شارك كل من وزير الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي ووزير التعليم العالي والبحث العلمي منذر بلعيد، أوّل أمس، في فعاليات الاحتفال بيوم أوروبا، وقد ألقى وزير الخارجية بالمناسبة كلمة تناول من خلالها أبعاد الشراكة التونسية- الأوروبية وأبعادها المستقبلية، مؤكدا أن الاحتفال هذه السنة بيوم أوروبا يحمل دلالات خاصة باعتباره يتزامن مع الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي سنة 1995.
وزير الخارجية أشار إلى أن ذلك يشكّل مناسبة لتقييم مسيرة ثلاثة عقود من التعاون المشترك واستشراف أفاق جديدة تواكب خيارات تونس وتطلعات شعبها.. وليست المرّة الأولى التي يطرح فيها وزير الخارجية محمد علي النفطي مسألة تقييم اتفاقية التعاون المشترك مع الاتحاد الأوروبي حيث سبق وأن قال في أكتوبر الماضي وعلى هامش مشاركته في فعالية الاحتفال بالعيد الوطني لمملكة إسبانيا إن اتفاقية الشراكة مع الجانب الأوروبي تتطلّب التقييم وإعادة النظر وإطلاق مسار برشلونة..
وفي السنوات الأخيرة برزت دعوات مدنية وسياسية تطالب بالنظر مجدّدا في اتفاقية الشراكة وتقييم انعكاساتها على الاقتصاد الوطني خاصة وأن هناك دولا اليوم تسعى لمراجعة اتفاقياتها مع الاتحاد الأوروبي مثل الجزائر والتي أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخرا أنه قبل مراجعة الشراكة معها كما طلبت.
هل يكون التقييم بداية للمراجعة؟
تعود أسس الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي إلى منتصف التسعينات بتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية وفي جانفي 2008 انطلقت تونس في تطبيق اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الاتحاد الأوروبي في المجال الصناعي وبموجب هذا الاتفاق أصبحت المنتجات الصناعية التونسية تحظى بتسهيلات للدخول إلى الأسواق الأوروبية، التي تعد الأهم على الإطلاق للصادرات التونسية.
ولكن في السنوات الأخيرة تحولّت الاتفاقية الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي إلى موضوع نقاش عام وطالبت عدة أطراف بتقييمها ومراجعتها وأنها لم تخدم الاقتصاد التونسي لا في المجال الصناعي ولا في مجال التصدير وأنها ساهمت بطريقة ما في إضعاف الاقتصاد الوطني لأنها لم تكن اتفاقية متكافئة ولم تحقق التطوّر المأمول اقتصاديا بالنسبة لتونس والتي لم تصل بعد واقعيا وعمليا إلى رتبة الشريك المميز والقوي في الضفة الجنوبية من المتوسط.
وما يعزّز اليوم إمكانية مراجعة الاتفاقية هو التقارب التونسي الأوروبي والذي انتهى بتوقيع اتفاق 16 جويلية 2023 وهو عبارة عن مذكرة تفاهم حول «الشراكة الإستراتيجية والشّاملة» في عدة مجالات وملفات، أبرزها مكافحة الهجرة غير النظامية والتجارة والاقتصاد والزراعة والطاقة والانتقال الرقمي، خاصة وأن التقييم وإعادة النظر في هذه الشراكة نوقش على مستوى الحكومة التونسية منذ مدة وليس أول مرة تتبنى فيها الحكومة التونسية هذا الموقف حيث أعلن وزير الخارجية الأسبق خميس الجهيناوي في أواخر جويلية 2017 أن تونس ترغب في الخروج من سياسة الجوار مع الاتحاد الأوروبي وقد تقدمت بأفكار جديدة بهدف التوصل إلى تصور مشترك مع الجانب الأوروبي لمستقبل العلاقات التونسية الأوروبية وبعد ذلك بأشهر قليلة قال المفوض الأوروبي لسياسات الجوار أن الوقت حان للحديث عن مستقبل العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي وأن الحاجة تدعو إلى وضع خارطة طريق لتحديد القطاعات ذات الأولوية بالنسبة للتعاون المستقبلي بين الجانبين.
إلا أنه وبعد ذلك ولأسباب غامضة اختفت كل نوايا المراجعة تلك رغم أن عددا كبيرا من جمعيات ومنظمات وشخصيات اقتصادية وسياسية ظلّت تدعو خلال كل السنوات الماضية إلى ضرورة تقييم ما وصفته بالحصيلة السلبية لاتفاق التبادل الحر للسلع الصناعية المبرم سنة 1995 ودعا بعضها إلى ضرورة مراجعة أسس المفاوضات بين تونس والاتحاد الأوروبي بما يراعي التفاوت الشاسع في مستويات التنمية وذلك سعيا إلى إرساء شراكة جديدة وحقيقية تراعي مصالح تونس وتقيها من المنافسة الأوروبية غير المتكافئة التي ألحقت الضرر البالغ بالاقتصاد التونسي وبعدة قطاعات إنتاجية.
اليوم وانطلاقا من تصريحات وزير الخارجية محمد علي النفطي يبدو أن هناك نوايا جدية لتقييم هذه الشراكة في اتجاه المراجعة خاصة وأن وزير الخارجية دعا في وقت سابق إلى ضرورة استئناف مسار برشلونة حيث أن الشراكة الإستراتيجية التي تمت بلورتها في نوفمبر 1995 كانت مع انعقاد مؤتمر برشلونة الذي ضم وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي مع نظرائهم من 12 دولة متوسطية.
استئناف مسار برشلونة
منذ ذلك الوقت كان دائما هناك حديث عن تطورات مسار برشلونة للتقارب وما انتهى إليه بعد سنوات من إعلان برشلونة الذي كان نقطة تحوّل مهمة وتاريخية في العلاقات الأورومتوسطية، ومن خلاله وُلدت تصورات جديدة لهذه العلاقة في إطار محاور ثلاثة أولها الشراكة السياسية والأمنية، والتي كان الهدف منها تأسيس منطقة متوسطية للسلام والاستقرار قائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ولكن الاتفاق حول هذا المحور كان متعثّرا في الواقع والمحور الثاني مؤسس على الشراكة الاقتصادية والمالية ويهدف إلى إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، ويسعى إلى دعم القطاع الخاص في الدول المتوسطية وزيادة حجم الاستثمارات المالية والاقتصادية داخلها، أما المحور الثالث فيهتم بالشراكة الاجتماعية والثقافية والإنسانية، ويهدف إلى إحداث نوع من التقارب «بين مواطني حوض البحر الأبيض المتوسط»..
ورغم أن الأهداف وقتها ومن خلال محاور الاتفاق كانت واعدة ومهمة إلا أنه وبعد كل هذه السنوات أثبت الواقع تعثّر أغلبها في الواقع ووجود عدة فوارق وحواجز حالت دون تحقيقها سواء كانت عوامل موضوعية أو ذاتية تتعلق ببلدان المتوسّط وخاصة بلدان الضفة الجنوبية حيث كانت الظروف الداخلية غير المستقرة خاصة بعد ثورات الربيع العربي من أهم العراقيل التي واجهت هذه الأهداف واليوم يحتاج مسار برشلونة بدوره إلى عملية إنعاش وإحياء تراعي التطورات التي تعيشها بلدان المتوسّط وتراعي خصوصياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وهذه التطورات باتت تفرض على دول جنوب المتوسّط كما شمال المتوسّط ضرورة مراجعة اتفاقيات الشراكة بالنظر إلى التغييرات الكبيرة التي يشهدها العالم ويعيشها، ومؤخرا أعلن الاتحاد الأوروبي، قبول طلب الجزائر مراجعة اتفاق الشراكة بينهما والذي دخل حيز التنفيذ عام 2005 ومنذ سنوات طالبت الجزائر بمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أكد في جانفي الماضي أن التوجه نحو مراجعة اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي تفرضه معطيات اقتصادية واقعية..
ونفس هذه المعطيات الاقتصادية الواقعية قد تدفع بتونس كذلك إلى طلب مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وفق رؤى وتصوّرات جديدة يمليها الواقع والتطورات.
منية العرفاوي
شارك كل من وزير الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي ووزير التعليم العالي والبحث العلمي منذر بلعيد، أوّل أمس، في فعاليات الاحتفال بيوم أوروبا، وقد ألقى وزير الخارجية بالمناسبة كلمة تناول من خلالها أبعاد الشراكة التونسية- الأوروبية وأبعادها المستقبلية، مؤكدا أن الاحتفال هذه السنة بيوم أوروبا يحمل دلالات خاصة باعتباره يتزامن مع الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي سنة 1995.
وزير الخارجية أشار إلى أن ذلك يشكّل مناسبة لتقييم مسيرة ثلاثة عقود من التعاون المشترك واستشراف أفاق جديدة تواكب خيارات تونس وتطلعات شعبها.. وليست المرّة الأولى التي يطرح فيها وزير الخارجية محمد علي النفطي مسألة تقييم اتفاقية التعاون المشترك مع الاتحاد الأوروبي حيث سبق وأن قال في أكتوبر الماضي وعلى هامش مشاركته في فعالية الاحتفال بالعيد الوطني لمملكة إسبانيا إن اتفاقية الشراكة مع الجانب الأوروبي تتطلّب التقييم وإعادة النظر وإطلاق مسار برشلونة..
وفي السنوات الأخيرة برزت دعوات مدنية وسياسية تطالب بالنظر مجدّدا في اتفاقية الشراكة وتقييم انعكاساتها على الاقتصاد الوطني خاصة وأن هناك دولا اليوم تسعى لمراجعة اتفاقياتها مع الاتحاد الأوروبي مثل الجزائر والتي أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخرا أنه قبل مراجعة الشراكة معها كما طلبت.
هل يكون التقييم بداية للمراجعة؟
تعود أسس الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي إلى منتصف التسعينات بتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية وفي جانفي 2008 انطلقت تونس في تطبيق اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الاتحاد الأوروبي في المجال الصناعي وبموجب هذا الاتفاق أصبحت المنتجات الصناعية التونسية تحظى بتسهيلات للدخول إلى الأسواق الأوروبية، التي تعد الأهم على الإطلاق للصادرات التونسية.
ولكن في السنوات الأخيرة تحولّت الاتفاقية الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي إلى موضوع نقاش عام وطالبت عدة أطراف بتقييمها ومراجعتها وأنها لم تخدم الاقتصاد التونسي لا في المجال الصناعي ولا في مجال التصدير وأنها ساهمت بطريقة ما في إضعاف الاقتصاد الوطني لأنها لم تكن اتفاقية متكافئة ولم تحقق التطوّر المأمول اقتصاديا بالنسبة لتونس والتي لم تصل بعد واقعيا وعمليا إلى رتبة الشريك المميز والقوي في الضفة الجنوبية من المتوسط.
وما يعزّز اليوم إمكانية مراجعة الاتفاقية هو التقارب التونسي الأوروبي والذي انتهى بتوقيع اتفاق 16 جويلية 2023 وهو عبارة عن مذكرة تفاهم حول «الشراكة الإستراتيجية والشّاملة» في عدة مجالات وملفات، أبرزها مكافحة الهجرة غير النظامية والتجارة والاقتصاد والزراعة والطاقة والانتقال الرقمي، خاصة وأن التقييم وإعادة النظر في هذه الشراكة نوقش على مستوى الحكومة التونسية منذ مدة وليس أول مرة تتبنى فيها الحكومة التونسية هذا الموقف حيث أعلن وزير الخارجية الأسبق خميس الجهيناوي في أواخر جويلية 2017 أن تونس ترغب في الخروج من سياسة الجوار مع الاتحاد الأوروبي وقد تقدمت بأفكار جديدة بهدف التوصل إلى تصور مشترك مع الجانب الأوروبي لمستقبل العلاقات التونسية الأوروبية وبعد ذلك بأشهر قليلة قال المفوض الأوروبي لسياسات الجوار أن الوقت حان للحديث عن مستقبل العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي وأن الحاجة تدعو إلى وضع خارطة طريق لتحديد القطاعات ذات الأولوية بالنسبة للتعاون المستقبلي بين الجانبين.
إلا أنه وبعد ذلك ولأسباب غامضة اختفت كل نوايا المراجعة تلك رغم أن عددا كبيرا من جمعيات ومنظمات وشخصيات اقتصادية وسياسية ظلّت تدعو خلال كل السنوات الماضية إلى ضرورة تقييم ما وصفته بالحصيلة السلبية لاتفاق التبادل الحر للسلع الصناعية المبرم سنة 1995 ودعا بعضها إلى ضرورة مراجعة أسس المفاوضات بين تونس والاتحاد الأوروبي بما يراعي التفاوت الشاسع في مستويات التنمية وذلك سعيا إلى إرساء شراكة جديدة وحقيقية تراعي مصالح تونس وتقيها من المنافسة الأوروبية غير المتكافئة التي ألحقت الضرر البالغ بالاقتصاد التونسي وبعدة قطاعات إنتاجية.
اليوم وانطلاقا من تصريحات وزير الخارجية محمد علي النفطي يبدو أن هناك نوايا جدية لتقييم هذه الشراكة في اتجاه المراجعة خاصة وأن وزير الخارجية دعا في وقت سابق إلى ضرورة استئناف مسار برشلونة حيث أن الشراكة الإستراتيجية التي تمت بلورتها في نوفمبر 1995 كانت مع انعقاد مؤتمر برشلونة الذي ضم وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي مع نظرائهم من 12 دولة متوسطية.
استئناف مسار برشلونة
منذ ذلك الوقت كان دائما هناك حديث عن تطورات مسار برشلونة للتقارب وما انتهى إليه بعد سنوات من إعلان برشلونة الذي كان نقطة تحوّل مهمة وتاريخية في العلاقات الأورومتوسطية، ومن خلاله وُلدت تصورات جديدة لهذه العلاقة في إطار محاور ثلاثة أولها الشراكة السياسية والأمنية، والتي كان الهدف منها تأسيس منطقة متوسطية للسلام والاستقرار قائمة على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ولكن الاتفاق حول هذا المحور كان متعثّرا في الواقع والمحور الثاني مؤسس على الشراكة الاقتصادية والمالية ويهدف إلى إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، ويسعى إلى دعم القطاع الخاص في الدول المتوسطية وزيادة حجم الاستثمارات المالية والاقتصادية داخلها، أما المحور الثالث فيهتم بالشراكة الاجتماعية والثقافية والإنسانية، ويهدف إلى إحداث نوع من التقارب «بين مواطني حوض البحر الأبيض المتوسط»..
ورغم أن الأهداف وقتها ومن خلال محاور الاتفاق كانت واعدة ومهمة إلا أنه وبعد كل هذه السنوات أثبت الواقع تعثّر أغلبها في الواقع ووجود عدة فوارق وحواجز حالت دون تحقيقها سواء كانت عوامل موضوعية أو ذاتية تتعلق ببلدان المتوسّط وخاصة بلدان الضفة الجنوبية حيث كانت الظروف الداخلية غير المستقرة خاصة بعد ثورات الربيع العربي من أهم العراقيل التي واجهت هذه الأهداف واليوم يحتاج مسار برشلونة بدوره إلى عملية إنعاش وإحياء تراعي التطورات التي تعيشها بلدان المتوسّط وتراعي خصوصياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وهذه التطورات باتت تفرض على دول جنوب المتوسّط كما شمال المتوسّط ضرورة مراجعة اتفاقيات الشراكة بالنظر إلى التغييرات الكبيرة التي يشهدها العالم ويعيشها، ومؤخرا أعلن الاتحاد الأوروبي، قبول طلب الجزائر مراجعة اتفاق الشراكة بينهما والذي دخل حيز التنفيذ عام 2005 ومنذ سنوات طالبت الجزائر بمراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أكد في جانفي الماضي أن التوجه نحو مراجعة اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي تفرضه معطيات اقتصادية واقعية..
ونفس هذه المعطيات الاقتصادية الواقعية قد تدفع بتونس كذلك إلى طلب مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وفق رؤى وتصوّرات جديدة يمليها الواقع والتطورات.