إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الشاعر‭ ‬عادل‭ ‬بوعقة لـ"الصباح": حضور ‭ ‬متوهج‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬المعرض ‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬شريكا‭ ‬رئيسيا

سليل‭ ‬عائلة‭ ‬عريقة‭ ‬نهلت‭ ‬من‭ ‬نهر‭ ‬الإبداع‭ ‬الشعري‭ ‬التونسي‭ ‬الأصيل‭ ‬منذ‭ ‬الصبا‭. ‬عادل‭ ‬بوعقة‭ ‬نحت‭ ‬مسيرة‭ ‬إبداعيّة‭ ‬استثنائية‭ ‬أكّد‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أنّ‭ ‬الشعر‭ ‬عنده‭ ‬فعل‭ ‬مقاومة‭ ‬لحالات‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬عاشها‭ ‬أو‭ ‬كان‭ ‬شاهدًا‭ ‬عليها‭ ‬بدرجة‭ ‬أولى،‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬تعدّد‭ ‬التجارب‭ ‬والتجديد‭ ‬فيها،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الإسفاف،‭ ‬فكلّ‭ ‬التجارب‭ ‬والمشارب‭ ‬الشعريّة‭ ‬لها‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭. ‬‮«‬الصباح‮»‬‭ ‬التقته‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬تونس‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب‭ ‬في‭ ‬حوار،‭ ‬هذه‭ ‬حصيلته‭:‬

‭*‬ما‭ ‬هو‭ ‬حصادك‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬لمعرض‭ ‬تونس‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب؟

‭- ‬اغتنمت‭ ‬معرض‭ ‬تونس‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب‭ ‬للقاء‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الشعراء‭ ‬وكتّاب‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬والدول‭ ‬العربيّة،‭ ‬كما‭ ‬مثّل‭ ‬لي‭ ‬هذا‭ ‬المعرض‭ ‬فرصة‭ ‬لاقتناء‭ ‬ما‭ ‬تيسّر‭ ‬من‭ ‬الإصدارات‭ ‬الجديدة‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الفكري‭ ‬والشعري‭.‬

ولا‭ ‬أخفي‭ ‬إعجابي‭ ‬الشديد‭ ‬بالجناح‭ ‬الصيني‭ ‬لثراء‭ ‬محتوياته‭ ‬وتعدّد‭ ‬مضامينه‭.‬

‭*‬أنت‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬المديرة‭ ‬لاتّحاد‭ ‬الكُتّاب‭ ‬التونسيّين،‭ ‬كيف‭ ‬تقرأ‭ ‬حضور‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدورة؟

‭- ‬لعلّها‭ ‬المرّة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬اتّحاد‭ ‬الكُتّاب‭ ‬التونسيّين‭ ‬شريكًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬وفاعلًا‭ ‬في‭ ‬البرنامج‭ ‬الثقافي‭ ‬للمعرض،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬عملنا‭ ‬كهيئة‭ ‬مديرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للاتّحاد‭ ‬حضوره‭ ‬المتوهّج‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجناح‭ ‬الخاص‭ ‬به،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬انتظمت‭ ‬عديد‭ ‬اللقاءات‭ ‬الثقافيّة‭ ‬والقراءات‭ ‬الشعريّة،‭ ‬والاحتفاء‭ ‬بيوم‭ ‬الصداقة‭ ‬التونسيّة‭ ‬الصينيّة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إمضاء‭ ‬اتفاقية‭ ‬شراكة‭ ‬بين‭ ‬اتّحاد‭ ‬الكُتّاب‭ ‬التونسيّين‭ ‬واتّحاد‭ ‬الناشرين‭ ‬الصينيّين‭ ‬للتبادل‭ ‬الثقافي‭ ‬والأدبي‭ ‬وتبادل‭ ‬الزيارات‭ ‬وترجمة‭ ‬أعمال‭ ‬أدبيّة‭ ‬لأعضاء‭ ‬الاتحاد‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الصينية‭.‬

‭*‬أنت‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬المديرة‭ ‬الحالية‭ ‬لاتّحاد‭ ‬الكُتّاب‭ ‬التونسيّين،‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬موعد‭ ‬المؤتمر‭ ‬القادم‭ ‬لهذه‭ ‬المنظمة‭ ‬العريقة‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬الجدل‭ ‬القائم‭ ‬بخصوص‭ ‬ذلك؟

‭- ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬التأكيد‭ ‬عليه‭ ‬أنّ‭ ‬المؤتمر‭ ‬القادم‭ ‬لاتّحاد‭ ‬الكُتّاب‭ ‬التونسيّين‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬حسب‭ ‬الموعد‭ ‬المحدّد‭ ‬له‭ ‬سابقًا،‭ ‬وهو‭ ‬يومي‭ ‬20‭ ‬و21‭ ‬جوان‭ ‬2025‭.‬

أذكر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬أنّ‭ ‬اتّحاد‭ ‬الكُتّاب‭ ‬التونسيّين‭ ‬اختار‭ ‬أيضًا،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬مبادرة‭ ‬خاصّة‭ ‬منه،‭ ‬الاحتفاء‭ ‬وتكريم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬أعضاء‭ ‬الاتّحاد‭ ‬الذين‭ ‬التحقوا‭ ‬بالرفيق‭ ‬الأعلى،‭ ‬اعترافًا‭ ‬بما‭ ‬قدّموه‭ ‬للأدب‭ ‬والثقافة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وتخليدًا‭ ‬لذكراهم‭.‬

‭*‬بالنسبة‭ ‬لك‭ ‬كشاعر‭ ‬اليوم،‭ ‬لو‭ ‬نفتح‭ ‬باب‭ ‬البدايات،‭ ‬من‭ ‬قادك‭ ‬إلى‭ ‬الشعر؟

‭- ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬لا‭ ‬يحيط‭ ‬بها‭ ‬سوى‭ ‬الحقول‭ ‬والمزارع،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬رفيق‭ ‬سوى‭ ‬ساحة‭ ‬المدرسة،‭ ‬ووالدي‭ ‬مديرها،‭ ‬وإخوة‭ ‬أصغر‭ ‬منّي،‭ ‬وكتب‭ ‬في‭ ‬خزائن‭ ‬الأقسام‭. ‬رُبّيت‭ ‬على‭ ‬رائحة‭ ‬الورق‭ ‬المشبّع‭ ‬بالرّطوبة‭ ‬في‭ ‬ريف‭ ‬من‭ ‬أرياف‭ ‬مدينة‭ ‬الدّهماني‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬الكاف‭ ‬بالشمال‭ ‬الغربي‭ ‬للبلاد‭ ‬التونسيّة‭. ‬كانت‭ ‬الكتب‭ ‬رفيقة‭ ‬دربي،‭ ‬وأنيسة‭ ‬وحدتي،‭ ‬ومعلّمتي‭ ‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬بوّابات‭ ‬أخرى‭. ‬زرع‭ ‬حبّ‭ ‬المطالعة‭ ‬في‭ ‬نفسي،‭ ‬وحملته‭ ‬إلى‭ ‬توزر‭ ‬بعد‭ ‬انتقالنا،‭ ‬لأدرس‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬الشابي،‭ ‬وكانت‭ ‬المكتبة‭ ‬العموميّة‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬مقصد‭ ‬لي،‭ ‬حتّى‭ ‬صرت‭ ‬أستعير‭ ‬يوميًّا‭ ‬الكتب‭ ‬وفي‭ ‬اختصاصات‭ ‬مختلفة‭... ‬روايات‭ ‬وقصص‭ ‬وتاريخ،‭ ‬وبعضها‭ ‬فلسفي‭. ‬كانت‭ ‬استعاراتي‭ ‬بالعربيّة‭ ‬فقط،‭ ‬أمّا‭ ‬الفرنسيّة‭ ‬فكنت‭ ‬ألتهمها‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬والمجلاّت‭ ‬المصوّرة‭ ‬التي‭ ‬أقتنيها‭ ‬من‭ ‬مصروفي‭ ‬اليوميّ‭. ‬هي‭ ‬المطالعة‭ ‬التي‭ ‬قادتني‭ ‬إلى‭ ‬الشعر،‭ ‬بدأت‭ ‬بتقليد‭ ‬جميل‭ ‬بثينة،‭ ‬ثمّ‭ ‬عنترة،‭ ‬وكتبت‭ ‬على‭ ‬منوال‭ ‬المتنبّي‭ ‬وأبي‭ ‬فراس‭... ‬وكتبت‭ ‬مقلّدًا‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬ومظفّر‭ ‬النوّاب‭. ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬بدأ‭ ‬وعي‭ ‬الشعر‭ ‬يتأسّس‭.‬

‭*‬ما‭ ‬هو‭ ‬الباب‭ ‬الذي‭ ‬تفتحه‭ ‬عند‭ ‬اللقاء‭ ‬بالقصيد‭: ‬باب‭ ‬الطفولة،‭ ‬أم‭ ‬باب‭ ‬الذكريات،‭ ‬أم‭ ‬باب‭ ‬الحنين،‭ ‬أم‭ ‬باب‭ ‬المكان،‭ ‬أم‭ ‬باب‭ ‬النسيان؟

‭- ‬كلّ‭ ‬الأبواب‭ ‬يفتحها‭ ‬نصّها‭ ‬وحالتها،‭ ‬فالحنين‭ ‬يفتح‭ ‬بوّابات‭ ‬الطفولة،‭ ‬والألم‭ ‬يفتح‭ ‬باب‭ ‬الذكريات‭ ‬السّعيدة،‭ ‬والفقد‭ ‬يفتح‭ ‬باب‭ ‬الحنين،‭ ‬أمّا‭ ‬المكان‭ ‬فذاك‭ ‬سحر‭ ‬يفرضه‭ ‬الجمال‭ ‬والهدوء‭ ‬والسكينة،‭ ‬والنسيان‭ ‬أجمل‭ ‬أبوابي‭ ‬التي‭ ‬أنهل‭ ‬منها‭ ‬واقعًا‭ ‬مختلفًا‭.‬

‭*‬كيف‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬القصيد‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الشاعر،‭ ‬قلعة‭ ‬تحميه‭ ‬من‭ ‬عواصف‭ ‬الأحزان،‭ ‬أم‭ ‬نافذة‭ ‬يطلّ‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬خصوصيّاته؟

‭- ‬هناك‭ ‬من‭ ‬كرّس‭ ‬حياته‭ ‬للكتابة‭ ‬اليوميّة،‭ ‬مقالًا‭ ‬أو‭ ‬قصّة‭ ‬أو‭ ‬شعرًا،‭ ‬وذلك‭ ‬تدريب‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬وخوض‭ ‬لمحيطاتها‭ ‬الخبيئة‭ ‬كي‭ ‬يكتشف‭ ‬أعماقها‭ ‬بالدُّربة‭. ‬أمّا‭ ‬أنا‭ ‬فأعتبر‭ ‬القصيدة‭ ‬بنت‭ ‬لحظتها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتكرّر،‭ ‬فكم‭ ‬كتبت‭ ‬قصائد‭ ‬في‭ ‬رأسي‭ ‬ونسيتها،‭ ‬ولكن‭ ‬حين‭ ‬تحين‭ ‬اللحظة،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يسمّيها‭ ‬أستاذنا‭ ‬لطفي‭ ‬اليوسفي‭ ‬‮«‬لحظة‭ ‬الرّعب‮»‬،‭ ‬تلد‭ ‬القصيدة‭. ‬حينها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مكتملة،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬تدخل‭ ‬الصّنعة‭ ‬التي‭ ‬تعلّمها‭ ‬الشاعر‭ ‬ليشبّ‭ ‬مقاطعها‭ ‬وأسطرها،‭ ‬ويهذّب‭ ‬كلّ‭ ‬إيقاعاتها،‭ ‬ويبحث‭ ‬عمّن‭ ‬يُعينه‭ ‬في‭ ‬تشذيبها‭ ‬لغويًّا‭ ‬أو‭ ‬جماليًّا‭ ‬أحيانًا‭... ‬القصيدة‭ ‬وليدة‭ ‬اللحظة‭ ‬الفارقة،‭ ‬وبنت‭ ‬الإحساس‭ ‬الجارف،‭ ‬والألم‭ ‬الدامي،‭ ‬هي‭ ‬بنت‭ ‬الجوارح‭ ‬والعاطفة،‭ ‬هي‭ ‬بنت‭ ‬المشهد‭ ‬أحيانًا،‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬اللحظة‭ ‬الملتقطة‭ ‬بعين‭ ‬الشاعر‭ ‬الصيّادة‭ ‬للجمال‭ ‬وللحدث‭ ‬الفارق،‭ ‬يبنيه‭ ‬بلغة‭ ‬ساحرة‭ ‬ويطرّزه‭ ‬بإيقاع‭ ‬مجنون،‭ ‬تُخال‭ ‬الشاعر‭ ‬صاحب‭ ‬الحدث،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنّه‭ ‬ليس‭ ‬إلاّ‭ ‬الراوي،‭ ‬وتلك‭ ‬قوّة‭ ‬الشعر‭ ‬والشّاعر‭.‬

‭*‬كيف‭ ‬تحدّد‭ ‬لنا‭ ‬مرجعيّاتك‭ ‬لتأسيس‭ ‬قصيدك؟

‭- ‬قرأت‭ ‬ما‭ ‬تيسّر‭ ‬من‭ ‬الأدب،‭ ‬قديمه‭ ‬وحديثه،‭ ‬نثرًا‭ ‬وشعرًا،‭ ‬كما‭ ‬درست‭ ‬التاريخ‭ ‬والفلسفة‭ ‬والسوسيولوجيا‭ ‬وعلم‭ ‬النفس‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يبني‭ ‬القصيدة‭ ‬هو‭ ‬الإحساس‭ ‬المُرهف،‭ ‬ولحظة‭ ‬اصطياد‭ ‬الصورة‭ ‬المختلفة،‭ ‬بلغة‭ ‬مجدّدة‭ ‬ومخاتلة‭... ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬بوّابة‭ ‬القصيدة‭ ‬ومدخلها‭ ‬للتشكّل‭.‬

‭*‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكشف‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬طقوس‭ ‬الكتابة‭ ‬عندك،‭ ‬زمانًا‭ ‬وكتابة؟

‭-‬لا‭ ‬طقس‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭... ‬أحيانًا‭ ‬تأتي‭ ‬القصيدة‭ ‬أو‭ ‬مطلعها‭ ‬وأنا‭ ‬نائم،‭ ‬فأنتفض‭ ‬لأكتبه‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬أنساه،‭ ‬ومن‭ ‬الغد‭ ‬أكمله،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬أنجح‭ ‬في‭ ‬إكمالها‭ ‬غالبًا،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬تطرد‭ ‬عنّي‭ ‬القصيدة‭ ‬النوم،‭ ‬فأجلس‭ ‬وأستعدّ‭ ‬لها‭ ‬وأبدأ‭ ‬في‭ ‬تشكيلها‭ ‬وكتابتها،‭ ‬وتلك‭ ‬أعزّ‭ ‬فترات‭ ‬الكتابة‭ ‬عندي‭: ‬هدوء‭ ‬الليل،‭ ‬سكون‭ ‬البيت،‭ ‬والصمت‭ ‬رفيقي‭ ‬وأنيسي‭ ‬زمن‭ ‬الكتابة‭.‬

‭*‬أيّ‭ ‬حضور‭ ‬للمكان‭ ‬في‭ ‬القصيد‭ ‬بالنسبة‭ ‬لك؟

‭- ‬المكان‭ ‬هو‭ ‬الوجود‭ ‬الفعليّ،‭ ‬فدونه‭ ‬العدم،‭ ‬لذلك‭ ‬تحتفي‭ ‬القصيدة‭ ‬به‭ ‬مكوّنًا‭ ‬لكيانها،‭ ‬ومؤثّثًا‭ ‬لزينتها‭ ‬في‭ ‬الوجود‭.‬

‭*‬ما‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬توزر،‭ ‬مدينة‭ ‬المهد‭ ‬والصبا،‭ ‬في‭ ‬نحت‭ ‬مسيرتك‭ ‬الشعرية؟

‭- ‬توزر‭ ‬العشق،‭ ‬تجدها‭ ‬بين‭ ‬حروفي‭ ‬في‭ ‬جلّ‭ ‬القصائد،‭ ‬مختزلة‭ ‬في‭ ‬نخلة‭ ‬صامدة،‭ ‬وفي‭ ‬صبر‭ ‬الجمل،‭ ‬وفي‭ ‬رمال‭ ‬الصحراء،‭ ‬وفي‭ ‬صفاء‭ ‬قلوب‭ ‬أهلها،‭ ‬وفي‭ ‬كرمهم‭ ‬وعفّتهم‭. ‬ولولا‭ ‬جمال‭ ‬واحاتها‭ ‬الساحرة،‭ ‬وصفاء‭ ‬صحرائها،‭ ‬وصمت‭ ‬ليلها‭ ‬المشعّ‭ ‬نجوما،‭ ‬ورقرقة‭ ‬جداولها‭ ‬الصافية،‭ ‬لما‭ ‬كتبت‭ ‬الشعر‭.‬

‭*‬أنت‭ ‬قليل‭ ‬الإصدارات‭ ‬الشعرية،‭ ‬أيّ‭ ‬تفسير‭ ‬لك‭ ‬لهذا‭ ‬التمشي؟

‭- ‬هو‭ ‬غير‭ ‬مقصود،‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أمتهن‭ ‬الكتابة،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬مهنة‭ ‬التعليم‭ ‬قاتلة‭ ‬للوقت‭ ‬وللصحّة،‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬أجد‭ ‬وقتًا‭ ‬للكتابة،‭ ‬بل‭ ‬أنا‭ ‬أسرق‭ ‬لها‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬راحتي‭ ‬ومن‭ ‬نومي‭. ‬أصدرت‭ ‬أربعة‭ ‬دواوين‭ ‬شعرية،‭ ‬ولي‭ ‬3‭ ‬مخطوطات‭ ‬شعرية،‭ ‬وعملين‭ ‬روائيّين‭ ‬في‭ ‬الحاسوب،‭ ‬وأنا‭ ‬أعتبر‭ ‬ما‭ ‬خططت‭  ‬إنجازًا‭ ‬محترمًا،‭ ‬نظرًا‭ ‬لاعتباري‭ ‬أنّ‭ ‬الشعر‭ ‬ليس‭ ‬تمرينًا‭ ‬يوميًّا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬نفسيّة‭ ‬وحسيّة‭ ‬معقّدة‭.‬

‭*‬‮»‬ابحث‭ ‬عن‭ ‬وطني‭ ‬في‭ ‬وطني‮»‬،‭ ‬ديوانك‭ ‬الشعري‭ ‬الذي‭ ‬لاقى‭ ‬إقبالًا‭ ‬من‭ ‬القرّاء‭ ‬بشكل‭ ‬لافت،‭ ‬هل‭ ‬قدر‭ ‬الشاعر‭ ‬البحث‭ ‬الدائم‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬أفضل؟

‭- ‬أفلاطون‭ ‬كتب‭ ‬المدينة‭ ‬الفاضلة‭ ‬التي‭ ‬يحلم‭ ‬بها،‭ ‬والمتنبّي‭ ‬كتب‭ ‬سيف‭ ‬الدولة‭ ‬الذي‭ ‬يحلم‭ ‬به،‭ ‬وشعراء‭ ‬فلسطين‭ ‬كتبوا‭ ‬الوطن‭ ‬المفقود‭ ‬والمنشود،‭ ‬وأنا‭ ‬أحلم‭ ‬بوطن‭ ‬فاضل‭ ‬ومدينة‭ ‬خضراء،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬عادات‭ ‬الشعراء،‭ ‬خاصّة‭ ‬الحلم‭ ‬بالأفضل‭.‬

‭*‬ما‭ ‬مدى‭ ‬تفاعل‭ ‬النقد‭ ‬مع‭ ‬تجربتك‭ ‬الشعرية؟

‭- ‬لم‭ ‬أكتب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬النقّاد‭ ‬يومًا،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الجوائز،‭ ‬أنا‭ ‬أعبّر‭ ‬عن‭ ‬إحساسي،‭ ‬وعن‭ ‬حالات‭ ‬مجتمعيّة‭ ‬عشتها‭ ‬أو‭ ‬كنت‭ ‬شاهدًا‭ ‬عليها‭. ‬أسعد‭ ‬أحيانًا‭ ‬حين‭ ‬أقرأ‭ ‬نصًّا‭ ‬نقديًّا‭ ‬حول‭ ‬تجربتي،‭ ‬أو‭ ‬حول‭ ‬مجموعة‭ ‬لي،‭ ‬أو‭ ‬حول‭ ‬نصّ‭ ‬منشور‭. ‬أنا‭ ‬أشتغل‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬وباللّغة،‭ ‬وعلى‭ ‬المعنى‭ ‬والمبنى،‭ ‬والناقد‭ ‬له‭ ‬شغله‭ ‬أيضًا‭. ‬أنا‭ ‬أقول‭ ‬إنّ‭ ‬التجربة‭ ‬الشعريّة‭ ‬التونسيّة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الشابّي‭ ‬أهملها‭ ‬نقّادنا‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬بل‭ ‬اهتمّوا‭ ‬بتجارب‭ ‬عربيّة‭ ‬أخرى،‭ ‬أعتقد‭ ‬جازمًا‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬شعر‭ ‬شعراء‭ ‬تونس‭ ‬أجود‭ ‬وأرفع‭ ‬قيمة‭.‬

‭* ‬تعدّدت‭ ‬المشارب‭ ‬والاتجاهات‭ ‬والمدارس‭ ‬الشعرية،‭ ‬من‭ ‬قصيد‭ ‬الومضة،‭ ‬والشعر‭ ‬النثري،‭ ‬وشعر‭ ‬البيت‭... ‬كيف‭ ‬هي‭ ‬علاقتك‭ ‬بها‭ ‬كشاعر؟

‭- ‬أنا‭ ‬أومن‭ ‬بالتجارب‭ ‬والتجديد،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الإسفاف،‭ ‬فكلّ‭ ‬التجارب‭ ‬والمشارب‭ ‬الشعريّة‭ ‬لها‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬خاصّة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬نفيها‭ ‬أو‭ ‬تفضيل‭ ‬واحدة‭ ‬عن‭ ‬الأخرى،‭ ‬فالقراءات‭ ‬مختلفة،‭ ‬والشعراء‭ ‬يختلفون‭. ‬بدأت‭ ‬بالعمودي،‭ ‬وانتقلت‭ ‬إلى‭ ‬الحرّ،‭ ‬وكتبت‭ ‬النثر،‭ ‬وأحاول‭ ‬تجارب‭ ‬أخرى‭ ‬عديدة‭.‬

‭* ‬المهرجانات‭ ‬الشعرية‭ ‬اليوم‭ ‬–‭ ‬وأنت‭ ‬مدير‭ ‬أعرقها‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬وأعني‭ ‬بذلك‭ ‬مهرجان‭ ‬توزر‭ ‬الدولي‭ ‬للشعر‭ ‬–‭ ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُضيف‭ ‬للمشارك‭ ‬فيها؟

‭- ‬عرفت‭ ‬المهرجانات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وأنا‭ ‬شاب‭ ‬في‭ ‬الواحدة‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬العمر‭. ‬كانت‭ ‬تمثّل‭ ‬لي‭ ‬مدرسة‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬الكتب،‭ ‬فمن‭ ‬تجارب‭ ‬الكبار‭ ‬تعلّمنا‭ ‬الإلقاء،‭ ‬والحديث،‭ ‬والأسطورة،‭ ‬والتاريخ،‭ ‬ومنهم‭ ‬نهلنا‭ ‬عصارة‭ ‬تجاربهم‭. ‬كنّا‭ ‬نجالس‭ ‬الكبار‭ ‬كالعروسي‭ ‬المطوي،‭ ‬والميداني‭ ‬بن‭ ‬صالح،‭ ‬ومحمد‭ ‬القاضي،‭ ‬ولطفي‭ ‬اليوسفي،‭ ‬وكمال‭ ‬عمران،‭ ‬والصغير‭ ‬أولاد‭ ‬أحمد،‭ ‬والمنصف‭ ‬الوهايبي،‭ ‬والراحلان‭ ‬محمد‭ ‬الغزي‭ ‬وعبد‭ ‬الله‭ ‬مالك‭ ‬القاسمي،‭ ‬وعزوز‭ ‬الجمني،‭ ‬والمنصف‭ ‬المزغنّي،‭ ‬وجماعة‭ ‬لقاء‭ ‬الأحد‭ ‬بمقهى‭ ‬‮«‬الروتوند‮»‬‭. ‬كلّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانوا‭ ‬يقدّمون‭ ‬الإضافة،‭ ‬وكان‭ ‬الاحترام‭ ‬متبادلاً‭ ‬بين‭ ‬الجميع‭.‬

حُرمت‭ ‬في‭ ‬المهرجان‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬أشرف‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬اللقاءات‭ ‬الهامشية،‭ ‬بحكم‭ ‬مسؤولية‭ ‬الإشراف،‭ ‬والتسيير،‭ ‬والسهر‭ ‬على‭ ‬راحة‭ ‬الضيوف،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬البرنامج‭ ‬المتفق‭ ‬عليه‭. ‬الآن‭ ‬سأعود‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بالقراءة‭ ‬والوحدة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أعشق‭.‬

‭*‬إلى‭ ‬أيّ‭ ‬مدى‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬خصوصيّات‭ ‬ينفرد‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭ ‬عن‭ ‬بقيّة‭ ‬التظاهرات‭ ‬الشعرية‭ ‬الوطنية‭ ‬والدولية؟

‭- ‬المهرجان‭ ‬الدولي‭ ‬للشعر‭ ‬بتوزر‭ ‬هو‭ ‬أقدم‭ ‬مهرجان‭ ‬شعريّ‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬ومن‭ ‬أعرق‭ ‬المهرجانات‭ ‬الشعرية‭ ‬العربيّة،‭ ‬وقد‭ ‬تطوّر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬دوليًّا،‭ ‬وهذا‭ ‬بفضل‭ ‬هيئاته‭ ‬والمشرفين‭ ‬على‭ ‬تسييره‭ ‬منذ‭ ‬تكوينه‭. ‬فالمهرجان‭ ‬كان‭ ‬أوّل‭ ‬من‭ ‬دعا‭ ‬العرب،‭ ‬ثمّ‭ ‬الأجانب،‭ ‬إلى‭ ‬مهرجان‭ ‬شعريّ‭ ‬بحت‭. ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬ينفرد‭ ‬بشراكاته‭ ‬مع‭ ‬إفريقيا‭ ‬جنوب‭ ‬الصّحراء،‭ ‬ومع‭ ‬منتديات‭ ‬عالميّة‭.‬

كان‭ ‬المهرجان‭ ‬محرارًا‭ ‬للضيوف،‭ ‬فمن‭ ‬يحضر‭ ‬مهرجان‭ ‬توزر‭ ‬سيكون‭ ‬ضيفًا‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مهرجانات‭ ‬الوطن‭. ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬يتميّز‭ ‬بالتزامه‭ ‬بنصرة‭ ‬الأدب‭ ‬التونسي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المحاور‭ ‬التي‭ ‬ينتقيها‭ ‬بعناية‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬دورة‭. ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الشعر‭ ‬والسياحة‭ ‬الثقافية،‭ ‬حيث‭ ‬يبرز‭ ‬ثراء‭ ‬الجهة‭ ‬المعماري،‭ ‬والحضاري،‭ ‬والثقافي،‭ ‬فأنتج‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬الأجانب‭ ‬والعرب‭ ‬قصائد‭ ‬تتغنّى‭ ‬بتوزر‭ ‬وبتونس‭.‬

‭*‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬من‭ ‬حراك،‭ ‬وما‭ ‬يعانيه‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬أوجاع،‭ ‬أيّ‭ ‬دور‭ ‬للشاعر‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬جحيم‭ ‬غزة؟

‭- ‬سقطت‭ ‬اليوم‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬أمام‭ ‬الجحيم‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلّة‭ ‬من‭ ‬مجازر،‭ ‬وتنكيل‭ ‬بالحجر،‭ ‬والشجر،‭ ‬والإنسان‭.‬



حاوره‭ ‬محسن‭ ‬بن‭ ‬أحمد

الشاعر‭ ‬عادل‭ ‬بوعقة لـ"الصباح":  حضور ‭ ‬متوهج‭ ‬لاتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬المعرض ‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬شريكا‭ ‬رئيسيا

سليل‭ ‬عائلة‭ ‬عريقة‭ ‬نهلت‭ ‬من‭ ‬نهر‭ ‬الإبداع‭ ‬الشعري‭ ‬التونسي‭ ‬الأصيل‭ ‬منذ‭ ‬الصبا‭. ‬عادل‭ ‬بوعقة‭ ‬نحت‭ ‬مسيرة‭ ‬إبداعيّة‭ ‬استثنائية‭ ‬أكّد‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أنّ‭ ‬الشعر‭ ‬عنده‭ ‬فعل‭ ‬مقاومة‭ ‬لحالات‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬عاشها‭ ‬أو‭ ‬كان‭ ‬شاهدًا‭ ‬عليها‭ ‬بدرجة‭ ‬أولى،‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬تعدّد‭ ‬التجارب‭ ‬والتجديد‭ ‬فيها،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الإسفاف،‭ ‬فكلّ‭ ‬التجارب‭ ‬والمشارب‭ ‬الشعريّة‭ ‬لها‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭. ‬‮«‬الصباح‮»‬‭ ‬التقته‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬تونس‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب‭ ‬في‭ ‬حوار،‭ ‬هذه‭ ‬حصيلته‭:‬

‭*‬ما‭ ‬هو‭ ‬حصادك‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬لمعرض‭ ‬تونس‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب؟

‭- ‬اغتنمت‭ ‬معرض‭ ‬تونس‭ ‬الدولي‭ ‬للكتاب‭ ‬للقاء‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الشعراء‭ ‬وكتّاب‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬والدول‭ ‬العربيّة،‭ ‬كما‭ ‬مثّل‭ ‬لي‭ ‬هذا‭ ‬المعرض‭ ‬فرصة‭ ‬لاقتناء‭ ‬ما‭ ‬تيسّر‭ ‬من‭ ‬الإصدارات‭ ‬الجديدة‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الفكري‭ ‬والشعري‭.‬

ولا‭ ‬أخفي‭ ‬إعجابي‭ ‬الشديد‭ ‬بالجناح‭ ‬الصيني‭ ‬لثراء‭ ‬محتوياته‭ ‬وتعدّد‭ ‬مضامينه‭.‬

‭*‬أنت‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬المديرة‭ ‬لاتّحاد‭ ‬الكُتّاب‭ ‬التونسيّين،‭ ‬كيف‭ ‬تقرأ‭ ‬حضور‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدورة؟

‭- ‬لعلّها‭ ‬المرّة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬اتّحاد‭ ‬الكُتّاب‭ ‬التونسيّين‭ ‬شريكًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬وفاعلًا‭ ‬في‭ ‬البرنامج‭ ‬الثقافي‭ ‬للمعرض،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬عملنا‭ ‬كهيئة‭ ‬مديرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للاتّحاد‭ ‬حضوره‭ ‬المتوهّج‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجناح‭ ‬الخاص‭ ‬به،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬انتظمت‭ ‬عديد‭ ‬اللقاءات‭ ‬الثقافيّة‭ ‬والقراءات‭ ‬الشعريّة،‭ ‬والاحتفاء‭ ‬بيوم‭ ‬الصداقة‭ ‬التونسيّة‭ ‬الصينيّة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إمضاء‭ ‬اتفاقية‭ ‬شراكة‭ ‬بين‭ ‬اتّحاد‭ ‬الكُتّاب‭ ‬التونسيّين‭ ‬واتّحاد‭ ‬الناشرين‭ ‬الصينيّين‭ ‬للتبادل‭ ‬الثقافي‭ ‬والأدبي‭ ‬وتبادل‭ ‬الزيارات‭ ‬وترجمة‭ ‬أعمال‭ ‬أدبيّة‭ ‬لأعضاء‭ ‬الاتحاد‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الصينية‭.‬

‭*‬أنت‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬المديرة‭ ‬الحالية‭ ‬لاتّحاد‭ ‬الكُتّاب‭ ‬التونسيّين،‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬موعد‭ ‬المؤتمر‭ ‬القادم‭ ‬لهذه‭ ‬المنظمة‭ ‬العريقة‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬الجدل‭ ‬القائم‭ ‬بخصوص‭ ‬ذلك؟

‭- ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬التأكيد‭ ‬عليه‭ ‬أنّ‭ ‬المؤتمر‭ ‬القادم‭ ‬لاتّحاد‭ ‬الكُتّاب‭ ‬التونسيّين‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬حسب‭ ‬الموعد‭ ‬المحدّد‭ ‬له‭ ‬سابقًا،‭ ‬وهو‭ ‬يومي‭ ‬20‭ ‬و21‭ ‬جوان‭ ‬2025‭.‬

أذكر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬أنّ‭ ‬اتّحاد‭ ‬الكُتّاب‭ ‬التونسيّين‭ ‬اختار‭ ‬أيضًا،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬مبادرة‭ ‬خاصّة‭ ‬منه،‭ ‬الاحتفاء‭ ‬وتكريم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬أعضاء‭ ‬الاتّحاد‭ ‬الذين‭ ‬التحقوا‭ ‬بالرفيق‭ ‬الأعلى،‭ ‬اعترافًا‭ ‬بما‭ ‬قدّموه‭ ‬للأدب‭ ‬والثقافة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وتخليدًا‭ ‬لذكراهم‭.‬

‭*‬بالنسبة‭ ‬لك‭ ‬كشاعر‭ ‬اليوم،‭ ‬لو‭ ‬نفتح‭ ‬باب‭ ‬البدايات،‭ ‬من‭ ‬قادك‭ ‬إلى‭ ‬الشعر؟

‭- ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬لا‭ ‬يحيط‭ ‬بها‭ ‬سوى‭ ‬الحقول‭ ‬والمزارع،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬رفيق‭ ‬سوى‭ ‬ساحة‭ ‬المدرسة،‭ ‬ووالدي‭ ‬مديرها،‭ ‬وإخوة‭ ‬أصغر‭ ‬منّي،‭ ‬وكتب‭ ‬في‭ ‬خزائن‭ ‬الأقسام‭. ‬رُبّيت‭ ‬على‭ ‬رائحة‭ ‬الورق‭ ‬المشبّع‭ ‬بالرّطوبة‭ ‬في‭ ‬ريف‭ ‬من‭ ‬أرياف‭ ‬مدينة‭ ‬الدّهماني‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬الكاف‭ ‬بالشمال‭ ‬الغربي‭ ‬للبلاد‭ ‬التونسيّة‭. ‬كانت‭ ‬الكتب‭ ‬رفيقة‭ ‬دربي،‭ ‬وأنيسة‭ ‬وحدتي،‭ ‬ومعلّمتي‭ ‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬بوّابات‭ ‬أخرى‭. ‬زرع‭ ‬حبّ‭ ‬المطالعة‭ ‬في‭ ‬نفسي،‭ ‬وحملته‭ ‬إلى‭ ‬توزر‭ ‬بعد‭ ‬انتقالنا،‭ ‬لأدرس‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬الشابي،‭ ‬وكانت‭ ‬المكتبة‭ ‬العموميّة‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬مقصد‭ ‬لي،‭ ‬حتّى‭ ‬صرت‭ ‬أستعير‭ ‬يوميًّا‭ ‬الكتب‭ ‬وفي‭ ‬اختصاصات‭ ‬مختلفة‭... ‬روايات‭ ‬وقصص‭ ‬وتاريخ،‭ ‬وبعضها‭ ‬فلسفي‭. ‬كانت‭ ‬استعاراتي‭ ‬بالعربيّة‭ ‬فقط،‭ ‬أمّا‭ ‬الفرنسيّة‭ ‬فكنت‭ ‬ألتهمها‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬والمجلاّت‭ ‬المصوّرة‭ ‬التي‭ ‬أقتنيها‭ ‬من‭ ‬مصروفي‭ ‬اليوميّ‭. ‬هي‭ ‬المطالعة‭ ‬التي‭ ‬قادتني‭ ‬إلى‭ ‬الشعر،‭ ‬بدأت‭ ‬بتقليد‭ ‬جميل‭ ‬بثينة،‭ ‬ثمّ‭ ‬عنترة،‭ ‬وكتبت‭ ‬على‭ ‬منوال‭ ‬المتنبّي‭ ‬وأبي‭ ‬فراس‭... ‬وكتبت‭ ‬مقلّدًا‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬ومظفّر‭ ‬النوّاب‭. ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬بدأ‭ ‬وعي‭ ‬الشعر‭ ‬يتأسّس‭.‬

‭*‬ما‭ ‬هو‭ ‬الباب‭ ‬الذي‭ ‬تفتحه‭ ‬عند‭ ‬اللقاء‭ ‬بالقصيد‭: ‬باب‭ ‬الطفولة،‭ ‬أم‭ ‬باب‭ ‬الذكريات،‭ ‬أم‭ ‬باب‭ ‬الحنين،‭ ‬أم‭ ‬باب‭ ‬المكان،‭ ‬أم‭ ‬باب‭ ‬النسيان؟

‭- ‬كلّ‭ ‬الأبواب‭ ‬يفتحها‭ ‬نصّها‭ ‬وحالتها،‭ ‬فالحنين‭ ‬يفتح‭ ‬بوّابات‭ ‬الطفولة،‭ ‬والألم‭ ‬يفتح‭ ‬باب‭ ‬الذكريات‭ ‬السّعيدة،‭ ‬والفقد‭ ‬يفتح‭ ‬باب‭ ‬الحنين،‭ ‬أمّا‭ ‬المكان‭ ‬فذاك‭ ‬سحر‭ ‬يفرضه‭ ‬الجمال‭ ‬والهدوء‭ ‬والسكينة،‭ ‬والنسيان‭ ‬أجمل‭ ‬أبوابي‭ ‬التي‭ ‬أنهل‭ ‬منها‭ ‬واقعًا‭ ‬مختلفًا‭.‬

‭*‬كيف‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬القصيد‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الشاعر،‭ ‬قلعة‭ ‬تحميه‭ ‬من‭ ‬عواصف‭ ‬الأحزان،‭ ‬أم‭ ‬نافذة‭ ‬يطلّ‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬خصوصيّاته؟

‭- ‬هناك‭ ‬من‭ ‬كرّس‭ ‬حياته‭ ‬للكتابة‭ ‬اليوميّة،‭ ‬مقالًا‭ ‬أو‭ ‬قصّة‭ ‬أو‭ ‬شعرًا،‭ ‬وذلك‭ ‬تدريب‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬وخوض‭ ‬لمحيطاتها‭ ‬الخبيئة‭ ‬كي‭ ‬يكتشف‭ ‬أعماقها‭ ‬بالدُّربة‭. ‬أمّا‭ ‬أنا‭ ‬فأعتبر‭ ‬القصيدة‭ ‬بنت‭ ‬لحظتها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتكرّر،‭ ‬فكم‭ ‬كتبت‭ ‬قصائد‭ ‬في‭ ‬رأسي‭ ‬ونسيتها،‭ ‬ولكن‭ ‬حين‭ ‬تحين‭ ‬اللحظة،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يسمّيها‭ ‬أستاذنا‭ ‬لطفي‭ ‬اليوسفي‭ ‬‮«‬لحظة‭ ‬الرّعب‮»‬،‭ ‬تلد‭ ‬القصيدة‭. ‬حينها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مكتملة،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬تدخل‭ ‬الصّنعة‭ ‬التي‭ ‬تعلّمها‭ ‬الشاعر‭ ‬ليشبّ‭ ‬مقاطعها‭ ‬وأسطرها،‭ ‬ويهذّب‭ ‬كلّ‭ ‬إيقاعاتها،‭ ‬ويبحث‭ ‬عمّن‭ ‬يُعينه‭ ‬في‭ ‬تشذيبها‭ ‬لغويًّا‭ ‬أو‭ ‬جماليًّا‭ ‬أحيانًا‭... ‬القصيدة‭ ‬وليدة‭ ‬اللحظة‭ ‬الفارقة،‭ ‬وبنت‭ ‬الإحساس‭ ‬الجارف،‭ ‬والألم‭ ‬الدامي،‭ ‬هي‭ ‬بنت‭ ‬الجوارح‭ ‬والعاطفة،‭ ‬هي‭ ‬بنت‭ ‬المشهد‭ ‬أحيانًا،‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬اللحظة‭ ‬الملتقطة‭ ‬بعين‭ ‬الشاعر‭ ‬الصيّادة‭ ‬للجمال‭ ‬وللحدث‭ ‬الفارق،‭ ‬يبنيه‭ ‬بلغة‭ ‬ساحرة‭ ‬ويطرّزه‭ ‬بإيقاع‭ ‬مجنون،‭ ‬تُخال‭ ‬الشاعر‭ ‬صاحب‭ ‬الحدث،‭ ‬إلاّ‭ ‬أنّه‭ ‬ليس‭ ‬إلاّ‭ ‬الراوي،‭ ‬وتلك‭ ‬قوّة‭ ‬الشعر‭ ‬والشّاعر‭.‬

‭*‬كيف‭ ‬تحدّد‭ ‬لنا‭ ‬مرجعيّاتك‭ ‬لتأسيس‭ ‬قصيدك؟

‭- ‬قرأت‭ ‬ما‭ ‬تيسّر‭ ‬من‭ ‬الأدب،‭ ‬قديمه‭ ‬وحديثه،‭ ‬نثرًا‭ ‬وشعرًا،‭ ‬كما‭ ‬درست‭ ‬التاريخ‭ ‬والفلسفة‭ ‬والسوسيولوجيا‭ ‬وعلم‭ ‬النفس‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬يبني‭ ‬القصيدة‭ ‬هو‭ ‬الإحساس‭ ‬المُرهف،‭ ‬ولحظة‭ ‬اصطياد‭ ‬الصورة‭ ‬المختلفة،‭ ‬بلغة‭ ‬مجدّدة‭ ‬ومخاتلة‭... ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬بوّابة‭ ‬القصيدة‭ ‬ومدخلها‭ ‬للتشكّل‭.‬

‭*‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكشف‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬طقوس‭ ‬الكتابة‭ ‬عندك،‭ ‬زمانًا‭ ‬وكتابة؟

‭-‬لا‭ ‬طقس‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭... ‬أحيانًا‭ ‬تأتي‭ ‬القصيدة‭ ‬أو‭ ‬مطلعها‭ ‬وأنا‭ ‬نائم،‭ ‬فأنتفض‭ ‬لأكتبه‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬أنساه،‭ ‬ومن‭ ‬الغد‭ ‬أكمله،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬أنجح‭ ‬في‭ ‬إكمالها‭ ‬غالبًا،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬تطرد‭ ‬عنّي‭ ‬القصيدة‭ ‬النوم،‭ ‬فأجلس‭ ‬وأستعدّ‭ ‬لها‭ ‬وأبدأ‭ ‬في‭ ‬تشكيلها‭ ‬وكتابتها،‭ ‬وتلك‭ ‬أعزّ‭ ‬فترات‭ ‬الكتابة‭ ‬عندي‭: ‬هدوء‭ ‬الليل،‭ ‬سكون‭ ‬البيت،‭ ‬والصمت‭ ‬رفيقي‭ ‬وأنيسي‭ ‬زمن‭ ‬الكتابة‭.‬

‭*‬أيّ‭ ‬حضور‭ ‬للمكان‭ ‬في‭ ‬القصيد‭ ‬بالنسبة‭ ‬لك؟

‭- ‬المكان‭ ‬هو‭ ‬الوجود‭ ‬الفعليّ،‭ ‬فدونه‭ ‬العدم،‭ ‬لذلك‭ ‬تحتفي‭ ‬القصيدة‭ ‬به‭ ‬مكوّنًا‭ ‬لكيانها،‭ ‬ومؤثّثًا‭ ‬لزينتها‭ ‬في‭ ‬الوجود‭.‬

‭*‬ما‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬توزر،‭ ‬مدينة‭ ‬المهد‭ ‬والصبا،‭ ‬في‭ ‬نحت‭ ‬مسيرتك‭ ‬الشعرية؟

‭- ‬توزر‭ ‬العشق،‭ ‬تجدها‭ ‬بين‭ ‬حروفي‭ ‬في‭ ‬جلّ‭ ‬القصائد،‭ ‬مختزلة‭ ‬في‭ ‬نخلة‭ ‬صامدة،‭ ‬وفي‭ ‬صبر‭ ‬الجمل،‭ ‬وفي‭ ‬رمال‭ ‬الصحراء،‭ ‬وفي‭ ‬صفاء‭ ‬قلوب‭ ‬أهلها،‭ ‬وفي‭ ‬كرمهم‭ ‬وعفّتهم‭. ‬ولولا‭ ‬جمال‭ ‬واحاتها‭ ‬الساحرة،‭ ‬وصفاء‭ ‬صحرائها،‭ ‬وصمت‭ ‬ليلها‭ ‬المشعّ‭ ‬نجوما،‭ ‬ورقرقة‭ ‬جداولها‭ ‬الصافية،‭ ‬لما‭ ‬كتبت‭ ‬الشعر‭.‬

‭*‬أنت‭ ‬قليل‭ ‬الإصدارات‭ ‬الشعرية،‭ ‬أيّ‭ ‬تفسير‭ ‬لك‭ ‬لهذا‭ ‬التمشي؟

‭- ‬هو‭ ‬غير‭ ‬مقصود،‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أمتهن‭ ‬الكتابة،‭ ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬مهنة‭ ‬التعليم‭ ‬قاتلة‭ ‬للوقت‭ ‬وللصحّة،‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬أجد‭ ‬وقتًا‭ ‬للكتابة،‭ ‬بل‭ ‬أنا‭ ‬أسرق‭ ‬لها‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬راحتي‭ ‬ومن‭ ‬نومي‭. ‬أصدرت‭ ‬أربعة‭ ‬دواوين‭ ‬شعرية،‭ ‬ولي‭ ‬3‭ ‬مخطوطات‭ ‬شعرية،‭ ‬وعملين‭ ‬روائيّين‭ ‬في‭ ‬الحاسوب،‭ ‬وأنا‭ ‬أعتبر‭ ‬ما‭ ‬خططت‭  ‬إنجازًا‭ ‬محترمًا،‭ ‬نظرًا‭ ‬لاعتباري‭ ‬أنّ‭ ‬الشعر‭ ‬ليس‭ ‬تمرينًا‭ ‬يوميًّا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬نفسيّة‭ ‬وحسيّة‭ ‬معقّدة‭.‬

‭*‬‮»‬ابحث‭ ‬عن‭ ‬وطني‭ ‬في‭ ‬وطني‮»‬،‭ ‬ديوانك‭ ‬الشعري‭ ‬الذي‭ ‬لاقى‭ ‬إقبالًا‭ ‬من‭ ‬القرّاء‭ ‬بشكل‭ ‬لافت،‭ ‬هل‭ ‬قدر‭ ‬الشاعر‭ ‬البحث‭ ‬الدائم‭ ‬عن‭ ‬عالم‭ ‬أفضل؟

‭- ‬أفلاطون‭ ‬كتب‭ ‬المدينة‭ ‬الفاضلة‭ ‬التي‭ ‬يحلم‭ ‬بها،‭ ‬والمتنبّي‭ ‬كتب‭ ‬سيف‭ ‬الدولة‭ ‬الذي‭ ‬يحلم‭ ‬به،‭ ‬وشعراء‭ ‬فلسطين‭ ‬كتبوا‭ ‬الوطن‭ ‬المفقود‭ ‬والمنشود،‭ ‬وأنا‭ ‬أحلم‭ ‬بوطن‭ ‬فاضل‭ ‬ومدينة‭ ‬خضراء،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬عادات‭ ‬الشعراء،‭ ‬خاصّة‭ ‬الحلم‭ ‬بالأفضل‭.‬

‭*‬ما‭ ‬مدى‭ ‬تفاعل‭ ‬النقد‭ ‬مع‭ ‬تجربتك‭ ‬الشعرية؟

‭- ‬لم‭ ‬أكتب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬النقّاد‭ ‬يومًا،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الجوائز،‭ ‬أنا‭ ‬أعبّر‭ ‬عن‭ ‬إحساسي،‭ ‬وعن‭ ‬حالات‭ ‬مجتمعيّة‭ ‬عشتها‭ ‬أو‭ ‬كنت‭ ‬شاهدًا‭ ‬عليها‭. ‬أسعد‭ ‬أحيانًا‭ ‬حين‭ ‬أقرأ‭ ‬نصًّا‭ ‬نقديًّا‭ ‬حول‭ ‬تجربتي،‭ ‬أو‭ ‬حول‭ ‬مجموعة‭ ‬لي،‭ ‬أو‭ ‬حول‭ ‬نصّ‭ ‬منشور‭. ‬أنا‭ ‬أشتغل‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬وباللّغة،‭ ‬وعلى‭ ‬المعنى‭ ‬والمبنى،‭ ‬والناقد‭ ‬له‭ ‬شغله‭ ‬أيضًا‭. ‬أنا‭ ‬أقول‭ ‬إنّ‭ ‬التجربة‭ ‬الشعريّة‭ ‬التونسيّة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الشابّي‭ ‬أهملها‭ ‬نقّادنا‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬بل‭ ‬اهتمّوا‭ ‬بتجارب‭ ‬عربيّة‭ ‬أخرى،‭ ‬أعتقد‭ ‬جازمًا‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬شعر‭ ‬شعراء‭ ‬تونس‭ ‬أجود‭ ‬وأرفع‭ ‬قيمة‭.‬

‭* ‬تعدّدت‭ ‬المشارب‭ ‬والاتجاهات‭ ‬والمدارس‭ ‬الشعرية،‭ ‬من‭ ‬قصيد‭ ‬الومضة،‭ ‬والشعر‭ ‬النثري،‭ ‬وشعر‭ ‬البيت‭... ‬كيف‭ ‬هي‭ ‬علاقتك‭ ‬بها‭ ‬كشاعر؟

‭- ‬أنا‭ ‬أومن‭ ‬بالتجارب‭ ‬والتجديد،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الإسفاف،‭ ‬فكلّ‭ ‬التجارب‭ ‬والمشارب‭ ‬الشعريّة‭ ‬لها‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬خاصّة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬نفيها‭ ‬أو‭ ‬تفضيل‭ ‬واحدة‭ ‬عن‭ ‬الأخرى،‭ ‬فالقراءات‭ ‬مختلفة،‭ ‬والشعراء‭ ‬يختلفون‭. ‬بدأت‭ ‬بالعمودي،‭ ‬وانتقلت‭ ‬إلى‭ ‬الحرّ،‭ ‬وكتبت‭ ‬النثر،‭ ‬وأحاول‭ ‬تجارب‭ ‬أخرى‭ ‬عديدة‭.‬

‭* ‬المهرجانات‭ ‬الشعرية‭ ‬اليوم‭ ‬–‭ ‬وأنت‭ ‬مدير‭ ‬أعرقها‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬وأعني‭ ‬بذلك‭ ‬مهرجان‭ ‬توزر‭ ‬الدولي‭ ‬للشعر‭ ‬–‭ ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُضيف‭ ‬للمشارك‭ ‬فيها؟

‭- ‬عرفت‭ ‬المهرجانات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وأنا‭ ‬شاب‭ ‬في‭ ‬الواحدة‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬العمر‭. ‬كانت‭ ‬تمثّل‭ ‬لي‭ ‬مدرسة‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬الكتب،‭ ‬فمن‭ ‬تجارب‭ ‬الكبار‭ ‬تعلّمنا‭ ‬الإلقاء،‭ ‬والحديث،‭ ‬والأسطورة،‭ ‬والتاريخ،‭ ‬ومنهم‭ ‬نهلنا‭ ‬عصارة‭ ‬تجاربهم‭. ‬كنّا‭ ‬نجالس‭ ‬الكبار‭ ‬كالعروسي‭ ‬المطوي،‭ ‬والميداني‭ ‬بن‭ ‬صالح،‭ ‬ومحمد‭ ‬القاضي،‭ ‬ولطفي‭ ‬اليوسفي،‭ ‬وكمال‭ ‬عمران،‭ ‬والصغير‭ ‬أولاد‭ ‬أحمد،‭ ‬والمنصف‭ ‬الوهايبي،‭ ‬والراحلان‭ ‬محمد‭ ‬الغزي‭ ‬وعبد‭ ‬الله‭ ‬مالك‭ ‬القاسمي،‭ ‬وعزوز‭ ‬الجمني،‭ ‬والمنصف‭ ‬المزغنّي،‭ ‬وجماعة‭ ‬لقاء‭ ‬الأحد‭ ‬بمقهى‭ ‬‮«‬الروتوند‮»‬‭. ‬كلّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬كانوا‭ ‬يقدّمون‭ ‬الإضافة،‭ ‬وكان‭ ‬الاحترام‭ ‬متبادلاً‭ ‬بين‭ ‬الجميع‭.‬

حُرمت‭ ‬في‭ ‬المهرجان‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬أشرف‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬اللقاءات‭ ‬الهامشية،‭ ‬بحكم‭ ‬مسؤولية‭ ‬الإشراف،‭ ‬والتسيير،‭ ‬والسهر‭ ‬على‭ ‬راحة‭ ‬الضيوف،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬البرنامج‭ ‬المتفق‭ ‬عليه‭. ‬الآن‭ ‬سأعود‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بالقراءة‭ ‬والوحدة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أعشق‭.‬

‭*‬إلى‭ ‬أيّ‭ ‬مدى‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬خصوصيّات‭ ‬ينفرد‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭ ‬عن‭ ‬بقيّة‭ ‬التظاهرات‭ ‬الشعرية‭ ‬الوطنية‭ ‬والدولية؟

‭- ‬المهرجان‭ ‬الدولي‭ ‬للشعر‭ ‬بتوزر‭ ‬هو‭ ‬أقدم‭ ‬مهرجان‭ ‬شعريّ‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬ومن‭ ‬أعرق‭ ‬المهرجانات‭ ‬الشعرية‭ ‬العربيّة،‭ ‬وقد‭ ‬تطوّر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬دوليًّا،‭ ‬وهذا‭ ‬بفضل‭ ‬هيئاته‭ ‬والمشرفين‭ ‬على‭ ‬تسييره‭ ‬منذ‭ ‬تكوينه‭. ‬فالمهرجان‭ ‬كان‭ ‬أوّل‭ ‬من‭ ‬دعا‭ ‬العرب،‭ ‬ثمّ‭ ‬الأجانب،‭ ‬إلى‭ ‬مهرجان‭ ‬شعريّ‭ ‬بحت‭. ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬ينفرد‭ ‬بشراكاته‭ ‬مع‭ ‬إفريقيا‭ ‬جنوب‭ ‬الصّحراء،‭ ‬ومع‭ ‬منتديات‭ ‬عالميّة‭.‬

كان‭ ‬المهرجان‭ ‬محرارًا‭ ‬للضيوف،‭ ‬فمن‭ ‬يحضر‭ ‬مهرجان‭ ‬توزر‭ ‬سيكون‭ ‬ضيفًا‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مهرجانات‭ ‬الوطن‭. ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬يتميّز‭ ‬بالتزامه‭ ‬بنصرة‭ ‬الأدب‭ ‬التونسي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المحاور‭ ‬التي‭ ‬ينتقيها‭ ‬بعناية‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬دورة‭. ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الشعر‭ ‬والسياحة‭ ‬الثقافية،‭ ‬حيث‭ ‬يبرز‭ ‬ثراء‭ ‬الجهة‭ ‬المعماري،‭ ‬والحضاري،‭ ‬والثقافي،‭ ‬فأنتج‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬الأجانب‭ ‬والعرب‭ ‬قصائد‭ ‬تتغنّى‭ ‬بتوزر‭ ‬وبتونس‭.‬

‭*‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬من‭ ‬حراك،‭ ‬وما‭ ‬يعانيه‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬أوجاع،‭ ‬أيّ‭ ‬دور‭ ‬للشاعر‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬جحيم‭ ‬غزة؟

‭- ‬سقطت‭ ‬اليوم‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬أمام‭ ‬الجحيم‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلّة‭ ‬من‭ ‬مجازر،‭ ‬وتنكيل‭ ‬بالحجر،‭ ‬والشجر،‭ ‬والإنسان‭.‬



حاوره‭ ‬محسن‭ ‬بن‭ ‬أحمد