عائداتها تقدر بـ 2500 مليون دينار من العملة الصعبة سنويا
السياحة العلاجية خيار استراتيجي يجب دعمه والمراهنة عليه
استأثرت السياحة الطبية والعلاجية بنصف عائدات السياحة في 2023 وتصدّرت كوجهة إفريقية أولى للمرضى الأجانب، لتبرز كقطاع واعد يمكن أن يساهم في إحداث نقلة نوعية لا فقط على المستوى القطاع السياحي ولكن أيضا على مستوى تطوير القطاع الصحّي ودفعه إلى المزيد من الإشعاع الدولي بما ينعكس إيجابا على صورة تونس ويكون واجهة تسويقية مهمة لها.
وفي هذا السياق تنزّل الاجتماع الأخير الذي تم عقده منذ أيام بمقرّ وزارة الصحة تحت إشراف الوزير مصطفى الفرجاني وضمّ ممثلين عن وزارات الصحة والتجارة والسياحة باعتبار أن السياحة العلاجية ترتبط ارتباطا وثيقا بالقطاع السياحي باعتبار أن المريض الأجنبي هو أيضا سائح ويحتاج إلى خدمات فندقية، بالإضافة إلى الخدمات الصحية، كما حضر الاجتماع ممثلين عن وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن وذلك بهدف وضع خطة واضحة للنهوض بالسياحة العلاجية وتطوير تصدير الخدمات الصحية وقد ناقش الاجتماع تسهيل عملية قدوم المرضى من الخارج وإطلاق خدمات صحية رقمية لفائدتهم مع اقتراح تبسيط النصوص القانونية المتعلقة بمراكز رعاية كبار السن الموجهة للأجانب والتونسيين المقيمين بالخارج.
وفي السنوات الأخيرة عرفت السياحة العلاجية نموا مهمّا سواء على مستوى السياحة الصحية الطبيعية التي تعتمد على الثروات الطبيعية خاصة المياه المعدنية ومياه البحر أو سواء تعلّق الأمر بالسياحة الطبية الحديثة التي تعتمد على الكفاءات الطبية وتقنيات التكنولوجيا الحديثة والمتطورة ومرافق طبية مجهّزة ومؤهلة لاستقبال المرضى بالإضافة إلى أسعار الخدمات الصحية المناسبة والأقل كلفة مقارنة بعدة دول أخرى.
واقع السياحة العلاجية
ووفق إحصائيات رسمية أعلنتها في السنة الماضية المديرة العامّة لوحدة النهوض بالاستثمار والصادرات في قطاع الصحة بوزارة الصحة نادية فنينة، فقد استقطبت بلادنا مليوني مريض أجنبي، وبلغت عائدات السياحة الطبية 3500 مليون دينار، كما أشارت نادية فنينة إلى أن كلفة المريض الأجنبي تعادل ما بين 8 و10 مرات كلفة السائح العادي.
ومن أجل ذلك تعدّ تونس الأولى في إفريقيا من حيث الطلب على الرعاية والعرض حيث شكّلت السياحة العلاجية من استشفاء وأدوية وأنشطة ذات صلة نصف إيرادات قطاع السياحة الذي تمثّل إيراداته 9 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهو بذلك يعدّ ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني والذي يمرّ بظروف صعبة ويحتاج إلى تصوّرات وخطط جديدة للنهوض، ومن بين هذه الخطط الإستراتيجية يمكن التعويل على السياحة العلاجية كرافد جديد من روافد الاقتصاد بسبب ما تحققه من إيرادات وعائدات ودورها في النهوض بسوق التشغيل، حيث في تقرير سابق للمجلة الدولية للسياحة الطبية أكد أن صناعة السياحة العلاجية في تونس تعدّ ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية في البلاد بوجود حوالي 600 ألف زائر، ينفقون 314 مليون دولار سنويا، كما صنّفت المجلة تونس بأنها واحدة من أفضل عشرة أسواق للسياحة الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باعتبارها وجهة موثوقة في السياحة الطبية نظرا لموقعها الجغرافي وخدمات الرعاية الطبية المميزة التي تُقدّم للسائح الأجنبي.
ومن بين الاختصاصات الطبية التي يقبل عليها الأجانب بالنظر إلى جودة الخدمات المقدمة وانخفاض الكلفة مقارنة ببلدان أخرى نجد أن جراحة الأورام ومعالجة أمراض القلب والشرايين وكذلك طب التجميل وأمراض العقم حيث تستقبل مراكز معالجة العقم عدة جنسيات خاصة من دول إفريقيا جنوب الصحراء حيث المؤسسات الصحية لعلاج العقم نادرة، ويبقى الليبيون في مقدمة المرضى الأجانب يليهم الجزائريون، ثم مواطنو دول إفريقيا جنوب الصحراء، ويتلقّى أكثر من نصف المرضى علاجا من أجل الإنجاب أو الأورام، أو أمراض القلب أو يخضعون لعمليات جراحية.
كما يقبل الأوروبيون بشكل أساسي على إجراء عمليات تجميل التي تمثل 15 في المائة من جملة الخدمات الطبية والصحية المقدمة للأجانب، وتملك تونس صيتا دوليا مهما في الجراحات التجميلية بسبب انخفاض التكلفة وكذلك لوجود كفاءات طبية عالية حيث أنها تتصدّر اليوم في إفريقيا هذا الاختصاص بوجود حوالي 100 مصحة خاصة متخصصة في الجراحة التجميلية تتمتع بتقنيات وتخصصات رفيعة المستوى ومهارات معترف بها دوليا..
من الجهات الرائدة
وبالإضافة إلى السياحة الاستشفائية والمعالجة بالمياه الطبيعية ومياه البحر، والتي بدأت تجد رواجا كبيرا في السنوات الأخيرة، حيث تشير بعض التقارير أن المراكز الاستشفائية للمعالجة بالمياه الطبيعية أو مياه البحر تستقطب سنويا أكثر من 5 مليون زائر سنويا، بما يجعل تونس من الجهات الرائدة في هذا المجال.
وفي وقت سابق أكد رئيس غرفة التجارة والصناعة ببنزت فوزي بن عيسى على هامش مشارکته في أشغال الدورة الأخيرة للملتقى الاقتصادي التركي-العربي والمعرض الثاني للسياحة العلاجية والطبية بأن قطاع السياحة العلاجية والطبية أصبح يشهد في السنوات الأخيرة تنافسا شديدا بين الدول من ذلك تونس، إذ يوفر قطاع السياحة الصحية نحو 50 % من نسبة عائدات السياحة وأن هناك إستراتيجية تشتغل عليها الدولة لتطوير الخدمات الطبية وتصديرها إلى الخارج والمساهمة في جعل تونس الوجهة الأولى للسياحة الطبية في أوروبا في أفق 2054.
كما أشار فوزي بن عيسى إلى أن السياحة الطبية توفّر 4 % من الناتج الداخلي الخام أي ما يناهز 2500 مليون دينار سنويا من العملة الصعبة..
وكل هذه الأرقام والإحصائيات تعكس أهمية السياحة العلاجية وضرورة دعمها بوضع خطط عمل على المدى المتوسّط والبعيد تساهم في النهوض بهذا القطاع أكثر وايلاءه المكانة التي يستحقها في النسيج الاقتصادي الوطني.
منية العرفاوي
<<<<<<<
بين تونس وكوريا الجنوبية
56 سنة من الصداقة والتعاون والشراكة الفاعلة
تٌحيي تونس وكوريا الجنوبية يوم 31 أوت الجاري الذكرى السادسة والخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وهي محطة نستحضر من خلالها مسارا طويلا من التعاون المشترك، تجاوز البعد البروتوكولي ليصبح شراكة قائمة على المصالح المتبادلة والرؤية المستقبلية الهادفة. فبحلول الذكرى السادسة والخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وكوريا الجنوبية، يبرز ملف آفاق التعاون الثنائي، خاصة في ظل رصيد كبير من الاتفاقيات التي أرست أسس شراكة متينة، وفتحت المجال أمام مشاريع مستقبلية واعدة.
فعلى الرغم من الهوة الشاسعة في حجم الاقتصاد بين البلدين، فقد وجدت تونس في التجربة الكورية نموذجا ملهما للتحول الصناعي والرقمي. وقد دخلت شركات كورية رائدة السوق التونسية في قطاعات ديناميكية على غرار مكونات السيارات، والصناعات الإلكترونية، وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة.
كما وفرت كوريا الجنوبية لتونس برامج تعاون فني، منها إرسال خبراء وتقنيين، وتقديم منح دراسية وتدريبية للطلاب والمهندسين التونسيين، خاصة في مجالات الهندسة والتقنيات المتقدمة.
من جانب آخر فإن رصيد التعاون يشهد زخما منذ السبعينيات، فقد حرص البلدان على إبرام اتفاقيات هيكلية للتعاون لعل أبرزها اتفاق التعاون الاقتصادي والفني سنة 1975، الذي أتاح تنفيذ مشاريع تنموية إلى جانب تبادل الخبرات، واتفاق حماية وتشجيع الاستثمارات المبرم سنة 1984، الذي أفرز مناخًا جاذبا للشركات الكورية. كما وُقّع اتفاق التعاون الثقافي والعلمي سنة 1993الذي أرسى تبادلا أكاديميا وساهم في نشر الثقافة الكورية في تونس، إضافة إلى مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال سنة 2014، التي أعطت دفعًا لمسار التحول الرقمي. وفي السنوات الأخيرة، تم توقيع اتفاقيات جديدة في مجالات الطاقات المتجددة، دعمًا للتوجه نحو الاقتصاد الأخضر.
هذه الاتفاقيات لم تكن مجرد وثائق بروتوكولية وإنما مثلت أدوات فعلية ترجمت الإرادة السياسية لترسيخ علاقات ديناميكية وإستراتيجية وتعاون ملموس على أرض الواقع سواء من خلال استثمارات مباشرة أو عبر منح دراسية وبرامج تدريب وتبادل خبرات بين الكفاءات التونسية والكورية.
تطابق في المواقف الدولية
أما على المستوى السياسي فتجمع بين البلدين رؤية مشتركة حول عدد من القضايا الدولية، خصوصا فيما يتعلق بدعم السلم العالمي، واحترام القانون الدولي، وتعزيز التنمية المستديمة. ويحرص الجانبان على التنسيق في المحافل الدولية وتبادل الدعم في الترشيحات الأممية.
وفي سياق تعزيز هذا المسار، فقد شكّل اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيّد يوم 18 جانفي 2024، برئيس الجمعية الوطنية بكوريا الجنوبية «كيم جين بيو»، محطة بارزة في دفع التعاون الثنائي. فقد جدد رئيس الدولة خلال هذا اللقاء موقف تونس الثابت الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، وتأكيده بالموازاة على متانة الروابط مع كوريا الجنوبية منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية.
واليوم ومع دخول العلاقات عامها السابع والخمسين، يبرز مجال الاقتصاد الأخضر والطاقات المتجددة كأحد المحاور الواعدة، نظرًا لخبرة كوريا الجنوبية في الابتكار وموقع تونس الإستراتيجي كبوابة للأسواق الإفريقية والأوروبية. كما يمثل التحول الرقمي ومشاريع المدن الذكية مجالا للتعاون المستقبلي خاصة مع تزايد الاهتمام التونسي بالرقمنة كرافعة للتنمية.
وفي هذا الإطار، يتجه التعاون بين تونس وكوريا الجنوبية نحو محاور جديدة تتلاءم مع تحديات العصر. فالاقتصاد الأخضر يحتل أولوية قصوى، حيث تبحث تونس عن حلول للانتقال الطاقي، فيما تمتلك كوريا الجنوبية خبرة متقدمة في الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر. كما يشكل التحول الرقمي مجالا واسعا للشراكة، من خلال دعم البنية التحتية التكنولوجية وتطوير الخدمات الذكية واستقطاب الشركات الكورية للاستثمار في السوق التونسية.
ولا يقل قطاع التعليم والتدريب أهمية، إذ تتوسع برامج التبادل الأكاديمي والمنح الدراسية للطلبة التونسيين نحو الجامعات الكورية المصنفة عالميًا، بما يساهم في تكوين جيل جديد من الكفاءات المهيأة لقيادة التحول الاقتصادي في تونس. كما أن الصناعات المتقدمة، مثل السيارات الكهربائية والإلكترونيات الدقيقة، تمثل فرصة لتونس لاستقطاب مصانع كورية تخدم أسواق إفريقيا وأوروبا انطلاقًا من موقعها الاستراتيجي.
رصيد ديبلوماسي
وتٌمثّل 56 سنة من التعاون والصداقة رصيدا دبلوماسيا يمكن البناء عليه لتطوير شراكة إستراتيجية تتجاوز الإطار الثنائي لتطال تعاونا ثلاثيا يخدم التنمية الإقليمية في إفريقيا وآسيا، ويعكس قدرة البلدين على تحويل الصداقة التاريخية إلى قوة اقتصادية وثقافية مؤثرة في محيطهما.
فعلى المدى البعيد، يبدو أن البلدين بحسب ترجيحات متابعين للشأن العام قادران على تطوير نموذج مبتكر للتعاون يقوم على مبدأ «الشراكة الثلاثية»، بحيث تكون تونس قاعدة لولوج كوريا الجنوبية إلى إفريقيا، فيما تفتح سيول أبواب آسيا أمام الصادرات والخدمات التونسية على اعتبار أن تفعيل الاتفاقيات المبرمة وتوسيع مجالاتها سيعطي للعلاقات الثنائية بعدا إستراتيجيا جديدا يوازن بين الدبلوماسية التقليدية والتعاون الاقتصادي الملموس ويمهّد لمرحلة نوعية من الشراكة تقوم على الابتكار، والتنمية المستدامة.
منال حرزي