إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بين تونس وكوريا الجنوبية.. 56 سنة من الصداقة والتعاون والشراكة الفاعلة

تٌحيي تونس وكوريا الجنوبية يوم 31 أوت الجاري الذكرى السادسة والخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وهي محطة نستحضر من خلالها مسارا طويلا من التعاون المشترك، تجاوز البعد البروتوكولي ليصبح شراكة قائمة على المصالح المتبادلة والرؤية المستقبلية الهادفة. فبحلول الذكرى السادسة والخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وكوريا الجنوبية، يبرز ملف آفاق التعاون الثنائي، خاصة في ظل رصيد كبير من الاتفاقيات التي أرست أسس شراكة متينة، وفتحت المجال أمام مشاريع مستقبلية واعدة.

فعلى الرغم من الهوة الشاسعة في حجم الاقتصاد بين البلدين، فقد وجدت تونس في التجربة الكورية نموذجا ملهما للتحول الصناعي والرقمي. وقد دخلت شركات كورية رائدة السوق التونسية في قطاعات ديناميكية على غرار مكونات السيارات، والصناعات الإلكترونية، وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة.

كما وفرت كوريا الجنوبية لتونس برامج تعاون فني، منها إرسال خبراء وتقنيين، وتقديم منح دراسية وتدريبية للطلاب والمهندسين التونسيين، خاصة في مجالات الهندسة والتقنيات المتقدمة.

من جانب آخر فإن رصيد التعاون يشهد زخما منذ السبعينيات، فقد حرص البلدان على إبرام اتفاقيات هيكلية للتعاون لعل أبرزها اتفاق التعاون الاقتصادي والفني سنة 1975، الذي أتاح تنفيذ مشاريع تنموية إلى جانب تبادل الخبرات، واتفاق حماية وتشجيع الاستثمارات المبرم سنة 1984، الذي أفرز مناخًا جاذبا للشركات الكورية. كما وُقّع اتفاق التعاون الثقافي والعلمي سنة 1993الذي أرسى تبادلا أكاديميا وساهم في نشر الثقافة الكورية في تونس، إضافة إلى مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال سنة 2014، التي أعطت دفعًا لمسار التحول الرقمي. وفي السنوات الأخيرة، تم توقيع اتفاقيات جديدة في مجالات الطاقات المتجددة، دعمًا للتوجه نحو الاقتصاد الأخضر.

هذه الاتفاقيات لم تكن مجرد وثائق بروتوكولية وإنما مثلت أدوات فعلية ترجمت الإرادة السياسية لترسيخ علاقات ديناميكية وإستراتيجية وتعاون ملموس على أرض الواقع سواء من خلال استثمارات مباشرة أو عبر منح دراسية وبرامج تدريب وتبادل خبرات بين الكفاءات التونسية والكورية.

تطابق في المواقف الدولية

أما على المستوى السياسي فتجمع بين البلدين رؤية مشتركة حول عدد من القضايا الدولية، خصوصا فيما يتعلق بدعم السلم العالمي، واحترام القانون الدولي، وتعزيز التنمية المستديمة. ويحرص الجانبان على التنسيق في المحافل الدولية وتبادل الدعم في الترشيحات الأممية.

وفي سياق تعزيز هذا المسار، فقد شكّل اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيّد يوم 18 جانفي 2024، برئيس الجمعية الوطنية بكوريا الجنوبية «كيم جين بيو»، محطة بارزة في دفع التعاون الثنائي. فقد جدد رئيس الدولة خلال هذا اللقاء موقف تونس الثابت الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، وتأكيده بالموازاة على متانة الروابط مع كوريا الجنوبية منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية.

واليوم ومع دخول العلاقات عامها السابع والخمسين، يبرز مجال الاقتصاد الأخضر والطاقات المتجددة كأحد المحاور الواعدة، نظرًا لخبرة كوريا الجنوبية في الابتكار وموقع تونس الإستراتيجي كبوابة للأسواق الإفريقية والأوروبية. كما يمثل التحول الرقمي ومشاريع المدن الذكية مجالا للتعاون المستقبلي خاصة مع تزايد الاهتمام التونسي بالرقمنة كرافعة للتنمية.

وفي هذا الإطار، يتجه التعاون بين تونس وكوريا الجنوبية نحو محاور جديدة تتلاءم مع تحديات العصر. فالاقتصاد الأخضر يحتل أولوية قصوى، حيث تبحث تونس عن حلول للانتقال الطاقي، فيما تمتلك كوريا الجنوبية خبرة متقدمة في الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر. كما يشكل التحول الرقمي مجالا واسعا للشراكة، من خلال دعم البنية التحتية التكنولوجية وتطوير الخدمات الذكية واستقطاب الشركات الكورية للاستثمار في السوق التونسية.

ولا يقل قطاع التعليم والتدريب أهمية، إذ تتوسع برامج التبادل الأكاديمي والمنح الدراسية للطلبة التونسيين نحو الجامعات الكورية المصنفة عالميًا، بما يساهم في تكوين جيل جديد من الكفاءات المهيأة لقيادة التحول الاقتصادي في تونس. كما أن الصناعات المتقدمة، مثل السيارات الكهربائية والإلكترونيات الدقيقة، تمثل فرصة لتونس لاستقطاب مصانع كورية تخدم أسواق إفريقيا وأوروبا انطلاقًا من موقعها الاستراتيجي.

رصيد ديبلوماسي

وتٌمثّل 56 سنة من التعاون والصداقة رصيدا دبلوماسيا يمكن البناء عليه لتطوير شراكة إستراتيجية تتجاوز الإطار الثنائي لتطال تعاونا ثلاثيا يخدم التنمية الإقليمية في إفريقيا وآسيا، ويعكس قدرة البلدين على تحويل الصداقة التاريخية إلى قوة اقتصادية وثقافية مؤثرة في محيطهما.

فعلى المدى البعيد، يبدو أن البلدين بحسب ترجيحات متابعين للشأن العام قادران على تطوير نموذج مبتكر للتعاون يقوم على مبدأ «الشراكة الثلاثية»، بحيث تكون تونس قاعدة لولوج كوريا الجنوبية إلى إفريقيا، فيما تفتح سيول أبواب آسيا أمام الصادرات والخدمات التونسية على اعتبار أن تفعيل الاتفاقيات المبرمة وتوسيع مجالاتها سيعطي للعلاقات الثنائية بعدا إستراتيجيا جديدا يوازن بين الدبلوماسية التقليدية والتعاون الاقتصادي الملموس ويمهّد لمرحلة نوعية من الشراكة تقوم على الابتكار، والتنمية المستدامة.

منال حرزي

بين تونس وكوريا الجنوبية..     56 سنة من الصداقة والتعاون والشراكة الفاعلة

تٌحيي تونس وكوريا الجنوبية يوم 31 أوت الجاري الذكرى السادسة والخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وهي محطة نستحضر من خلالها مسارا طويلا من التعاون المشترك، تجاوز البعد البروتوكولي ليصبح شراكة قائمة على المصالح المتبادلة والرؤية المستقبلية الهادفة. فبحلول الذكرى السادسة والخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وكوريا الجنوبية، يبرز ملف آفاق التعاون الثنائي، خاصة في ظل رصيد كبير من الاتفاقيات التي أرست أسس شراكة متينة، وفتحت المجال أمام مشاريع مستقبلية واعدة.

فعلى الرغم من الهوة الشاسعة في حجم الاقتصاد بين البلدين، فقد وجدت تونس في التجربة الكورية نموذجا ملهما للتحول الصناعي والرقمي. وقد دخلت شركات كورية رائدة السوق التونسية في قطاعات ديناميكية على غرار مكونات السيارات، والصناعات الإلكترونية، وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة.

كما وفرت كوريا الجنوبية لتونس برامج تعاون فني، منها إرسال خبراء وتقنيين، وتقديم منح دراسية وتدريبية للطلاب والمهندسين التونسيين، خاصة في مجالات الهندسة والتقنيات المتقدمة.

من جانب آخر فإن رصيد التعاون يشهد زخما منذ السبعينيات، فقد حرص البلدان على إبرام اتفاقيات هيكلية للتعاون لعل أبرزها اتفاق التعاون الاقتصادي والفني سنة 1975، الذي أتاح تنفيذ مشاريع تنموية إلى جانب تبادل الخبرات، واتفاق حماية وتشجيع الاستثمارات المبرم سنة 1984، الذي أفرز مناخًا جاذبا للشركات الكورية. كما وُقّع اتفاق التعاون الثقافي والعلمي سنة 1993الذي أرسى تبادلا أكاديميا وساهم في نشر الثقافة الكورية في تونس، إضافة إلى مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال سنة 2014، التي أعطت دفعًا لمسار التحول الرقمي. وفي السنوات الأخيرة، تم توقيع اتفاقيات جديدة في مجالات الطاقات المتجددة، دعمًا للتوجه نحو الاقتصاد الأخضر.

هذه الاتفاقيات لم تكن مجرد وثائق بروتوكولية وإنما مثلت أدوات فعلية ترجمت الإرادة السياسية لترسيخ علاقات ديناميكية وإستراتيجية وتعاون ملموس على أرض الواقع سواء من خلال استثمارات مباشرة أو عبر منح دراسية وبرامج تدريب وتبادل خبرات بين الكفاءات التونسية والكورية.

تطابق في المواقف الدولية

أما على المستوى السياسي فتجمع بين البلدين رؤية مشتركة حول عدد من القضايا الدولية، خصوصا فيما يتعلق بدعم السلم العالمي، واحترام القانون الدولي، وتعزيز التنمية المستديمة. ويحرص الجانبان على التنسيق في المحافل الدولية وتبادل الدعم في الترشيحات الأممية.

وفي سياق تعزيز هذا المسار، فقد شكّل اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيّد يوم 18 جانفي 2024، برئيس الجمعية الوطنية بكوريا الجنوبية «كيم جين بيو»، محطة بارزة في دفع التعاون الثنائي. فقد جدد رئيس الدولة خلال هذا اللقاء موقف تونس الثابت الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، وتأكيده بالموازاة على متانة الروابط مع كوريا الجنوبية منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية.

واليوم ومع دخول العلاقات عامها السابع والخمسين، يبرز مجال الاقتصاد الأخضر والطاقات المتجددة كأحد المحاور الواعدة، نظرًا لخبرة كوريا الجنوبية في الابتكار وموقع تونس الإستراتيجي كبوابة للأسواق الإفريقية والأوروبية. كما يمثل التحول الرقمي ومشاريع المدن الذكية مجالا للتعاون المستقبلي خاصة مع تزايد الاهتمام التونسي بالرقمنة كرافعة للتنمية.

وفي هذا الإطار، يتجه التعاون بين تونس وكوريا الجنوبية نحو محاور جديدة تتلاءم مع تحديات العصر. فالاقتصاد الأخضر يحتل أولوية قصوى، حيث تبحث تونس عن حلول للانتقال الطاقي، فيما تمتلك كوريا الجنوبية خبرة متقدمة في الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر. كما يشكل التحول الرقمي مجالا واسعا للشراكة، من خلال دعم البنية التحتية التكنولوجية وتطوير الخدمات الذكية واستقطاب الشركات الكورية للاستثمار في السوق التونسية.

ولا يقل قطاع التعليم والتدريب أهمية، إذ تتوسع برامج التبادل الأكاديمي والمنح الدراسية للطلبة التونسيين نحو الجامعات الكورية المصنفة عالميًا، بما يساهم في تكوين جيل جديد من الكفاءات المهيأة لقيادة التحول الاقتصادي في تونس. كما أن الصناعات المتقدمة، مثل السيارات الكهربائية والإلكترونيات الدقيقة، تمثل فرصة لتونس لاستقطاب مصانع كورية تخدم أسواق إفريقيا وأوروبا انطلاقًا من موقعها الاستراتيجي.

رصيد ديبلوماسي

وتٌمثّل 56 سنة من التعاون والصداقة رصيدا دبلوماسيا يمكن البناء عليه لتطوير شراكة إستراتيجية تتجاوز الإطار الثنائي لتطال تعاونا ثلاثيا يخدم التنمية الإقليمية في إفريقيا وآسيا، ويعكس قدرة البلدين على تحويل الصداقة التاريخية إلى قوة اقتصادية وثقافية مؤثرة في محيطهما.

فعلى المدى البعيد، يبدو أن البلدين بحسب ترجيحات متابعين للشأن العام قادران على تطوير نموذج مبتكر للتعاون يقوم على مبدأ «الشراكة الثلاثية»، بحيث تكون تونس قاعدة لولوج كوريا الجنوبية إلى إفريقيا، فيما تفتح سيول أبواب آسيا أمام الصادرات والخدمات التونسية على اعتبار أن تفعيل الاتفاقيات المبرمة وتوسيع مجالاتها سيعطي للعلاقات الثنائية بعدا إستراتيجيا جديدا يوازن بين الدبلوماسية التقليدية والتعاون الاقتصادي الملموس ويمهّد لمرحلة نوعية من الشراكة تقوم على الابتكار، والتنمية المستدامة.

منال حرزي