إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الروائي شفيق الطارقي ‬لـ"الصباح": بعد الكومار الذهبي معركتي مع نفسي ومع أدواتي الفنية

شفيق‭ ‬الطارقي‭ ‬بدأ‭ ‬مسيرته‭ ‬مع‭ ‬الكتابة‭ ‬شاعرًا،‭ ‬ليغيّر‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬الرواية،‭ ‬مؤسسًا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬رؤيته‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬السردية،‭ ‬رؤية‭ ‬قوامها‭ ‬الأساسي‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الذات،‭ ‬وتشريح‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬وكشف‭ ‬غموضها،‭ ‬واستكشاف‭ ‬أسرارها‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فوزه‭ ‬بالكومار‭ ‬الذهبي‭ ‬عن‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬لمن‭ ‬تجمع‭ ‬وردك‭ ‬يا‭ ‬مكرم‮»‬‭ ‬مفاجأة،‭ ‬فقد‭ ‬أجمع‭ ‬النقاد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬هي‭ ‬كتابة‭ ‬جديدة‭ ‬للرواية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬يلتقي‭ ‬فيها‭ ‬السياسي‭ ‬بالوجودي،‭ ‬بلغة‭ ‬شعرية‭ ‬وجمالية‭ ‬سينمائية‭.‬

شفيق‭ ‬الطارقي‭ ‬التقته‭ ‬‮«‬الصباح‮»‬‭ ‬في‭ ‬حوار،‭ ‬هذه‭ ‬حصيلته‭:‬
‭*‬هل‭ ‬الكتابة‭ ‬قدر‭ ‬نبحث‭ ‬عنه،‭ ‬أم‭ ‬قدر‭ ‬مسلّط؟
‭- ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬الكتابة‭ ‬أشد‭ ‬تعقيدًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نختزله‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المرء‭ ‬يسعى‭ ‬إليها‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬القدر‭ ‬المسلّط‭. ‬وإذا‭ ‬ملنا‭ ‬إلى‭ ‬الموازنة،‭ ‬أمكننا‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الكاتب‭ ‬وفعل‭ ‬الكتابة‭ ‬قدر‭ ‬لا‭ ‬يكتمل‭ ‬إلا‭ ‬بشروط‭ ‬موضوعية‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬توفرها،‭ ‬ليكون‭ ‬هذا‭ ‬القدر‭ ‬منجزًا،‭ ‬متجليًا،‭ ‬وأثرًا‭ ‬مقيمًا‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الإنسانية‭. ‬قد‭ ‬يولد‭ ‬الإنسان‭ ‬موهوبًا‭ ‬باستعدادات‭ ‬طبيعية‭ ‬تجعله‭ ‬مؤهّلًا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬ليكتب،‭ ‬وليقيم‭ ‬علاقات‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬الكلمات‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬المألوف،‭ ‬ولينصت‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬بطريقة‭ ‬خاصة،‭ ‬وليلتقط‭ ‬ويرى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يراه‭ ‬الآخرون‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الهبة‭ ‬الطبيعية‭ ‬لابد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬معين‭ ‬معرفي،‭ ‬ومن‭ ‬وعي‭ ‬بالقوانين‭ ‬الشكلية‭ ‬والجمالية،‭ ‬ومن‭ ‬نهل‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬السابقة‭ ‬نهلًا‭ ‬متنوعًا‭. ‬فالكاتب‭ ‬الموهوب‭ ‬دون‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬المقروء‭ ‬لن‭ ‬يمضي‭ ‬بعيدًا،‭ ‬والكاتب‭ ‬العالِم‭ ‬دون‭ ‬موهبة‭ ‬سيجيء‭ ‬بنصوص‭ ‬لا‭ ‬روح‭ ‬فيها‭.‬
إن‭ ‬الناظر‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬الكتّاب‭ ‬المؤثرين‭ ‬سيرى‭ ‬أنهم‭ ‬قد‭ ‬جمعوا‭ ‬بين‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناصر‭ ‬أساسية‭: ‬الموهبة،‭ ‬والمعرفة،‭ ‬والتجربة‭. ‬المختص‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬بالضرورة‭ ‬شاعرًا،‭ ‬والمختص‭ ‬بالرواية‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬روائيًا‭ ‬بالضرورة،‭ ‬ولكنّ‭ ‬الشاعر‭ ‬أو‭ ‬الروائي‭ ‬إذا‭ ‬تعمق‭ ‬في‭ ‬نظرية‭ ‬الشعر‭ ‬وفي‭ ‬نظرية‭ ‬الرواية،‭ ‬أضاف‭ ‬وتطوّر،‭ ‬وجاء‭ ‬بالإبداع‭ ‬الخالص‭.‬
وفيما‭ ‬يخصني،‭ ‬فأنا‭ ‬لم‭ ‬أسعَ‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة،‭ ‬فأحلامي‭ ‬وأنا‭ ‬صغير‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬عن‭ ‬عوالمها،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجهة‭ ‬قدر‭ ‬ارتضيته،‭ ‬وسعيت‭ ‬من‭ ‬جهتي‭ ‬إلى‭ ‬تطويقه‭ ‬بما‭ ‬يجب‭ ‬من‭ ‬قراءات‭ ‬ومن‭ ‬معارف،‭ ‬وتوفرت‭ ‬لي‭ ‬تجارب‭ ‬أهدتني‭ ‬إياها‭ ‬الحياة،‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تطعيم‭ ‬الموهبة‭. ‬
‭* ‬بماذا‭ ‬تحتفظ‭ ‬ذاكرتك‭ ‬عن‭ ‬أول‭ ‬نص‭ ‬كتبته؟
‭- ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المقصود‭ ‬بأول‭ ‬النصوص‭ ‬أولها‭ ‬بالمعنى‭ ‬الذاتي،‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أتذكر‭ ‬أول‭ ‬نصوصي،‭ ‬لأنني‭ ‬بدأت‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬المراهقة،‭ ‬وفضلًا‭ ‬عن‭ ‬تميّزي‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬المواضيع‭ ‬المدرسية،‭ ‬فإنني‭ ‬قد‭ ‬وجدتني‭ ‬أكتب‭ ‬بعد‭ ‬دراستي‭ ‬للعروض‭ ‬أشعارًا‭ ‬موزونة،‭ ‬وجاءت‭ ‬النصوص‭ ‬تباعًا‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬نتف‭ ‬ومقاطع،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬قصائد‭ ‬تامة‭. ‬وإذا‭ ‬قصد‭ ‬السؤال‭ ‬أول‭ ‬نصوصي‭ ‬المنشورة،‭ ‬فقد‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الشعر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ألج‭ ‬عالم‭ ‬الرواية‭. ‬كان‭ ‬الإحساس‭ ‬في‭ ‬الحالين‭ ‬إحساسًا‭ ‬مفعمًا‭ ‬بالنشوة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبالخوف‭ ‬والمهابة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وأتصور‭ ‬أنني‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬مازلت‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬الزوج‭ ‬الشعوري‭ ‬إزاء‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أكتب‭. ‬فلا‭ ‬يجب،‭ ‬مهما‭ ‬بلغنا‭ ‬من‭ ‬التمكّن،‭ ‬أن‭ ‬نطمئن‭ ‬لما‭ ‬نكتب‭. ‬الكتابة‭ ‬سعي‭ ‬للكمال،‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تنشأ‭ ‬إلا‭ ‬داخل‭ ‬النقصان‭.‬
‭* ‬ما‭ ‬هو‭ ‬المحرّك‭ ‬الأساسي‭ ‬لكل‭ ‬نص‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬كتابته؟
‭- ‬هناك‭ ‬عناصر‭ ‬متعددة‭ ‬ومتبدّلة‭ ‬تمثل‭ ‬لنا‭ ‬محفزات‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭. ‬لا‭ ‬يمكنني،‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر،‭ ‬اختزالها‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬غاية،‭ ‬ولكنّ‭ ‬أشخاصًا‭ ‬يظل‭ ‬لهم‭ ‬أثرهم‭ ‬المتجدد‭ ‬في‭ ‬مسيرتنا،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الجدّة،‭ ‬والوالدين،‭ ‬والحبيبة،‭ ‬والبنت،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬هم‭ ‬الخماسي‭ ‬الذي‭ ‬يؤطر‭ ‬حياتي‭ ‬عاطفيًا‭ ‬ورمزيًا‭. ‬فأنا‭ ‬أكتب‭ ‬لأنني‭ ‬أحبهم‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬محفزي‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬هو‭ ‬ابتناء‭ ‬مشروع‭ ‬سردي‭ ‬خاص‭ ‬يكون‭ ‬مغايرًا،‭ ‬ومختلفًا،‭ ‬ومنشّقًا،‭ ‬ويكون‭ ‬إضافة‭ ‬حقيقية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬والعربي‭ ‬والعالمي‭ ‬إذا‭ ‬امتد‭ ‬بنا‭ ‬العمر‭ ‬وتطورت‭ ‬التجربة‭. ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬عابرًا‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬لأسجل‭ ‬حضوري‭ ‬الثقافي‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬بل‭ ‬لأسجل‭ ‬حضوري‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الكتابة‭. ‬طموحي‭ ‬كبير،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنني‭ ‬أخطط‭ ‬له‭ ‬بذكاء،‭ ‬وأوفر‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬معرفية‭ ‬ومن‭ ‬أسباب‭.‬
‭* ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إيصالها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتاباتك؟
‭- ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬الأدب‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬يريد‭ ‬إبلاغها،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يراهن‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬فني‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬لما‭ ‬كتبته‭ ‬من‭ ‬هاجس‭ ‬مشترك،‭ ‬فهو‭ ‬إنساني‭ ‬عام‭. ‬إنني‭ ‬أنتصر‭ ‬للإنسان،‭ ‬وللقيمة،‭ ‬وللمعنى‭. ‬أنتصر‭ ‬للجمال،‭ ‬وما‭ ‬نقدي‭ ‬للواقع‭ ‬ولنماذجه‭ ‬السالبة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الثقافة‭ ‬وفي‭ ‬الاجتماع‭ ‬والسياسة،‭ ‬إلا‭ ‬دعوة‭ ‬مبطنة‭ ‬إلى‭ ‬الإصلاح،‭ ‬لا‭ ‬بمعنى‭ ‬أخلاقي،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الرؤية‭ ‬الجمالية‭. ‬سخريتي‭ ‬جارحة،‭ ‬تعري‭ ‬الأشياء،‭ ‬وتشير‭ ‬إليها‭ ‬بوضوح،‭ ‬وفيها‭ ‬دعوة‭ ‬لأن‭ ‬نكون‭ ‬حقيقيين،‭ ‬وأن‭ ‬نرتقي‭ ‬بالأداء‭ ‬الوجودي‭ ‬كأفراد‭ ‬وكجماعات‭.‬
‭* ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬يمكن‭ ‬للرواية‭ ‬أن‭ ‬تُضمّد‭ ‬نزيف‭ ‬الكاتب‭ ‬والقارئ‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء؟
‭- ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما،‭ ‬تتحول‭ ‬الكتابة‭ ‬إلى‭ ‬صيدلية،‭ ‬يسعى‭ ‬الكاتب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتعافى‭ ‬عبرها،‭ ‬وكذلك‭ ‬القارئ‭. ‬إنها‭ ‬مشروع‭ ‬فني‭ ‬لابد‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬رؤية،‭ ‬وتخطيط،‭ ‬واستهداف‭ ‬لغايات‭ ‬واضحة‭ ‬ومحددة‭. ‬لعلني‭ ‬في‭ ‬البدايات‭ ‬كنت‭ ‬أكتب‭ ‬لأتعافى،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يهمني‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أطور‭ ‬تجربتي،‭ ‬وأن‭ ‬أذهب‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬آفاقها‭ ‬الممكنة‭.‬
‭* ‬كيف‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬الرواية‭ ‬اليوم؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬نافذة‭ ‬مفتوحة‭ ‬نطل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬أفكار‭ ‬وقناعات‭ ‬صاحبها،‭ ‬أم‭ ‬أفكار‭ ‬ومواقف‭ ‬متداولة‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬يعمل‭ ‬الروائي‭ ‬على‭ ‬توثيقها‭ ‬بقلمه؟
‭- ‬ليس‭ ‬مهمًا‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬نقرأ‭ ‬بها‭ ‬الرواية،‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نكتب‭ ‬بها‭ ‬الرواية‭. ‬علينا،‭ ‬ببساطة،‭ ‬أن‭ ‬نقرأ،‭ ‬وسيجد‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يقرأ‭ ‬واقعًا‭ ‬ما‭ ‬يمثله‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬غاية‭ ‬الناقد‭ ‬من‭ ‬الرواية‭ ‬ظواهرها‭ ‬الفنية‭ ‬وتقنياتها،‭ ‬فإن‭ ‬القارئ‭ ‬العادي‭ ‬يريد‭ ‬المتعة،‭ ‬وأن‭ ‬يرى‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬ما،‭ ‬وبعضًا‭ ‬من‭ ‬واقعه‭. ‬الكاتب‭ ‬لا‭ ‬يسلّط‭ ‬مواقفه‭ ‬على‭ ‬القارئ،‭ ‬إنه‭ ‬يُلبس‭ ‬شخصياته‭ ‬أفكارًا‭ ‬متعارضة‭ ‬أحيانًا،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس،‭ ‬فالرواية‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نجادل‭ ‬أنفسنا،‭ ‬إلى‭ ‬الجدل‭ ‬الذاتي‭.‬
‭* ‬أشرت‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬حواراتك‭ ‬بعد‭ ‬التتويج‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬بالكومار‭ ‬الذهبي‭ ‬عن‭ ‬روايتك‭ ‬‮«‬لمن‭ ‬تجمع‭ ‬وردك‭ ‬يا‭ ‬مكرم‮»‬‭ ‬أنك‭ ‬كنت‭ ‬‮«‬في‭ ‬موقف‭ ‬صعب‮»‬‭. ‬هل‭ ‬قَدَرُ‭ ‬الكاتب‭ ‬اليوم‭ ‬‮«‬المعارك‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي؟
‭- ‬جاء‭ ‬التتويج‭ ‬بالكومار‭ ‬الذهبي‭ ‬بعد‭ ‬تتويج‭ ‬عربي‭ ‬بجائزة‭ ‬دبي‭ ‬الثقافية،‭ ‬ليجعلني‭ ‬أمام‭ ‬مسؤولية‭ ‬فنية‭ ‬وتاريخية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قصدته‭ ‬بالصعوبة‭. ‬عليّ،‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬لما‭ ‬أكتب‭ ‬بالتميز‭ ‬عربيًا‭ ‬ووطنيًا،‭ ‬أن‭ ‬أكون،‭ ‬فيما‭ ‬سأنشر‭ ‬لاحقًا،‭ ‬مضيفًا‭ ‬ومقنعًا‭. ‬فأنا‭ ‬الآن‭ ‬تحت‭ ‬المجهر،‭ ‬وعليّ‭ ‬أن‭ ‬أؤكد‭ ‬لمن‭ ‬آمن‭ ‬ووثق،‭ ‬ولمن‭ ‬شكك،‭ ‬أنني‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬المسؤولية‭. ‬إذن‭ ‬فمعركتي‭ ‬مع‭ ‬نفسي‭ ‬ومع‭ ‬أدواتي‭ ‬الفنية‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬الصراعات‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬لا‭ ‬تعنيني،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬التتويج‭ ‬بالكومار‭ ‬الذهبي،‭ ‬بعد‭ ‬تتويج‭ ‬عربي‭ ‬بجائزة‭ ‬دبي‭ ‬الثقافية،‭ ‬هذا‭ ‬الثقل‭ ‬في‭ ‬المسؤولية‭ ‬الفنية‭ ‬والتاريخية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قصدته‭ ‬بالصعوبة‭. ‬عليّ،‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬لما‭ ‬أكتب‭ ‬بالتميز‭ ‬عربيًا‭ ‬ووطنيًا،‭ ‬أن‭ ‬أكون،‭ ‬فيما‭ ‬سأنشر‭ ‬لاحقًا،‭ ‬مضيفًا‭ ‬ومقنعًا‭. ‬فأنا‭ ‬الآن‭ ‬تحت‭ ‬المجهر،‭ ‬وعليّ‭ ‬أن‭ ‬أؤكد‭ ‬لمن‭ ‬آمن‭ ‬ووثق،‭ ‬ولمن‭ ‬شكك،‭ ‬أنني‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬المسؤولية‭. ‬إذن،‭ ‬فمعركتي‭ ‬مع‭ ‬نفسي‭ ‬ومع‭ ‬أدواتي‭ ‬الفنية‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬الصراعات‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬لا‭ ‬تعنيني،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬المبدع‭ ‬رضاء‭ ‬البعض‭ ‬ومحبتهم،‭ ‬وأن‭ ‬يستعديه‭ ‬آخرون‭ ‬ويبخسون‭ ‬إنجازه‭. ‬ما‭ ‬أؤمن‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬والفعل‭.‬
‭* ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تضيف‭ ‬الجوائز‭ ‬للكاتب‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك؟‭ ‬وكيف‭ ‬تفسر‭ ‬كونها،‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أشرت،‭ ‬‮«‬من‭ ‬ضرورات‭ ‬الحداثة»؟
‭- ‬لولا‭ ‬الجائزة،‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬شفيق‭ ‬الطارقي‭. ‬لقد‭ ‬نُشرت‭ ‬الرواية‭ ‬منذ‭ ‬أشهر،‭ ‬ولم‭ ‬ينتبه‭ ‬أحد‭ ‬إليها،‭ ‬ولا‭ ‬أتذكر‭ ‬أن‭ ‬صحفيًا‭ ‬حاورني،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬إذاعة‭ ‬دعتني‭ ‬إلى‭ ‬موجات‭ ‬أثيرها‭. ‬وها‭ ‬إنني‭ ‬اليوم‭ ‬أحضر،‭ ‬وها‭ ‬إن‭ ‬نصي‭ ‬يجد‭ ‬سبلًا‭ ‬أوسع‭ ‬نحو‭ ‬القراء‭ ‬والمراجعات‭. ‬وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬للجائزة‭ ‬فعلها‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬صدور‭ ‬الكتاب؛‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬فازت‭ ‬روايتي‭ ‬الأولى‭ ‬بدبي‭ ‬الثقافية‭ ‬مخطوطًا،‭ ‬ونالت‭ ‬قبل‭ ‬نشرها‭ ‬العناية‭. ‬الجائزة‭ ‬استحقاق،‭ ‬ولا‭ ‬أسعى‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها،‭ ‬ولكنها‭ ‬ضرورة‭ ‬ليُحلّق‭ ‬النص،‭ ‬وليُقرأ‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬أوسع‭. ‬وليس‭ ‬الأمر‭ ‬بيسير‭.‬
فازت‭ ‬‮«‬لافازا‮»‬‭ ‬بتتويج‭ ‬عربي‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬79‭ ‬نصًا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬البلاد‭ ‬العربية،‭ ‬وأجازته‭ ‬لجنة‭ ‬مؤلفة‭ ‬من‭ ‬حيدر‭ ‬حيدر،‭ ‬وواسيني‭ ‬الأعرج،‭ ‬ونبيل‭ ‬سليمان‭. ‬وتوّجت‭ ‬‮«‬لمن‭ ‬تجمع‭ ‬وردك‭ ‬يا‭ ‬مكرم‮»‬‭ ‬بإجماع‭ ‬لجنة‭ ‬مؤلفة‭ ‬من‭ ‬نقاد‭ ‬ومبدعين،‭ ‬رغم‭ ‬اختلاف‭ ‬اختصاصاتهم‭ ‬واختلاف‭ ‬أذواقهم‭. ‬الجائزة‭ ‬تنافس،‭ ‬والاعتراف‭ ‬لكاتب‭ ‬مرتين،‭ ‬عربيًا‭ ‬ووطنيًا،‭ ‬وسام‭ ‬حقيقي‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬رضاء‭ ‬البعض‭ ‬ومحبتهم،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يستعديه‭ ‬آخرون‭ ‬ويبخسون‭ ‬إنجازه‭. ‬روايتي‭ ‬المتوجة‭ ‬متميزة‭ ‬بلغتها‭ ‬التي‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬الشعرية‭ ‬والواقعية،‭ ‬وبسخريتها‭ ‬التي‭ ‬تدفعك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬الضحك‭ ‬والبكاء،‭ ‬ومميزة‭ ‬ببنيتها‭ ‬السردية‭ ‬المحكمة،‭ ‬وبتقنياتها‭ ‬العالية،‭ ‬وبمواضيعها‭ ‬المتعددة،‭ ‬حيث‭ ‬الثقافي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والسياسي‭ ‬والوجودي‭. ‬إنها‭ ‬رواية‭ ‬السياسي‭ ‬والوجودي‭. ‬إنها‭ ‬رواية‭ ‬مكثفة،‭ ‬بتقنيات‭ ‬كتابة‭ ‬شعرية‭ ‬وسينمائية‭.‬
‭* ‬كيف‭ ‬هي‭ ‬علاقتك‭ ‬بالنقد؟‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬أنصف‭ ‬تجربتك‭ ‬الروائية؟
‭- ‬النقاد‭ ‬مشغولون‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬عن‭ ‬النصوص‭ ‬الحقيقية‭ ‬ببدلاتهم،‭ ‬وبنظاراتهم‭ ‬المقعّرة،‭ ‬وبمجاملاتهم‭ ‬للصديقات‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬وبالندوات‭ ‬المأجورة،‭ ‬وباسترضاء‭ ‬من‭ ‬يريدون‭ ‬رضاهم‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينتبه‭. ‬ومتى‭ ‬استثنيتُ‭ ‬دراسة‭ ‬واحدة‭ ‬حول‭ ‬‮«‬لافازا‮»‬،‭ ‬فالتونسيون‭ ‬لم‭ ‬يكتبوا‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬نشرتُ،‭ ‬مما‭ ‬كسب‭ ‬الاعتراف‭ ‬والتبجيل،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنهم‭ ‬يغدقون‭ ‬بكرم‭ ‬على‭ ‬نصوص‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يسمع‭ ‬بها‭ ‬غير‭ ‬كتّابها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعضهم‭ ‬يمجّدها،‭ ‬ويجعلها‭ ‬ضمن‭ ‬البرامج‭ ‬الجامعية‭. ‬أتفهّم‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬وهو‭ ‬يضحكني‭ ‬ويحفّزني‭ ‬أكثر‭. ‬سأكتب‭ ‬وأضيف،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬عليّ‭.‬
حاوره‭ ‬محسن‭ ‬بن‭ ‬أحمد

 

الروائي شفيق الطارقي ‬لـ"الصباح": بعد الكومار الذهبي معركتي مع نفسي ومع أدواتي الفنية

شفيق‭ ‬الطارقي‭ ‬بدأ‭ ‬مسيرته‭ ‬مع‭ ‬الكتابة‭ ‬شاعرًا،‭ ‬ليغيّر‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬الرواية،‭ ‬مؤسسًا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬رؤيته‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬السردية،‭ ‬رؤية‭ ‬قوامها‭ ‬الأساسي‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الذات،‭ ‬وتشريح‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬وكشف‭ ‬غموضها،‭ ‬واستكشاف‭ ‬أسرارها‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فوزه‭ ‬بالكومار‭ ‬الذهبي‭ ‬عن‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬لمن‭ ‬تجمع‭ ‬وردك‭ ‬يا‭ ‬مكرم‮»‬‭ ‬مفاجأة،‭ ‬فقد‭ ‬أجمع‭ ‬النقاد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬هي‭ ‬كتابة‭ ‬جديدة‭ ‬للرواية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬يلتقي‭ ‬فيها‭ ‬السياسي‭ ‬بالوجودي،‭ ‬بلغة‭ ‬شعرية‭ ‬وجمالية‭ ‬سينمائية‭.‬

شفيق‭ ‬الطارقي‭ ‬التقته‭ ‬‮«‬الصباح‮»‬‭ ‬في‭ ‬حوار،‭ ‬هذه‭ ‬حصيلته‭:‬
‭*‬هل‭ ‬الكتابة‭ ‬قدر‭ ‬نبحث‭ ‬عنه،‭ ‬أم‭ ‬قدر‭ ‬مسلّط؟
‭- ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬الكتابة‭ ‬أشد‭ ‬تعقيدًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نختزله‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المرء‭ ‬يسعى‭ ‬إليها‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬القدر‭ ‬المسلّط‭. ‬وإذا‭ ‬ملنا‭ ‬إلى‭ ‬الموازنة،‭ ‬أمكننا‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الكاتب‭ ‬وفعل‭ ‬الكتابة‭ ‬قدر‭ ‬لا‭ ‬يكتمل‭ ‬إلا‭ ‬بشروط‭ ‬موضوعية‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬توفرها،‭ ‬ليكون‭ ‬هذا‭ ‬القدر‭ ‬منجزًا،‭ ‬متجليًا،‭ ‬وأثرًا‭ ‬مقيمًا‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الإنسانية‭. ‬قد‭ ‬يولد‭ ‬الإنسان‭ ‬موهوبًا‭ ‬باستعدادات‭ ‬طبيعية‭ ‬تجعله‭ ‬مؤهّلًا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬ليكتب،‭ ‬وليقيم‭ ‬علاقات‭ ‬جديدة‭ ‬بين‭ ‬الكلمات‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬المألوف،‭ ‬ولينصت‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬بطريقة‭ ‬خاصة،‭ ‬وليلتقط‭ ‬ويرى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يراه‭ ‬الآخرون‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الهبة‭ ‬الطبيعية‭ ‬لابد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬معين‭ ‬معرفي،‭ ‬ومن‭ ‬وعي‭ ‬بالقوانين‭ ‬الشكلية‭ ‬والجمالية،‭ ‬ومن‭ ‬نهل‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬السابقة‭ ‬نهلًا‭ ‬متنوعًا‭. ‬فالكاتب‭ ‬الموهوب‭ ‬دون‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬المقروء‭ ‬لن‭ ‬يمضي‭ ‬بعيدًا،‭ ‬والكاتب‭ ‬العالِم‭ ‬دون‭ ‬موهبة‭ ‬سيجيء‭ ‬بنصوص‭ ‬لا‭ ‬روح‭ ‬فيها‭.‬
إن‭ ‬الناظر‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬الكتّاب‭ ‬المؤثرين‭ ‬سيرى‭ ‬أنهم‭ ‬قد‭ ‬جمعوا‭ ‬بين‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناصر‭ ‬أساسية‭: ‬الموهبة،‭ ‬والمعرفة،‭ ‬والتجربة‭. ‬المختص‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬بالضرورة‭ ‬شاعرًا،‭ ‬والمختص‭ ‬بالرواية‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬روائيًا‭ ‬بالضرورة،‭ ‬ولكنّ‭ ‬الشاعر‭ ‬أو‭ ‬الروائي‭ ‬إذا‭ ‬تعمق‭ ‬في‭ ‬نظرية‭ ‬الشعر‭ ‬وفي‭ ‬نظرية‭ ‬الرواية،‭ ‬أضاف‭ ‬وتطوّر،‭ ‬وجاء‭ ‬بالإبداع‭ ‬الخالص‭.‬
وفيما‭ ‬يخصني،‭ ‬فأنا‭ ‬لم‭ ‬أسعَ‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة،‭ ‬فأحلامي‭ ‬وأنا‭ ‬صغير‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬عن‭ ‬عوالمها،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجهة‭ ‬قدر‭ ‬ارتضيته،‭ ‬وسعيت‭ ‬من‭ ‬جهتي‭ ‬إلى‭ ‬تطويقه‭ ‬بما‭ ‬يجب‭ ‬من‭ ‬قراءات‭ ‬ومن‭ ‬معارف،‭ ‬وتوفرت‭ ‬لي‭ ‬تجارب‭ ‬أهدتني‭ ‬إياها‭ ‬الحياة،‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تطعيم‭ ‬الموهبة‭. ‬
‭* ‬بماذا‭ ‬تحتفظ‭ ‬ذاكرتك‭ ‬عن‭ ‬أول‭ ‬نص‭ ‬كتبته؟
‭- ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المقصود‭ ‬بأول‭ ‬النصوص‭ ‬أولها‭ ‬بالمعنى‭ ‬الذاتي،‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أتذكر‭ ‬أول‭ ‬نصوصي،‭ ‬لأنني‭ ‬بدأت‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬المراهقة،‭ ‬وفضلًا‭ ‬عن‭ ‬تميّزي‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬المواضيع‭ ‬المدرسية،‭ ‬فإنني‭ ‬قد‭ ‬وجدتني‭ ‬أكتب‭ ‬بعد‭ ‬دراستي‭ ‬للعروض‭ ‬أشعارًا‭ ‬موزونة،‭ ‬وجاءت‭ ‬النصوص‭ ‬تباعًا‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬نتف‭ ‬ومقاطع،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬قصائد‭ ‬تامة‭. ‬وإذا‭ ‬قصد‭ ‬السؤال‭ ‬أول‭ ‬نصوصي‭ ‬المنشورة،‭ ‬فقد‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الشعر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ألج‭ ‬عالم‭ ‬الرواية‭. ‬كان‭ ‬الإحساس‭ ‬في‭ ‬الحالين‭ ‬إحساسًا‭ ‬مفعمًا‭ ‬بالنشوة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبالخوف‭ ‬والمهابة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وأتصور‭ ‬أنني‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬مازلت‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬الزوج‭ ‬الشعوري‭ ‬إزاء‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أكتب‭. ‬فلا‭ ‬يجب،‭ ‬مهما‭ ‬بلغنا‭ ‬من‭ ‬التمكّن،‭ ‬أن‭ ‬نطمئن‭ ‬لما‭ ‬نكتب‭. ‬الكتابة‭ ‬سعي‭ ‬للكمال،‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تنشأ‭ ‬إلا‭ ‬داخل‭ ‬النقصان‭.‬
‭* ‬ما‭ ‬هو‭ ‬المحرّك‭ ‬الأساسي‭ ‬لكل‭ ‬نص‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬كتابته؟
‭- ‬هناك‭ ‬عناصر‭ ‬متعددة‭ ‬ومتبدّلة‭ ‬تمثل‭ ‬لنا‭ ‬محفزات‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭. ‬لا‭ ‬يمكنني،‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر،‭ ‬اختزالها‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬غاية،‭ ‬ولكنّ‭ ‬أشخاصًا‭ ‬يظل‭ ‬لهم‭ ‬أثرهم‭ ‬المتجدد‭ ‬في‭ ‬مسيرتنا،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الجدّة،‭ ‬والوالدين،‭ ‬والحبيبة،‭ ‬والبنت،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬هم‭ ‬الخماسي‭ ‬الذي‭ ‬يؤطر‭ ‬حياتي‭ ‬عاطفيًا‭ ‬ورمزيًا‭. ‬فأنا‭ ‬أكتب‭ ‬لأنني‭ ‬أحبهم‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬محفزي‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬هو‭ ‬ابتناء‭ ‬مشروع‭ ‬سردي‭ ‬خاص‭ ‬يكون‭ ‬مغايرًا،‭ ‬ومختلفًا،‭ ‬ومنشّقًا،‭ ‬ويكون‭ ‬إضافة‭ ‬حقيقية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬والعربي‭ ‬والعالمي‭ ‬إذا‭ ‬امتد‭ ‬بنا‭ ‬العمر‭ ‬وتطورت‭ ‬التجربة‭. ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬عابرًا‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬لأسجل‭ ‬حضوري‭ ‬الثقافي‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬بل‭ ‬لأسجل‭ ‬حضوري‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الكتابة‭. ‬طموحي‭ ‬كبير،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنني‭ ‬أخطط‭ ‬له‭ ‬بذكاء،‭ ‬وأوفر‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬معرفية‭ ‬ومن‭ ‬أسباب‭.‬
‭* ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إيصالها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتاباتك؟
‭- ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬الأدب‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬يريد‭ ‬إبلاغها،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يراهن‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬فني‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬لما‭ ‬كتبته‭ ‬من‭ ‬هاجس‭ ‬مشترك،‭ ‬فهو‭ ‬إنساني‭ ‬عام‭. ‬إنني‭ ‬أنتصر‭ ‬للإنسان،‭ ‬وللقيمة،‭ ‬وللمعنى‭. ‬أنتصر‭ ‬للجمال،‭ ‬وما‭ ‬نقدي‭ ‬للواقع‭ ‬ولنماذجه‭ ‬السالبة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الثقافة‭ ‬وفي‭ ‬الاجتماع‭ ‬والسياسة،‭ ‬إلا‭ ‬دعوة‭ ‬مبطنة‭ ‬إلى‭ ‬الإصلاح،‭ ‬لا‭ ‬بمعنى‭ ‬أخلاقي،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الرؤية‭ ‬الجمالية‭. ‬سخريتي‭ ‬جارحة،‭ ‬تعري‭ ‬الأشياء،‭ ‬وتشير‭ ‬إليها‭ ‬بوضوح،‭ ‬وفيها‭ ‬دعوة‭ ‬لأن‭ ‬نكون‭ ‬حقيقيين،‭ ‬وأن‭ ‬نرتقي‭ ‬بالأداء‭ ‬الوجودي‭ ‬كأفراد‭ ‬وكجماعات‭.‬
‭* ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬يمكن‭ ‬للرواية‭ ‬أن‭ ‬تُضمّد‭ ‬نزيف‭ ‬الكاتب‭ ‬والقارئ‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء؟
‭- ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما،‭ ‬تتحول‭ ‬الكتابة‭ ‬إلى‭ ‬صيدلية،‭ ‬يسعى‭ ‬الكاتب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتعافى‭ ‬عبرها،‭ ‬وكذلك‭ ‬القارئ‭. ‬إنها‭ ‬مشروع‭ ‬فني‭ ‬لابد‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬رؤية،‭ ‬وتخطيط،‭ ‬واستهداف‭ ‬لغايات‭ ‬واضحة‭ ‬ومحددة‭. ‬لعلني‭ ‬في‭ ‬البدايات‭ ‬كنت‭ ‬أكتب‭ ‬لأتعافى،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يهمني‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أطور‭ ‬تجربتي،‭ ‬وأن‭ ‬أذهب‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬آفاقها‭ ‬الممكنة‭.‬
‭* ‬كيف‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬الرواية‭ ‬اليوم؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬نافذة‭ ‬مفتوحة‭ ‬نطل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬أفكار‭ ‬وقناعات‭ ‬صاحبها،‭ ‬أم‭ ‬أفكار‭ ‬ومواقف‭ ‬متداولة‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬يعمل‭ ‬الروائي‭ ‬على‭ ‬توثيقها‭ ‬بقلمه؟
‭- ‬ليس‭ ‬مهمًا‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬نقرأ‭ ‬بها‭ ‬الرواية،‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نكتب‭ ‬بها‭ ‬الرواية‭. ‬علينا،‭ ‬ببساطة،‭ ‬أن‭ ‬نقرأ،‭ ‬وسيجد‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يقرأ‭ ‬واقعًا‭ ‬ما‭ ‬يمثله‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬غاية‭ ‬الناقد‭ ‬من‭ ‬الرواية‭ ‬ظواهرها‭ ‬الفنية‭ ‬وتقنياتها،‭ ‬فإن‭ ‬القارئ‭ ‬العادي‭ ‬يريد‭ ‬المتعة،‭ ‬وأن‭ ‬يرى‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬ما،‭ ‬وبعضًا‭ ‬من‭ ‬واقعه‭. ‬الكاتب‭ ‬لا‭ ‬يسلّط‭ ‬مواقفه‭ ‬على‭ ‬القارئ،‭ ‬إنه‭ ‬يُلبس‭ ‬شخصياته‭ ‬أفكارًا‭ ‬متعارضة‭ ‬أحيانًا،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس،‭ ‬فالرواية‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نجادل‭ ‬أنفسنا،‭ ‬إلى‭ ‬الجدل‭ ‬الذاتي‭.‬
‭* ‬أشرت‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬حواراتك‭ ‬بعد‭ ‬التتويج‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬بالكومار‭ ‬الذهبي‭ ‬عن‭ ‬روايتك‭ ‬‮«‬لمن‭ ‬تجمع‭ ‬وردك‭ ‬يا‭ ‬مكرم‮»‬‭ ‬أنك‭ ‬كنت‭ ‬‮«‬في‭ ‬موقف‭ ‬صعب‮»‬‭. ‬هل‭ ‬قَدَرُ‭ ‬الكاتب‭ ‬اليوم‭ ‬‮«‬المعارك‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي؟
‭- ‬جاء‭ ‬التتويج‭ ‬بالكومار‭ ‬الذهبي‭ ‬بعد‭ ‬تتويج‭ ‬عربي‭ ‬بجائزة‭ ‬دبي‭ ‬الثقافية،‭ ‬ليجعلني‭ ‬أمام‭ ‬مسؤولية‭ ‬فنية‭ ‬وتاريخية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قصدته‭ ‬بالصعوبة‭. ‬عليّ،‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬لما‭ ‬أكتب‭ ‬بالتميز‭ ‬عربيًا‭ ‬ووطنيًا،‭ ‬أن‭ ‬أكون،‭ ‬فيما‭ ‬سأنشر‭ ‬لاحقًا،‭ ‬مضيفًا‭ ‬ومقنعًا‭. ‬فأنا‭ ‬الآن‭ ‬تحت‭ ‬المجهر،‭ ‬وعليّ‭ ‬أن‭ ‬أؤكد‭ ‬لمن‭ ‬آمن‭ ‬ووثق،‭ ‬ولمن‭ ‬شكك،‭ ‬أنني‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬المسؤولية‭. ‬إذن‭ ‬فمعركتي‭ ‬مع‭ ‬نفسي‭ ‬ومع‭ ‬أدواتي‭ ‬الفنية‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬الصراعات‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬لا‭ ‬تعنيني،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬التتويج‭ ‬بالكومار‭ ‬الذهبي،‭ ‬بعد‭ ‬تتويج‭ ‬عربي‭ ‬بجائزة‭ ‬دبي‭ ‬الثقافية،‭ ‬هذا‭ ‬الثقل‭ ‬في‭ ‬المسؤولية‭ ‬الفنية‭ ‬والتاريخية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قصدته‭ ‬بالصعوبة‭. ‬عليّ،‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬لما‭ ‬أكتب‭ ‬بالتميز‭ ‬عربيًا‭ ‬ووطنيًا،‭ ‬أن‭ ‬أكون،‭ ‬فيما‭ ‬سأنشر‭ ‬لاحقًا،‭ ‬مضيفًا‭ ‬ومقنعًا‭. ‬فأنا‭ ‬الآن‭ ‬تحت‭ ‬المجهر،‭ ‬وعليّ‭ ‬أن‭ ‬أؤكد‭ ‬لمن‭ ‬آمن‭ ‬ووثق،‭ ‬ولمن‭ ‬شكك،‭ ‬أنني‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬المسؤولية‭. ‬إذن،‭ ‬فمعركتي‭ ‬مع‭ ‬نفسي‭ ‬ومع‭ ‬أدواتي‭ ‬الفنية‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬الصراعات‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬لا‭ ‬تعنيني،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬المبدع‭ ‬رضاء‭ ‬البعض‭ ‬ومحبتهم،‭ ‬وأن‭ ‬يستعديه‭ ‬آخرون‭ ‬ويبخسون‭ ‬إنجازه‭. ‬ما‭ ‬أؤمن‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬والفعل‭.‬
‭* ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تضيف‭ ‬الجوائز‭ ‬للكاتب‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك؟‭ ‬وكيف‭ ‬تفسر‭ ‬كونها،‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أشرت،‭ ‬‮«‬من‭ ‬ضرورات‭ ‬الحداثة»؟
‭- ‬لولا‭ ‬الجائزة،‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬شفيق‭ ‬الطارقي‭. ‬لقد‭ ‬نُشرت‭ ‬الرواية‭ ‬منذ‭ ‬أشهر،‭ ‬ولم‭ ‬ينتبه‭ ‬أحد‭ ‬إليها،‭ ‬ولا‭ ‬أتذكر‭ ‬أن‭ ‬صحفيًا‭ ‬حاورني،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬إذاعة‭ ‬دعتني‭ ‬إلى‭ ‬موجات‭ ‬أثيرها‭. ‬وها‭ ‬إنني‭ ‬اليوم‭ ‬أحضر،‭ ‬وها‭ ‬إن‭ ‬نصي‭ ‬يجد‭ ‬سبلًا‭ ‬أوسع‭ ‬نحو‭ ‬القراء‭ ‬والمراجعات‭. ‬وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬للجائزة‭ ‬فعلها‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬صدور‭ ‬الكتاب؛‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬فازت‭ ‬روايتي‭ ‬الأولى‭ ‬بدبي‭ ‬الثقافية‭ ‬مخطوطًا،‭ ‬ونالت‭ ‬قبل‭ ‬نشرها‭ ‬العناية‭. ‬الجائزة‭ ‬استحقاق،‭ ‬ولا‭ ‬أسعى‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها،‭ ‬ولكنها‭ ‬ضرورة‭ ‬ليُحلّق‭ ‬النص،‭ ‬وليُقرأ‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬أوسع‭. ‬وليس‭ ‬الأمر‭ ‬بيسير‭.‬
فازت‭ ‬‮«‬لافازا‮»‬‭ ‬بتتويج‭ ‬عربي‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬79‭ ‬نصًا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬البلاد‭ ‬العربية،‭ ‬وأجازته‭ ‬لجنة‭ ‬مؤلفة‭ ‬من‭ ‬حيدر‭ ‬حيدر،‭ ‬وواسيني‭ ‬الأعرج،‭ ‬ونبيل‭ ‬سليمان‭. ‬وتوّجت‭ ‬‮«‬لمن‭ ‬تجمع‭ ‬وردك‭ ‬يا‭ ‬مكرم‮»‬‭ ‬بإجماع‭ ‬لجنة‭ ‬مؤلفة‭ ‬من‭ ‬نقاد‭ ‬ومبدعين،‭ ‬رغم‭ ‬اختلاف‭ ‬اختصاصاتهم‭ ‬واختلاف‭ ‬أذواقهم‭. ‬الجائزة‭ ‬تنافس،‭ ‬والاعتراف‭ ‬لكاتب‭ ‬مرتين،‭ ‬عربيًا‭ ‬ووطنيًا،‭ ‬وسام‭ ‬حقيقي‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬رضاء‭ ‬البعض‭ ‬ومحبتهم،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يستعديه‭ ‬آخرون‭ ‬ويبخسون‭ ‬إنجازه‭. ‬روايتي‭ ‬المتوجة‭ ‬متميزة‭ ‬بلغتها‭ ‬التي‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬الشعرية‭ ‬والواقعية،‭ ‬وبسخريتها‭ ‬التي‭ ‬تدفعك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬الضحك‭ ‬والبكاء،‭ ‬ومميزة‭ ‬ببنيتها‭ ‬السردية‭ ‬المحكمة،‭ ‬وبتقنياتها‭ ‬العالية،‭ ‬وبمواضيعها‭ ‬المتعددة،‭ ‬حيث‭ ‬الثقافي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والسياسي‭ ‬والوجودي‭. ‬إنها‭ ‬رواية‭ ‬السياسي‭ ‬والوجودي‭. ‬إنها‭ ‬رواية‭ ‬مكثفة،‭ ‬بتقنيات‭ ‬كتابة‭ ‬شعرية‭ ‬وسينمائية‭.‬
‭* ‬كيف‭ ‬هي‭ ‬علاقتك‭ ‬بالنقد؟‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬أنصف‭ ‬تجربتك‭ ‬الروائية؟
‭- ‬النقاد‭ ‬مشغولون‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬عن‭ ‬النصوص‭ ‬الحقيقية‭ ‬ببدلاتهم،‭ ‬وبنظاراتهم‭ ‬المقعّرة،‭ ‬وبمجاملاتهم‭ ‬للصديقات‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬وبالندوات‭ ‬المأجورة،‭ ‬وباسترضاء‭ ‬من‭ ‬يريدون‭ ‬رضاهم‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينتبه‭. ‬ومتى‭ ‬استثنيتُ‭ ‬دراسة‭ ‬واحدة‭ ‬حول‭ ‬‮«‬لافازا‮»‬،‭ ‬فالتونسيون‭ ‬لم‭ ‬يكتبوا‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬نشرتُ،‭ ‬مما‭ ‬كسب‭ ‬الاعتراف‭ ‬والتبجيل،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنهم‭ ‬يغدقون‭ ‬بكرم‭ ‬على‭ ‬نصوص‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يسمع‭ ‬بها‭ ‬غير‭ ‬كتّابها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعضهم‭ ‬يمجّدها،‭ ‬ويجعلها‭ ‬ضمن‭ ‬البرامج‭ ‬الجامعية‭. ‬أتفهّم‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬وهو‭ ‬يضحكني‭ ‬ويحفّزني‭ ‬أكثر‭. ‬سأكتب‭ ‬وأضيف،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬عليّ‭.‬
حاوره‭ ‬محسن‭ ‬بن‭ ‬أحمد