إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

يتيح للحكومة مساحة أكبر للتحرّك على مستوى المفاوضات.. استقرار نقدي.. وارتفاع احتياطي تونس من العملة الصعبة إلى 105 أيام توريد

 

أعلن البنك المركزي التونسي، في بيان له أول أمس، عن ارتفاع احتياطي تونس من العملة الأجنبية إلى 105 أيام توريد، ليبلغ أكثر من 24 مليار دينار، وذلك مقارنة بأكثر من 25 مليار دينار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.

ويأتي هذا الارتفاع في مخزون العملة الصعبة بعد أشهر من التراجع الحاد في مطلع السنة الحالية، حيث اضطرت تونس إلى تسديد دفعات هامة من ديونها الخارجية، ما انعكس حينها على مستوى تغطية أيام التوريد، الذي انخفض إلى مستويات مقلقة، وأثار جدلا واسعا حول قدرة البلاد على الإيفاء بالتزاماتها المالية.

ويمثل رصيد العملة الصعبة أحد المؤشرات الحيوية التي تعكس متانة الاقتصاد الوطني وقدرته على مواجهة الصدمات. فكلّما ارتفع مستوى الاحتياطي، زادت ثقة الأسواق الدولية والمستثمرين الأجانب في قدرة الدولة على ضمان استقرار معاملاتها المالية والتجارية.

ولعل الأهم من ذلك، أن الاحتياطي يضمن لتونس مرونة أكبر في استيراد المواد الأساسية كالقمح والمحروقات والدواء، وهي قطاعات حيوية ترتبط مباشرة بالأمن الغذائي والصحي والاجتماعي للتونسيين.

وبلغ احتياطي تونس من العملة الأجنبية 105 أيام توريد، ليصل إلى مستوى 24 مليارا و231 مليون دينار إلى غاية يوم 18 أوت 2025.

ويعود هذا التطور في رصيد العملة الأجنبية لتونس إلى التحسّن في تحويلات التونسيين بالخارج، التي بلغت خلال النصف الأول من عام 2025 حوالي 4.6 مليار دينار، بزيادة قدرها 8.2 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.

ومن أهم عوامل نمو احتياطي تونس من العملة الأجنبية، زيادة العائدات السياحية، التي وصلت إلى مستوى يقارب 3,899.1 مليون دينار حتى 20 جويلية 2025، وفقا لوزارة السياحة.

كما زادت العائدات بالعملة الصعبة، حيث ارتفعت بنسبة 10.5 بالمائة بالدولار، و9.3 بالمائة باليورو.

وتم الضغط على توريد الزيوت النباتية، لتتراجع بنسبة أكثر من 30 بالمائة، وتصل مع أواخر جويلية الماضي إلى 349.4 مليون دينار مقابل حوالي 500 مليون دينار في جويلية 2024، وفق المرصد الوطني للفلاحة.

كما تم تسجيل انخفاض في واردات السكر بنسبة 36 بالمائة، لتبلغ قيمتها عند التوريد 175.3 مليون دينار، مقابل 276.4 مليون دينار في أواخر جويلية من العام الفارط.

وفي أواخر الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، سجلت واردات الحبوب انخفاضا بنسبة 20.5 بالمائة، ما مكّن البلاد من توفير عائدات مالية بقيمة 407 ملايين دينار.

ومن المنتظر أن تبلغ صابة تونس من الحبوب خلال هذا الموسم حوالي 20 مليون قنطار.

تراجع حاد مطلع العام

مع بداية سنة 2025، شهدت تونس تقلصا كبيرا في رصيد العملة الأجنبية، بسبب استحقاقات الديون الخارجية. فقد وجدت الحكومة نفسها مضطرة لسداد أقساط هامة في ظرف اقتصادي دقيق، اتسم بتراجع عائدات السياحة وتباطؤ نسق الصادرات.

هذا التراجع ولّد موجة من المخاوف في الأوساط الاقتصادية، حيث برزت تساؤلات حول مدى قدرة البلاد على توفير التمويل اللازم لاستيراد المواد الأساسية، وهو ما دفع بعض المراقبين إلى دق ناقوس الخطر من إمكانية دخول الاقتصاد في مرحلة من «الاختناق المالي».

غير أن الأشهر الأخيرة حملت بعض المؤشرات الإيجابية، إذ ساهم انتعاش الموسم السياحي بشكل ملحوظ في تدعيم رصيد العملة الصعبة، إلى جانب تحسّن تحويلات التونسيين بالخارج، التي مثّلت دعامة أساسية في تقوية المخزون.

كما ساهمت بعض الاتفاقيات الثنائية في توفير خطوط تمويل إضافية، ما منح البنك المركزي هامشًا أوسع للتحكّم في التوازنات النقدية، وتغطية الحاجيات من العملة الأجنبية.

هذا التعافي التدريجي انعكس على ثقة المتعاملين الاقتصاديين، حيث أبدت عدّة مؤسسات خاصة رغبة أكبر في الاستثمار وتوسيع أنشطتها.

وحسب ما أكده خبراء الاقتصاد لـ»الصباح»، لا يقتصر تأثير ارتفاع احتياطي العملة الصعبة على الجانب المالي فحسب، بل يمتد ليشمل الدورة الاقتصادية برمّتها.

فاستقرار قيمة الدينار التونسي، بفضل وفرة الاحتياطي، يساهم في تقليص كلفة التوريد، وبالتالي تخفيف الضغوط التضخمية التي تثقل كاهل المستهلك التونسي.

كما أن توفر مخزون مريح من العملة الأجنبية، يمنح الدولة قدرة أفضل على تمويل المشاريع الكبرى وتطوير البنية التحتية، الأمر الذي ينعكس على خلق مواطن شغل جديدة وتحريك عجلة الاقتصاد.

أداء قياسي لهذه القطاعات

ومن المعروف أن قطاع السياحة يمثل إحدى الركائز الأساسية في جلب العملة الصعبة للبلاد. وتشير التقديرات الأوّلية إلى أن الموسم السياحي لسنة 2025 قد سجل أداء قياسيا، بفضل عودة الأسواق التقليدية الأوروبية، إلى جانب انتعاشة السياحة المغاربية والداخلية.

في المقابل، لا يمكن إغفال الدور الهام الذي لعبته تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج، والتي واصلت نموها رغم الصعوبات الاقتصادية العالمية.

هذه التحويلات مثّلت شبكة أمان مالية دعمت احتياطي البلاد، وأسهمت في تخفيف الضغط على المالية العمومية.

ورغم المؤشرات الإيجابية، لا يمكن القول إن الوضع المالي لتونس قد بلغ مرحلة الأمان الكاملة.

فالبلاد ما زالت تواجه تحديات كبرى مرتبطة بتسديد الديون الخارجية المتراكمة، وبتقليص عجز الميزانية، فضلًا عن الحاجة إلى إصلاحات هيكلية تعزز مناخ الأعمال وتشجع على الاستثمار.

تنويع مصادر التمويل

كما أن الاعتماد الكبير على موارد كالسياحة وتحويلات التونسيين بالخارج، يجعل رصيد العملة الصعبة عرضة للتقلبات الدولية، وهو ما يستدعي وضع استراتيجية وطنية طويلة الأمد لتنويع مصادر التمويل ودعم الصادرات.

رغم المؤشرات الإيجابية، يظل الاقتصاد التونسي يواجه تحديات كبيرة. أبرز هذه التحديات هو الاعتماد الكبير على موارد ظرفية مثل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج، مما يجعل البلاد عرضة لتقلبات الأسواق الدولية.

إلى جانب ذلك، يمثل الدين الخارجي عبئًا ثقيلًا على المالية العمومية، حيث تحتاج تونس إلى تسديد أقساط كبيرة خلال السنوات القادمة.

هذا الوضع يتطلب، حسب خبراء الاقتصاد، وضع استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى تعزيز الاستقلالية الاقتصادية، وذلك من خلال تنويع مصادر الدخل، حيث يجب العمل على تطوير القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، لتقليل الاعتماد على السياحة وتحويلات التونسيين، وتعزيز الصادرات من خلال دعم الصناعات المحلية الموجهة للتصدير، وتقديم حوافز للمصدّرين وفتح أسواق جديدة في إفريقيا وآسيا.

فضلا عن إصلاحات هيكلية تقوم على تحسين مناخ الأعمال لجذب الاستثمارات الأجنبية، من خلال تقليص البيروقراطية وتقديم حوافز ضريبية، إلى جانب حسن إدارة الدين الخارجي عبر التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية للحصول على شروط أفضل، مع التركيز على إعادة جدولة الديون طويلة الأجل.

تعزيز الشراكات الدولية

ويبقى دور المجتمع الدولي حاسمًا في دعم الاقتصاد التونسي. فقد أظهرت تجارب دول أخرى أن التعاون مع الشركاء الدوليين يمكن أن يساهم في تجاوز الأزمات المالية.

وتحتاج تونس إلى تعزيز شراكاتها مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية، وهذه الشراكات يمكن أن توفر خطوط تمويل إضافية، أو دعما فنيا لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.

ويؤكد خبراء الاقتصاد أن الارتفاع الحالي في الاحتياطي يمكن أن يشكل نقطة انطلاق نحو انتعاشة اقتصادية شاملة، إذا ما استغلت الدولة هذا الظرف لتعزيز سياساتها الإصلاحية.

فالاستقرار النقدي يتيح للحكومة مساحة أكبر للتحرك على مستوى المفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية، ويعزز قدرتها على الحصول على تمويلات بشروط أفضل.

كما أن نجاح تونس في الحفاظ على مستويات محترمة من الاحتياطي سيعزز ثقة المستثمرين الأجانب، ويفتح المجال أمام تدفق استثمارات جديدة تساهم في تنويع النسيج الاقتصادي الوطني.

وإجمالا، يُعدّ ارتفاع احتياطي تونس من العملة الأجنبية إلى مستويات مريحة بمثابة جرعة أوكسجين لاقتصاد أنهكته الأزمات.

ورغم أن الطريق لا يزال طويلا ومعقدا، إلا أن المؤشرات الحالية تحمل بعض التفاؤل بأن تونس قد تكون على أعتاب مرحلة جديدة من الاستقرار والانتعاش، شريطة أن تترافق هذه المكاسب مع إصلاحات عميقة وإدارة رشيدة للموارد.

سفيان المهداوي

يتيح للحكومة مساحة أكبر للتحرّك على مستوى المفاوضات..   استقرار نقدي.. وارتفاع احتياطي تونس من العملة الصعبة إلى 105 أيام توريد

 

أعلن البنك المركزي التونسي، في بيان له أول أمس، عن ارتفاع احتياطي تونس من العملة الأجنبية إلى 105 أيام توريد، ليبلغ أكثر من 24 مليار دينار، وذلك مقارنة بأكثر من 25 مليار دينار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.

ويأتي هذا الارتفاع في مخزون العملة الصعبة بعد أشهر من التراجع الحاد في مطلع السنة الحالية، حيث اضطرت تونس إلى تسديد دفعات هامة من ديونها الخارجية، ما انعكس حينها على مستوى تغطية أيام التوريد، الذي انخفض إلى مستويات مقلقة، وأثار جدلا واسعا حول قدرة البلاد على الإيفاء بالتزاماتها المالية.

ويمثل رصيد العملة الصعبة أحد المؤشرات الحيوية التي تعكس متانة الاقتصاد الوطني وقدرته على مواجهة الصدمات. فكلّما ارتفع مستوى الاحتياطي، زادت ثقة الأسواق الدولية والمستثمرين الأجانب في قدرة الدولة على ضمان استقرار معاملاتها المالية والتجارية.

ولعل الأهم من ذلك، أن الاحتياطي يضمن لتونس مرونة أكبر في استيراد المواد الأساسية كالقمح والمحروقات والدواء، وهي قطاعات حيوية ترتبط مباشرة بالأمن الغذائي والصحي والاجتماعي للتونسيين.

وبلغ احتياطي تونس من العملة الأجنبية 105 أيام توريد، ليصل إلى مستوى 24 مليارا و231 مليون دينار إلى غاية يوم 18 أوت 2025.

ويعود هذا التطور في رصيد العملة الأجنبية لتونس إلى التحسّن في تحويلات التونسيين بالخارج، التي بلغت خلال النصف الأول من عام 2025 حوالي 4.6 مليار دينار، بزيادة قدرها 8.2 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.

ومن أهم عوامل نمو احتياطي تونس من العملة الأجنبية، زيادة العائدات السياحية، التي وصلت إلى مستوى يقارب 3,899.1 مليون دينار حتى 20 جويلية 2025، وفقا لوزارة السياحة.

كما زادت العائدات بالعملة الصعبة، حيث ارتفعت بنسبة 10.5 بالمائة بالدولار، و9.3 بالمائة باليورو.

وتم الضغط على توريد الزيوت النباتية، لتتراجع بنسبة أكثر من 30 بالمائة، وتصل مع أواخر جويلية الماضي إلى 349.4 مليون دينار مقابل حوالي 500 مليون دينار في جويلية 2024، وفق المرصد الوطني للفلاحة.

كما تم تسجيل انخفاض في واردات السكر بنسبة 36 بالمائة، لتبلغ قيمتها عند التوريد 175.3 مليون دينار، مقابل 276.4 مليون دينار في أواخر جويلية من العام الفارط.

وفي أواخر الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، سجلت واردات الحبوب انخفاضا بنسبة 20.5 بالمائة، ما مكّن البلاد من توفير عائدات مالية بقيمة 407 ملايين دينار.

ومن المنتظر أن تبلغ صابة تونس من الحبوب خلال هذا الموسم حوالي 20 مليون قنطار.

تراجع حاد مطلع العام

مع بداية سنة 2025، شهدت تونس تقلصا كبيرا في رصيد العملة الأجنبية، بسبب استحقاقات الديون الخارجية. فقد وجدت الحكومة نفسها مضطرة لسداد أقساط هامة في ظرف اقتصادي دقيق، اتسم بتراجع عائدات السياحة وتباطؤ نسق الصادرات.

هذا التراجع ولّد موجة من المخاوف في الأوساط الاقتصادية، حيث برزت تساؤلات حول مدى قدرة البلاد على توفير التمويل اللازم لاستيراد المواد الأساسية، وهو ما دفع بعض المراقبين إلى دق ناقوس الخطر من إمكانية دخول الاقتصاد في مرحلة من «الاختناق المالي».

غير أن الأشهر الأخيرة حملت بعض المؤشرات الإيجابية، إذ ساهم انتعاش الموسم السياحي بشكل ملحوظ في تدعيم رصيد العملة الصعبة، إلى جانب تحسّن تحويلات التونسيين بالخارج، التي مثّلت دعامة أساسية في تقوية المخزون.

كما ساهمت بعض الاتفاقيات الثنائية في توفير خطوط تمويل إضافية، ما منح البنك المركزي هامشًا أوسع للتحكّم في التوازنات النقدية، وتغطية الحاجيات من العملة الأجنبية.

هذا التعافي التدريجي انعكس على ثقة المتعاملين الاقتصاديين، حيث أبدت عدّة مؤسسات خاصة رغبة أكبر في الاستثمار وتوسيع أنشطتها.

وحسب ما أكده خبراء الاقتصاد لـ»الصباح»، لا يقتصر تأثير ارتفاع احتياطي العملة الصعبة على الجانب المالي فحسب، بل يمتد ليشمل الدورة الاقتصادية برمّتها.

فاستقرار قيمة الدينار التونسي، بفضل وفرة الاحتياطي، يساهم في تقليص كلفة التوريد، وبالتالي تخفيف الضغوط التضخمية التي تثقل كاهل المستهلك التونسي.

كما أن توفر مخزون مريح من العملة الأجنبية، يمنح الدولة قدرة أفضل على تمويل المشاريع الكبرى وتطوير البنية التحتية، الأمر الذي ينعكس على خلق مواطن شغل جديدة وتحريك عجلة الاقتصاد.

أداء قياسي لهذه القطاعات

ومن المعروف أن قطاع السياحة يمثل إحدى الركائز الأساسية في جلب العملة الصعبة للبلاد. وتشير التقديرات الأوّلية إلى أن الموسم السياحي لسنة 2025 قد سجل أداء قياسيا، بفضل عودة الأسواق التقليدية الأوروبية، إلى جانب انتعاشة السياحة المغاربية والداخلية.

في المقابل، لا يمكن إغفال الدور الهام الذي لعبته تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج، والتي واصلت نموها رغم الصعوبات الاقتصادية العالمية.

هذه التحويلات مثّلت شبكة أمان مالية دعمت احتياطي البلاد، وأسهمت في تخفيف الضغط على المالية العمومية.

ورغم المؤشرات الإيجابية، لا يمكن القول إن الوضع المالي لتونس قد بلغ مرحلة الأمان الكاملة.

فالبلاد ما زالت تواجه تحديات كبرى مرتبطة بتسديد الديون الخارجية المتراكمة، وبتقليص عجز الميزانية، فضلًا عن الحاجة إلى إصلاحات هيكلية تعزز مناخ الأعمال وتشجع على الاستثمار.

تنويع مصادر التمويل

كما أن الاعتماد الكبير على موارد كالسياحة وتحويلات التونسيين بالخارج، يجعل رصيد العملة الصعبة عرضة للتقلبات الدولية، وهو ما يستدعي وضع استراتيجية وطنية طويلة الأمد لتنويع مصادر التمويل ودعم الصادرات.

رغم المؤشرات الإيجابية، يظل الاقتصاد التونسي يواجه تحديات كبيرة. أبرز هذه التحديات هو الاعتماد الكبير على موارد ظرفية مثل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج، مما يجعل البلاد عرضة لتقلبات الأسواق الدولية.

إلى جانب ذلك، يمثل الدين الخارجي عبئًا ثقيلًا على المالية العمومية، حيث تحتاج تونس إلى تسديد أقساط كبيرة خلال السنوات القادمة.

هذا الوضع يتطلب، حسب خبراء الاقتصاد، وضع استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى تعزيز الاستقلالية الاقتصادية، وذلك من خلال تنويع مصادر الدخل، حيث يجب العمل على تطوير القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، لتقليل الاعتماد على السياحة وتحويلات التونسيين، وتعزيز الصادرات من خلال دعم الصناعات المحلية الموجهة للتصدير، وتقديم حوافز للمصدّرين وفتح أسواق جديدة في إفريقيا وآسيا.

فضلا عن إصلاحات هيكلية تقوم على تحسين مناخ الأعمال لجذب الاستثمارات الأجنبية، من خلال تقليص البيروقراطية وتقديم حوافز ضريبية، إلى جانب حسن إدارة الدين الخارجي عبر التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية للحصول على شروط أفضل، مع التركيز على إعادة جدولة الديون طويلة الأجل.

تعزيز الشراكات الدولية

ويبقى دور المجتمع الدولي حاسمًا في دعم الاقتصاد التونسي. فقد أظهرت تجارب دول أخرى أن التعاون مع الشركاء الدوليين يمكن أن يساهم في تجاوز الأزمات المالية.

وتحتاج تونس إلى تعزيز شراكاتها مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية، وهذه الشراكات يمكن أن توفر خطوط تمويل إضافية، أو دعما فنيا لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.

ويؤكد خبراء الاقتصاد أن الارتفاع الحالي في الاحتياطي يمكن أن يشكل نقطة انطلاق نحو انتعاشة اقتصادية شاملة، إذا ما استغلت الدولة هذا الظرف لتعزيز سياساتها الإصلاحية.

فالاستقرار النقدي يتيح للحكومة مساحة أكبر للتحرك على مستوى المفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية، ويعزز قدرتها على الحصول على تمويلات بشروط أفضل.

كما أن نجاح تونس في الحفاظ على مستويات محترمة من الاحتياطي سيعزز ثقة المستثمرين الأجانب، ويفتح المجال أمام تدفق استثمارات جديدة تساهم في تنويع النسيج الاقتصادي الوطني.

وإجمالا، يُعدّ ارتفاع احتياطي تونس من العملة الأجنبية إلى مستويات مريحة بمثابة جرعة أوكسجين لاقتصاد أنهكته الأزمات.

ورغم أن الطريق لا يزال طويلا ومعقدا، إلا أن المؤشرات الحالية تحمل بعض التفاؤل بأن تونس قد تكون على أعتاب مرحلة جديدة من الاستقرار والانتعاش، شريطة أن تترافق هذه المكاسب مع إصلاحات عميقة وإدارة رشيدة للموارد.

سفيان المهداوي