"الصباح" واكبت انطلاق موسم جنيه بغابات جبال جندوبة.. الخفّاف.. عائدات بالمليارات رغم الإشكاليات
مقالات الصباح
تبلغ المساحة الجملية للغابات بولاية جندوبة 120 ألف هكتار منها 63 ألف هكتار بمعتمديتي عين دراهم وطبرقة والمساحات المتبقية مُوزعة على بقية المعتمديات الأخرى أهمها فرنانة وغار الدماء وبوسالم وبلطة بوعوان.
ويحتوي هذا المخزون الطبيعي الهام على العديد من المكونات منها الحدائق الوطنية والمحميات الطبيعية والمناطق الرطبة والغابات المنتجة والمراعي الخصبة والمخزون المائي والحيوانات البرية والتي تكون منظومة بيئية متنوعة.
شجرة الفلين.. عطاء غزير
وتتميز ولاية جندوبة بتنوع منتوجها الغابي منه خاصة الأشجار مثل الزان والريحان والغابات الشعرات والفلين فهذه الشجرة التي تعرف بصغر قوامها اذ أن طولها لا يتعدى 15 مترا وتتميز بجذع قصير وتفرع منتشر وببطء نموها ويمكن ان تعيش أكثر من 300 سنة في حال عدم استغلال هذه الشجرة ومن 100 الى 150 سنة عند استغلاله وتسمى ثمار شجرة الفلين البلوط وهي متفاوتة الحجم لها شكل طويل وطرف قصير يحتوي على الشعر وتبدأ في الظهور حين بلوغ الشجرة مابين 15 و20 سنة وتمثل غابات الفلين 76 بالمائة بولاية جندوبة فحين تتوزع بقية المساحات بين ولايتي باجة 16 بالمائة وولاية بنزرت 8 بالمائة.
وتساهم شجرة الفلين من الناحية البيئية في حماية التربة والمياه والحد من الفيضانات وتنقية الهواء وتظم أيضا حيوانات برية مختلفة كالأيل الأطلسي والخنزير الوحشي وابن آوى الى جانب 700 نوع من النباتات الشعراء والكثير من الطيور المستقرة والمهاجرة وعدة أنواع من الفطر.
وينتفع سكان أرياف ومدن ولاية جندوبة من شجرة الفلين بطرق شتى منها الحطب أثناء فصل الشتاء والعلف للحيوانات من خلال إنتاجها ثمرة البلوط الى جانب ما توفره من أيام عمل يتجاوز الألف يوم في السنة.
وتعتبر مادة «الخفّاف» من أهم المنتوجات الغابية الأساسية التي توفرها غابات ولاية جندوبة حيث يقدر معدل إنتاجها السنوي بـ 70 ألف قنطار وتساهم بنسبة 90 بالمائة من مجمل الإنتاج الوطني، حيث تتوفّر الولاية على 60 ألف هكتار من الغابات بما يعادل 50 بالمائة من المساحة الغابيّة بكامل جهة الشمال الغرب
ويوجّه هذا المنتوج بنسبة 90 بالمائة إلى التّصدير منها 70 بالمائة نحو بلدان أوروبا الجنوبية على غرار البرتغال التي تستقبل وحدها 59 بالمائة من الإنتاج ثم ايطاليا بنسبة 11 بالمائة، ويضطلع إنتاج «الخفّاف» في الجهة بدور محوري في تنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية إذ يوفّر حوالي 4800 موطن شغل وقرابة 150 ألف يوم عمل في السنة، ويقوم معمل الخفاف بطبرقة بتحويل كامل إنتاج الجهة إلى منتوجات متنوعة كالسّدادات والاسطوانات وحبات الخفاف.
ويتصدّر موسم جني «الفلين» (الخفّاف) اهتمامات وأنشطة سكان المنطقة الواقعة شمال غربي البلاد، فبعد أن كان حصاده من التقاليد التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، تحوّل شيئاً فشيئاً إلى مصدر للرزق يؤمن لقمة العيش لهم، حيث يبدأ موسم جني الفلين مع موفى شهر ماي ويتواصل حتّى شهر ديسمبر من كلّ عام، وتشرف عليه الوكالة الوطنية لاستغلال الغابات، موفرة فرص عمل لنحو 3800 شخص طيلة الموسم.
طقوس صمدت في وجه التكنولوجيا
زيارتنا إلى إحدى حظائر جني الخفاف بمعتمدية عين دراهم كشفت لنا في محيطها طقوس صمدت في وجه الزمن فإيقاع ضرب الساطور على الأشجار كأنها حوافر أحصنة في سباق الخيل.
وحسب ما أكده لنا العامل أحمد برينصي تنطلق الرحلة منذ بزوغ الفجر أين يقطع العمال مسافات طويلة للوصول الى النسق الذي تتم فيه عملية الجني.. هنا تتعالى الأصوات لتنظيم العملة والتزام كل فرد بمجموعته ودعوة «الحمالة» لنقل الخفاف كما تردد الجبال صدى أغاني تراثية وغزلية يرددها بعض العمال تحفزهم على العمل وبذل الجهد وتزيد الجماعة حماسا..
تنبعث رائحة الشاي من «المردومة»وهي المكان الذي يتم فيه جمع الخفاف وترصيفه من عمق الجبل وكذلك توزيع الماء للعمال والذي يتم جلبه بواسطة الدواب (البغال والأحمرة)، وأكد لنا البرينصي الذي اكتسب خبرة بايطاليا أن الحظيرة تتكون من رئيس وعمال تقشير وتجميع وتفريغ وعمال تنظيف الغابة وتوزيع الماء، مضيفا ان أدوات الجني تتمثل أساسا في «الساطور»والذي تتم بشفرته تحديد تاج الجني وشق الفلين وخلعه عن الطبق الأم، مؤكدا أنه لابد من أن يكون الساطور في أحسن الظروف لتفادي جرح الشجرة وتنطلق عمليات الجني من الساعة السابعة صباحا الى حدود الواحدة والنصف تتخللها استراحة قصيرة لتناول وجبة خفيفة ثم العودة الى العمل.
مصدر من مصلحة الغابات بعين دراهم تحدث لـ«الصباح»عن انطلاق موسم جني الخفاف منذ يوم 18جوان ليتواصل الى غاية 18 أوت وعن وجود 10حظائرتشغل حوالي 1200 عامل وتم رصد مليار و300 ألف دينار .
وأضاف نفس المصدر أن عائدات الخفاف تقدر سنويا بالمليارات بولاية جندوبة الى جانب ذلك أشار الى أن هناك حالات يمنع فيها جني الخفاف منها الطقس الممطر وعند هبوب الرياح وعند الطقس الحار جدا.
كما تحدث نفس المصدر عن أهمية شجرة الفرنان والتي لها عدة فوائد على مدار السنة الا أنها تعاني من عدة إشكاليات.
نقص اليد العاملة المختصة والتضاريس الصعبة يعيقان عملية الجني
تتواصل بجبال معتمديات ولاية جندوبة عملية جني الخفاف والتي انطلقت منذ منتصف شهر جوان الجاري وتسير الى حد الآن بنسق طبيعي، وتم هذه السنة رصد أكثر من 3 مليارات ما من شأنه سيوفر حوالي 2000 موطن شغل لسكان الغابات.
ولمواكبة عملية الجني تحولنا الى عمق جبال معتمديتي فرنانة وعين دراهم والوقوف على المعضلات التي تعيق عملية جني هذا المنتوج من خلال حظيرة عمل.
انطلقت رحلتنا من مقر إدارة الغابات بفرنانة والتي وفرت لنا جل الإمكانيات للقيام بهذا العمل الميداني وانطلقت الرحلة رفقة رئيس مركز غابات بالجهة كان يحدثنا خلالها على أهمية شجرة الفلين في الدورة الاقتصادية وما توفره من مواطن شغل لأبناء الجهة على مدار السنة الى جانب أهمية الغابة بالنسبة لسكان الأرياف في توفير مواطن الشغل.
ترجلنا الى حين وصولنا لحظيرة جني الخفاف أين كانت تتعالى الأصوات المنبعثة من وسط الغابة لترصيف لحاء شجرة الخفاف ،هنا تنبعث روائح عطرة لأشجار الريحان والإكليل والزعتر وتغمرك الأشجار المختلفة بظلالها الوارفة ،استقبلنا رئيس حظيرة وكان التعب مرسوما على وجهه اذ يقطع العشرات من الكيلومترات يوميا لتنظيم العملة (حوالي 60 عاملا) ومراقبتهم أثناء عملية الجني، حدثنا عن صعوبات عملية الجني والمتمثلة أساسا في صعوبة التضاريس ونقل الخفاف الى الأماكن السهلة بالإضافة الى نقص اليد العاملة وصعوبة عملية الجني مشيرا الى أن معظم العملة يقطعون مسافات طويلة للوصول الى مكان العمل راجلين.
من جهة أخرى عاينت «الصباح» صعوبة عملية الجني التي تتطلب تنظيما دقيقا في انتشار العملة ومراقبتهم دوريا خاصة حتى لا يلحقوا أضرارا بشجرة الفلين.
الشاب محمد برينصي عامل مختص في جني الخفاف أكد لنا أنه كان محظوظا بعد أن منحته احدى الجمعيات بالجهة فرصة للقيام بتربص ببنزرت (نظري وتطبيقي) كلل في النهاية بالنجاح، مشيرا الى صعوبة عملية الجني بالنسبة لعملية القص والتي تتطلب معرفة دقيقة بالشجرة وكيفية الحفاظ عليها .
من جهة أخرى، أكد لنا مصدر من مصلحة الغابات بجندوبة أن نقص اليد العاملة المختصة من شأنه أن يعيق عملية الجني متحدثا عن منح تربصات ناجحة في عملية الجني لبعض الشبان من خلال الخبرة وتتم مراقبتهم دوريا الى جانب نقص اليد العاملة اذ يتم أحيانا الاستنجاد بعملة من معتمدية عين دراهم في ظل عزوف الشباب عن المشاركة في جني الخفاف، كما تتطلب المساحة الشاسعة (500 هكتار) والمعدة للجني إمكانيات بشرية كبيرة فأحيانا لا يتم جني جل هذه المساحة المتواجدة في أماكن وعرة وبين غابات كثيفة يصعب اختراقها.
الصعوبات الطبيعية والبشرية التي تعرفها عملية جني الخفاف بجهة فرنانة لم تثن هؤلاء العملة على مواصلة عملهم بكل ثبات رغم الأجر المتواضع مقارنة بالمجهود المبذول ايمانا منهم بأن شجرة الفلين تدر بخيراتها على المجموعة الوطنية على مدار السنة والحفاظ عليها واجب وطني وما يحسب لإدارة الغابات بالجهة أنه لم يقع تسجيل حرائق الى حد الآن .
وحول أهم الإشكاليات التي تعاني منها دوائر الغابات بولاية جندوبة مع انطلاق كل موسم جني، أكد لنا مصدر من مصلحة الغابات بالجهة أنها تتمثل أساسا في غياب اليد العاملة المختصة اذ كانت هناك طقوس لابد أن يمر بها العامل للوصول الى مسك «الساطور» وإزالة لحاء الشجرة منها العمر والتجربة والخضوع لامتحان تطبيقي أمام الأعوان ورغم تكوين حوالي 60عاملا في مجال جني الخفاف الا أن هذا العدد ضئيل ولا يمكن أن يغطي المناطق المستهدفة مع انطلاق كل موسم ما أثر سلبا على إصابة المئات من الأشجار بجروح.
ومن أهم الآفات وأخطرها على الغطاء الغابي الحرائق الموسمية والتي تتسبب سنويا في إتلاف الآلاف من الهكتارات من الغابات الطبيعية ويصعب تشبيب المساحات المحروقة عن طريق التشجير.
إلى جانب ذلك فان عمال حظائر الخفاف يعتبرون ان الأجور لم تستجب لتطلعاتهم مقارنة بغلاء المعيشة بالإضافة إلى تأخر الحصول على مستحفاتهم المالية رغم ان الأموال مرصودة وينتظرون أحياناً الحصول على مستحقاتهم إلى شهر سبتمبر القادم.
وتجدر الإشارة إلى أن شجرة الفرنان عندما تنبت لا تدخل في طور الإنتاج إلا بعد أن تبلغ أربعين سنة من العمر وعندما تصهد بالنيران أثناء الحرائق فإعادة اخضرارها تخضع لنسبة الصهد وكلما كانت نسبة الصهد عالية كلما كانت نسبة التيبس والموت اكبر وغالبا ما تصيبها الأمراض الفطرية جراء حرق غلاف ساقها. وفي دراسة استغرقت 14 سنة، أكد يوسف سعيدي (دكتور بمعهد للغابات والمراعي بطبرقة) أن حرائق أشجار الفلين ظاهرة معقدة من حيث انتشارها وطريقة فعاليتها وآثارها على البيئة، مشيرا الى أشجار الزان أو الفلين المحروقة اما أن تتلف نهائيا أو تستأنف بسرعة ذلك أن الحرائق عاملا أساسيا في تنشيط الغابات الشعراء باستثناء الأشجار الكبيرة الحجم
كما تعاني شجرة الفلين من الاستغلال العشوائي لتحويلها الى فحم وتعرضت مساحات هامة الى القص للتدفئة أو لاغراض اخرى الى جانب تعرض هذه الشجرة الى أمراض فطرية متنوعة الا ان دوائر الغابات كانت بالمرصاد لأعداء البيئة .
عناية هامة بشجرة الفلين رغم الصعوبات
أكد نور الدين زغدودي رئيس مجمع التنمية الفلاحي بعمادة وادي الزان عن انطلاق تنفيذ مشروع كوري تونسي لتجديد غابات «الفلين» (الخفّاف) بمعتمديتي «عين دراهم» و«فرنانة» من ولايتي جندوبة، حيث شرعت الوكالة الكورية الجنوبية للتعاون الفني «كويسا» والادارة العامة للغابات والمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة في تنفيذ بنود اتفاقية ممضاة ومتعلقة بإنجاز مشروع نموذجي بحثي تنموي لتجديد غابات الفلين بالجهة بتمويل كوري ناهزت قيمته مليوني دولار أمريكي.
وأشار الى ان هذا المشروع الذي تمتد فترة تنفيذه على 4 سنوات يهدف الى إحكام التصرّف المستديم في الموارد الغابية وتجديد غابات الفلين التي انتهى عمرها الافتراضي، وإنعاش المنظومة البيئية، وبعث منابت لانتاج الفلين، وتحسين دخل السكان المحليين عبر تمويل مشاريع صغيرة على غرار تربية النحل وزراعة الاشجار المثمرة وتقطير الزيوت وصناعة التحف وغيرها من المشاريع التي تتماشى وخصوصية الجهة حسب ما تضمنته الاتفاقية المبرمة بين الطرفين، مضيفا أن مشروع تجديد غابات الفلين بعمادة وادي الزان في طريقه الى النجاح بفضل مجهود العمال.
◗ عمار مويهبي
تبلغ المساحة الجملية للغابات بولاية جندوبة 120 ألف هكتار منها 63 ألف هكتار بمعتمديتي عين دراهم وطبرقة والمساحات المتبقية مُوزعة على بقية المعتمديات الأخرى أهمها فرنانة وغار الدماء وبوسالم وبلطة بوعوان.
ويحتوي هذا المخزون الطبيعي الهام على العديد من المكونات منها الحدائق الوطنية والمحميات الطبيعية والمناطق الرطبة والغابات المنتجة والمراعي الخصبة والمخزون المائي والحيوانات البرية والتي تكون منظومة بيئية متنوعة.
شجرة الفلين.. عطاء غزير
وتتميز ولاية جندوبة بتنوع منتوجها الغابي منه خاصة الأشجار مثل الزان والريحان والغابات الشعرات والفلين فهذه الشجرة التي تعرف بصغر قوامها اذ أن طولها لا يتعدى 15 مترا وتتميز بجذع قصير وتفرع منتشر وببطء نموها ويمكن ان تعيش أكثر من 300 سنة في حال عدم استغلال هذه الشجرة ومن 100 الى 150 سنة عند استغلاله وتسمى ثمار شجرة الفلين البلوط وهي متفاوتة الحجم لها شكل طويل وطرف قصير يحتوي على الشعر وتبدأ في الظهور حين بلوغ الشجرة مابين 15 و20 سنة وتمثل غابات الفلين 76 بالمائة بولاية جندوبة فحين تتوزع بقية المساحات بين ولايتي باجة 16 بالمائة وولاية بنزرت 8 بالمائة.
وتساهم شجرة الفلين من الناحية البيئية في حماية التربة والمياه والحد من الفيضانات وتنقية الهواء وتظم أيضا حيوانات برية مختلفة كالأيل الأطلسي والخنزير الوحشي وابن آوى الى جانب 700 نوع من النباتات الشعراء والكثير من الطيور المستقرة والمهاجرة وعدة أنواع من الفطر.
وينتفع سكان أرياف ومدن ولاية جندوبة من شجرة الفلين بطرق شتى منها الحطب أثناء فصل الشتاء والعلف للحيوانات من خلال إنتاجها ثمرة البلوط الى جانب ما توفره من أيام عمل يتجاوز الألف يوم في السنة.
وتعتبر مادة «الخفّاف» من أهم المنتوجات الغابية الأساسية التي توفرها غابات ولاية جندوبة حيث يقدر معدل إنتاجها السنوي بـ 70 ألف قنطار وتساهم بنسبة 90 بالمائة من مجمل الإنتاج الوطني، حيث تتوفّر الولاية على 60 ألف هكتار من الغابات بما يعادل 50 بالمائة من المساحة الغابيّة بكامل جهة الشمال الغرب
ويوجّه هذا المنتوج بنسبة 90 بالمائة إلى التّصدير منها 70 بالمائة نحو بلدان أوروبا الجنوبية على غرار البرتغال التي تستقبل وحدها 59 بالمائة من الإنتاج ثم ايطاليا بنسبة 11 بالمائة، ويضطلع إنتاج «الخفّاف» في الجهة بدور محوري في تنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية إذ يوفّر حوالي 4800 موطن شغل وقرابة 150 ألف يوم عمل في السنة، ويقوم معمل الخفاف بطبرقة بتحويل كامل إنتاج الجهة إلى منتوجات متنوعة كالسّدادات والاسطوانات وحبات الخفاف.
ويتصدّر موسم جني «الفلين» (الخفّاف) اهتمامات وأنشطة سكان المنطقة الواقعة شمال غربي البلاد، فبعد أن كان حصاده من التقاليد التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، تحوّل شيئاً فشيئاً إلى مصدر للرزق يؤمن لقمة العيش لهم، حيث يبدأ موسم جني الفلين مع موفى شهر ماي ويتواصل حتّى شهر ديسمبر من كلّ عام، وتشرف عليه الوكالة الوطنية لاستغلال الغابات، موفرة فرص عمل لنحو 3800 شخص طيلة الموسم.
طقوس صمدت في وجه التكنولوجيا
زيارتنا إلى إحدى حظائر جني الخفاف بمعتمدية عين دراهم كشفت لنا في محيطها طقوس صمدت في وجه الزمن فإيقاع ضرب الساطور على الأشجار كأنها حوافر أحصنة في سباق الخيل.
وحسب ما أكده لنا العامل أحمد برينصي تنطلق الرحلة منذ بزوغ الفجر أين يقطع العمال مسافات طويلة للوصول الى النسق الذي تتم فيه عملية الجني.. هنا تتعالى الأصوات لتنظيم العملة والتزام كل فرد بمجموعته ودعوة «الحمالة» لنقل الخفاف كما تردد الجبال صدى أغاني تراثية وغزلية يرددها بعض العمال تحفزهم على العمل وبذل الجهد وتزيد الجماعة حماسا..
تنبعث رائحة الشاي من «المردومة»وهي المكان الذي يتم فيه جمع الخفاف وترصيفه من عمق الجبل وكذلك توزيع الماء للعمال والذي يتم جلبه بواسطة الدواب (البغال والأحمرة)، وأكد لنا البرينصي الذي اكتسب خبرة بايطاليا أن الحظيرة تتكون من رئيس وعمال تقشير وتجميع وتفريغ وعمال تنظيف الغابة وتوزيع الماء، مضيفا ان أدوات الجني تتمثل أساسا في «الساطور»والذي تتم بشفرته تحديد تاج الجني وشق الفلين وخلعه عن الطبق الأم، مؤكدا أنه لابد من أن يكون الساطور في أحسن الظروف لتفادي جرح الشجرة وتنطلق عمليات الجني من الساعة السابعة صباحا الى حدود الواحدة والنصف تتخللها استراحة قصيرة لتناول وجبة خفيفة ثم العودة الى العمل.
مصدر من مصلحة الغابات بعين دراهم تحدث لـ«الصباح»عن انطلاق موسم جني الخفاف منذ يوم 18جوان ليتواصل الى غاية 18 أوت وعن وجود 10حظائرتشغل حوالي 1200 عامل وتم رصد مليار و300 ألف دينار .
وأضاف نفس المصدر أن عائدات الخفاف تقدر سنويا بالمليارات بولاية جندوبة الى جانب ذلك أشار الى أن هناك حالات يمنع فيها جني الخفاف منها الطقس الممطر وعند هبوب الرياح وعند الطقس الحار جدا.
كما تحدث نفس المصدر عن أهمية شجرة الفرنان والتي لها عدة فوائد على مدار السنة الا أنها تعاني من عدة إشكاليات.
نقص اليد العاملة المختصة والتضاريس الصعبة يعيقان عملية الجني
تتواصل بجبال معتمديات ولاية جندوبة عملية جني الخفاف والتي انطلقت منذ منتصف شهر جوان الجاري وتسير الى حد الآن بنسق طبيعي، وتم هذه السنة رصد أكثر من 3 مليارات ما من شأنه سيوفر حوالي 2000 موطن شغل لسكان الغابات.
ولمواكبة عملية الجني تحولنا الى عمق جبال معتمديتي فرنانة وعين دراهم والوقوف على المعضلات التي تعيق عملية جني هذا المنتوج من خلال حظيرة عمل.
انطلقت رحلتنا من مقر إدارة الغابات بفرنانة والتي وفرت لنا جل الإمكانيات للقيام بهذا العمل الميداني وانطلقت الرحلة رفقة رئيس مركز غابات بالجهة كان يحدثنا خلالها على أهمية شجرة الفلين في الدورة الاقتصادية وما توفره من مواطن شغل لأبناء الجهة على مدار السنة الى جانب أهمية الغابة بالنسبة لسكان الأرياف في توفير مواطن الشغل.
ترجلنا الى حين وصولنا لحظيرة جني الخفاف أين كانت تتعالى الأصوات المنبعثة من وسط الغابة لترصيف لحاء شجرة الخفاف ،هنا تنبعث روائح عطرة لأشجار الريحان والإكليل والزعتر وتغمرك الأشجار المختلفة بظلالها الوارفة ،استقبلنا رئيس حظيرة وكان التعب مرسوما على وجهه اذ يقطع العشرات من الكيلومترات يوميا لتنظيم العملة (حوالي 60 عاملا) ومراقبتهم أثناء عملية الجني، حدثنا عن صعوبات عملية الجني والمتمثلة أساسا في صعوبة التضاريس ونقل الخفاف الى الأماكن السهلة بالإضافة الى نقص اليد العاملة وصعوبة عملية الجني مشيرا الى أن معظم العملة يقطعون مسافات طويلة للوصول الى مكان العمل راجلين.
من جهة أخرى عاينت «الصباح» صعوبة عملية الجني التي تتطلب تنظيما دقيقا في انتشار العملة ومراقبتهم دوريا خاصة حتى لا يلحقوا أضرارا بشجرة الفلين.
الشاب محمد برينصي عامل مختص في جني الخفاف أكد لنا أنه كان محظوظا بعد أن منحته احدى الجمعيات بالجهة فرصة للقيام بتربص ببنزرت (نظري وتطبيقي) كلل في النهاية بالنجاح، مشيرا الى صعوبة عملية الجني بالنسبة لعملية القص والتي تتطلب معرفة دقيقة بالشجرة وكيفية الحفاظ عليها .
من جهة أخرى، أكد لنا مصدر من مصلحة الغابات بجندوبة أن نقص اليد العاملة المختصة من شأنه أن يعيق عملية الجني متحدثا عن منح تربصات ناجحة في عملية الجني لبعض الشبان من خلال الخبرة وتتم مراقبتهم دوريا الى جانب نقص اليد العاملة اذ يتم أحيانا الاستنجاد بعملة من معتمدية عين دراهم في ظل عزوف الشباب عن المشاركة في جني الخفاف، كما تتطلب المساحة الشاسعة (500 هكتار) والمعدة للجني إمكانيات بشرية كبيرة فأحيانا لا يتم جني جل هذه المساحة المتواجدة في أماكن وعرة وبين غابات كثيفة يصعب اختراقها.
الصعوبات الطبيعية والبشرية التي تعرفها عملية جني الخفاف بجهة فرنانة لم تثن هؤلاء العملة على مواصلة عملهم بكل ثبات رغم الأجر المتواضع مقارنة بالمجهود المبذول ايمانا منهم بأن شجرة الفلين تدر بخيراتها على المجموعة الوطنية على مدار السنة والحفاظ عليها واجب وطني وما يحسب لإدارة الغابات بالجهة أنه لم يقع تسجيل حرائق الى حد الآن .
وحول أهم الإشكاليات التي تعاني منها دوائر الغابات بولاية جندوبة مع انطلاق كل موسم جني، أكد لنا مصدر من مصلحة الغابات بالجهة أنها تتمثل أساسا في غياب اليد العاملة المختصة اذ كانت هناك طقوس لابد أن يمر بها العامل للوصول الى مسك «الساطور» وإزالة لحاء الشجرة منها العمر والتجربة والخضوع لامتحان تطبيقي أمام الأعوان ورغم تكوين حوالي 60عاملا في مجال جني الخفاف الا أن هذا العدد ضئيل ولا يمكن أن يغطي المناطق المستهدفة مع انطلاق كل موسم ما أثر سلبا على إصابة المئات من الأشجار بجروح.
ومن أهم الآفات وأخطرها على الغطاء الغابي الحرائق الموسمية والتي تتسبب سنويا في إتلاف الآلاف من الهكتارات من الغابات الطبيعية ويصعب تشبيب المساحات المحروقة عن طريق التشجير.
إلى جانب ذلك فان عمال حظائر الخفاف يعتبرون ان الأجور لم تستجب لتطلعاتهم مقارنة بغلاء المعيشة بالإضافة إلى تأخر الحصول على مستحفاتهم المالية رغم ان الأموال مرصودة وينتظرون أحياناً الحصول على مستحقاتهم إلى شهر سبتمبر القادم.
وتجدر الإشارة إلى أن شجرة الفرنان عندما تنبت لا تدخل في طور الإنتاج إلا بعد أن تبلغ أربعين سنة من العمر وعندما تصهد بالنيران أثناء الحرائق فإعادة اخضرارها تخضع لنسبة الصهد وكلما كانت نسبة الصهد عالية كلما كانت نسبة التيبس والموت اكبر وغالبا ما تصيبها الأمراض الفطرية جراء حرق غلاف ساقها. وفي دراسة استغرقت 14 سنة، أكد يوسف سعيدي (دكتور بمعهد للغابات والمراعي بطبرقة) أن حرائق أشجار الفلين ظاهرة معقدة من حيث انتشارها وطريقة فعاليتها وآثارها على البيئة، مشيرا الى أشجار الزان أو الفلين المحروقة اما أن تتلف نهائيا أو تستأنف بسرعة ذلك أن الحرائق عاملا أساسيا في تنشيط الغابات الشعراء باستثناء الأشجار الكبيرة الحجم
كما تعاني شجرة الفلين من الاستغلال العشوائي لتحويلها الى فحم وتعرضت مساحات هامة الى القص للتدفئة أو لاغراض اخرى الى جانب تعرض هذه الشجرة الى أمراض فطرية متنوعة الا ان دوائر الغابات كانت بالمرصاد لأعداء البيئة .
عناية هامة بشجرة الفلين رغم الصعوبات
أكد نور الدين زغدودي رئيس مجمع التنمية الفلاحي بعمادة وادي الزان عن انطلاق تنفيذ مشروع كوري تونسي لتجديد غابات «الفلين» (الخفّاف) بمعتمديتي «عين دراهم» و«فرنانة» من ولايتي جندوبة، حيث شرعت الوكالة الكورية الجنوبية للتعاون الفني «كويسا» والادارة العامة للغابات والمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة في تنفيذ بنود اتفاقية ممضاة ومتعلقة بإنجاز مشروع نموذجي بحثي تنموي لتجديد غابات الفلين بالجهة بتمويل كوري ناهزت قيمته مليوني دولار أمريكي.
وأشار الى ان هذا المشروع الذي تمتد فترة تنفيذه على 4 سنوات يهدف الى إحكام التصرّف المستديم في الموارد الغابية وتجديد غابات الفلين التي انتهى عمرها الافتراضي، وإنعاش المنظومة البيئية، وبعث منابت لانتاج الفلين، وتحسين دخل السكان المحليين عبر تمويل مشاريع صغيرة على غرار تربية النحل وزراعة الاشجار المثمرة وتقطير الزيوت وصناعة التحف وغيرها من المشاريع التي تتماشى وخصوصية الجهة حسب ما تضمنته الاتفاقية المبرمة بين الطرفين، مضيفا أن مشروع تجديد غابات الفلين بعمادة وادي الزان في طريقه الى النجاح بفضل مجهود العمال.
◗ عمار مويهبي