إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مشروع قانون تنظيم عقود الشغل ومنع المناولة.. دعوة إلى الحسم في الأحكام الخلافية

-مقرر لجنة الشؤون الاجتماعية: الانطلاق في التصويت على مقترحات التعديل

بعد جلسات الاستماع إلى وزير الشؤون الاجتماعية وعدد من الخبراء في قانون الشغل وممثلين عن بعض الجمعيات والمنظمات المعنية بمشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة، شرعت لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة بمجلس نواب الشعب أمس بتركيبتها المنقوصة، تبعا لوفاة رئيسها الدكتور نبيه ثابت، في نقاش فصول هذا المشروع المقدم من قبل رئيس الجمهورية بتاريخ 14 مارس 2025 فصلا فصلا، بغاية عرضها على التصويت في صيغتها الأصلية أو في صيغة معدلة، وبالتالي الحسم في النقاط الخلافية التي تبلورت أثناء الجلسات السابقة أو خلال اليوم الدراسي المنعقد يوم 30 أفريل 2025 ببادرة من الأكاديمية البرلمانية حول المشروع، إذ عبر العديد من النواب يومها عن رغبتهم في التسريع في دراسة هذا المشروع وإحالته إلى الجلسة العامة للمصادقة عليه والبت في الأحكام الخلافية في أقرب الآجال لإنهاء حالة العبث بحقوق العمال، في حين هناك من يرى أنه من الأفضل التريث ودراسة هذا المشروع في متسع من الوقت لضمان موازنة حقيقية بين حماية حقوق الشغالين والمحافظة على ديمومة المؤسسات وصلابتها مع محاولة التفكير في مراجعة مجلة الشغل برمتها وعدم الاقتصار على إدخال تعديلات جزئية، كما تم اقتراح توسيع دائرة الاستشارة.

وخلال جلسة اللجنة المنعقدة صباح أمس بحضور وزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر، تم على حد قول مقرر اللجنة رؤوف الفقيري الشروع في نقاش فصول مشروع القانون فصلا فصلا.

وأضاف في تصريح لـ«الصباح» أن الوزير ذكّر أعضاء اللجنة بمقتضيات المشروع وقدم بعض التوضيحات، ثم بدأت عمليات التصويت على الأحكام الواردة في الباب الأول والمتعلقة بعقود الشغل ووقع التداول حول الفصل الأول. وأكد الفقيري أنه تم تقديم عدة مقترحات تعديل من قبل النواب لهذا الفصل الذي نص على إلغاء عدد من فصول مجلة الشغل وتعويضها وتعلق الكثير منها بالفصل السادس ثالثا من الفصل الأول حيث استغرق نقاش مقترحات تعديله وقتا طويلا، كما طلب الوزير الكلمة عدة مرات لتفسير هذا الفصل ولإقناع أصحاب مقترحات التعديل بمضامينه، ثم تم إثر ذلك رفع الجلسة الصباحية وتقرر استئناف الأشغال في حصة مسائية للنظر في بقية مقترحات تعديل الفصل الأول والتصويت عليها..

ونص الفصل الأول المعروض على التصويت صلب اللجنة في صيغته الأصلية على منع عقود الشغل معينة المدة والإقرار بأن الأصل في عقود الشغل هو إبرامها لمدة غير معينة مع ضرورة ارتباطها بالنشاط الأساسي والدائم للمؤسسة واعتبار هذه الصيغة هي الشكل الطبيعي والعام للعلاقات الشغلية، وتم منع إبرام عقود شغل لمدة معينة إلا في ثلاث حالات استثنائية تم حصرها في القيام بأعمال اقتضتها زيادة غير عادية في حجم الخدمات أو الأشغال، أو التعويض الوقتي لأجير قار متغيب، أو توقف تنفيذ عقد شغله أو القيام بأعمال موسمية أو بأنشطة أخرى لا يمكن حسب العرف أو بحكم طبيعتها اللجوء فيها إلى عقود لمدة غير معينة. ولإيقاف محاولات التحايل على القانون وخاصة ما تعلق باستغلال فترة التجربة في غير الأغراض التي أعدت لها وتحويلها إلى صورة من صور العمل غير المستقر وجعلها شكلا مقنعا لعقود شغل معينة المدة من خلال إطالة فترات التجربة تم بمقتضى الفصل الأول، اقتراح تنظيم تلك الفترة وحصرها في عقود الشغل غير معينة المدة وضبطها بمدة قصوى لا تتجاوز ستة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة ولنفس المدة والتي يمكن من خلالها لأي من الطرفين وضع حد لها قبل 15 يوما من انقضائها. وفي صورة إنهاء العمل بالعقد قبل انقضاء فترة التجربة الأولى أو الثانية أي سواء الفترة الأصلية أو عند التمديد فيها فإن كل انتداب للعامل يكون على أساس الانتداب القار ودون المرور بفترة تجربة. ولضمان حقوق الطرفين في العقد معين المدة تم بمقتضى الفصل الأول فرض الكتابة واعتبار عدم احترام هذا الشرط، أو عدم تضمين العقد مدته أو حالة الاستثناء التي تم ضبطها بصفة حصرية يحول العقد من عقد معين المدة إلى عقد غير معين المدة وتم في نفس الفصل الأول التنصيص على جعل عقد العامل الذي يواصل تقديم خدماته بعد انتهاء العقد معين المدة يتحول بقوة القانون إلى عقد غير معين المدة مع احتساب الأقدمية المكتسبة بالعقد معين المدة ودون إخضاعه إلى فترة تجربة. كما تم التنصيص في الفصل الأول من مشروع القانون على تمتيع الأجراء المنتدبين بمقتضى عقود شغل لمدة معينة بنفس الحقوق والامتيازات والضمانات الممنوحة للأجراء القارين العاملين بنفس النشاط والاختصاص المهني وتم في آخر نفس الفصل التنصيص على أنه يمكن إبرام عقد الشغل لمدة معينة أو غير معينة للعمل لوقت جزئي وفق أحكام مجلة الشغل.

اختلاف وجهات النظر

وفي انتظار حسمها في مختلف مقترحات التعديل واستكمال عمليات التصويت واستنادا إلى محاضر جلسات لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة أو البلاغات الصادرة عنها، يمكن الإشارة إلى أن الخلاف حول مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة طفا على السطح وتبلور للعيان منذ الجلسة الأولى التي عقدتها اللجنة يوم الثلاثاء 25 مارس 2025 وخصصتها للاستماع إلى وزير الشؤون الاجتماعية بصفته ممثلا عن جهة المبادرة التشريعية. فخلال النقاش، تباينت مواقف النواب حيث رأى البعض أن مشروع القانون نص ثوري يمكّن من تجاوز وضعيات قانونية وواقعية غير سليمة، وثمّنوا  ما جاءت به أحكامه للقطع نهائيا مع أشكال التشغيل الهش على غرار مناولة اليد العاملة التي تحولت إلى شكل من أشكال كراء خدمة الآدمي وهو مظهر جديد لفكرة الاستعباد لم يعد من المقبول تواصلها في تونس التي كانت سباقة على المستوى العالمي في إلغاء الرق، واعتبر هؤلاء أن هذا المشروع يتناغم مع رؤية رئيس الجمهورية في إرساء مقومات الدولة الاجتماعية.

وفي المقابل اعتبر عدد آخر من النواب مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة غلّب الجانب الاجتماعي على حساب الجانب الاقتصادي، ولاحظوا في هذا الصدد خلو وثيقة شرح الأسباب من المعطيات الإحصائية وعدم إرفاق مشروع القانون بدراسة جدوى من شأنها إنارة النواب وتمكينهم من تقييم المشروع بموضوعية، لاسيما من حيث آثاره المحتملة على تنافسية المؤسّسات في محيط اقتصادي وطني ودولي صعب. واعتبر عدد من النواب أن العقود محددة المدة معمول بها في أغلب الدول المتقدمة وأن المشكل لا يكمن في آلية المناولة في حد ذاتها بل في وجود فراغ تشريعي وتذبذب فقهي وقضائي في مدى شرعية هذه المؤسسات مما فتح المجال للتعسف في استعمالها. وبيّنوا أنّ الحلّ الأسلم يتمثّل في تنظيم المناولة وتقنينها بدقة عوضا عن المرور مباشرة من الفراغ القانوني إلى التجريم. واستأثر الفصل 30 جديد من المشروع بحيز هام من تدخلات  الحاضرين الذين وصفوا صياغته بالغامضة، ونبهوا من أنها قد تصبح بدورها مدخلا للتحايل على أحكام منع المناولة المنصوص عليها بالفصلين 28 جديد و30 مكرر، مؤكدين على ضرورة توضيح المقصود بعبارات «خدمات» و»أشغال» بكل دقة.  وتساءل البعض عن كيفية تطبيق الفصل الثامن من المشروع بفقرتيه بخصوص ترسيم أعوان المناولة واحتساب الأقدمية في حال قدّم الأجير خدماته لأكثر من مؤسسة أو إدارة مستفيدة. وتمت الدعوة إلى إعادة صياغة بعض الفصول غير الواضحة على غرار الفصل التاسع المتعلق بالآثار الرجعية لمشروع القانون.

وقبل النقاش قدّم وزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر يومها عرضا تطرّق فيه إلى الإطار القانوني المنظّم حاليا لعقود الشغل محددة المدة وعقود المناولة، وبين أنّ المرجعية الدستورية التي ارتكز عليها تعديل أحكام مجلة الشغل تتمثل في تكريس مقتضيات الفصل 46 منه التي تنص على الحق في العمل اللائق وبأجر عادل، وإرساء مبادئ الدولة الاجتماعية الضامنة لكرامة مواطنيها وحقوقهم دون تمييز. وأوضح أنّ إقرار أحكام مجلة الشغل، مرونة واسعة في مجال عقود الشغل معينة المدة، أدّى إلى الاستخدام المفرط لهذه العقود في مواطن الشغل القارة واستغلال فترات التجربة في غير الأغراض التي أبيحت من أجلها وتحويلها إلى صورة من صور العمل غير المستقر وحرمان الأجراء من الامتيازات التي يقرها القانون المنطبق على المؤسسات المستفيدة. وأشار إلى غياب إطار تشريعي واضح يضبط مفهوم المناولة وينظمها عند الاقتضاء مما أدى إلى ارتفاع عدد هذه الشركات وأصبح يمثل تهديدا لاستقرار الوضعية المهنية والاجتماعية للأجير. وأكّد وزير الشؤون الاجتماعية، أن المشروع المعروض جاء تنفيذا لقرار رئيس الجمهورية بتاريخ 6 مارس 2024 بإلغاء المناولة ومنع كل أشكال التحايل على القانون . وبيّن أنه كان ثمرة مسار تشاركي معمق تم الاعتماد فيه على نتائج عدد من الدراسات والتوصيات في المجال وأنّه يهدف إلى منع اللجوء إلى العقود المحدودة في الزمن بإقرار أن الأصل في عقود الشغل أن تبرم لمدة غير محددة إلا في ثلاث حالات استثنائية حصرها النص في: القيام بأعمال اقتضتها زيادة غير عادية في حجم العمل، أو التعويض الوقتي لأجير قار، أو القيام بأعمال موسمية لا يمكن حسب العرف أو بحكم طبيعتها اللجوء فيها إلى عقود غير محددة وبين أن مشروع القانون ينص على منع مناولة اليد العاملة بصورة قطعية واقتراح أحكام تتعلق بتنظيم مؤسسات إسداء الخدمات والقيام بالأشغال.

وفي تفاعله مع تدخلات النواب بيّن الوزير أن حالات اللجوء للعقود محددة المدة ليست جديدة في مجلة الشغل كالأعمال الموسمية أو التي تقتضيها زيادة غير عادية في حجم العمل، لكن جوهر التعديل المقترح يكمن في إقرار مبدا مهم وهو أن عقد الشغل يبرم لمدة غير محددة وجعل التحديد في الزمن استثناء منحصرا في حالات مضبوطة تفرضها طبيعة العمل وليس إرادة الأطراف. وأوضح أن تقنين المناولة كان خيارا مطروحا عند تنقيح مجلة الشغل سنة 1996 وهو من أنصاف الحلول التي لا تستجيب لمتطلبات القطع النهائي مع المتاجرة باليد العاملة. وبيّن أن تجريم المناولة ينسحب فقط على مناولة اليد العاملة دون مناولة العمل أو الخدمات والأشغال موضوع الفصل 30 جديد من مجلة الشغل، والتي تقتضي بقاء الأجير تابعا قانونيا وفعليا لمؤجره الأصلي الذي يملك أدوات العمل  والمعارف اللازمة لتنفيذه، على عكس مناولة اليد العاملة التي تفرض وجود مؤجر قانوني هو المؤسسة المناولة ومؤجر فعلي هو المؤسسة المستفيدة، فسر أن الفصل قد نص بوضوح على منع أن يكون العمال المستخدمون تحت إدارة ومراقبة المؤسسة المستفيدة. وأضاف أن مجال انطباق هذا الفصل يتمثل فقط في تقديم خدمات وأشغال تتطلب «معارف مهنية أو تخصصا فنيا» لفائدة المؤسسة المستفيدة على ألا تتعلق بالنشاط الأساسي والدائم للمؤسسة. وبيّن أن المشروع المعروض يتعلق بتنقيح بعض أحكام مجلة الشغل التي تنطبق على القطاع الخاص وسيتم إصدار عدد من النصوص الترتيبية بغاية ترسيم أعوان المناولة العاملين بالقطاع العام الذين يخضعون لأنظمة أساسية خاصة ولا تنطبق عليهم مجلة الشغل سوى بصفة احتياطية. وأكد أن هذا المشروع قد جاء لتكريس مقاربة تقوم على التوفيق بين ضرورة حماية الحقوق الأساسية للعمال ومتطلّبات حفز الاستثمار وتنشيط سوق الشغل وتلبية حاجيات المؤسسة الاقتصادية، من خلال العديد من الآليات ومنها إمكانية اللجوء، في إطار الاستثناء، إلى العقود محددة المدة في صورة الزيادة غير العادية في حجم الخدمات أو الأشغال.

تواصل الخلاف

وحتى بعد استماع لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة إلى ردود وزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر خلال جلستها المنعقدة يوم 25 مارس الماضي، تواصل الخلاف حول أحكام مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة، ففي جلسة اللجنة المنتظمة يوم الثلاثاء 15 أفريل 2025 والتي تم الاستماع فيها إلى ممثّلين عن رئاسة الحكومة، أكد النواب أن منع المناولة من شأنه القطع مع أحد أبرز أشكال المتاجرة باليد العاملة في القطاعين الخاص والعام على حد السواء، وبينوا أن المسألة تتطلب من الحكومة تسوية وضعية أعوان المناولة العاملين بالإدارات العمومية ووضع الآليات الكفيلة بإدماجهم بالتوازي مع مناقشة هذا المشروع الذي لا يهم إلا القطاع الخاص والقطاع العام بصفة احتياطية. ودعا بعض المتدخلين إلى التفكير في وضع الآليات الملائمة التي تساهم في إدماج المتعاملين من أعوان المناولة في رتب تتناسب مع مؤهلاتهم ومستوياتهم العلمية لتجاوز الحيف الموجود في عقود الشغل التي أبرموها، واعتبروا أن انتداب حاملي الشهائد في رتب أقل بكثير من مستوياتهم فيه تحايل واضح على القوانين من أجل استغلالهم وإبقائهم في وضعية هشاشة، وأكدوا أنه آن الأوان لتجاوز هذه الوضعية بمثل هذه المشاريع الثورية. وأكد عدد من النواب على ضرورة أن تكون الدولة مثالا يحتذى به في القطع مع كافة أشكال التشغيل الهش بما يسهّل عليها لاحقا تطبيق القانون الجديد على المؤسسات الخاصة، واقترحوا مزيد تدقيق صياغة الفصل 30 جديد المتعلق بمناولة الخدمات والأشغال والتنصيص على طابعها الظرفي، مع توضيح مآل شركات التنظيف والحراسة.

كما أشار البعض منهم إلى عدم تضمن وثيقة شرح الأسباب المرفقة بمشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة إحصائيات حول عدد مؤسسات المناولة الموجودة حاليا في تونس، وعدد العمال المشتغلين بها وهذه الإحصائيات حسب رأيهم ضرورية لمعرفة الانعكاس المالي لهذا الإجراء الذي قد يكون سببا في تعميق عجز ميزانية الدولة والإخلال بالتوازنات المالية للدولة، وهو ما قد يفرض على الحكومة التدرج في تسوية وضعية أعوان المناولة بأن يتم دمجهم على مراحل، خاصة وأن قانون المالية لسنة 2025 لم يأخذ هذا الإجراء بعين الاعتبار.

وفي المقابل، وحسب ما تمت الإشارة إليه في نفس البلاغ صادر عن لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة، نبّه شق آخر من النواب إلى أن منع المناولة بصفة كلية قد يلحق ضررا بمؤسسات القطاع الخاص إذ سيكون له تأثير سلبي على الاستثمار خاصة الأجنبي منه، خاصة وأن عددا كبيرا من المؤسسات التونسية تعمل كمؤسسات مناولة لشركات أجنبية. وتساءل البعض عن مصير شركات المناولة القائمة حاليا في حال عدم تسوية وضعياتها خلال ثلاثة أشهر طبقا لأحكام الفصل العاشر وهي فترة تبدو غير كافية حسب رأيهم. كما لاحظوا أن أحكام الفصلين 30 رابعا و30 خامسا غير منصفة في حق المؤسسات المستفيدة التي قد تكون أوفت بجميع التزاماتها تجاه المؤسسة المسدية ويقع تحميلها تبعات الإخلالات التي ترتكبها هذه الأخيرة.

وإضافة إلى جلستي الاستماع إلى وزير الشؤون الاجتماعية وإلى ممثلين عن رئاسة الحكومة يذكر أن اللجنة عقدت اجتماعات أخرى بمشاركة عدد من الجهات المعنية بمشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة أو بمشاركة عدد من الخبراء في قانون الشغل وتم خلالها التعمق أكثر في دراسة فصول المشروع، وتفاعل النواب مع المقترحات المقدمة إلى من قبل هذه الأطراف، ففي يوم الخميس 10 أفريل 2025 عقدت اللجنة جلسة استماع إلى ممثلين عن كنفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية، وعقدت اللجنة يوم الأربعاء 16 أفريل 2025 جلسة استماع إلى ممثلين الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بحضور حاتم قطران الخبير في قانون الشغل، وفي اجتماعها المنعقد يوم الثلاثاء 22 أفريل 2025 استمعت اللجنة إلى خبيرين في قانون الشغل وهما الأستاذ حافظ العموري والأستاذة سناء السويسي، كما استمعت إلى ممثلين عن كل من الجامعة التونسية للنزل والجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة والجامعة التونسية للنسيج والملابس وإلى ممثلي الغرف المشتركة.

وبعد الانتهاء من جلسات الاستماع نظم مجلس نواب الشعب يوم 30 أفريل 2025 بالأكاديمية البرلمانية يوما دراسيا حول مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة أشرف عليه رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة، وكان النقاش ساخنا وتباينت فيه أراء النواب بين من دافعوا عنه بشراسة وبين متخوفين من تداعياته، وقبل النقاش تم تقديم العديد من المداخلات إذ استعرض المنصف المعلول نائب رئيس لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة مسار مشروع، وقدم حاتم قطران، الأستاذ المتميز بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس والمدير العام السابق للمعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية مداخلة حول «الحق في الشغل في ظروف لائقة وأنماط عقد الشغل، مميزات مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة وأوجه القصور فيه ومقترحات إثرائه»، وقدم حافظ العموري أستاذ التعليم العالي بالمعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية بتونس تعليقا قانونيا على فصول مشروع مراجعة مجلة الشغل أما سناء السويسي الأستاذة المحاضرة بكلية الحقوق والعلوم السياسية فقد قدمت «قراءة في مشروع تنقيح أحكام مجلة الشغل المتعلقة بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة»، وقدم النوري مزيد أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بصفاقس والعميد السابق للكلية ومدير مدرسة الدكتوراه للعلوم القانونية «قراءة في مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة»، أما منير الفرشيشي القاضي والمدير العام لمركز الدراسات القانونية والقضائية فتحدث عن مشروع القانون والمبادئ القياسية التعاقدية، وإثر ذلك فتح الباب أمام ممثلي بعض المنظمات إذ قدم هشام اللومي نائب رئيس الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بمعية ممثلين عن هذه المنظمة ملاحظات حول مشروع القانون ومقترحات لتعديله، ونفس الشيء بالنسبة إلى محمد بن خليفة عضو المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالفلاحين الشبّان فقد قدم رأي اتحاد الفلاحين في المشروع ومقترحات لإثرائه كما تم الاستماع خلال اليوم الدراسي إلى الملاحظات والآراء التي قدمها سليم عبد الجليل عضو المجلس العلمي بكنفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية.

سعيدة بوهلال

مشروع قانون تنظيم عقود الشغل ومنع المناولة..   دعوة إلى الحسم في الأحكام الخلافية

-مقرر لجنة الشؤون الاجتماعية: الانطلاق في التصويت على مقترحات التعديل

بعد جلسات الاستماع إلى وزير الشؤون الاجتماعية وعدد من الخبراء في قانون الشغل وممثلين عن بعض الجمعيات والمنظمات المعنية بمشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة، شرعت لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة بمجلس نواب الشعب أمس بتركيبتها المنقوصة، تبعا لوفاة رئيسها الدكتور نبيه ثابت، في نقاش فصول هذا المشروع المقدم من قبل رئيس الجمهورية بتاريخ 14 مارس 2025 فصلا فصلا، بغاية عرضها على التصويت في صيغتها الأصلية أو في صيغة معدلة، وبالتالي الحسم في النقاط الخلافية التي تبلورت أثناء الجلسات السابقة أو خلال اليوم الدراسي المنعقد يوم 30 أفريل 2025 ببادرة من الأكاديمية البرلمانية حول المشروع، إذ عبر العديد من النواب يومها عن رغبتهم في التسريع في دراسة هذا المشروع وإحالته إلى الجلسة العامة للمصادقة عليه والبت في الأحكام الخلافية في أقرب الآجال لإنهاء حالة العبث بحقوق العمال، في حين هناك من يرى أنه من الأفضل التريث ودراسة هذا المشروع في متسع من الوقت لضمان موازنة حقيقية بين حماية حقوق الشغالين والمحافظة على ديمومة المؤسسات وصلابتها مع محاولة التفكير في مراجعة مجلة الشغل برمتها وعدم الاقتصار على إدخال تعديلات جزئية، كما تم اقتراح توسيع دائرة الاستشارة.

وخلال جلسة اللجنة المنعقدة صباح أمس بحضور وزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر، تم على حد قول مقرر اللجنة رؤوف الفقيري الشروع في نقاش فصول مشروع القانون فصلا فصلا.

وأضاف في تصريح لـ«الصباح» أن الوزير ذكّر أعضاء اللجنة بمقتضيات المشروع وقدم بعض التوضيحات، ثم بدأت عمليات التصويت على الأحكام الواردة في الباب الأول والمتعلقة بعقود الشغل ووقع التداول حول الفصل الأول. وأكد الفقيري أنه تم تقديم عدة مقترحات تعديل من قبل النواب لهذا الفصل الذي نص على إلغاء عدد من فصول مجلة الشغل وتعويضها وتعلق الكثير منها بالفصل السادس ثالثا من الفصل الأول حيث استغرق نقاش مقترحات تعديله وقتا طويلا، كما طلب الوزير الكلمة عدة مرات لتفسير هذا الفصل ولإقناع أصحاب مقترحات التعديل بمضامينه، ثم تم إثر ذلك رفع الجلسة الصباحية وتقرر استئناف الأشغال في حصة مسائية للنظر في بقية مقترحات تعديل الفصل الأول والتصويت عليها..

ونص الفصل الأول المعروض على التصويت صلب اللجنة في صيغته الأصلية على منع عقود الشغل معينة المدة والإقرار بأن الأصل في عقود الشغل هو إبرامها لمدة غير معينة مع ضرورة ارتباطها بالنشاط الأساسي والدائم للمؤسسة واعتبار هذه الصيغة هي الشكل الطبيعي والعام للعلاقات الشغلية، وتم منع إبرام عقود شغل لمدة معينة إلا في ثلاث حالات استثنائية تم حصرها في القيام بأعمال اقتضتها زيادة غير عادية في حجم الخدمات أو الأشغال، أو التعويض الوقتي لأجير قار متغيب، أو توقف تنفيذ عقد شغله أو القيام بأعمال موسمية أو بأنشطة أخرى لا يمكن حسب العرف أو بحكم طبيعتها اللجوء فيها إلى عقود لمدة غير معينة. ولإيقاف محاولات التحايل على القانون وخاصة ما تعلق باستغلال فترة التجربة في غير الأغراض التي أعدت لها وتحويلها إلى صورة من صور العمل غير المستقر وجعلها شكلا مقنعا لعقود شغل معينة المدة من خلال إطالة فترات التجربة تم بمقتضى الفصل الأول، اقتراح تنظيم تلك الفترة وحصرها في عقود الشغل غير معينة المدة وضبطها بمدة قصوى لا تتجاوز ستة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة ولنفس المدة والتي يمكن من خلالها لأي من الطرفين وضع حد لها قبل 15 يوما من انقضائها. وفي صورة إنهاء العمل بالعقد قبل انقضاء فترة التجربة الأولى أو الثانية أي سواء الفترة الأصلية أو عند التمديد فيها فإن كل انتداب للعامل يكون على أساس الانتداب القار ودون المرور بفترة تجربة. ولضمان حقوق الطرفين في العقد معين المدة تم بمقتضى الفصل الأول فرض الكتابة واعتبار عدم احترام هذا الشرط، أو عدم تضمين العقد مدته أو حالة الاستثناء التي تم ضبطها بصفة حصرية يحول العقد من عقد معين المدة إلى عقد غير معين المدة وتم في نفس الفصل الأول التنصيص على جعل عقد العامل الذي يواصل تقديم خدماته بعد انتهاء العقد معين المدة يتحول بقوة القانون إلى عقد غير معين المدة مع احتساب الأقدمية المكتسبة بالعقد معين المدة ودون إخضاعه إلى فترة تجربة. كما تم التنصيص في الفصل الأول من مشروع القانون على تمتيع الأجراء المنتدبين بمقتضى عقود شغل لمدة معينة بنفس الحقوق والامتيازات والضمانات الممنوحة للأجراء القارين العاملين بنفس النشاط والاختصاص المهني وتم في آخر نفس الفصل التنصيص على أنه يمكن إبرام عقد الشغل لمدة معينة أو غير معينة للعمل لوقت جزئي وفق أحكام مجلة الشغل.

اختلاف وجهات النظر

وفي انتظار حسمها في مختلف مقترحات التعديل واستكمال عمليات التصويت واستنادا إلى محاضر جلسات لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة أو البلاغات الصادرة عنها، يمكن الإشارة إلى أن الخلاف حول مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة طفا على السطح وتبلور للعيان منذ الجلسة الأولى التي عقدتها اللجنة يوم الثلاثاء 25 مارس 2025 وخصصتها للاستماع إلى وزير الشؤون الاجتماعية بصفته ممثلا عن جهة المبادرة التشريعية. فخلال النقاش، تباينت مواقف النواب حيث رأى البعض أن مشروع القانون نص ثوري يمكّن من تجاوز وضعيات قانونية وواقعية غير سليمة، وثمّنوا  ما جاءت به أحكامه للقطع نهائيا مع أشكال التشغيل الهش على غرار مناولة اليد العاملة التي تحولت إلى شكل من أشكال كراء خدمة الآدمي وهو مظهر جديد لفكرة الاستعباد لم يعد من المقبول تواصلها في تونس التي كانت سباقة على المستوى العالمي في إلغاء الرق، واعتبر هؤلاء أن هذا المشروع يتناغم مع رؤية رئيس الجمهورية في إرساء مقومات الدولة الاجتماعية.

وفي المقابل اعتبر عدد آخر من النواب مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة غلّب الجانب الاجتماعي على حساب الجانب الاقتصادي، ولاحظوا في هذا الصدد خلو وثيقة شرح الأسباب من المعطيات الإحصائية وعدم إرفاق مشروع القانون بدراسة جدوى من شأنها إنارة النواب وتمكينهم من تقييم المشروع بموضوعية، لاسيما من حيث آثاره المحتملة على تنافسية المؤسّسات في محيط اقتصادي وطني ودولي صعب. واعتبر عدد من النواب أن العقود محددة المدة معمول بها في أغلب الدول المتقدمة وأن المشكل لا يكمن في آلية المناولة في حد ذاتها بل في وجود فراغ تشريعي وتذبذب فقهي وقضائي في مدى شرعية هذه المؤسسات مما فتح المجال للتعسف في استعمالها. وبيّنوا أنّ الحلّ الأسلم يتمثّل في تنظيم المناولة وتقنينها بدقة عوضا عن المرور مباشرة من الفراغ القانوني إلى التجريم. واستأثر الفصل 30 جديد من المشروع بحيز هام من تدخلات  الحاضرين الذين وصفوا صياغته بالغامضة، ونبهوا من أنها قد تصبح بدورها مدخلا للتحايل على أحكام منع المناولة المنصوص عليها بالفصلين 28 جديد و30 مكرر، مؤكدين على ضرورة توضيح المقصود بعبارات «خدمات» و»أشغال» بكل دقة.  وتساءل البعض عن كيفية تطبيق الفصل الثامن من المشروع بفقرتيه بخصوص ترسيم أعوان المناولة واحتساب الأقدمية في حال قدّم الأجير خدماته لأكثر من مؤسسة أو إدارة مستفيدة. وتمت الدعوة إلى إعادة صياغة بعض الفصول غير الواضحة على غرار الفصل التاسع المتعلق بالآثار الرجعية لمشروع القانون.

وقبل النقاش قدّم وزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر يومها عرضا تطرّق فيه إلى الإطار القانوني المنظّم حاليا لعقود الشغل محددة المدة وعقود المناولة، وبين أنّ المرجعية الدستورية التي ارتكز عليها تعديل أحكام مجلة الشغل تتمثل في تكريس مقتضيات الفصل 46 منه التي تنص على الحق في العمل اللائق وبأجر عادل، وإرساء مبادئ الدولة الاجتماعية الضامنة لكرامة مواطنيها وحقوقهم دون تمييز. وأوضح أنّ إقرار أحكام مجلة الشغل، مرونة واسعة في مجال عقود الشغل معينة المدة، أدّى إلى الاستخدام المفرط لهذه العقود في مواطن الشغل القارة واستغلال فترات التجربة في غير الأغراض التي أبيحت من أجلها وتحويلها إلى صورة من صور العمل غير المستقر وحرمان الأجراء من الامتيازات التي يقرها القانون المنطبق على المؤسسات المستفيدة. وأشار إلى غياب إطار تشريعي واضح يضبط مفهوم المناولة وينظمها عند الاقتضاء مما أدى إلى ارتفاع عدد هذه الشركات وأصبح يمثل تهديدا لاستقرار الوضعية المهنية والاجتماعية للأجير. وأكّد وزير الشؤون الاجتماعية، أن المشروع المعروض جاء تنفيذا لقرار رئيس الجمهورية بتاريخ 6 مارس 2024 بإلغاء المناولة ومنع كل أشكال التحايل على القانون . وبيّن أنه كان ثمرة مسار تشاركي معمق تم الاعتماد فيه على نتائج عدد من الدراسات والتوصيات في المجال وأنّه يهدف إلى منع اللجوء إلى العقود المحدودة في الزمن بإقرار أن الأصل في عقود الشغل أن تبرم لمدة غير محددة إلا في ثلاث حالات استثنائية حصرها النص في: القيام بأعمال اقتضتها زيادة غير عادية في حجم العمل، أو التعويض الوقتي لأجير قار، أو القيام بأعمال موسمية لا يمكن حسب العرف أو بحكم طبيعتها اللجوء فيها إلى عقود غير محددة وبين أن مشروع القانون ينص على منع مناولة اليد العاملة بصورة قطعية واقتراح أحكام تتعلق بتنظيم مؤسسات إسداء الخدمات والقيام بالأشغال.

وفي تفاعله مع تدخلات النواب بيّن الوزير أن حالات اللجوء للعقود محددة المدة ليست جديدة في مجلة الشغل كالأعمال الموسمية أو التي تقتضيها زيادة غير عادية في حجم العمل، لكن جوهر التعديل المقترح يكمن في إقرار مبدا مهم وهو أن عقد الشغل يبرم لمدة غير محددة وجعل التحديد في الزمن استثناء منحصرا في حالات مضبوطة تفرضها طبيعة العمل وليس إرادة الأطراف. وأوضح أن تقنين المناولة كان خيارا مطروحا عند تنقيح مجلة الشغل سنة 1996 وهو من أنصاف الحلول التي لا تستجيب لمتطلبات القطع النهائي مع المتاجرة باليد العاملة. وبيّن أن تجريم المناولة ينسحب فقط على مناولة اليد العاملة دون مناولة العمل أو الخدمات والأشغال موضوع الفصل 30 جديد من مجلة الشغل، والتي تقتضي بقاء الأجير تابعا قانونيا وفعليا لمؤجره الأصلي الذي يملك أدوات العمل  والمعارف اللازمة لتنفيذه، على عكس مناولة اليد العاملة التي تفرض وجود مؤجر قانوني هو المؤسسة المناولة ومؤجر فعلي هو المؤسسة المستفيدة، فسر أن الفصل قد نص بوضوح على منع أن يكون العمال المستخدمون تحت إدارة ومراقبة المؤسسة المستفيدة. وأضاف أن مجال انطباق هذا الفصل يتمثل فقط في تقديم خدمات وأشغال تتطلب «معارف مهنية أو تخصصا فنيا» لفائدة المؤسسة المستفيدة على ألا تتعلق بالنشاط الأساسي والدائم للمؤسسة. وبيّن أن المشروع المعروض يتعلق بتنقيح بعض أحكام مجلة الشغل التي تنطبق على القطاع الخاص وسيتم إصدار عدد من النصوص الترتيبية بغاية ترسيم أعوان المناولة العاملين بالقطاع العام الذين يخضعون لأنظمة أساسية خاصة ولا تنطبق عليهم مجلة الشغل سوى بصفة احتياطية. وأكد أن هذا المشروع قد جاء لتكريس مقاربة تقوم على التوفيق بين ضرورة حماية الحقوق الأساسية للعمال ومتطلّبات حفز الاستثمار وتنشيط سوق الشغل وتلبية حاجيات المؤسسة الاقتصادية، من خلال العديد من الآليات ومنها إمكانية اللجوء، في إطار الاستثناء، إلى العقود محددة المدة في صورة الزيادة غير العادية في حجم الخدمات أو الأشغال.

تواصل الخلاف

وحتى بعد استماع لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة إلى ردود وزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر خلال جلستها المنعقدة يوم 25 مارس الماضي، تواصل الخلاف حول أحكام مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة، ففي جلسة اللجنة المنتظمة يوم الثلاثاء 15 أفريل 2025 والتي تم الاستماع فيها إلى ممثّلين عن رئاسة الحكومة، أكد النواب أن منع المناولة من شأنه القطع مع أحد أبرز أشكال المتاجرة باليد العاملة في القطاعين الخاص والعام على حد السواء، وبينوا أن المسألة تتطلب من الحكومة تسوية وضعية أعوان المناولة العاملين بالإدارات العمومية ووضع الآليات الكفيلة بإدماجهم بالتوازي مع مناقشة هذا المشروع الذي لا يهم إلا القطاع الخاص والقطاع العام بصفة احتياطية. ودعا بعض المتدخلين إلى التفكير في وضع الآليات الملائمة التي تساهم في إدماج المتعاملين من أعوان المناولة في رتب تتناسب مع مؤهلاتهم ومستوياتهم العلمية لتجاوز الحيف الموجود في عقود الشغل التي أبرموها، واعتبروا أن انتداب حاملي الشهائد في رتب أقل بكثير من مستوياتهم فيه تحايل واضح على القوانين من أجل استغلالهم وإبقائهم في وضعية هشاشة، وأكدوا أنه آن الأوان لتجاوز هذه الوضعية بمثل هذه المشاريع الثورية. وأكد عدد من النواب على ضرورة أن تكون الدولة مثالا يحتذى به في القطع مع كافة أشكال التشغيل الهش بما يسهّل عليها لاحقا تطبيق القانون الجديد على المؤسسات الخاصة، واقترحوا مزيد تدقيق صياغة الفصل 30 جديد المتعلق بمناولة الخدمات والأشغال والتنصيص على طابعها الظرفي، مع توضيح مآل شركات التنظيف والحراسة.

كما أشار البعض منهم إلى عدم تضمن وثيقة شرح الأسباب المرفقة بمشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة إحصائيات حول عدد مؤسسات المناولة الموجودة حاليا في تونس، وعدد العمال المشتغلين بها وهذه الإحصائيات حسب رأيهم ضرورية لمعرفة الانعكاس المالي لهذا الإجراء الذي قد يكون سببا في تعميق عجز ميزانية الدولة والإخلال بالتوازنات المالية للدولة، وهو ما قد يفرض على الحكومة التدرج في تسوية وضعية أعوان المناولة بأن يتم دمجهم على مراحل، خاصة وأن قانون المالية لسنة 2025 لم يأخذ هذا الإجراء بعين الاعتبار.

وفي المقابل، وحسب ما تمت الإشارة إليه في نفس البلاغ صادر عن لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة، نبّه شق آخر من النواب إلى أن منع المناولة بصفة كلية قد يلحق ضررا بمؤسسات القطاع الخاص إذ سيكون له تأثير سلبي على الاستثمار خاصة الأجنبي منه، خاصة وأن عددا كبيرا من المؤسسات التونسية تعمل كمؤسسات مناولة لشركات أجنبية. وتساءل البعض عن مصير شركات المناولة القائمة حاليا في حال عدم تسوية وضعياتها خلال ثلاثة أشهر طبقا لأحكام الفصل العاشر وهي فترة تبدو غير كافية حسب رأيهم. كما لاحظوا أن أحكام الفصلين 30 رابعا و30 خامسا غير منصفة في حق المؤسسات المستفيدة التي قد تكون أوفت بجميع التزاماتها تجاه المؤسسة المسدية ويقع تحميلها تبعات الإخلالات التي ترتكبها هذه الأخيرة.

وإضافة إلى جلستي الاستماع إلى وزير الشؤون الاجتماعية وإلى ممثلين عن رئاسة الحكومة يذكر أن اللجنة عقدت اجتماعات أخرى بمشاركة عدد من الجهات المعنية بمشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة أو بمشاركة عدد من الخبراء في قانون الشغل وتم خلالها التعمق أكثر في دراسة فصول المشروع، وتفاعل النواب مع المقترحات المقدمة إلى من قبل هذه الأطراف، ففي يوم الخميس 10 أفريل 2025 عقدت اللجنة جلسة استماع إلى ممثلين عن كنفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية، وعقدت اللجنة يوم الأربعاء 16 أفريل 2025 جلسة استماع إلى ممثلين الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بحضور حاتم قطران الخبير في قانون الشغل، وفي اجتماعها المنعقد يوم الثلاثاء 22 أفريل 2025 استمعت اللجنة إلى خبيرين في قانون الشغل وهما الأستاذ حافظ العموري والأستاذة سناء السويسي، كما استمعت إلى ممثلين عن كل من الجامعة التونسية للنزل والجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة والجامعة التونسية للنسيج والملابس وإلى ممثلي الغرف المشتركة.

وبعد الانتهاء من جلسات الاستماع نظم مجلس نواب الشعب يوم 30 أفريل 2025 بالأكاديمية البرلمانية يوما دراسيا حول مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة أشرف عليه رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة، وكان النقاش ساخنا وتباينت فيه أراء النواب بين من دافعوا عنه بشراسة وبين متخوفين من تداعياته، وقبل النقاش تم تقديم العديد من المداخلات إذ استعرض المنصف المعلول نائب رئيس لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة مسار مشروع، وقدم حاتم قطران، الأستاذ المتميز بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس والمدير العام السابق للمعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية مداخلة حول «الحق في الشغل في ظروف لائقة وأنماط عقد الشغل، مميزات مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة وأوجه القصور فيه ومقترحات إثرائه»، وقدم حافظ العموري أستاذ التعليم العالي بالمعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية بتونس تعليقا قانونيا على فصول مشروع مراجعة مجلة الشغل أما سناء السويسي الأستاذة المحاضرة بكلية الحقوق والعلوم السياسية فقد قدمت «قراءة في مشروع تنقيح أحكام مجلة الشغل المتعلقة بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة»، وقدم النوري مزيد أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بصفاقس والعميد السابق للكلية ومدير مدرسة الدكتوراه للعلوم القانونية «قراءة في مشروع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة»، أما منير الفرشيشي القاضي والمدير العام لمركز الدراسات القانونية والقضائية فتحدث عن مشروع القانون والمبادئ القياسية التعاقدية، وإثر ذلك فتح الباب أمام ممثلي بعض المنظمات إذ قدم هشام اللومي نائب رئيس الإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بمعية ممثلين عن هذه المنظمة ملاحظات حول مشروع القانون ومقترحات لتعديله، ونفس الشيء بالنسبة إلى محمد بن خليفة عضو المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالفلاحين الشبّان فقد قدم رأي اتحاد الفلاحين في المشروع ومقترحات لإثرائه كما تم الاستماع خلال اليوم الدراسي إلى الملاحظات والآراء التي قدمها سليم عبد الجليل عضو المجلس العلمي بكنفيدرالية المؤسسات المواطنة التونسية.

سعيدة بوهلال