إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

لأول مرة منذ ثلاث سنوات.. الدولار تحت عتبة الثلاثة دنانير.. تونس أمام فرص اقتصادية ومكاسب استثنائية

شهد سعر صرف الدولار الأمريكي، أمس، تراجعًا ملحوظًا أمام الدينار التونسي، حيث بلغ 2.990 دينار تونسي، ليكسر بذلك حاجز الثلاثة دنانير للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات (2022)، وذلك وفق البيانات الرسمية للبنك المركزي التونسي.

تأتي هذه التطورات وسط سياق اقتصادي عالمي معقد، حيث أثرت الإجراءات الجمركية الأمريكية، والتوترات الجيوسياسية، والسياسات النقدية على أداء الدولار عالميًا. هذا التراجع له العديد من الانعكاسات على الاقتصاد التونسي، التي يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية، حسب القطاع والظروف الاقتصادية المحلية.

تراجع الدولار الأمريكي عالمياً

ويؤكد عدد من خبراء الاقتصاد لـ«الصباح»، إنه لفهم أسباب انخفاض سعر صرف الدولار أمام الدينار التونسي، من الضروري النظر إلى العوامل العالمية التي تؤثر على الدولار، حيث تعود جذور هذا التراجع إلى السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الولايات المتحدة، بما في ذلك الإجراءات الجمركية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذه السياسات أثرت سلباً على قيمة الدولار، مما جعله ضعيفاً مقارنةً بعملات أخرى، ومنذ مارس 2022، اعتمد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سياسة نقدية متشددة لمواجهة التضخم. ومع ذلك، فقد شهدت الأشهر الأخيرة تباطؤًا في وتيرة رفع أسعار الفائدة، مما قلل من جاذبية الدولار كعملة استثمارية، كما أن الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط وما تلاها من أزمات اقتصادية عالمية ساهمت في تقلبات أسعار العملات. ومع انخفاض المخاطر الجيوسياسية نسبيًا، بدأت عملات الأسواق الناشئة مثل الدينار التونسي في التحسن أمام الدولار، وبلغ مؤشر الدولار الأمريكي أدنى مستوى له منذ أفريل 2022 عند حوالي 99.00 نقطة. هذا المؤشر يعكس أداء الدولار مقابل سلة من العملات الرئيسية، وتراجعه يعني ضعف الطلب على الدولار عالميًا.

أثار إيجابية على الاقتصاد التونسي

ومن بين أحد أبرز الآثار الإيجابية لتراجع سعر صرف الدولار هو انخفاض كلفة الواردات المسعّرة بالدولار، حيث تعتمد تونس بشكل كبير على استيراد المواد الأولية، الطاقة، والمنتجات الغذائية الأساسية، والمواد الخام، ومع تراجع الدولار، ستصبح هذه الواردات أقل كلفة، مما قد يؤدي إلى تحسن الميزان التجاري، حيث أن انخفاض فاتورة الاستيراد بالدولار قد يساهم في تقليل العجز التجاري، فضلا عن استقرار أسعار المنتجات المستوردة، بما يخلق انتعاشة ملموسة للمستهلك التونسي خلال الفترة القليلة القادمة، حيث من المنتظر، تسجيل تحسن طفيف في أسعار بعض المنتجات المستوردة، خاصة تلك المرتبطة مباشرةً بالدولار.

في المقابل، يمكن أن يكون لانخفاض الدولار تأثير سلبي على الصادرات التونسية، خاصة في القطاعات التي تعتمد على الدولار كعملة رئيسية لتسعير منتجاتها، مثل قطاع النسيج، والذي يعد أحد القطاعات الحيوية في الاقتصاد التونسي، وكونه يعتمد بشكل كبير على إيراداته بعملة الدولار، فإن هذا الانخفاض قد يؤدي إلى تراجع الإيرادات عند تحويلها إلى الدينار التونسي، بالإضافة إلى قطاع الفسفاط ومنتجاته، التي تُعتبر من أهم صادرات تونس، والتي قد تتأثر أيضًا بانخفاض الدولار، مما قد يُضعف القدرة التنافسية في الأسواق العالمية. كما يُعتبر الدين الخارجي أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد التونسي، وانخفاض الدولار قد يساهم في تخفيف عبء خدمة الدين الخارجي المسعّر بالدولار، مما يمنح الحكومة فرصة لإعادة هيكلة الديون أو تقليل الأعباء المالية، والمرور بخطى ثابتة نحو تجسيم الإصلاحات.

القطاعات المستفيدة

من بين أبرز القطاعات المستفيدة من هذا التراجع في سعر صرف الدولار قطاع الطاقة، حيث تستورد تونس نسبة كبيرة من احتياجاتها من الطاقة بالدولار، وانخفاضه يقلل من كلفة واردات النفط والغاز، مما قد يُخفف من فاتورة الطاقة الوطنية، إضافة إلى قطاع الصناعات التحويلية، والتي تعتمد على استيراد المواد الأولية بالدولار، مثل الصناعات الغذائية والكيميائية، والتي قد تستفيد من انخفاض الكلفة، مما يُحسن هوامش الربح، إضافة إلى قطاع التجارة والخدمات، والذي يعتمد بشكل مباشر على استيراد البضائع بالدولار، ومن المرجح أن يستفيد من هذا التراجع بتحقيق أرباح أفضل،  وتقديم منتجات جيدة، وبأسعار تنافسية. والى جانب ذلك، سيستفيد قطاع الطيران والسياحة من انخفاض الدولار، حيث ستصبح الرحلات الجوية المُسعّرة بالدولار أقل كلفة، مما يُشجع السياحة الوافدة إلى تونس، ومن غير المستبعد تحقيق أرقام قياسية في عدد الوافدين في حال استمر نسق تراجع صرف الدولار أمام الدينار التونسي.

وقد يكون التراجع الحالي للدولار مؤقتًا، وإذا ارتفع مجددًا، ستعود الضغوط على الاقتصاد التونسي، ومن شأن ذلك أن يخلق تقلبات في سوق سعر الصرف، كما أن تراجع الإيرادات من القطاعات المُسعّرة بالدولار قد يُثقل كاهل الاقتصاد، خاصة مع الاعتماد الكبير على هذه القطاعات الحيوية، وهو ما قد يخلق مشاكل داخلية للقطاعات المصدرة، مثل ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع الأسعار، وبقاء التضخم المحلي في مستويات مرتفعة.

آفاق ظرفية

ويشدد جزء واسع من خبراء الاقتصاد، على أنه في حال استمر تراجع الدولار، فقد تتمكن تونس من تحسين بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل العجز التجاري، وتخفيف عبء الدين، وتعزيز القطاعات المحلية، كما يمكن استغلال انخفاض كلفة الواردات لتعزيز الإنتاج المحلي وتوسيع الأنشطة الصناعية، وتحسين المناخ الاستثماري، علما وأن انخفاض الدولار قد يُشجع المستثمرين الأجانب على ضخ استثمارات جديدة في تونس. وإجمالا، فإن تراجع سعر صرف الدولار أمام الدينار التونسي، يعد تطورًا اقتصاديًا هامًا يحمل في طياته فرصًا وتحديات، ويُمكن أن يُسهم هذا التراجع في تخفيف أعباء كلفة الواردات وتحسين القوة الشرائية للمستهلكين، إلا أن التأثير السلبي على الصادرات يتطلب استراتيجيات فاعلة لدعم القطاعات المتضررة، ولتحقيق الاستفادة القصوى من هذا التغير، تحتاج تونس إلى سياسات اقتصادية مرنة تُعزز الإنتاجية، وتُقلل من الاعتماد على العوامل الخارجية.

سفيان المهداوي

لأول مرة منذ ثلاث سنوات.. الدولار تحت عتبة الثلاثة دنانير..   تونس أمام فرص اقتصادية ومكاسب استثنائية

شهد سعر صرف الدولار الأمريكي، أمس، تراجعًا ملحوظًا أمام الدينار التونسي، حيث بلغ 2.990 دينار تونسي، ليكسر بذلك حاجز الثلاثة دنانير للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات (2022)، وذلك وفق البيانات الرسمية للبنك المركزي التونسي.

تأتي هذه التطورات وسط سياق اقتصادي عالمي معقد، حيث أثرت الإجراءات الجمركية الأمريكية، والتوترات الجيوسياسية، والسياسات النقدية على أداء الدولار عالميًا. هذا التراجع له العديد من الانعكاسات على الاقتصاد التونسي، التي يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية، حسب القطاع والظروف الاقتصادية المحلية.

تراجع الدولار الأمريكي عالمياً

ويؤكد عدد من خبراء الاقتصاد لـ«الصباح»، إنه لفهم أسباب انخفاض سعر صرف الدولار أمام الدينار التونسي، من الضروري النظر إلى العوامل العالمية التي تؤثر على الدولار، حيث تعود جذور هذا التراجع إلى السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الولايات المتحدة، بما في ذلك الإجراءات الجمركية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذه السياسات أثرت سلباً على قيمة الدولار، مما جعله ضعيفاً مقارنةً بعملات أخرى، ومنذ مارس 2022، اعتمد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سياسة نقدية متشددة لمواجهة التضخم. ومع ذلك، فقد شهدت الأشهر الأخيرة تباطؤًا في وتيرة رفع أسعار الفائدة، مما قلل من جاذبية الدولار كعملة استثمارية، كما أن الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط وما تلاها من أزمات اقتصادية عالمية ساهمت في تقلبات أسعار العملات. ومع انخفاض المخاطر الجيوسياسية نسبيًا، بدأت عملات الأسواق الناشئة مثل الدينار التونسي في التحسن أمام الدولار، وبلغ مؤشر الدولار الأمريكي أدنى مستوى له منذ أفريل 2022 عند حوالي 99.00 نقطة. هذا المؤشر يعكس أداء الدولار مقابل سلة من العملات الرئيسية، وتراجعه يعني ضعف الطلب على الدولار عالميًا.

أثار إيجابية على الاقتصاد التونسي

ومن بين أحد أبرز الآثار الإيجابية لتراجع سعر صرف الدولار هو انخفاض كلفة الواردات المسعّرة بالدولار، حيث تعتمد تونس بشكل كبير على استيراد المواد الأولية، الطاقة، والمنتجات الغذائية الأساسية، والمواد الخام، ومع تراجع الدولار، ستصبح هذه الواردات أقل كلفة، مما قد يؤدي إلى تحسن الميزان التجاري، حيث أن انخفاض فاتورة الاستيراد بالدولار قد يساهم في تقليل العجز التجاري، فضلا عن استقرار أسعار المنتجات المستوردة، بما يخلق انتعاشة ملموسة للمستهلك التونسي خلال الفترة القليلة القادمة، حيث من المنتظر، تسجيل تحسن طفيف في أسعار بعض المنتجات المستوردة، خاصة تلك المرتبطة مباشرةً بالدولار.

في المقابل، يمكن أن يكون لانخفاض الدولار تأثير سلبي على الصادرات التونسية، خاصة في القطاعات التي تعتمد على الدولار كعملة رئيسية لتسعير منتجاتها، مثل قطاع النسيج، والذي يعد أحد القطاعات الحيوية في الاقتصاد التونسي، وكونه يعتمد بشكل كبير على إيراداته بعملة الدولار، فإن هذا الانخفاض قد يؤدي إلى تراجع الإيرادات عند تحويلها إلى الدينار التونسي، بالإضافة إلى قطاع الفسفاط ومنتجاته، التي تُعتبر من أهم صادرات تونس، والتي قد تتأثر أيضًا بانخفاض الدولار، مما قد يُضعف القدرة التنافسية في الأسواق العالمية. كما يُعتبر الدين الخارجي أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد التونسي، وانخفاض الدولار قد يساهم في تخفيف عبء خدمة الدين الخارجي المسعّر بالدولار، مما يمنح الحكومة فرصة لإعادة هيكلة الديون أو تقليل الأعباء المالية، والمرور بخطى ثابتة نحو تجسيم الإصلاحات.

القطاعات المستفيدة

من بين أبرز القطاعات المستفيدة من هذا التراجع في سعر صرف الدولار قطاع الطاقة، حيث تستورد تونس نسبة كبيرة من احتياجاتها من الطاقة بالدولار، وانخفاضه يقلل من كلفة واردات النفط والغاز، مما قد يُخفف من فاتورة الطاقة الوطنية، إضافة إلى قطاع الصناعات التحويلية، والتي تعتمد على استيراد المواد الأولية بالدولار، مثل الصناعات الغذائية والكيميائية، والتي قد تستفيد من انخفاض الكلفة، مما يُحسن هوامش الربح، إضافة إلى قطاع التجارة والخدمات، والذي يعتمد بشكل مباشر على استيراد البضائع بالدولار، ومن المرجح أن يستفيد من هذا التراجع بتحقيق أرباح أفضل،  وتقديم منتجات جيدة، وبأسعار تنافسية. والى جانب ذلك، سيستفيد قطاع الطيران والسياحة من انخفاض الدولار، حيث ستصبح الرحلات الجوية المُسعّرة بالدولار أقل كلفة، مما يُشجع السياحة الوافدة إلى تونس، ومن غير المستبعد تحقيق أرقام قياسية في عدد الوافدين في حال استمر نسق تراجع صرف الدولار أمام الدينار التونسي.

وقد يكون التراجع الحالي للدولار مؤقتًا، وإذا ارتفع مجددًا، ستعود الضغوط على الاقتصاد التونسي، ومن شأن ذلك أن يخلق تقلبات في سوق سعر الصرف، كما أن تراجع الإيرادات من القطاعات المُسعّرة بالدولار قد يُثقل كاهل الاقتصاد، خاصة مع الاعتماد الكبير على هذه القطاعات الحيوية، وهو ما قد يخلق مشاكل داخلية للقطاعات المصدرة، مثل ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع الأسعار، وبقاء التضخم المحلي في مستويات مرتفعة.

آفاق ظرفية

ويشدد جزء واسع من خبراء الاقتصاد، على أنه في حال استمر تراجع الدولار، فقد تتمكن تونس من تحسين بعض المؤشرات الاقتصادية، مثل العجز التجاري، وتخفيف عبء الدين، وتعزيز القطاعات المحلية، كما يمكن استغلال انخفاض كلفة الواردات لتعزيز الإنتاج المحلي وتوسيع الأنشطة الصناعية، وتحسين المناخ الاستثماري، علما وأن انخفاض الدولار قد يُشجع المستثمرين الأجانب على ضخ استثمارات جديدة في تونس. وإجمالا، فإن تراجع سعر صرف الدولار أمام الدينار التونسي، يعد تطورًا اقتصاديًا هامًا يحمل في طياته فرصًا وتحديات، ويُمكن أن يُسهم هذا التراجع في تخفيف أعباء كلفة الواردات وتحسين القوة الشرائية للمستهلكين، إلا أن التأثير السلبي على الصادرات يتطلب استراتيجيات فاعلة لدعم القطاعات المتضررة، ولتحقيق الاستفادة القصوى من هذا التغير، تحتاج تونس إلى سياسات اقتصادية مرنة تُعزز الإنتاجية، وتُقلل من الاعتماد على العوامل الخارجية.

سفيان المهداوي