صادق مجلس نواب الشعب مساء أمس بقصر باردو على مشروع القانون الأول المدرج بجدول أعمال جلسته العامة المبرمجة لأيام الثلاثاء والأربعاء والخميس 22 و23 و24 جويلية 2025، ويتعلق هذا المشروع بالموافقة على اتفاقية القرض المُبرمة بتاريخ 20 نوفمبر 2024 بين الجمهورية التونسية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، بمبلغ قدره 10 ملايين دينار كويتي، أي ما يعادل 102 فاصل 915 مليون دينار تونسي و32 فاصل 62 مليون دولار أمريكي، للمساهمة في تمويل مشروع تجديد وتطوير خطوط السكة الحديدية لنقل الفسفاط.
على أن يتم النظر اليوم في مشروع قانون يتعلّق بالموافقة على اتفاقية الضمان المُبرمة بتاريخ 12 مارس 2025 بين الجمهورية التونسية والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة والمتعلقة باتفاقية المرابحة المبرمة بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز والمؤسسة المذكورة للمساهمة في تمويل استيراد الغاز الطبيعي، ثم سيتم في آخر مرحلة النظر في مقترح قانون يتعلّق بتنقيح بعض أحكام المجلة الجزائية، وخاصة الفصل 96 المثير للجدل.
وينص مقترح القانون المتعلق بتنقيح بعض الأحكام الجزائية في صيغته الواردة في تقرير لجنة التشريع العام المنتظر عرضه على أنظار الجلسة العامة على فصل وحيد كما يلي: تلغى أحكام الفصل 96 والفصل 98 من المجلة الجزائية وتعوَّض بالأحكام التالية:
الفصل 96 جديد: يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام وبخطية تساوي قيمة المضرة الحاصلة للإدارة، الموظف العمومي أو شبهه، وكل مستخدم في مؤسسة اقتصادية أو اجتماعية تساهم الدولة في رأسمالها، المكلف بمقتضى وظيفة ببيع أو صنع أو شراء أو إدارة أو حفظ أي مكاسب، الذي تعمد استغلال صفته ليلحق ضرراً مادياً بالإدارة مقابل استخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره. وإذا حصل الإضرار بمؤسسة تساهم الدولة في رأسمالها، فإن الخطية تحتسب بقدر نسبة إسهامها فيها.
الفصل 98 جديد: على المحكمة في جميع الصور المنصوص عليها بالفصل 96 جديد أن تحكم فضلاً عن العقوبات المبينة بهذا الفصل برد ما وقع الاستيلاء عليه أو اختلاسه أو قيمة ما حصل عليه من منفعة أو ربح، ولو انتقلت إلى أصول الفاعل أو فروعه أو إخوته أو زوجه أو أصهاره، وسواء بقيت تلك الأموال على حالها أو وقع تحويلها إلى مكاسب أخرى. ولا يتحرر هؤلاء من هذا الحكم إلا إذا أثبتوا أن مأتى هذه الأموال أو المكاسب لم يكن من متحصل الجريمة، مع مراعاة الفقرة الثانية من الفصل 69 جديد. وللمحكمة في جميع الصور الواردة بالفصل المذكور أن تسلط إحدى العقوبات التكميلية المقررة بالفصل الخامس من المجلة الجزائية على من تثبت إدانته.
تنمية الحوض المنجمي
وفي ما يتعلق باتفاقية قرض الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية للمساهمة في تمويل مشروع تجديد خطوط السكة الحديدية لنقل الفسفاط وتطويرها، فقد عبر العديد من النواب أمس خلال جلستهم العامة التي دارت بحضور وزير الاقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ، عن قلقهم من تواصل سياسة الاقتراض، خاصة في ظل عدم وضوح الرؤية حول منوال التنمية الجديد، وغياب خطة استشرافية بعيدة المدى للنهوض بالقطاعات الاستراتيجية وفي مقدمتها قطاع الفسفاط وتحسين الإنتاج، وتنمية منطقة الحوض المنجمي، والعناية بالبنية التحتية والحد من التلوث البيئي الذي تعاني منه ولايات قفصة وقابس وصفاقس.
وهناك من طالبوا بتوفير الماء الصالح للشرب لمتساكني جهاتهم، وتلافي الانقطاعات المتكررة للماء والكهرباء، واستكمال إنجاز المشاريع المبرمجة في المخطط التنموي، والتسريع في حلحلة المشاريع المعطلة، وإعادة هيكلة المؤسسات والمنشآت العمومية التي تعاني من صعوبات مثل الخطوط التونسية.
وفي هذا السياق، اقترح هشام حسني، النائب غير المنتمي إلى كتل، التفكير في إيجاد بديل للاقتراض الخارجي بالعملة الصعبة من خلال إدراج الشركات العمومية في البورصة، وتساءل عن موعد إصدار كراسات الشروط الجديدة التي أعلنت وزارة الاقتصاد والتخطيط منذ أمد بعيد أنها جاهزة لتعويض التراخيص.
ومن المطالب الأخرى التي توجه بها النواب، الحد من الفساد الإداري، واستعادة الدولة لسيادتها الكاملة على ثرواتها الوطنية، ومراجعة تصنيف مادة الفسفوجبس وإخراجها من قائمة المواد الخطرة حتى يقع توظيفها، في حين هناك من تمسكوا بمطلب إخراج السكة الحديدية التي تشق مدينة صفاقس من مواطن العمران لأنها تشكل خطراً كبيراً على حياة المواطنين.
في حين شدد آخرون على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، وذهب النائب رشدي الرويسي إلى أبعد من ذلك وتساءل عن آليات الرقابة اللاحقة على القروض، وطالب النواب بإسقاط القرض المعروض على الجلسة العامة في حال عدم الاعتراف بالدور الرقابي اللاحق لمجلس نواب الشعب على القروض التي يصادق عليها.
ملفات فساد
تحدث محمد اليحياوي، النائب عن كتلة الأمانة والعمل، عن واقع الحوض المنجمي ووصفه بالأليم، وأضاف أن نقل الفسفاط ما زال يراوح مكانه منذ الفترة الاستعمارية رغم أهميته الاقتصادية، فهو يمثل بين 7 و10 بالمائة من الناتج الإجمالي ويوفر طاقة تشغيلية كبرى، وطالب بفتح ملف التجديد التكنولوجي في الحوض المنجمي لأنه من غير المقبول أن يتواصل نقل الفسفاط إلى اليوم عبر سكك متهالكة. وعبر عن استغرابه من غياب قطع الغيار في قطاع استراتيجي مثل الفسفاط، والحال أنه تم منذ سنوات إنجاز دراسة حول النقل الهيدروليكي تقوم على ربط أربع معتمديات بالحوض المنجمي بالأشرطة المتحركة الهيدروليكية الناقلة للفسفاط بين المنجم والمغسلة، مما سيمكن من الزيادة في سرعة الإنتاج وسيضغط على الكلفة، لكن في تونس تم اختيار النقل الحديدي بإرثه الثقيل وضعفه على المستوى الاقتصادي. ولاحظ اليحياوي أن دول الجوار تنقل الفسفاط في مضخات هيدروليكية من الحوض المنجمي في اتجاه الموانئ العميقة مباشرة للتصدير، وهي بذلك قد تقدمت على تونس بأشواط كبيرة. واستفسر النائب عن رؤية الحكومة لتنمية الإنتاج وعن الاستعدادات التي تم القيام بها لبلوغ النتائج التي تم توقعها والمتمثلة في إنتاج 13.6 مليون طن في غضون سنة 2030، ولاحظ أن نقل الفسفاط من الحوض المنجمي إلى المركب الكيميائي تسيطر عليه الشركات الخاصة، وأصبح النقل يمثل عائقًا لتنمية القطاع ويساهم في ارتفاع الكلفة، وتساءل اليحياوي عن دور الوزارة في تطوير هذا القطاع. وأشار إلى ضعف التجديد التكنولوجي داخل الحوض المنجمي على مستوى التجهيزات وقطع الغيار والآلات المستعملة، وطالب بوضع رؤية استراتيجية لتطوير هذا القطاع لما له من انعكاسات كبيرة على المستوى الاقتصادي. كما تساءل النائب عن مآل ما وصفه بملفات فساد، منها ما يعود إلى سنة 2013 ومنها ما يعود إلى سنة 2019، وذلك في علاقة بصفقات متعلقة بالقطارات في حدود 33 مليون دينار واقتناء 20 قاطرة بمبلغ 165 مليون دينار، ووصف صفقة اقتناء القاطرات بالفاشلة لأن عرض السكة لا يتناسب مع هذه القاطرات، كما أن هذه القاطرات غير قادرة على الولوج إلى المغارة. وأشار إلى مشاكل شركات البيئة والبستنة والدراسات بالخوض المنجمي، وتساءل عن رؤية الوزارة لهذه الشركات التي تستفيد منذ سنة 2011 بأجور مرتفعة تتحملها شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي، واستفسر إن تم فتح تحقيق حول الشركة التي تم اعتمادها منذ سنة 2019، وهي عبارة عن وسيط هندي يقوم بالترويج للفسفاط وبيعه بضمان الدولة التونسية. كما تطرق النائب إلى انعكاسات الفسفاط على الحوض المنجمي، فهذا القطاع مهم اقتصاديًا، لكنه تساءل عما قدمه القطب التنموي لأهالي الحوض المنجمي وعن آثاره الصحية، فالسكان يعانون من التلوث والأمراض الخطيرة، ويجب إلى جانب تطوير الحوض المنجمي أن يقع الاهتمام بالآثار الصحية وتفعيل شركة القطب التنموي بقفصة لتطوير التنمية على مستوى الفلاحة أو على مستوى بعض القطاعات الأخرى اعتمادًا على عائدات الفسفاط، ويجب إحداث مشروع تنموي متكامل في هذه المناطق. وذكر أن قيمة القرض في حدود مائة مليون دينار، ولكن هل أن هذا المبلغ يكفي لتطوير قطاع الفسفاط في قفصة؟
اعتماد النقل البري
أما النائب عن الكتلة الوطنية المستقلة سامي الرايس فقد أثنى على المجهودات التي بذلها أعوان الحماية المدنية لحماية المحصول الزراعي والشواطئ وخاصة حماية المدنيين والممتلكات الخاصة، فمنذ شهر جوان إلى غاية 20 جويلية أمنوا 128 تدخلاً وتم إخماد حرائق بالمحول الكهربائي بمنوبة ومصنع الملابس المستعملة ببئر مشارقة وحرائق بالمنستير والمهدية. ولدى حديثه عن مشروع القانون المعروض على أنظار الجلسة العامة أشار الرايس إلى أن قطاع الفسفاط يساهم بنسبة 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي و6 بالمائة من الصادرات، ولكن هذا القطاع عرف إشكاليات هيكلية منذ سنة 2011 وحتى قبل ذلك، وأمام تعدد الوزراء فإن الرؤية ما زالت غير واضحة ولم يقع وضع استراتيجية مناسبة لقطاع الفسفاط رغم أهمية هذا القطاع للاقتصاد التونسي. وذكر أنه سبق للمجلس النيابي في جوان 2024 أن صادق على قرض سعودي لدعم الفسفاط، ويرى أنه لا بد من الربط بين القرض السعودي والقرض الكويتي لتمويل المشروع المرتقب والمتمثل في إعادة تأهيل السكك الحديدية واقتناء القاطرات، والذي سينطلق في الفترة الممتدة بين 2026 و2028، لكن في ظل قانون الصفقات العمومية المعمول به حاليًا، يمكن حسب رأي النائب أن تنتهي المدة النيابية دون أن يقع اقتناء القاطرات ونقل الفسفاط بالوتيرة التي يتطلع إليها النواب. وتساءل الرايس عن سبب عدم حلحلة الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية الموجودة في الحوض المنجمي بالتوازي مع تجديد السكة، وعن سبب عدم التوجه إلى النقل البري. وفسر أن النقل البري لا يتعارض مع قانون منع المناولة لأن نقل الفسفاط ليس من صميم عمل شركة فسفاط قفصة، وبالتالي لا يعتبر مناولة يد عاملة، وذكر أن عملية إسداء الخدمات بالنسبة لقطاع الفسفاط لا تعتبر مناولة، ويرى النائب أن الحل الوحيد هو الاعتماد على النقل البري إلى حين تجديد السكة الحديدية.
تشغيل المعطلين
وقال النائب محمد الشعباني عن كتلة «لينتصر الشعب» إن المبادرة التي تهم المعطلين عن العمل ممن طالبت بطالتهم جاهزة لأن لجنة التخطيط صادقت عليها، ودعا مكتب المجلس النيابي إلى التسريع في عرضها على الجلسة العامة قبل العطلة البرلمانية لطمأنة الشعب، وذكر أنه يترقب مبادرات أخرى لتشغيل كافة المعطلين عن العمل. وأضاف أن الجلسة العامة ليوم أمس خصصت للنظر في قرض آخر، وأصبحت وظيفة النواب حسب رأيه تتمثل في تمرير القروض، وهو ما يدعو للتساؤل عن سبب اللجوء إلى الاقتراض لتمويل قطاع الفسفاط، والحال أن هذا القطاع هو الذي من المفروض أن يوفر الثروة للبلاد، وذكر أنه يجب وضع خطة استراتيجية للنهوض بقطاع الفسفاط، وعبر عن خشيته من تحويل وجهة هذا القرض لتمويل مجالات أخرى وليس لتمويل نقل الفسفاط. كما تحدث النائب عن التأثيرات السلبية للفسفاط في منطقة الحوض المنجمي، وذكر أن ماجل بلعباس وفريانة قريبتان جغرافيًا من مناطق إنتاج الفسفاط، وهما بدورهما معرضتان للأضرار، وتساءل لماذا لا يتم بعث شركات بستة في فريانة وماجل بلعباس. وذكر أنه من بين العجائب أن معتمدية ماجل بلعباس تحتوي على محطة لضخ الغاز، لكن هذه المعتمدية لا تتمتع بالربط بالغاز الطبيعي، ونفس الشيء بالنسبة إلى تلابت، كما تعاني بعض المناطق بالقصرين من الانقطاع المتكرر للكهرباء.
مشاريع ذات أولوية
بين محمد بن حسين، النائب غير المنتمي إلى الكتل، أن مشروع اتفاقية القرض المعروض على الجلسة العامة لا يثير أي مشكل نظرًا لأهمية قطاع الفسفاط في الاقتصاد الوطني، ولأنه من المهم دعم نقل الفسفاط. لذلك، خير الحديث في مداخلته عن جهته المهدية، وتساءل عن المشاريع المدرجة في المخطط التنموي، ولاحظ أن بعض المشاريع التي تم إدراجها لا تُعتبر ذات أولوية على غرار مضاعفة خط السكة الحديدية المكنين - المهدية. وفسر أن مطلب ولاية المهدية يتمثل في مد خط السكة الحديدية في اتجاه المعتمديات الداخلية وربط مركز الولاية بمملوش وقصور الساف. وأضاف أن أعضاء المجالس المحلية يقومون بجهود كبيرة، لكن لا يتم الإنصات إلى مطالبهم، وفي المقابل يتم التركيز على مشروع مضاعفة خط السكة الحديدية كما لو أنه لا يوجد مشروع معطل غيره. وأضاف أن أغلب المشاريع معطلة ويتم التعلل بأن طلبات العروض غير مثمرة وبنقص الاعتمادات. وطالب بن حسين بمنح الأولوية لتنمية معتمدية البرادعة على اعتبار أنها معتمدية جديدة وممتدة جغرافيًا، ونفس الشيء ينسحب على معتمدية رجيش. ودعا النائب وزير الاقتصاد والتخطيط إلى إرسال فريق عمل للمعتمديات المحدثة بهدف وضع مخطط جديد لتنميتها.
تلوث بيئي
أشار محمد علي، النائب عن كتلة الخط الوطني السيادي، إلى أن إنتاج الفسفاط منذ سنوات لم يتجاوز 3.5 مليون طن، وهذا يعود إلى عدة أسباب معلومة من قبل الجميع، ومنها تدهور الأسطول وتعطل اقتناء التقنيات اللازمة لاستخراج الفسفاط أو لنقله إلى المغاسل، وضعف نسبة التأطير التي تبلغ 6 بالمائة، وذلك مع غياب الانتداب لتعويض 250 عونًا يغادرون سنويًا للتقاعد، فضلًا عن الوضع الكارثي للمناخ الاجتماعي وإحساس المواطنين بالحرمان من المرافق الحياتية المتمثلة في الماء والكهرباء والنقل والصحة والتنمية. فالشباب يعيش دون أفق وفي بيئة كارثية ملوثة بنفايات الفسفاط وغبار المناجم والغازات السامة المنبعثة من المصنع الكيميائي والمياه الطينية وتسربات الغازات لما تبقى من المائدة المائية التي استنزفتها مغاسل الفسفاط والمصانع، إضافة إلى غياب مخطط عملي لحماية البيئة وغياب المسؤولية المجتمعية للمؤسسات. وذكر أنه حين يتم تحويل المسؤولية الاجتماعية إلى ذر رماد على العيون ويتم الاقتصار على دعم بعض الجمعيات الرياضية والمهرجانات فإن هذا يصبح ضحكًا على الذقون ولا يؤدي إلا إلى تعكير المناخ الاجتماعي. وبين النائب أنه من المنطقي أن يتم الاحتجاج على تهميش الحوض المنجمي، ولاحظ الضعف الكبير في عملية التفاوض بين الطرف الاجتماعي والطرف الإداري، مما أدى إلى التهديد بالإضراب في علاقة بمطالب بسيطة، مما عطل المفاوضات حول ملفات أساسية من قبيل تغيير القانون الأساسي للشركة والساعات الإضافية والانتدابات، إضافة إلى مقترحات سلطة الإشراف بخصوص فتح مناظرة وطنية وعدم القيام بمناظرة جهوية أو منح التمييز الإيجابي للمعطلين عن العمل في الجهة الذين يصطفون في طوابير انتظار طويلة. ونبه النائب من مخاطر تكرار نفس ما حصل مع المناظرات التي شابتها المحسوبية والمحاصصة والرشوة، وذكر أنه من المفروض إسناد مهمة تنظيم هذه المناظرة لمكتب مختص مثلما حصل سنة 2019، وتحميل الدولة مسؤولية إنجاح هذه المناظرة لتحسين وضعية شركة فسفاط قفصة. ولاحظ تشتت الإدارة بين الشركة والمصنع الكيميائي وطالب بتوحيدها، وتساءل إن كان هذا القرض سيغير الوضع، والحال أن تمويل المشروع يتم على مراحل متباعدة وذلك بقروض خارجية، إذ تمت الموافقة خلال السنة الماضية على قرض من السعودية لاستكمال نفس المشروع. وذكر أنه من الغريب أن يتم اللجوء إلى الاقتراض لفائدة شركة ربحية، فسعر الطن وصل إلى 348.5 دولار سنة 2023، لكن تم تفويت فرصة تاريخية على البلاد للحد من المديونية وتوفير ثروة طائلة من العملة الصعبة اللازمة لتحقيق التوازنات المالية والتنمية بمحيط الشركة. وذكر محمد علي أنه لن يتحدث عن إغراق تونس في الديون ولن يقول مرة أخرى إن البرلمان التونسي كاد أن يتحول إلى برلمان قروض، لكن تونس فعلاً غارقة في المديونية وتم فعلاً إثقال كاهل الشعب التونسي بالديون، وذكر أنه عند عرض مشاريع القروض يجد البرلمان نفسه بين المطرقة والسندان. وخلص إلى أنه قبل الحديث عن نقل الفسفاط يجب إصلاح وضعية إنتاج الفسفاط ومرافقة الشركة للقيام بإصلاحات إدارية حقيقية بقانون إطاري جديد وإجراءات عملية تحول دون حصول أزمات واحتقان اجتماعي، واقترح على الحكومة أن يتم حل مشكل السكة بالتوازي مع حل المشكل الاجتماعي في الجهة بسبب النقائص الكبرى في المرافق الحياتية.
تمويل المشروع
وتعقيبًا على مداخلات النواب، قدم سمير عبد الحفيظ، وزير الاقتصاد والتخطيط، تفاصيل حول مشروع القانون الذي تمت إحالته إلى مجلس نواب الشعب منذ شهر جانفي والمتعلق بالموافقة على اتفاقية القرض المُبرمة بتاريخ 20 نوفمبر 2024 بين الجمهورية التونسية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، للمساهمة في تمويل مشروع تجديد وتطوير خطوط السكة الحديدية لنقل الفسفاط، المعروض على أنظار الجلسة العامة. وذكر أن قطاع الفسفاط يساهم بنسبة تتجاوز 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما يساهم بنسبة تفوق 6 بالمائة من الصادرات.
وأضاف أن الكلفة الجملية لمشروع تجديد خطوط السكة الحديدية لنقل الفسفاط وتطويرها تقدر بنحو 522.231 مليون دينار تونسي، وهو مشروع يتكون من أعمال مدنية بقيمة 459.606 مليون دينار تتمثل في تجديد 190 كلم من السكة ذات الأولوية لشبكة الجنوب، وتركيز مصنع للعوارض الخراسانية، وخدمات استشارية من مراقبة ومتابعة الأشغال بقيمة 15.143 مليون دينار. ويعتبر هذا القسط مرحلة أولى من مشروع تجديد الخطوط التي تؤمن نقل الفسفاط وتقويتها. وسيشمل المشروع، حسب قوله، جزءًا من شبكة نقل الفسفاط الواقعة بالجنوب التونسي موزعة على ولايات صفاقس (الخط 17) وقفصة (الخط 14 والخط 21) وقابس (الخط 5 والخط 21)، أما الجزء المعني باتفاقية القرض الممولة من قبل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية فهو يمتد على حوالي 50 كلم على الخط 21.
ولدى حديثه عن مصادر تمويل المشروع، بين عبد الحفيظ أنه إضافة إلى قرض الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية بقيمة تقارب 103 ملايين دينار تونسي، يتم تمويل هذا المشروع من خلال ميزانية الدولة بقيمة 82 مليون دينار، وقرض من الصندوق السعودي للتنمية بقيمة 183 مليون دينار وقد وقعت المصادقة على هذا القرض من قبل مجلس نواب الشعب في وقت سابق، وقرض من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بقيمة 16 مليون دينار كويتي، أي ما يعادل 155 مليون دينار تونسي. وقد تم يوم 23 ماي 2025 توقيع اتفاقية مع هذا الصندوق، وتمت الموافقة على القرض من قبل مجلس إدارته يوم 13 جويلية الجاري، وسيتم عن قريب إحالة هذا القرض على المجلس النيابي. وبهذه الكيفية يقع الانتهاء من توفير التمويلات اللازمة لتأهيل 190 كلم من السكة الحديدية، وسينتهي التأهيل سنتين بعد الانطلاق في الأشغال.
واستعرض الوزير إثر ذلك أهداف المشروع، وهي تتمثل في تجديد جزء من الخطوط التي تؤمن نقل الفسفاط وتقويتها، والترفيع في طاقة شركة فسفاط قفصة لنقل كميات الفسفاط المنتجة والمحولة، بما يساهم في تحقيق انتعاشة مالية لجميع الشركات ذات العلاقة بالقطاع من ناحية، وتحسن الاقتصاد الوطني من ناحية أخرى.
النقل العمومي
وتفاعلاً مع النواب الذين انتقدوا وضعية النقل في تونس، أقر الوزير سمير عبد الحفيظ بوجود نقائص وطمأنهم أن النقل العمومي يحظى بمتابعة رئيس الجمهورية نظرًا لتردي خدماته ولمعاناة المواطن اليومية من هذه الخدمات، ولتكرر إلغاء السفرات وتقادم الأسطول، ولكن أمكن نسبيًا تجاوز إشكاليات النقل بواسطة الحافلات من خلال اقتناء الحافلات لفائدة شركة نقل تونس والشركات الجهوية للنقل. وبين أنه على مستوى النقل الحديدي تمت متابعة المشاريع التي تواجه إشكاليات في التنفيذ ومعالجتها، وأشار إلى تقدم إنجاز مشروع الشبكة الحديدية السريعة «آر إف آر»، كما تم خلال مجلس وزاري بحث الحلول الممكنة للخط الحديدي الرابط بين تونس والقصرين، والخط الرابط بين مكنين والمهدية.
وبخصوص مشروع مضاعفة السكة بين مكنين والمهدية، قال عبد الحفيظ ردًا على النائب محمد بن حسين إن الدولة انخرطت في هذا المشروع منذ سنوات وتم البحث عن تمويلات وهذه التمويلات متوفرة، كما تم الانطلاق في إنجاز بعض العناصر، ومن غير المعقول أن يتم اليوم إلغاء هذا المشروع. وذكر أن النقل الحديدي سيتم دعمه في إطار المخطط التنموي 2026 ـ 2030، وسيُعمل على تأهيل كامل الشبكة الحديدية.
واستعرض الوزير سمير عبد الحفيظ إثر ذلك مضامين استراتيجية الدولة في النقل الحديدي وبرنامج عمل الشركة الوطنية للسكك الحديدية المتكون من أربعة عناصر، وهي حسب قوله على التوالي: أولاً استعادة التوازن المالي للشركة، ثانيًا إنجاز البرنامج الاستثماري، ثالثًا استكمال إنجاز المشاريع في الآجال مثل تأهيل الخط رقم 6 بين تونس والقصرين ومضاعفة الخط 22 الرابط بين المكنين والمهدية، رابعًا إعادة استغلال الخطوط المغلقة مثل خط تونس - طبرقة وخط القيروان - النفيضة وكذلك الخط 11 بين القصرين والقلعة الصغرى.
كما عبر الوزير في مداخلته عن حرص تونس الشديد على حسن التعامل مع الشركاء الأجانب، لأن هؤلاء الشركاء تربطهم علاقات اقتصادية متميزة مع تونس، ولأنهم يعرفون أن تونس عندما تقترض هي قادرة على الإيفاء بتعهداتها.
وإثر الاستماع إلى ردود وزير الاقتصاد والتخطيط، صادق مجلس نواب الشعب على مشروع القانون المتعلق بالموافقة على اتفاقية القرض المُبرمة بتاريخ 20 نوفمبر 2024 بين الجمهورية التونسية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية للمساهمة في تمويل مشروع تجديد وتطوير خطوط السكة الحديدية لنقل الفسفاط، وكانت نتيجة التصويت كما يلي: 69 موافقون، و17 محتفظون، و12 رافضون.
سعيدة بوهلال
صادق مجلس نواب الشعب مساء أمس بقصر باردو على مشروع القانون الأول المدرج بجدول أعمال جلسته العامة المبرمجة لأيام الثلاثاء والأربعاء والخميس 22 و23 و24 جويلية 2025، ويتعلق هذا المشروع بالموافقة على اتفاقية القرض المُبرمة بتاريخ 20 نوفمبر 2024 بين الجمهورية التونسية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، بمبلغ قدره 10 ملايين دينار كويتي، أي ما يعادل 102 فاصل 915 مليون دينار تونسي و32 فاصل 62 مليون دولار أمريكي، للمساهمة في تمويل مشروع تجديد وتطوير خطوط السكة الحديدية لنقل الفسفاط.
على أن يتم النظر اليوم في مشروع قانون يتعلّق بالموافقة على اتفاقية الضمان المُبرمة بتاريخ 12 مارس 2025 بين الجمهورية التونسية والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة والمتعلقة باتفاقية المرابحة المبرمة بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز والمؤسسة المذكورة للمساهمة في تمويل استيراد الغاز الطبيعي، ثم سيتم في آخر مرحلة النظر في مقترح قانون يتعلّق بتنقيح بعض أحكام المجلة الجزائية، وخاصة الفصل 96 المثير للجدل.
وينص مقترح القانون المتعلق بتنقيح بعض الأحكام الجزائية في صيغته الواردة في تقرير لجنة التشريع العام المنتظر عرضه على أنظار الجلسة العامة على فصل وحيد كما يلي: تلغى أحكام الفصل 96 والفصل 98 من المجلة الجزائية وتعوَّض بالأحكام التالية:
الفصل 96 جديد: يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام وبخطية تساوي قيمة المضرة الحاصلة للإدارة، الموظف العمومي أو شبهه، وكل مستخدم في مؤسسة اقتصادية أو اجتماعية تساهم الدولة في رأسمالها، المكلف بمقتضى وظيفة ببيع أو صنع أو شراء أو إدارة أو حفظ أي مكاسب، الذي تعمد استغلال صفته ليلحق ضرراً مادياً بالإدارة مقابل استخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره. وإذا حصل الإضرار بمؤسسة تساهم الدولة في رأسمالها، فإن الخطية تحتسب بقدر نسبة إسهامها فيها.
الفصل 98 جديد: على المحكمة في جميع الصور المنصوص عليها بالفصل 96 جديد أن تحكم فضلاً عن العقوبات المبينة بهذا الفصل برد ما وقع الاستيلاء عليه أو اختلاسه أو قيمة ما حصل عليه من منفعة أو ربح، ولو انتقلت إلى أصول الفاعل أو فروعه أو إخوته أو زوجه أو أصهاره، وسواء بقيت تلك الأموال على حالها أو وقع تحويلها إلى مكاسب أخرى. ولا يتحرر هؤلاء من هذا الحكم إلا إذا أثبتوا أن مأتى هذه الأموال أو المكاسب لم يكن من متحصل الجريمة، مع مراعاة الفقرة الثانية من الفصل 69 جديد. وللمحكمة في جميع الصور الواردة بالفصل المذكور أن تسلط إحدى العقوبات التكميلية المقررة بالفصل الخامس من المجلة الجزائية على من تثبت إدانته.
تنمية الحوض المنجمي
وفي ما يتعلق باتفاقية قرض الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية للمساهمة في تمويل مشروع تجديد خطوط السكة الحديدية لنقل الفسفاط وتطويرها، فقد عبر العديد من النواب أمس خلال جلستهم العامة التي دارت بحضور وزير الاقتصاد والتخطيط سمير عبد الحفيظ، عن قلقهم من تواصل سياسة الاقتراض، خاصة في ظل عدم وضوح الرؤية حول منوال التنمية الجديد، وغياب خطة استشرافية بعيدة المدى للنهوض بالقطاعات الاستراتيجية وفي مقدمتها قطاع الفسفاط وتحسين الإنتاج، وتنمية منطقة الحوض المنجمي، والعناية بالبنية التحتية والحد من التلوث البيئي الذي تعاني منه ولايات قفصة وقابس وصفاقس.
وهناك من طالبوا بتوفير الماء الصالح للشرب لمتساكني جهاتهم، وتلافي الانقطاعات المتكررة للماء والكهرباء، واستكمال إنجاز المشاريع المبرمجة في المخطط التنموي، والتسريع في حلحلة المشاريع المعطلة، وإعادة هيكلة المؤسسات والمنشآت العمومية التي تعاني من صعوبات مثل الخطوط التونسية.
وفي هذا السياق، اقترح هشام حسني، النائب غير المنتمي إلى كتل، التفكير في إيجاد بديل للاقتراض الخارجي بالعملة الصعبة من خلال إدراج الشركات العمومية في البورصة، وتساءل عن موعد إصدار كراسات الشروط الجديدة التي أعلنت وزارة الاقتصاد والتخطيط منذ أمد بعيد أنها جاهزة لتعويض التراخيص.
ومن المطالب الأخرى التي توجه بها النواب، الحد من الفساد الإداري، واستعادة الدولة لسيادتها الكاملة على ثرواتها الوطنية، ومراجعة تصنيف مادة الفسفوجبس وإخراجها من قائمة المواد الخطرة حتى يقع توظيفها، في حين هناك من تمسكوا بمطلب إخراج السكة الحديدية التي تشق مدينة صفاقس من مواطن العمران لأنها تشكل خطراً كبيراً على حياة المواطنين.
في حين شدد آخرون على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، وذهب النائب رشدي الرويسي إلى أبعد من ذلك وتساءل عن آليات الرقابة اللاحقة على القروض، وطالب النواب بإسقاط القرض المعروض على الجلسة العامة في حال عدم الاعتراف بالدور الرقابي اللاحق لمجلس نواب الشعب على القروض التي يصادق عليها.
ملفات فساد
تحدث محمد اليحياوي، النائب عن كتلة الأمانة والعمل، عن واقع الحوض المنجمي ووصفه بالأليم، وأضاف أن نقل الفسفاط ما زال يراوح مكانه منذ الفترة الاستعمارية رغم أهميته الاقتصادية، فهو يمثل بين 7 و10 بالمائة من الناتج الإجمالي ويوفر طاقة تشغيلية كبرى، وطالب بفتح ملف التجديد التكنولوجي في الحوض المنجمي لأنه من غير المقبول أن يتواصل نقل الفسفاط إلى اليوم عبر سكك متهالكة. وعبر عن استغرابه من غياب قطع الغيار في قطاع استراتيجي مثل الفسفاط، والحال أنه تم منذ سنوات إنجاز دراسة حول النقل الهيدروليكي تقوم على ربط أربع معتمديات بالحوض المنجمي بالأشرطة المتحركة الهيدروليكية الناقلة للفسفاط بين المنجم والمغسلة، مما سيمكن من الزيادة في سرعة الإنتاج وسيضغط على الكلفة، لكن في تونس تم اختيار النقل الحديدي بإرثه الثقيل وضعفه على المستوى الاقتصادي. ولاحظ اليحياوي أن دول الجوار تنقل الفسفاط في مضخات هيدروليكية من الحوض المنجمي في اتجاه الموانئ العميقة مباشرة للتصدير، وهي بذلك قد تقدمت على تونس بأشواط كبيرة. واستفسر النائب عن رؤية الحكومة لتنمية الإنتاج وعن الاستعدادات التي تم القيام بها لبلوغ النتائج التي تم توقعها والمتمثلة في إنتاج 13.6 مليون طن في غضون سنة 2030، ولاحظ أن نقل الفسفاط من الحوض المنجمي إلى المركب الكيميائي تسيطر عليه الشركات الخاصة، وأصبح النقل يمثل عائقًا لتنمية القطاع ويساهم في ارتفاع الكلفة، وتساءل اليحياوي عن دور الوزارة في تطوير هذا القطاع. وأشار إلى ضعف التجديد التكنولوجي داخل الحوض المنجمي على مستوى التجهيزات وقطع الغيار والآلات المستعملة، وطالب بوضع رؤية استراتيجية لتطوير هذا القطاع لما له من انعكاسات كبيرة على المستوى الاقتصادي. كما تساءل النائب عن مآل ما وصفه بملفات فساد، منها ما يعود إلى سنة 2013 ومنها ما يعود إلى سنة 2019، وذلك في علاقة بصفقات متعلقة بالقطارات في حدود 33 مليون دينار واقتناء 20 قاطرة بمبلغ 165 مليون دينار، ووصف صفقة اقتناء القاطرات بالفاشلة لأن عرض السكة لا يتناسب مع هذه القاطرات، كما أن هذه القاطرات غير قادرة على الولوج إلى المغارة. وأشار إلى مشاكل شركات البيئة والبستنة والدراسات بالخوض المنجمي، وتساءل عن رؤية الوزارة لهذه الشركات التي تستفيد منذ سنة 2011 بأجور مرتفعة تتحملها شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي، واستفسر إن تم فتح تحقيق حول الشركة التي تم اعتمادها منذ سنة 2019، وهي عبارة عن وسيط هندي يقوم بالترويج للفسفاط وبيعه بضمان الدولة التونسية. كما تطرق النائب إلى انعكاسات الفسفاط على الحوض المنجمي، فهذا القطاع مهم اقتصاديًا، لكنه تساءل عما قدمه القطب التنموي لأهالي الحوض المنجمي وعن آثاره الصحية، فالسكان يعانون من التلوث والأمراض الخطيرة، ويجب إلى جانب تطوير الحوض المنجمي أن يقع الاهتمام بالآثار الصحية وتفعيل شركة القطب التنموي بقفصة لتطوير التنمية على مستوى الفلاحة أو على مستوى بعض القطاعات الأخرى اعتمادًا على عائدات الفسفاط، ويجب إحداث مشروع تنموي متكامل في هذه المناطق. وذكر أن قيمة القرض في حدود مائة مليون دينار، ولكن هل أن هذا المبلغ يكفي لتطوير قطاع الفسفاط في قفصة؟
اعتماد النقل البري
أما النائب عن الكتلة الوطنية المستقلة سامي الرايس فقد أثنى على المجهودات التي بذلها أعوان الحماية المدنية لحماية المحصول الزراعي والشواطئ وخاصة حماية المدنيين والممتلكات الخاصة، فمنذ شهر جوان إلى غاية 20 جويلية أمنوا 128 تدخلاً وتم إخماد حرائق بالمحول الكهربائي بمنوبة ومصنع الملابس المستعملة ببئر مشارقة وحرائق بالمنستير والمهدية. ولدى حديثه عن مشروع القانون المعروض على أنظار الجلسة العامة أشار الرايس إلى أن قطاع الفسفاط يساهم بنسبة 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي و6 بالمائة من الصادرات، ولكن هذا القطاع عرف إشكاليات هيكلية منذ سنة 2011 وحتى قبل ذلك، وأمام تعدد الوزراء فإن الرؤية ما زالت غير واضحة ولم يقع وضع استراتيجية مناسبة لقطاع الفسفاط رغم أهمية هذا القطاع للاقتصاد التونسي. وذكر أنه سبق للمجلس النيابي في جوان 2024 أن صادق على قرض سعودي لدعم الفسفاط، ويرى أنه لا بد من الربط بين القرض السعودي والقرض الكويتي لتمويل المشروع المرتقب والمتمثل في إعادة تأهيل السكك الحديدية واقتناء القاطرات، والذي سينطلق في الفترة الممتدة بين 2026 و2028، لكن في ظل قانون الصفقات العمومية المعمول به حاليًا، يمكن حسب رأي النائب أن تنتهي المدة النيابية دون أن يقع اقتناء القاطرات ونقل الفسفاط بالوتيرة التي يتطلع إليها النواب. وتساءل الرايس عن سبب عدم حلحلة الإشكاليات الاقتصادية والاجتماعية الموجودة في الحوض المنجمي بالتوازي مع تجديد السكة، وعن سبب عدم التوجه إلى النقل البري. وفسر أن النقل البري لا يتعارض مع قانون منع المناولة لأن نقل الفسفاط ليس من صميم عمل شركة فسفاط قفصة، وبالتالي لا يعتبر مناولة يد عاملة، وذكر أن عملية إسداء الخدمات بالنسبة لقطاع الفسفاط لا تعتبر مناولة، ويرى النائب أن الحل الوحيد هو الاعتماد على النقل البري إلى حين تجديد السكة الحديدية.
تشغيل المعطلين
وقال النائب محمد الشعباني عن كتلة «لينتصر الشعب» إن المبادرة التي تهم المعطلين عن العمل ممن طالبت بطالتهم جاهزة لأن لجنة التخطيط صادقت عليها، ودعا مكتب المجلس النيابي إلى التسريع في عرضها على الجلسة العامة قبل العطلة البرلمانية لطمأنة الشعب، وذكر أنه يترقب مبادرات أخرى لتشغيل كافة المعطلين عن العمل. وأضاف أن الجلسة العامة ليوم أمس خصصت للنظر في قرض آخر، وأصبحت وظيفة النواب حسب رأيه تتمثل في تمرير القروض، وهو ما يدعو للتساؤل عن سبب اللجوء إلى الاقتراض لتمويل قطاع الفسفاط، والحال أن هذا القطاع هو الذي من المفروض أن يوفر الثروة للبلاد، وذكر أنه يجب وضع خطة استراتيجية للنهوض بقطاع الفسفاط، وعبر عن خشيته من تحويل وجهة هذا القرض لتمويل مجالات أخرى وليس لتمويل نقل الفسفاط. كما تحدث النائب عن التأثيرات السلبية للفسفاط في منطقة الحوض المنجمي، وذكر أن ماجل بلعباس وفريانة قريبتان جغرافيًا من مناطق إنتاج الفسفاط، وهما بدورهما معرضتان للأضرار، وتساءل لماذا لا يتم بعث شركات بستة في فريانة وماجل بلعباس. وذكر أنه من بين العجائب أن معتمدية ماجل بلعباس تحتوي على محطة لضخ الغاز، لكن هذه المعتمدية لا تتمتع بالربط بالغاز الطبيعي، ونفس الشيء بالنسبة إلى تلابت، كما تعاني بعض المناطق بالقصرين من الانقطاع المتكرر للكهرباء.
مشاريع ذات أولوية
بين محمد بن حسين، النائب غير المنتمي إلى الكتل، أن مشروع اتفاقية القرض المعروض على الجلسة العامة لا يثير أي مشكل نظرًا لأهمية قطاع الفسفاط في الاقتصاد الوطني، ولأنه من المهم دعم نقل الفسفاط. لذلك، خير الحديث في مداخلته عن جهته المهدية، وتساءل عن المشاريع المدرجة في المخطط التنموي، ولاحظ أن بعض المشاريع التي تم إدراجها لا تُعتبر ذات أولوية على غرار مضاعفة خط السكة الحديدية المكنين - المهدية. وفسر أن مطلب ولاية المهدية يتمثل في مد خط السكة الحديدية في اتجاه المعتمديات الداخلية وربط مركز الولاية بمملوش وقصور الساف. وأضاف أن أعضاء المجالس المحلية يقومون بجهود كبيرة، لكن لا يتم الإنصات إلى مطالبهم، وفي المقابل يتم التركيز على مشروع مضاعفة خط السكة الحديدية كما لو أنه لا يوجد مشروع معطل غيره. وأضاف أن أغلب المشاريع معطلة ويتم التعلل بأن طلبات العروض غير مثمرة وبنقص الاعتمادات. وطالب بن حسين بمنح الأولوية لتنمية معتمدية البرادعة على اعتبار أنها معتمدية جديدة وممتدة جغرافيًا، ونفس الشيء ينسحب على معتمدية رجيش. ودعا النائب وزير الاقتصاد والتخطيط إلى إرسال فريق عمل للمعتمديات المحدثة بهدف وضع مخطط جديد لتنميتها.
تلوث بيئي
أشار محمد علي، النائب عن كتلة الخط الوطني السيادي، إلى أن إنتاج الفسفاط منذ سنوات لم يتجاوز 3.5 مليون طن، وهذا يعود إلى عدة أسباب معلومة من قبل الجميع، ومنها تدهور الأسطول وتعطل اقتناء التقنيات اللازمة لاستخراج الفسفاط أو لنقله إلى المغاسل، وضعف نسبة التأطير التي تبلغ 6 بالمائة، وذلك مع غياب الانتداب لتعويض 250 عونًا يغادرون سنويًا للتقاعد، فضلًا عن الوضع الكارثي للمناخ الاجتماعي وإحساس المواطنين بالحرمان من المرافق الحياتية المتمثلة في الماء والكهرباء والنقل والصحة والتنمية. فالشباب يعيش دون أفق وفي بيئة كارثية ملوثة بنفايات الفسفاط وغبار المناجم والغازات السامة المنبعثة من المصنع الكيميائي والمياه الطينية وتسربات الغازات لما تبقى من المائدة المائية التي استنزفتها مغاسل الفسفاط والمصانع، إضافة إلى غياب مخطط عملي لحماية البيئة وغياب المسؤولية المجتمعية للمؤسسات. وذكر أنه حين يتم تحويل المسؤولية الاجتماعية إلى ذر رماد على العيون ويتم الاقتصار على دعم بعض الجمعيات الرياضية والمهرجانات فإن هذا يصبح ضحكًا على الذقون ولا يؤدي إلا إلى تعكير المناخ الاجتماعي. وبين النائب أنه من المنطقي أن يتم الاحتجاج على تهميش الحوض المنجمي، ولاحظ الضعف الكبير في عملية التفاوض بين الطرف الاجتماعي والطرف الإداري، مما أدى إلى التهديد بالإضراب في علاقة بمطالب بسيطة، مما عطل المفاوضات حول ملفات أساسية من قبيل تغيير القانون الأساسي للشركة والساعات الإضافية والانتدابات، إضافة إلى مقترحات سلطة الإشراف بخصوص فتح مناظرة وطنية وعدم القيام بمناظرة جهوية أو منح التمييز الإيجابي للمعطلين عن العمل في الجهة الذين يصطفون في طوابير انتظار طويلة. ونبه النائب من مخاطر تكرار نفس ما حصل مع المناظرات التي شابتها المحسوبية والمحاصصة والرشوة، وذكر أنه من المفروض إسناد مهمة تنظيم هذه المناظرة لمكتب مختص مثلما حصل سنة 2019، وتحميل الدولة مسؤولية إنجاح هذه المناظرة لتحسين وضعية شركة فسفاط قفصة. ولاحظ تشتت الإدارة بين الشركة والمصنع الكيميائي وطالب بتوحيدها، وتساءل إن كان هذا القرض سيغير الوضع، والحال أن تمويل المشروع يتم على مراحل متباعدة وذلك بقروض خارجية، إذ تمت الموافقة خلال السنة الماضية على قرض من السعودية لاستكمال نفس المشروع. وذكر أنه من الغريب أن يتم اللجوء إلى الاقتراض لفائدة شركة ربحية، فسعر الطن وصل إلى 348.5 دولار سنة 2023، لكن تم تفويت فرصة تاريخية على البلاد للحد من المديونية وتوفير ثروة طائلة من العملة الصعبة اللازمة لتحقيق التوازنات المالية والتنمية بمحيط الشركة. وذكر محمد علي أنه لن يتحدث عن إغراق تونس في الديون ولن يقول مرة أخرى إن البرلمان التونسي كاد أن يتحول إلى برلمان قروض، لكن تونس فعلاً غارقة في المديونية وتم فعلاً إثقال كاهل الشعب التونسي بالديون، وذكر أنه عند عرض مشاريع القروض يجد البرلمان نفسه بين المطرقة والسندان. وخلص إلى أنه قبل الحديث عن نقل الفسفاط يجب إصلاح وضعية إنتاج الفسفاط ومرافقة الشركة للقيام بإصلاحات إدارية حقيقية بقانون إطاري جديد وإجراءات عملية تحول دون حصول أزمات واحتقان اجتماعي، واقترح على الحكومة أن يتم حل مشكل السكة بالتوازي مع حل المشكل الاجتماعي في الجهة بسبب النقائص الكبرى في المرافق الحياتية.
تمويل المشروع
وتعقيبًا على مداخلات النواب، قدم سمير عبد الحفيظ، وزير الاقتصاد والتخطيط، تفاصيل حول مشروع القانون الذي تمت إحالته إلى مجلس نواب الشعب منذ شهر جانفي والمتعلق بالموافقة على اتفاقية القرض المُبرمة بتاريخ 20 نوفمبر 2024 بين الجمهورية التونسية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، للمساهمة في تمويل مشروع تجديد وتطوير خطوط السكة الحديدية لنقل الفسفاط، المعروض على أنظار الجلسة العامة. وذكر أن قطاع الفسفاط يساهم بنسبة تتجاوز 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما يساهم بنسبة تفوق 6 بالمائة من الصادرات.
وأضاف أن الكلفة الجملية لمشروع تجديد خطوط السكة الحديدية لنقل الفسفاط وتطويرها تقدر بنحو 522.231 مليون دينار تونسي، وهو مشروع يتكون من أعمال مدنية بقيمة 459.606 مليون دينار تتمثل في تجديد 190 كلم من السكة ذات الأولوية لشبكة الجنوب، وتركيز مصنع للعوارض الخراسانية، وخدمات استشارية من مراقبة ومتابعة الأشغال بقيمة 15.143 مليون دينار. ويعتبر هذا القسط مرحلة أولى من مشروع تجديد الخطوط التي تؤمن نقل الفسفاط وتقويتها. وسيشمل المشروع، حسب قوله، جزءًا من شبكة نقل الفسفاط الواقعة بالجنوب التونسي موزعة على ولايات صفاقس (الخط 17) وقفصة (الخط 14 والخط 21) وقابس (الخط 5 والخط 21)، أما الجزء المعني باتفاقية القرض الممولة من قبل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية فهو يمتد على حوالي 50 كلم على الخط 21.
ولدى حديثه عن مصادر تمويل المشروع، بين عبد الحفيظ أنه إضافة إلى قرض الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية بقيمة تقارب 103 ملايين دينار تونسي، يتم تمويل هذا المشروع من خلال ميزانية الدولة بقيمة 82 مليون دينار، وقرض من الصندوق السعودي للتنمية بقيمة 183 مليون دينار وقد وقعت المصادقة على هذا القرض من قبل مجلس نواب الشعب في وقت سابق، وقرض من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بقيمة 16 مليون دينار كويتي، أي ما يعادل 155 مليون دينار تونسي. وقد تم يوم 23 ماي 2025 توقيع اتفاقية مع هذا الصندوق، وتمت الموافقة على القرض من قبل مجلس إدارته يوم 13 جويلية الجاري، وسيتم عن قريب إحالة هذا القرض على المجلس النيابي. وبهذه الكيفية يقع الانتهاء من توفير التمويلات اللازمة لتأهيل 190 كلم من السكة الحديدية، وسينتهي التأهيل سنتين بعد الانطلاق في الأشغال.
واستعرض الوزير إثر ذلك أهداف المشروع، وهي تتمثل في تجديد جزء من الخطوط التي تؤمن نقل الفسفاط وتقويتها، والترفيع في طاقة شركة فسفاط قفصة لنقل كميات الفسفاط المنتجة والمحولة، بما يساهم في تحقيق انتعاشة مالية لجميع الشركات ذات العلاقة بالقطاع من ناحية، وتحسن الاقتصاد الوطني من ناحية أخرى.
النقل العمومي
وتفاعلاً مع النواب الذين انتقدوا وضعية النقل في تونس، أقر الوزير سمير عبد الحفيظ بوجود نقائص وطمأنهم أن النقل العمومي يحظى بمتابعة رئيس الجمهورية نظرًا لتردي خدماته ولمعاناة المواطن اليومية من هذه الخدمات، ولتكرر إلغاء السفرات وتقادم الأسطول، ولكن أمكن نسبيًا تجاوز إشكاليات النقل بواسطة الحافلات من خلال اقتناء الحافلات لفائدة شركة نقل تونس والشركات الجهوية للنقل. وبين أنه على مستوى النقل الحديدي تمت متابعة المشاريع التي تواجه إشكاليات في التنفيذ ومعالجتها، وأشار إلى تقدم إنجاز مشروع الشبكة الحديدية السريعة «آر إف آر»، كما تم خلال مجلس وزاري بحث الحلول الممكنة للخط الحديدي الرابط بين تونس والقصرين، والخط الرابط بين مكنين والمهدية.
وبخصوص مشروع مضاعفة السكة بين مكنين والمهدية، قال عبد الحفيظ ردًا على النائب محمد بن حسين إن الدولة انخرطت في هذا المشروع منذ سنوات وتم البحث عن تمويلات وهذه التمويلات متوفرة، كما تم الانطلاق في إنجاز بعض العناصر، ومن غير المعقول أن يتم اليوم إلغاء هذا المشروع. وذكر أن النقل الحديدي سيتم دعمه في إطار المخطط التنموي 2026 ـ 2030، وسيُعمل على تأهيل كامل الشبكة الحديدية.
واستعرض الوزير سمير عبد الحفيظ إثر ذلك مضامين استراتيجية الدولة في النقل الحديدي وبرنامج عمل الشركة الوطنية للسكك الحديدية المتكون من أربعة عناصر، وهي حسب قوله على التوالي: أولاً استعادة التوازن المالي للشركة، ثانيًا إنجاز البرنامج الاستثماري، ثالثًا استكمال إنجاز المشاريع في الآجال مثل تأهيل الخط رقم 6 بين تونس والقصرين ومضاعفة الخط 22 الرابط بين المكنين والمهدية، رابعًا إعادة استغلال الخطوط المغلقة مثل خط تونس - طبرقة وخط القيروان - النفيضة وكذلك الخط 11 بين القصرين والقلعة الصغرى.
كما عبر الوزير في مداخلته عن حرص تونس الشديد على حسن التعامل مع الشركاء الأجانب، لأن هؤلاء الشركاء تربطهم علاقات اقتصادية متميزة مع تونس، ولأنهم يعرفون أن تونس عندما تقترض هي قادرة على الإيفاء بتعهداتها.
وإثر الاستماع إلى ردود وزير الاقتصاد والتخطيط، صادق مجلس نواب الشعب على مشروع القانون المتعلق بالموافقة على اتفاقية القرض المُبرمة بتاريخ 20 نوفمبر 2024 بين الجمهورية التونسية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية للمساهمة في تمويل مشروع تجديد وتطوير خطوط السكة الحديدية لنقل الفسفاط، وكانت نتيجة التصويت كما يلي: 69 موافقون، و17 محتفظون، و12 رافضون.