لم تفتح المدارس أبوابها بعد، حتى انطلق ماراطون التهافت على الظفر بمقعد في حصص الدروس الخصوصية، خاصة في الشعب العلمية. مشهد يعكس حجم القلق الذي يعيشه الأولياء كل موسم دراسي، ويفتح من جديد ملفا شائكا يتراوح بين الحرص على النجاح والتعويل على نجاعة دروس الدعم،
وبين الرغبة في ضمان تكوين إضافي يفضي إلى الظفر «بالامتياز»، لتظل هذه الظاهرة عنوانًا بارزًا لبداية كل سنة دراسية في بلادنا.
في هذا الخصوص، تعيش منذ مدة غالبية الأسر التونسية على وقع حركية لافتة عنوانها التهافت والتكالب على الدروس الخصوصية، حتى قبل أن تُفتح أبواب المعاهد والمدارس. وهو مشهد أصبح مألوفا كل صائفة، حيث يتسابق الأولياء إلى تأمين مقعد لأبنائهم في دروس الدعم والتدارك الخاصة، معتبرين أنها صارت أشبه بـ»تأشيرة النجاح»، أو على الأقل آلية يرونها «ناجعة» لضمان بداية سنة دراسية أكثر أمانًا واستقرارا.
في هذا الإطار، يتجدد كل مرة الجدل في تونس حول الدروس الخصوصية التي تحوّلت من خيار إضافي إلى ما يشبه «القاعدة» لدى السواد الأعظم. فالمشهد بات يختزل مفارقة واضحة: مدرسة عمومية تسعى لاستعادة دورها التعليمي والتربوي، مقابل عائلات تعتبر أن النجاح لم يعد مضمونا من دون الاستعانة بحصص الدعم الخاصة. وبين هذين المستويين، يجد التلميذ نفسه في قلب معادلة معقدة تعكس في العمق تحديات المنظومة التربوية.
بين الحرص والخوف
يُبرّر أولياء التلاميذ إقبالهم المبكر على هذه الدروس بالخوف من تأخر أبنائهم في استيعاب البرامج، أو من تراكم الدروس منذ الأسابيع الأولى، أو من عدم توفير إطار تربوي، لا سيما في المناطق الداخلية، وأيضا خشية توفر إطار تربوي غير متمكّن من المادة التي يدرّسها، وهو ما يُعبَّر عنه بـ«أزمة المكوّنين». وهذه حقيقة لم تنكرها في وقت سابق سلطة الإشراف، حيث سعت إلى تدارك الأمر عبر آلية التكوين المستمر.
في حين يذهب البعض الآخر إلى حد القول إن المدرسة لم تعد وحدها كافية لتأمين تكوين متكامل، في ظل تواصل معضلة الاكتظاظ داخل الأقسام، زد على ذلك، فإن التلويح بإضرابات قبل حتى انطلاق السنة الدراسية من شأنه أن يزيد من حدّة التكالب والتهافت على الدروس الخصوصية.
مسار موازٍ للتعليم
وبالتالي، لم يعد المشهد مقتصرًا على تسجيل تلميذ في حصة دعم أو اثنتين، بل إن الكثير من الأولياء يسارعون إلى إلحاق أبنائهم بعدّة حصص في مواد مختلفة قبيل العودة المدرسية. بل إن بعض المدرسين - استباقًا للموسم الجديد - أنهوا مع تلامذتهم جزءًا هامًا من البرنامج الدراسي للثلاثية الأولى، في إيقاع سريع يُكرّس فكرة أن الدروس الخصوصية لم تعد مجرد دعم، بل مسارًا موازيًا للتعليم الرسمي.
من جانب آخر، جدير بالذكر أن الإقبال المكثّف على الدروس الخصوصية لا يخلو من تبعات مالية مرهقة، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية. فالكثير من الأسر تجد نفسها مضطرة لتخصيص ميزانية موازية لتوفير مستلزمات العودة المدرسية، وهو ما يُحوّل هذه الظاهرة من مجرد خيار إضافي إلى عبء اقتصادي يُثقل كاهل الطبقة الوسطى..
نحو مقاربة شاملة
غير أن الظاهرة لا يمكن اختزالها في بُعدها السلبي فقط، إذ يراها بعض المختصين مؤشّرا على تعطّش التلاميذ والأولياء لمزيد من الدعم والتأطير، ما يفتح الباب أمام التفكير في حلول عملية، مثل: هيكلة وتأطير دروس الدعم داخل المؤسسات التربوية العمومية، حتى لا يكون الدرس المقدم في الدعم استنساخا مملّا لما يُقدّم في القسم.
وفي هذا الاتجاه، يُجمع المتابعون للشأن التربوي على أن حدّة اللجوء إلى الدروس الخصوصية لن تتراجع إلا متى تم تفعيل إصلاحات جذرية في المنظومة التربوية، خاصة في ظل إرساء المجلس الأعلى للتربية الذي يُفترض أن يقود مرحلة جديدة تُعيد للمدرسة العمومية بريقها وتستعيد ثقة التونسيين فيها. ولن يتحقق ذلك إلا عبر توفير تكوين مستمر للإطارات التربوية، خاصة في المرحلة الابتدائية، وتطوير أساليب التدريس، وضمان تكافؤ الفرص بين مختلف الفئات الاجتماعية.
في هذا الخضم، فإن التهافت على الدروس الخصوصية قبل بداية السنة الدراسية يعكس معاناة، ولكنه أيضا يكشف رغبة عميقة لدى الأسر التونسية في الاستثمار في تعليم أبنائها. وهو ما من شأنه أن يشكّل رافعة إذا ما رُبط بمشروع إصلاحي جاد يُعيد للمدرسة العمومية بريقها، ويضع حدًا لسباق غير متكافئ يُرهق العائلات، ويضع التعليم أمام امتحان صعب.
منال حرزي
لم تفتح المدارس أبوابها بعد، حتى انطلق ماراطون التهافت على الظفر بمقعد في حصص الدروس الخصوصية، خاصة في الشعب العلمية. مشهد يعكس حجم القلق الذي يعيشه الأولياء كل موسم دراسي، ويفتح من جديد ملفا شائكا يتراوح بين الحرص على النجاح والتعويل على نجاعة دروس الدعم،
وبين الرغبة في ضمان تكوين إضافي يفضي إلى الظفر «بالامتياز»، لتظل هذه الظاهرة عنوانًا بارزًا لبداية كل سنة دراسية في بلادنا.
في هذا الخصوص، تعيش منذ مدة غالبية الأسر التونسية على وقع حركية لافتة عنوانها التهافت والتكالب على الدروس الخصوصية، حتى قبل أن تُفتح أبواب المعاهد والمدارس. وهو مشهد أصبح مألوفا كل صائفة، حيث يتسابق الأولياء إلى تأمين مقعد لأبنائهم في دروس الدعم والتدارك الخاصة، معتبرين أنها صارت أشبه بـ»تأشيرة النجاح»، أو على الأقل آلية يرونها «ناجعة» لضمان بداية سنة دراسية أكثر أمانًا واستقرارا.
في هذا الإطار، يتجدد كل مرة الجدل في تونس حول الدروس الخصوصية التي تحوّلت من خيار إضافي إلى ما يشبه «القاعدة» لدى السواد الأعظم. فالمشهد بات يختزل مفارقة واضحة: مدرسة عمومية تسعى لاستعادة دورها التعليمي والتربوي، مقابل عائلات تعتبر أن النجاح لم يعد مضمونا من دون الاستعانة بحصص الدعم الخاصة. وبين هذين المستويين، يجد التلميذ نفسه في قلب معادلة معقدة تعكس في العمق تحديات المنظومة التربوية.
بين الحرص والخوف
يُبرّر أولياء التلاميذ إقبالهم المبكر على هذه الدروس بالخوف من تأخر أبنائهم في استيعاب البرامج، أو من تراكم الدروس منذ الأسابيع الأولى، أو من عدم توفير إطار تربوي، لا سيما في المناطق الداخلية، وأيضا خشية توفر إطار تربوي غير متمكّن من المادة التي يدرّسها، وهو ما يُعبَّر عنه بـ«أزمة المكوّنين». وهذه حقيقة لم تنكرها في وقت سابق سلطة الإشراف، حيث سعت إلى تدارك الأمر عبر آلية التكوين المستمر.
في حين يذهب البعض الآخر إلى حد القول إن المدرسة لم تعد وحدها كافية لتأمين تكوين متكامل، في ظل تواصل معضلة الاكتظاظ داخل الأقسام، زد على ذلك، فإن التلويح بإضرابات قبل حتى انطلاق السنة الدراسية من شأنه أن يزيد من حدّة التكالب والتهافت على الدروس الخصوصية.
مسار موازٍ للتعليم
وبالتالي، لم يعد المشهد مقتصرًا على تسجيل تلميذ في حصة دعم أو اثنتين، بل إن الكثير من الأولياء يسارعون إلى إلحاق أبنائهم بعدّة حصص في مواد مختلفة قبيل العودة المدرسية. بل إن بعض المدرسين - استباقًا للموسم الجديد - أنهوا مع تلامذتهم جزءًا هامًا من البرنامج الدراسي للثلاثية الأولى، في إيقاع سريع يُكرّس فكرة أن الدروس الخصوصية لم تعد مجرد دعم، بل مسارًا موازيًا للتعليم الرسمي.
من جانب آخر، جدير بالذكر أن الإقبال المكثّف على الدروس الخصوصية لا يخلو من تبعات مالية مرهقة، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية. فالكثير من الأسر تجد نفسها مضطرة لتخصيص ميزانية موازية لتوفير مستلزمات العودة المدرسية، وهو ما يُحوّل هذه الظاهرة من مجرد خيار إضافي إلى عبء اقتصادي يُثقل كاهل الطبقة الوسطى..
نحو مقاربة شاملة
غير أن الظاهرة لا يمكن اختزالها في بُعدها السلبي فقط، إذ يراها بعض المختصين مؤشّرا على تعطّش التلاميذ والأولياء لمزيد من الدعم والتأطير، ما يفتح الباب أمام التفكير في حلول عملية، مثل: هيكلة وتأطير دروس الدعم داخل المؤسسات التربوية العمومية، حتى لا يكون الدرس المقدم في الدعم استنساخا مملّا لما يُقدّم في القسم.
وفي هذا الاتجاه، يُجمع المتابعون للشأن التربوي على أن حدّة اللجوء إلى الدروس الخصوصية لن تتراجع إلا متى تم تفعيل إصلاحات جذرية في المنظومة التربوية، خاصة في ظل إرساء المجلس الأعلى للتربية الذي يُفترض أن يقود مرحلة جديدة تُعيد للمدرسة العمومية بريقها وتستعيد ثقة التونسيين فيها. ولن يتحقق ذلك إلا عبر توفير تكوين مستمر للإطارات التربوية، خاصة في المرحلة الابتدائية، وتطوير أساليب التدريس، وضمان تكافؤ الفرص بين مختلف الفئات الاجتماعية.
في هذا الخضم، فإن التهافت على الدروس الخصوصية قبل بداية السنة الدراسية يعكس معاناة، ولكنه أيضا يكشف رغبة عميقة لدى الأسر التونسية في الاستثمار في تعليم أبنائها. وهو ما من شأنه أن يشكّل رافعة إذا ما رُبط بمشروع إصلاحي جاد يُعيد للمدرسة العمومية بريقها، ويضع حدًا لسباق غير متكافئ يُرهق العائلات، ويضع التعليم أمام امتحان صعب.