إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أربع‭ ‬سنوات‭ ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاستثنائية.. تقدّم‭ ‬في‭ ‬الخطى‭ ‬رغم‭ ‬التحديات‭ ‬والرهانات

تمرّ‭ ‬اليوم‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاستثنائية‭ ‬يوم‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021،‭ ‬موعدٌ‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬محطة‭ ‬سياسية‭ ‬مفصلية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬يمثّل‭ ‬مجرّد‭ ‬حلّ‭ ‬دستوريّ‭ ‬لمأزق‭ ‬معقّد،‭ ‬وإنّما‭ ‬يعكس‭ ‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬سياسات‭ ‬وخيارات‭ ‬قديمة،‭ ‬وبدايةً‭ ‬لإصلاحات‭ ‬شاملة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تتبلور‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭.‬

ففي‭ ‬سياق‭ ‬وطني‭ ‬بالغ‭ ‬التعقيد،‭ ‬اجتمعت‭ ‬فيه‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭ ‬مع‭ ‬عجز‭ ‬حكومي‭ ‬ونيابي‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمة‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬بدا‭ ‬فيها‭ ‬مستقبل‭ ‬الدولة‭ ‬مهدّدًا‭ ‬وأكثر‭ ‬ضبابية‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تدهور‭ ‬اجتماعي‭ ‬واقتصادي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬–‭ ‬جاء‭ ‬إعلان‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬ليضع‭ ‬حدًا‭ ‬لمسار‭ ‬سياسي‭ ‬متأزّم،‭ ‬مُعلنًا‭ ‬عن‭ ‬ميلاد‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬تعهّد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬عميقة‭ ‬ومستدامة،‭ ‬وتُعيد‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬السيادة‭ ‬والعدالة‭ ‬والمساءلة‭.‬
في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬وفي‭ ‬تقييم‭ ‬لمسار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬بعد‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬إطلاقه،‭ ‬يعتبر‭ ‬متابعون‭ ‬أنه‭ ‬شكّل‭ ‬منعرجًا‭ ‬حاسمًا‭ ‬أشر‭ ‬لمسار‭ ‬جديد،‭ ‬تعهّد‭ ‬خلاله‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬بإصلاح‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬واستعادة‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬المواطن،‭ ‬وبناء‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬وإداري‭ ‬أكثر‭ ‬نجاعة‭ ‬وعدالة‭.‬
فمسار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬يحمل‭ ‬دلالة‭ ‬رمزية‭ ‬عميقة،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يكن،‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬تشخيص‭ ‬متابعين،‭ ‬مجرّد‭ ‬استجابة‭ ‬ظرفية‭ ‬لأزمة‭ ‬خانقة،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬تزامنه‭ ‬مع‭ ‬عيد‭ ‬الجمهورية،‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬رمزية‭ ‬سياسية‭ ‬وتاريخية،‭ ‬يعكس‭ ‬رسالة‭ ‬مفادها‭ ‬إعلان‭ ‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬فترة‭ ‬سياسية،‭ ‬وبداية‭ ‬مسار‭ ‬يؤسّس‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬‮«‬جمهورية‭ ‬جديدة‮»‬،‭ ‬قوامها‭ ‬استعادة‭ ‬سيادة‭ ‬الدولة،‭ ‬وتصحيح‭ ‬مسار‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وإعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لمفهوم‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭.‬
فجاء‭ ‬المسار‭ ‬ليعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لدولة‭ ‬القانون‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تحمي‭ ‬مواطنيها،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اختزالها‭ ‬في‭ ‬تجاذبات‭ ‬حزبية‭ ‬أو‭ ‬صراعات‭ ‬نُخب‭ ‬مغلقة‭.‬
وفي‭ ‬خضمّ‭ ‬هذا‭ ‬الانسداد،‭ ‬جاء‭ ‬قرار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬بتفعيل‭ ‬الفصل‭ ‬80‭ ‬من‭ ‬الدستور،‭ ‬وتجميد‭ ‬البرلمان،‭ ‬ليُعلن‭ ‬عن‭ ‬مسار‭ ‬جديد‭ ‬حاز‭ ‬دعمًا‭ ‬شعبيًّا‭ ‬واسعًا،‭ ‬عبّر‭ ‬عنه‭ ‬التونسيون‭ ‬بالخروج‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬تأييدًا،‭ ‬باعتباره‭ ‬لحظة‭ ‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬منظومة‭ ‬يرونها‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬الفشل‭ ‬والتراجع‭ ‬وتفاقم‭ ‬مؤشرات‭ ‬الفساد‭.‬
وقد‭ ‬أعلن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬منذ‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مسار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬أنّ‭ ‬الهدف‭ ‬ليس‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬بل‭ ‬التأسيس‭ ‬لجمهورية‭ ‬جديدة‭ ‬تقطع‭ ‬مع‭ ‬التلاعب‭ ‬بالإرادة‭ ‬الشعبية‭ ‬والفساد‭ ‬السياسي،‭ ‬وكلّ‭ ‬المظاهر‭ ‬والأساليب‭ ‬التي‭ ‬فاقمت‭ ‬العجز‭ ‬والتراجع‭.‬
جاء‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬كتفاعل‭ ‬مباشر‭ ‬مع‭ ‬حالة‭ ‬الغضب‭ ‬الشعبي،‭ ‬ليضع‭ ‬حدًّا‭ ‬لمنظومة‭ ‬اعتُبرت‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬تدهور‭ ‬الأوضاع،‭ ‬ويفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة،‭ ‬رافقتها‭ ‬تطلعات‭ ‬واسعة‭ ‬نحو‭ ‬التغيير‭ ‬الشامل‭. ‬رسمت‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاستثنائية‭ ‬المعلَن‭ ‬عنها‭ ‬آنذاك‭ ‬بداية‭ ‬مسار‭ ‬دستوري‭ ‬وسياسي‭ ‬جديد،‭ ‬تمثّل‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المحطات‭ ‬الأساسية،‭ ‬لعلّ‭ ‬أبرزها‭ ‬تنظيم‭ ‬الاستشارة‭ ‬الوطنية‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬التونسيين،‭ ‬تلاها‭ ‬الاستفتاء‭ ‬على‭ ‬دستور‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2022،‭ ‬أعاد‭ ‬ترتيب‭ ‬الصلاحيات‭ ‬بين‭ ‬السلطات‭ ‬وكرّس‭ ‬نظامًا‭ ‬رئاسيًا‭ ‬معدّلًا‭.‬
ثم‭ ‬تواصل‭ ‬المسار‭ ‬بإجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬تشريعية‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2022،‭ ‬بقانون‭ ‬انتخابي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬القائمات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬غيّر‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬السياسية،‭ ‬وأعاد‭ ‬تشكيل‭ ‬البرلمان‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬هيمنة‭ ‬الأحزاب‭ ‬التقليدية‭.‬
وقد‭ ‬اعتبر‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬آنذاك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التحوّلات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تطهير‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬و»القطع‭ ‬مع‭ ‬منظومة‭ ‬الفساد‮»‬،‭ ‬مشدّدًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الحقيقية‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬احترام‭ ‬الإرادة‭ ‬الشعبية‭.‬
وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬المسار‭ ‬السياسي،‭ ‬فقد‭ ‬انطلقت‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬ففُتحت‭ ‬ملفات‭ ‬ثقيلة‭ ‬مثل‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬حيوية،‭ ‬وتم‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬ضد‭ ‬بعض‭ ‬شبكات‭ ‬المصالح‭ ‬التي‭ ‬تغلغلت‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭.‬
كما‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬مشاريع‭ ‬لإصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬الدعم،‭ ‬ومعالجة‭ ‬أوضاع‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية،‭ ‬والتسريع‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬وضعية‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلاحية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬جهود‭ ‬لتطوير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الداخلية‭ ‬المهمّشة،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الهمّ‭ ‬هو‭ ‬القطع‭ ‬نهائيًا‭ ‬مع‭ ‬كافة‭ ‬أشكال‭ ‬التشغيل‭ ‬الهش‭.‬
ورغم‭ ‬صعوبة‭ ‬الظرف‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وما‭ ‬شهده‭ ‬من‭ ‬ضغوطات‭ ‬مالية‭ ‬وتحديات‭ ‬داخلية‭ ‬وخارجية،‭ ‬فإن‭ ‬المؤشرات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تؤكد‭ ‬بأن‭ ‬الجانب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بدأ‭ ‬يتحسّس‭ ‬طريقه‭ ‬نحو‭ ‬الانتعاشة‭. ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية‭ ‬تحسّنًا‭ ‬تدريجيًا،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬السياحة‭ ‬التي‭ ‬استعادت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬نشاطها،‭ ‬والصادرات‭ ‬الفلاحية‭ ‬التي‭ ‬سجلت‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬ملحوظًا،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬تطوّر‭ ‬نسبي‭ ‬في‭ ‬نسق‭ ‬الاستثمار‭ ‬العمومي‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭.‬
واليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬انطلاق‭ ‬مسار‭ ‬25‭ ‬جويلية،‭ ‬بدأت‭ ‬ملامح‭ ‬التحوّل‭ ‬تتبلور‭ ‬تدريجيًا‭. ‬فالقرارات‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬2021‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬أزمة‭ ‬سياسية‭ ‬وصحية‭ ‬خانقة،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬كثيرين‭ ‬–‭ ‬مجرّد‭ ‬إجراءات‭ ‬ظرفية،‭ ‬بل‭ ‬مثّلت‭ ‬منطلقًا‭ ‬لإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬وإصلاح‭ ‬منظوماتها‭ ‬المتآكلة‭.‬
واليوم،‭ ‬وبين‭ ‬مؤسسات‭ ‬دستورية‭ ‬جديدة،‭ ‬وبرلمان‭ ‬بصلاحيات‭ ‬مختلفة،‭ ‬واستقرار‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬الحكومي،‭ ‬بدأ‭ ‬هذا‭ ‬المسار،‭ ‬وفقا‭ ‬لملاحظين،‭ ‬يتجه‭ ‬نحو‭ ‬الاقلاع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المنشود،‭ ‬مستندًا‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬تضع‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الخيارات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬منطق‭ ‬الترقيع‭ ‬والمعالجات‭ ‬السطحية‭.‬
فالمسار‭ ‬لم‭ ‬يعُد‭ ‬مجرّد‭ ‬إعلان‭ ‬سياسي،‭ ‬بل‭ ‬بات‭ ‬مشروعًا‭ ‬إصلاحيًا‭ ‬تتضح‭ ‬ملامحه‭ ‬تدريجيًا،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬القرار‭ ‬الوطني،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬بناء‭ ‬نموذج‭ ‬تنموي‭ ‬بديل‭ ‬يضع‭ ‬السيادة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬جوهر‭ ‬الأولويات‭.‬
ورغم‭ ‬التحديات،‭ ‬فإن‭ ‬المؤشرات‭ ‬الحالية‭ ‬تعكس‭ ‬بداية‭ ‬خروج‭ ‬تدريجي‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الانتظار‭ ‬نحو‭ ‬مرحلة‭ ‬التنفيذ‭ ‬الفعلي،‭ ‬وسط‭ ‬رهان‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬الاستمرارية‭ ‬والثبات‭ ‬في‭ ‬التوجه‭ ‬الإصلاحي‭.‬
في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬وتفاعلاً‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021،‭ ‬يرى‭ ‬رئيس‭ ‬لجنة‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين‭ ‬المهني‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬والشباب،‭ ‬كمال‭ ‬فراح،‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬لـ»الصباح‮»‬‭ ‬أنّ‭ ‬مسار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬جاء‭ ‬كتصحيح‭ ‬للمسار‭ ‬الثوري‭ ‬الذي‭ ‬حاد‭ ‬عن‭ ‬مبادئه،‭ ‬فجاء‭ ‬الاهتمام‭ ‬أولًا‭ ‬بالجانب‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إدخال‭ ‬بعض‭ ‬الإصلاحات،‭ ‬ثم‭ ‬تم‭ ‬لاحقًا‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬مشيرًا‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬الجانب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬شهد‭ ‬إصلاحات‭ ‬جوهرية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬إدماج‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬الأهليّة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬والقرارات‭ ‬المعلن‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭. ‬أمّا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬فقد‭ ‬أكّد‭ ‬محدثنا‭ ‬أنه‭ ‬تمتع‭ ‬بجرعة‭ ‬من‭ ‬الأوكسجين،‭ ‬تُترجمها‭ ‬الديناميكية‭ ‬القوية‭ ‬لإصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاهتمام‭ ‬بمجالات‭ ‬نشطة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬مجال‭ ‬الفسفاط،‭ ‬موضحًا‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته‭ ‬أنّ‭ ‬الجهود‭ ‬تنكب‭ ‬حاليًّا‭ ‬على‭ ‬مجلّتي‭ ‬الاستثمار‭ ‬والصرف،‭ ‬واللتين‭ ‬من‭ ‬شأنهما‭ ‬أن‭ ‬تدفعا‭ ‬نحو‭ ‬الإقلاع‭ ‬المنشود‭.‬
في‭ ‬هذا‭ ‬الخضم،‭ ‬يعتبر‭ ‬متابعون‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬تختلف‭ ‬التقييمات‭ ‬لمسار‭ ‬25‭ ‬جويلية،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عليه‭ ‬كثيرون‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭ ‬ليست‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬تاريخ‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭. ‬فالمشهد‭ ‬تغيّر،‭ ‬والمعايير‭ ‬تبدّلت،‭ ‬والنقاش‭ ‬السياسي‭ ‬بات‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬الأولويات‭ ‬التنموية،‭ ‬والسيادة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ومحاربة‭ ‬الفساد،‭ ‬وهي‭ ‬مواضيع‭ ‬كانت‭ ‬محل‭ ‬إهمال‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬سياقات‭ ‬سياسية‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭.‬
صحيح‭ ‬أن‭ ‬الرهانات‭ ‬والتحديات‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكنّ‭ ‬الأسس‭ ‬وُضعت،‭ ‬ومعالم‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬توصيف‭ ‬كثيرين‭ ‬–‭ ‬بدأت‭ ‬تأخذ‭ ‬شكلها‭ ‬السياسي‭ ‬والمؤسساتي‭ ‬والاقتصادي‭.‬

منال‭ ‬حرزي

أربع‭ ‬سنوات‭ ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاستثنائية..  تقدّم‭ ‬في‭ ‬الخطى‭ ‬رغم‭ ‬التحديات‭ ‬والرهانات

تمرّ‭ ‬اليوم‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاستثنائية‭ ‬يوم‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021،‭ ‬موعدٌ‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬محطة‭ ‬سياسية‭ ‬مفصلية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنّه‭ ‬لا‭ ‬يمثّل‭ ‬مجرّد‭ ‬حلّ‭ ‬دستوريّ‭ ‬لمأزق‭ ‬معقّد،‭ ‬وإنّما‭ ‬يعكس‭ ‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬سياسات‭ ‬وخيارات‭ ‬قديمة،‭ ‬وبدايةً‭ ‬لإصلاحات‭ ‬شاملة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تتبلور‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭.‬

ففي‭ ‬سياق‭ ‬وطني‭ ‬بالغ‭ ‬التعقيد،‭ ‬اجتمعت‭ ‬فيه‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19‭ ‬مع‭ ‬عجز‭ ‬حكومي‭ ‬ونيابي‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمة‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬بدا‭ ‬فيها‭ ‬مستقبل‭ ‬الدولة‭ ‬مهدّدًا‭ ‬وأكثر‭ ‬ضبابية‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تدهور‭ ‬اجتماعي‭ ‬واقتصادي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬–‭ ‬جاء‭ ‬إعلان‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬ليضع‭ ‬حدًا‭ ‬لمسار‭ ‬سياسي‭ ‬متأزّم،‭ ‬مُعلنًا‭ ‬عن‭ ‬ميلاد‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬تعهّد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬عميقة‭ ‬ومستدامة،‭ ‬وتُعيد‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬السيادة‭ ‬والعدالة‭ ‬والمساءلة‭.‬
في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬وفي‭ ‬تقييم‭ ‬لمسار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬بعد‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬إطلاقه،‭ ‬يعتبر‭ ‬متابعون‭ ‬أنه‭ ‬شكّل‭ ‬منعرجًا‭ ‬حاسمًا‭ ‬أشر‭ ‬لمسار‭ ‬جديد،‭ ‬تعهّد‭ ‬خلاله‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬بإصلاح‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬واستعادة‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬المواطن،‭ ‬وبناء‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬وإداري‭ ‬أكثر‭ ‬نجاعة‭ ‬وعدالة‭.‬
فمسار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬يحمل‭ ‬دلالة‭ ‬رمزية‭ ‬عميقة،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يكن،‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬تشخيص‭ ‬متابعين،‭ ‬مجرّد‭ ‬استجابة‭ ‬ظرفية‭ ‬لأزمة‭ ‬خانقة،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬تزامنه‭ ‬مع‭ ‬عيد‭ ‬الجمهورية،‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬رمزية‭ ‬سياسية‭ ‬وتاريخية،‭ ‬يعكس‭ ‬رسالة‭ ‬مفادها‭ ‬إعلان‭ ‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬فترة‭ ‬سياسية،‭ ‬وبداية‭ ‬مسار‭ ‬يؤسّس‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬‮«‬جمهورية‭ ‬جديدة‮»‬،‭ ‬قوامها‭ ‬استعادة‭ ‬سيادة‭ ‬الدولة،‭ ‬وتصحيح‭ ‬مسار‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وإعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لمفهوم‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭.‬
فجاء‭ ‬المسار‭ ‬ليعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لدولة‭ ‬القانون‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تحمي‭ ‬مواطنيها،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اختزالها‭ ‬في‭ ‬تجاذبات‭ ‬حزبية‭ ‬أو‭ ‬صراعات‭ ‬نُخب‭ ‬مغلقة‭.‬
وفي‭ ‬خضمّ‭ ‬هذا‭ ‬الانسداد،‭ ‬جاء‭ ‬قرار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬بتفعيل‭ ‬الفصل‭ ‬80‭ ‬من‭ ‬الدستور،‭ ‬وتجميد‭ ‬البرلمان،‭ ‬ليُعلن‭ ‬عن‭ ‬مسار‭ ‬جديد‭ ‬حاز‭ ‬دعمًا‭ ‬شعبيًّا‭ ‬واسعًا،‭ ‬عبّر‭ ‬عنه‭ ‬التونسيون‭ ‬بالخروج‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع‭ ‬تأييدًا،‭ ‬باعتباره‭ ‬لحظة‭ ‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬منظومة‭ ‬يرونها‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬الفشل‭ ‬والتراجع‭ ‬وتفاقم‭ ‬مؤشرات‭ ‬الفساد‭.‬
وقد‭ ‬أعلن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬منذ‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مسار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬أنّ‭ ‬الهدف‭ ‬ليس‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬بل‭ ‬التأسيس‭ ‬لجمهورية‭ ‬جديدة‭ ‬تقطع‭ ‬مع‭ ‬التلاعب‭ ‬بالإرادة‭ ‬الشعبية‭ ‬والفساد‭ ‬السياسي،‭ ‬وكلّ‭ ‬المظاهر‭ ‬والأساليب‭ ‬التي‭ ‬فاقمت‭ ‬العجز‭ ‬والتراجع‭.‬
جاء‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬كتفاعل‭ ‬مباشر‭ ‬مع‭ ‬حالة‭ ‬الغضب‭ ‬الشعبي،‭ ‬ليضع‭ ‬حدًّا‭ ‬لمنظومة‭ ‬اعتُبرت‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬تدهور‭ ‬الأوضاع،‭ ‬ويفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة،‭ ‬رافقتها‭ ‬تطلعات‭ ‬واسعة‭ ‬نحو‭ ‬التغيير‭ ‬الشامل‭. ‬رسمت‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاستثنائية‭ ‬المعلَن‭ ‬عنها‭ ‬آنذاك‭ ‬بداية‭ ‬مسار‭ ‬دستوري‭ ‬وسياسي‭ ‬جديد،‭ ‬تمثّل‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المحطات‭ ‬الأساسية،‭ ‬لعلّ‭ ‬أبرزها‭ ‬تنظيم‭ ‬الاستشارة‭ ‬الوطنية‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬التونسيين،‭ ‬تلاها‭ ‬الاستفتاء‭ ‬على‭ ‬دستور‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2022،‭ ‬أعاد‭ ‬ترتيب‭ ‬الصلاحيات‭ ‬بين‭ ‬السلطات‭ ‬وكرّس‭ ‬نظامًا‭ ‬رئاسيًا‭ ‬معدّلًا‭.‬
ثم‭ ‬تواصل‭ ‬المسار‭ ‬بإجراء‭ ‬انتخابات‭ ‬تشريعية‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2022،‭ ‬بقانون‭ ‬انتخابي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬القائمات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬غيّر‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬السياسية،‭ ‬وأعاد‭ ‬تشكيل‭ ‬البرلمان‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬هيمنة‭ ‬الأحزاب‭ ‬التقليدية‭.‬
وقد‭ ‬اعتبر‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬آنذاك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التحوّلات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تطهير‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬و»القطع‭ ‬مع‭ ‬منظومة‭ ‬الفساد‮»‬،‭ ‬مشدّدًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الحقيقية‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬احترام‭ ‬الإرادة‭ ‬الشعبية‭.‬
وبالتوازي‭ ‬مع‭ ‬المسار‭ ‬السياسي،‭ ‬فقد‭ ‬انطلقت‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬ففُتحت‭ ‬ملفات‭ ‬ثقيلة‭ ‬مثل‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬حيوية،‭ ‬وتم‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬ضد‭ ‬بعض‭ ‬شبكات‭ ‬المصالح‭ ‬التي‭ ‬تغلغلت‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭.‬
كما‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬مشاريع‭ ‬لإصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬الدعم،‭ ‬ومعالجة‭ ‬أوضاع‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية،‭ ‬والتسريع‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬وضعية‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلاحية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬جهود‭ ‬لتطوير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الداخلية‭ ‬المهمّشة،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الهمّ‭ ‬هو‭ ‬القطع‭ ‬نهائيًا‭ ‬مع‭ ‬كافة‭ ‬أشكال‭ ‬التشغيل‭ ‬الهش‭.‬
ورغم‭ ‬صعوبة‭ ‬الظرف‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وما‭ ‬شهده‭ ‬من‭ ‬ضغوطات‭ ‬مالية‭ ‬وتحديات‭ ‬داخلية‭ ‬وخارجية،‭ ‬فإن‭ ‬المؤشرات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تؤكد‭ ‬بأن‭ ‬الجانب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بدأ‭ ‬يتحسّس‭ ‬طريقه‭ ‬نحو‭ ‬الانتعاشة‭. ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية‭ ‬تحسّنًا‭ ‬تدريجيًا،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬السياحة‭ ‬التي‭ ‬استعادت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬نشاطها،‭ ‬والصادرات‭ ‬الفلاحية‭ ‬التي‭ ‬سجلت‭ ‬ارتفاعًا‭ ‬ملحوظًا،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬تطوّر‭ ‬نسبي‭ ‬في‭ ‬نسق‭ ‬الاستثمار‭ ‬العمومي‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭.‬
واليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬انطلاق‭ ‬مسار‭ ‬25‭ ‬جويلية،‭ ‬بدأت‭ ‬ملامح‭ ‬التحوّل‭ ‬تتبلور‭ ‬تدريجيًا‭. ‬فالقرارات‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬2021‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬أزمة‭ ‬سياسية‭ ‬وصحية‭ ‬خانقة،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬كثيرين‭ ‬–‭ ‬مجرّد‭ ‬إجراءات‭ ‬ظرفية،‭ ‬بل‭ ‬مثّلت‭ ‬منطلقًا‭ ‬لإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬وإصلاح‭ ‬منظوماتها‭ ‬المتآكلة‭.‬
واليوم،‭ ‬وبين‭ ‬مؤسسات‭ ‬دستورية‭ ‬جديدة،‭ ‬وبرلمان‭ ‬بصلاحيات‭ ‬مختلفة،‭ ‬واستقرار‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬الحكومي،‭ ‬بدأ‭ ‬هذا‭ ‬المسار،‭ ‬وفقا‭ ‬لملاحظين،‭ ‬يتجه‭ ‬نحو‭ ‬الاقلاع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المنشود،‭ ‬مستندًا‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬تضع‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الخيارات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬منطق‭ ‬الترقيع‭ ‬والمعالجات‭ ‬السطحية‭.‬
فالمسار‭ ‬لم‭ ‬يعُد‭ ‬مجرّد‭ ‬إعلان‭ ‬سياسي،‭ ‬بل‭ ‬بات‭ ‬مشروعًا‭ ‬إصلاحيًا‭ ‬تتضح‭ ‬ملامحه‭ ‬تدريجيًا،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬القرار‭ ‬الوطني،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬بناء‭ ‬نموذج‭ ‬تنموي‭ ‬بديل‭ ‬يضع‭ ‬السيادة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬جوهر‭ ‬الأولويات‭.‬
ورغم‭ ‬التحديات،‭ ‬فإن‭ ‬المؤشرات‭ ‬الحالية‭ ‬تعكس‭ ‬بداية‭ ‬خروج‭ ‬تدريجي‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الانتظار‭ ‬نحو‭ ‬مرحلة‭ ‬التنفيذ‭ ‬الفعلي،‭ ‬وسط‭ ‬رهان‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬الاستمرارية‭ ‬والثبات‭ ‬في‭ ‬التوجه‭ ‬الإصلاحي‭.‬
في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬وتفاعلاً‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021،‭ ‬يرى‭ ‬رئيس‭ ‬لجنة‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين‭ ‬المهني‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬والشباب،‭ ‬كمال‭ ‬فراح،‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬لـ»الصباح‮»‬‭ ‬أنّ‭ ‬مسار‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬جاء‭ ‬كتصحيح‭ ‬للمسار‭ ‬الثوري‭ ‬الذي‭ ‬حاد‭ ‬عن‭ ‬مبادئه،‭ ‬فجاء‭ ‬الاهتمام‭ ‬أولًا‭ ‬بالجانب‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إدخال‭ ‬بعض‭ ‬الإصلاحات،‭ ‬ثم‭ ‬تم‭ ‬لاحقًا‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬مشيرًا‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬الجانب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬شهد‭ ‬إصلاحات‭ ‬جوهرية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬إدماج‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬الأهليّة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات‭ ‬والقرارات‭ ‬المعلن‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭. ‬أمّا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬فقد‭ ‬أكّد‭ ‬محدثنا‭ ‬أنه‭ ‬تمتع‭ ‬بجرعة‭ ‬من‭ ‬الأوكسجين،‭ ‬تُترجمها‭ ‬الديناميكية‭ ‬القوية‭ ‬لإصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاهتمام‭ ‬بمجالات‭ ‬نشطة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬مجال‭ ‬الفسفاط،‭ ‬موضحًا‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته‭ ‬أنّ‭ ‬الجهود‭ ‬تنكب‭ ‬حاليًّا‭ ‬على‭ ‬مجلّتي‭ ‬الاستثمار‭ ‬والصرف،‭ ‬واللتين‭ ‬من‭ ‬شأنهما‭ ‬أن‭ ‬تدفعا‭ ‬نحو‭ ‬الإقلاع‭ ‬المنشود‭.‬
في‭ ‬هذا‭ ‬الخضم،‭ ‬يعتبر‭ ‬متابعون‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬تختلف‭ ‬التقييمات‭ ‬لمسار‭ ‬25‭ ‬جويلية،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عليه‭ ‬كثيرون‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭ ‬ليست‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬تاريخ‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭. ‬فالمشهد‭ ‬تغيّر،‭ ‬والمعايير‭ ‬تبدّلت،‭ ‬والنقاش‭ ‬السياسي‭ ‬بات‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬الأولويات‭ ‬التنموية،‭ ‬والسيادة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ومحاربة‭ ‬الفساد،‭ ‬وهي‭ ‬مواضيع‭ ‬كانت‭ ‬محل‭ ‬إهمال‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬سياقات‭ ‬سياسية‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭.‬
صحيح‭ ‬أن‭ ‬الرهانات‭ ‬والتحديات‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكنّ‭ ‬الأسس‭ ‬وُضعت،‭ ‬ومعالم‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬توصيف‭ ‬كثيرين‭ ‬–‭ ‬بدأت‭ ‬تأخذ‭ ‬شكلها‭ ‬السياسي‭ ‬والمؤسساتي‭ ‬والاقتصادي‭.‬

منال‭ ‬حرزي