إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

اللجنة العليا المشتركة تعمل على تعزيز التعاون الثنائي.. نحو شراكة اقتصادية متصاعدة بين تونس ومصر

 

تستعد تونس ومصر لعقد الدورة الجديدة للجنة العليا المشتركة التونسية المصرية بالعاصمة المصرية القاهرة، يومي 10 و11 سبتمبر 2025، في محطة مهمة يُنتظر أن تعزز مسار التعاون الثنائي وتفتح آفاقًا أوسع للتبادل التجاري والاستثمار المشترك. ويأتي هذا الموعد بعد لقاء جمع، صباح الجمعة 29 أوت 2025، وزير التجارة وتنمية الصادرات التونسي سمير عبيد بسفير جمهورية مصر العربية في تونس، باسم حسن، والوفد المرافق له، حيث تم التأكيد على ضرورة إنجاح هذه الاستحقاقات الثنائية لما لها من انعكاسات إيجابية على النشاط الاقتصادي في البلدين.

ولم يكن الحديث عن تطوير العلاقات الاقتصادية بين تونس ومصر وليد اللحظة، بل هو امتداد لمسار طويل من التعاون السياسي والدبلوماسي الذي اتسم بالثبات والتوازن. فقد شدد الجانبان، في اجتماع تونس الأخير، على أن العلاقات السياسية المتميزة بين البلدين يجب أن تنعكس بشكل أوضح على الجانب الاقتصادي، وأن الإرادة السياسية متوفرة لدفع التعاون نحو مستويات أرقى، بما يضمن مصالح الشعبين ويخدم استقرار المنطقة.

نمو ملحوظ في المبادلات التجارية

تؤكد آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في تونس أن المبادلات التجارية مع مصر سجلت مؤشرات إيجابية، حيث ارتفعت الصادرات التونسية نحو مصر بنسبة 48.9 % خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يعكس ديناميكية جديدة في مسار الشراكة. وتوزعت هذه الصادرات على قطاعات متنوعة شملت المواد الكيميائية ومشتقات الفسفاط، الصناعات الغذائية، والمنتوجات الفلاحية. في المقابل، ظلت السوق التونسية وجهة للعديد من المنتجات المصرية في مجالات مواد البناء، الأدوية، والمنتجات الطاقية.

هذا النمو المتسارع في المبادلات التجارية يشير إلى أن هناك إمكانات هائلة لم تُستغل بعدُ بالكامل.

وعلى امتداد السنوات الخمس الأخيرة، شهدت المبادلات التجارية بين تونس ومصر تقلبات لافتة تعكس تأثير الظرفية الاقتصادية الإقليمية والدولية، لكنها في المجمل عرفت منحى تصاعديّا. فقد بلغت قيمة المبادلات الثنائية حوالي 900 مليون دولار سنة 2020، قبل أن تتراجع قليلا بفعل تداعيات جائحة «كوفيد-19»، ثم عادت لتسجل نسقا متزايدا، حيث تخطت مليار دولار سنة 2023، وصولا إلى مؤشرات أولية لعام 2024 تؤكد تسجيل نمو يتجاوز 30 % مقارنة بالعام الذي سبقه.

هذه الأرقام تكشف أن السوقين التونسية والمصرية في طور بناء قاعدة تبادل متينة، وأن الارتفاع الأخير بنسبة 48.9 % في الصادرات التونسية نحو مصر لا يمثل استثناء ظرفيّا، بل هو حلقة ضمن مسار متكامل.

وتتجاوز أهمية هذه الأرقام حدود العلاقات الثنائية، إذ إن البلدين عضوان فاعلان في الاتحاد الإفريقي، ويشتركان في عدد من الاتفاقيات الإقليمية، لعل أبرزها اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، التي دخلت حيز التنفيذ تدريجيّا منذ 2021.

تمثل هذه الاتفاقية فرصة ذهبية لكل من تونس ومصر لتوسيع نفاذ منتجاتهما نحو أسواق إفريقية شاسعة تضم أكثر من 1.3 مليار مستهلك. ومن خلال تنسيق جهودهما داخل هذا الإطار، يمكن للبلدين، ليس فقط تعزيز تجارتهما البينية، بل أيضًا صياغة مبادرات مشتركة لتصدير منتجاتهما نحو دول إفريقيا جنوب الصحراء.

أجندة اقتصادية طموحة

ووفق ما كشفه مصدر حكومي مسؤول لـ«الصباح»، فإن التحضيرات الجارية لعقد اللجنة العليا المشتركة لم تقتصر على الجوانب اللوجستية، بل شملت صياغة أجندة اقتصادية طموحة تتضمن ملفات الاستثمار الصناعي والفلاحي، تعزيز التبادل في قطاع الخدمات، وفتح آفاق جديدة للتعاون في مجالات التكنولوجيا والتحول الرقمي.

ومن المنتظر أن يتم خلال أشغال اللجنة توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي ستمهد الطريق لتكثيف المبادلات التجارية، وتسهيل انسياب السلع والخدمات بين البلدين.

دور الفاعلين الاقتصاديين

واحدة من أبرز نقاط القوة في الاستعدادات تكمن في السعي نحو تشبيك العلاقات بين الفاعلين الاقتصاديين من مؤسسات خاصة، وجامعات، ومراكز أبحاث، ومؤسسات داعمة للاستثمار.

فاللجنة العليا لا تمثل فقط إطارًا حكوميًّا، بل هي منصة حوار شاملة تجمع بين القطاعين العام والخاص من الجانبين.

وقد تم الاتفاق على تنظيم لقاءات ثنائية بين رجال الأعمال، ومعارض اقتصادية مشتركة، بما يسمح ببناء شراكات عملية تتجاوز الاتفاقيات النظرية.

لا يقتصر التعاون الاقتصادي بين تونس ومصر اليوم على التجارة فقط، بل يمتد إلى الاستثمارات المشتركة التي تشهد اهتماما متزايدا من الطرفين. فمصر تُعد من أهم الوجهات التي يمكن أن تستقطب المؤسسات التونسية، خصوصا في مجالات الصناعات الدوائية، الصناعات الميكانيكية والكهرو-ميكانيكية، إلى جانب القطاع الفلاحي.

في المقابل، تمثل تونس بوابة استراتيجية لمصر نحو السوق المغاربية والإفريقية، وهو ما يجعل التعاون الاستثماري بين البلدين ذا بعد إقليمي يتجاوز حدودهما الوطنية.

فرص التعاون في الطاقة والتحول الرقمي

وفي ظل التحولات العالمية، برزت مجالات جديدة للتعاون الثنائي.

فملف الطاقات المتجددة يُعد من أبرز محاور النقاش المرتقبة، خاصةً أن تونس ومصر معنيتان بالانتقال الطاقي وتقليص الاعتماد على المصادر التقليدية.

كما يشكل مجال التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي أرضية خصبة للشراكة، إذ يمكن للجانبين تبادل الخبرات وتطوير مشاريع مشتركة في مجالات الاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية، بما يواكب التوجهات الاقتصادية العالمية.

ويستعد الجانبان لرفع كافة العراقيل التجارية بين البلدين، على غرار الإجراءات الإدارية المعقدة والقيود الجمركية التي لا تزال تعيق انسياب السلع بالسهولة المطلوبة.

كما يطرح ملف النقل البحري والجوي نفسه كعنصر حاسم، إذ إن تحسين شبكات الربط بين تونس ومصر يمثل عاملًا أساسيّا لتقليص كلفة المبادلات وتعزيز تنافسية المؤسسات.

نحو شراكة استراتيجية متكاملة

ويُنتظر أن تساهم أعمال اللجنة العليا المشتركة في فتح صفحة جديدة من التعاون، خاصةً أن الجانبين حددا هدفًا استراتيجيًّا يتمثل في مضاعفة حجم المبادلات التجارية خلال السنوات الخمس القادمة.

وإذا ما تم تنفيذ الاتفاقيات المزمع توقيعها بفعالية، فإن السوقين التونسية والمصرية قد تتحولان إلى فضاء اقتصادي تكاملي يفتح المجال أمام مشاريع كبرى تخدم التنمية في البلدين، وتكرس شراكتهما كقطب اقتصادي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

وما يُميز الاستعدادات الحالية هو أنها تتجاوز مجرد تبادل تجاري لتلامس رؤية شاملة لشراكة استراتيجية متكاملة.

هذه الرؤية تستند إلى مقومات مشتركة: تاريخ ثقافي وحضاري واحد، موقع جغرافي متميز، طاقات بشرية مؤهلة، وأسواق إقليمية مجاورة واعدة.

كل ذلك يجعل من التعاون التونسي المصري نموذجا إقليميّا قابلا للتوسع نحو آفاق أرحب إذا ما تم استثماره بالشكل الأمثل.

سفيان المهداوي

اللجنة العليا المشتركة تعمل على تعزيز التعاون الثنائي..   نحو شراكة اقتصادية متصاعدة بين تونس ومصر

 

تستعد تونس ومصر لعقد الدورة الجديدة للجنة العليا المشتركة التونسية المصرية بالعاصمة المصرية القاهرة، يومي 10 و11 سبتمبر 2025، في محطة مهمة يُنتظر أن تعزز مسار التعاون الثنائي وتفتح آفاقًا أوسع للتبادل التجاري والاستثمار المشترك. ويأتي هذا الموعد بعد لقاء جمع، صباح الجمعة 29 أوت 2025، وزير التجارة وتنمية الصادرات التونسي سمير عبيد بسفير جمهورية مصر العربية في تونس، باسم حسن، والوفد المرافق له، حيث تم التأكيد على ضرورة إنجاح هذه الاستحقاقات الثنائية لما لها من انعكاسات إيجابية على النشاط الاقتصادي في البلدين.

ولم يكن الحديث عن تطوير العلاقات الاقتصادية بين تونس ومصر وليد اللحظة، بل هو امتداد لمسار طويل من التعاون السياسي والدبلوماسي الذي اتسم بالثبات والتوازن. فقد شدد الجانبان، في اجتماع تونس الأخير، على أن العلاقات السياسية المتميزة بين البلدين يجب أن تنعكس بشكل أوضح على الجانب الاقتصادي، وأن الإرادة السياسية متوفرة لدفع التعاون نحو مستويات أرقى، بما يضمن مصالح الشعبين ويخدم استقرار المنطقة.

نمو ملحوظ في المبادلات التجارية

تؤكد آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في تونس أن المبادلات التجارية مع مصر سجلت مؤشرات إيجابية، حيث ارتفعت الصادرات التونسية نحو مصر بنسبة 48.9 % خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يعكس ديناميكية جديدة في مسار الشراكة. وتوزعت هذه الصادرات على قطاعات متنوعة شملت المواد الكيميائية ومشتقات الفسفاط، الصناعات الغذائية، والمنتوجات الفلاحية. في المقابل، ظلت السوق التونسية وجهة للعديد من المنتجات المصرية في مجالات مواد البناء، الأدوية، والمنتجات الطاقية.

هذا النمو المتسارع في المبادلات التجارية يشير إلى أن هناك إمكانات هائلة لم تُستغل بعدُ بالكامل.

وعلى امتداد السنوات الخمس الأخيرة، شهدت المبادلات التجارية بين تونس ومصر تقلبات لافتة تعكس تأثير الظرفية الاقتصادية الإقليمية والدولية، لكنها في المجمل عرفت منحى تصاعديّا. فقد بلغت قيمة المبادلات الثنائية حوالي 900 مليون دولار سنة 2020، قبل أن تتراجع قليلا بفعل تداعيات جائحة «كوفيد-19»، ثم عادت لتسجل نسقا متزايدا، حيث تخطت مليار دولار سنة 2023، وصولا إلى مؤشرات أولية لعام 2024 تؤكد تسجيل نمو يتجاوز 30 % مقارنة بالعام الذي سبقه.

هذه الأرقام تكشف أن السوقين التونسية والمصرية في طور بناء قاعدة تبادل متينة، وأن الارتفاع الأخير بنسبة 48.9 % في الصادرات التونسية نحو مصر لا يمثل استثناء ظرفيّا، بل هو حلقة ضمن مسار متكامل.

وتتجاوز أهمية هذه الأرقام حدود العلاقات الثنائية، إذ إن البلدين عضوان فاعلان في الاتحاد الإفريقي، ويشتركان في عدد من الاتفاقيات الإقليمية، لعل أبرزها اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، التي دخلت حيز التنفيذ تدريجيّا منذ 2021.

تمثل هذه الاتفاقية فرصة ذهبية لكل من تونس ومصر لتوسيع نفاذ منتجاتهما نحو أسواق إفريقية شاسعة تضم أكثر من 1.3 مليار مستهلك. ومن خلال تنسيق جهودهما داخل هذا الإطار، يمكن للبلدين، ليس فقط تعزيز تجارتهما البينية، بل أيضًا صياغة مبادرات مشتركة لتصدير منتجاتهما نحو دول إفريقيا جنوب الصحراء.

أجندة اقتصادية طموحة

ووفق ما كشفه مصدر حكومي مسؤول لـ«الصباح»، فإن التحضيرات الجارية لعقد اللجنة العليا المشتركة لم تقتصر على الجوانب اللوجستية، بل شملت صياغة أجندة اقتصادية طموحة تتضمن ملفات الاستثمار الصناعي والفلاحي، تعزيز التبادل في قطاع الخدمات، وفتح آفاق جديدة للتعاون في مجالات التكنولوجيا والتحول الرقمي.

ومن المنتظر أن يتم خلال أشغال اللجنة توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي ستمهد الطريق لتكثيف المبادلات التجارية، وتسهيل انسياب السلع والخدمات بين البلدين.

دور الفاعلين الاقتصاديين

واحدة من أبرز نقاط القوة في الاستعدادات تكمن في السعي نحو تشبيك العلاقات بين الفاعلين الاقتصاديين من مؤسسات خاصة، وجامعات، ومراكز أبحاث، ومؤسسات داعمة للاستثمار.

فاللجنة العليا لا تمثل فقط إطارًا حكوميًّا، بل هي منصة حوار شاملة تجمع بين القطاعين العام والخاص من الجانبين.

وقد تم الاتفاق على تنظيم لقاءات ثنائية بين رجال الأعمال، ومعارض اقتصادية مشتركة، بما يسمح ببناء شراكات عملية تتجاوز الاتفاقيات النظرية.

لا يقتصر التعاون الاقتصادي بين تونس ومصر اليوم على التجارة فقط، بل يمتد إلى الاستثمارات المشتركة التي تشهد اهتماما متزايدا من الطرفين. فمصر تُعد من أهم الوجهات التي يمكن أن تستقطب المؤسسات التونسية، خصوصا في مجالات الصناعات الدوائية، الصناعات الميكانيكية والكهرو-ميكانيكية، إلى جانب القطاع الفلاحي.

في المقابل، تمثل تونس بوابة استراتيجية لمصر نحو السوق المغاربية والإفريقية، وهو ما يجعل التعاون الاستثماري بين البلدين ذا بعد إقليمي يتجاوز حدودهما الوطنية.

فرص التعاون في الطاقة والتحول الرقمي

وفي ظل التحولات العالمية، برزت مجالات جديدة للتعاون الثنائي.

فملف الطاقات المتجددة يُعد من أبرز محاور النقاش المرتقبة، خاصةً أن تونس ومصر معنيتان بالانتقال الطاقي وتقليص الاعتماد على المصادر التقليدية.

كما يشكل مجال التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي أرضية خصبة للشراكة، إذ يمكن للجانبين تبادل الخبرات وتطوير مشاريع مشتركة في مجالات الاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية، بما يواكب التوجهات الاقتصادية العالمية.

ويستعد الجانبان لرفع كافة العراقيل التجارية بين البلدين، على غرار الإجراءات الإدارية المعقدة والقيود الجمركية التي لا تزال تعيق انسياب السلع بالسهولة المطلوبة.

كما يطرح ملف النقل البحري والجوي نفسه كعنصر حاسم، إذ إن تحسين شبكات الربط بين تونس ومصر يمثل عاملًا أساسيّا لتقليص كلفة المبادلات وتعزيز تنافسية المؤسسات.

نحو شراكة استراتيجية متكاملة

ويُنتظر أن تساهم أعمال اللجنة العليا المشتركة في فتح صفحة جديدة من التعاون، خاصةً أن الجانبين حددا هدفًا استراتيجيًّا يتمثل في مضاعفة حجم المبادلات التجارية خلال السنوات الخمس القادمة.

وإذا ما تم تنفيذ الاتفاقيات المزمع توقيعها بفعالية، فإن السوقين التونسية والمصرية قد تتحولان إلى فضاء اقتصادي تكاملي يفتح المجال أمام مشاريع كبرى تخدم التنمية في البلدين، وتكرس شراكتهما كقطب اقتصادي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

وما يُميز الاستعدادات الحالية هو أنها تتجاوز مجرد تبادل تجاري لتلامس رؤية شاملة لشراكة استراتيجية متكاملة.

هذه الرؤية تستند إلى مقومات مشتركة: تاريخ ثقافي وحضاري واحد، موقع جغرافي متميز، طاقات بشرية مؤهلة، وأسواق إقليمية مجاورة واعدة.

كل ذلك يجعل من التعاون التونسي المصري نموذجا إقليميّا قابلا للتوسع نحو آفاق أرحب إذا ما تم استثماره بالشكل الأمثل.

سفيان المهداوي