إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

وُوري الثرى يوم أمس.. الرحيل باللون الأبيض.. المشهدية الأخيرة للفاضل الجزيري

شُيّع يوم أمس الثلاثاء 12 أوت 2025 جثمان الفنان والمبدع فاضل الجزيري إلى مثواه الأخير، الذي وافته المنية يوم الأحد بعد صراع مع المرض. وقد انطلق موكب الدفن من مقر إقامته بأوتيك في حدود الساعة الواحدة ظهرًا، في اتجاه مقبرة المكان، حيث كانت المشهدية الأخيرة باللون الأبيض، وحضور ملفت لعائلته وأصدقائه، وممن عملوا معه وواكبوا مسيرته من فنانين وممثلين، إلى جانب بعض الوجوه السياسية.

حتى في لحظة الرحيل، ظل فاضل الجزيري وفيًا لفلسفته الفنية التي لم تكن تفصل بين الحياة والمسرح، بين الواقع والمشهدية. كان مخرجًا حتى للنهاية، يرسم تفاصيل اللحظة الأخيرة كما لو كانت جزءًا من عرض طالما أعدّ له بعناية، ويحرص على أن يترك للجمهور صورة لن تُمحى.

ففي كل ما أنجزه، كان الجزيري يرفض النمط المألوف، لذلك لم يكن غريبًا أن يخرج من الدنيا بالطريقة ذاتها التي عاشها، فكان مخرجًا لمشهده الأخير، وراسِمًا تفاصيل وداعه.

سجي الجثمان بالعلم التونسي، وتقدّمت الجموع في صمت عميق، يحمله الأبناء وأفراد العائلة، وخلفهم صفّ طويل من الوجوه التي عرفته عن قرب أو من بعيد، حيث رافق الجزيري إلى مثواه الأخير عدد من الوجوه الفنية والممثلين، وعدد من الوجوه السياسية. وحيث كان اللون الأبيض يكسو أغلبية من جاؤوا لتوديعه ومرافقته إلى مثواه الأخير، امتثالًا لوصية تركها قبل الرحيل، لتتحول الجنازة إلى لوحة بشرية متناغمة، لا مكان فيها للسواد.

فقد كتب نجله، علي الجزيري، على صفحته الرسمية: «واحدة من آخر الوصايا متاع بابا، للي حبّ يتبّعها، هي إنّو الحاضرين في جنازتو يلبسو الكل بالأبيض. طبعا، ما فيهاش إجبار. أمّا هذيكة لمسة المخرج، في آخر محاولة باش يرسم لوحتو الأخيرة».

وبالتالي، في اختيار الأبيض، قد يكون الجزيري قد كتب بيانًا أخيرًا في حياته، وأراد من خلاله أن يرسّخ رفض الحزن المكرّس في تقاليد الجنازات، واستبداله بلون يرمز إلى النقاء والانفتاح على الحياة، حتى في لحظة النهاية. وقد لا يكون الأمر ترفًا بصريًا، بل موقفًا فكريًا وفنيًا.

ونيابة عن وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي، أبّن مدير المركز الوطني للسينما والصورة، شاكر الشيخي، الراحل، مثنيًا على الخصال الإنسانية والفنية والإبداعية للفاضل الجزيري.

وقال الشيخي في كلمته التأبينية: “نودّع اليوم رجلًا مؤمنًا، وكاتبًا مسرحيًا وسينمائيًا بارزًا، حمل على عاتقه رسالة الفن والثقافة، وترك بصمته العميقة في مسيرة الإبداع التونسي والعربي. لقد أغنى الحياة الثقافية بأعمال مسرحية وسينمائية وموسيقية متجددة ومتنوعة، استمدّت روحها من ينابيع غير مألوفة، وقدّم من خلالها رؤية فنية استثنائية جمعت بين التراث والحداثة، بين الجذور والانفتاح على العالم».

وأضاف أنّه، على مدى أكثر من خمسة عقود، قدّم الفقيد أعمالًا لا تُنسى: في المسرح، مثل «السفرات النوبية»، «عرب»، «التاريخ»، وغيرها من الإبداعات التي جابت المهرجانات وأبهرت الجماهير. وفي السينما، ترك أعمالًا راسخة منذ الثمانينات، كما أبدع في الموسيقى من خلال «النوبة» و«الحضرة» و«المحفل»، وصولًا إلى آخر عمل مسرحي له، «جرانتي العزيزة»، الذي قُدّم مؤخرًا في إحدى أمسيات مهرجان الحمامات الدولي.

وقال مدير المركز الوطني للسينما والصورة: «فارقنا فاضل الجزيري بعد رحلة طويلة من العطاء، لكنه ترك لنا سيرة عطرة، وذكرى طيبة، وميراثًا فنيًا رفيعًا سيبقى شاهدًا على خلوده. إنّ الموت لا يغيّب من كان عطاؤه بحجم الحياة، ولا يمحو أثر من جعل الفن رسالة ووسيلة لتنوير العقول وتهذيب الأرواح».

إيمان عبد اللطيف

وُوري الثرى يوم أمس..   الرحيل باللون الأبيض.. المشهدية  الأخيرة للفاضل الجزيري

شُيّع يوم أمس الثلاثاء 12 أوت 2025 جثمان الفنان والمبدع فاضل الجزيري إلى مثواه الأخير، الذي وافته المنية يوم الأحد بعد صراع مع المرض. وقد انطلق موكب الدفن من مقر إقامته بأوتيك في حدود الساعة الواحدة ظهرًا، في اتجاه مقبرة المكان، حيث كانت المشهدية الأخيرة باللون الأبيض، وحضور ملفت لعائلته وأصدقائه، وممن عملوا معه وواكبوا مسيرته من فنانين وممثلين، إلى جانب بعض الوجوه السياسية.

حتى في لحظة الرحيل، ظل فاضل الجزيري وفيًا لفلسفته الفنية التي لم تكن تفصل بين الحياة والمسرح، بين الواقع والمشهدية. كان مخرجًا حتى للنهاية، يرسم تفاصيل اللحظة الأخيرة كما لو كانت جزءًا من عرض طالما أعدّ له بعناية، ويحرص على أن يترك للجمهور صورة لن تُمحى.

ففي كل ما أنجزه، كان الجزيري يرفض النمط المألوف، لذلك لم يكن غريبًا أن يخرج من الدنيا بالطريقة ذاتها التي عاشها، فكان مخرجًا لمشهده الأخير، وراسِمًا تفاصيل وداعه.

سجي الجثمان بالعلم التونسي، وتقدّمت الجموع في صمت عميق، يحمله الأبناء وأفراد العائلة، وخلفهم صفّ طويل من الوجوه التي عرفته عن قرب أو من بعيد، حيث رافق الجزيري إلى مثواه الأخير عدد من الوجوه الفنية والممثلين، وعدد من الوجوه السياسية. وحيث كان اللون الأبيض يكسو أغلبية من جاؤوا لتوديعه ومرافقته إلى مثواه الأخير، امتثالًا لوصية تركها قبل الرحيل، لتتحول الجنازة إلى لوحة بشرية متناغمة، لا مكان فيها للسواد.

فقد كتب نجله، علي الجزيري، على صفحته الرسمية: «واحدة من آخر الوصايا متاع بابا، للي حبّ يتبّعها، هي إنّو الحاضرين في جنازتو يلبسو الكل بالأبيض. طبعا، ما فيهاش إجبار. أمّا هذيكة لمسة المخرج، في آخر محاولة باش يرسم لوحتو الأخيرة».

وبالتالي، في اختيار الأبيض، قد يكون الجزيري قد كتب بيانًا أخيرًا في حياته، وأراد من خلاله أن يرسّخ رفض الحزن المكرّس في تقاليد الجنازات، واستبداله بلون يرمز إلى النقاء والانفتاح على الحياة، حتى في لحظة النهاية. وقد لا يكون الأمر ترفًا بصريًا، بل موقفًا فكريًا وفنيًا.

ونيابة عن وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي، أبّن مدير المركز الوطني للسينما والصورة، شاكر الشيخي، الراحل، مثنيًا على الخصال الإنسانية والفنية والإبداعية للفاضل الجزيري.

وقال الشيخي في كلمته التأبينية: “نودّع اليوم رجلًا مؤمنًا، وكاتبًا مسرحيًا وسينمائيًا بارزًا، حمل على عاتقه رسالة الفن والثقافة، وترك بصمته العميقة في مسيرة الإبداع التونسي والعربي. لقد أغنى الحياة الثقافية بأعمال مسرحية وسينمائية وموسيقية متجددة ومتنوعة، استمدّت روحها من ينابيع غير مألوفة، وقدّم من خلالها رؤية فنية استثنائية جمعت بين التراث والحداثة، بين الجذور والانفتاح على العالم».

وأضاف أنّه، على مدى أكثر من خمسة عقود، قدّم الفقيد أعمالًا لا تُنسى: في المسرح، مثل «السفرات النوبية»، «عرب»، «التاريخ»، وغيرها من الإبداعات التي جابت المهرجانات وأبهرت الجماهير. وفي السينما، ترك أعمالًا راسخة منذ الثمانينات، كما أبدع في الموسيقى من خلال «النوبة» و«الحضرة» و«المحفل»، وصولًا إلى آخر عمل مسرحي له، «جرانتي العزيزة»، الذي قُدّم مؤخرًا في إحدى أمسيات مهرجان الحمامات الدولي.

وقال مدير المركز الوطني للسينما والصورة: «فارقنا فاضل الجزيري بعد رحلة طويلة من العطاء، لكنه ترك لنا سيرة عطرة، وذكرى طيبة، وميراثًا فنيًا رفيعًا سيبقى شاهدًا على خلوده. إنّ الموت لا يغيّب من كان عطاؤه بحجم الحياة، ولا يمحو أثر من جعل الفن رسالة ووسيلة لتنوير العقول وتهذيب الأرواح».

إيمان عبد اللطيف