إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بين‭ ‬مشروع‭ ‬‮"عفو عام عن النفقة"‬‭ ‬ و"طلاق التراضي لدى عدول الإشهاد".. تباين‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭.. ‬وتخوفات‭ ‬من‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬مكاسب‭ ‬مجتمعية‭ ‬للأطفال‭ ‬والنساء‭..‬

 

أثار‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬عفو‭ ‬عام‭ ‬للمطالبين‭ ‬بـديون‭ ‬مترتبة‭ ‬عن‭ ‬نفقة‭ ‬أو‭ ‬جراية‭ ‬الطلاق،‭ ‬الذي‭ ‬اقترحه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬نواب‭ ‬البرلمان‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التحفظات،‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬فيها‭ ‬مس‭ ‬من‭ ‬مكاسب‭ ‬وحقوق‭ ‬الأسرة‭ ‬وخاصة‭ ‬الأطفال‭. ‬ونفس‭ ‬الأمر‭ ‬تقريبا‭ ‬واجهه‭ ‬مقترح‭ ‬تمكين‭ ‬عدول‭ ‬الإشهاد‭ ‬من‭ ‬إجراء‭ ‬طلاق‭ ‬بالتراضي‭ ‬الذي‭ ‬تضمنته‭ ‬مبادرة‭ ‬تشريعية‭ ‬لتنظيم‭ ‬مهنة‭ ‬عدول‭ ‬الإشهاد‭.‬

وقد‭ ‬اعتبر‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬مشروعي‭ ‬القانون‭ ‬بمثابة‭ ‬انتكاسة‭ ‬وتراجع‭ ‬عن‭ ‬مكاسب‭ ‬أتت‭ ‬بها‭ ‬مجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬خصوص‭ ‬مسار‭ ‬التقاضي‭ ‬الخاص‭ ‬بالطلاق‭ ‬والذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الإنصاف‭ ‬وحماية‭ ‬النساء‭. ‬

وشكل‭ ‬المقترحان‭ ‬بالتالي‭ ‬خطوة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬مكتسبات‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية‭ ‬والضمانات‭ ‬التي‭ ‬وفرها‭ ‬القانون‭ ‬إلى‭ ‬الأشخاص‭ ‬الأكثر‭ ‬هشاشة‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬وهم‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭. ‬

وفسر‭ ‬النائب‭ ‬يوسف‭ ‬التومي‭ ‬في‭ ‬توضيح‭ ‬للمقترح‭ ‬الذي‭ ‬تقدم‭ ‬به‭ ‬صحبة‭ ‬105‭ ‬نواب‭ ‬داخل‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب،‭ ‬أن‭ ‬السماح‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬الطلاق‭ ‬بالتراضي‭ ‬لدى‭ ‬عدل‭ ‬إشهاد‭ ‬هدفه‭ ‬تخفيف‭ ‬الزمن‭ ‬القضائي‭ ‬وتخفيف‭ ‬العبء‭ ‬على‭ ‬القضاة‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬ملفات‭ ‬الطلاق‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭ ‬تُعَد‭ ‬بالآلاف‭.‬

وتابع‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬الطلاق‭ ‬بالتراضي‭ ‬تكون‭ ‬بتحرير‭ ‬محضر‭ ‬لدى‭ ‬عدل‭ ‬الإشهاد‭ ‬بعد‭ ‬اتفاق‭ ‬الطرفين‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬سيتم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬الأسرة‭ ‬وضمان‭ ‬حقوق‭ ‬الأطفال‭ ‬القُصر‭.‬

تراجع‭ ‬عن‭ ‬مكاسب‭ ‬المرأة

في‭ ‬المقابل‭ ‬يذكر‭ ‬القاضي‭ ‬عمر‭ ‬الوسلاتي‭ ‬أن‭ ‬مجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬تمثل‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬ركائز‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬وأن‭ ‬تعديل‭ ‬أحكامها‭ ‬سيشكل‭ ‬انتكاسة‭ ‬وتراجعا‭ ‬عن‭ ‬مكاسب‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬إسناد‭ ‬اختصاص‭ ‬إيقاع‭ ‬الطلاق‭ ‬بالتراضي‭ ‬لعدول‭ ‬الإشهاد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬المكتسبة،‭ ‬ويمس‭ ‬من‭ ‬مكسب‭ ‬الحماية‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬توفرها‭ ‬القوانين‭ ‬الحالية،‭ ‬فإذا‭ ‬تم‭ ‬منح‭ ‬حق‭ ‬الطلاق‭ ‬بالتراضي‭ ‬إلى‭ ‬عدول‭ ‬الإشهاد،‭ ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬حالات‭ ‬من‭ ‬الاستغلال‭ ‬أو‭ ‬الظلم،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬غير‭ ‬المتكافئة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتمكن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬داخلها‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬القانوني‭ ‬أو‭ ‬الحماية‭ ‬التي‭ ‬توفرها‭ ‬المحاكم،‭ ‬مما‭ ‬يعرض‭ ‬حقوقهن‭ ‬المالية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للخطر‭.‬

ويقول‭ ‬الوسلاتي‭ ‬إن‭ ‬مقترح‭ ‬‮«‬إسناد‭ ‬الطلاق‭ ‬بالتراضي‮»‬‭ ‬لعدول‭ ‬الإشهاد‭ ‬يمثل‭ ‬تهديداً‭ ‬للحقوق‭ ‬المكتسبة‭ ‬والمبادئ‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬القوانين‭ ‬الحالية‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها‭. ‬ويشدد‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬إجراءات‭ ‬الطلاق‭ ‬محاطة‭ ‬برقابة‭ ‬قضائية‭ ‬كافية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬العدالة‭ ‬وحماية‭ ‬الأفراد،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬وضمان‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭ ‬والمجتمع‭.‬

ويضيف‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬القضائي‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الأسرة‭ ‬–‭ ‬رغم‭ ‬تعقيداته‭ ‬–‭ ‬صُمم‭ ‬ليكون‭ ‬مجانيًا‭(‬دون‭ ‬وجوبية‭ ‬المحامي‭)‬،‭ ‬ومتخصصًا‭ (‬بوجود‭ ‬قضاة‭ ‬أسرة‭)‬،‭ ‬وشفافًا‭(‬بحضور‭ ‬النيابة‭ ‬العمومية‭ ‬ومندوب‭ ‬حماية‭ ‬الطفولة‭). ‬هذه‭ ‬الضمانات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تعويضها‭ ‬بإجراءات‭ ‬إدارية،‭ ‬لأن‭ ‬الطلاق‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬عقد‭ ‬إنهاء‮»‬‭ ‬بل‭ ‬قرار‭ ‬يهز‭ ‬كيان‭ ‬الأسرة،‭ ‬خاصة‭ ‬عند‭ ‬وجود‭ ‬أطفال‭.‬

وفسر‭ ‬القاضي‭ ‬عمر‭ ‬الوسلاتي‭ ‬بأن‭ ‬طول‭ ‬الإجراءات‭ ‬القضائية‭ ‬ليس‭ ‬عيبًا‭ ‬بالضرورة،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬فرصة‭ ‬للتريث‭ ‬والتدخل‭ ‬العائلي‭ ‬أو‭ ‬المصالحة‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬تخفيف‭ ‬العبء‭ ‬المالي،‭ ‬فالمساعدة‭ ‬القضائية‭ ‬متاحة‭ ‬مجانًا،‭ ‬والمحاكم‭ ‬مختصرة‭ ‬الإجراءات‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭. ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬‮«‬التخفيف‭ ‬عن‭ ‬المحاكم‮»‬،‭ ‬فالحل‭ ‬ليس‭ ‬بإلغاء‭ ‬دور‭ ‬القضاء،‭ ‬بل‭ ‬بتعزيز‭ ‬وسائل‭ ‬التوفيق‭ ‬وتسهيل‭ ‬الإجراءات‭ ‬القضائية‭.‬

مقترح‭ ‬لا‭ ‬مبرر‭ ‬له

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمشروع‭ ‬لجنة‭ ‬التشريع‭ ‬العام‭ ‬الخاص‭ ‬بإقرار‭ ‬عفو‭ ‬عام‭ ‬للمطالبين‭ ‬بـديون‭ ‬مترتبة‭ ‬عن‭ ‬نفقة‭ ‬أو‭ ‬جراية‭ ‬الطلاق،‭ ‬فيشير‭ ‬النائب‭ ‬عبد‭ ‬الجليل‭ ‬الهاني،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القلق‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬مقترح‭ ‬القانون‭ ‬المذكور‭ ‬لا‭ ‬مبرر‭ ‬له،‭ ‬ومجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬لن‭ ‬يتخذ‭ ‬أي‭ ‬إجراء‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يمس‭ ‬بمكاسب‭ ‬أو‭ ‬حقوق‭ ‬الأسرة‭ ‬أو‭ ‬المطلقات‭ ‬أو‭ ‬الأبناء‭. ‬وفسر‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬هو‭ ‬ملاءمة‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬المجتمع‭. ‬فبعض‭ ‬بنود‭ ‬مجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬النفقة‭ ‬والتي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬1957‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تلبي‭ ‬متطلبات‭ ‬المجتمعات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬طرأت‭ ‬عليها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التغيّرات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وأبرزها‭ ‬الاستقلالية‭ ‬المالية‭ ‬للنساء‭ ‬وتحملهن‭ ‬أجزاءً‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬الأسري‭.‬

وأوضح‭ ‬النائب‭ ‬عبد‭ ‬الجليل‭ ‬الهاني‭ ‬أن‭ ‬مجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬قد‭ ‬مكنت‭ ‬المطلقة‭ ‬والحاضنة‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تملك‭ ‬فيه‭ ‬أي‭ ‬دخل‭. ‬وأمام‭ ‬ما‭ ‬سجل‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬على‭ ‬الأسرة‭ ‬ودخل‭ ‬المرأة‭ ‬داخلها‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬إجراء‭ ‬تعديلات‭ ‬على‭ ‬القانون‭.‬

وأضاف‭ ‬أن‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬القانون،‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬الحاضنات‭ ‬على‭ ‬النفقة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الزج‭ ‬بالأزواج‭ ‬المتعثرين‭ ‬في‭ ‬السجون،‭ ‬والتخفيض‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬النفقة‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬التي‭ ‬يتسبب‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬خلافات‭ ‬عائلية‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭. ‬وتكون‭ ‬لها‭ ‬ضريبة‭ ‬اجتماعية‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬السواء‭ ‬مذكرا‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬لا‭ ‬يستهدف‭ ‬الإعفاء‭ ‬من‭ ‬دفع‭ ‬النفقة‭ ‬بل‭ ‬تيسير‭ ‬خلاصها‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬السجن‭. ‬وحسب‭ ‬نائب‭ ‬الشعب‭ ‬الهاني‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬تحضنهم‭ ‬الأمهات‭ ‬المطلقات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬600‭ ‬ألف‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬مليونين‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬الدراسة،‭ ‬وهذا‭ ‬رقم‭ ‬مرتفع‭ ‬جداً‭.‬

تداعيات‭ ‬مضاعفة

ومن‭ ‬جانبها‭ ‬بينت‭ ‬هالة‭ ‬بن‭ ‬سالم‭ ‬المحامية‭ ‬والكاتبة‭ ‬العامة‭ ‬للجمعية‭ ‬التونسية‭ ‬للنساء‭ ‬الديمقراطيات،‭ ‬أنه‭ ‬ورغم‭ ‬أنهن‭ ‬داخل‭ ‬الجمعية‭ ‬مع‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬الإنفاق‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬ويعارضن‭ ‬عقوبة‭ ‬سلب‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬النفقة‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬السجن‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬حلا‭ ‬فيما‭ ‬يهم‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭. ‬فالجمعية‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬دفع‭ ‬النفقة‭ ‬هي‭ ‬جريمة‭ ‬قصدية‭ ‬وإسقاط‭ ‬أو‭ ‬إقرار‭ ‬عفو‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬شأنها‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬تداعياته‭ ‬مضاعفة‭ ‬وضعية‭ ‬الهشاشة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للأطفال،‭ ‬والمس‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬داخل‭ ‬أسرة‭ ‬متوازنة‭.‬

وتعتبر‭ ‬هالة‭ ‬بن‭ ‬سالم‭ ‬أن‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬في‭ ‬النفقة‭ ‬المتخلدة‭ ‬في‭ ‬ذمة‭ ‬العائلين‭ ‬للأطفال‭ ‬والأسر،‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬عبر‭ ‬إقرار‭ ‬عفو‭ ‬عام‭ ‬وإنما‭ ‬عبر‭ ‬إقرار‭ ‬حلول‭ ‬جدية‭ ‬عبر‭ ‬الذهاب‭ ‬نحو‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة‭ ‬عن‭ ‬السجن‭ ‬وتفعيل‭ ‬صندوق‭ ‬النفقة‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬ضمانة‭ ‬تمكن‭ ‬المطلقة‭ ‬وأبنائها‭ ‬بمستوى‭ ‬دنيوي‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭. ‬

ومن‭ ‬جانبها‭ ‬تشير‭ ‬نجاة‭ ‬عرعاري‭ ‬الباحثة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬عفو‭ ‬عام‭ ‬للمطالبين‭ ‬بـديون‭ ‬مترتبة‭ ‬عن‭ ‬نفقة‭ ‬أو‭ ‬جراية‭ ‬الطلاق،‭ ‬يحمل‭ ‬انتهاكا‭ ‬لحقوق‭ ‬الطفل‭ ‬وضربا‭ ‬للمصلحة‭ ‬الفضلى‭ ‬للطفل‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬النفقة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الحالات‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رعاية‭ ‬الأطفال،‭ ‬وهي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الوظيفة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لأولياء‭ ‬الأم‭ ‬والأب‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬السواء‭.‬

مضاعفة‭ ‬الأعباء‭ ‬الأسرية

وبينت‭ ‬عرعاري‭ ‬أن‭ ‬إقرار‭ ‬عفو‭ ‬عام‭ ‬سيزيد‭ ‬من‭ ‬مضاعفة‭ ‬الأعباء‭ ‬الأسرية‭ ‬المناطة‭ ‬بعهدة‭ ‬المرأة‭ (‬المطلقة‭) ‬كما‭ ‬سيعزز‭ ‬هشاشتها‭. ‬أما‭ ‬مدنيا‭ ‬فتعتبر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬ستشكل‭ ‬مطية‭ ‬للترفيع‭ ‬من‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬ومن‭ ‬العقاب‭.‬

وبينت‭ ‬الباحثة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬أن‭ ‬المراجعة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بعمق‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحضانة‭ ‬البين‭ ‬والديّة،‭ ‬لأن‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬الأبوين‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانا‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬انفصال‭. ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الوظيفة‭ ‬العاطفية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬للأسرة‭ ‬هي‭ ‬وظائف‭ ‬مشتركة‭. ‬مذكرة‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬النساء‭ ‬المطلقات‭ ‬الحاضنات‭ ‬للأطفال‭ ‬يقمن‭ ‬بهذه‭ ‬للوظائف‭ ‬بأنفسهن‭ ‬دون‭ ‬سند‭.‬

ريم‭ ‬سوودي‭ 

 

بين‭ ‬مشروع‭ ‬‮"عفو عام عن النفقة"‬‭ ‬ و"طلاق التراضي لدى عدول الإشهاد".. تباين‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭.. ‬وتخوفات‭ ‬من‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬مكاسب‭ ‬مجتمعية‭ ‬للأطفال‭ ‬والنساء‭..‬

 

أثار‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬عفو‭ ‬عام‭ ‬للمطالبين‭ ‬بـديون‭ ‬مترتبة‭ ‬عن‭ ‬نفقة‭ ‬أو‭ ‬جراية‭ ‬الطلاق،‭ ‬الذي‭ ‬اقترحه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬نواب‭ ‬البرلمان‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التحفظات،‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬فيها‭ ‬مس‭ ‬من‭ ‬مكاسب‭ ‬وحقوق‭ ‬الأسرة‭ ‬وخاصة‭ ‬الأطفال‭. ‬ونفس‭ ‬الأمر‭ ‬تقريبا‭ ‬واجهه‭ ‬مقترح‭ ‬تمكين‭ ‬عدول‭ ‬الإشهاد‭ ‬من‭ ‬إجراء‭ ‬طلاق‭ ‬بالتراضي‭ ‬الذي‭ ‬تضمنته‭ ‬مبادرة‭ ‬تشريعية‭ ‬لتنظيم‭ ‬مهنة‭ ‬عدول‭ ‬الإشهاد‭.‬

وقد‭ ‬اعتبر‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬مشروعي‭ ‬القانون‭ ‬بمثابة‭ ‬انتكاسة‭ ‬وتراجع‭ ‬عن‭ ‬مكاسب‭ ‬أتت‭ ‬بها‭ ‬مجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬خصوص‭ ‬مسار‭ ‬التقاضي‭ ‬الخاص‭ ‬بالطلاق‭ ‬والذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الإنصاف‭ ‬وحماية‭ ‬النساء‭. ‬

وشكل‭ ‬المقترحان‭ ‬بالتالي‭ ‬خطوة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬مكتسبات‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية‭ ‬والضمانات‭ ‬التي‭ ‬وفرها‭ ‬القانون‭ ‬إلى‭ ‬الأشخاص‭ ‬الأكثر‭ ‬هشاشة‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬وهم‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭. ‬

وفسر‭ ‬النائب‭ ‬يوسف‭ ‬التومي‭ ‬في‭ ‬توضيح‭ ‬للمقترح‭ ‬الذي‭ ‬تقدم‭ ‬به‭ ‬صحبة‭ ‬105‭ ‬نواب‭ ‬داخل‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب،‭ ‬أن‭ ‬السماح‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬الطلاق‭ ‬بالتراضي‭ ‬لدى‭ ‬عدل‭ ‬إشهاد‭ ‬هدفه‭ ‬تخفيف‭ ‬الزمن‭ ‬القضائي‭ ‬وتخفيف‭ ‬العبء‭ ‬على‭ ‬القضاة‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬ملفات‭ ‬الطلاق‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭ ‬تُعَد‭ ‬بالآلاف‭.‬

وتابع‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬الطلاق‭ ‬بالتراضي‭ ‬تكون‭ ‬بتحرير‭ ‬محضر‭ ‬لدى‭ ‬عدل‭ ‬الإشهاد‭ ‬بعد‭ ‬اتفاق‭ ‬الطرفين‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬سيتم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬الأسرة‭ ‬وضمان‭ ‬حقوق‭ ‬الأطفال‭ ‬القُصر‭.‬

تراجع‭ ‬عن‭ ‬مكاسب‭ ‬المرأة

في‭ ‬المقابل‭ ‬يذكر‭ ‬القاضي‭ ‬عمر‭ ‬الوسلاتي‭ ‬أن‭ ‬مجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬تمثل‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬ركائز‭ ‬الدولة‭ ‬المدنية‭ ‬وأن‭ ‬تعديل‭ ‬أحكامها‭ ‬سيشكل‭ ‬انتكاسة‭ ‬وتراجعا‭ ‬عن‭ ‬مكاسب‭ ‬المرأة‭ ‬التونسية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬إسناد‭ ‬اختصاص‭ ‬إيقاع‭ ‬الطلاق‭ ‬بالتراضي‭ ‬لعدول‭ ‬الإشهاد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬المكتسبة،‭ ‬ويمس‭ ‬من‭ ‬مكسب‭ ‬الحماية‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬توفرها‭ ‬القوانين‭ ‬الحالية،‭ ‬فإذا‭ ‬تم‭ ‬منح‭ ‬حق‭ ‬الطلاق‭ ‬بالتراضي‭ ‬إلى‭ ‬عدول‭ ‬الإشهاد،‭ ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬حالات‭ ‬من‭ ‬الاستغلال‭ ‬أو‭ ‬الظلم،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬غير‭ ‬المتكافئة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتمكن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬داخلها‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬القانوني‭ ‬أو‭ ‬الحماية‭ ‬التي‭ ‬توفرها‭ ‬المحاكم،‭ ‬مما‭ ‬يعرض‭ ‬حقوقهن‭ ‬المالية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للخطر‭.‬

ويقول‭ ‬الوسلاتي‭ ‬إن‭ ‬مقترح‭ ‬‮«‬إسناد‭ ‬الطلاق‭ ‬بالتراضي‮»‬‭ ‬لعدول‭ ‬الإشهاد‭ ‬يمثل‭ ‬تهديداً‭ ‬للحقوق‭ ‬المكتسبة‭ ‬والمبادئ‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬القوانين‭ ‬الحالية‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها‭. ‬ويشدد‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬إجراءات‭ ‬الطلاق‭ ‬محاطة‭ ‬برقابة‭ ‬قضائية‭ ‬كافية‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬العدالة‭ ‬وحماية‭ ‬الأفراد،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬وضمان‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭ ‬والمجتمع‭.‬

ويضيف‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬القضائي‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الأسرة‭ ‬–‭ ‬رغم‭ ‬تعقيداته‭ ‬–‭ ‬صُمم‭ ‬ليكون‭ ‬مجانيًا‭(‬دون‭ ‬وجوبية‭ ‬المحامي‭)‬،‭ ‬ومتخصصًا‭ (‬بوجود‭ ‬قضاة‭ ‬أسرة‭)‬،‭ ‬وشفافًا‭(‬بحضور‭ ‬النيابة‭ ‬العمومية‭ ‬ومندوب‭ ‬حماية‭ ‬الطفولة‭). ‬هذه‭ ‬الضمانات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تعويضها‭ ‬بإجراءات‭ ‬إدارية،‭ ‬لأن‭ ‬الطلاق‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬عقد‭ ‬إنهاء‮»‬‭ ‬بل‭ ‬قرار‭ ‬يهز‭ ‬كيان‭ ‬الأسرة،‭ ‬خاصة‭ ‬عند‭ ‬وجود‭ ‬أطفال‭.‬

وفسر‭ ‬القاضي‭ ‬عمر‭ ‬الوسلاتي‭ ‬بأن‭ ‬طول‭ ‬الإجراءات‭ ‬القضائية‭ ‬ليس‭ ‬عيبًا‭ ‬بالضرورة،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬فرصة‭ ‬للتريث‭ ‬والتدخل‭ ‬العائلي‭ ‬أو‭ ‬المصالحة‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬تخفيف‭ ‬العبء‭ ‬المالي،‭ ‬فالمساعدة‭ ‬القضائية‭ ‬متاحة‭ ‬مجانًا،‭ ‬والمحاكم‭ ‬مختصرة‭ ‬الإجراءات‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭. ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬‮«‬التخفيف‭ ‬عن‭ ‬المحاكم‮»‬،‭ ‬فالحل‭ ‬ليس‭ ‬بإلغاء‭ ‬دور‭ ‬القضاء،‭ ‬بل‭ ‬بتعزيز‭ ‬وسائل‭ ‬التوفيق‭ ‬وتسهيل‭ ‬الإجراءات‭ ‬القضائية‭.‬

مقترح‭ ‬لا‭ ‬مبرر‭ ‬له

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمشروع‭ ‬لجنة‭ ‬التشريع‭ ‬العام‭ ‬الخاص‭ ‬بإقرار‭ ‬عفو‭ ‬عام‭ ‬للمطالبين‭ ‬بـديون‭ ‬مترتبة‭ ‬عن‭ ‬نفقة‭ ‬أو‭ ‬جراية‭ ‬الطلاق،‭ ‬فيشير‭ ‬النائب‭ ‬عبد‭ ‬الجليل‭ ‬الهاني،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القلق‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬مقترح‭ ‬القانون‭ ‬المذكور‭ ‬لا‭ ‬مبرر‭ ‬له،‭ ‬ومجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬لن‭ ‬يتخذ‭ ‬أي‭ ‬إجراء‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يمس‭ ‬بمكاسب‭ ‬أو‭ ‬حقوق‭ ‬الأسرة‭ ‬أو‭ ‬المطلقات‭ ‬أو‭ ‬الأبناء‭. ‬وفسر‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬هو‭ ‬ملاءمة‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬المجتمع‭. ‬فبعض‭ ‬بنود‭ ‬مجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬النفقة‭ ‬والتي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬1957‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تلبي‭ ‬متطلبات‭ ‬المجتمعات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬طرأت‭ ‬عليها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التغيّرات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وأبرزها‭ ‬الاستقلالية‭ ‬المالية‭ ‬للنساء‭ ‬وتحملهن‭ ‬أجزاءً‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬الأسري‭.‬

وأوضح‭ ‬النائب‭ ‬عبد‭ ‬الجليل‭ ‬الهاني‭ ‬أن‭ ‬مجلة‭ ‬الأحوال‭ ‬الشخصية‭ ‬قد‭ ‬مكنت‭ ‬المطلقة‭ ‬والحاضنة‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تملك‭ ‬فيه‭ ‬أي‭ ‬دخل‭. ‬وأمام‭ ‬ما‭ ‬سجل‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬على‭ ‬الأسرة‭ ‬ودخل‭ ‬المرأة‭ ‬داخلها‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬إجراء‭ ‬تعديلات‭ ‬على‭ ‬القانون‭.‬

وأضاف‭ ‬أن‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬القانون،‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬الحاضنات‭ ‬على‭ ‬النفقة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الزج‭ ‬بالأزواج‭ ‬المتعثرين‭ ‬في‭ ‬السجون،‭ ‬والتخفيض‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬النفقة‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬التي‭ ‬يتسبب‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬خلافات‭ ‬عائلية‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭. ‬وتكون‭ ‬لها‭ ‬ضريبة‭ ‬اجتماعية‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬السواء‭ ‬مذكرا‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬القانون‭ ‬لا‭ ‬يستهدف‭ ‬الإعفاء‭ ‬من‭ ‬دفع‭ ‬النفقة‭ ‬بل‭ ‬تيسير‭ ‬خلاصها‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬السجن‭. ‬وحسب‭ ‬نائب‭ ‬الشعب‭ ‬الهاني‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬تحضنهم‭ ‬الأمهات‭ ‬المطلقات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬600‭ ‬ألف‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬مليونين‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬الدراسة،‭ ‬وهذا‭ ‬رقم‭ ‬مرتفع‭ ‬جداً‭.‬

تداعيات‭ ‬مضاعفة

ومن‭ ‬جانبها‭ ‬بينت‭ ‬هالة‭ ‬بن‭ ‬سالم‭ ‬المحامية‭ ‬والكاتبة‭ ‬العامة‭ ‬للجمعية‭ ‬التونسية‭ ‬للنساء‭ ‬الديمقراطيات،‭ ‬أنه‭ ‬ورغم‭ ‬أنهن‭ ‬داخل‭ ‬الجمعية‭ ‬مع‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬الإنفاق‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬ويعارضن‭ ‬عقوبة‭ ‬سلب‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬النفقة‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬السجن‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬حلا‭ ‬فيما‭ ‬يهم‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭. ‬فالجمعية‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬دفع‭ ‬النفقة‭ ‬هي‭ ‬جريمة‭ ‬قصدية‭ ‬وإسقاط‭ ‬أو‭ ‬إقرار‭ ‬عفو‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬شأنها‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬تداعياته‭ ‬مضاعفة‭ ‬وضعية‭ ‬الهشاشة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للأطفال،‭ ‬والمس‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬داخل‭ ‬أسرة‭ ‬متوازنة‭.‬

وتعتبر‭ ‬هالة‭ ‬بن‭ ‬سالم‭ ‬أن‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬في‭ ‬النفقة‭ ‬المتخلدة‭ ‬في‭ ‬ذمة‭ ‬العائلين‭ ‬للأطفال‭ ‬والأسر،‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬عبر‭ ‬إقرار‭ ‬عفو‭ ‬عام‭ ‬وإنما‭ ‬عبر‭ ‬إقرار‭ ‬حلول‭ ‬جدية‭ ‬عبر‭ ‬الذهاب‭ ‬نحو‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة‭ ‬عن‭ ‬السجن‭ ‬وتفعيل‭ ‬صندوق‭ ‬النفقة‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬ضمانة‭ ‬تمكن‭ ‬المطلقة‭ ‬وأبنائها‭ ‬بمستوى‭ ‬دنيوي‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭. ‬

ومن‭ ‬جانبها‭ ‬تشير‭ ‬نجاة‭ ‬عرعاري‭ ‬الباحثة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬عفو‭ ‬عام‭ ‬للمطالبين‭ ‬بـديون‭ ‬مترتبة‭ ‬عن‭ ‬نفقة‭ ‬أو‭ ‬جراية‭ ‬الطلاق،‭ ‬يحمل‭ ‬انتهاكا‭ ‬لحقوق‭ ‬الطفل‭ ‬وضربا‭ ‬للمصلحة‭ ‬الفضلى‭ ‬للطفل‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬النفقة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الحالات‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رعاية‭ ‬الأطفال،‭ ‬وهي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الوظيفة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لأولياء‭ ‬الأم‭ ‬والأب‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬السواء‭.‬

مضاعفة‭ ‬الأعباء‭ ‬الأسرية

وبينت‭ ‬عرعاري‭ ‬أن‭ ‬إقرار‭ ‬عفو‭ ‬عام‭ ‬سيزيد‭ ‬من‭ ‬مضاعفة‭ ‬الأعباء‭ ‬الأسرية‭ ‬المناطة‭ ‬بعهدة‭ ‬المرأة‭ (‬المطلقة‭) ‬كما‭ ‬سيعزز‭ ‬هشاشتها‭. ‬أما‭ ‬مدنيا‭ ‬فتعتبر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬ستشكل‭ ‬مطية‭ ‬للترفيع‭ ‬من‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬ومن‭ ‬العقاب‭.‬

وبينت‭ ‬الباحثة‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬أن‭ ‬المراجعة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بعمق‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحضانة‭ ‬البين‭ ‬والديّة،‭ ‬لأن‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬الأبوين‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانا‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬انفصال‭. ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الوظيفة‭ ‬العاطفية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬للأسرة‭ ‬هي‭ ‬وظائف‭ ‬مشتركة‭. ‬مذكرة‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬النساء‭ ‬المطلقات‭ ‬الحاضنات‭ ‬للأطفال‭ ‬يقمن‭ ‬بهذه‭ ‬للوظائف‭ ‬بأنفسهن‭ ‬دون‭ ‬سند‭.‬

ريم‭ ‬سوودي‭