دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد، لدى استقباله أوّل، أمس بقصر قرطاج، رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري، ووزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي، إلى ضرورة القطع نهائيا، في هذه المرحلة التي تعيشها تونس مع التصوّرات القديمة، مع منح الأولويّة القصوى للجانب الاجتماعي، مع اعتماد جباية عادلة تُحقّق العدالة والإنصاف المنشودين. فحين يعمُّ العدل وتسترجع الدّولة دورها الاجتماعي الطبيعي تستقرّ الأوضاع وتُمهّد لنموّ حقيقي يستفيد منه الجميع.
وتناول اللقاء التوجهات العامة لقانون المالية للسنة القادمة، وفق بلاغ نشرته رئاسة الجمهورية التونسية.
وكانت وزيرة المالية أكدت، خلال جلسة عامة بمجلس نواب الشعب يوم 8 أفريل الجاري، أن الوزارة شرعت في إعداد مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026، مشيرة إلى أن عملية التوزيع على مختلف الوزارات ستتم في المرحلة القادمة.
كما أوضحت الوزيرة، أن العمل جارٍ حالياً على تحيين ميزانية 2025، قصد ملاءمتها مع تطوّر المؤشرات والفرضيات على المستويين الوطني والعالمي، مضيفةً أن هذا المسار يُنجز في إطار رؤية ثلاثية السنوات، بالتنسيق مع بقية الوزارات في علاقة بالمخطط التنموي.
صياغة مشاريع قوانين
وفي ما يتعلق بالفرضيات والتوجهات الكبرى لمشروع قانون المالية لسنة 2026، أبرزت الخالدي، أنه سيتم العمل على تطبيق مقتضيات الفصل 40 من الفقرة 2 من القانون الأساسي للميزانية لسنة 2019، مؤكدة ضرورة تشريك نواب البرلمان في مختلف المخرجات المرتبطة بالمشاريع الجديدة.
كما أشارت الوزيرة إلى أن الحكومة تعمل حالياً على صياغة مجموعة من مشاريع القوانين لعرضها على أنظار مجلس نواب الشعب، من بينها مجلة الصرف، التي يُنتظر أن تُحال على البرلمان خلال السنة الجارية، مؤكدة أهمية التنسيق المحكم بين مختلف الهياكل تفادياً لأي تعارض في النصوص المقترحة.
نظام جبائي عادل
وتطرقت الوزيرة إلى مسألة الإصلاح الجبائي، مشددة على أن النظام الجبائي العادل، يجب أن يقوم على التوازن بين الحقوق والواجبات، بما لا يُثقل كاهل الأفراد والمؤسسات، ولا يعيق جهود الإنتاج والتنمية.
وفي هذا السياق، كشفت أن الحكومة بصدد تنفيذ إصلاح جبائي شامل يرتكز على الرقمنة وتبسيط الإجراءات وتطوير الخدمات المالية والنقدية الرقمية، وهي خطوات تتطلب تعبئة موارد مالية ضخمة.
وبخصوص قانون المالية لسنة 2025، أفادت الخالدي بأن الدولة قامت بتخفيف العبء الجبائي لفائدة الأجراء، وتكفلت بتحمل كلفة هذا التخفيف، في خطوة تهدف إلى تحقيق العدالة الجبائية وتعزيز القدرة الشرائية.
مكافحة التهرب الجبائي وأبرز الإجراءات..
وفي ما تعلق بمكافحة التهرب الجبائي، أكدت الوزيرة أن هذه العملية تمر أساساً عبر المسح الميداني، الذي تنفذه مصالح الوزارة منذ سنوات، لكنها نبهت إلى الصعوبات التي يواجهها أعوان إدارة الجباية، خاصة في ظل غياب صلاحيات الضابطة العدلية، وهو ما يعرضهم أحياناً لمحاولات المنع أو حتى التعنيف. وأعلنت في هذا الإطار أن الوزارة ستعزز التنسيق مع وزارة الداخلية لتوفير مرافقة أمنية تضمن سلامة الأعوان وظروف عملهم.
أما فيما يتعلق بسلك الديوانة، فقد تم دعمه بانتدابات جديدة وتجهيزات إضافية، إلى جانب تطوير المنظومة المعلوماتية، وذلك بهدف تحسين جودة الخدمات. كما كشفت الوزيرة عن مشروع تركيز منطقة حرّة للأنشطة اللوجستية والتجارية في بن قردان، لدفع التنمية المحلية وتعزيز المبادلات الاقتصادية.
وفي السياق نفسه، أكد محمد صالح العياري، مستشار جبائي وأستاذ جامعي وعضو المجلس الوطني للجباية، أنه فيما يتعلق بالتوجهات العامة لقانون المالية لسنة 2026، فإنه خلال هذه الفترة تقوم وزارة المالية وعن طريق الإدارة العامة للدراسات والتشريع الجبائي بالاتصال بالمعنيين بالأمر من الذين يهمهم الشأن الجبائي، للنظر في المقترحات والتعمق في محتوياتها وإمكانية إدراجها ضمن مشروع قانون المالية الذي يقع توجيهه الى مجلس نواب الشعب وبالتحديد لجنة المالية.
وأضاف عضو المجلس الوطني للجباية لـ«الصباح»، أن تأكيد رئيس الدولة على منح الأولوية القصوى للجانب الاجتماعي يعد خطوة إيجابية، لأنه لا يمكن أن يشعر جزء من المجتمع التونسي بالحيف والعجز، بل يجب تحقيق عدالة اجتماعية، بين مختلف الأفراد والجهات بصفة عامة، وقد سبق أن شدد رئيس الجمهورية على وضع منوال تنمية يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الجهوية والإقليمية للتنمية وأسس الدولة الاجتماعية.
توسيع القاعدة الجبائية
وقال محمد صالح العياري إن اعتماد جباية عادلة تحقق العدل والإنصاف، يفرض على الهياكل والوزارات المعنية، وبالرجوع الى الصلاحيات الراجعة لها، أن تقوم بإجراءات لإرساء جباية عادلة وعلى رأس هذه الهياكل وزارة المالية. كما ذكّر محدثنا بالإجراءات التي في قانون المالية لسنة 2025، وتحديدا في جدول الضريبة على الدخل، حيث تم تخفيف العبء الضريبي على الشرائح ذات الدخل المتوسط والضعيف، مقابل زيادة طفيفة على أصحاب الدخل المرتفع، وهذا يندرج في إطار تكريس العدالة الجبائية.
وفي السياق نفسه، أكد محمد صالح العياري على ضرورة توسيع القاعدة الجبائية، مما سيؤدي الى تحسين الامتثال الضريبي وزيادة الموارد المالية للدولة.
وحسب عضو المجلس الوطني للجباية، فإن كل الدراسات، سواء التي قام بها المعهد التونسي للدراسات الاستراتجية أو اللجنة التي أحدثتها وزارة المالية أثبتت التأثيرات السلبية للقطاع الموازي الذي أكد المعهد الوطني للإحصاء أنه يمثل 35 بالمائة من الناتج الداخلي الخام أي ما يمثل 64 مليار دينار، وفق توقعات قانون المالية لسنة 2025.
جهاد الكلبوسي