إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

العادل خضر رئيس اتحاد الكتاب التونسيين لـ"الصباح": مشاكل وهموم الكتاب يمكن طرحها في ندوة وطنية بمشاركة كل الفاعلين تنتهي باقتراح حلول قابلة للتنفيذ

*اتحاد الكتاب محكوم بقانون الجمعيات وهو ما يتيح لنا أشياء ويحول دون أخرى

*قمنا بإصلاحات.. أبرزها تغيير أخلاقيات العمل بالاتحاد

*دور النشر المهمة تغيب عن معرض تونس الدولي للكتاب.. وغياب الكتاب باللغات الأجنبية وخاصة "الأنقليزية" يصيبه بالفقر اللغوي

*بنية قصر المعارض بالكرم لا تسمح بتنظيم معرض بمستوى عالمي

*الكتاب الورقي سيبقى لأن "الجديد لا يقتل القديم".. لكن لا بد من التأقلم مع التكنولوجيات الحديثة والاستفادة منها.

*الكتاب الرقمي حقيقة اليوم وخلق جماهير جديدة

تونس - الصباح

أكد الأستاذ الجامعي ورئيس اتحاد الكتاب التونسيين محمد العادل خضر أن الكتاب التونسي شهد تطوراً هاماً، وأن لدينا اليوم أقلاماً جديدة جيدة جداً، وأن الكتاب التونسي يحظى بسمعة ممتازة في الخارج، لكن تستمر العوائق والإشكاليات في غياب الحلول، مما يعيق انتشار الكتاب التونسي بالشكل المطلوب، ويحد أيضاً من حركة النشر والإبداع بالساحة الوطنية.

كان ذلك في حوار أجريناه معه بمناسبة إعداد ملحقنا الأدبي بمناسبة انطلاق الدورة الجديدة لمعرض تونس الدولي للكتاب. وقد سألناه أيضاً عن دور اتحاد الكتاب التونسيين، الهيكل التمثيلي للكتاب في تونس، والذي يستعد لتنظيم مؤتمره الجديد المنتظر في جوان القادم.

وقد شدد محدثنا على ضرورة الاعتراف بالمتغيرات الجديدة، وبأثرها على الكتاب الورقي، الذي أصبح، بشهادته وبشهادة أهل المهنة، أمام منافسة الكتاب الرقمي. وقد خلق هذا الأخير جماهير جديدة تقرأ وتطالع بطريقتها، أي باستعمال الحوامل الإلكترونية الحديثة.

وأوضح العادل خضر، أو بالأحرى نبّه، إلى أنه لا مفر من التسليم بضرورة القبول بالأمر الواقع الجديد، وهو أن الكتاب الورقي لم يعد الخيار الوحيد للقراء، وأن الأجيال الجديدة، ومن بينهم الطلبة – طلبته – أصبحوا يستعملون هواتفهم في حصة الدرس، وفق تأكيده. وهم منفتحون جداً على الأنترنيت ويقبلون على الكتاب الرقمي، وهذه معطيات لا بد من أخذها بعين الاعتبار، ولا بد من تشريعات جديدة تواكب هذه التطورات.

فالنشر الإلكتروني لا يخضع لتشريعات واضحة، كما أن الهياكل التمثيلية، على غرار اتحاد الكتاب واتحاد الناشرين، تجد نفسها اليوم أمام أسئلة جديدة وليدة هذه المتغيرات، وهي: إلى أي مدى يمكن الاعتراف بكتّاب لم ينشروا كتاباً واحداً ورقياً، لكنهم ينشرون إلكترونياً ولديهم قرّاء ومتابعين؟

هذه المسألة، برأي محدثنا، لا بد من الحسم فيها لتجاوز العديد من الإشكاليات.

وعن سؤال حول ما لاحظناه من حماسة لديه للتأقلم مع المتطورات الجديدة التي فرضها التطور التكنولوجي لوسائل الاتصال الحديثة، أوضح محمد العادل خضر أنه يبقى من جيل المخضرمين الذين نشأوا على الكتاب الورقي، وأنه، مثله مثل العديد من أبناء جيله، يفضّلون الكتاب الورقي ولا يجدون متعة في القراءة إلا بتصفح ورقاته وشمّ رائحة حبره، إلا أن ذلك لا يحول دون الاعتراف بأن التطورات التكنولوجية، وإذ وضعت الكتاب الورقي في منافسة مع الكتاب الرقمي – وهي أحياناً لا تكون لصالح الكتاب الورقي – فإنها خلقت واقعاً جديداً، وهو أن عالم الكتابة والنشر قد تغيّر، حتى إنه فُتحت آفاق جديدة أمام الكتاب، وجعلت إمكانية التواصل مع القراء في أي مكان من العالم أيسر بكثير، وخاصة أسرع.

وإذ يُلح محدثنا أن الكتاب الورقي سيستمر، فإنه يؤكد أن مثلما أحدث ظهور الطباعة ثورة في مجال النشر ومكّنت من نسخ الكثير من الكتب بشكل أسرع، ومكنت بالخصوص من اختزال الوقت، فإن عصر الرقميات، وما تتيحه من إمكانيات للكاتب والناشر والقارئ، هو بدوره أحدث متغيرات جديدة لا تقل أهمية وجب أخذها بعين الاعتبار.

وهو يعتبر أن العالم الرقمي لا يمثل دائماً تحدياً للكتاب الورقي، لأن الكتاب الورقي استفاد بدوره مما تتيحه التكنولوجيات الحديثة، واليوم أصبحت الطباعة أسرع، وأصبح الكتاب يُطبع في فترة قصيرة بعد أن كان يظل في الانتظار لمدة طويلة.

وحول طريقة تفاعل اتحاد الكتاب التونسيين مع التطورات التكنولوجية الحديثة، أوضح رئيس اتحاد الكتاب التونسيين أن الاتحاد سيمكن من التعريف بمؤلفات التونسيين من خلال منصة إلكترونية تُوضع على ذمة الكتاب التونسيين، وتحمل أيضاً أرشيف كل الفروع التابعة للاتحاد.

فالكاتب التونسي، برأي محدثنا، يبقى في عزلة، رغم ما يتمتع به الكتاب التونسي من سمعة جيدة في الخارج. وهو يقول في هذا الباب:" أدبنا غير معروف، رغم قيمته، ورغم أهمية الجوائز التي حصدها عدد من الكتاب والشعراء الممتازين، ورغم الأصوات الأدبية الجديدة القادرة على غزو السوق الخارجية.

وإن وُجدت نماذج نجحت في اختراق الحدود، فإن ذلك يبقى مجرد محاولات فردية. وبالتالي، لا بد من الدخول في نطاق العالمية، من خلال ما تتيحه وسائل النشر الإلكتروني من إمكانيات، وما تتيحه من فرص للتواصل والتفاعل مع القارئ في أي مكان بالعالم، لأننا في النهاية، وتحديداً في هذا العصر، نحن "كائنات متصلة وليست منفصلة""، والكلام لمحدثنا.

أضف إلى كل ما سبق، وعلى حد قول الأستاذ عادل خضر، "نحن لا نملك سوقاً داخلية واسعة للكتاب ، على غرار ما هو موجود في مصر مثلاً، ولا توجد دور نشر قوية مثلما هو موجود في لبنان. وبالتالي، فإن انتشار الكاتب والكتاب يبقى محدوداً في الداخل والخارج، والحل في الحوامل والمنصات الإلكترونية، التي يمكن من خلالها مراقبة حركة الكتاب في العالم."

وعن سؤال إن كان الكتاب الورقي يمكنه أن يستمر فعلاً وليس افتراضياً، وأن يعيش طويلاً رغم قوة المنافسة، شدد الأستاذ محمد العادل خضر على أن "الجديد لا يقتل القديم"، والكتاب الورقي سيعيش في المستقبل. لكن، في المقابل، لا بد من الاعتراف بأن هذه الاستمرارية محفوفة بالمخاطر، وأنها مشروطة بتوفر الإرادة والإمكانيات.

وهو يستشهد بحال الكتاب في تونس اليوم، إذ يقول: "كنا نطبع 5000 نسخة من كل كتاب، ثم نزل العدد إلى 1000 نسخة، بسبب ارتفاع تكاليف الطبع، ثم نزل العدد إلى 500 نسخة فقط".

أما عن دور الدولة في دعم القطاع وإنقاذه إن لزم الأمر، والدولة – للتذكير – تمنح دعماً عن الورق، فإن محدثنا يؤكد أن الحل ليس بيد طرف لوحده، وإنما نحن في حاجة إلى عقد ندوة وطنية بمشاركة ممثلين عن الدولة، وعن الهياكل المهنية من اتحاد الناشرين، واتحاد الكتاب، وممثلين عن مجال الطباعة وغيرهم، لتشخيص الوضع والخروج بحلول قابلة للتنفيذ. والحلول تبقى ممكنة، وفق العادل خضر.

وحول مشكل غلاء الورق، الذي يُعتبر من أبرز الإشكاليات التي تواجه قطاع النشر، قال إنه يمكن للدولة أن تتوجه إلى نوعية أقل سعراً، ويمكنها أيضاً أن تستفيد من تجارب مقارنة، على غرار التجربة المصرية، حيث يعتمد الناشرون على "ورق مرسكل"، مما يتيح ترويج الكتاب بسعر أقل.

ويوضح محدثنا أنه لا بد من الاعتراف بالواقع اليوم، وهو أن الطاقة الشرائية للمواطن لا تسمح له باقتناء الكتب، التي أصبح سعرها، مع تكاليف الطباعة المرتفعة، أغلى مما كانت عليه من قبل. موضحاً أن الطبقة الوسطى، التي تُعتبر الفئة الأكثر استهلاكاً للكتاب، تراجعت، وأصبحت لا تُقبل على اقتناء الكتاب بنفس الطريقة التي كانت عليها من قبل، وأن أولويات المواطن التونسي اليوم عموماً لا تجعله يضع الكتاب أعلى سلم اهتمامه.

السؤال أيضاً، بالنسبة لمحدثنا، هو: ما هي أولويات الدولة اليوم؟ وهل تضع الكتاب أعلى قائمة الاهتمام؟

أي مكانة للكتاب اليوم في تونس، وللثقافة عموماً، التي تظل جهاز المناعة الرمزي، الذي يحفظ توازن الإنسان، ويمنحه مناعة فكرية تجعله يميز بين الخير والشر؟

وإلى أي مدى هناك وعي اليوم بأن بلادنا لن تتطور بالشكل الذي نتوق إليه، إلا بالاستثمار في الثقافة وفي الرأسمال البشري؟

وعن دور الاتحاد عموماً، وعن دوره في معرض تونس الدولي للكتاب الذي يفتتح اليوم في دورة جديدة، مع العلم، وكما سبق وذكرنا، فإن هذا الهيكل التمثيلي يستعد أيضاً لتنظيم مؤتمره القادم، أفاد محمد العادل خضر "أن الاتحاد، بكل صراحة، يواجه معركة بقاء.الاتحاد أولاً، كهيكل ثقافي، يخضع لقانون الجمعيات، التي تتيح له بعض الأمور وتحول دون أخرى"، وفق وصفه، "وهو ليس منظمة وطنية تستفيد من تمويل الدولة، وما يحصل عليه من منح قليل جداً."

أضف إلى ذلك، أنه سُحبت من الاتحاد مؤخراً رخصة "دار الكاتب" – سحبتها الولاية – التي قال رئيسه إنها كانت توفر بعض المداخيل التي تساعد على نفقات التسيير.

مقابل ذلك، وفي رد عن سؤال حول المؤاخذات والانتقادات التي تتعرض لها هيئة الاتحاد هذه الأيام، قال محمد العادل خضر "إن الهيئة قامت بعملها في حدود الإمكانيات".و أضاف "  إن الهيئة غيّرت من أخلاقيات العمل، لأن الاتحاد، ليس "تكية"، وإنها جمعية تنتج المعرفة والثقافة ونوعاً من الأدب الذي يشرف البلاد ويرتقي بالذوق العام".

مستدركاً قوله "إن الاتحاد، وإن لم يكن منظمة وطنية، وهو مجرد هيكل ثقافي يحكمه قانون الجمعيات، فإنه يظل قوياً بالكتّاب الذين ينتمون إليه، والذين يعملون في ظروف صعبة وغالباً تطوعياً".

ويذكّر رئيس اتحاد الكتاب التونسيين بأن العمل بالجهات أصعب، لأنه لا تتوفر لفروع الاتحاد مقرات، ويضطر الأعضاء للعمل بالمقاهي وفي فضاءات أخرى، معبّراً عن أمله في أن تتحسن الظروف في المستقبل، وأن يكون الجيل الجديد أكثر حظاً.

في الأثناء، يعتبر محدثنا أنه كان بإمكان اتحاد الكتاب التونسيين أن يقوم بدور أهم بكثير لو توفرت الإمكانيات والأرضية الملائمة.كان يمكنه مثلاً أن يقيّم الكتب المنشورة، بما في ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحظى بالمتابعات الكثيرة، وتجدها أحياناً مليئة بالأخطاء.

كما يعتبر أن الساحة الأدبية في تونس في حاجة ماسة إلى "نشرية" تتابع نبض حركة النشر والإبداع، على غرار ما هو موجود بالخارج.

وحول فحوى اللقاء الذي جمعهم مؤخراً بوزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي، التي التقت هيئة الاتحاد بعد يوم فقط من اجتماعها بهيئة معرض تونس الدولي للكتاب، أفادنا محمد العادل خضر أن اللقاء كان مطلوباً من قبل، وأنه تعرّض لظروف عمل الاتحاد، وأيضاً للاستعدادات للمؤتمر القادم، وللعديد من القضايا الأخرى، من بينها ما يتعلق بمسألة التراخيص للعمل الثقافي، ومسألة العقود وغيرها.

وإن كان رئيس اتحاد الكتاب التونسيين لا يحبّذ الحديث كثيراً حول الدورة الجديدة لمعرض تونس الدولي للكتاب، وخاصة حول المشاركة في البرنامج الثقافي (شهد تقليصاً في حجم المشاركة)، فإنه جدّد التأكيد على ما قاله سابقاً، وهو أن البنية التحتية لقصر المعارض بالكرم لا تسمح بتنظيم معرض من مستوى عالمي، لكن "ظلت دار لقمان على حالها"، والكلام له.

قصر المعارض بالكرم، الذي لا تتوفر فيه "الأنترنيت" للعارضين والمشاركين، كما أن الإنارة، بشكلها الحالي ، تمثّل مشكلاً، وبنيته عموماً لا تسمح بتصورات جديدة في توزيع الأجنحة، خاصة بعد تطور المشهد وانتشار الكتاب الرقمي.

أضف إلى ذلك غياب الكتب المترجمة الحديثة والجيدة، وغياب دور النشر الهامة، مع استمرار غياب الكتاب باللغات الأجنبية، واللغة "الأنقليزية" بالخصوص.

وكل ذلك جعل من معرض تونس الدولي للكتاب يتراجع دورة بعد أخرى، ويتسم، وفق محدثنا، بالفقر اللغوي.

وهو يضيف قائلاً: "حتى دور النشر الفرنسية ترسل كتباً تافهة".

وفي باب الأسعار، أكد محمد العادل خضر أنها تبقى مرتفعة، وأنه لا يتم دائماً الالتزام بنسب التخفيض الموجبة، خاصة بالنسبة للكتاب التونسي المدعوم، الذي من المفروض ألا تقل نسبة التخفيض فيه عن 50 بالمائة.

والأهم من كل ذلك، بالنسبة لرئيس اتحاد الكتاب التونسيين، هو: ما هو موقع الكتاب ضمن سياسة الدولة عموماً؟ ما هي الميزانية التي توضع له مقارنة مع ميزانيات الفنون وغيرها؟

وهو يعلّق قائلاً: "بمعرفة الإجابة عن هذه الأسئلة، يمكن أن نقيّم مكانة الكتاب في البلاد، وفي المجتمع، ولدى الدولة."

ولا ينفي محمد العادل خضر وجود بعض المبادرات الإيجابية، مثل البطولة الوطنية للمطالعة التي تنظمها إدارة الآداب بوزارة الشؤون الثقافية، لكن ما زال أمامنا الكثير للقيام به.

وبالعودة إلى مسألة ترويج الكتاب التونسي بالخارج، التي تحدثنا حولها بالأعلى، يقول ضيفنا إنه يعتقد أننا علينا أن نركّز على الداخل قبل أن نبحث عن الانتشار في الخارج.

علينا خلق حركية ثقافية حقيقية، وعلينا أن ننشر الكتاب في كل مكان: في المقاهي، وفي محطات الحافلات، وفي محطات القطارات، وفي الحدائق العمومية، وفي أغلب الفضاءات العمومية.

علينا أن نغرس، أولاً، ثقافة المطالعة، وأن نفتك الاعتراف بقيمتها، وبقيمة الأدب، وقيمة الكتاب عموماً، لبناء إنسان متوازن، له ما يكفي من الإمكانيات الفكرية والذهنية ليحصّن نفسه من كل المؤثرات السلبية. ثم نمر إلى المحطة الموالية.

حياة السايب

العادل خضر رئيس اتحاد الكتاب التونسيين لـ"الصباح":  مشاكل وهموم الكتاب يمكن طرحها في ندوة وطنية بمشاركة كل الفاعلين تنتهي باقتراح حلول قابلة للتنفيذ

*اتحاد الكتاب محكوم بقانون الجمعيات وهو ما يتيح لنا أشياء ويحول دون أخرى

*قمنا بإصلاحات.. أبرزها تغيير أخلاقيات العمل بالاتحاد

*دور النشر المهمة تغيب عن معرض تونس الدولي للكتاب.. وغياب الكتاب باللغات الأجنبية وخاصة "الأنقليزية" يصيبه بالفقر اللغوي

*بنية قصر المعارض بالكرم لا تسمح بتنظيم معرض بمستوى عالمي

*الكتاب الورقي سيبقى لأن "الجديد لا يقتل القديم".. لكن لا بد من التأقلم مع التكنولوجيات الحديثة والاستفادة منها.

*الكتاب الرقمي حقيقة اليوم وخلق جماهير جديدة

تونس - الصباح

أكد الأستاذ الجامعي ورئيس اتحاد الكتاب التونسيين محمد العادل خضر أن الكتاب التونسي شهد تطوراً هاماً، وأن لدينا اليوم أقلاماً جديدة جيدة جداً، وأن الكتاب التونسي يحظى بسمعة ممتازة في الخارج، لكن تستمر العوائق والإشكاليات في غياب الحلول، مما يعيق انتشار الكتاب التونسي بالشكل المطلوب، ويحد أيضاً من حركة النشر والإبداع بالساحة الوطنية.

كان ذلك في حوار أجريناه معه بمناسبة إعداد ملحقنا الأدبي بمناسبة انطلاق الدورة الجديدة لمعرض تونس الدولي للكتاب. وقد سألناه أيضاً عن دور اتحاد الكتاب التونسيين، الهيكل التمثيلي للكتاب في تونس، والذي يستعد لتنظيم مؤتمره الجديد المنتظر في جوان القادم.

وقد شدد محدثنا على ضرورة الاعتراف بالمتغيرات الجديدة، وبأثرها على الكتاب الورقي، الذي أصبح، بشهادته وبشهادة أهل المهنة، أمام منافسة الكتاب الرقمي. وقد خلق هذا الأخير جماهير جديدة تقرأ وتطالع بطريقتها، أي باستعمال الحوامل الإلكترونية الحديثة.

وأوضح العادل خضر، أو بالأحرى نبّه، إلى أنه لا مفر من التسليم بضرورة القبول بالأمر الواقع الجديد، وهو أن الكتاب الورقي لم يعد الخيار الوحيد للقراء، وأن الأجيال الجديدة، ومن بينهم الطلبة – طلبته – أصبحوا يستعملون هواتفهم في حصة الدرس، وفق تأكيده. وهم منفتحون جداً على الأنترنيت ويقبلون على الكتاب الرقمي، وهذه معطيات لا بد من أخذها بعين الاعتبار، ولا بد من تشريعات جديدة تواكب هذه التطورات.

فالنشر الإلكتروني لا يخضع لتشريعات واضحة، كما أن الهياكل التمثيلية، على غرار اتحاد الكتاب واتحاد الناشرين، تجد نفسها اليوم أمام أسئلة جديدة وليدة هذه المتغيرات، وهي: إلى أي مدى يمكن الاعتراف بكتّاب لم ينشروا كتاباً واحداً ورقياً، لكنهم ينشرون إلكترونياً ولديهم قرّاء ومتابعين؟

هذه المسألة، برأي محدثنا، لا بد من الحسم فيها لتجاوز العديد من الإشكاليات.

وعن سؤال حول ما لاحظناه من حماسة لديه للتأقلم مع المتطورات الجديدة التي فرضها التطور التكنولوجي لوسائل الاتصال الحديثة، أوضح محمد العادل خضر أنه يبقى من جيل المخضرمين الذين نشأوا على الكتاب الورقي، وأنه، مثله مثل العديد من أبناء جيله، يفضّلون الكتاب الورقي ولا يجدون متعة في القراءة إلا بتصفح ورقاته وشمّ رائحة حبره، إلا أن ذلك لا يحول دون الاعتراف بأن التطورات التكنولوجية، وإذ وضعت الكتاب الورقي في منافسة مع الكتاب الرقمي – وهي أحياناً لا تكون لصالح الكتاب الورقي – فإنها خلقت واقعاً جديداً، وهو أن عالم الكتابة والنشر قد تغيّر، حتى إنه فُتحت آفاق جديدة أمام الكتاب، وجعلت إمكانية التواصل مع القراء في أي مكان من العالم أيسر بكثير، وخاصة أسرع.

وإذ يُلح محدثنا أن الكتاب الورقي سيستمر، فإنه يؤكد أن مثلما أحدث ظهور الطباعة ثورة في مجال النشر ومكّنت من نسخ الكثير من الكتب بشكل أسرع، ومكنت بالخصوص من اختزال الوقت، فإن عصر الرقميات، وما تتيحه من إمكانيات للكاتب والناشر والقارئ، هو بدوره أحدث متغيرات جديدة لا تقل أهمية وجب أخذها بعين الاعتبار.

وهو يعتبر أن العالم الرقمي لا يمثل دائماً تحدياً للكتاب الورقي، لأن الكتاب الورقي استفاد بدوره مما تتيحه التكنولوجيات الحديثة، واليوم أصبحت الطباعة أسرع، وأصبح الكتاب يُطبع في فترة قصيرة بعد أن كان يظل في الانتظار لمدة طويلة.

وحول طريقة تفاعل اتحاد الكتاب التونسيين مع التطورات التكنولوجية الحديثة، أوضح رئيس اتحاد الكتاب التونسيين أن الاتحاد سيمكن من التعريف بمؤلفات التونسيين من خلال منصة إلكترونية تُوضع على ذمة الكتاب التونسيين، وتحمل أيضاً أرشيف كل الفروع التابعة للاتحاد.

فالكاتب التونسي، برأي محدثنا، يبقى في عزلة، رغم ما يتمتع به الكتاب التونسي من سمعة جيدة في الخارج. وهو يقول في هذا الباب:" أدبنا غير معروف، رغم قيمته، ورغم أهمية الجوائز التي حصدها عدد من الكتاب والشعراء الممتازين، ورغم الأصوات الأدبية الجديدة القادرة على غزو السوق الخارجية.

وإن وُجدت نماذج نجحت في اختراق الحدود، فإن ذلك يبقى مجرد محاولات فردية. وبالتالي، لا بد من الدخول في نطاق العالمية، من خلال ما تتيحه وسائل النشر الإلكتروني من إمكانيات، وما تتيحه من فرص للتواصل والتفاعل مع القارئ في أي مكان بالعالم، لأننا في النهاية، وتحديداً في هذا العصر، نحن "كائنات متصلة وليست منفصلة""، والكلام لمحدثنا.

أضف إلى كل ما سبق، وعلى حد قول الأستاذ عادل خضر، "نحن لا نملك سوقاً داخلية واسعة للكتاب ، على غرار ما هو موجود في مصر مثلاً، ولا توجد دور نشر قوية مثلما هو موجود في لبنان. وبالتالي، فإن انتشار الكاتب والكتاب يبقى محدوداً في الداخل والخارج، والحل في الحوامل والمنصات الإلكترونية، التي يمكن من خلالها مراقبة حركة الكتاب في العالم."

وعن سؤال إن كان الكتاب الورقي يمكنه أن يستمر فعلاً وليس افتراضياً، وأن يعيش طويلاً رغم قوة المنافسة، شدد الأستاذ محمد العادل خضر على أن "الجديد لا يقتل القديم"، والكتاب الورقي سيعيش في المستقبل. لكن، في المقابل، لا بد من الاعتراف بأن هذه الاستمرارية محفوفة بالمخاطر، وأنها مشروطة بتوفر الإرادة والإمكانيات.

وهو يستشهد بحال الكتاب في تونس اليوم، إذ يقول: "كنا نطبع 5000 نسخة من كل كتاب، ثم نزل العدد إلى 1000 نسخة، بسبب ارتفاع تكاليف الطبع، ثم نزل العدد إلى 500 نسخة فقط".

أما عن دور الدولة في دعم القطاع وإنقاذه إن لزم الأمر، والدولة – للتذكير – تمنح دعماً عن الورق، فإن محدثنا يؤكد أن الحل ليس بيد طرف لوحده، وإنما نحن في حاجة إلى عقد ندوة وطنية بمشاركة ممثلين عن الدولة، وعن الهياكل المهنية من اتحاد الناشرين، واتحاد الكتاب، وممثلين عن مجال الطباعة وغيرهم، لتشخيص الوضع والخروج بحلول قابلة للتنفيذ. والحلول تبقى ممكنة، وفق العادل خضر.

وحول مشكل غلاء الورق، الذي يُعتبر من أبرز الإشكاليات التي تواجه قطاع النشر، قال إنه يمكن للدولة أن تتوجه إلى نوعية أقل سعراً، ويمكنها أيضاً أن تستفيد من تجارب مقارنة، على غرار التجربة المصرية، حيث يعتمد الناشرون على "ورق مرسكل"، مما يتيح ترويج الكتاب بسعر أقل.

ويوضح محدثنا أنه لا بد من الاعتراف بالواقع اليوم، وهو أن الطاقة الشرائية للمواطن لا تسمح له باقتناء الكتب، التي أصبح سعرها، مع تكاليف الطباعة المرتفعة، أغلى مما كانت عليه من قبل. موضحاً أن الطبقة الوسطى، التي تُعتبر الفئة الأكثر استهلاكاً للكتاب، تراجعت، وأصبحت لا تُقبل على اقتناء الكتاب بنفس الطريقة التي كانت عليها من قبل، وأن أولويات المواطن التونسي اليوم عموماً لا تجعله يضع الكتاب أعلى سلم اهتمامه.

السؤال أيضاً، بالنسبة لمحدثنا، هو: ما هي أولويات الدولة اليوم؟ وهل تضع الكتاب أعلى قائمة الاهتمام؟

أي مكانة للكتاب اليوم في تونس، وللثقافة عموماً، التي تظل جهاز المناعة الرمزي، الذي يحفظ توازن الإنسان، ويمنحه مناعة فكرية تجعله يميز بين الخير والشر؟

وإلى أي مدى هناك وعي اليوم بأن بلادنا لن تتطور بالشكل الذي نتوق إليه، إلا بالاستثمار في الثقافة وفي الرأسمال البشري؟

وعن دور الاتحاد عموماً، وعن دوره في معرض تونس الدولي للكتاب الذي يفتتح اليوم في دورة جديدة، مع العلم، وكما سبق وذكرنا، فإن هذا الهيكل التمثيلي يستعد أيضاً لتنظيم مؤتمره القادم، أفاد محمد العادل خضر "أن الاتحاد، بكل صراحة، يواجه معركة بقاء.الاتحاد أولاً، كهيكل ثقافي، يخضع لقانون الجمعيات، التي تتيح له بعض الأمور وتحول دون أخرى"، وفق وصفه، "وهو ليس منظمة وطنية تستفيد من تمويل الدولة، وما يحصل عليه من منح قليل جداً."

أضف إلى ذلك، أنه سُحبت من الاتحاد مؤخراً رخصة "دار الكاتب" – سحبتها الولاية – التي قال رئيسه إنها كانت توفر بعض المداخيل التي تساعد على نفقات التسيير.

مقابل ذلك، وفي رد عن سؤال حول المؤاخذات والانتقادات التي تتعرض لها هيئة الاتحاد هذه الأيام، قال محمد العادل خضر "إن الهيئة قامت بعملها في حدود الإمكانيات".و أضاف "  إن الهيئة غيّرت من أخلاقيات العمل، لأن الاتحاد، ليس "تكية"، وإنها جمعية تنتج المعرفة والثقافة ونوعاً من الأدب الذي يشرف البلاد ويرتقي بالذوق العام".

مستدركاً قوله "إن الاتحاد، وإن لم يكن منظمة وطنية، وهو مجرد هيكل ثقافي يحكمه قانون الجمعيات، فإنه يظل قوياً بالكتّاب الذين ينتمون إليه، والذين يعملون في ظروف صعبة وغالباً تطوعياً".

ويذكّر رئيس اتحاد الكتاب التونسيين بأن العمل بالجهات أصعب، لأنه لا تتوفر لفروع الاتحاد مقرات، ويضطر الأعضاء للعمل بالمقاهي وفي فضاءات أخرى، معبّراً عن أمله في أن تتحسن الظروف في المستقبل، وأن يكون الجيل الجديد أكثر حظاً.

في الأثناء، يعتبر محدثنا أنه كان بإمكان اتحاد الكتاب التونسيين أن يقوم بدور أهم بكثير لو توفرت الإمكانيات والأرضية الملائمة.كان يمكنه مثلاً أن يقيّم الكتب المنشورة، بما في ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحظى بالمتابعات الكثيرة، وتجدها أحياناً مليئة بالأخطاء.

كما يعتبر أن الساحة الأدبية في تونس في حاجة ماسة إلى "نشرية" تتابع نبض حركة النشر والإبداع، على غرار ما هو موجود بالخارج.

وحول فحوى اللقاء الذي جمعهم مؤخراً بوزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي، التي التقت هيئة الاتحاد بعد يوم فقط من اجتماعها بهيئة معرض تونس الدولي للكتاب، أفادنا محمد العادل خضر أن اللقاء كان مطلوباً من قبل، وأنه تعرّض لظروف عمل الاتحاد، وأيضاً للاستعدادات للمؤتمر القادم، وللعديد من القضايا الأخرى، من بينها ما يتعلق بمسألة التراخيص للعمل الثقافي، ومسألة العقود وغيرها.

وإن كان رئيس اتحاد الكتاب التونسيين لا يحبّذ الحديث كثيراً حول الدورة الجديدة لمعرض تونس الدولي للكتاب، وخاصة حول المشاركة في البرنامج الثقافي (شهد تقليصاً في حجم المشاركة)، فإنه جدّد التأكيد على ما قاله سابقاً، وهو أن البنية التحتية لقصر المعارض بالكرم لا تسمح بتنظيم معرض من مستوى عالمي، لكن "ظلت دار لقمان على حالها"، والكلام له.

قصر المعارض بالكرم، الذي لا تتوفر فيه "الأنترنيت" للعارضين والمشاركين، كما أن الإنارة، بشكلها الحالي ، تمثّل مشكلاً، وبنيته عموماً لا تسمح بتصورات جديدة في توزيع الأجنحة، خاصة بعد تطور المشهد وانتشار الكتاب الرقمي.

أضف إلى ذلك غياب الكتب المترجمة الحديثة والجيدة، وغياب دور النشر الهامة، مع استمرار غياب الكتاب باللغات الأجنبية، واللغة "الأنقليزية" بالخصوص.

وكل ذلك جعل من معرض تونس الدولي للكتاب يتراجع دورة بعد أخرى، ويتسم، وفق محدثنا، بالفقر اللغوي.

وهو يضيف قائلاً: "حتى دور النشر الفرنسية ترسل كتباً تافهة".

وفي باب الأسعار، أكد محمد العادل خضر أنها تبقى مرتفعة، وأنه لا يتم دائماً الالتزام بنسب التخفيض الموجبة، خاصة بالنسبة للكتاب التونسي المدعوم، الذي من المفروض ألا تقل نسبة التخفيض فيه عن 50 بالمائة.

والأهم من كل ذلك، بالنسبة لرئيس اتحاد الكتاب التونسيين، هو: ما هو موقع الكتاب ضمن سياسة الدولة عموماً؟ ما هي الميزانية التي توضع له مقارنة مع ميزانيات الفنون وغيرها؟

وهو يعلّق قائلاً: "بمعرفة الإجابة عن هذه الأسئلة، يمكن أن نقيّم مكانة الكتاب في البلاد، وفي المجتمع، ولدى الدولة."

ولا ينفي محمد العادل خضر وجود بعض المبادرات الإيجابية، مثل البطولة الوطنية للمطالعة التي تنظمها إدارة الآداب بوزارة الشؤون الثقافية، لكن ما زال أمامنا الكثير للقيام به.

وبالعودة إلى مسألة ترويج الكتاب التونسي بالخارج، التي تحدثنا حولها بالأعلى، يقول ضيفنا إنه يعتقد أننا علينا أن نركّز على الداخل قبل أن نبحث عن الانتشار في الخارج.

علينا خلق حركية ثقافية حقيقية، وعلينا أن ننشر الكتاب في كل مكان: في المقاهي، وفي محطات الحافلات، وفي محطات القطارات، وفي الحدائق العمومية، وفي أغلب الفضاءات العمومية.

علينا أن نغرس، أولاً، ثقافة المطالعة، وأن نفتك الاعتراف بقيمتها، وبقيمة الأدب، وقيمة الكتاب عموماً، لبناء إنسان متوازن، له ما يكفي من الإمكانيات الفكرية والذهنية ليحصّن نفسه من كل المؤثرات السلبية. ثم نمر إلى المحطة الموالية.

حياة السايب