إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

آخرها إهداء مكتبة الأستاذ عبد العزيز الدولاتلي إلى المكتبة الوطنية.. كيف تساهم الهبات في صون التراث المعرفي؟

المدير العام لدار الكتب الوطنية خالد كشير لـ«الصباح»:  "تم استلام مكتبة الأستاذ الشاذلي القليبي وهي في مرحلة التعقيم"

"أهمية الهبات تكمن بالخصوص في تحويل المكتبات الخاصة إلى مكتبات متاحة للجميع"

 

أهدى الأستاذ عبد العزيز الدولاتلي مكتبته الخاصة إلى دار الكتب الوطنية، وفق اتفاقية تضبط شروط الهبة، وتسلمتها يوم 14 أوت، وهو ما يمثل إجابة عملية عن سؤال: ما مصير المكتبات الخاصة للكتّاب والمفكرين بعد رحلتهم الطويلة في البحث والإبداع، خاصة عندما تكون ثرية بكنوز أدبية وعلمية يمكن أن تفيد أجيالا من الباحثين والمبدعين؟

من رفوف البيوت إلى رفوف المكتبات الوطنية، رحلة الكتب ليست مجرد انتقال مادي من مكان إلى آخر، بل هي مسار ثقافي يحوّل الخاص إلى عام، والفردي إلى جماعي، لتولد ذاكرة جديدة تحتضن ماضي الأشخاص وتعيد توظيفه في خدمة الأجيال القادمة.

وبالتالي، لم تكن مبادرة الأستاذ عبد العزيز الدولاتلي مجرد تنازل عن ملكية شخصية، بل إعلانًا عن وعي عميق بأهمية مشاركة المعرفة وصون التراث الفكري من مخاطر التشتت والنسيان.

هذه المكتبة الغنية والمتخصصة في مجالات تاريخ الفن والآثار والعمارة، ليست مجرد رصيد وثائقي، بل هي ثمرة مسار علمي وفكري طويل، ومجرد انتقالها إلى مؤسسة عمومية يجعلها جزءًا من الذاكرة الوطنية المفتوحة أمام الباحثين والمهتمين.

فهذه المكتبة التي تزخر بكتب نادرة ومتخصصة في تاريخ الفن والآثار والعمارة، ليست مجرد أوراق ومجلدات، بل هي خلاصة رحلة فكرية طويلة وتجسيد لمسار علمي زاخر. ومن هنا تبرز القيمة الرمزية والمعرفية لهذه الخطوة، التي تنقل الذاكرة من إطار فردي محدود إلى ذاكرة جماعية مفتوحة أمام الباحثين والقرّاء.

قبل ذلك، وتحديدًا يوم 17 أفريل 2025، تسلمت دار الكتب الوطنية ثلاثمائة مخطوط من مكتبة فضيلة الشيخ العلامة محمد الشاذلي النيفر، هبةً من ورثته. وهي مكتبة ضخمة تتضمن 300 مخطوط و13.400 كتاب مطبوع.

جاءت مبادرة الورثة عن طيب خاطر، تخليدًا لذكرى والدهم. وقبل ذلك، كانت هناك مبادرات فردية أخرى كثيرة وعديدة ومتنوعة، ما يعكس وعيًا عميقًا بأهمية تداول المعرفة وحمايتها من الضياع، فالمكتبات الخاصة، مهما كانت ثرية، تبقى مهددة بالتشتت أو الإهمال إذا لم تجد إطارًا مؤسسيًا يحتضنها ويعيد توظيفها في خدمة البحث العلمي وصون التراث الفكري.

ومن هنا تأتي أيضًا أهمية الهبة باعتبارها فعلًا حضاريًا وموقفًا أخلاقيًا في مواجهة النسيان. فهي لا تمنح الكتب حياة ثانية فحسب، بل تتيح للمجتمع بأسره فرصة الولوج إلى كنوز فكرية ربما ظلّت بعيدة عن متناول العموم.

في هذا السياق، أكّد مدير عام دار الكتب الوطنية خالد كشير، في تصريح لـ»الصباح»، على أهمية الهبات في تحويل المكتبات الخاصة إلى مكتبات جماعية متاحة للجميع، مشيرًا إلى أن الهدف من هذه المبادرات هو تعزيز الفعل الجماعي وإتاحة الرصيد المعرفي للباحثين والمهتمين.

وأوضح أن «المكتبة الخاصة للأستاذ عبد العزيز الدولاتلي ستشكّل إضافة مهمة للرصيد الوطني، وأنه منذ مدة لاحظت دار الكتب نية الدولاتلي في إهداء مكتبته، ليتم توقيع الاتفاقية رسميًا، في انتظار استلام الكتب».

وأشار مدير عام دار الكتب الوطنية إلى أن «المكتبة الخاصة للأستاذ عبد العزيز الدولاتلي تحتوي على ما بين 2500 و3000 كتاب مطبوع، وهي مكتبة متخصصة جدًا في تاريخ الفنون والآثار، كون صاحبها أعدّ رسالة الدكتوراه عن مدينة تونس في العهد الحفصي، وهي تُعد المرجع الأول والأخير للباحثين في هذا المجال». وأضاف أن الكتب صدرت أولًا بالفرنسية ثم عُرّبت، وأنه تمّت إعادة طباعتها ونشرها باتفاق مع السيد الدولاتلي، وسيتم إصدارها قريبًا.

ولفت كشير إلى البعد الرمزي والثقافي لتحويل مكتبة خاصة إلى رصيد وطني متاح للجامعة والباحثين، مؤكدًا أن وجود استراتيجية واضحة من الدولة، وقانون ينظّم هذا المجال، يعزز من فعالية هذه المبادرات، ومبينًا أيضًا أن دار الكتب الوطنية هي المركز الأول للمطبوعات والمخطوطات، يليها الأرشيف الوطني، وأن أي هبة تُقدّم تتمّ بعناية وبتقدير للقيمة العلمية والتاريخية للمجموعات.

وأوضح أن دار الكتب الوطنية تستقبل الهبات من العائلات أو الأفراد بمحض إرادتهم، مع مراعاة ثقتهم ورغبتهم في الحفاظ على إرثهم للأجيال القادمة. وأضاف أن المؤسسة تُقيّم المخطوطات والكتب النادرة، وتقوم بعمليات شراء إذا اقتضت الحاجة، مع التزامها بحفظها وفق شروط علمية دقيقة، بما يشمل التعقيم لضمان سلامتها.

وفي ذات السياق أكد خالد كشير في أنه "تمّ استلام مكتبة الأستاذ الشاذلي القليبي، الوزير الأسبق والشخصية الثقافية البارزة، حيث تمّ نقل المكتبة كاملة وفق رغبة العائلة، وهي حاليا في مرحلة التعقيم".

وأوضح أن الهدف من هذه الهبات ليس مجرد جمع للكتب، بل هو هدية لتونس ولأجيالها القادمة، مؤكدًا على أهمية دعوة من يملكون ثروات معرفية للتفكير في إهدائها، لضمان صون التراث الفكري الوطني وتوفيره للباحثين.

هذه الظاهرة ليست جديدة على الساحة الثقافية العربية، فقد عرفتها تونس في مناسبات سابقة، حين أقدم أدباء وباحثون على إهداء مكتباتهم إلى الجامعات أو المكتبات الوطنية. كما شهدنا في العالم العربي مبادرات مشابهة، على غرار ما قامت به مكتبة الإسكندرية، التي احتضنت مكتبة جمال حمدان وأخرى لمفكرين بارزين، لتصبح هذه المجموعات مصدرًا للباحثين وطلاب المعرفة. وفي لبنان والمغرب، برزت نماذج تؤكد أن هذه الثقافة بدأت تترسخ تدريجيًا، وإن كانت ما تزال رهينة المبادرة الفردية أكثر من كونها سياسة ممنهجة.

غير أن السؤال الجوهري هو: كيف نحوّل هذه المبادرات المعزولة إلى رؤية وطنية واضحة؟

ربما يتطلب الأمر وضع أطر قانونية وتشجيعية تضمن للواهب حقوقه المعنوية، وتوفر للمؤسسة الوسائل اللازمة للفهرسة والرقمنة والتثمين، حتى لا تتحول المكتبات الموهوبة إلى عبء إداري، بل إلى رافد من روافد التنمية الثقافية.

كما يقتضي الأمر تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التبرع بالمجموعات الخاصة، عبر حملات تحسيسية وسياسات تكريمية تُخلّد أسماء المتبرعين وتُبرز القيمة العلمية لمقتنياتهم، لأن كل مكتبة خاصة هي، في الواقع، جزء من ذاكرة الأمة وخزان لمعارف قد لا تتكرر.

إيمان عبد اللطيف

 

 

آخرها إهداء مكتبة الأستاذ عبد العزيز الدولاتلي إلى المكتبة الوطنية..   كيف تساهم الهبات في صون التراث المعرفي؟

المدير العام لدار الكتب الوطنية خالد كشير لـ«الصباح»:  "تم استلام مكتبة الأستاذ الشاذلي القليبي وهي في مرحلة التعقيم"

"أهمية الهبات تكمن بالخصوص في تحويل المكتبات الخاصة إلى مكتبات متاحة للجميع"

 

أهدى الأستاذ عبد العزيز الدولاتلي مكتبته الخاصة إلى دار الكتب الوطنية، وفق اتفاقية تضبط شروط الهبة، وتسلمتها يوم 14 أوت، وهو ما يمثل إجابة عملية عن سؤال: ما مصير المكتبات الخاصة للكتّاب والمفكرين بعد رحلتهم الطويلة في البحث والإبداع، خاصة عندما تكون ثرية بكنوز أدبية وعلمية يمكن أن تفيد أجيالا من الباحثين والمبدعين؟

من رفوف البيوت إلى رفوف المكتبات الوطنية، رحلة الكتب ليست مجرد انتقال مادي من مكان إلى آخر، بل هي مسار ثقافي يحوّل الخاص إلى عام، والفردي إلى جماعي، لتولد ذاكرة جديدة تحتضن ماضي الأشخاص وتعيد توظيفه في خدمة الأجيال القادمة.

وبالتالي، لم تكن مبادرة الأستاذ عبد العزيز الدولاتلي مجرد تنازل عن ملكية شخصية، بل إعلانًا عن وعي عميق بأهمية مشاركة المعرفة وصون التراث الفكري من مخاطر التشتت والنسيان.

هذه المكتبة الغنية والمتخصصة في مجالات تاريخ الفن والآثار والعمارة، ليست مجرد رصيد وثائقي، بل هي ثمرة مسار علمي وفكري طويل، ومجرد انتقالها إلى مؤسسة عمومية يجعلها جزءًا من الذاكرة الوطنية المفتوحة أمام الباحثين والمهتمين.

فهذه المكتبة التي تزخر بكتب نادرة ومتخصصة في تاريخ الفن والآثار والعمارة، ليست مجرد أوراق ومجلدات، بل هي خلاصة رحلة فكرية طويلة وتجسيد لمسار علمي زاخر. ومن هنا تبرز القيمة الرمزية والمعرفية لهذه الخطوة، التي تنقل الذاكرة من إطار فردي محدود إلى ذاكرة جماعية مفتوحة أمام الباحثين والقرّاء.

قبل ذلك، وتحديدًا يوم 17 أفريل 2025، تسلمت دار الكتب الوطنية ثلاثمائة مخطوط من مكتبة فضيلة الشيخ العلامة محمد الشاذلي النيفر، هبةً من ورثته. وهي مكتبة ضخمة تتضمن 300 مخطوط و13.400 كتاب مطبوع.

جاءت مبادرة الورثة عن طيب خاطر، تخليدًا لذكرى والدهم. وقبل ذلك، كانت هناك مبادرات فردية أخرى كثيرة وعديدة ومتنوعة، ما يعكس وعيًا عميقًا بأهمية تداول المعرفة وحمايتها من الضياع، فالمكتبات الخاصة، مهما كانت ثرية، تبقى مهددة بالتشتت أو الإهمال إذا لم تجد إطارًا مؤسسيًا يحتضنها ويعيد توظيفها في خدمة البحث العلمي وصون التراث الفكري.

ومن هنا تأتي أيضًا أهمية الهبة باعتبارها فعلًا حضاريًا وموقفًا أخلاقيًا في مواجهة النسيان. فهي لا تمنح الكتب حياة ثانية فحسب، بل تتيح للمجتمع بأسره فرصة الولوج إلى كنوز فكرية ربما ظلّت بعيدة عن متناول العموم.

في هذا السياق، أكّد مدير عام دار الكتب الوطنية خالد كشير، في تصريح لـ»الصباح»، على أهمية الهبات في تحويل المكتبات الخاصة إلى مكتبات جماعية متاحة للجميع، مشيرًا إلى أن الهدف من هذه المبادرات هو تعزيز الفعل الجماعي وإتاحة الرصيد المعرفي للباحثين والمهتمين.

وأوضح أن «المكتبة الخاصة للأستاذ عبد العزيز الدولاتلي ستشكّل إضافة مهمة للرصيد الوطني، وأنه منذ مدة لاحظت دار الكتب نية الدولاتلي في إهداء مكتبته، ليتم توقيع الاتفاقية رسميًا، في انتظار استلام الكتب».

وأشار مدير عام دار الكتب الوطنية إلى أن «المكتبة الخاصة للأستاذ عبد العزيز الدولاتلي تحتوي على ما بين 2500 و3000 كتاب مطبوع، وهي مكتبة متخصصة جدًا في تاريخ الفنون والآثار، كون صاحبها أعدّ رسالة الدكتوراه عن مدينة تونس في العهد الحفصي، وهي تُعد المرجع الأول والأخير للباحثين في هذا المجال». وأضاف أن الكتب صدرت أولًا بالفرنسية ثم عُرّبت، وأنه تمّت إعادة طباعتها ونشرها باتفاق مع السيد الدولاتلي، وسيتم إصدارها قريبًا.

ولفت كشير إلى البعد الرمزي والثقافي لتحويل مكتبة خاصة إلى رصيد وطني متاح للجامعة والباحثين، مؤكدًا أن وجود استراتيجية واضحة من الدولة، وقانون ينظّم هذا المجال، يعزز من فعالية هذه المبادرات، ومبينًا أيضًا أن دار الكتب الوطنية هي المركز الأول للمطبوعات والمخطوطات، يليها الأرشيف الوطني، وأن أي هبة تُقدّم تتمّ بعناية وبتقدير للقيمة العلمية والتاريخية للمجموعات.

وأوضح أن دار الكتب الوطنية تستقبل الهبات من العائلات أو الأفراد بمحض إرادتهم، مع مراعاة ثقتهم ورغبتهم في الحفاظ على إرثهم للأجيال القادمة. وأضاف أن المؤسسة تُقيّم المخطوطات والكتب النادرة، وتقوم بعمليات شراء إذا اقتضت الحاجة، مع التزامها بحفظها وفق شروط علمية دقيقة، بما يشمل التعقيم لضمان سلامتها.

وفي ذات السياق أكد خالد كشير في أنه "تمّ استلام مكتبة الأستاذ الشاذلي القليبي، الوزير الأسبق والشخصية الثقافية البارزة، حيث تمّ نقل المكتبة كاملة وفق رغبة العائلة، وهي حاليا في مرحلة التعقيم".

وأوضح أن الهدف من هذه الهبات ليس مجرد جمع للكتب، بل هو هدية لتونس ولأجيالها القادمة، مؤكدًا على أهمية دعوة من يملكون ثروات معرفية للتفكير في إهدائها، لضمان صون التراث الفكري الوطني وتوفيره للباحثين.

هذه الظاهرة ليست جديدة على الساحة الثقافية العربية، فقد عرفتها تونس في مناسبات سابقة، حين أقدم أدباء وباحثون على إهداء مكتباتهم إلى الجامعات أو المكتبات الوطنية. كما شهدنا في العالم العربي مبادرات مشابهة، على غرار ما قامت به مكتبة الإسكندرية، التي احتضنت مكتبة جمال حمدان وأخرى لمفكرين بارزين، لتصبح هذه المجموعات مصدرًا للباحثين وطلاب المعرفة. وفي لبنان والمغرب، برزت نماذج تؤكد أن هذه الثقافة بدأت تترسخ تدريجيًا، وإن كانت ما تزال رهينة المبادرة الفردية أكثر من كونها سياسة ممنهجة.

غير أن السؤال الجوهري هو: كيف نحوّل هذه المبادرات المعزولة إلى رؤية وطنية واضحة؟

ربما يتطلب الأمر وضع أطر قانونية وتشجيعية تضمن للواهب حقوقه المعنوية، وتوفر للمؤسسة الوسائل اللازمة للفهرسة والرقمنة والتثمين، حتى لا تتحول المكتبات الموهوبة إلى عبء إداري، بل إلى رافد من روافد التنمية الثقافية.

كما يقتضي الأمر تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التبرع بالمجموعات الخاصة، عبر حملات تحسيسية وسياسات تكريمية تُخلّد أسماء المتبرعين وتُبرز القيمة العلمية لمقتنياتهم، لأن كل مكتبة خاصة هي، في الواقع، جزء من ذاكرة الأمة وخزان لمعارف قد لا تتكرر.

إيمان عبد اللطيف