أمام جمهور من فئات عمرية متنوعة، خاصة منها الشبابية، وشبابيك مغلقة، اعتلت الفنانة الشابة «Naïka» ركح مهرجان الحمامات الدولي، في سهرة الاثنين 14 جويلية 2025، ضمن فعاليات الدورة 59 لهذه التظاهرة الدولية العريقة (11 جويلية - 13 أوت)، وقدّمت عرضا موسيقيا تميّز بالثراء والتنوع، عاكسا خلفيتها الثقافية المتعددة وهويتها الفنية العابرة للحدود.
منذ اللحظات الأولى للحفل، بدت Naïka متأثرة بتفاعل الجمهور، الذي حضر بأعداد كبيرة فاقت طاقة استيعاب المسرح، بعد أن استنفد جميع تذاكر العرض. وفور صعودها الركح، علت التصفيقات والهتافات، ما دفعها إلى التعبير بتلقائية عن امتنانها للحاضرين. وقد كانت هذه اللحظات العاطفية بينهما مدخلا لحفل إيقاعي قد لا يُمحى من ذاكرة الحضور، خاصة أنه تعزز طوال العرض من خلال حديثها المتكرر معهم، ومشاركتها لبعض القصص الشخصية المرتبطة بأغانيها.
ولدت Naïka في ميامي الأمريكية، لكنها لا تنتمي إلى مكان واحد. من هاييتي إلى كندا، من فرنسا إلى الولايات المتحدة، تشكّلت ملامحها الفنية من خليط ثقافي غنيّ، تُرجم بكل وضوح على ركح الحمامات في عرض جميل، جمع بين الإيقاعات الكاريبية والإفريقية، الروح الأوروبية، والنبض الحضري الأمريكي. فصوتها القوي تنقّل بسلاسة بين الفرنسية والإنقليزية، متلوّنًا بالأحاسيس، وموغلًا في التعبير عن قضايا إنسانية كالحب، الحرية، الهوية، والانتماء.
جمهور لا يعرفها فقط... بل يحفظ أغانيها!
رغم بساطة العرض بصريًا، وغياب أي عناصر استعراضية مبالغ فيها، بدا أن Naïka وحدها كانت كافية لملء الركح وشدّ الجمهور إليها، لحركاتها ولصوتها. فرقصت بخفة، تنقّلت من طرف إلى آخر في تناغم تام مع الإيقاعات، واستخدمت جسدها كأداة سرد تُعبّر بها عن روح كل أغنية.
كانت تتحرك وكأنها تحمل على كتفيها عبء الحكاية، تُغني وتروي، تُصغي وتُشعل الجمهور. كل شيء فيها كان أصليًا وطبيعيًا، من حركاتها المتحررة إلى نظراتها المباشرة للجمهور، مرورًا بالتواصل التلقائي الذي طبع كل لحظة من العرض.
رغم أنها تزور تونس لأول مرة، فوجئت Naïka منذ اللحظات الأولى بجمهور يعرفها جيدًا، بل ويحفظ أغانيها عن ظهر قلب. ففور صعودها إلى الركح، دوّى التصفيق والهتاف، ثم بدأ الجمهور يردد معها كلمات أغانيها بدقة لافتة. كانت تغني... فيغني معها. تتوقف... فيواصل الجمهور. ما جعل ضيفة الحمامات تتأثر وتقول لجمهورها: «لم أتوقّع أبدًا أن أجد هذا الحب في تونس… أنتم تحفظون أغنياتي أفضل مني».
كان واضحًا أن هذا التفاعل لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة علاقة تشكلت عبر الموسيقى والمنصات الرقمية، خاصة منها منصة التيك توك.
إيقاعات متنوعة... ورسائل كونية
من الناحية الموسيقية، قدّمت Naïka عرضًا متنوعًا بين أنماط مثل البوب، الريذم آند بلوز (R&B)، التي تجمع بين عناصر البلوز والجاز، وكلها ممزوجة بإيقاعات إفريقية وكاريبية منفتحة. لكن الأهم أن هذا التنوع لم يكن استعراضًا تقنيًا، بل كان مدفوعًا بمعانٍ ورسائل واضحة: مناهضة العنصرية، الاحتفاء بالاختلاف، الحنين للجذور، والدعوة للسلام والانتماء الإنساني. فأغانيها لم تكن فقط لأجل الرقص، بل لأجل التفكير، والتفاعل العاطفي والذهني مع مواضيعها.
تميّز العرض بانضباط بصري لافت، فلا ديكورات، لا مؤثرات رقمية، فقط Naïka وصوتها، وإضاءات دقيقة وهادئة تُركّز على حضورها. هذا «التقشف» البصري ربما جعل الجمهور أكثر إنصاتًا وتفاعلا مع الفنانة، ومنح العرض طابعًا حميميًا، كأنه لقاء مباشر، لا مجرّد سهرة.
بين أغنية وأخرى، كانت Naïka تتوقّف لتروي شيئًا من قصتها، كأنها تقرّب المستمعين من قلب الأغنية. حكت عن طفولتها، عن والدتها، عن لحظات ضعف، وعن كيف كُتبت بعض الأغاني في لحظات ألم أو فرح. ذلك التبادل الحميم مع الجمهور لم يكن مفروضًا، بل طبيعيًا، مما عمّق العلاقة بين الطرفين، وجعل كل أغنية تنفتح على حكاية حقيقية تُعاش بصمت، ثم تُغنّى علنًا.
لم يغب الجدل عن سهرة ضيفة مهرجان الحمامات، الذي بدأ من لحظة انتهاء العرض وتواصل على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تفاجأ الجمهور بعرض تواصل إلى ساعة وحوالي عشر دقائق فقط. توقيت شكّل «صدمة» باهتة، وفيه شيء من المحبة من الجمهور الحاضر ومحاولات التبرير لفنانتهم المفضلة.
بعد تمام الساعة، ودّعت Naïka الجمهور بكلمات شكر للحمامات، وسط ذهول ترجمته الأسئلة: هل أنهت فعلا حفلها أم أنها غادرت وستعود سريعا؟ فتعالى التصفيق والهتاف باسمها طلبًا لعودتها بمشاركة أحد أعضاء فرقتها الأربع، لتعود للركح وتؤدي أغنيتين فقط، في مشهد مسرحي واستعراضي أكثر منه أخذًا بالخاطر للجمهور المحبّ لها.
لتطرح هذه المسألة جدلًا واسعًا تواصل إلى اليوم الموالي من العرض، باعتبار أن العروض الدولية لا يجب أن تقل عن 90 دقيقة، أي ساعة ونصف، وفق ما تمّ تداوله. وبين هذا وذاك، عبّر عدد من الجمهور أنه ليس لديه مشكل مع الوقت مادامت قد أدت أغانيهم المفضلة بطاقة صوتية وحضور ركحي مبهر، وفق قولهم.
إيمان عبد اللطيف
أمام جمهور من فئات عمرية متنوعة، خاصة منها الشبابية، وشبابيك مغلقة، اعتلت الفنانة الشابة «Naïka» ركح مهرجان الحمامات الدولي، في سهرة الاثنين 14 جويلية 2025، ضمن فعاليات الدورة 59 لهذه التظاهرة الدولية العريقة (11 جويلية - 13 أوت)، وقدّمت عرضا موسيقيا تميّز بالثراء والتنوع، عاكسا خلفيتها الثقافية المتعددة وهويتها الفنية العابرة للحدود.
منذ اللحظات الأولى للحفل، بدت Naïka متأثرة بتفاعل الجمهور، الذي حضر بأعداد كبيرة فاقت طاقة استيعاب المسرح، بعد أن استنفد جميع تذاكر العرض. وفور صعودها الركح، علت التصفيقات والهتافات، ما دفعها إلى التعبير بتلقائية عن امتنانها للحاضرين. وقد كانت هذه اللحظات العاطفية بينهما مدخلا لحفل إيقاعي قد لا يُمحى من ذاكرة الحضور، خاصة أنه تعزز طوال العرض من خلال حديثها المتكرر معهم، ومشاركتها لبعض القصص الشخصية المرتبطة بأغانيها.
ولدت Naïka في ميامي الأمريكية، لكنها لا تنتمي إلى مكان واحد. من هاييتي إلى كندا، من فرنسا إلى الولايات المتحدة، تشكّلت ملامحها الفنية من خليط ثقافي غنيّ، تُرجم بكل وضوح على ركح الحمامات في عرض جميل، جمع بين الإيقاعات الكاريبية والإفريقية، الروح الأوروبية، والنبض الحضري الأمريكي. فصوتها القوي تنقّل بسلاسة بين الفرنسية والإنقليزية، متلوّنًا بالأحاسيس، وموغلًا في التعبير عن قضايا إنسانية كالحب، الحرية، الهوية، والانتماء.
جمهور لا يعرفها فقط... بل يحفظ أغانيها!
رغم بساطة العرض بصريًا، وغياب أي عناصر استعراضية مبالغ فيها، بدا أن Naïka وحدها كانت كافية لملء الركح وشدّ الجمهور إليها، لحركاتها ولصوتها. فرقصت بخفة، تنقّلت من طرف إلى آخر في تناغم تام مع الإيقاعات، واستخدمت جسدها كأداة سرد تُعبّر بها عن روح كل أغنية.
كانت تتحرك وكأنها تحمل على كتفيها عبء الحكاية، تُغني وتروي، تُصغي وتُشعل الجمهور. كل شيء فيها كان أصليًا وطبيعيًا، من حركاتها المتحررة إلى نظراتها المباشرة للجمهور، مرورًا بالتواصل التلقائي الذي طبع كل لحظة من العرض.
رغم أنها تزور تونس لأول مرة، فوجئت Naïka منذ اللحظات الأولى بجمهور يعرفها جيدًا، بل ويحفظ أغانيها عن ظهر قلب. ففور صعودها إلى الركح، دوّى التصفيق والهتاف، ثم بدأ الجمهور يردد معها كلمات أغانيها بدقة لافتة. كانت تغني... فيغني معها. تتوقف... فيواصل الجمهور. ما جعل ضيفة الحمامات تتأثر وتقول لجمهورها: «لم أتوقّع أبدًا أن أجد هذا الحب في تونس… أنتم تحفظون أغنياتي أفضل مني».
كان واضحًا أن هذا التفاعل لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة علاقة تشكلت عبر الموسيقى والمنصات الرقمية، خاصة منها منصة التيك توك.
إيقاعات متنوعة... ورسائل كونية
من الناحية الموسيقية، قدّمت Naïka عرضًا متنوعًا بين أنماط مثل البوب، الريذم آند بلوز (R&B)، التي تجمع بين عناصر البلوز والجاز، وكلها ممزوجة بإيقاعات إفريقية وكاريبية منفتحة. لكن الأهم أن هذا التنوع لم يكن استعراضًا تقنيًا، بل كان مدفوعًا بمعانٍ ورسائل واضحة: مناهضة العنصرية، الاحتفاء بالاختلاف، الحنين للجذور، والدعوة للسلام والانتماء الإنساني. فأغانيها لم تكن فقط لأجل الرقص، بل لأجل التفكير، والتفاعل العاطفي والذهني مع مواضيعها.
تميّز العرض بانضباط بصري لافت، فلا ديكورات، لا مؤثرات رقمية، فقط Naïka وصوتها، وإضاءات دقيقة وهادئة تُركّز على حضورها. هذا «التقشف» البصري ربما جعل الجمهور أكثر إنصاتًا وتفاعلا مع الفنانة، ومنح العرض طابعًا حميميًا، كأنه لقاء مباشر، لا مجرّد سهرة.
بين أغنية وأخرى، كانت Naïka تتوقّف لتروي شيئًا من قصتها، كأنها تقرّب المستمعين من قلب الأغنية. حكت عن طفولتها، عن والدتها، عن لحظات ضعف، وعن كيف كُتبت بعض الأغاني في لحظات ألم أو فرح. ذلك التبادل الحميم مع الجمهور لم يكن مفروضًا، بل طبيعيًا، مما عمّق العلاقة بين الطرفين، وجعل كل أغنية تنفتح على حكاية حقيقية تُعاش بصمت، ثم تُغنّى علنًا.
لم يغب الجدل عن سهرة ضيفة مهرجان الحمامات، الذي بدأ من لحظة انتهاء العرض وتواصل على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تفاجأ الجمهور بعرض تواصل إلى ساعة وحوالي عشر دقائق فقط. توقيت شكّل «صدمة» باهتة، وفيه شيء من المحبة من الجمهور الحاضر ومحاولات التبرير لفنانتهم المفضلة.
بعد تمام الساعة، ودّعت Naïka الجمهور بكلمات شكر للحمامات، وسط ذهول ترجمته الأسئلة: هل أنهت فعلا حفلها أم أنها غادرت وستعود سريعا؟ فتعالى التصفيق والهتاف باسمها طلبًا لعودتها بمشاركة أحد أعضاء فرقتها الأربع، لتعود للركح وتؤدي أغنيتين فقط، في مشهد مسرحي واستعراضي أكثر منه أخذًا بالخاطر للجمهور المحبّ لها.
لتطرح هذه المسألة جدلًا واسعًا تواصل إلى اليوم الموالي من العرض، باعتبار أن العروض الدولية لا يجب أن تقل عن 90 دقيقة، أي ساعة ونصف، وفق ما تمّ تداوله. وبين هذا وذاك، عبّر عدد من الجمهور أنه ليس لديه مشكل مع الوقت مادامت قد أدت أغانيهم المفضلة بطاقة صوتية وحضور ركحي مبهر، وفق قولهم.