إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تحويلات قياسية للتونسيين بالخارج.. أكثر من 2 مليار دينار خلال الأشهر الأربعة الأولى

 

شهدت تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج ارتفاعًا ملحوظًا خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، لتبلغ حاجز 2126.8 مليون دينار تونسي مقارنة بـ1894.9 مليون دينار خلال نفس الفترة من العام الماضي، وفقًا لبيانات محينة، أمس، عن البنك المركزي التونسي.

هذا الارتفاع البالغ حوالي 12.3 % يعكس دورًا متزايدًا للجالية التونسية في دعم الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.. ويُعزى جزء كبير من زيادة تحويلات التونسيين بالخارج إلى التحسن النسبي في الأوضاع الاقتصادية في بعض البلدان التي تستضيف أعدادًا كبيرة من الجالية التونسية، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا ودول الخليج. مع تعافي هذه الاقتصادات من الهزات، ارتفعت مستويات الدخل لدى التونسيين، ما ساعدهم على إرسال مبالغ أكبر إلى عائلاتهم في تونس.

ارتفاع قيمة الدينار التونسي

وشهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في التضامن العائلي والاجتماعي بين التونسيين بالخارج وعائلاتهم في تونس، خاصة مع استمرار الأزمة الاقتصادية في البلاد نتيجة عوامل خارجية، حيث تعد التحويلات النقدية وسيلة أساسية لدعم الأسر التونسية في تلبية احتياجاتها الأساسية، خاصة مع انتعاش الاقتصاد التونسي خلال الفترة الأخيرة. كما ساهم ارتفاع قيمة الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية مثل اليورو والدولار في تحفيز التونسيين بالخارج على زيادة تحويلاتهم. إذ تتيح القوة الشرائية المرتفعة للدينار التونسي أمام العملات الأجنبية للمغتربين إمكانية تقديم دعم مالي أكبر لعائلاتهم. وقامت الحكومة التونسية خلال الفترة الأخيرة باتخاذ إجراءات تهدف إلى تشجيع التونسيين بالخارج على استخدام القنوات الرسمية لتحويل الأموال، من خلال تحسين الخدمات البنكية وتقديم حوافز ضريبية على التحويلات. هذه الجهود ساعدت بشكل ملموس في زيادة التحويلات الرسمية. وبلغ إجمالي تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج خلال عام 2024 حوالي 8.5 مليار دينار تونسي، وهو رقم قياسي يعكس الأهمية المتزايدة لهذه التحويلات كمصدر للعملة الصعبة، علما وان هذه التحويلات أضحت تمثل أحد أكبر موارد تونس من النقد الأجنبي، متقدمة على عائدات السياحة، وأحيانًا حتى على الصادرات الزراعية والصناعية، علما وأن نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الخام، ارتفعت العام الماضي لتبلغ 7.7 %، وفق المؤشرات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي.

انعكاسات إيجابية على الاقتصاد

ويؤكد خبراء الاقتصاد لـ«الصباح»، أن تحويلات التونسيين بالخارج تعد، اليوم، من المصادر الرئيسية لدعم احتياطات العملة الأجنبية في تونس. ومع ارتفاع هذه التحويلات، تمكن البنك المركزي التونسي من مواجهة الضغوط على الدينار التونسي، مما ساهم في استقرار سعر الصرف، وتوفير السيولة اللازمة لتغطية الواردات. كما تلعب تحويلات المغتربين دورًا محوريًا في تحسين الظروف المعيشية للعديد من الأسر التونسية، خاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على هذا الدخل لتلبية احتياجاتها الأساسية مثل التعليم، الصحة، والسكن. هذه التحويلات أصبحت بمثابة شبكة أمان اجتماعي تُخفف من حدة الأزمات الاقتصادية. وبفضل هذه التحويلات المالية، تمكنت بعض العائلات من استثمار الأموال المستلمة في مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم، مثل فتح محلات تجارية أو تمويل أنشطة زراعية. هذا النوع من الاستثمار ساهم، مؤخرا، في تحريك عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل. كما ساهم تدفق العملة الصعبة الناتج عن التحويلات في تقليل العجز التجاري من خلال تغطية جزء من الواردات، مما خفف من الضغط على الاقتصاد التونسي، وعزز من قدرته على مواجهة الأزمات. ووفق إحصائيات سنة 2024 فقد ساهمت هذه التحويلات في بعث 717 مشروعا في مجال الخدمات، و170 مشروعا في المجال الفلاحي، و20 مشروعا في المجال الصناعي، حسب ما كشف عنه، مؤخرا، ديوان التونسيين بالخارج .

إجراءات وحوافز

كما يعزى ارتفاع هذه التحويلات خلال الأربعة أشهر الأولى، الى الإجراءات الإيجابية المتخذة من الحكومة التونسية بالتعاون مع البنوك المحلية، والتي ساهمت في تحسين الخدمات البنكية الموجهة للتونسيين بالخارج، وذلك من خلال تسهيل إجراءات فتح الحسابات وتقديم مزايا مثل الإعفاء من بعض الرسوم البنكية. كما أقرت الحكومة إعفاءات ضريبية على التحويلات المالية القادمة من الخارج، في محاولة لتشجيع المغتربين على استخدام القنوات الرسمية عوضًا عن السوق السوداء أو الطرق غير المشروعة.

كما تم إطلاق عدة مبادرات لتحفيز التونسيين بالخارج على الاستثمار في مشاريع داخل تونس، من خلال تقديم قروض ميسرة وتسهيلات إدارية، مما أفضى الى إنشاء مناطق صناعية مخصصة للمغتربين للاستثمار في قطاعات مختلفة مثل الصناعة والتكنولوجيا والزراعة، فضلا عن تبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة بالجالية التونسية، مثل تسهيل الحصول على الوثائق الرسمية، والحد من البيروقراطية في السفارات والقنصليات. كما تم تخصيص منصات رقمية لتقديم الخدمات عن بُعد. ومن ضمن الحوافز التي أقرتها الحكومة، السماح للتونسيين بالخارج بشراء عقارات داخل تونس بشروط ميسرة، مع إمكانية الحصول على قروض بنكية مدعومة.

وهناك توصيات حكومية، اليوم، بضرورة العمل خلال الفترة القادمة  على توجيه التحويلات نحو مشاريع إنتاجية تحقق تنمية مستدامة بدلاً من الاعتماد المفرط على الاستهلاك، علما وان دولا منافسة لتونس في محيطها الإقليمي تسعى هي الأخرى لجذب تحويلات مغتربيها من خلال تقديم امتيازات مغرية، لتعزيز صلابة اقتصادها.

ويعكس ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، الدور الحيوي للجالية التونسية في دعم الاقتصاد الوطني، ومع الإجراءات الحكومية الأخيرة الهادفة إلى استمرارية تحفيز تدفقات التحويلات، تستمر هذه الديناميكية الإيجابية في تونس، مما يفتح آفاقًا لتحقيق التنمية المستدامة من خلال هذه الموارد المالية الحيوية.

سفيان المهداوي

تحويلات قياسية للتونسيين بالخارج..  أكثر من 2 مليار دينار خلال الأشهر الأربعة الأولى

 

شهدت تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج ارتفاعًا ملحوظًا خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، لتبلغ حاجز 2126.8 مليون دينار تونسي مقارنة بـ1894.9 مليون دينار خلال نفس الفترة من العام الماضي، وفقًا لبيانات محينة، أمس، عن البنك المركزي التونسي.

هذا الارتفاع البالغ حوالي 12.3 % يعكس دورًا متزايدًا للجالية التونسية في دعم الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.. ويُعزى جزء كبير من زيادة تحويلات التونسيين بالخارج إلى التحسن النسبي في الأوضاع الاقتصادية في بعض البلدان التي تستضيف أعدادًا كبيرة من الجالية التونسية، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا ودول الخليج. مع تعافي هذه الاقتصادات من الهزات، ارتفعت مستويات الدخل لدى التونسيين، ما ساعدهم على إرسال مبالغ أكبر إلى عائلاتهم في تونس.

ارتفاع قيمة الدينار التونسي

وشهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في التضامن العائلي والاجتماعي بين التونسيين بالخارج وعائلاتهم في تونس، خاصة مع استمرار الأزمة الاقتصادية في البلاد نتيجة عوامل خارجية، حيث تعد التحويلات النقدية وسيلة أساسية لدعم الأسر التونسية في تلبية احتياجاتها الأساسية، خاصة مع انتعاش الاقتصاد التونسي خلال الفترة الأخيرة. كما ساهم ارتفاع قيمة الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية مثل اليورو والدولار في تحفيز التونسيين بالخارج على زيادة تحويلاتهم. إذ تتيح القوة الشرائية المرتفعة للدينار التونسي أمام العملات الأجنبية للمغتربين إمكانية تقديم دعم مالي أكبر لعائلاتهم. وقامت الحكومة التونسية خلال الفترة الأخيرة باتخاذ إجراءات تهدف إلى تشجيع التونسيين بالخارج على استخدام القنوات الرسمية لتحويل الأموال، من خلال تحسين الخدمات البنكية وتقديم حوافز ضريبية على التحويلات. هذه الجهود ساعدت بشكل ملموس في زيادة التحويلات الرسمية. وبلغ إجمالي تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج خلال عام 2024 حوالي 8.5 مليار دينار تونسي، وهو رقم قياسي يعكس الأهمية المتزايدة لهذه التحويلات كمصدر للعملة الصعبة، علما وان هذه التحويلات أضحت تمثل أحد أكبر موارد تونس من النقد الأجنبي، متقدمة على عائدات السياحة، وأحيانًا حتى على الصادرات الزراعية والصناعية، علما وأن نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الخام، ارتفعت العام الماضي لتبلغ 7.7 %، وفق المؤشرات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي.

انعكاسات إيجابية على الاقتصاد

ويؤكد خبراء الاقتصاد لـ«الصباح»، أن تحويلات التونسيين بالخارج تعد، اليوم، من المصادر الرئيسية لدعم احتياطات العملة الأجنبية في تونس. ومع ارتفاع هذه التحويلات، تمكن البنك المركزي التونسي من مواجهة الضغوط على الدينار التونسي، مما ساهم في استقرار سعر الصرف، وتوفير السيولة اللازمة لتغطية الواردات. كما تلعب تحويلات المغتربين دورًا محوريًا في تحسين الظروف المعيشية للعديد من الأسر التونسية، خاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على هذا الدخل لتلبية احتياجاتها الأساسية مثل التعليم، الصحة، والسكن. هذه التحويلات أصبحت بمثابة شبكة أمان اجتماعي تُخفف من حدة الأزمات الاقتصادية. وبفضل هذه التحويلات المالية، تمكنت بعض العائلات من استثمار الأموال المستلمة في مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم، مثل فتح محلات تجارية أو تمويل أنشطة زراعية. هذا النوع من الاستثمار ساهم، مؤخرا، في تحريك عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل. كما ساهم تدفق العملة الصعبة الناتج عن التحويلات في تقليل العجز التجاري من خلال تغطية جزء من الواردات، مما خفف من الضغط على الاقتصاد التونسي، وعزز من قدرته على مواجهة الأزمات. ووفق إحصائيات سنة 2024 فقد ساهمت هذه التحويلات في بعث 717 مشروعا في مجال الخدمات، و170 مشروعا في المجال الفلاحي، و20 مشروعا في المجال الصناعي، حسب ما كشف عنه، مؤخرا، ديوان التونسيين بالخارج .

إجراءات وحوافز

كما يعزى ارتفاع هذه التحويلات خلال الأربعة أشهر الأولى، الى الإجراءات الإيجابية المتخذة من الحكومة التونسية بالتعاون مع البنوك المحلية، والتي ساهمت في تحسين الخدمات البنكية الموجهة للتونسيين بالخارج، وذلك من خلال تسهيل إجراءات فتح الحسابات وتقديم مزايا مثل الإعفاء من بعض الرسوم البنكية. كما أقرت الحكومة إعفاءات ضريبية على التحويلات المالية القادمة من الخارج، في محاولة لتشجيع المغتربين على استخدام القنوات الرسمية عوضًا عن السوق السوداء أو الطرق غير المشروعة.

كما تم إطلاق عدة مبادرات لتحفيز التونسيين بالخارج على الاستثمار في مشاريع داخل تونس، من خلال تقديم قروض ميسرة وتسهيلات إدارية، مما أفضى الى إنشاء مناطق صناعية مخصصة للمغتربين للاستثمار في قطاعات مختلفة مثل الصناعة والتكنولوجيا والزراعة، فضلا عن تبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة بالجالية التونسية، مثل تسهيل الحصول على الوثائق الرسمية، والحد من البيروقراطية في السفارات والقنصليات. كما تم تخصيص منصات رقمية لتقديم الخدمات عن بُعد. ومن ضمن الحوافز التي أقرتها الحكومة، السماح للتونسيين بالخارج بشراء عقارات داخل تونس بشروط ميسرة، مع إمكانية الحصول على قروض بنكية مدعومة.

وهناك توصيات حكومية، اليوم، بضرورة العمل خلال الفترة القادمة  على توجيه التحويلات نحو مشاريع إنتاجية تحقق تنمية مستدامة بدلاً من الاعتماد المفرط على الاستهلاك، علما وان دولا منافسة لتونس في محيطها الإقليمي تسعى هي الأخرى لجذب تحويلات مغتربيها من خلال تقديم امتيازات مغرية، لتعزيز صلابة اقتصادها.

ويعكس ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، الدور الحيوي للجالية التونسية في دعم الاقتصاد الوطني، ومع الإجراءات الحكومية الأخيرة الهادفة إلى استمرارية تحفيز تدفقات التحويلات، تستمر هذه الديناميكية الإيجابية في تونس، مما يفتح آفاقًا لتحقيق التنمية المستدامة من خلال هذه الموارد المالية الحيوية.

سفيان المهداوي