إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

على‭ ‬هامش‭ ‬زيارة‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬إلى‭ ‬الدهماني.. الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭.. ‬بين‭ ‬الرقابة‭ ‬المباشرة‭ ‬وتعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬المحاسبة

 

تحوّلت‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬الى‭ ‬محطات‭ ‬هامة‭ ‬لاطلاعه‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬زارها،‭ ‬والوقوف‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬على‭ ‬مظاهر‭ ‬التقصير‭ ‬والإهمال‭ ‬والإخلالات،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الزيارات‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬مرفوقة‭ ‬بجملة‭ ‬من‭ ‬الاجراءات‭ ‬الهامة‭ ‬والقرارات‭ ‬الاستراتيجية‭.‬

ففي‭ ‬إطار‭ ‬سياسة‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬الميداني،‭ ‬يرى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬للشأن‭ ‬العام‭ ‬أن‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬تؤشر‭ ‬الى‭ ‬كشف‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬المخفية‭ ‬وتقييم‭ ‬أداء‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية‭. ‬فهذه‭ ‬الزيارات‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬التنسيق‭ ‬المسبق‭ ‬والترتيبات‭ ‬الشكلية‭ ‬والبروتوكولية‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها،‭ ‬تمثل‭ ‬أداة‭ ‬فعَّالة‭ ‬لرصد‭ ‬أوجه‭ ‬التقصير‭ ‬وتحديد‭ ‬مواطن‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الخدمات‭ ‬المسداة‭ ‬للمواطنين‭.‬

تشخيص‭ ‬للواقع‭ ‬وتحديد‭ ‬للمسؤوليات

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬يراهن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬للشأن‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الزيارات‭ ‬في‭ ‬تشخيص‭ ‬الواقع‭ ‬وتحديد‭ ‬المسؤوليات‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬قيمة‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬الإجراءات‭ ‬الروتينية‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬الصورة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للأوضاع‭ ‬دون‭ ‬تزييف‭ ‬أو‭ ‬تلميع‭ ‬للواقع‭ ‬لاسيما‭ ‬وأنه‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬القيام‭ ‬بعديد‭ ‬الترتيبات‭ ‬مسبقاً‭ ‬عند‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬رسمية،‭ ‬مما‭ ‬يحجب‭ ‬العيوب‭ ‬ويُظهر‭ ‬صورة‭ ‬مثالية‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬الواقع‭ ‬المعيشي‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬تفرض‭ ‬شفافية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬وتكشف‭ ‬عن‭ ‬تقصير‭ ‬المسؤولين‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬التسيير‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬وغيرها‭..‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬توجّه‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهوريّة‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد،‭ ‬مساء‭ ‬أول‭ ‬أمس،‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬غير‭ ‬معلنة‭ ‬الى‭ ‬معتمديّة‭ ‬الدّهماني‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬الكاف،‭ ‬حيث‭ ‬زار‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬المطحنة‭ ‬الشّهيرة‭ ‬المعروفة‭ ‬بمطحنة‭ ‬‮«‬أبة‭ ‬قصور‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬تشييدها‭ ‬الى‭ ‬سنة‭ ‬1912‭. ‬ووفقا‭ ‬لبلاغ‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬فقد‭ ‬عاين‭ ‬رئيس‭ ‬الدّولة‭ ‬حالة‭ ‬الخراب‭ ‬التي‭ ‬آلت‭ ‬إليها‭ ‬هذه‭ ‬المنشأة،‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬علما‭ ‬وأنّ‭ ‬مساحتها‭ ‬الجمليّة‭ ‬تبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬9‭ ‬آلاف‭ ‬متر‭ ‬مربّع‭ ‬واختصّت‭ ‬في‭ ‬طحن‭ ‬أجود‭ ‬أنواع‭ ‬القمح‭ ‬الصّلب‭ ‬واللّين‭ ‬والأعلاف‭ ‬وتعتبر‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬عراقة‭ ‬الجهة‭ ‬وتاريخها‭ ‬وأحد‭ ‬أهمّ‭ ‬مواطن‭ ‬الشّغل‭ ‬بالمنطقة‭ ‬إذ‭ ‬لها‭ ‬قدرة‭ ‬تشغيليّة‭ ‬تناهز‭ ‬المائة‭ ‬وخمسين‭ ‬عاملا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

وشدّد‭ ‬رئيس‭ ‬الدّولة‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬لهذه‭ ‬المطحنة‭ ‬حتّى‭ ‬تعود‭ ‬الى‭ ‬سالف‭ ‬نشاطها‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬تصوّر‭ ‬جديد‭ ‬يعود‭ ‬بالنّفع‭ ‬على‭ ‬أهالي‭ ‬المنطقة‭ ‬كلّها‭.‬

وإثر‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة،‭ ‬التقى‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهوريّة‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬والمواطنات‭ ‬واستمع‭ ‬الى‭ ‬مشاغلهم‭ ‬مؤكّدا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬عديد‭ ‬مشاريع‭ ‬التّشريعات‭ ‬هي‭ ‬بصدد‭ ‬الإعداد‭ ‬النّهائي‭ ‬وحرصه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كلّها‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬انتظارات‭ ‬المواطنين‭ ‬مشدّدا‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الإرادة‭ ‬والثّبات‭ ‬على‭ ‬العهد‭ ‬وإيجاد‭ ‬تصوّرات‭ ‬جديدة‭ ‬جميعها‭ ‬عناصر‭ ‬كفيلة‭ ‬بتحقيق‭ ‬تطلّعات‭ ‬الشّعب‭ ‬التّونسي،‭ ‬ووطننا‭ ‬العزيز‭ ‬يعجّ‭ ‬بالخيرات‭ ‬والقدرات‭ ‬وبالوطنيّين‭ ‬والوطنيّات‭ ‬الصّادقين‭ ‬والصّادقات‭ ‬القادرين‭ ‬والقادرات‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬الثّروة‭ ‬والتّوزيع‭ ‬العادل‭ ‬لثمارها‭.‬

وتعتبر‭ ‬الدهماني‭ ‬حلقة‭ ‬ضمن‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الزيارات‭ ‬الميدانية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الى‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬الجمهورية‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬رصد‭ ‬إخلالات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المنشآت،‭ ‬أذن‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬بإصلاحها‭ ‬وترميمها‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬قام‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬بتاريخ25‭ ‬أفريل‭ ‬2025‭ ‬بإعادة‭ ‬فتح‭ ‬دار‭ ‬الثٌقافة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬بتونس‭ ‬العاصمة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أمر‭ ‬بترميمها‭ ‬وإصلاحها‭.‬

حيث‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬زار‭ ‬دار‭ ‬الثقافة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬يوم‭ ‬25‭ ‬أكتوبر‭ ‬2024‭ ‬وعاين‭ ‬تقدّم‭ ‬أشغال‭ ‬إعادة‭ ‬التهيئة،‭ ‬ملاحظا‭ ‬عديد‭ ‬النقائص‭ ‬التي‭ ‬أكّد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬الإسراع‭ ‬بتداركها‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يُمكن،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره،‭ ‬القبول‭ ‬بترميم‭ ‬ظاهري‭ ‬ولا‭ ‬بأنصاف‭ ‬الحلول‭..‬

وبالعودة‭ ‬الى‭ ‬الزيارات‭ ‬الميدانية‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لرئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬مؤخرا‭ ‬زيارة‭ ‬ليلية‭ ‬غير‭ ‬معلنة‭ ‬الى‭ ‬معتمدية‭ ‬المزونة‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬سيدي‭ ‬بوزيد‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬فاجعة‮»‬‭ ‬السور،‭ ‬التقى‭ ‬خلالها‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬واستمع‭ ‬الى‭ ‬شواغلهم‭. ‬وقد‭ ‬تمخض‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬تتعلق‭ ‬أساسا‭ ‬بالتسريع‭ ‬في‭ ‬تجهيز‭ ‬وتطوير‭ ‬المستشفى‭ ‬المحلي‭ ‬بالمزونة‭ ‬وتفعيل‭ ‬معمل‭ ‬البلاستيك،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التعهّد‭ ‬بصيانة‭ ‬شبكة‭ ‬الطرقات‭ ‬وإحداث‭ ‬عديد‭ ‬الإدارات‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬فرعين‭ ‬للصوناد‭ ‬والستاغ‭ ‬وغيرهما‭..‬

آلية‭ ‬لتعزيز‭ ‬الحوكمة‭ ‬الرشيدة

وعديدة‭ ‬هي‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الى‭ ‬عدة‭ ‬مناطق‭ ‬وولايات،‭ ‬آذنا‭ ‬بإعادة‭ ‬ترميم‭ ‬عديد‭ ‬المنشآت‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬جامع‭ ‬القصبة‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬تهيئة‭ ‬الساحات‭ ‬العمومية‭ ‬كساحة‭ ‬باستور‭ ‬وغيرها،‭ ‬لتمثل‭ ‬هذه‭ ‬الزيارات‭ ‬آلية‭ ‬فعالة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الحوكمة‭ ‬الرشيدة‭ ‬وتقييم‭ ‬مدى‭ ‬جدية‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬المناطة‭ ‬بعهدتهم‭ ‬بما‭ ‬يجعلها‭ ‬تمثل‭ ‬قاطرة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬وتحسين‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬للمواطنين‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬يعتبر‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الملاحظين‭ ‬والمهتمين‭ ‬بالشأن‭ ‬العام‭ ‬أن‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة،‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬قيس‭ ‬سعيد،‭ ‬قد‭ ‬لاقت‭ ‬صدى‭ ‬واسعا‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬لما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬سياسية‭ ‬ومؤشرات،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬تعكس‭ ‬أداة‭ ‬فعالة‭ ‬لكشف‭ ‬واقع‭ ‬منطقة‭ ‬ما‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬تعزيز‭ ‬مبدأ‭ ‬المحاسبة‭ ‬والردع‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬أيضا‭ ‬آلية‭ ‬لترسيخ‭ ‬سياسة‭ ‬القرب‭ ‬من‭ ‬المواطن‭ ‬وكسر‭ ‬حواجز‭ ‬البيروقراطية‭ ‬والتحفيز‭ ‬على‭ ‬الإصلاح‭.‬

ليخلص‭ ‬هؤلاء‭ ‬الى‭ ‬التأكيد‭ ‬بأن‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬التي‭ ‬يُجريها‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬تكرّس‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬مبدأ‭ ‬الرقابة‭ ‬المباشرة‭ ‬وتُعزز‭ ‬ثقافة‭ ‬المحاسبة‭ ‬وخاصة‭ ‬تُعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لعلاقة‭ ‬المواطن‭ ‬بالدولة‭.‬

منال‭ ‬حرزي

على‭ ‬هامش‭ ‬زيارة‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬إلى‭ ‬الدهماني..   الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭.. ‬بين‭ ‬الرقابة‭ ‬المباشرة‭ ‬وتعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬المحاسبة

 

تحوّلت‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬الى‭ ‬محطات‭ ‬هامة‭ ‬لاطلاعه‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬زارها،‭ ‬والوقوف‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬على‭ ‬مظاهر‭ ‬التقصير‭ ‬والإهمال‭ ‬والإخلالات،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬الزيارات‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬مرفوقة‭ ‬بجملة‭ ‬من‭ ‬الاجراءات‭ ‬الهامة‭ ‬والقرارات‭ ‬الاستراتيجية‭.‬

ففي‭ ‬إطار‭ ‬سياسة‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الواقع‭ ‬الميداني،‭ ‬يرى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬للشأن‭ ‬العام‭ ‬أن‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬تؤشر‭ ‬الى‭ ‬كشف‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬المخفية‭ ‬وتقييم‭ ‬أداء‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية‭. ‬فهذه‭ ‬الزيارات‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬التنسيق‭ ‬المسبق‭ ‬والترتيبات‭ ‬الشكلية‭ ‬والبروتوكولية‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها،‭ ‬تمثل‭ ‬أداة‭ ‬فعَّالة‭ ‬لرصد‭ ‬أوجه‭ ‬التقصير‭ ‬وتحديد‭ ‬مواطن‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الخدمات‭ ‬المسداة‭ ‬للمواطنين‭.‬

تشخيص‭ ‬للواقع‭ ‬وتحديد‭ ‬للمسؤوليات

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬يراهن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬للشأن‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الزيارات‭ ‬في‭ ‬تشخيص‭ ‬الواقع‭ ‬وتحديد‭ ‬المسؤوليات‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬قيمة‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬الإجراءات‭ ‬الروتينية‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬الصورة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للأوضاع‭ ‬دون‭ ‬تزييف‭ ‬أو‭ ‬تلميع‭ ‬للواقع‭ ‬لاسيما‭ ‬وأنه‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬القيام‭ ‬بعديد‭ ‬الترتيبات‭ ‬مسبقاً‭ ‬عند‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬رسمية،‭ ‬مما‭ ‬يحجب‭ ‬العيوب‭ ‬ويُظهر‭ ‬صورة‭ ‬مثالية‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬الواقع‭ ‬المعيشي‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬تفرض‭ ‬شفافية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬وتكشف‭ ‬عن‭ ‬تقصير‭ ‬المسؤولين‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬التسيير‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬وغيرها‭..‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬توجّه‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهوريّة‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد،‭ ‬مساء‭ ‬أول‭ ‬أمس،‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬غير‭ ‬معلنة‭ ‬الى‭ ‬معتمديّة‭ ‬الدّهماني‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬الكاف،‭ ‬حيث‭ ‬زار‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬المطحنة‭ ‬الشّهيرة‭ ‬المعروفة‭ ‬بمطحنة‭ ‬‮«‬أبة‭ ‬قصور‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬تشييدها‭ ‬الى‭ ‬سنة‭ ‬1912‭. ‬ووفقا‭ ‬لبلاغ‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬فقد‭ ‬عاين‭ ‬رئيس‭ ‬الدّولة‭ ‬حالة‭ ‬الخراب‭ ‬التي‭ ‬آلت‭ ‬إليها‭ ‬هذه‭ ‬المنشأة،‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬علما‭ ‬وأنّ‭ ‬مساحتها‭ ‬الجمليّة‭ ‬تبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬9‭ ‬آلاف‭ ‬متر‭ ‬مربّع‭ ‬واختصّت‭ ‬في‭ ‬طحن‭ ‬أجود‭ ‬أنواع‭ ‬القمح‭ ‬الصّلب‭ ‬واللّين‭ ‬والأعلاف‭ ‬وتعتبر‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬عراقة‭ ‬الجهة‭ ‬وتاريخها‭ ‬وأحد‭ ‬أهمّ‭ ‬مواطن‭ ‬الشّغل‭ ‬بالمنطقة‭ ‬إذ‭ ‬لها‭ ‬قدرة‭ ‬تشغيليّة‭ ‬تناهز‭ ‬المائة‭ ‬وخمسين‭ ‬عاملا‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

وشدّد‭ ‬رئيس‭ ‬الدّولة‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬لهذه‭ ‬المطحنة‭ ‬حتّى‭ ‬تعود‭ ‬الى‭ ‬سالف‭ ‬نشاطها‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬تصوّر‭ ‬جديد‭ ‬يعود‭ ‬بالنّفع‭ ‬على‭ ‬أهالي‭ ‬المنطقة‭ ‬كلّها‭.‬

وإثر‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة،‭ ‬التقى‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهوريّة‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬والمواطنات‭ ‬واستمع‭ ‬الى‭ ‬مشاغلهم‭ ‬مؤكّدا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬عديد‭ ‬مشاريع‭ ‬التّشريعات‭ ‬هي‭ ‬بصدد‭ ‬الإعداد‭ ‬النّهائي‭ ‬وحرصه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كلّها‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬انتظارات‭ ‬المواطنين‭ ‬مشدّدا‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الإرادة‭ ‬والثّبات‭ ‬على‭ ‬العهد‭ ‬وإيجاد‭ ‬تصوّرات‭ ‬جديدة‭ ‬جميعها‭ ‬عناصر‭ ‬كفيلة‭ ‬بتحقيق‭ ‬تطلّعات‭ ‬الشّعب‭ ‬التّونسي،‭ ‬ووطننا‭ ‬العزيز‭ ‬يعجّ‭ ‬بالخيرات‭ ‬والقدرات‭ ‬وبالوطنيّين‭ ‬والوطنيّات‭ ‬الصّادقين‭ ‬والصّادقات‭ ‬القادرين‭ ‬والقادرات‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬الثّروة‭ ‬والتّوزيع‭ ‬العادل‭ ‬لثمارها‭.‬

وتعتبر‭ ‬الدهماني‭ ‬حلقة‭ ‬ضمن‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الزيارات‭ ‬الميدانية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الى‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬الجمهورية‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬رصد‭ ‬إخلالات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المنشآت،‭ ‬أذن‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬بإصلاحها‭ ‬وترميمها‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬قام‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬بتاريخ25‭ ‬أفريل‭ ‬2025‭ ‬بإعادة‭ ‬فتح‭ ‬دار‭ ‬الثٌقافة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬بتونس‭ ‬العاصمة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أمر‭ ‬بترميمها‭ ‬وإصلاحها‭.‬

حيث‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬زار‭ ‬دار‭ ‬الثقافة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬يوم‭ ‬25‭ ‬أكتوبر‭ ‬2024‭ ‬وعاين‭ ‬تقدّم‭ ‬أشغال‭ ‬إعادة‭ ‬التهيئة،‭ ‬ملاحظا‭ ‬عديد‭ ‬النقائص‭ ‬التي‭ ‬أكّد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬الإسراع‭ ‬بتداركها‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يُمكن،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره،‭ ‬القبول‭ ‬بترميم‭ ‬ظاهري‭ ‬ولا‭ ‬بأنصاف‭ ‬الحلول‭..‬

وبالعودة‭ ‬الى‭ ‬الزيارات‭ ‬الميدانية‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬لرئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬مؤخرا‭ ‬زيارة‭ ‬ليلية‭ ‬غير‭ ‬معلنة‭ ‬الى‭ ‬معتمدية‭ ‬المزونة‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬سيدي‭ ‬بوزيد‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬فاجعة‮»‬‭ ‬السور،‭ ‬التقى‭ ‬خلالها‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬واستمع‭ ‬الى‭ ‬شواغلهم‭. ‬وقد‭ ‬تمخض‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬تتعلق‭ ‬أساسا‭ ‬بالتسريع‭ ‬في‭ ‬تجهيز‭ ‬وتطوير‭ ‬المستشفى‭ ‬المحلي‭ ‬بالمزونة‭ ‬وتفعيل‭ ‬معمل‭ ‬البلاستيك،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التعهّد‭ ‬بصيانة‭ ‬شبكة‭ ‬الطرقات‭ ‬وإحداث‭ ‬عديد‭ ‬الإدارات‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬فرعين‭ ‬للصوناد‭ ‬والستاغ‭ ‬وغيرهما‭..‬

آلية‭ ‬لتعزيز‭ ‬الحوكمة‭ ‬الرشيدة

وعديدة‭ ‬هي‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الى‭ ‬عدة‭ ‬مناطق‭ ‬وولايات،‭ ‬آذنا‭ ‬بإعادة‭ ‬ترميم‭ ‬عديد‭ ‬المنشآت‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬جامع‭ ‬القصبة‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬تهيئة‭ ‬الساحات‭ ‬العمومية‭ ‬كساحة‭ ‬باستور‭ ‬وغيرها،‭ ‬لتمثل‭ ‬هذه‭ ‬الزيارات‭ ‬آلية‭ ‬فعالة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الحوكمة‭ ‬الرشيدة‭ ‬وتقييم‭ ‬مدى‭ ‬جدية‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬المناطة‭ ‬بعهدتهم‭ ‬بما‭ ‬يجعلها‭ ‬تمثل‭ ‬قاطرة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬وتحسين‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬للمواطنين‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬يعتبر‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الملاحظين‭ ‬والمهتمين‭ ‬بالشأن‭ ‬العام‭ ‬أن‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة،‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬قيس‭ ‬سعيد،‭ ‬قد‭ ‬لاقت‭ ‬صدى‭ ‬واسعا‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬لما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬سياسية‭ ‬ومؤشرات،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬تعكس‭ ‬أداة‭ ‬فعالة‭ ‬لكشف‭ ‬واقع‭ ‬منطقة‭ ‬ما‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬تعزيز‭ ‬مبدأ‭ ‬المحاسبة‭ ‬والردع‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬أيضا‭ ‬آلية‭ ‬لترسيخ‭ ‬سياسة‭ ‬القرب‭ ‬من‭ ‬المواطن‭ ‬وكسر‭ ‬حواجز‭ ‬البيروقراطية‭ ‬والتحفيز‭ ‬على‭ ‬الإصلاح‭.‬

ليخلص‭ ‬هؤلاء‭ ‬الى‭ ‬التأكيد‭ ‬بأن‭ ‬الزيارات‭ ‬غير‭ ‬المعلنة‭ ‬التي‭ ‬يُجريها‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬تكرّس‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬مبدأ‭ ‬الرقابة‭ ‬المباشرة‭ ‬وتُعزز‭ ‬ثقافة‭ ‬المحاسبة‭ ‬وخاصة‭ ‬تُعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لعلاقة‭ ‬المواطن‭ ‬بالدولة‭.‬

منال‭ ‬حرزي