إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

إيراداتها تجاوزت 5.4 مليار دينار.. السياحة التونسية تواصل نسقها التصاعدي وتُسجّل ارتفاعًا بـ8,6 %

 

تواصل مداخيل السياحة في تونس أداءها الإيجابي خلال السنة الحالية، لتؤكّد مجدّدا مكانتها كأحد أعمدة الاقتصاد الوطني ومصدرا أساسيّا للنمو وخلق مواطن الشغل. وحسب أحدث الأرقام الصادرة عن البنك المركزي التونسي، أمس، بلغت العائدات السياحية إلى حدود نهاية أوت 2025 نحو 5443.8 مليون دينار، مقابل 5012 مليون دينار في الفترة نفسها من سنة 2024، أي بزيادة قدرها 8,6 % على أساس سنوي. وتعادل هذه المداخيل حوالي 1,6 مليار يورو، أي حوالي 5.4 مليار دينار تونسي.

ويعكس هذا التطوّر الإيجابي تحسّن نسق الوافدين من السيّاح من المغرب العربي والأوروبيين على حدّ سواء، إضافة إلى تواصل جهود الترويج للوجهة التونسية في الأسواق العالمية.

وتؤكّد هذه النتائج صمود القطاع السياحي رغم التحديات والصعوبات العالمية، مما يجعله ركيزة استراتيجية للاقتصاد الوطني، خاصة على مستوى توفير العملة الصعبة ودعم ميزان المدفوعات.

غير أن المراقبين يُشدّدون على أن هذه الديناميكية تحتاج إلى إصلاحات عميقة تشمل القوانين، والحوكمة، والتمويل، والتأقلم مع متطلّبات السيّاح الجدد، حتى تتمكّن تونس من ترسيخ موقعها بقوة في السوق السياحية العالمية.

انتعاشة تعكس ديناميكية متواصلة

هذه الأرقام لا تمثّل مجرد ارتفاع إحصائي عابر، بل تعبّر عن ديناميكية متواصلة تؤكّد أن السياحة التونسية بصدد استعادة أنفاسها بقوة بعد سنوات صعبة تخلّلتها أزمات اقتصادية وجيوسياسية عالمية. وتعود هذه الزيادة أساسا إلى تحسّن نسق الوافدين من الأسواق التقليدية، خصوصا من السيّاح المغاربة والأوروبيين، إضافة إلى نجاح حملات الترويج المكثّفة التي استهدفت الوجهة التونسية في الخارج.

كما أنّ هذا التطوّر يعكس أيضا مرونة القطاع السياحي وقدرته على التكيّف مع التحدّيات العالمية، على غرار التضخّم وارتفاع أسعار الطاقة وتباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا، وهي السوق الرئيسية لتونس. ومع ذلك، واصل السيّاح اختيار تونس كوجهة مفضّلة لما توفّره من مقوّمات طبيعية وثقافية وتاريخية، فضلا عن تنافسية الأسعار وجودة الخدمات.

السياحة رافعة للاقتصاد الوطني

لا يخفى أنّ السياحة في تونس لطالما كانت شريانا رئيسيّا يضخّ العملة الصعبة في الاقتصاد الوطني، ويساهم في توازن ميزان المدفوعات، إلى جانب دورها المحوري في تشغيل مئات الآلاف من اليد العاملة بشكل مباشر وغير مباشر. ويُقدَّر أن قطاع السياحة يساهم بحوالي 7 % من الناتج الداخلي الخام، فيما يُشكّل مصدر رزق لآلاف العائلات من خلال الفنادق والمطاعم ووكالات الأسفار والنقل والخدمات الحرفية. وتشير آخر التقديرات إلى أنّ مداخيل السياحة تجاوزت 7,5 مليار دينار مع موفّى سنة 2024، بزيادة تناهز 8,3 % مقارنة بسنة 2023، وهو ما يُمثّل مؤشّرا إيجابيّا على تعافي القطاع.

هذه المؤشرات لا تعني فقط ارتفاع أرقام الإيرادات، بل تحمل دلالات أعمق مرتبطة بقدرة القطاع على إنعاش الدورة الاقتصادية ككل. فكل دينار يُنفقه السائح في فندق أو مطعم أو متجر صغير، يُساهم في خلق حركة مالية متكاملة تمسّ مختلف القطاعات الاقتصادية.

الثقة تعود للوجهة التونسية

من أبرز دلالات هذا الارتفاع في العائدات السياحية أنّ الثقة في الوجهة التونسية قد بدأت تعود بشكل تدريجي. فبعد سنوات من التراجع بسبب الاضطرابات الأمنية والاقتصادية، ها هي تونس تُثبت أنها قادرة على المنافسة إقليميّا ودوليّا. فالزائر الأوروبي أو المغاربي حين يختار تونس، فهو لا يبحث فقط عن البحر والشمس، بل عن تجربة سياحية متكاملة تشمل الثقافة والتاريخ والضيافة، وهي مقوّمات لطالما ميّزت تونس عن غيرها من الوجهات في المنطقة.

وتدلّ هذه الأرقام أيضا على نجاعة السياسات الترويجية الجديدة التي تبنّتها السلطات، سواء عبر المشاركة في المعارض الدولية أو عبر الحملات الرقمية الحديثة التي تستهدف فئات الشباب الأوروبي الباحث عن السفر بأسعار مناسبة وتجارب أصيلة.

تونس تعمل على استعادة موقعها بقوة

مع هذه المؤشرات الإيجابية، يبدو أن تونس تسير بخطى ثابتة نحو استعادة موقعها السياحي بقوة في المنطقة المتوسّطية، منافسة بذلك وجهات مثل المغرب وتركيا واليونان. إلا أن الخبراء يؤكّدون لـ»الصباح» أن هذه الديناميكية يجب أن تتعزّز عبر إصلاحات عميقة تشمل تحديث القوانين المنظمة للقطاع، وتطوير آليات التمويل، وتحسين الحوكمة، إلى جانب الاستثمار في التكوين والموارد البشرية.

فالجيل الجديد من السيّاح بات يبحث عن تجارب مختلفة تتجاوز السياحة التقليدية القائمة على البحر والفنادق. وهو ما يفرض على تونس أن تستثمر أكثر في السياحة البديلة مثل: السياحة البيئية، والسياحة الثقافية، والسياحة الرياضية، والسياحة الطبية، بما يسمح بتوسيع قاعدة السوق وجذب فئات جديدة من الزوار.

أهمية القطاع في إنعاش الدورة الاقتصادية

ويجد الاقتصاد التونسي، في السياحة، متنفسا مهمّا. فكل انتعاشة في هذا القطاع تترجم مباشرة إلى زيادة في مداخيل الدولة من العملة الأجنبية، وتُخفّف من الضغط على ميزان الدفوعات، وتعمل على تحريك قطاعات أخرى مثل النقل الجوّي والبري، والفلاحة، والصناعات التقليدية.

كما أنّ تشغيل اليد العاملة في السياحة يُساهم في امتصاص جزء من البطالة، خصوصا في صفوف الشباب والنساء بالمناطق الساحلية والداخلية. ولا يقتصر الأثر على التشغيل المباشر في الفنادق والمنتجعات، بل يمتد إلى حلقات غير مباشرة تشمل الحرفيين والمرشدين السياحيين ومزوّدي الخدمات اللوجستية.

إرساء رؤية استراتيجية جديدة

وفي ضوء هذه التطورات، بات من الضروري أن تتبنّى تونس رؤية استراتيجية جديدة للسياحة تمتد على المدى المتوسّط والبعيد.

هذه الرؤية يجب أن ترتكز على تنويع المنتوج السياحي، وتحفيز الاستثمار الخاص، وتعزيز الشراكات الدولية، فضلا عن رقمنة القطاع لمواكبة التحوّلات العالمية في سلوك السائح.

ولعلّ الأرقام المسجّلة إلى غاية أوت 2025 ليست سوى بداية مشجّعة، لكنها تتطلّب مواصلة العمل بجدية وحزم حتى تتحوّل هذه الانتعاشة إلى مسار مستدام قادر على جعل السياحة قاطرة حقيقية للتنمية الشاملة.

السياحة بوّابة نحو الإقلاع الاقتصادي

وتشير كل المؤشرات، اليوم، إلى أن السياحة التونسية ليست مجرد نشاط ظرفي، بل هي قاطرة استراتيجية يمكن أن تفتح الباب أمام إقلاع اقتصادي شامل خلال السنوات الخمس المقبلة.

فإذا ما تمّ الاستثمار بذكاء في هذا القطاع، وتوجيهه نحو تنويع المنتوج وتحسين الجودة والحوكمة، فإن العائدات قد ترتفع إلى مستويات قياسية تتجاوز 10 مليارات دينار سنويّا، وهو ما سيوفّر متنفسا كبيرا للاقتصاد الوطني.

والأهم من ذلك، أن السياحة يمكن أن تتحوّل إلى رافعة للتنمية الجهوية، عبر خلق مناطق جذب جديدة في الداخل والجنوب، وربطها ببقيّة الدورة الاقتصادية الوطنية. كما أنّ تعزيز موقع تونس كوجهة آمنة وذات جودة عالية سيُعيد لها ثقلها في المنطقة المتوسّطية والإفريقية، ويُمكّنها من استقطاب استثمارات أجنبية إضافية، بما ينعكس إيجابيّا على التشغيل والمالية العمومية.

سفيان المهداوي

إيراداتها تجاوزت 5.4 مليار دينار..   السياحة التونسية تواصل نسقها التصاعدي وتُسجّل ارتفاعًا بـ8,6 %

 

تواصل مداخيل السياحة في تونس أداءها الإيجابي خلال السنة الحالية، لتؤكّد مجدّدا مكانتها كأحد أعمدة الاقتصاد الوطني ومصدرا أساسيّا للنمو وخلق مواطن الشغل. وحسب أحدث الأرقام الصادرة عن البنك المركزي التونسي، أمس، بلغت العائدات السياحية إلى حدود نهاية أوت 2025 نحو 5443.8 مليون دينار، مقابل 5012 مليون دينار في الفترة نفسها من سنة 2024، أي بزيادة قدرها 8,6 % على أساس سنوي. وتعادل هذه المداخيل حوالي 1,6 مليار يورو، أي حوالي 5.4 مليار دينار تونسي.

ويعكس هذا التطوّر الإيجابي تحسّن نسق الوافدين من السيّاح من المغرب العربي والأوروبيين على حدّ سواء، إضافة إلى تواصل جهود الترويج للوجهة التونسية في الأسواق العالمية.

وتؤكّد هذه النتائج صمود القطاع السياحي رغم التحديات والصعوبات العالمية، مما يجعله ركيزة استراتيجية للاقتصاد الوطني، خاصة على مستوى توفير العملة الصعبة ودعم ميزان المدفوعات.

غير أن المراقبين يُشدّدون على أن هذه الديناميكية تحتاج إلى إصلاحات عميقة تشمل القوانين، والحوكمة، والتمويل، والتأقلم مع متطلّبات السيّاح الجدد، حتى تتمكّن تونس من ترسيخ موقعها بقوة في السوق السياحية العالمية.

انتعاشة تعكس ديناميكية متواصلة

هذه الأرقام لا تمثّل مجرد ارتفاع إحصائي عابر، بل تعبّر عن ديناميكية متواصلة تؤكّد أن السياحة التونسية بصدد استعادة أنفاسها بقوة بعد سنوات صعبة تخلّلتها أزمات اقتصادية وجيوسياسية عالمية. وتعود هذه الزيادة أساسا إلى تحسّن نسق الوافدين من الأسواق التقليدية، خصوصا من السيّاح المغاربة والأوروبيين، إضافة إلى نجاح حملات الترويج المكثّفة التي استهدفت الوجهة التونسية في الخارج.

كما أنّ هذا التطوّر يعكس أيضا مرونة القطاع السياحي وقدرته على التكيّف مع التحدّيات العالمية، على غرار التضخّم وارتفاع أسعار الطاقة وتباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا، وهي السوق الرئيسية لتونس. ومع ذلك، واصل السيّاح اختيار تونس كوجهة مفضّلة لما توفّره من مقوّمات طبيعية وثقافية وتاريخية، فضلا عن تنافسية الأسعار وجودة الخدمات.

السياحة رافعة للاقتصاد الوطني

لا يخفى أنّ السياحة في تونس لطالما كانت شريانا رئيسيّا يضخّ العملة الصعبة في الاقتصاد الوطني، ويساهم في توازن ميزان المدفوعات، إلى جانب دورها المحوري في تشغيل مئات الآلاف من اليد العاملة بشكل مباشر وغير مباشر. ويُقدَّر أن قطاع السياحة يساهم بحوالي 7 % من الناتج الداخلي الخام، فيما يُشكّل مصدر رزق لآلاف العائلات من خلال الفنادق والمطاعم ووكالات الأسفار والنقل والخدمات الحرفية. وتشير آخر التقديرات إلى أنّ مداخيل السياحة تجاوزت 7,5 مليار دينار مع موفّى سنة 2024، بزيادة تناهز 8,3 % مقارنة بسنة 2023، وهو ما يُمثّل مؤشّرا إيجابيّا على تعافي القطاع.

هذه المؤشرات لا تعني فقط ارتفاع أرقام الإيرادات، بل تحمل دلالات أعمق مرتبطة بقدرة القطاع على إنعاش الدورة الاقتصادية ككل. فكل دينار يُنفقه السائح في فندق أو مطعم أو متجر صغير، يُساهم في خلق حركة مالية متكاملة تمسّ مختلف القطاعات الاقتصادية.

الثقة تعود للوجهة التونسية

من أبرز دلالات هذا الارتفاع في العائدات السياحية أنّ الثقة في الوجهة التونسية قد بدأت تعود بشكل تدريجي. فبعد سنوات من التراجع بسبب الاضطرابات الأمنية والاقتصادية، ها هي تونس تُثبت أنها قادرة على المنافسة إقليميّا ودوليّا. فالزائر الأوروبي أو المغاربي حين يختار تونس، فهو لا يبحث فقط عن البحر والشمس، بل عن تجربة سياحية متكاملة تشمل الثقافة والتاريخ والضيافة، وهي مقوّمات لطالما ميّزت تونس عن غيرها من الوجهات في المنطقة.

وتدلّ هذه الأرقام أيضا على نجاعة السياسات الترويجية الجديدة التي تبنّتها السلطات، سواء عبر المشاركة في المعارض الدولية أو عبر الحملات الرقمية الحديثة التي تستهدف فئات الشباب الأوروبي الباحث عن السفر بأسعار مناسبة وتجارب أصيلة.

تونس تعمل على استعادة موقعها بقوة

مع هذه المؤشرات الإيجابية، يبدو أن تونس تسير بخطى ثابتة نحو استعادة موقعها السياحي بقوة في المنطقة المتوسّطية، منافسة بذلك وجهات مثل المغرب وتركيا واليونان. إلا أن الخبراء يؤكّدون لـ»الصباح» أن هذه الديناميكية يجب أن تتعزّز عبر إصلاحات عميقة تشمل تحديث القوانين المنظمة للقطاع، وتطوير آليات التمويل، وتحسين الحوكمة، إلى جانب الاستثمار في التكوين والموارد البشرية.

فالجيل الجديد من السيّاح بات يبحث عن تجارب مختلفة تتجاوز السياحة التقليدية القائمة على البحر والفنادق. وهو ما يفرض على تونس أن تستثمر أكثر في السياحة البديلة مثل: السياحة البيئية، والسياحة الثقافية، والسياحة الرياضية، والسياحة الطبية، بما يسمح بتوسيع قاعدة السوق وجذب فئات جديدة من الزوار.

أهمية القطاع في إنعاش الدورة الاقتصادية

ويجد الاقتصاد التونسي، في السياحة، متنفسا مهمّا. فكل انتعاشة في هذا القطاع تترجم مباشرة إلى زيادة في مداخيل الدولة من العملة الأجنبية، وتُخفّف من الضغط على ميزان الدفوعات، وتعمل على تحريك قطاعات أخرى مثل النقل الجوّي والبري، والفلاحة، والصناعات التقليدية.

كما أنّ تشغيل اليد العاملة في السياحة يُساهم في امتصاص جزء من البطالة، خصوصا في صفوف الشباب والنساء بالمناطق الساحلية والداخلية. ولا يقتصر الأثر على التشغيل المباشر في الفنادق والمنتجعات، بل يمتد إلى حلقات غير مباشرة تشمل الحرفيين والمرشدين السياحيين ومزوّدي الخدمات اللوجستية.

إرساء رؤية استراتيجية جديدة

وفي ضوء هذه التطورات، بات من الضروري أن تتبنّى تونس رؤية استراتيجية جديدة للسياحة تمتد على المدى المتوسّط والبعيد.

هذه الرؤية يجب أن ترتكز على تنويع المنتوج السياحي، وتحفيز الاستثمار الخاص، وتعزيز الشراكات الدولية، فضلا عن رقمنة القطاع لمواكبة التحوّلات العالمية في سلوك السائح.

ولعلّ الأرقام المسجّلة إلى غاية أوت 2025 ليست سوى بداية مشجّعة، لكنها تتطلّب مواصلة العمل بجدية وحزم حتى تتحوّل هذه الانتعاشة إلى مسار مستدام قادر على جعل السياحة قاطرة حقيقية للتنمية الشاملة.

السياحة بوّابة نحو الإقلاع الاقتصادي

وتشير كل المؤشرات، اليوم، إلى أن السياحة التونسية ليست مجرد نشاط ظرفي، بل هي قاطرة استراتيجية يمكن أن تفتح الباب أمام إقلاع اقتصادي شامل خلال السنوات الخمس المقبلة.

فإذا ما تمّ الاستثمار بذكاء في هذا القطاع، وتوجيهه نحو تنويع المنتوج وتحسين الجودة والحوكمة، فإن العائدات قد ترتفع إلى مستويات قياسية تتجاوز 10 مليارات دينار سنويّا، وهو ما سيوفّر متنفسا كبيرا للاقتصاد الوطني.

والأهم من ذلك، أن السياحة يمكن أن تتحوّل إلى رافعة للتنمية الجهوية، عبر خلق مناطق جذب جديدة في الداخل والجنوب، وربطها ببقيّة الدورة الاقتصادية الوطنية. كما أنّ تعزيز موقع تونس كوجهة آمنة وذات جودة عالية سيُعيد لها ثقلها في المنطقة المتوسّطية والإفريقية، ويُمكّنها من استقطاب استثمارات أجنبية إضافية، بما ينعكس إيجابيّا على التشغيل والمالية العمومية.

سفيان المهداوي