لمواجهة شبح تراجع نسب الخصوبة والتهرّم السكاني التشجيع على الولادات ضرورة.. لكن بأيّة كلفة؟
مقالات الصباح
قال وزير الصحة مصطفى الفرجاني إنّه يجب وضع سياسة جديدة للتشجيع على الولادات، مشدّدًا في الجلسة التي انعقدت بالبرلمان أول أمس، على ضرورة وضع رؤية مشتركة لإصلاح النمو الديمغرافي وتحسين الولادات.
ومنذ فترة، بدأت التحذيرات من عمق التحولات الديمغرافية في المجتمع التونسي ونوعية التحديات القادمة المرتبطة به. وجاءت نتائج التعداد السكاني الأخير لتؤكّد تلك المؤشرات، وتضع الإشكاليات المطروحة على طاولة الحكومة بدرجة أولى، إلى جانب بقية الأطراف المعنية، للتفكير بجدّية في إجراءات عملية للتعامل مع المعطيات والتحديات القادمة.
وأشار وزير الصحة في نفس الجلسة إلى ضرورة «وضع إستراتيجية صحية مشتركة مبنية على الأولويات، خاصة مع نقص الولادات..».
غياب تجديد الأجيال
يفيد المختصّون أن السبب الأول لتراجع نسبة النمو هو تراجع عدد عقود الزواج (من 92 ألف عقد سنتي 2016 و2017 إلى 65 ألف عقد سنة 2020 و78 ألف عقد سنة 2022). كما أن تراجع عدد الزيجات في تونس أدّى إلى تراجع عدد الولادات (من 222 ألفًا سنة 2013 إلى 160 ألفًا سنة 2021).
ويعتبر الأستاذ الجامعي في الديموغرافيا الاجتماعية محمد علي بن زينة أنّ مؤشّر الخصوبة الحالي يدلّ على غياب تجديد الأجيال، مضيفًا في تصريح إعلامي مؤخرًا أنّ «الدراسات تؤكّد غياب نية واضحة لتغيير السلوك الإنجابي في تونس، في ظلّ تراجع نسب الزواج والولادات، وتصاعد كلفة المعيشة، وتواتر الأزمات الصحية، ما يدفع الكثير من التونسيين إلى تأجيل مشروع الزواج والإنجاب».
ووفق البحوث والدراسات، يُتوقّع أن يواصل معدل الخصوبة تراجعه في السنوات المقبلة، وقد يشهد المجتمع التونسي بين سنة 2035 وسنة 2040 تهرّمًا سكانيًا، على شاكلة كل الدول التي اعتمدت سياسات تحديد النسل.
ويبلغ متوسّط العمر في تونس 35 سنة، ما يعني أنّ شكل الهرم السكاني يتّخذ منحى التهرّم. وبلغ مؤشّر الشيخوخة 73.9 % في التعداد العام لسنة 2024، مقارنة
بـ23.9 % فقط في تعداد 1994. كما تراجع معدل الخصوبة، الذي بلغ 1.7 طفل لكلّ امرأة، في حين أنّ المعدّل المطلوب لضمان التوازن الديمغرافي هو 2.1 طفل لكل امرأة متزوجة.
وأصبح الوضع يستدعي توجّهًا حكوميًا نحو إدماج المعطى الديمغرافي في التخطيط الاستراتيجي، مع تغيير أولويات التنمية، لمواجهة التحديات القادمة في علاقة بالشيخوخة وضعف نسبة الولادات.
مراجعة السياسات الاجتماعية
في سياق آخر، حذّر مؤخرًا وزير الاقتصاد والتخطيط، سمير عبد الحفيظ، من التوجه المتسارع نحو «التهرّم السكاني»، معتبرًا أنه «بات من الضروري التأقلم مع هذه الوضعية الجديدة عبر مراجعة السياسات الاجتماعية لتتلاءم مع حاجيات الفئات العمرية الأكبر، في ظلّ تراجع نسبة الأطفال والشباب ضمن الهرم السكاني».
كما صرّح في هذا الصدد المدير الفني للتعداد العام للسكان والسكنى، عبد القادر الطلحاوي، قائلًا: «ربّما حان الوقت لمُراجعة السياسات الديمغرافية نحو التشجيع على الإنجاب».
وتجدر الإشارة إلى لجوء عديد البلدان إلى اعتماد سياسات جديدة لمواجهة تقلّص الولادات والتهرّم السكاني، على غرار لجوء السلطات في تايلاند إلى المنح النقدية والحوافز الضريبية من أجل التحفيز على الإنجاب.
كما أعلنت سابقًا الحكومة المجرية عن برنامج إعفاءات ضريبية، وحوافز مالية، وقروض تشجيعية قد تبلغ 30 ألف يورو للآباء الراغبين في الإنجاب، وذلك في إطار مساعي الدولة لتشجيع مواطنيها على زيادة معدل الإنجاب.
ويعتبر بعض المختصين أن تشجيع الولادات يتطلّب إجراءات مثل التشجيع على الزواج، بتقديم منح لمن يتزوجون في سنّ مبكرة ومنحهم الأولوية في العمل، إلى جانب التفكير في إعفاءات ضريبية لتخفيف الضغوط المالية، وإجراءات مساندة ومرافقة اجتماعية في حضانة الأطفال، لا سيما للأم العاملة.
لكن يظل الإشكال المطروح: هل تقدر تونس، في ظلّ الصعوبات والتحديات المالية والاقتصادية، على التسريع في اتخاذ مثل هذه القرارات التي تكون لها كلفة على المجموعة الوطنية؟
◗ م. ي
قال وزير الصحة مصطفى الفرجاني إنّه يجب وضع سياسة جديدة للتشجيع على الولادات، مشدّدًا في الجلسة التي انعقدت بالبرلمان أول أمس، على ضرورة وضع رؤية مشتركة لإصلاح النمو الديمغرافي وتحسين الولادات.
ومنذ فترة، بدأت التحذيرات من عمق التحولات الديمغرافية في المجتمع التونسي ونوعية التحديات القادمة المرتبطة به. وجاءت نتائج التعداد السكاني الأخير لتؤكّد تلك المؤشرات، وتضع الإشكاليات المطروحة على طاولة الحكومة بدرجة أولى، إلى جانب بقية الأطراف المعنية، للتفكير بجدّية في إجراءات عملية للتعامل مع المعطيات والتحديات القادمة.
وأشار وزير الصحة في نفس الجلسة إلى ضرورة «وضع إستراتيجية صحية مشتركة مبنية على الأولويات، خاصة مع نقص الولادات..».
غياب تجديد الأجيال
يفيد المختصّون أن السبب الأول لتراجع نسبة النمو هو تراجع عدد عقود الزواج (من 92 ألف عقد سنتي 2016 و2017 إلى 65 ألف عقد سنة 2020 و78 ألف عقد سنة 2022). كما أن تراجع عدد الزيجات في تونس أدّى إلى تراجع عدد الولادات (من 222 ألفًا سنة 2013 إلى 160 ألفًا سنة 2021).
ويعتبر الأستاذ الجامعي في الديموغرافيا الاجتماعية محمد علي بن زينة أنّ مؤشّر الخصوبة الحالي يدلّ على غياب تجديد الأجيال، مضيفًا في تصريح إعلامي مؤخرًا أنّ «الدراسات تؤكّد غياب نية واضحة لتغيير السلوك الإنجابي في تونس، في ظلّ تراجع نسب الزواج والولادات، وتصاعد كلفة المعيشة، وتواتر الأزمات الصحية، ما يدفع الكثير من التونسيين إلى تأجيل مشروع الزواج والإنجاب».
ووفق البحوث والدراسات، يُتوقّع أن يواصل معدل الخصوبة تراجعه في السنوات المقبلة، وقد يشهد المجتمع التونسي بين سنة 2035 وسنة 2040 تهرّمًا سكانيًا، على شاكلة كل الدول التي اعتمدت سياسات تحديد النسل.
ويبلغ متوسّط العمر في تونس 35 سنة، ما يعني أنّ شكل الهرم السكاني يتّخذ منحى التهرّم. وبلغ مؤشّر الشيخوخة 73.9 % في التعداد العام لسنة 2024، مقارنة
بـ23.9 % فقط في تعداد 1994. كما تراجع معدل الخصوبة، الذي بلغ 1.7 طفل لكلّ امرأة، في حين أنّ المعدّل المطلوب لضمان التوازن الديمغرافي هو 2.1 طفل لكل امرأة متزوجة.
وأصبح الوضع يستدعي توجّهًا حكوميًا نحو إدماج المعطى الديمغرافي في التخطيط الاستراتيجي، مع تغيير أولويات التنمية، لمواجهة التحديات القادمة في علاقة بالشيخوخة وضعف نسبة الولادات.
مراجعة السياسات الاجتماعية
في سياق آخر، حذّر مؤخرًا وزير الاقتصاد والتخطيط، سمير عبد الحفيظ، من التوجه المتسارع نحو «التهرّم السكاني»، معتبرًا أنه «بات من الضروري التأقلم مع هذه الوضعية الجديدة عبر مراجعة السياسات الاجتماعية لتتلاءم مع حاجيات الفئات العمرية الأكبر، في ظلّ تراجع نسبة الأطفال والشباب ضمن الهرم السكاني».
كما صرّح في هذا الصدد المدير الفني للتعداد العام للسكان والسكنى، عبد القادر الطلحاوي، قائلًا: «ربّما حان الوقت لمُراجعة السياسات الديمغرافية نحو التشجيع على الإنجاب».
وتجدر الإشارة إلى لجوء عديد البلدان إلى اعتماد سياسات جديدة لمواجهة تقلّص الولادات والتهرّم السكاني، على غرار لجوء السلطات في تايلاند إلى المنح النقدية والحوافز الضريبية من أجل التحفيز على الإنجاب.
كما أعلنت سابقًا الحكومة المجرية عن برنامج إعفاءات ضريبية، وحوافز مالية، وقروض تشجيعية قد تبلغ 30 ألف يورو للآباء الراغبين في الإنجاب، وذلك في إطار مساعي الدولة لتشجيع مواطنيها على زيادة معدل الإنجاب.
ويعتبر بعض المختصين أن تشجيع الولادات يتطلّب إجراءات مثل التشجيع على الزواج، بتقديم منح لمن يتزوجون في سنّ مبكرة ومنحهم الأولوية في العمل، إلى جانب التفكير في إعفاءات ضريبية لتخفيف الضغوط المالية، وإجراءات مساندة ومرافقة اجتماعية في حضانة الأطفال، لا سيما للأم العاملة.
لكن يظل الإشكال المطروح: هل تقدر تونس، في ظلّ الصعوبات والتحديات المالية والاقتصادية، على التسريع في اتخاذ مثل هذه القرارات التي تكون لها كلفة على المجموعة الوطنية؟
◗ م. ي