاني، رؤوف الفقيري، أيمن البوغديري، المختار عبد المولى، محمد ماجدي، محمد الشعباني، شفيق زعفوري، عبد السلام الدحماني، ونجيب عكرمي.
تعويض المتقاعدين
وبعد الاستماع إلى ممثل جهة المبادرة التشريعية، عبّر عدد كبير من النواب المشاركين في اليوم الدراسي عن آرائهم في مقترح القانون المتعلق بأحكام استثنائية لانتداب خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم، بصيغته المعدلة من قبل لجنة التخطيط الاستراتيجي، مؤكدين ضرورة إحالته إلى الجلسة العامة لمناقشته والتصويت عليه من أجل إنصاف المعطلين عن العمل.
النائب عبد الرزاق عويدات أشار إلى أن أصحاب الشهادات العليا تعرّضوا إلى الظلم مرتين: الأولى سنة 2011 عندما مُنحت الأولوية للمتقدمين في السن، ثم أُغلق باب الانتدابات لاحقًا. وأضاف أن موجة التقاعد بدأت منذ سنة 2018، لكن لم يقع تعويض المتقاعدين رغم النقص الفادح في الموارد البشرية، خاصة في المؤسسات التربوية، مطالبًا بتعويضهم بالمعطلين عن العمل، ومن ضمنهم الدكاترة الذين يمثلون طاقات مهدورة.
من جهته، اعتبر النائب عادل ضياف أن المبادرة التشريعية تمثل مبادرة إنصاف، تهدف إلى الحد من البطالة المرتفعة، التي يعود سببها إلى فشل النظام التعليمي ومنظومة التوجيه الجامعي الفاقدة للرؤية. وأشار إلى أن العديد من الشعب العلمية بدليل التوجيه لا علاقة لها بسوق الشغل.
وقال إنه لا توجد استراتيجية واضحة لامتصاص بطالة خريجي التعليم العالي، وخاصة حاملي شهادات الدكتوراه، مشددًا على أنه لا يمكن السماح باستمرار الظلم الواقع عليهم. كما نوّه بأهمية مبادرة رئيس الجمهورية لتشغيل الدكاترة، مطالبًا بالإسراع في تنفيذها، وعدم التمديد لمن بلغوا سن التقاعد، داعيًا إياهم إلى «ترك المشعل لغيرهم».
وأكد على ضرورة إخضاع لجان الانتداب في التعليم العالي والبحث العلمي إلى رقابة صارمة، نظرًا لوجود إخلالات عدّة.
بدوره، لاحظ النائب منير الكموني أن باب الانتداب أُغلق منذ سنة 2017، وقبل ذلك حدثت طفرة من الانتدابات العشوائية التي تسببت في اختلال التوازن بين الجهات والقطاعات، ما أدى إلى العديد من المشاكل، خاصة في قطاع التربية.
وأوضح أن الإجراءات المُتخذة لفائدة المعلمين والأساتذة النواب لم تحل مشكل النواب غير المدرجين في القوائم، معتبرًا أنه من الضروري مراجعة استراتيجية الدولة في مجال التشغيل.
وتساءل عن مصير المتخرجين الجدد، ومن هم خارج قاعدة البيانات، مبيّنًا أن مشكل التقاعد تفاقم بسبب الإملاءات الخارجية بإيقاف الانتدابات، داعيًا إلى فسح المجال للمغادرة الطوعية للتقاعد لفتح المجال أمام العاطلين عن العمل.
ورأى الكموني أن الحل يكمن في تنظيم حوار وطني شامل، وإجراء دراسة دقيقة تفضي إلى خطة واضحة وعملية للتشغيل.
ضمانات تطبيق القانون
من جانبها، تساءلت النائبة أسماء الدرويش عن الضمانات العملية التي يمكن أن تلتزم بها الحكومة لتفعيل مقترح القانون المتعلق بأحكام استثنائية لانتداب خريجي التعليم العالي، أو عن البدائل الممكنة التي يمكن أن تُقدّمها لتشغيل هذه الفئة من المعطلين، محذّرة من وجود جرس إنذار يتطلب إعادة التفكير في سياسات التكوين والتشغيل.
أما النائبة مهى عامر، فأشارت إلى أن مبدأ تكافؤ الفرص في الانتداب لم يُحترم بعد الثورة، إذ تم فتح مناظرات في التعليم العالي دون القيام بانتدابات، ووصفت ذلك بـ»التحيّل».
ورأت أن وزارة التشغيل والتكوين المهني لا تلعب أي دور فعّال في التشغيل، داعية إلى إعادة هيكلتها ووضع استراتيجية واضحة للتشغيل في تونس.
وانتقدت بشدّة فشل وزارة التربية في التشغيل، وألقت عليها اللوم بسبب تغيير معايير انتداب من قاموا بنيابات، معتبرة أن ما حصل يمثل شبهة فساد.
واعتبرت عامر أن مقترح القانون يهدف إلى دعم التوجه الاجتماعي للدولة، مشيرة إلى أن هناك من درس لسنوات طويلة، ومع ذلك لا يملك حتى بطاقة علاج.
وأكدت أنه بعد المصادقة على هذا القانون، يجب تطبيقه، معربة عن استنكارها لعدم استجابة الوزارات المعنية بالدعوات التي وجهتها لجنة التخطيط لحضور الجلسات المخصصة للنظر في هذه المبادرة.
منحة بطالة
ذهب النائب المنصف معلول إلى أبعد من ذلك، وطالب بإقرار منحة بطالة لفائدة المعطلين عن العمل، مبيّنا أن المتخرجين من الجامعات، ممن طالت بطالتهم لأكثر من عشرين سنة، يتواصلون يوميا مع النواب، لأنهم لم يُشغَّلوا لا في القطاع العام ولا في القطاع الخاص. وأضاف أن المناظرات التي فُتحت منذ سنوات لم تنصفهم، لأن الانتدابات كانت، حسب قوله، «بالمحسوبية والأكتاف».
وأشار إلى أن التشغيل ما يزال في تونس يتم بالرشوة، وهو أمر خطير، مشدّدا على أن جميع من في الدولة يتحملون مسؤولية المعطلين عن العمل، الذين تم تهميشهم لسنوات عديدة. كما لفت إلى وجود شغورات عديدة في المؤسسات أثرت على نوعية الخدمات الإدارية، مطالبا بفتح مناظرات في الوظيفة العمومية والقطاع العام والبلديات.
واعتبر أنه من غير المقبول أن ينتظر المواطن ساعة أو ساعتين للحصول على مضمون ولادة، بسبب النقص في عدد أعوان البلديات. وأثار أيضا ملف الشهادات المزورة، وطالب باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد من تم انتدابهم في الوظيفة العمومية بشهادات مزيفة.
واقترح النائب تغيير اسم وزارة التشغيل إلى وزارة البطالة، داعيا إلى فتح مناظرات انتداب عادلة وشفافة، مع إخضاعها للرقابة.
من جهتها، أشارت النائبة منال بديدة إلى طول فترة مناقشة مقترح القانون المتعلق بأحكام استثنائية لانتداب خريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم، داعية مكتب مجلس نواب الشعب إلى إحالته على جلسة عامة في أقرب الآجال، وتحديدًا قبل الانطلاق في مناقشة مشروع ميزانية الدولة، لأنه يتعلق بشباب أفنوا أعمارهم في الدراسة، وبعائلات لم تستثمر سوى في تعليم أبنائها.
وتحدثت عن معاناة المعطلين عن العمل، مبيّنة أن من بينهم من بلغ 45 سنة ولم يشتغل أو يتزوج بعد. وأضافت أن أعلى هرم في السلطة، وهو رئيس الجمهورية، يحمل هموم هذه الفئة، حيث تطرق في لقائه الأخير مع وزير الشؤون الاجتماعية إلى وضعية من طالت بطالتهم.
وأكدت بديدة أنها لا ترغب في إخضاع الانتدابات المرتقبة بمقتضى هذا القانون للتناظر، مطالبة الوزارات التي فتحت مناظرات بأن تأخذ بعين الاعتبار المعطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا. كما دعت ممثلي الحكومة إلى مد النواب بإحصائيات دقيقة حول عدد المعطلين من خريجي الجامعات.
سيادة الشعوب
يرى النائب نجيب العكرمي أنه «لا سيادة للشعوب إذا لم تعمل»، لأن الشغل هو الضامن لحرية الأفراد. وأوضح أن الشعوب التي تعيش البطالة، هي شعوب تعيش الذل وقابلة لأن تُشترى، مضيفًا: «أريد للشعب التونسي أن يكون حرًّا في بلد ذي سيادة».
وأكد أن الدستور ينص على أن الشغل حق، وعلى الدولة أن تضمن هذا الحق. وذكر أنه عندما تقدّم رفقة مجموعة من النواب بالمبادرة التشريعية المذكورة، فذلك لأن أصحاب الشهادات العليا عانوا من التسويف والمماطلة، وتم منذ سنة 2011 التلاعب بملف التشغيل، حيث تم تشغيل المنتفعين بالعفو التشريعي العام، وإغراق الإدارة التونسية بأعوان لا تتوفر فيهم الكفاءة اللازمة، وهو ما انعكس سلبًا على مردودية العمل، بدليل وجود أكثر من 1300 مشروع معطّل.
وأضاف أن من حق عمّال الحضائر والمناولة العمل، لكن لا يمكن تكليفهم بالإشراف على مناصب بالإدارة، لأن هذه الأخيرة، في نظره، يجب أن تُدار من قبل كفاءات. وأعرب عن أسفه لوجود أعوان تم انتدابهم بشهادات مزورة، وهم مكلفون بمهام ثقيلة، في حين أنهم غير قادرين حتى على استخدام الحاسوب.
وأشار العكرمي إلى أن تعليمات صندوق النقد الدولي، وقرارات فاشلة من يوسف الشاهد، تسببت في غلق باب الانتدابات منذ سنة 2017، مما أدى إلى أزمة اجتماعية.
وذكّر بأن من خرجوا يوم 25 جويلية، كما من خرجوا يوم 17 ديسمبر 2010، كانوا يطالبون بالتشغيل، مما يستوجب البحث عن حل جذري لبطالة أصحاب الشهادات العليا.
ووفق النائبة عواطف الشنيتي، يوجد أكثر من 600 ألف عاطل عن العمل، وأكثر من 6 آلاف دكتور عاطل عن العمل،
وأكدت أن النواب منفتحون على مقترحات الحكومة، مبيّنة أنها تنتمي إلى لجنة الشؤون الاجتماعية، التي سبق لها أن مررت قانون منع المناولة، واصفة إياه بـ»القانون الثوري»، إلا أن هناك من يرفض تطبيقه.
وأشارت إلى أنها، بصفتها نائبة عن الشعب، تتصل بالوزارة لإبلاغها بمشاكل عدم تنفيذ القانون، لكنها لا تتلقى أي رد. ودعت إلى تكوين لجنة برلمانية لمتابعة تنفيذ القوانين الصادرة عن مجلس النواب، وطالبت بعرض المبادرة التشريعية على الجلسة العامة والتصويت عليها، مؤكدة أن جميع العائلات تنتظر صدور هذا القانون الهادف إلى تشغيل أصحاب الشهادات العليا ممن طالت بطالتهم.
النائب محمد شعباني اعتبر أن الوضع الراهن يجبره على الحديث عن أحكام استثنائية لتشغيل النخبة، التي كان يفترض أن تفتخر بها تونس وتبجلها، لكنها أصبحت تقبع على قارعة الطريق.
وأشار إلى أن بعض أصحاب الشهادات العليا قادوا مسيرات ثورة الحرية والكرامة، ولا يزالون إلى اليوم عاطلين عن العمل، وهناك من يعتصمون أمام البرلمان للمطالبة بالشغل.
ودعا الحكومة إلى تنظيم اجتماع عاجل لوضع استراتيجية وطنية لمعالجة البطالة، مضيفًا أن مقترح القانون يهدف إلى إنقاذ من طالت بطالتهم، حتى يتمكنوا من توفير أسباب العيش فيما تبقى من حياتهم.
ولفت إلى وجود نقص واضح في عدد الأعوان بالإدارات والمستوصفات، مقابل تزايد البطالة عامًا بعد عام، ملاحظًا تهرّم الإدارة التونسية، ومشددًا على أن المرحلة الحالية تتطلب توظيف كفاءات مقتدرة في الإدارة.
الأولوية لملف البطالة
وتفاعلا مع مداخلات النواب، قال شهر الدين غزالة، المدير العام بمصالح مستشار القانون والتشريع للحكومة، إن من حق نواب الشعب، طبقا للدستور، تقديم مقترحات قوانين، سواء كانت ذات طابع اقتصادي أو اجتماعي، على غرار هذا المقترح، الذي يهدف إلى المساهمة في حل مشكل بطالة خريجي التعليم العالي.
وثمّن دور النواب في معاضدة جهود السلطة التنفيذية لإيجاد حلول لمشكل البطالة، مؤكدًا أن من أهم أولويات الدولة اليوم ملف البطالة.
وأشار إلى أنه، في هذا الإطار، سبق أن تم سن قانون لتنقيح مجلة الشغل بهدف تنظيم العقود وإلغاء المناولة، كما صدر أمر حكومي لفائدة الأساتذة والمعلمين النواب.
وخلص ممثل رئاسة الحكومة إلى أن الوظيفتين التشريعية والتنفيذية تعملان معًا لإيجاد حلول لمشاكل البلاد، متعهدًا بتقديم إجابات دقيقة عن أسئلة النواب، ومدّهم رسميا بالإحصائيات والمعطيات التي طلبوها.
ويُذكر أنه، إضافة إلى شهر الدين غزالة، حضر أشغال اليوم الدراسي عن رئاسة الحكومة كل من: رؤوف بن سالم، مدير بالهيئة العامة للوظيفة العمومية، إيمان الرفرافي، مديرة عامة بوحدة متابعة تنظيم المؤسسات والمنشآت العمومية، ألفة حمدي، مديرة بوحدة متابعة تنظيم المؤسسات والمنشآت العمومية.
وعن وزارة المالية: أحلام براهم، مديرة الإدارة العامة للتأجير وعن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي: ألفة قاسم، مديرة عامة للخلية المركزية للحوكمة، حبيبة الطالبي، مديرة عامة للشؤون القانونية والنزاعات وسلوى اللافي، مديرة الموارد البشرية.
وعن وزارة الشؤون الاجتماعية: عروسية السعيدي، المديرة العامة للشؤون القانونية والنزاعات، مروان بن تيتة، متفقد مركزي للشغل
وعن وزارة التشغيل والتكوين المهني: ليليا مخلوف، مديرة عامة بإدارة النهوض بالتشغيل، حمودة قابسي، كاهية مدير بإدارة النهوض بالتشغيل، هشام بوسعيد، مدير البرامج بالوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل.
وقد اقتصرت مشاركتهم على الاستماع إلى مداخلات النواب.