إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في لقاء نظمته "دار الصباح" بمعرض تونس الدولي للكتاب.. الروائية "أميرة غنيم" تبدع في السفر بخيال الحضور بين أسطر رواياتها وخلفيات خياراتها

-قصة حب الطاهر الحداد كانت ذريعة للسرد، لأنّ القصد كان كتابة فسيفساء عن تاريخ تونس على امتداد قرن من الزمان

-مشروعي السردي يتمثل في استلهام رموز من تاريخنا الوطني كان لديها أثر في تشكيل هوية المجتمع التونسي واستدراجها إلى عالم التخييل

-ما ربط اسمي بـ«نازلة دار الأكابر» هو الترجمات إلى ثلاث لغات أجنبية وهي الإيطالية والفرنسية والإنقليزية-

-لا أتصور بأنّ اللغة التي كتبت بها فيها درجة عالية جدًا من الجرأة

على مدى ساعة من الزمن، وفي لقاء نظمته جريدة «الصباح» يوم الإثنين 28 أفريل 2025، بمعرض تونس الدولي للكتاب في دورته الـ39، أخذتنا الكاتبة والروائية التونسية أميرة غنيم إلى عوالم رواياتها، وطرق خياراتها السردية، ومنهجها في تعاملها مع أبطال رواياتها وشخصياتها، وإلى ما عايشته وعاشته في تجربتها الروائية، وسط تفاعل واسع مع من حضر اللقاء، حيث أدارت الحوار الصحفية ورئيسة قسم الشؤون الثقافية حياة السايب.

عن أسباب زخم الكتابات والإنتاجات الروائية في زمن قصير، تحدثت الكاتبة والروائية أميرة غنيم التي قالت إنّها قضت فترة طويلة وهي تكتب في رأسها، ويوم قررت النشر كانت لديها أشياء جاهزة، فخرجت الواحدة تلو الأخرى.

وتُضيف قائلة: «صحيح أنّ أول رواية صدرت سنة 2020، ولكن بدأت كتابة الروايات سنة 2015 تحديدًا، وكانت الانطلاقة مع روايتي التي صدرت الثانية «الملف الأصفر»، في خضم الأزمة التي كان يعيشها المجتمع التونسي فيما بعد ثورة 2011.»

وأضافت: «في فترة ما، شعرت بأن البحث الأكاديمي غير كافٍ حتى يُجيب عن مجموعة من الأسئلة كانت تختمر في ذهني بخصوص هوية المجتمع التونسي، «من نحن؟» ومن هو المجتمع التونسي الذي خرج بهذا العدد يوم 14 جانفي وقلب النظام، ثم بعد ذلك ذهب في اتجاهات مختلفة أغلبها لا تُشبهنا. فكان بالتالي لديّ سؤال حارق متعلق بالهوية، ولم أشعر بأنّ البحث الأكاديمي في مجال اللسانيات قادر على إجابتي أو أن يطرح معي الأسئلة المناسبة للوضع الذي كنّا فيه».

وتواصل المتحدثة: «أولى كتاباتي كانت عفوية ومجنونة بطريقة مسترسلة، فكتبت «الملف الأصفر» التي كانت شخصيته الرئيسية شخصية مصابة بالفُصام، ويشبه قليلًا المجتمع التونسي في تلك الفترة، ولكن لم أكن أفكر بتاتًا في النشر».

وأوضحت: «هذه الرواية بقيت موجودة على الحاسوب لمدة خمس سنوات، وفي الأثناء بدأت في كتابة رواية «نازلة دار الأكابر»، وكنت أيضًا لا أنوي نشرها. وشاءت الصدف أن كتاب «الملف الأصفر» شاركت به كمخطوط في جائزة الشيخ راشد بن حمد للرواية، وقد فازت، وهذا ما شجعني لنشر «نازلة دار الأكابر». ولهذه الأسباب يظهر أن هناك عددًا كبيرًا من الإصدارات في فترة قصيرة ما بين 2020 و2025، ولكن الحقيقة كانت أن الكتابة بدأت قبل ذلك، ونُشرت متأخرة، لأني من الناس الذين يؤمنون أن الكتابة شيء وقرار النشر شيء آخر، باعتبار أنه يحمل مسؤولية اجتماعية وأخلاقية ونفسية جسيمة تُصبح محمولة عليك».

عن كتابة «الملف الأصفر» و»نازلة دار الأكابر» والصيت الذي وجدته هذه الأخيرة واعتبارها كتاب الحظ وتتويجها بجوائز عربية ودولية وتونسية، كان السؤال الثاني عن أسباب هذا النجاح، والذي قد يعود إلى فرضيتين:

*الأولى: هل يعود ذلك إلى عدم بوح حكايات تونس المدينة العتيقة بكل أسرارها، رغم كل الأفلام والمسلسلات التي أُنتجت، وإلى سيرة الطاهر الحداد التي بقيت غير مكتملة، وحاولت تكملتها وغلق الفراغات؟

*الفرضية الثانية: قد تعود إلى اللغة المستعملة وطريقة السرد والأسلوب التشويقي؟

أكدت غنيم أنّ «نازلة دار الأكابر» كانت الأولى في النشر، رغم أنّها كانت الثانية في الكتابة، وتشدد ممتنّة على أنّ كلّ ما أصدرت من روايات إلى حدّ الآن كان استقباله من القرّاء جيدًا.

و»الملف الأصفر» صدرت بعد ذلك، ولم يكن من الممكن أن تُشارك في جوائز عربية وتونسية، لأنها حائزة على جائزة وهي في صيغة الرواية المخطوطة. ورواية «تراب سخون» التي صدرت في أفريل 2024، توّجت بجائزة عبد الوهاب بن عياد للرواية.

وتسترسل قائلة: «أعتقد أنّ ما ربط اسمي بـ»نازلة دار الأكابر» هو الترجمات، لأنها تُرجمت إلى ثلاث لغات أجنبية وهي الإيطالية والفرنسية والإنقليزية. فالترجمة إلى لغات أجنبية ستُعطي حضورًا خارج سور الوطن، والصدى سيكون في الخارج، وسيكون له أثر بالداخل.

فالترجمة، عندما نجحت في إيطاليا وفرنسا، كانت هناك كتابات نقدية كثيرة عليها، وهذا كان له أثر على تقبّل النصّ العربي، سواء في تونس أو في العالم العربي. وربما يكون هذا هو الفرق في نجاح الروايات».

وهي توافق على أنّ خصوصية «نازلة دار الأكابر» في تعدد الأصوات فيها، فهي رواية تُروى بلسان 11 شخصية لنفس الواقعة، ولكن بوجهات نظر مختلفة، وهي رواية استقدمت إلى فضاء التخييل الاجتماعي شخصية المصلح الاجتماعي الكبير الطاهر الحداد، في إطار مشروع سردي واصلته في رواياتها اللاحقة.

ويتمثل هذا المشروع السردي في استلهام رموز من تاريخنا الوطني كان لديها أثر في تشكيل هوية المجتمع التونسي واستدراجها إلى عالم التخييل، وذلك لسبب بسيط برأيها: أولا، هي طريقة من طرائق ردّ الاعتبار لهذه الشخصيات. فمثلا، الطاهر الحداد بعد الثورة وقع التهجّم على رمزيته وعلى أفكاره التقدّمية، خاصة فيما يتعلق بمنزلة المرأة التي استلهم منها الحبيب بورقيبة مجلة الأحوال الشخصية.

وتقول: «نتذكر جميعنا كيف تمّ سنة 2013 قطع رأس مجسمه بمدينة الحامة، وكانت رسالة واضحة من السلفية، ودهن قبره بمقبرة الجلاز بالأسود، وهو نوع من أنواع التدنيس للذاكرة. ومن هذا المنطلق فكرت في إعادة الاعتبار لهذا الرمز، وكان حضوره في الرواية شديد الغياب، لأنها تنطلق ليلة وفاته.»

فكانت، كما قال الناقد رضا بورخيص، الطاهر الحداد حاضرا على كامل النصّ ولكن دون أن تُعطى إليه الكلمة. ليتواصل المشروع السردي بكتاب «التراب سخون» الذي يروي رحلة متخيلة قامت بها وسيلة بن عمار إلى زوجها الحبيب بورقيبة في منفاه الأخير بدار الوالي بالمنستير، إلى أن نصل للكتاب الأخير الذي أعلنت عن صدوره يوم 6 أفريل 2025 بعد 25 سنة من وفاة بورقيبة، وهو يحمل عنوان «العظماء يموتون في أفريل»، وفيه محاولة لردّ الاعتبار للزعيم من منظورها.

وتواصل اللقاء الحواري بطرح أسئلة أخرى، منها ما تعلّق بنوعية الرواية التي تكتبها أميرة غنيم ومقارنتها بما يكتبه جورج زيدان، فهل يمكن أن تكون رواية تاريخية؟

قالت غنيم إنّ المقارنة تكون بما يكتبه حسنين بن عمّو، الذي استقدم إلى فضاء الرواية شخصيات من التاريخ التونسي من عهد البايات، والفرق بيننا - وعادة لا أريد أن أُعطي حكما نقديا على المنتج الإبداعي رغم تخصصي الأكاديمي الذي يسمح بتصنيف الروايات - ولكن لا أعتبر نفسي أني أكتب الرواية التاريخية. فنوعية الكتابة التي أكتبها (وربما النقاد يجدون لها تصنيفا إذا لا تندرج تحت أيّ تصنيف) تستلهم التاريخ كخلفية، وربما تستقدم شخصية أو اثنتين من التاريخ وتضعهما في إطار تخييلي، محاطين بشخصيات خيالية، والوقائع المروية في أغلبها ستكون خيالية ليس لها أي صلة بالواقع.

ويتمّ الأمر، وفق قولها، باحترام كامل لما هو موثق تاريخيا. فهي لعبة مع الفراغات التي يتركها المؤرخون عن مرحلة زمنية معينة. وقدمت مثالا على ذلك ما يتعلق بحكاية الطاهر الحداد، فالتاريخ حفظ لنا أنه نصير المرأة، وأنه ألّف كتابا قامت عليه الدنيا ولم تقعد سنة 1930، وهو «امرأتنا في الشريعة والمجتمع»، ومن أجله وقع حصاره نفسيا ومطاردته في الشوارع وغيرها. وهذا موثق تاريخيا، وتأخذها الرواية على أنها أشياء مسلّمة لا يمكن التغافل عنها أو التراجع فيها، وإلا يصبح من باب التزوير. ولكن ما لم يتحدث عنه التاريخ هو علاقة الطاهر الحداد بالنساء، بأمه، بأخته، هل كان ينوي الزواج مثلا، قبل أن تقوم فضيحة «امرأتنا في الشريعة والمجتمع».

هناك صمت حول كل ذلك، وهنا يمكن لخيال الروائي أن يتصرف، ولكن لا يمكن أن يتصرف في المطلق. فيجب أن يكون هناك قادح، والقادح في «نازلة دار الأكابر» هو الوقوع على أبيات شعر كتبها الطاهر الحداد، التي كانت خارجة عن السياق، وهي قصائد اجتماعية.

فكانت هناك أبيات تتحدث عن اللوعة والفراق والاشتياق، ويتوجه بها في الخطاب إلى ضمير «أنتم»، وفيها نوع من أنواع التورية، وهنا قرأ خيال الروائية الأبيات على أنها موجهة لامرأة، وجاءت فكرة استنباط حبيبة للطاهر الحداد. وشددت أميرة غنيم على أن قصة الحب ذريعة للسرد، لأنّ القصد كان كتابة فسيفساء عن تاريخ تونس على امتداد قرن من الزمان، لأن الشخصيات التي تروي القصة ترويها في مراحل تاريخية مختلفة.

ومنها حملتنا الكاتبة إلى فترة إقامة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في دار الوالي بالمنستير، فتحدثت عن مصادر إلهامها، وعن تفاصيل وكأنها عاشتها، فعرضتها في روايتها «العظماء يموتون في أفريل».

فقالت: «الفكرة في هذه الرواية أن يكون السرد على لسان الحبيب بورقيبة نفسه، على خلاف رواية «نازلة دار الأكابر»، التي كان فيها السرد موزعا على شخصية مختلفة، فكان السارد وحيدا كما كان يريد بورقيبة، ولكن من فراش الموت في فترته الأخيرة.

وقد استلهمت الأحداث من كتاب ألّفه آخر والٍ عاصر الأيام الأخيرة لبورقيبة، وكتب نوعا من المذكرات، والنص كان مهما جدّا، وأعطاني فكرة عن الأجواء التي كان بورقيبة يعيش فيها، إلى جانب بعض الشهادات لأشخاص زاروه في منفاه من صحفيين فرنسيين كتبوا مقالات، وحتى عدد من أصدقائه تمكنوا من الحصول على تراخيص لزيارته.»

وتواصل حول نفس الموضوع: توفرت لدي بعض من المعطيات، ولكن لم يكن القصد تسليط الضوء بالكامل على هذه الفترة التي كانت منطلق السرد عند بورقيبة. وبورقيبة، وهو السارد في الرواية، كان في لحظات ضعف ومرض وشيخوخة ووحدة، وهو ليس بالضرورة يروي لنا الحقيقة كاملة.

وتشدد الكاتبة على أنّ العقد الذي يجمع القارئ بالنص الروائي هو عقد التخييل، أي ما تقوله له قابل للتصديق، ولكنه لا يقول لنا الحقيقة.

وتشير إلى أن الرواية تقدم نوعا من أنواع الشهادة يُلقيها بورقيبة على سامع ما، افترضت أنا أنها ممرضته «سعاد» التي كانت حاضرة في روايته «تراب سخون»، فيكلمها وربما كان يُكلّم نفسه، وهناك أشياء لا يقولها ولكنها تفهم ماذا يريد.. فيحكي عن حياته منذ طفولته، وحتى قبلها، لأن بورقيبة صنع أسطورته.. فكانت له القوة في أن يتحدث عن نفسه حتى قبل أن يولد. لكن يقف السرد في لحظة مفصلية، قالت الكاتبة إنها اختارتها عن وعي، وربطتها بلحظة موت بورقيبة، وكأنه توقف عن سرد حياته في تاريخ مهمّ جدا، وهو تاريخ 6 أفريل، الذي يوافق في السرد يوم 1 جوان 1955، فالنص يقف إذن في حياته إلى التاريخ المذكور، والذي يسميه هو «عيد النصر». تفاصيل كثيرة تحدثت عنها الروائية أميرة غنيم عند كتابتها لـ»العظماء يموتون في أفريل»، حملتنا بعدها إلى عوالم لغتها التي تختارها لسرد حكاياتها، والتي وصفتها مديرة الحوار حياة السايب بـ»السهلة الممتنعة»، ولكنها في نفس الوقت «جريئة غير معتادة من المرأة العربية في وصف كلّ ما هو حميمي وذاتي وكل ما هو علاقة بين المرأة والرجل»، فهناك «لغة مُتفجرة وجارفة» وفق قولها.

فقالت أميرة غنيم إنها لا تتصور بأنّ اللغة التي كتبت بها فيها درجة عالية من الجرأة، لأن سقف حريتها في الكتابة تحاول أن ترفعه، ولكنها دائما تأخذ بعين الاعتبار أن هذا الكتاب يمكن أن يقع في يدي من ليس لديه المسافة النقدية الكافية حتى يُميز بين الأدب وبين الواقع.

وفي ما يتعلق بالوصف الحميمي، كان لديها دائما سلاحها، وفق قولها، وسلاحها هو الصور، والأساس في تكوينها هو الأسلوب البلاغي، واللعب بالاستعارات وتصوير المشاهد في نوع من الخطاب غير المباشر، وفيه ترميز وإيحاء. وهذا يبرز في حادثة التحرش في «نازلة دار الأكابر»، لأنه ليس من السهل نقل فظاعة ما تعرضت له إحدى شخصيات الرواية، شخصية «محمد»، بلغة تحاول أن لا تكون في مستوى فظاعة المشهد. فكان هناك عمل كبير على اللغة حتى لا تكون فيها صدمة للقراء، لأنها ليست مع «جمالية القبيح» وتسمية الأشياء بمسمياتها كما يفعل عدد من الكتّاب.

في مجال آخر من اللقاء، دار الحديث عن الانتقادات التي تُوجّه للجوائز، ووجهات النظر المختلفة حول المسابقات الأدبية على المستوى الوطني والعربي والدولي، وعن الإضافات التي من شأنها أن تُضفى على مسيرة ضيفة جريدة «الصباح» في الرواية والإبداع.

وفيما يتعلق بالانتقادات، اعتبرت أميرة غنيم أن المسألة التي لا تُنسى هي أن الجوائز لها لجان تحكيم، وهم مجموعة من القراء، ومهما بلغ علوّ كعبهم في القراءة وفي النقد والكتابة، فهم مجموعة من القراء قد تختلف فيما بينها في التصويت، باعتبار أن هناك جانبًا ذوقيًا في التقييم.

ويجب على كل من يترشح إلى جائزة أن يتقبل بأنه سيضع نفسه في مهبّ الأهواء، هذا إذا أحسن الظنّ، وإذا لم يُحسن الظن فإنه يجب أن يقبل بأنه سيضع نفسه في حساب العلاقات الشخصية. فالجائزة عندما تُقدّم تبقى مرتبطة بزمان إعطائها...

والجوائز أكيد أنها غضّت الطرف عن أعمال كثيرة جدّا مميزة، وأنها توّجت أعمالًا كثيرة مميزة، ولكن يبقى دائمًا التتويج رهين لحظة معينة مرتبطة بلجنة معينة... وتؤكد أن بعض الأسماء تُوّجت بالبوكر العربية، ولو تمّ تغيير اللجنة في سنة ما، فإنها من المستحيل أن تتوّج. وبالتالي، هذه قواعد اللعبة: إما أن تقبلها أو لا... فـ»تراب سخون» تُوّجت في تونس بجائزة عبد الوهاب بن عياد، ولكنها لم تصل إلى القائمة، ولا القصيرة، في جائزة «البوكر» رغم مراهنة الناشر عليها.

أما عن الجوائز في الخارج، فإن الاعتبارات الشخصية تُلغى لأن الناس لا يعرفونك، والاعتبارات الذوقية تقلّ أيضًا لأن التعامل يكون مع النص المترجم، وليس النص العربي. وهو ما يوضح أن الرواية لا تُسند لشخص، وإنما تُسند للرواية التونسية، ولذلك هي سعدت بتتويج «نازلة دار الأكابر» في فرنسا بجائزة الأدب العربي في ديسمبر 2024، ثم بجائزة فراغونار للأدب الأجنبي في أفريل 2025... وهذا ليس بتتويج شخصي، وإنما للأدب التونسي، وفق تأكيدها.

وعن فرضية تحويل رواياتها إلى عمل سينمائي أو دراما، اعتبرت أميرة غنيم أن المسألة مرتبطة بالإنتاج، والشيء الذي نفتقر إليه في تونس هو دار إنتاج قوية بإمكانها أن تأخذ بعين الاعتبار صعوبة التجسيم السينمائي لكتاب مثل «نازلة دار الأكابر»، لأنه ليس من السهل إعادة تجسيد ديكور سنوات الثلاثينات والأربعينات والخمسينات... وتحتاج إلى إعادة كتابتها في شكل سيناريو، والتي هي كتابة أخرى.

وأكدت المتحدثة أن الكثير من القراء رأوا أن رواية «نازلة دار الأكابر» فيها الكثير من المشهدية البصرية، وهي ترى أنها تتماشى مع الدراما أكثر من السينما، ويمكن أن تكون دراما ممتدة على مواسم.

وقالت إنه إلى حد الآن لا توجد أي عروض في هذا الاتجاه، وبالنسبة لها فإنّ رواية «العظماء يموتون في أفريل» يمكن أن تتحول إلى السينما، وتعتبر أنه من غير المعقول أن لا تكون لدينا أفلام حول «بورقيبة» إلى حد الآن، رغم أنه لدينا ريادة سينمائية في فترة ما. لا يوجد فيلم يروي سيرته، على غرار ما تمّ إنتاجه في مصر عن أنور السادات وغيره.

وتستدرك أميرة غنيم قائلة في هذا اللقاء إن كاتب الرواية ليس منتهى حلمه أن يرى نصه على الشاشة، لسبب بسيط، وهي أنها يمكن أن تقتل وتُكلّس الحدث والشخصية والمشهد. فالقارئ عندما يقرأ الكتاب يتخيّل الشخصيات كما يريد... وهي تشدّد على أنها لا تقول إن السينما ستضرّ بالكتاب في رواجه، ولكن القراءة قد تصبح فقط ما تعكسه الشاشة، وليس ما هو موجود في الكتاب.

إيمان عبد اللطيف

في لقاء نظمته "دار  الصباح" بمعرض تونس الدولي للكتاب..   الروائية "أميرة غنيم" تبدع في السفر بخيال الحضور بين أسطر رواياتها وخلفيات خياراتها

-قصة حب الطاهر الحداد كانت ذريعة للسرد، لأنّ القصد كان كتابة فسيفساء عن تاريخ تونس على امتداد قرن من الزمان

-مشروعي السردي يتمثل في استلهام رموز من تاريخنا الوطني كان لديها أثر في تشكيل هوية المجتمع التونسي واستدراجها إلى عالم التخييل

-ما ربط اسمي بـ«نازلة دار الأكابر» هو الترجمات إلى ثلاث لغات أجنبية وهي الإيطالية والفرنسية والإنقليزية-

-لا أتصور بأنّ اللغة التي كتبت بها فيها درجة عالية جدًا من الجرأة

على مدى ساعة من الزمن، وفي لقاء نظمته جريدة «الصباح» يوم الإثنين 28 أفريل 2025، بمعرض تونس الدولي للكتاب في دورته الـ39، أخذتنا الكاتبة والروائية التونسية أميرة غنيم إلى عوالم رواياتها، وطرق خياراتها السردية، ومنهجها في تعاملها مع أبطال رواياتها وشخصياتها، وإلى ما عايشته وعاشته في تجربتها الروائية، وسط تفاعل واسع مع من حضر اللقاء، حيث أدارت الحوار الصحفية ورئيسة قسم الشؤون الثقافية حياة السايب.

عن أسباب زخم الكتابات والإنتاجات الروائية في زمن قصير، تحدثت الكاتبة والروائية أميرة غنيم التي قالت إنّها قضت فترة طويلة وهي تكتب في رأسها، ويوم قررت النشر كانت لديها أشياء جاهزة، فخرجت الواحدة تلو الأخرى.

وتُضيف قائلة: «صحيح أنّ أول رواية صدرت سنة 2020، ولكن بدأت كتابة الروايات سنة 2015 تحديدًا، وكانت الانطلاقة مع روايتي التي صدرت الثانية «الملف الأصفر»، في خضم الأزمة التي كان يعيشها المجتمع التونسي فيما بعد ثورة 2011.»

وأضافت: «في فترة ما، شعرت بأن البحث الأكاديمي غير كافٍ حتى يُجيب عن مجموعة من الأسئلة كانت تختمر في ذهني بخصوص هوية المجتمع التونسي، «من نحن؟» ومن هو المجتمع التونسي الذي خرج بهذا العدد يوم 14 جانفي وقلب النظام، ثم بعد ذلك ذهب في اتجاهات مختلفة أغلبها لا تُشبهنا. فكان بالتالي لديّ سؤال حارق متعلق بالهوية، ولم أشعر بأنّ البحث الأكاديمي في مجال اللسانيات قادر على إجابتي أو أن يطرح معي الأسئلة المناسبة للوضع الذي كنّا فيه».

وتواصل المتحدثة: «أولى كتاباتي كانت عفوية ومجنونة بطريقة مسترسلة، فكتبت «الملف الأصفر» التي كانت شخصيته الرئيسية شخصية مصابة بالفُصام، ويشبه قليلًا المجتمع التونسي في تلك الفترة، ولكن لم أكن أفكر بتاتًا في النشر».

وأوضحت: «هذه الرواية بقيت موجودة على الحاسوب لمدة خمس سنوات، وفي الأثناء بدأت في كتابة رواية «نازلة دار الأكابر»، وكنت أيضًا لا أنوي نشرها. وشاءت الصدف أن كتاب «الملف الأصفر» شاركت به كمخطوط في جائزة الشيخ راشد بن حمد للرواية، وقد فازت، وهذا ما شجعني لنشر «نازلة دار الأكابر». ولهذه الأسباب يظهر أن هناك عددًا كبيرًا من الإصدارات في فترة قصيرة ما بين 2020 و2025، ولكن الحقيقة كانت أن الكتابة بدأت قبل ذلك، ونُشرت متأخرة، لأني من الناس الذين يؤمنون أن الكتابة شيء وقرار النشر شيء آخر، باعتبار أنه يحمل مسؤولية اجتماعية وأخلاقية ونفسية جسيمة تُصبح محمولة عليك».

عن كتابة «الملف الأصفر» و»نازلة دار الأكابر» والصيت الذي وجدته هذه الأخيرة واعتبارها كتاب الحظ وتتويجها بجوائز عربية ودولية وتونسية، كان السؤال الثاني عن أسباب هذا النجاح، والذي قد يعود إلى فرضيتين:

*الأولى: هل يعود ذلك إلى عدم بوح حكايات تونس المدينة العتيقة بكل أسرارها، رغم كل الأفلام والمسلسلات التي أُنتجت، وإلى سيرة الطاهر الحداد التي بقيت غير مكتملة، وحاولت تكملتها وغلق الفراغات؟

*الفرضية الثانية: قد تعود إلى اللغة المستعملة وطريقة السرد والأسلوب التشويقي؟

أكدت غنيم أنّ «نازلة دار الأكابر» كانت الأولى في النشر، رغم أنّها كانت الثانية في الكتابة، وتشدد ممتنّة على أنّ كلّ ما أصدرت من روايات إلى حدّ الآن كان استقباله من القرّاء جيدًا.

و»الملف الأصفر» صدرت بعد ذلك، ولم يكن من الممكن أن تُشارك في جوائز عربية وتونسية، لأنها حائزة على جائزة وهي في صيغة الرواية المخطوطة. ورواية «تراب سخون» التي صدرت في أفريل 2024، توّجت بجائزة عبد الوهاب بن عياد للرواية.

وتسترسل قائلة: «أعتقد أنّ ما ربط اسمي بـ»نازلة دار الأكابر» هو الترجمات، لأنها تُرجمت إلى ثلاث لغات أجنبية وهي الإيطالية والفرنسية والإنقليزية. فالترجمة إلى لغات أجنبية ستُعطي حضورًا خارج سور الوطن، والصدى سيكون في الخارج، وسيكون له أثر بالداخل.

فالترجمة، عندما نجحت في إيطاليا وفرنسا، كانت هناك كتابات نقدية كثيرة عليها، وهذا كان له أثر على تقبّل النصّ العربي، سواء في تونس أو في العالم العربي. وربما يكون هذا هو الفرق في نجاح الروايات».

وهي توافق على أنّ خصوصية «نازلة دار الأكابر» في تعدد الأصوات فيها، فهي رواية تُروى بلسان 11 شخصية لنفس الواقعة، ولكن بوجهات نظر مختلفة، وهي رواية استقدمت إلى فضاء التخييل الاجتماعي شخصية المصلح الاجتماعي الكبير الطاهر الحداد، في إطار مشروع سردي واصلته في رواياتها اللاحقة.

ويتمثل هذا المشروع السردي في استلهام رموز من تاريخنا الوطني كان لديها أثر في تشكيل هوية المجتمع التونسي واستدراجها إلى عالم التخييل، وذلك لسبب بسيط برأيها: أولا، هي طريقة من طرائق ردّ الاعتبار لهذه الشخصيات. فمثلا، الطاهر الحداد بعد الثورة وقع التهجّم على رمزيته وعلى أفكاره التقدّمية، خاصة فيما يتعلق بمنزلة المرأة التي استلهم منها الحبيب بورقيبة مجلة الأحوال الشخصية.

وتقول: «نتذكر جميعنا كيف تمّ سنة 2013 قطع رأس مجسمه بمدينة الحامة، وكانت رسالة واضحة من السلفية، ودهن قبره بمقبرة الجلاز بالأسود، وهو نوع من أنواع التدنيس للذاكرة. ومن هذا المنطلق فكرت في إعادة الاعتبار لهذا الرمز، وكان حضوره في الرواية شديد الغياب، لأنها تنطلق ليلة وفاته.»

فكانت، كما قال الناقد رضا بورخيص، الطاهر الحداد حاضرا على كامل النصّ ولكن دون أن تُعطى إليه الكلمة. ليتواصل المشروع السردي بكتاب «التراب سخون» الذي يروي رحلة متخيلة قامت بها وسيلة بن عمار إلى زوجها الحبيب بورقيبة في منفاه الأخير بدار الوالي بالمنستير، إلى أن نصل للكتاب الأخير الذي أعلنت عن صدوره يوم 6 أفريل 2025 بعد 25 سنة من وفاة بورقيبة، وهو يحمل عنوان «العظماء يموتون في أفريل»، وفيه محاولة لردّ الاعتبار للزعيم من منظورها.

وتواصل اللقاء الحواري بطرح أسئلة أخرى، منها ما تعلّق بنوعية الرواية التي تكتبها أميرة غنيم ومقارنتها بما يكتبه جورج زيدان، فهل يمكن أن تكون رواية تاريخية؟

قالت غنيم إنّ المقارنة تكون بما يكتبه حسنين بن عمّو، الذي استقدم إلى فضاء الرواية شخصيات من التاريخ التونسي من عهد البايات، والفرق بيننا - وعادة لا أريد أن أُعطي حكما نقديا على المنتج الإبداعي رغم تخصصي الأكاديمي الذي يسمح بتصنيف الروايات - ولكن لا أعتبر نفسي أني أكتب الرواية التاريخية. فنوعية الكتابة التي أكتبها (وربما النقاد يجدون لها تصنيفا إذا لا تندرج تحت أيّ تصنيف) تستلهم التاريخ كخلفية، وربما تستقدم شخصية أو اثنتين من التاريخ وتضعهما في إطار تخييلي، محاطين بشخصيات خيالية، والوقائع المروية في أغلبها ستكون خيالية ليس لها أي صلة بالواقع.

ويتمّ الأمر، وفق قولها، باحترام كامل لما هو موثق تاريخيا. فهي لعبة مع الفراغات التي يتركها المؤرخون عن مرحلة زمنية معينة. وقدمت مثالا على ذلك ما يتعلق بحكاية الطاهر الحداد، فالتاريخ حفظ لنا أنه نصير المرأة، وأنه ألّف كتابا قامت عليه الدنيا ولم تقعد سنة 1930، وهو «امرأتنا في الشريعة والمجتمع»، ومن أجله وقع حصاره نفسيا ومطاردته في الشوارع وغيرها. وهذا موثق تاريخيا، وتأخذها الرواية على أنها أشياء مسلّمة لا يمكن التغافل عنها أو التراجع فيها، وإلا يصبح من باب التزوير. ولكن ما لم يتحدث عنه التاريخ هو علاقة الطاهر الحداد بالنساء، بأمه، بأخته، هل كان ينوي الزواج مثلا، قبل أن تقوم فضيحة «امرأتنا في الشريعة والمجتمع».

هناك صمت حول كل ذلك، وهنا يمكن لخيال الروائي أن يتصرف، ولكن لا يمكن أن يتصرف في المطلق. فيجب أن يكون هناك قادح، والقادح في «نازلة دار الأكابر» هو الوقوع على أبيات شعر كتبها الطاهر الحداد، التي كانت خارجة عن السياق، وهي قصائد اجتماعية.

فكانت هناك أبيات تتحدث عن اللوعة والفراق والاشتياق، ويتوجه بها في الخطاب إلى ضمير «أنتم»، وفيها نوع من أنواع التورية، وهنا قرأ خيال الروائية الأبيات على أنها موجهة لامرأة، وجاءت فكرة استنباط حبيبة للطاهر الحداد. وشددت أميرة غنيم على أن قصة الحب ذريعة للسرد، لأنّ القصد كان كتابة فسيفساء عن تاريخ تونس على امتداد قرن من الزمان، لأن الشخصيات التي تروي القصة ترويها في مراحل تاريخية مختلفة.

ومنها حملتنا الكاتبة إلى فترة إقامة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في دار الوالي بالمنستير، فتحدثت عن مصادر إلهامها، وعن تفاصيل وكأنها عاشتها، فعرضتها في روايتها «العظماء يموتون في أفريل».

فقالت: «الفكرة في هذه الرواية أن يكون السرد على لسان الحبيب بورقيبة نفسه، على خلاف رواية «نازلة دار الأكابر»، التي كان فيها السرد موزعا على شخصية مختلفة، فكان السارد وحيدا كما كان يريد بورقيبة، ولكن من فراش الموت في فترته الأخيرة.

وقد استلهمت الأحداث من كتاب ألّفه آخر والٍ عاصر الأيام الأخيرة لبورقيبة، وكتب نوعا من المذكرات، والنص كان مهما جدّا، وأعطاني فكرة عن الأجواء التي كان بورقيبة يعيش فيها، إلى جانب بعض الشهادات لأشخاص زاروه في منفاه من صحفيين فرنسيين كتبوا مقالات، وحتى عدد من أصدقائه تمكنوا من الحصول على تراخيص لزيارته.»

وتواصل حول نفس الموضوع: توفرت لدي بعض من المعطيات، ولكن لم يكن القصد تسليط الضوء بالكامل على هذه الفترة التي كانت منطلق السرد عند بورقيبة. وبورقيبة، وهو السارد في الرواية، كان في لحظات ضعف ومرض وشيخوخة ووحدة، وهو ليس بالضرورة يروي لنا الحقيقة كاملة.

وتشدد الكاتبة على أنّ العقد الذي يجمع القارئ بالنص الروائي هو عقد التخييل، أي ما تقوله له قابل للتصديق، ولكنه لا يقول لنا الحقيقة.

وتشير إلى أن الرواية تقدم نوعا من أنواع الشهادة يُلقيها بورقيبة على سامع ما، افترضت أنا أنها ممرضته «سعاد» التي كانت حاضرة في روايته «تراب سخون»، فيكلمها وربما كان يُكلّم نفسه، وهناك أشياء لا يقولها ولكنها تفهم ماذا يريد.. فيحكي عن حياته منذ طفولته، وحتى قبلها، لأن بورقيبة صنع أسطورته.. فكانت له القوة في أن يتحدث عن نفسه حتى قبل أن يولد. لكن يقف السرد في لحظة مفصلية، قالت الكاتبة إنها اختارتها عن وعي، وربطتها بلحظة موت بورقيبة، وكأنه توقف عن سرد حياته في تاريخ مهمّ جدا، وهو تاريخ 6 أفريل، الذي يوافق في السرد يوم 1 جوان 1955، فالنص يقف إذن في حياته إلى التاريخ المذكور، والذي يسميه هو «عيد النصر». تفاصيل كثيرة تحدثت عنها الروائية أميرة غنيم عند كتابتها لـ»العظماء يموتون في أفريل»، حملتنا بعدها إلى عوالم لغتها التي تختارها لسرد حكاياتها، والتي وصفتها مديرة الحوار حياة السايب بـ»السهلة الممتنعة»، ولكنها في نفس الوقت «جريئة غير معتادة من المرأة العربية في وصف كلّ ما هو حميمي وذاتي وكل ما هو علاقة بين المرأة والرجل»، فهناك «لغة مُتفجرة وجارفة» وفق قولها.

فقالت أميرة غنيم إنها لا تتصور بأنّ اللغة التي كتبت بها فيها درجة عالية من الجرأة، لأن سقف حريتها في الكتابة تحاول أن ترفعه، ولكنها دائما تأخذ بعين الاعتبار أن هذا الكتاب يمكن أن يقع في يدي من ليس لديه المسافة النقدية الكافية حتى يُميز بين الأدب وبين الواقع.

وفي ما يتعلق بالوصف الحميمي، كان لديها دائما سلاحها، وفق قولها، وسلاحها هو الصور، والأساس في تكوينها هو الأسلوب البلاغي، واللعب بالاستعارات وتصوير المشاهد في نوع من الخطاب غير المباشر، وفيه ترميز وإيحاء. وهذا يبرز في حادثة التحرش في «نازلة دار الأكابر»، لأنه ليس من السهل نقل فظاعة ما تعرضت له إحدى شخصيات الرواية، شخصية «محمد»، بلغة تحاول أن لا تكون في مستوى فظاعة المشهد. فكان هناك عمل كبير على اللغة حتى لا تكون فيها صدمة للقراء، لأنها ليست مع «جمالية القبيح» وتسمية الأشياء بمسمياتها كما يفعل عدد من الكتّاب.

في مجال آخر من اللقاء، دار الحديث عن الانتقادات التي تُوجّه للجوائز، ووجهات النظر المختلفة حول المسابقات الأدبية على المستوى الوطني والعربي والدولي، وعن الإضافات التي من شأنها أن تُضفى على مسيرة ضيفة جريدة «الصباح» في الرواية والإبداع.

وفيما يتعلق بالانتقادات، اعتبرت أميرة غنيم أن المسألة التي لا تُنسى هي أن الجوائز لها لجان تحكيم، وهم مجموعة من القراء، ومهما بلغ علوّ كعبهم في القراءة وفي النقد والكتابة، فهم مجموعة من القراء قد تختلف فيما بينها في التصويت، باعتبار أن هناك جانبًا ذوقيًا في التقييم.

ويجب على كل من يترشح إلى جائزة أن يتقبل بأنه سيضع نفسه في مهبّ الأهواء، هذا إذا أحسن الظنّ، وإذا لم يُحسن الظن فإنه يجب أن يقبل بأنه سيضع نفسه في حساب العلاقات الشخصية. فالجائزة عندما تُقدّم تبقى مرتبطة بزمان إعطائها...

والجوائز أكيد أنها غضّت الطرف عن أعمال كثيرة جدّا مميزة، وأنها توّجت أعمالًا كثيرة مميزة، ولكن يبقى دائمًا التتويج رهين لحظة معينة مرتبطة بلجنة معينة... وتؤكد أن بعض الأسماء تُوّجت بالبوكر العربية، ولو تمّ تغيير اللجنة في سنة ما، فإنها من المستحيل أن تتوّج. وبالتالي، هذه قواعد اللعبة: إما أن تقبلها أو لا... فـ»تراب سخون» تُوّجت في تونس بجائزة عبد الوهاب بن عياد، ولكنها لم تصل إلى القائمة، ولا القصيرة، في جائزة «البوكر» رغم مراهنة الناشر عليها.

أما عن الجوائز في الخارج، فإن الاعتبارات الشخصية تُلغى لأن الناس لا يعرفونك، والاعتبارات الذوقية تقلّ أيضًا لأن التعامل يكون مع النص المترجم، وليس النص العربي. وهو ما يوضح أن الرواية لا تُسند لشخص، وإنما تُسند للرواية التونسية، ولذلك هي سعدت بتتويج «نازلة دار الأكابر» في فرنسا بجائزة الأدب العربي في ديسمبر 2024، ثم بجائزة فراغونار للأدب الأجنبي في أفريل 2025... وهذا ليس بتتويج شخصي، وإنما للأدب التونسي، وفق تأكيدها.

وعن فرضية تحويل رواياتها إلى عمل سينمائي أو دراما، اعتبرت أميرة غنيم أن المسألة مرتبطة بالإنتاج، والشيء الذي نفتقر إليه في تونس هو دار إنتاج قوية بإمكانها أن تأخذ بعين الاعتبار صعوبة التجسيم السينمائي لكتاب مثل «نازلة دار الأكابر»، لأنه ليس من السهل إعادة تجسيد ديكور سنوات الثلاثينات والأربعينات والخمسينات... وتحتاج إلى إعادة كتابتها في شكل سيناريو، والتي هي كتابة أخرى.

وأكدت المتحدثة أن الكثير من القراء رأوا أن رواية «نازلة دار الأكابر» فيها الكثير من المشهدية البصرية، وهي ترى أنها تتماشى مع الدراما أكثر من السينما، ويمكن أن تكون دراما ممتدة على مواسم.

وقالت إنه إلى حد الآن لا توجد أي عروض في هذا الاتجاه، وبالنسبة لها فإنّ رواية «العظماء يموتون في أفريل» يمكن أن تتحول إلى السينما، وتعتبر أنه من غير المعقول أن لا تكون لدينا أفلام حول «بورقيبة» إلى حد الآن، رغم أنه لدينا ريادة سينمائية في فترة ما. لا يوجد فيلم يروي سيرته، على غرار ما تمّ إنتاجه في مصر عن أنور السادات وغيره.

وتستدرك أميرة غنيم قائلة في هذا اللقاء إن كاتب الرواية ليس منتهى حلمه أن يرى نصه على الشاشة، لسبب بسيط، وهي أنها يمكن أن تقتل وتُكلّس الحدث والشخصية والمشهد. فالقارئ عندما يقرأ الكتاب يتخيّل الشخصيات كما يريد... وهي تشدّد على أنها لا تقول إن السينما ستضرّ بالكتاب في رواجه، ولكن القراءة قد تصبح فقط ما تعكسه الشاشة، وليس ما هو موجود في الكتاب.

إيمان عبد اللطيف