إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

للقطع‭ ‬مع‭ ‬أساليب‭ ‬الماضي.. تونس‭ ‬تمضي‭ ‬نحو‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية

مرة‭ ‬أخرى‭ ‬يؤكد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬‮«‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬وضع‭ ‬مشاريع‭ ‬النصوص‭ ‬بشكل‭ ‬يقطع‭ ‬نهائيا‭ ‬مع‭ ‬الماضي‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬خلال‭ ‬لقائه‭ ‬الأخير‭ ‬برئيسة‭ ‬الحكومة‭ ‬سارة‭ ‬الزعفراني‭ ‬الزنزري،‭ ‬وهي‭ ‬المسألة‭ ‬التي‭ ‬يتقاطع‭ ‬فيها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬مع‭ ‬مطلب‭ ‬ودعوة‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭ ‬ممن‭ ‬ينتصرون‭ ‬لمشروع‭ ‬الإصلاح‭ ‬وبناء‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭.‬

إن‭ ‬مراجعة‭ ‬وإصلاح‭ ‬وتجديد‭ ‬الآليات‭ ‬القانونية‭ ‬والتشريعية‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬عمل‭ ‬منظومة‭ ‬الدولة،‭ ‬والمضي‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬خارجة‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الواقع‭ ‬والوضع‭ ‬والإمكانيات‭ ‬والأهداف‭ ‬والتحديات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالدولة‭ ‬التونسية،‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أوكد‭ ‬الخطوات‭ ‬الناجعة‭ ‬لبناء‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭ ‬لتكون‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬تحقيق‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يكون‭ ‬القطع‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬مدخلات‭ ‬الفساد‭ ‬والمحسوبية‭ ‬ومظاهر‭ ‬وضع‭ ‬القوانين‭ ‬وسن‭ ‬التشريعات‭ ‬‮«‬تحت‭ ‬وحسب‭ ‬الطلب‮»‬‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أسباب‭ ‬رفض‭ ‬الشارع‭ ‬التونسي‭ ‬لتلك‭ ‬المنظومات‭ ‬والأنظمة‭ ‬والقطع‭ ‬مع‭ ‬رموزها‭ ‬أو‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬طرفا‭ ‬فاعلا‭ ‬فيها‭. ‬

‭ ‬ولئن‭ ‬شكل‭ ‬دستور‭ ‬2022‭ ‬أولى‭ ‬الخطوات‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬المنظومات‭ ‬السابقة‭ ‬قياسا‭ ‬لما‭ ‬تضمنه‭ ‬من‭ ‬خطوط‭ ‬عريضة‭ ‬وتحديد‭ ‬توجهات‭ ‬وخيارات‭ ‬للمسار‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الذي‭ ‬يقوده‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬فإن‭ ‬للوظيفة‭ ‬التشريعية‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬الحالي‭ ‬بغرفتين‭ ‬دور‭ ‬للحسم‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬مراجعة‭ ‬وسن‭ ‬تشريعات‭ ‬تتماشى‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬وأهدافها‭ ‬وأبعادها‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬مسار‭ ‬بناء‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬فلسفة‭ ‬تكريس‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بما‭ ‬تعنيه‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬المواطن‭ ‬التونسي‭ ‬لدولته‭ ‬وترجمة‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬والقوانين‭ ‬والتشريعات‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬وبرامج‭ ‬وخدمات‭ ‬لفائدة‭ ‬التونسيين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬السواء‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬جهات‭ ‬الجمهورية‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭. ‬وهو‭ ‬توجه‭ ‬يراهن‭ ‬في‭ ‬تفاصيله‭ ‬وأبعاده‭ ‬على‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬المركزية‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬مظاهر‭ ‬التهميش‭ ‬والتفاوت‭ ‬بين‭ ‬المناطق‭ ‬والجهات‭ ‬والمواطنين‭.‬

ولعل‭ ‬في‭ ‬تشديد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التحدّي‭ ‬لا‭ ‬يُقابل‭ ‬إلا‭ ‬برفعه‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬مصدره‮»‬‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تأكيده‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬وتأكيد‭ ‬التمسك‭ ‬بمسار‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬أواصر‭ ‬المنظومات‭ ‬السابقة‭ ‬شكلا‭ ‬ومضمونا،‭ ‬دستوريا‭ ‬وقانونيا‭ ‬وتشريعيا،‭ ‬ما‭ ‬يبين‭ ‬أن‭ ‬مسار‭ ‬الإصلاح‭ ‬متواصل،‭ ‬لكن‭ ‬وفق‭ ‬آليات‭ ‬وأدوات‭ ‬لا‭ ‬تدعو‭ ‬للتشكيك‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬للطعن‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬شرعيتها‭ ‬واستجابتها‭ ‬لتوفر‭ ‬الشروط‭ ‬القانونية‭.‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬لإعلان‭ ‬مكتب‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬عن‭ ‬إحالة‭ ‬دفعة‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬القوانين‭ ‬وطرحها‭ ‬للدراسة‭ ‬والنقاش‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬اللجان‭ ‬المعنية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬قوانين‭ ‬لطالما‭ ‬شكلت‭ ‬محور‭ ‬جدل‭ ‬ومحل‭ ‬مزايدات‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬الأوساط‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬الماضية،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬المبادرة‭ ‬التشريعية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتنقيح‭ ‬المرسوم‭ ‬54‭ ‬المتعلق‭ ‬بمكافحة‭ ‬الجرائم‭ ‬المتصلة‭ ‬بأنظمة‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصال،‭ ‬والمبادرة‭ ‬التشريعية‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بضبط‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي‭ ‬للبنك‭ ‬المركزي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬قوانين‭ ‬أخرى،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيمثل‭ ‬إضافة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬تكريس‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬لذلك‭ ‬لاقى‭ ‬قرار‭ ‬مكتب‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬الإعلان‭ ‬رسميا‭ ‬عن‭ ‬خروج‭ ‬دفعة‭ ‬هامة‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬القوانين‭ ‬للتداول‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬اللجان‭ ‬المختصة‭ ‬والاحتكام‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬مواقف‭ ‬وآراء‭ ‬وتوجهات‭ ‬ممثلي‭ ‬الوزارات‭ ‬والهياكل‭ ‬المعنية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المختصين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المجالات،‭ ‬ترحيبا‭ ‬واسعا‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأوساط‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬سيساهم‭ ‬في‭ ‬تسريع‭ ‬مسار‭ ‬الإصلاح‭ ‬بما‭ ‬يهدف‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تكريس‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

ويرى‭ ‬متابعون‭ ‬لهذه‭ ‬المسألة‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬طالما‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬الإدارة‭ ‬وتطوير‭ ‬الخدمات‭ ‬والمراهنة‭ ‬على‭ ‬الكفاءات‭ ‬التي‭ ‬تزخر‭ ‬بها‭ ‬بلادنا‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬وإدارة‭ ‬المرفق‭ ‬العمومي‭ ‬بما‭ ‬تمثله‭ ‬من‭ ‬نزعة‭ ‬للتغيير‭ ‬الجذري‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تبين‭ ‬للجميع‭ ‬السير‭ ‬البطيء‭ ‬لـ«ماكينة‮»‬‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬رغم‭ ‬اتضاح‭ ‬بوصلة‭ ‬الإصلاح‭ ‬والبناء‭ ‬لتكريس‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬نص‭ ‬عليها‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬فصول‭ ‬عديدة،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬أشار‭ ‬في‭ ‬لقائه‭ ‬الأخير‭ ‬برئيسة‭ ‬الحكومة،‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬أو‭ ‬محاولات‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬بـ«فلول‭ ‬الردة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬ضد‭ ‬مسار‭ ‬الإصلاح‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تعطيله‭.‬

وأوضح‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬خلال‭ ‬نفس‭ ‬اللقاء،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العديد‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الشهائد‭ ‬العليا‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬تحمّل‭ ‬المسؤوليات‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لهم‭ ‬الخبرة‭ ‬المطلوبة،‭ ‬فتونس‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يخدمها‭ ‬بروح‭ ‬وطنية‭ ‬راسخة‭ ‬وثابتة،‭ ‬لا‭ ‬بمن‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬الامتيازات‭ ‬ويعتقد‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬ومقدّراتها‭ ‬غنيمة‮»‬،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬على‭ ‬الصفحة‭ ‬الرسمية‭ ‬لرئاسة‭ ‬الجمهورية‭.‬

كما‭ ‬أشار‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬لقائه‭ ‬مع‭ ‬وزير‭ ‬الشؤون‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬عصام‭ ‬الأحمر‭ ‬منذ‭ ‬يومين‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬القطع‭ ‬‮«‬مع‭ ‬التشريعات‭ ‬السابقة‭ ‬ومشاريع‭ ‬التنقيح‭ ‬السابقة‭ ‬لضمان‭ ‬حقوق‭ ‬العمال‭ ‬إمّا‭ ‬لأسباب‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬أخرى‭ ‬فنية‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬المقارنة‭ ‬نتيجة‭ ‬للتغيّرات‭ ‬التكنولوجية‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬تناول‭ ‬مشروع‭ ‬النص‭ ‬المتعلق‭ ‬بتحديد‭ ‬المنحة‭ ‬إثر‭ ‬التسريح‭ ‬لأسباب‭ ‬اقتصادية‭.‬

وشدّد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬ماضية‭ ‬في‭ ‬سياستها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لأن‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬هو‭ ‬المقدمة‭ ‬الطبيعية‭ ‬الأولى‭ ‬للتنمية‭ ‬العادلة‭ ‬والمنصفة‭.‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬جملة‭ ‬الإجراءات‭ ‬والقرارات‭ ‬‮«‬الاجتماعية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اتخاذها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬لعل‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬المناولة‭ ‬وآليات‭ ‬التشغيل‭ ‬الهش‭ ‬ومراجعة‭ ‬مجلة‭ ‬الشغل‭ ‬وتسوية‭ ‬ملفات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬وفق‭ ‬تلك‭ ‬الآليات‭ ‬‮«‬الهشة‮»‬‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬والقطاعات‭ ‬والمستويات‭.‬

وكانت‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬قد‭ ‬دعت‭ ‬منذ‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬إلى‭ ‬المضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬تسوية‭ ‬ملف‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الدكاترة‭ ‬والباحثين‭ ‬المعطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬وانطلاق‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬المتداخلة‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬برامج‭ ‬موجهة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬تشغيلية‭ ‬لهذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬والكفاءات‭ ‬الوطنية،‭ ‬بعد‭ ‬تحديد‭ ‬احتياجات‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬وهياكلها‭ ‬وقطاعاتها‭ ‬لذلك‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تمليه‭ ‬وتتطلبه‭ ‬الحاجيات‭ ‬ومجالات‭ ‬التخصص‭.‬

ويراهن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬على‭ ‬الإيمان‭ ‬بمشروع‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الجديدة‭ ‬والتعلق‭ ‬بالوطنية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬آليات‭ ‬الفرز‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العملية،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يقطع‭ ‬مع‭ ‬آليات‭ ‬وسبل‭ ‬الانتداب‭ ‬والتشغيل‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬آليات‭ ‬المحسوبية‭ ‬والولاءات‭ ‬الحزبية‭ ‬والشخصية‭ ‬والرشوة‭ ‬والفساد‭ ‬دون‭ ‬مبالاة‭ ‬بأهمية‭ ‬عوامل‭ ‬الكفاءة‭ ‬وإرادة‭ ‬التطور‭ ‬والتطوير‭ ‬والنزعة‭ ‬لتقديم‭ ‬الإضافة‭ ‬والتميز‭ ‬والولاء‭ ‬للدولة‭. ‬

يأتي‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬تأكيد‭ ‬عديد‭ ‬الجهات‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬بوادر‭ ‬تعافي‭ ‬للدولة‭ ‬ما‭ ‬انفكت‭ ‬تلوح‭ ‬مظاهرها‭ ‬ونتائجها‭ ‬للعيان‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬خدمات‭ ‬النقل‭ ‬أو‭ ‬الصحة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عادت‭ ‬‮«‬الحياة‮»‬‭ ‬لبعض‭ ‬المستشفيات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬الجمهورية‭ ‬بفضل‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬انتهاجها‭ ‬في‭ ‬الغرض‭ ‬لتعميم‭ ‬الخدمات‭ ‬الصحية‭ ‬وتقريبها‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬جهات‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تردت‭ ‬فيه‭ ‬الخدمات‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬المستشفيات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الصحية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العشرية‭ ‬الماضية‭.‬

كما‭ ‬ساهمت‭ ‬جملة‭ ‬التشريعات‭ ‬والإجراءات‭ ‬والقرارات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اتخاذها‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مختلفة‭ ‬شملت‭ ‬الفلاحة‭ ‬بجميع‭ ‬قطاعاتها‭ ‬ومجالاتها‭ ‬والتجارة‭ ‬والصناعة‭ ‬والاستثمار‭ ‬والصحة‭ ‬والنقل‭ ‬والإدارة‭ ‬والبيئة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬الأخرى،‭ ‬في‭ ‬إضفاء‭ ‬نفس‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬الدولة‭ ‬داخليا‭ ‬وخارجيا،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬بالفائدة‭ ‬على‭ ‬التونسيين،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬مسألة‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬سلطة‭ ‬الإشراف‭ ‬شعارها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬تمر‭ ‬عبر‭ ‬تحقيق‭ ‬السيادة‭ ‬الأمنية‭ ‬والغذائية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تعمل‭ ‬الغرفة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للجهات‭ ‬والأقاليم‭ ‬بمعية‭ ‬المجالس‭ ‬المحلية‭ ‬والجهوية‭ ‬على‭ ‬الدفع‭ ‬لتكريسه‭ ‬عبر‭ ‬برامج‭ ‬ومبادرات‭ ‬استثمار‭ ‬محلية‭ ‬وجهوية‭ ‬ووطنية‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬الخصوصية‭ ‬المحلية‭ ‬والجهوية‭.‬

فبعد‭ ‬أن‭ ‬توفرت‭ ‬ملامح‭ ‬الظروف‭ ‬والشروط‭ ‬التشريعية‭ ‬والقانونية‭ ‬لتتحد‭ ‬مع‭ ‬الإرادة‭ ‬الرسمية‭ ‬للدولة‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬منطلقا‭ ‬عمليا‭ ‬يؤشر‭ ‬لمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬ونقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الدولة‭ ‬ومقدراتها‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل‭ ‬الذي‭ ‬ينتظره‭ ‬التونسيون‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬بلادنا‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مجاراة‭ ‬نسق‭ ‬التغييرات‭ ‬والتحديات‭ ‬الوطنية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬ومنطلقا‭ ‬حقيقيا‭ ‬لبناء‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬يتطلع‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬التونسيين‭.‬



نزيهة‭ ‬الغضباني

للقطع‭ ‬مع‭ ‬أساليب‭ ‬الماضي.. تونس‭ ‬تمضي‭ ‬نحو‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية

مرة‭ ‬أخرى‭ ‬يؤكد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬‮«‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬وضع‭ ‬مشاريع‭ ‬النصوص‭ ‬بشكل‭ ‬يقطع‭ ‬نهائيا‭ ‬مع‭ ‬الماضي‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬خلال‭ ‬لقائه‭ ‬الأخير‭ ‬برئيسة‭ ‬الحكومة‭ ‬سارة‭ ‬الزعفراني‭ ‬الزنزري،‭ ‬وهي‭ ‬المسألة‭ ‬التي‭ ‬يتقاطع‭ ‬فيها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬مع‭ ‬مطلب‭ ‬ودعوة‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭ ‬ممن‭ ‬ينتصرون‭ ‬لمشروع‭ ‬الإصلاح‭ ‬وبناء‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭.‬

إن‭ ‬مراجعة‭ ‬وإصلاح‭ ‬وتجديد‭ ‬الآليات‭ ‬القانونية‭ ‬والتشريعية‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬عمل‭ ‬منظومة‭ ‬الدولة،‭ ‬والمضي‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬خارجة‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الواقع‭ ‬والوضع‭ ‬والإمكانيات‭ ‬والأهداف‭ ‬والتحديات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالدولة‭ ‬التونسية،‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أوكد‭ ‬الخطوات‭ ‬الناجعة‭ ‬لبناء‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭ ‬لتكون‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬تحقيق‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يكون‭ ‬القطع‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬مدخلات‭ ‬الفساد‭ ‬والمحسوبية‭ ‬ومظاهر‭ ‬وضع‭ ‬القوانين‭ ‬وسن‭ ‬التشريعات‭ ‬‮«‬تحت‭ ‬وحسب‭ ‬الطلب‮»‬‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أسباب‭ ‬رفض‭ ‬الشارع‭ ‬التونسي‭ ‬لتلك‭ ‬المنظومات‭ ‬والأنظمة‭ ‬والقطع‭ ‬مع‭ ‬رموزها‭ ‬أو‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬طرفا‭ ‬فاعلا‭ ‬فيها‭. ‬

‭ ‬ولئن‭ ‬شكل‭ ‬دستور‭ ‬2022‭ ‬أولى‭ ‬الخطوات‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬المنظومات‭ ‬السابقة‭ ‬قياسا‭ ‬لما‭ ‬تضمنه‭ ‬من‭ ‬خطوط‭ ‬عريضة‭ ‬وتحديد‭ ‬توجهات‭ ‬وخيارات‭ ‬للمسار‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الذي‭ ‬يقوده‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية،‭ ‬فإن‭ ‬للوظيفة‭ ‬التشريعية‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬الحالي‭ ‬بغرفتين‭ ‬دور‭ ‬للحسم‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬مراجعة‭ ‬وسن‭ ‬تشريعات‭ ‬تتماشى‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬وأهدافها‭ ‬وأبعادها‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬مسار‭ ‬بناء‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬فلسفة‭ ‬تكريس‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بما‭ ‬تعنيه‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬المواطن‭ ‬التونسي‭ ‬لدولته‭ ‬وترجمة‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬والقوانين‭ ‬والتشريعات‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬وبرامج‭ ‬وخدمات‭ ‬لفائدة‭ ‬التونسيين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬السواء‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬جهات‭ ‬الجمهورية‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭. ‬وهو‭ ‬توجه‭ ‬يراهن‭ ‬في‭ ‬تفاصيله‭ ‬وأبعاده‭ ‬على‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬المركزية‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬مظاهر‭ ‬التهميش‭ ‬والتفاوت‭ ‬بين‭ ‬المناطق‭ ‬والجهات‭ ‬والمواطنين‭.‬

ولعل‭ ‬في‭ ‬تشديد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التحدّي‭ ‬لا‭ ‬يُقابل‭ ‬إلا‭ ‬برفعه‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬مصدره‮»‬‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تأكيده‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬وتأكيد‭ ‬التمسك‭ ‬بمسار‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬أواصر‭ ‬المنظومات‭ ‬السابقة‭ ‬شكلا‭ ‬ومضمونا،‭ ‬دستوريا‭ ‬وقانونيا‭ ‬وتشريعيا،‭ ‬ما‭ ‬يبين‭ ‬أن‭ ‬مسار‭ ‬الإصلاح‭ ‬متواصل،‭ ‬لكن‭ ‬وفق‭ ‬آليات‭ ‬وأدوات‭ ‬لا‭ ‬تدعو‭ ‬للتشكيك‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬للطعن‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬شرعيتها‭ ‬واستجابتها‭ ‬لتوفر‭ ‬الشروط‭ ‬القانونية‭.‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬لإعلان‭ ‬مكتب‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬عن‭ ‬إحالة‭ ‬دفعة‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬القوانين‭ ‬وطرحها‭ ‬للدراسة‭ ‬والنقاش‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬اللجان‭ ‬المعنية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬قوانين‭ ‬لطالما‭ ‬شكلت‭ ‬محور‭ ‬جدل‭ ‬ومحل‭ ‬مزايدات‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬الأوساط‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬الماضية،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬المبادرة‭ ‬التشريعية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتنقيح‭ ‬المرسوم‭ ‬54‭ ‬المتعلق‭ ‬بمكافحة‭ ‬الجرائم‭ ‬المتصلة‭ ‬بأنظمة‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصال،‭ ‬والمبادرة‭ ‬التشريعية‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بضبط‭ ‬القانون‭ ‬الأساسي‭ ‬للبنك‭ ‬المركزي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬قوانين‭ ‬أخرى،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيمثل‭ ‬إضافة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬تكريس‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬لذلك‭ ‬لاقى‭ ‬قرار‭ ‬مكتب‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬الإعلان‭ ‬رسميا‭ ‬عن‭ ‬خروج‭ ‬دفعة‭ ‬هامة‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬القوانين‭ ‬للتداول‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬اللجان‭ ‬المختصة‭ ‬والاحتكام‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬مواقف‭ ‬وآراء‭ ‬وتوجهات‭ ‬ممثلي‭ ‬الوزارات‭ ‬والهياكل‭ ‬المعنية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المختصين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المجالات،‭ ‬ترحيبا‭ ‬واسعا‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأوساط‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬سيساهم‭ ‬في‭ ‬تسريع‭ ‬مسار‭ ‬الإصلاح‭ ‬بما‭ ‬يهدف‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تكريس‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

ويرى‭ ‬متابعون‭ ‬لهذه‭ ‬المسألة‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬طالما‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬الإدارة‭ ‬وتطوير‭ ‬الخدمات‭ ‬والمراهنة‭ ‬على‭ ‬الكفاءات‭ ‬التي‭ ‬تزخر‭ ‬بها‭ ‬بلادنا‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬وإدارة‭ ‬المرفق‭ ‬العمومي‭ ‬بما‭ ‬تمثله‭ ‬من‭ ‬نزعة‭ ‬للتغيير‭ ‬الجذري‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تبين‭ ‬للجميع‭ ‬السير‭ ‬البطيء‭ ‬لـ«ماكينة‮»‬‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬رغم‭ ‬اتضاح‭ ‬بوصلة‭ ‬الإصلاح‭ ‬والبناء‭ ‬لتكريس‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬نص‭ ‬عليها‭ ‬الدستور‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬فصول‭ ‬عديدة،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬أشار‭ ‬في‭ ‬لقائه‭ ‬الأخير‭ ‬برئيسة‭ ‬الحكومة،‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬أو‭ ‬محاولات‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬بـ«فلول‭ ‬الردة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬ضد‭ ‬مسار‭ ‬الإصلاح‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تعطيله‭.‬

وأوضح‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬خلال‭ ‬نفس‭ ‬اللقاء،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العديد‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الشهائد‭ ‬العليا‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬تحمّل‭ ‬المسؤوليات‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لهم‭ ‬الخبرة‭ ‬المطلوبة،‭ ‬فتونس‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يخدمها‭ ‬بروح‭ ‬وطنية‭ ‬راسخة‭ ‬وثابتة،‭ ‬لا‭ ‬بمن‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬الامتيازات‭ ‬ويعتقد‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬ومقدّراتها‭ ‬غنيمة‮»‬،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬على‭ ‬الصفحة‭ ‬الرسمية‭ ‬لرئاسة‭ ‬الجمهورية‭.‬

كما‭ ‬أشار‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬لقائه‭ ‬مع‭ ‬وزير‭ ‬الشؤون‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬عصام‭ ‬الأحمر‭ ‬منذ‭ ‬يومين‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬القطع‭ ‬‮«‬مع‭ ‬التشريعات‭ ‬السابقة‭ ‬ومشاريع‭ ‬التنقيح‭ ‬السابقة‭ ‬لضمان‭ ‬حقوق‭ ‬العمال‭ ‬إمّا‭ ‬لأسباب‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬أخرى‭ ‬فنية‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬المقارنة‭ ‬نتيجة‭ ‬للتغيّرات‭ ‬التكنولوجية‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬تناول‭ ‬مشروع‭ ‬النص‭ ‬المتعلق‭ ‬بتحديد‭ ‬المنحة‭ ‬إثر‭ ‬التسريح‭ ‬لأسباب‭ ‬اقتصادية‭.‬

وشدّد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬ماضية‭ ‬في‭ ‬سياستها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لأن‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬هو‭ ‬المقدمة‭ ‬الطبيعية‭ ‬الأولى‭ ‬للتنمية‭ ‬العادلة‭ ‬والمنصفة‭.‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬جملة‭ ‬الإجراءات‭ ‬والقرارات‭ ‬‮«‬الاجتماعية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اتخاذها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬لعل‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬المناولة‭ ‬وآليات‭ ‬التشغيل‭ ‬الهش‭ ‬ومراجعة‭ ‬مجلة‭ ‬الشغل‭ ‬وتسوية‭ ‬ملفات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬وفق‭ ‬تلك‭ ‬الآليات‭ ‬‮«‬الهشة‮»‬‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬والقطاعات‭ ‬والمستويات‭.‬

وكانت‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬قد‭ ‬دعت‭ ‬منذ‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬إلى‭ ‬المضي‭ ‬قدما‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬تسوية‭ ‬ملف‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الدكاترة‭ ‬والباحثين‭ ‬المعطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬وانطلاق‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬المتداخلة‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬برامج‭ ‬موجهة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬تشغيلية‭ ‬لهذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬والكفاءات‭ ‬الوطنية،‭ ‬بعد‭ ‬تحديد‭ ‬احتياجات‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬وهياكلها‭ ‬وقطاعاتها‭ ‬لذلك‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تمليه‭ ‬وتتطلبه‭ ‬الحاجيات‭ ‬ومجالات‭ ‬التخصص‭.‬

ويراهن‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬على‭ ‬الإيمان‭ ‬بمشروع‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الجديدة‭ ‬والتعلق‭ ‬بالوطنية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬آليات‭ ‬الفرز‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العملية،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يقطع‭ ‬مع‭ ‬آليات‭ ‬وسبل‭ ‬الانتداب‭ ‬والتشغيل‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬آليات‭ ‬المحسوبية‭ ‬والولاءات‭ ‬الحزبية‭ ‬والشخصية‭ ‬والرشوة‭ ‬والفساد‭ ‬دون‭ ‬مبالاة‭ ‬بأهمية‭ ‬عوامل‭ ‬الكفاءة‭ ‬وإرادة‭ ‬التطور‭ ‬والتطوير‭ ‬والنزعة‭ ‬لتقديم‭ ‬الإضافة‭ ‬والتميز‭ ‬والولاء‭ ‬للدولة‭. ‬

يأتي‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬تأكيد‭ ‬عديد‭ ‬الجهات‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬بوادر‭ ‬تعافي‭ ‬للدولة‭ ‬ما‭ ‬انفكت‭ ‬تلوح‭ ‬مظاهرها‭ ‬ونتائجها‭ ‬للعيان‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬خدمات‭ ‬النقل‭ ‬أو‭ ‬الصحة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عادت‭ ‬‮«‬الحياة‮»‬‭ ‬لبعض‭ ‬المستشفيات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬الجمهورية‭ ‬بفضل‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬انتهاجها‭ ‬في‭ ‬الغرض‭ ‬لتعميم‭ ‬الخدمات‭ ‬الصحية‭ ‬وتقريبها‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬جهات‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تردت‭ ‬فيه‭ ‬الخدمات‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬المستشفيات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الصحية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العشرية‭ ‬الماضية‭.‬

كما‭ ‬ساهمت‭ ‬جملة‭ ‬التشريعات‭ ‬والإجراءات‭ ‬والقرارات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اتخاذها‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مختلفة‭ ‬شملت‭ ‬الفلاحة‭ ‬بجميع‭ ‬قطاعاتها‭ ‬ومجالاتها‭ ‬والتجارة‭ ‬والصناعة‭ ‬والاستثمار‭ ‬والصحة‭ ‬والنقل‭ ‬والإدارة‭ ‬والبيئة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬الأخرى،‭ ‬في‭ ‬إضفاء‭ ‬نفس‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬الدولة‭ ‬داخليا‭ ‬وخارجيا،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬بالفائدة‭ ‬على‭ ‬التونسيين،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬مسألة‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬سلطة‭ ‬الإشراف‭ ‬شعارها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬تمر‭ ‬عبر‭ ‬تحقيق‭ ‬السيادة‭ ‬الأمنية‭ ‬والغذائية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تعمل‭ ‬الغرفة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للجهات‭ ‬والأقاليم‭ ‬بمعية‭ ‬المجالس‭ ‬المحلية‭ ‬والجهوية‭ ‬على‭ ‬الدفع‭ ‬لتكريسه‭ ‬عبر‭ ‬برامج‭ ‬ومبادرات‭ ‬استثمار‭ ‬محلية‭ ‬وجهوية‭ ‬ووطنية‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬الخصوصية‭ ‬المحلية‭ ‬والجهوية‭.‬

فبعد‭ ‬أن‭ ‬توفرت‭ ‬ملامح‭ ‬الظروف‭ ‬والشروط‭ ‬التشريعية‭ ‬والقانونية‭ ‬لتتحد‭ ‬مع‭ ‬الإرادة‭ ‬الرسمية‭ ‬للدولة‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬منطلقا‭ ‬عمليا‭ ‬يؤشر‭ ‬لمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬ونقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الدولة‭ ‬ومقدراتها‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل‭ ‬الذي‭ ‬ينتظره‭ ‬التونسيون‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬بلادنا‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مجاراة‭ ‬نسق‭ ‬التغييرات‭ ‬والتحديات‭ ‬الوطنية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬ومنطلقا‭ ‬حقيقيا‭ ‬لبناء‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬يتطلع‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬التونسيين‭.‬



نزيهة‭ ‬الغضباني