إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رئيس الجمهورية يرسم ملامح عقد اجتماعي جديد.. العامل محور أساسي في إعادة بناء الدولة

 

خلال لقائه الأخير بوزيري الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر وتكنولوجيات الاتصال سفيان الهميسي، رسم رئيس الجمهورية قيس سعيّد ملامح مناخ العمل الجديد الذي يرنو إلى ترسيخه في تونس. فحمل اللقاء تصورا يقوم على أبعاد إنسانية وسياسية أعاد من خلاله الاعتبار للعامل كركيزة من ركائز الدولة. فلقاء رئيس الجمهورية مع الوزيرين المذكورين حمل أيضا في طياته جملة من الرسائل التي تحمل دلالات سياسية واجتماعية تتجاوز مجرّد التصريحات البروتوكولية بما يعكس رؤية شاملة لإصلاح مناخ العمل في تونس تقوم على فلسفة تجعل من العامل محورًا أساسيًا في إعادة بناء الدولة.

يعكس اللقاء رؤية متكاملة لمكانة العامل في الدولة والمجتمع ويؤسس لعلاقة جديدة يُراد ترسيخها بين الفرد والمؤسسة، تقوم على الكرامة والاستقرار والانتماء. وهي فلسفة تستمد جذورها من مبادئ العدالة الاجتماعية التي أكد رئيس الجمهورية على ضرورة تفعيلها.

فقد استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد عصر أول أمس بقصر قرطاج كلاّ من وزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر ووزير تكنولوجيّات الاتصال سفيان الهميسي.

وشدد رئيس الدّولة في مستهلّ هذا اللّقاء على أنّ الحلول في كافّة المجالات يجب أن تكون شاملة وتتنزّل في إطار مقاربة وطنيّة قوامها تحقيق انتظارات الشعب في كلّ المناطق وفي سائر القطاعات.

وفي هذا الإطار، أوضح رئيس الجمهورية أنّه يعمل على أن يكون مشروع الأمر المتعلّق بمنع ما اصطلح على تسميته بالمناولة في القطاع العمومي نصّا يقطع نهائيا، كما حصل ذلك بعد التنقيح الأخير لمجلة الشغل، مع هذه العبودية المُقنّعة بشرعية زائفة ظالمة تحلّ محلّها شرعيّة مشروعة تقوم على احترام الكرامة البشرية.

وقرّر رئيس الدّولة أن يتضمّن مشروع الأمر حلّ شركة الاتّصالية للخدمات وانتداب أعوانها. كما قرّر إدماج الأعوان المستخدمين في إطار هذا الصّنف من العقود في آخر مراكز عمل يباشرون فيها عملهم لدى الجهات المستفيدة وفق أنظمتها الأساسية وبناء على ضوابط متناسقة مع ما ورد من أحكام في التنقيح الأخير لمجلة الشغل.

كما أكّد رئيس الجمهورية على أنّ العون حين يشعر بالاستقرار ويُرفع عنه الضّيم وتُفتح الآفاق أمامه يستبطن المؤسسة التي يعمل بها ويزيد بذله وإنتاجه وتتغيّر كلّيا علاقته بالمؤسّسة التي يعمل بها.

كما تعرّض رئيس الدّولة إلى أنّ من يمارس ضغوطا على العُمّال أو يتحايل على تطبيق القانون حتّى يغبط العمّال حقوقهم لن يبقى خارج المساءلة القانونية، فتشريعات الدّولة حين تُوضع يجب أن تُنفّذ، وكلّ من يخالفها عليه أن يتحمّل، وفق القانون، تبعات أفعاله. 

وأشار إلى أنّ الغاية ليست التنكيل بأحد بل إنّ المقصد هو على النقيض من ذلك تماما ويتمثّل في وضع حدّ نهائيّ للضيم والتنكيل، فحين ينتشر العدل ويتحقّق الاستقرار تنمو الثروة وينتفع بعائداتها الجميع.

ويٌستشف من هذا اللقاء بأن رئيس الجمهورية لا يتحدث عن مجرد أداء وظيفي للموظف ضمن علاقة شغلية تقليدية تربطه بمناخ عمله  بل  عن تحوّل جوهري في علاقة العامل بالمؤسسة تتجاوز مجرد عقد العمل والأجر المقدم إلى علاقة «جديدة تستمدّ جذورها من مبادئ العدالة الاجتماعية، هذه الركيزة الأساسية التي شدد رئيس الجمهورية مرارا وتكرارا في معرض خطاباته ولقاءاته على أهمية ترسيخها لتكون هذه العلاقة الشغلية أكثر عمقا وقانونية وخاصة تؤشر لشعور الموظف بالكرامة والأمان والاستقرار في محيطه المهني. فمن المتعارف عليه أنه حين يشعر العامل أن حقوقه مصانة ومحفوظة فإن ولاءه يصبح تلقائيا للمؤسسة التي ينتمي إليها ويكون أكثر استعدادًا للإبداع، والانخراط في تحقيق أهدافها، بل والدفاع عنها. وهي رسالة تعيد في جوهرها الاعتبار للعامل كفاعل أساسي في النسيج الوطني وتُلوح بمحاسبة من يصرّ على التعامل مع الأُجراء كأرقام لا كأشخاص. كما تمثل أيضا دعوة ضمنية لمؤسسات الدولة وهياكلها حتى تُثبت للعون أنها «مؤسسته» لا «عبئه» الذي يجد نفسه مجبرا على تحمله.

تحذيرات ورسائل مساءلة

وفي الإطار نفسه فإن لقاء رئيس الجمهورية بعضوي الحكومة حمل في طياته وفقا للمهتمين بالشأن العام تحذيرات واضحة وصريحة من قبل رئيس الجمهورية  لكل من «يمارس ضغوطا على العمال أو يتحايل على القانون ليغتصب حقوقهم»، مؤكدًا أن هؤلاء «لن يبقوا خارج دائرة المساءلة القانونية».

وهي رسالة تأتي في سياق اجتماعي دقيق، حيث  كثيرا ما يشتد الجدل حول مظاهر الضيم وعدم الإنصاف التي طالت فئات واسعة من العمال في القطاعين العام والخاص.

وفي هذا الخصوص يرى البعض أن رئيس الجمهورية ومن خلال تنصيصه على حفظ حقوق وكرامة العمال ودعوته مجددا إلى القطع نهائيا مع كل أشكال التشغيل الهش يؤسس لمرحلة أكثر صرامة في تطبيق القانون وذلك عبر تعزيز العدالة الاجتماعية من بوابة الحزم مع المعتدين على حقوق الأُجراء فحين يقول رئيس الجمهورية: «العون حين يشعر بالاستقرار ويُرفع عنه الضّيم وتُفتح الآفاق أمامه، يستبطن المؤسسة التي يعمل بها ويزيد بذله وإنتاجه»، فإنه يضع العامل في قلب مشروع إعادة بناء الدولة التي ترتكز إلى مبادئ العدالة الاجتماعية، وهو تصور لا يُنظر فيه إلى العامل كأداة تنفيذية تؤدي مهامها مقابل أجر بل يُعترف به كفاعل أساسي في ديمومة الدولة واستقرارها ليكون وفقا لهذه الرؤية شريكا في المشروع الوطني لا مجرّد منفذ لتعليمات إدارية.

من جهة أخرى وفي نفس السياق يرى كثيرون أن ربط رئيس الجمهورية بين الاستقرار النفسي للعامل وارتفاع الإنتاجية، يعكس إدراكا عميقا لديناميكيات ومقومات العمل الحديث. فالمؤسسة الناجحة، في أي دولة ما، هي تلك التي توفّر مناخا يدفع العامل إلى الإبداع لا إلى الهروب وإلى الالتزام لا إلى التذمّر.

وبهذا الطرح، تُصبح الكرامة والعدالة الاجتماعية ليست فقط مطالب إنسانية، بل أدوات فعلية لتحسين الأداء، وتطوير المرفق العام، وتعزيز التنمية.

عقد اجتماعي جديد

في هذا الخضم يري كثيرون أن لقاء رئيس الجمهورية بوزيري الشؤون الاجتماعية وتكنولوجيات الاتصال هو في جوهره تصوّر لعقد اجتماعي جديد يجعل من العامل مواطنا فاعلا مسؤولا ومؤثرا، عقد لا يختزل في راتب أو وظيفة بل يمثل ارتباطا وثيقا بين الحق في العمل والحق في الكرامة وبين الانضباط والانتماء وخاصة بين الإنتاج والمواطنة على اعتبار أنه يؤسس لمرحلة جديدة ومناخ عمل سليم يقوم على العدالة والإنصاف، وخاصة للفئة العاملة التي ظلت لسنوات تراوح بين التهميش والاستغلال.

منال حرزي

 

 رئيس الجمهورية يرسم ملامح عقد اجتماعي جديد..   العامل محور أساسي في إعادة بناء الدولة

 

خلال لقائه الأخير بوزيري الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر وتكنولوجيات الاتصال سفيان الهميسي، رسم رئيس الجمهورية قيس سعيّد ملامح مناخ العمل الجديد الذي يرنو إلى ترسيخه في تونس. فحمل اللقاء تصورا يقوم على أبعاد إنسانية وسياسية أعاد من خلاله الاعتبار للعامل كركيزة من ركائز الدولة. فلقاء رئيس الجمهورية مع الوزيرين المذكورين حمل أيضا في طياته جملة من الرسائل التي تحمل دلالات سياسية واجتماعية تتجاوز مجرّد التصريحات البروتوكولية بما يعكس رؤية شاملة لإصلاح مناخ العمل في تونس تقوم على فلسفة تجعل من العامل محورًا أساسيًا في إعادة بناء الدولة.

يعكس اللقاء رؤية متكاملة لمكانة العامل في الدولة والمجتمع ويؤسس لعلاقة جديدة يُراد ترسيخها بين الفرد والمؤسسة، تقوم على الكرامة والاستقرار والانتماء. وهي فلسفة تستمد جذورها من مبادئ العدالة الاجتماعية التي أكد رئيس الجمهورية على ضرورة تفعيلها.

فقد استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد عصر أول أمس بقصر قرطاج كلاّ من وزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر ووزير تكنولوجيّات الاتصال سفيان الهميسي.

وشدد رئيس الدّولة في مستهلّ هذا اللّقاء على أنّ الحلول في كافّة المجالات يجب أن تكون شاملة وتتنزّل في إطار مقاربة وطنيّة قوامها تحقيق انتظارات الشعب في كلّ المناطق وفي سائر القطاعات.

وفي هذا الإطار، أوضح رئيس الجمهورية أنّه يعمل على أن يكون مشروع الأمر المتعلّق بمنع ما اصطلح على تسميته بالمناولة في القطاع العمومي نصّا يقطع نهائيا، كما حصل ذلك بعد التنقيح الأخير لمجلة الشغل، مع هذه العبودية المُقنّعة بشرعية زائفة ظالمة تحلّ محلّها شرعيّة مشروعة تقوم على احترام الكرامة البشرية.

وقرّر رئيس الدّولة أن يتضمّن مشروع الأمر حلّ شركة الاتّصالية للخدمات وانتداب أعوانها. كما قرّر إدماج الأعوان المستخدمين في إطار هذا الصّنف من العقود في آخر مراكز عمل يباشرون فيها عملهم لدى الجهات المستفيدة وفق أنظمتها الأساسية وبناء على ضوابط متناسقة مع ما ورد من أحكام في التنقيح الأخير لمجلة الشغل.

كما أكّد رئيس الجمهورية على أنّ العون حين يشعر بالاستقرار ويُرفع عنه الضّيم وتُفتح الآفاق أمامه يستبطن المؤسسة التي يعمل بها ويزيد بذله وإنتاجه وتتغيّر كلّيا علاقته بالمؤسّسة التي يعمل بها.

كما تعرّض رئيس الدّولة إلى أنّ من يمارس ضغوطا على العُمّال أو يتحايل على تطبيق القانون حتّى يغبط العمّال حقوقهم لن يبقى خارج المساءلة القانونية، فتشريعات الدّولة حين تُوضع يجب أن تُنفّذ، وكلّ من يخالفها عليه أن يتحمّل، وفق القانون، تبعات أفعاله. 

وأشار إلى أنّ الغاية ليست التنكيل بأحد بل إنّ المقصد هو على النقيض من ذلك تماما ويتمثّل في وضع حدّ نهائيّ للضيم والتنكيل، فحين ينتشر العدل ويتحقّق الاستقرار تنمو الثروة وينتفع بعائداتها الجميع.

ويٌستشف من هذا اللقاء بأن رئيس الجمهورية لا يتحدث عن مجرد أداء وظيفي للموظف ضمن علاقة شغلية تقليدية تربطه بمناخ عمله  بل  عن تحوّل جوهري في علاقة العامل بالمؤسسة تتجاوز مجرد عقد العمل والأجر المقدم إلى علاقة «جديدة تستمدّ جذورها من مبادئ العدالة الاجتماعية، هذه الركيزة الأساسية التي شدد رئيس الجمهورية مرارا وتكرارا في معرض خطاباته ولقاءاته على أهمية ترسيخها لتكون هذه العلاقة الشغلية أكثر عمقا وقانونية وخاصة تؤشر لشعور الموظف بالكرامة والأمان والاستقرار في محيطه المهني. فمن المتعارف عليه أنه حين يشعر العامل أن حقوقه مصانة ومحفوظة فإن ولاءه يصبح تلقائيا للمؤسسة التي ينتمي إليها ويكون أكثر استعدادًا للإبداع، والانخراط في تحقيق أهدافها، بل والدفاع عنها. وهي رسالة تعيد في جوهرها الاعتبار للعامل كفاعل أساسي في النسيج الوطني وتُلوح بمحاسبة من يصرّ على التعامل مع الأُجراء كأرقام لا كأشخاص. كما تمثل أيضا دعوة ضمنية لمؤسسات الدولة وهياكلها حتى تُثبت للعون أنها «مؤسسته» لا «عبئه» الذي يجد نفسه مجبرا على تحمله.

تحذيرات ورسائل مساءلة

وفي الإطار نفسه فإن لقاء رئيس الجمهورية بعضوي الحكومة حمل في طياته وفقا للمهتمين بالشأن العام تحذيرات واضحة وصريحة من قبل رئيس الجمهورية  لكل من «يمارس ضغوطا على العمال أو يتحايل على القانون ليغتصب حقوقهم»، مؤكدًا أن هؤلاء «لن يبقوا خارج دائرة المساءلة القانونية».

وهي رسالة تأتي في سياق اجتماعي دقيق، حيث  كثيرا ما يشتد الجدل حول مظاهر الضيم وعدم الإنصاف التي طالت فئات واسعة من العمال في القطاعين العام والخاص.

وفي هذا الخصوص يرى البعض أن رئيس الجمهورية ومن خلال تنصيصه على حفظ حقوق وكرامة العمال ودعوته مجددا إلى القطع نهائيا مع كل أشكال التشغيل الهش يؤسس لمرحلة أكثر صرامة في تطبيق القانون وذلك عبر تعزيز العدالة الاجتماعية من بوابة الحزم مع المعتدين على حقوق الأُجراء فحين يقول رئيس الجمهورية: «العون حين يشعر بالاستقرار ويُرفع عنه الضّيم وتُفتح الآفاق أمامه، يستبطن المؤسسة التي يعمل بها ويزيد بذله وإنتاجه»، فإنه يضع العامل في قلب مشروع إعادة بناء الدولة التي ترتكز إلى مبادئ العدالة الاجتماعية، وهو تصور لا يُنظر فيه إلى العامل كأداة تنفيذية تؤدي مهامها مقابل أجر بل يُعترف به كفاعل أساسي في ديمومة الدولة واستقرارها ليكون وفقا لهذه الرؤية شريكا في المشروع الوطني لا مجرّد منفذ لتعليمات إدارية.

من جهة أخرى وفي نفس السياق يرى كثيرون أن ربط رئيس الجمهورية بين الاستقرار النفسي للعامل وارتفاع الإنتاجية، يعكس إدراكا عميقا لديناميكيات ومقومات العمل الحديث. فالمؤسسة الناجحة، في أي دولة ما، هي تلك التي توفّر مناخا يدفع العامل إلى الإبداع لا إلى الهروب وإلى الالتزام لا إلى التذمّر.

وبهذا الطرح، تُصبح الكرامة والعدالة الاجتماعية ليست فقط مطالب إنسانية، بل أدوات فعلية لتحسين الأداء، وتطوير المرفق العام، وتعزيز التنمية.

عقد اجتماعي جديد

في هذا الخضم يري كثيرون أن لقاء رئيس الجمهورية بوزيري الشؤون الاجتماعية وتكنولوجيات الاتصال هو في جوهره تصوّر لعقد اجتماعي جديد يجعل من العامل مواطنا فاعلا مسؤولا ومؤثرا، عقد لا يختزل في راتب أو وظيفة بل يمثل ارتباطا وثيقا بين الحق في العمل والحق في الكرامة وبين الانضباط والانتماء وخاصة بين الإنتاج والمواطنة على اعتبار أنه يؤسس لمرحلة جديدة ومناخ عمل سليم يقوم على العدالة والإنصاف، وخاصة للفئة العاملة التي ظلت لسنوات تراوح بين التهميش والاستغلال.

منال حرزي