انطلقت رحلتي مع الكتابة المسرحية من الحمامات وفي رصيدي الآن 50 نصًا
الوزير الأسبق للثقافة محمد اليعلاوي منع «التربيع والتدوير» بحجة أنه «لا وجود لمسرح بممثل واحد»
بادرت بتأسيس «مجالس الحمامات» الثقافية انتصارًا للفكر وتنويعًا لنشاط المهرجان
أرفض التعامل مع المخرجين الهواة لأعمالي والأولوية المطلقة للمحترفين
منذ 1970 انفرد مهرجان الحمامات الدولي بالمسرح في عروض دوراته
عيسى حراث أول من قدم مسرح «الممثل الواحد» من خلال مسرحية «التربيع والتدوير»
«الغفران» نصي المسرحي الذي جمعني لأول مرة بالمخرج المغربي الطيب الصديقي
ارتبط اسمه ومسيرته بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات ثم بالمهرجان الدولي الصيفي به منذ منتصف ستينات القرن الماضي... علاقة وجدانية إبداعية متينة أعطاها من روحه ومهجته دون منّ أو مواربة... علاقة أضافت على المركز والمهرجان معًا مسحة ثقافية إبداعية جادة من خلال عديد المبادرات الثقافية والفكرية والأعمال المسرحية التي جعلت من المركز والمهرجان بعد ذلك من أبرز الفضاءات التي انتصرت للتجديد في الفعل الفكري والثقافي ومصدرًا لإشعاع المسرح التونسي وطنيا وعربيا بدرجة أولى. هو عميد الكتابة المسرحية تونسيا وعربيا، عز الدين المدني الذي سيلتقيه جمهور الدورة 59 لمهرجان الحمامات الدولي مساء يوم 16 جويلية 2025 من خلال عرض مسرحية «أم البلدان» للمخرج حافظ خليفة. سعينا في هذا اللقاء معه إلى استحضار ذكريات كاتبنا المسرحي الكبير عز الدين المدني مع المركز الثقافي الدولي بالحمامات والمهرجان الدولي الصيفي به على اعتبار أنه سبق له الإشراف عليهما طيلة سنوات طويلة وهذه الحصيلة.
عاد الكاتب المسرحي عز الدين المدني بالذاكرة في بداية هذا اللقاء معه إلى منتصف ستينات القرن الماضي التي شهدت تأسيس المركز الثقافي الدولي بالحمامات... فترة كانت نقطة البداية لرحلة إبداعية استثنائية امتدت على أكثر من نصف قرن.
يقول عز الدين المدني:
«أصدر الزعيم الحبيب بورقيبة منتصف ستينات القرن الماضي قرارًا ببعث مركز يهتم بالثقافة التونسية مع الانفتاح على الصعيد المغاربي والدول المتوسطية والوطن العربي، فكان المركز الثقافي الدولي بالحمامات الحاضن للمثقفين وابداعاتهم إنجازًا وتعريفًا وترويجًا وتم في هذا المجال الاتفاق بين تونس والبرتغال من خلال مؤسسة «قولبانكاين» لتشييد مسرح الهواء الطلق ولوازمه داخل المساحة المخصصة للمركز وتم بمقتضى قرار رئاسي تسمية المثقف اللبناني سيسيل حوراني مديرًا عامًا للمركز الثقافي الدولي بالحمامات اعتبارًا للصداقة المتينة التي تربط بين الزعيم الحبيب بورقيبة وسيسيل حوراني الذي كان مساندًا للقضية التونسية في مقاومة الاحتلال الفرنسي في أروقة الأمم المتحدة بشكل خاص.
بادر سيسيل حوراني بجلب بالي «القرن العشرين» ومديرها «موريس بيجار» من المسرح الملكي البلجيكي ببروكسيل... ثم كان القرار ، والذي يعد تاريخياً وهاماً في مسيرة الثقافة والإبداع في تونس، عندما قرر الراحل الشاذلي القليبي، كاتب الدولة للثقافة في تلك الفترة، إلحاق المركز الثقافي الدولي بالحمامات بكتابة الدولة للثقافة وتعيين الراحل الطاهر قيقة مديراً له. وقد تمت مطالبته بضرورة تنشيط المركز ثقافياً، فكانت البداية بالمسرح حيث بادر الراحل عبد اللطيف الحمروني بإنجاز مسرحية «قريتي»، التي مكنت الجمهور التونسي من اللقاء لأول مرة مع عمل مسرحي في المركز... المسرحية لم تحقق النجاح المطلوب، لكنها مثلت نقطة الانطلاق لتأسيس تقليد مسرحي استثنائي انفرد مهرجان الحمامات الدولي، الذي تأسس من رحم المركز بعد ذلك».
يقول الكاتب عزالدين المدني: «بعد انتقال الراحل الطاهر قيقة للعمل صلب المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تسلمت مقاليد الإشراف على المركز الثقافي الدولي بالحمامات سنة 1979، وحرصت على إدخال عديد التغييرات عليه. من ذلك، تشييد غرف للإقامة مجهزة تفادياً لمصاريف إقامة المشاركين في أنشطة المركز في النزل بالحمامات. كما عملت على إضفاء طابع رومانسي من خلال الإشراف على زراعة الأشجار، التي زادت جمالاً طبيعياً للمكان المطل على البحر.»
«ثورة صاحب الحمار» أول نصوصي المسرحية
صمت الكاتب عزالدين المدني لحظات ليطلق الحنين للذكريات تتحدث باسمه قائلاً:
«لا أخفي سراً، أنني منذ التحاقي بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات تحت إشراف الراحل الطاهر قيقة، انطلقت رحلتي مع الكتابة الإبداعية المسرحية، وكان أن سلمت نصي المسرحي «ثورة صاحب الحمار» بين سنتي 1968 و1969 إلى الراحل الطاهر قيقة، وأعلمته بأنني عرضتها على المسرحي الراحل علي بن عياد، مدير فرقة بلدية تونس للتمثيل في تلك الفترة، الذي قبلها بعد فحص دقيق لها واستشارة أكثر من طرف، حتى أنه ذهب للتبشير بها لدى المسرحيين على قلتهم يومئذ، والهواة والمتابعين والمتحمسين، وقرأ بعضاً منها على أحبائه المقربين... مثل هذا الأمر الذي استحضره في هذا الحوار كنت قد علمت به بعد حوالي السنتين من عرضي المسرحية عليه... وهي أحداث وتفاصيل ما زالت حية في ذاكرتي رغم السنوات الطويلة التي مرت عليها. علماً أن العرض الأول لـ «ثورة صاحب الحمار» تم في المسرح البلدي بالعاصمة».
«انفتاح الأنشطة الثقافية»
وفي حديثه عن فترة تسييره مهرجان الحمامات الدولي، أكد الكاتب عزالدين المدني أنه حرص على كسب رهان تنويع برامج دورات هذا المهرجان، من ذلك التوجه إلى تنظيم ندوات ولقاءات فكرية على مستوى راقٍ لمناقشة قضايا ثقافية وفكرية وفنية على المستوى العالمي من خلال «مجالس الحمامات» الفكرية، التي شهدت إقبالاً جماهيرياً كبيراً وحضوراً لافتاً للعديد من الأسماء العالمية البارزة في شتى الفنون الإبداعية والفكرية والثقافية والفلسفة. وكانت فكرة «مجالس الحمامات» إيماناً مني بالدور الثقافي والفكري والمعرفي الذي يجب أن تقوم به المهرجانات الصيفية، التي يجب ألا تقتصر عروضها على الجانب الترفيهي فقط.
التقليد الذي انفرد به المهرجان
يقول الكاتب عزالدين المدني: «مثلت سنة 1970 محطة هامة في مسيرتي ككاتب مسرحي، حيث كان الموعد في افتتاح مهرجان الحمامات الدولي مع عرض «ديوان ثورة الزنج»، إخراج المبدع الراحل المنصف السويسي في افتتاح المهرجان. ليكون ذلك حجر الأساس لتقليد إبداعي اختص وانفرد به المهرجان على امتداد سنوات طويلة، يتمثل في افتتاح دوراته بعرض مسرحي تونسي... وتتالت بعد ذلك أعمالي المسرحية على ركح مهرجان الحمامات الدولي. فكانت مسرحيات «الحلاج»، و»مولاي السلطان الحسن الحفصي»، و»على البحر الوافر»... و»ابن رشد اليوم» في افتتاح دورة 2010 لمهرجان الحمامات الدولي، وكلها للمخرج المنصف السويسي.»
وفي 2015، وبعد 20 سنة من الغياب، تجدد العهد ضمن فعاليات الدورة الواحدة والخمسين لمهرجان الحمامات الدولي مع عمل مسرحي تاريخي «الله ينصر سيدنا»، في إخراج للمسرحي الخالد عبد الغني بن طارة.
وما يشدّ الانتباه في هذا النص الإبداعي المسرحي، أن كاتبه قد صاغ أحداثه منذ سنة 1995، وقد احتفظ به في مكتبة خاصة حتى جاء الموعد في 2015.
وقد استلهم الكاتب عزالدين المدني من الحقبة التاريخية التي مرت بها وعاشتها بلادنا سنوات قبل الاحتلال الفرنسي، وتنبأ في هذا النص بما حدث في تونس وما تبع ثورة 2011 من كتابة دستور جديد بعد دستور 1959.
وشهدت دورة 2019 افتتاح مهرجان الحمامات بعرض مسرحية «رسائل الحرية» للمخرج حافظ خليفة، بعد أول لقاء له مع الكاتب عزالدين المدني من خلال مسرحية «عزيزة عثمانة». يكون ثالث عمل يجمع بينهما «أم البلدان»، الذي سيعرض الأربعاء 16 جويلية 2025 ضمن فعاليات الدورة 59 لمهرجان الحمامات الدولي.
«الغفران» مع الطيب الصديقي
شهدت صائفة 1976 لقاء إيداعياً استثنائياً بين المخرج المغربي الطيب الصديقي والكاتب المسرحي عزالدين المدني من خلال عمل مسرحي (الغفران) عن (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري. وفي هذا الصدد كشف الكاتب عزالدين المدني... «هذا العمل التقاه جمهور مهرجان الحمامات الدولي في إحدى ليالي صيف 1976...» كان لقاءً مثل حجر الأساس لعلاقة إبداعية استثنائية بين المغربي الطيب الصديقي والتونسي عزالدين المدني، امتدت على طول سنوات طويلة.
«التربيع والتدوير» وعيسى حراث أول «وان مان شو»
كشف الكاتب عزالدين المدني في هذا اللقاء – الوثيقة – معه أنه خلافاً لما تم تداوله هنا وهناك، فإن أول عمل من نوع «الممثل الواحد» أو ما يعرف بـ «وان مان شو» قام به ونفذه الممثل عيسى حراث من خلال نصه المسرحي «التربيع والتدوير». ويضيف الكاتب عزالدين المدني بخصوص هذه المسرحية أن «التربيع والتدوير» هي رسالة كتبها الجاحظ باللغة العربية الفصحى، ومنعها الراحل محمد اليعلاوي خلال فترة إشرافه على وزارة الثقافة بحجة «لا تقرب الجاحظ ولا وجود لمسرح بممثل واحد». علماً – والكلام للكاتب عزالدين المدني – ما زلت احتفظ بهذه الرسالة.
وصل خبر المنع – يقول عزالدين المدني – إلى القاهرة، وتبنوا المسرحية، ومنها ارتبطت بعلاقة وثيقة مع مدير مسرح الطليعة بمصر العربية سمير العصفوري، الذي عمل على احتضان وعرض مسرحية «التربيع والتدوير» يومياً طوال موسم كامل. وتراني أؤكد في هذا المجال أن عيسى حراث هو أول من قدم مسرحية ذات «الممثل الواحد» من خلال «التربيع والتدوير».
خمسون عملاً مسرحياً
تحتفظ المدونة المسرحية التونسية بخمسين نصاً للكاتب عزالدين المدني، الذي أوضح في هذا الصدد «فعلاً في رصيدي 50 عملاً مسرحياً بين تأليف وترجمة وإعادة كتابة. وقد تعاملت في هذه الأعمال مع المنصف السويسي في 8 أعمال، ومحمد كوكة في 8 أعمال أيضاً، وحافظ خليفة في 3 أعمال، وعبد الغني بن طارة مع عمل وحيد، كما تعاملت مع علي بن عياد».
وجواباً عن سؤال حول ما إذا كان يختار المخرجين لنصوصه المسرحية، قال محدثي:
«فعلاً، أختار المخرجين ولا أمنح نصوصي لأي كان على اعتبار أنني أشترط على أي مخرج لأعمالي أن تكون خلفيته الثقافية المسرحية عالية، وأن يكون على دراية تامة بتاريخ المسرح التونسي. وتراني أكشف، ولعلها للمرة الأولى، أن أي عمل مسرحي يتطلب مني بين 3 و4 سنوات لكتابته. فأنا لست تاجراً في المسرح ولن أكون كذلك، فأنا كاتب له مسؤولية تاريخية تجاه المجتمع والمتلقي، والعملية الإبداعية المسرحية التي يجب أن تكون خالدة في الذاكرة. وهنا تراني أعلن براءتي من الضحالة والرداءة التي أصبحت وظهرت بها عديد الأعمال المسرحية، وهي ضحالة ورداءة طالت المسلسلات التلفزيونية».
وقال جواباً عن سؤال حول ما إذا كان يتدخل في اختيار الممثلين لعمله المسرحي، وإلى أي مدى هي علاقته بنصه بعد تسليمه للمخرج، قال عزالدين المدني:
«تدخلاتي نادرة جداً بعد تسليمي النص للمخرج للتشاور وتبادل الرأي معه، لا أكثر ولا أقل. وبالنسبة لاختيار الممثلين، فهذه مسؤولية المخرج.
وبالنسبة للمخرج حافظ خليفة الذي التقيته في ثالث عمل مسرحي وهو «أم البلدان» هذه الصائفة على ركح مهرجان الحمامات الدولي، فثقتي به كبيرة، اعتباراً لكونه من فئة المخرجين الطموحين والجديين، وله نظرة ثاقبة في اختيار الممثلين. وبرز ذلك بشكل كبير في مسرحية «عزيزة عثمانة» التي أكدت من خلالها الفنانة المسرحية عزيزة بولبيار حرفيتها العالية. وقس على ذلك الكثير من الممثلين الذين أكدوا علو كعبهم وحرفيتهم في التعامل مع نصوصي المسرحية، فلا مكان للمسرحيين الهواة في كل ما أكتبه من أعمال.»
وختم الكاتب عزالدين المدني هذا اللقاء معه بالتأكيد أنه سيكون في مقدمة الحضور مساء الأربعاء 16 جويلية 2025 في مهرجان الحمامات الدولي لمتابعة عرض «أم البلدان»، وهي فرصة لاستحضار أكثر من ذكرى مع ركح هذا المهرجان العريق... ذكريات بقيت وستبقى خالدة في الوجدان... وجدان الكاتب المسرحي الكبير عزالدين المدني.
حوار محسن بن احمد
انطلقت رحلتي مع الكتابة المسرحية من الحمامات وفي رصيدي الآن 50 نصًا
الوزير الأسبق للثقافة محمد اليعلاوي منع «التربيع والتدوير» بحجة أنه «لا وجود لمسرح بممثل واحد»
بادرت بتأسيس «مجالس الحمامات» الثقافية انتصارًا للفكر وتنويعًا لنشاط المهرجان
أرفض التعامل مع المخرجين الهواة لأعمالي والأولوية المطلقة للمحترفين
منذ 1970 انفرد مهرجان الحمامات الدولي بالمسرح في عروض دوراته
عيسى حراث أول من قدم مسرح «الممثل الواحد» من خلال مسرحية «التربيع والتدوير»
«الغفران» نصي المسرحي الذي جمعني لأول مرة بالمخرج المغربي الطيب الصديقي
ارتبط اسمه ومسيرته بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات ثم بالمهرجان الدولي الصيفي به منذ منتصف ستينات القرن الماضي... علاقة وجدانية إبداعية متينة أعطاها من روحه ومهجته دون منّ أو مواربة... علاقة أضافت على المركز والمهرجان معًا مسحة ثقافية إبداعية جادة من خلال عديد المبادرات الثقافية والفكرية والأعمال المسرحية التي جعلت من المركز والمهرجان بعد ذلك من أبرز الفضاءات التي انتصرت للتجديد في الفعل الفكري والثقافي ومصدرًا لإشعاع المسرح التونسي وطنيا وعربيا بدرجة أولى. هو عميد الكتابة المسرحية تونسيا وعربيا، عز الدين المدني الذي سيلتقيه جمهور الدورة 59 لمهرجان الحمامات الدولي مساء يوم 16 جويلية 2025 من خلال عرض مسرحية «أم البلدان» للمخرج حافظ خليفة. سعينا في هذا اللقاء معه إلى استحضار ذكريات كاتبنا المسرحي الكبير عز الدين المدني مع المركز الثقافي الدولي بالحمامات والمهرجان الدولي الصيفي به على اعتبار أنه سبق له الإشراف عليهما طيلة سنوات طويلة وهذه الحصيلة.
عاد الكاتب المسرحي عز الدين المدني بالذاكرة في بداية هذا اللقاء معه إلى منتصف ستينات القرن الماضي التي شهدت تأسيس المركز الثقافي الدولي بالحمامات... فترة كانت نقطة البداية لرحلة إبداعية استثنائية امتدت على أكثر من نصف قرن.
يقول عز الدين المدني:
«أصدر الزعيم الحبيب بورقيبة منتصف ستينات القرن الماضي قرارًا ببعث مركز يهتم بالثقافة التونسية مع الانفتاح على الصعيد المغاربي والدول المتوسطية والوطن العربي، فكان المركز الثقافي الدولي بالحمامات الحاضن للمثقفين وابداعاتهم إنجازًا وتعريفًا وترويجًا وتم في هذا المجال الاتفاق بين تونس والبرتغال من خلال مؤسسة «قولبانكاين» لتشييد مسرح الهواء الطلق ولوازمه داخل المساحة المخصصة للمركز وتم بمقتضى قرار رئاسي تسمية المثقف اللبناني سيسيل حوراني مديرًا عامًا للمركز الثقافي الدولي بالحمامات اعتبارًا للصداقة المتينة التي تربط بين الزعيم الحبيب بورقيبة وسيسيل حوراني الذي كان مساندًا للقضية التونسية في مقاومة الاحتلال الفرنسي في أروقة الأمم المتحدة بشكل خاص.
بادر سيسيل حوراني بجلب بالي «القرن العشرين» ومديرها «موريس بيجار» من المسرح الملكي البلجيكي ببروكسيل... ثم كان القرار ، والذي يعد تاريخياً وهاماً في مسيرة الثقافة والإبداع في تونس، عندما قرر الراحل الشاذلي القليبي، كاتب الدولة للثقافة في تلك الفترة، إلحاق المركز الثقافي الدولي بالحمامات بكتابة الدولة للثقافة وتعيين الراحل الطاهر قيقة مديراً له. وقد تمت مطالبته بضرورة تنشيط المركز ثقافياً، فكانت البداية بالمسرح حيث بادر الراحل عبد اللطيف الحمروني بإنجاز مسرحية «قريتي»، التي مكنت الجمهور التونسي من اللقاء لأول مرة مع عمل مسرحي في المركز... المسرحية لم تحقق النجاح المطلوب، لكنها مثلت نقطة الانطلاق لتأسيس تقليد مسرحي استثنائي انفرد مهرجان الحمامات الدولي، الذي تأسس من رحم المركز بعد ذلك».
يقول الكاتب عزالدين المدني: «بعد انتقال الراحل الطاهر قيقة للعمل صلب المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تسلمت مقاليد الإشراف على المركز الثقافي الدولي بالحمامات سنة 1979، وحرصت على إدخال عديد التغييرات عليه. من ذلك، تشييد غرف للإقامة مجهزة تفادياً لمصاريف إقامة المشاركين في أنشطة المركز في النزل بالحمامات. كما عملت على إضفاء طابع رومانسي من خلال الإشراف على زراعة الأشجار، التي زادت جمالاً طبيعياً للمكان المطل على البحر.»
«ثورة صاحب الحمار» أول نصوصي المسرحية
صمت الكاتب عزالدين المدني لحظات ليطلق الحنين للذكريات تتحدث باسمه قائلاً:
«لا أخفي سراً، أنني منذ التحاقي بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات تحت إشراف الراحل الطاهر قيقة، انطلقت رحلتي مع الكتابة الإبداعية المسرحية، وكان أن سلمت نصي المسرحي «ثورة صاحب الحمار» بين سنتي 1968 و1969 إلى الراحل الطاهر قيقة، وأعلمته بأنني عرضتها على المسرحي الراحل علي بن عياد، مدير فرقة بلدية تونس للتمثيل في تلك الفترة، الذي قبلها بعد فحص دقيق لها واستشارة أكثر من طرف، حتى أنه ذهب للتبشير بها لدى المسرحيين على قلتهم يومئذ، والهواة والمتابعين والمتحمسين، وقرأ بعضاً منها على أحبائه المقربين... مثل هذا الأمر الذي استحضره في هذا الحوار كنت قد علمت به بعد حوالي السنتين من عرضي المسرحية عليه... وهي أحداث وتفاصيل ما زالت حية في ذاكرتي رغم السنوات الطويلة التي مرت عليها. علماً أن العرض الأول لـ «ثورة صاحب الحمار» تم في المسرح البلدي بالعاصمة».
«انفتاح الأنشطة الثقافية»
وفي حديثه عن فترة تسييره مهرجان الحمامات الدولي، أكد الكاتب عزالدين المدني أنه حرص على كسب رهان تنويع برامج دورات هذا المهرجان، من ذلك التوجه إلى تنظيم ندوات ولقاءات فكرية على مستوى راقٍ لمناقشة قضايا ثقافية وفكرية وفنية على المستوى العالمي من خلال «مجالس الحمامات» الفكرية، التي شهدت إقبالاً جماهيرياً كبيراً وحضوراً لافتاً للعديد من الأسماء العالمية البارزة في شتى الفنون الإبداعية والفكرية والثقافية والفلسفة. وكانت فكرة «مجالس الحمامات» إيماناً مني بالدور الثقافي والفكري والمعرفي الذي يجب أن تقوم به المهرجانات الصيفية، التي يجب ألا تقتصر عروضها على الجانب الترفيهي فقط.
التقليد الذي انفرد به المهرجان
يقول الكاتب عزالدين المدني: «مثلت سنة 1970 محطة هامة في مسيرتي ككاتب مسرحي، حيث كان الموعد في افتتاح مهرجان الحمامات الدولي مع عرض «ديوان ثورة الزنج»، إخراج المبدع الراحل المنصف السويسي في افتتاح المهرجان. ليكون ذلك حجر الأساس لتقليد إبداعي اختص وانفرد به المهرجان على امتداد سنوات طويلة، يتمثل في افتتاح دوراته بعرض مسرحي تونسي... وتتالت بعد ذلك أعمالي المسرحية على ركح مهرجان الحمامات الدولي. فكانت مسرحيات «الحلاج»، و»مولاي السلطان الحسن الحفصي»، و»على البحر الوافر»... و»ابن رشد اليوم» في افتتاح دورة 2010 لمهرجان الحمامات الدولي، وكلها للمخرج المنصف السويسي.»
وفي 2015، وبعد 20 سنة من الغياب، تجدد العهد ضمن فعاليات الدورة الواحدة والخمسين لمهرجان الحمامات الدولي مع عمل مسرحي تاريخي «الله ينصر سيدنا»، في إخراج للمسرحي الخالد عبد الغني بن طارة.
وما يشدّ الانتباه في هذا النص الإبداعي المسرحي، أن كاتبه قد صاغ أحداثه منذ سنة 1995، وقد احتفظ به في مكتبة خاصة حتى جاء الموعد في 2015.
وقد استلهم الكاتب عزالدين المدني من الحقبة التاريخية التي مرت بها وعاشتها بلادنا سنوات قبل الاحتلال الفرنسي، وتنبأ في هذا النص بما حدث في تونس وما تبع ثورة 2011 من كتابة دستور جديد بعد دستور 1959.
وشهدت دورة 2019 افتتاح مهرجان الحمامات بعرض مسرحية «رسائل الحرية» للمخرج حافظ خليفة، بعد أول لقاء له مع الكاتب عزالدين المدني من خلال مسرحية «عزيزة عثمانة». يكون ثالث عمل يجمع بينهما «أم البلدان»، الذي سيعرض الأربعاء 16 جويلية 2025 ضمن فعاليات الدورة 59 لمهرجان الحمامات الدولي.
«الغفران» مع الطيب الصديقي
شهدت صائفة 1976 لقاء إيداعياً استثنائياً بين المخرج المغربي الطيب الصديقي والكاتب المسرحي عزالدين المدني من خلال عمل مسرحي (الغفران) عن (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري. وفي هذا الصدد كشف الكاتب عزالدين المدني... «هذا العمل التقاه جمهور مهرجان الحمامات الدولي في إحدى ليالي صيف 1976...» كان لقاءً مثل حجر الأساس لعلاقة إبداعية استثنائية بين المغربي الطيب الصديقي والتونسي عزالدين المدني، امتدت على طول سنوات طويلة.
«التربيع والتدوير» وعيسى حراث أول «وان مان شو»
كشف الكاتب عزالدين المدني في هذا اللقاء – الوثيقة – معه أنه خلافاً لما تم تداوله هنا وهناك، فإن أول عمل من نوع «الممثل الواحد» أو ما يعرف بـ «وان مان شو» قام به ونفذه الممثل عيسى حراث من خلال نصه المسرحي «التربيع والتدوير». ويضيف الكاتب عزالدين المدني بخصوص هذه المسرحية أن «التربيع والتدوير» هي رسالة كتبها الجاحظ باللغة العربية الفصحى، ومنعها الراحل محمد اليعلاوي خلال فترة إشرافه على وزارة الثقافة بحجة «لا تقرب الجاحظ ولا وجود لمسرح بممثل واحد». علماً – والكلام للكاتب عزالدين المدني – ما زلت احتفظ بهذه الرسالة.
وصل خبر المنع – يقول عزالدين المدني – إلى القاهرة، وتبنوا المسرحية، ومنها ارتبطت بعلاقة وثيقة مع مدير مسرح الطليعة بمصر العربية سمير العصفوري، الذي عمل على احتضان وعرض مسرحية «التربيع والتدوير» يومياً طوال موسم كامل. وتراني أؤكد في هذا المجال أن عيسى حراث هو أول من قدم مسرحية ذات «الممثل الواحد» من خلال «التربيع والتدوير».
خمسون عملاً مسرحياً
تحتفظ المدونة المسرحية التونسية بخمسين نصاً للكاتب عزالدين المدني، الذي أوضح في هذا الصدد «فعلاً في رصيدي 50 عملاً مسرحياً بين تأليف وترجمة وإعادة كتابة. وقد تعاملت في هذه الأعمال مع المنصف السويسي في 8 أعمال، ومحمد كوكة في 8 أعمال أيضاً، وحافظ خليفة في 3 أعمال، وعبد الغني بن طارة مع عمل وحيد، كما تعاملت مع علي بن عياد».
وجواباً عن سؤال حول ما إذا كان يختار المخرجين لنصوصه المسرحية، قال محدثي:
«فعلاً، أختار المخرجين ولا أمنح نصوصي لأي كان على اعتبار أنني أشترط على أي مخرج لأعمالي أن تكون خلفيته الثقافية المسرحية عالية، وأن يكون على دراية تامة بتاريخ المسرح التونسي. وتراني أكشف، ولعلها للمرة الأولى، أن أي عمل مسرحي يتطلب مني بين 3 و4 سنوات لكتابته. فأنا لست تاجراً في المسرح ولن أكون كذلك، فأنا كاتب له مسؤولية تاريخية تجاه المجتمع والمتلقي، والعملية الإبداعية المسرحية التي يجب أن تكون خالدة في الذاكرة. وهنا تراني أعلن براءتي من الضحالة والرداءة التي أصبحت وظهرت بها عديد الأعمال المسرحية، وهي ضحالة ورداءة طالت المسلسلات التلفزيونية».
وقال جواباً عن سؤال حول ما إذا كان يتدخل في اختيار الممثلين لعمله المسرحي، وإلى أي مدى هي علاقته بنصه بعد تسليمه للمخرج، قال عزالدين المدني:
«تدخلاتي نادرة جداً بعد تسليمي النص للمخرج للتشاور وتبادل الرأي معه، لا أكثر ولا أقل. وبالنسبة لاختيار الممثلين، فهذه مسؤولية المخرج.
وبالنسبة للمخرج حافظ خليفة الذي التقيته في ثالث عمل مسرحي وهو «أم البلدان» هذه الصائفة على ركح مهرجان الحمامات الدولي، فثقتي به كبيرة، اعتباراً لكونه من فئة المخرجين الطموحين والجديين، وله نظرة ثاقبة في اختيار الممثلين. وبرز ذلك بشكل كبير في مسرحية «عزيزة عثمانة» التي أكدت من خلالها الفنانة المسرحية عزيزة بولبيار حرفيتها العالية. وقس على ذلك الكثير من الممثلين الذين أكدوا علو كعبهم وحرفيتهم في التعامل مع نصوصي المسرحية، فلا مكان للمسرحيين الهواة في كل ما أكتبه من أعمال.»
وختم الكاتب عزالدين المدني هذا اللقاء معه بالتأكيد أنه سيكون في مقدمة الحضور مساء الأربعاء 16 جويلية 2025 في مهرجان الحمامات الدولي لمتابعة عرض «أم البلدان»، وهي فرصة لاستحضار أكثر من ذكرى مع ركح هذا المهرجان العريق... ذكريات بقيت وستبقى خالدة في الوجدان... وجدان الكاتب المسرحي الكبير عزالدين المدني.